تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآنللإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبريإمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)_________________________________سورة طه مَكيّة وآياتها خمسٌ وثلاثونَ وَمائة بِسمِ اللّه الرحمَن الرّحِيـمِ ١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {طه} قال أبو جعفر مـحمد بن جرير: اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: طَهَ فقال بعضهم: معناه يا رجل. ذكر من قال ذلك: ١٨٠٨٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا أبو تـميـلة، عن الـحسن بن واقد، عن يزيد النـحويّ، عن عكرمة، عن ابن عباس : طه: بـالنّبَطية: يا رجل. ٢١٨٠٨٣ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: طه ما أنْزَلْنا عَلَـيْكَ القُرآنَ لِتَشْقَـى فإن قومه قالوا: لقد شَقِـي هذا الرجل بربه، فأنزل اللّه تعالـى ذكره طَهَ يعني : يا رجل ما أنْزَلْنا عَلَـيْكَ القُرآنَ لِتَشْقَـى. ١٨٠٨٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي عبد اللّه بن مسلـم، أو يعلـى بن مسلـم، عن سعيد بن جبـير أنه قال: طه: يا رجل بـالسريانـية. قال ابن جريج: وأخبرنـي زمعة بن صالـح، عن سلـمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس ، بذلك أيضا. قال ابن جُرَيج، وقال مـجاهد ، ذلك أيضا. ١٨٠٨٥ـ حدثنا عمران بن موسى القزّاز، قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: حدثنا عُمارة، عن عكرمة، فـي قوله: طَهَ قال: يا رجل، كلـمه بـالنبطية. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن عكرمة، فـي قوله طَهَ قال: بـالنبطية: يا إنسان. ١٨٠٨٦ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، عن قرة بن خالد، عن الضحاك ، فـي قوله طَه قال: يا رجل بـالنبطية. حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن حُصَين، عن عكرمة فـي قوله طَهَ قال: يا رجل. ١٨٠٨٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله طَهَ قال: يا رجل، وهي بـالسريانـية. ١٨٠٨٨ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة والـحسن فـي قوله: طَهَ قالا: يا رجل. حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، يقول: أخبرنا عبـيد، يعني ابن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله طَهَ قال: يا رجل. وقال آخرون: هو اسم من أسماء اللّه ، وقَسَم أقسم اللّه به. ذكر من قال ذلك: ١٨٠٨٩ـ حدثنا علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، فـي قوله: طَهَ قال: فإنه قسم أقسم اللّه به، وهو اسم من أسماء اللّه . وقال آخرون: هو حروف هجاء. وقال آخرون: هو حروف مقطّعة يدلّ كلّ حرف منها علـى معنى، واختلفوا فـي ذلك اختلافهم فـي الـم، وقد ذكرنا ذلك فـي مواضعه، وبـيّنا ذلك بشواهده. والذي هو أولـى بـالصواب عندي من الأقوال فـيه: قول من قال: معناه: يا رجل، لأنها كلـمة معروفة فـي عكَ فـيـما بلغنـي، وأن معناها فـيهم: يا رجل، أنشدت لـمتـمـم بن نُويرة: هَتَفْتُ بطَهَ فِـي القِتالِ فَلَـمْ يُجبْ فخِفْتُ عَلَـيْهِ أنْ يَكونَ مُوَائِلا وقال آخر: إنّ السّفـاهَةَ طَهَ مِنْ خَلائِقِ كُمْلا بـارَكَ اللّه فِـي القَوْمِ الـمَلاعِينِ فإذا كان ذلك معروفـا فـيهم علـى ما ذكرنا، فـالواجب أن يوجه تأويـله إلـى الـمعروف فـيهم من معناه، ولا سيـما إذا وافق ذلك تأويـل أهل العلـم من الصحابة والتابعين. فتأويـل الكلام إذن: يا رجل ما أنزلنا علـيك القرآن لتشقـى، ما أنزلناه علـيك فنكلفك ما لا طاقة لك به من العمل. وذُكر أنه قـيـل له ذلك بسبب ما كان يـلقـى من النّصَب والعناء والسهر فـي قـيام اللـيـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٠٩٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ما أنْزَلْنا عَلَـيْكَ القُرآنَ لِتَشْقَـى قال: هي مثل قوله: فـاقْرَءُوا ما تَـيَسّرَ مِنْهُ فكانوا يعلقون الـحبـال فـي صدورهم فـي الصلاة. ١٨٠٩١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد ما أنْزَلْنا عَلَـيْكَ القُرآنَ لِتَشْقَـى قال: فـي الصلاة ك قوله: فـاقْرَءُوا ما تَـيَسّرَ مِنْهُ فكانوا يعلقون الـحبـال بصدورهم فـي الصلاة. ١٨٠٩٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ما أنْزَلْنا عَلَـيْكَ القُرآنَ لِتَشْقَـى لا واللّه ما جعله اللّه شقـيا، ولكن جعله رحمة ونورا، ودلـيلاً إلـى الـجنة. ٣و قوله: إلاّ تَذْكِرَةً لِـمَنْ يَخْشَى يقول تعالـى ذكره: ما أنزلنا علـيك هذا القرآن إلاّ تذكرة لـمن يخشى عقاب اللّه ، فـيتقـيه بأداء فرائض ربه واجتناب مـحارمه، كما: ١٨٠٩٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إلاّ تَذْكِرَةً لِـمَنْ يَخْشَى وإن اللّه أنزل كتبه، وبعث رسله رحمة رحم اللّه بها العبـاد، لـيتذكر ذاكر، وينتفع رجل بـما سمع من كتاب اللّه ، وهو ذكر له أنزل اللّه فـيه حلاله وحرامه، فقال: تَنْزِيلاً مِـمّنْ خَـلَقَ الأرْضَ والسّمَوَاتِ العُلَـى. ١٨٠٩٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: إلاّ تَذْكِرَةً لِـمَنْ يَخْشَى قال: الذي أنزلناه علـيك تذكرة لـمن يخشى. فمعنى الكلام إذن: يا رجل ما أنزلنا علـيك هذا القرآن لتشقـى به، ما أنزلناه إلاّ تذكرة لـمن يخشى. وقد اختلف أهل العربـية فـي وجه نصب تذكرة، فكان بعض نـحويـي البصرة يقول: قال: إلاّ تذكرة بدلاً من قوله لتشقـى، فجعله: ما أنزلنا علـيك القرآن إلاّ تذكرة. وكان بعض نـحويـي الكوفة يقول: نصبت علـى قوله: ما أنزلناه إلاّ تذكرة. وكان بعضهم ينكر قول القائل: نصبت بدلاً من قوله لِتَشْقَـى، ويقول: ذلك غير جائز، لأن لِتَشْقَـى فـي الـجحد، و إلاّ تَذْكِرَةً فـي التـحقـيق، ولكنه تكرير. وكان بعضهم يقول: معنى الكلام: ما أنزلنا علـيك القرآن إلاّ تذكرة لـمن يخشى، لا لتشقـى. ٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {تَنزِيلاً مّمّنْ خَلَق الأرْضَ وَالسّمَاوَاتِ الْعُلَى }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : هذا القرآن تنزيـل من الربّ الذي خـلق الأرض والسموات العلـى. والعُلَـى: جمع علـيا. واختلف أهل العربـية فـي وجه نصب قوله: تَنْزِيلاً فقال بعض نـحويـي البصرة: نصب ذلك بـمعنى: نزّل اللّه ذلك تنزيلاً. وقال بعض من أنكر ذلك من قـيـله هذا من كلامين، ولكن الـمعنى: هو تنزيـل، ثم أسقط هو، واتصل بـالكلام الذي قبله، فخرج منه، ولـم يكن من لفظه. قال أبو جعفر: والقولان جميعا عندي غير خطأ. ٥و قوله: الرّحْمَنُ عَلـى العَرْشِ اسْتَوَى يقول تعالـى ذكره: الرحمن علـى عرشه ارتفع وعلا. وقد بـيّنا معنى الاستواء بشواهده فـيـما مضى وذكرنا اختلاف الـمختلفـين فـيه فأغنى ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع. وللرفع فـي الرحمن وجهان: أحدهما بـمعنى قوله: تنزيلاً، فـيكون معنى الكلام: نزله من خـلق الأرض والسموات، نزله الرحمن الذي علـى العرش استوى. والاَخر ب قوله: عَلـى العَرْشِ اسْتَوَى لأن فـي قوله استوى، ذكرا من الرحمن. ٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لَهُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثّرَىَ }. يقول تعالـى ذكره: للّه ما فـي السموات وما فـي الأرض وما بـينهما، وما تـحت الثرى، ملكا له، وهو مدبر ذلك كله، ومصرّف جميعه. و يعني بـالثرى: الندى. يقال للتراب الرطب الـمبتلّ: ثرى منقوص، يقال منه: ثريت الأرض تثرى، ثرى منقوص، والثرى: مصدر. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٠٩٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَما تَـحْتَ الثّرَى والثّرَى: كلّ شيء مبتلّ. ١٨٠٩٦ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَما تَـحْتَ الثّرَى ما حفر من التراب مبتلاً. وإنـما عنى بذلك: وما تـحت الأرضين السبع. كالذي: ١٨٠٩٧ـ حدثنـي مـحمد بن إبراهيـم السلـيـمي الـمعروف بـابن صدران، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا مـحمد بن رفـاعة، عن مـحمد بن كعب وَما تَـحْتَ الثّرَى قال: الثرى: سبع أرضين. ٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنّهُ يَعْلَمُ السّرّ وَأَخْفَى }. يقول تعالـى ذكره: وإن تـجهر يا مـحمد بـالقول، أو تـخف به، فسواء عند ربك الذي له ما فـي السموات وما فـي الأرض فإنّهُ يَعْلَـمُ السّرّ يقول: فإنه لا يخفـى علـيه ما استسررته فـي نفسك، فلـم تبده بجوارحك ولـم تتكلـم بلسانك، ولـم تنطق به وأخفـى. ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بقوله وأخْفَـى فقال بعضهم: معناه: وأخفـى من السرّ، قال: والذي هو أخفـى من السرّ ما حدّث به الـمرء نفسه ولـم يعمله. ذكر من قال ذلك: ١٨٠٩٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عباس يَعْلَـمُ السّرّ وأخْفَـى قال: السرّ: ما عملته أنت وأخفـى: ما قذف اللّه فـي قلبك مـما لـم تعمله. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله يَعْلَـمُ السّرّ وأخْفَـى يعني بأخفـى: ما لـم يعمله، وهو عامله وأما السرّ: فـ يعني ما أسرّ فـي نفسه. حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله يَعْلَـمُ السّر وأخْفَـى قال: السرّ: ما أسرّ ابن آدم فـي نفسه. وأخفـى: قال: ما أخفـى ابن آدم مـما هو فـاعله قبل أن يعمله، فـاللّه يعلـم ذلك، فعلـمه فـيـما مضى من ذلك، وما بقـي علـم واحد، وجميع الـخلائق عنده فـي ذلك كنفس واحدة، وه و قوله: ما خَـلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إلاّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، قال سعيد بن جُبـير، عن ابن عباس : السرّ: ما أسرّ الإنسان فـي نفسه وأخفـى: ما لا يعلـم الإنسان مـما هو كائن. ١٨٠٩٩ـ حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة ومـحمد بن عمرو، قالا: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه : يَعْلَـمُ السّرّ وأخْفَـى قال: أخفـى: الوسوسة. زاد ابن عمرو والـحارث فـي حديثـيهما: والسرّ: العمل الذي يسرّون من الناس. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد وأخْفَـى قال: الوسوسة. ١٨١٠٠ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، فـي قوله يَعْلَـمُ السّرّ وأخْفَـى قال: أخفـى حديث نفسك. ١٨١٠١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا الـحسين بن الـحسن الأشقر، قال: حدثنا أبو كُدَينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عباس ، فـي قوله يَعْلَـمُ السّرّ وأخْفَـى قال: السرّ: ما يكون فـي نفسك الـيوم. وأخفـى: ما يكون فـي غد وبعد غد، لا يعلـمه إلاّ اللّه . وقال آخرون: بل معناه: وأخفـى من السرّ ما لـم تـحدّث به نفسك. ذكر من قال ذلك: ١٨١٠٢ـ حدثنا الفضل بن الصبـاح، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن عطاء، عن سعيد بن جُبـير، فـي قوله: يَعْلَـمُ السّرّ وأخْفَـى قال: السرّ: ما أسررت فـي نفسك وأخفـى من ذلك: ما لـم تـحدّث به نفسك. ١٨١٠٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَإنْ تَـجْهَرْ بـالقَوْلِ فإنّهُ يَعْلَـمُ السّرّ وأخْفَـى كنا نـحدث أن السرّ ما حدّثت به نفسك، وأن أخفـى من السرّ: ما هو كائن مـما لـم تـحدّث به نفسك. ١٨١٠٤ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا سلـيـمان بن حرب، قال: حدثنا أبو هلال، قال: حدثنا أبو قتادة ، قوله فـي يَعْلَـمُ السّرّ وأخْفَـى قال: يعلـم ما أسررت فـي نفسك، وأخفـى: ما لـم يكن وهو كائن. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله يَعْلَـمُ السّرّ وأخْفَـى قال: أخفـى من السرّ: ما حدّثت به نفسك، وما لـم تـحدث به نفسك أيضا مـما هو كائن. ١٨١٠٥ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: يَعْلَـمُ السّرّ وأخْفَـى أما السرّ: فما أسررت فـي نفسك. وأما أخفـى من السرّ: فما لـم تعمله وأنت عامله، يعلـم اللّه ذلك كله. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنه يعلـم سرّ العبـاد، وأخفـى سرّ نفسه، فلـم يطلع علـيه أحدا. ذكر من قال ذلك: ١٨١٠٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله يَعْلَـمُ السّرّ وأخْفَـى قال: يعلـم أسرار العبـاد، وأخفـى سرّه فلا يعلـم. قال أبو جعفر: وكأن الذين وجّهوا ذلك إلـى أن السرّ هو ما حدّث به الإنسان غيره سرّا، وأن أخفـى: معناه: ما حدّث به نفسه، وجهوا تأويـل أخفـى إلـى الـخفـيّ. وقال بعضهم: قد توضع أفعل موضع الفـاعل، واستشهدوا لقـيـلهم ذلك بقول الشاعر: تَـمَنّى رِجالٌ أنْ أمُوتَ وَإنْ أمُتْفتلكَ طَرِيقٌ لَسْتُ فِـيها بأوْحَدِ والصواب من القول فـي ذلك، قول من قال: معناه: يعلـم السرّ وأخفـى من السرّ، لأن ذلك هو الظاهر من الكلام ولو كان معنى ذلك ما تأوّله ابن زيد، لكان الكلام: وأخفـى اللّه سرّه، لأن أخفـى: فعل واقع متعدّ، إذ كان بـمعنى فعل علـى ما تأوّله ابن زيد، وفـي انفراد أخفـى من مفعوله، والذي يعمل فـيه لو كان بـمعنى فعل الدلـيـل الواضح علـى أنه بـمعنى أفعل، وأن تأويـل الكلام: فإنه يعلـم السرّ وأخفـى منه. فإذ كان ذلك تأويـله، فـالصواب من القول فـي معنى أخفـى من السرّ أن يقال: هو ما علـم اللّه مـما أخفـى عن العبـاد، ولـم يعلـموه مـما هو كائن ولـما يكن، لأن ما ظهر وكان فغير سرّ، وأن ما لـم يكن وهو غير كائن فلا شيء، وأن ما لـم يكن وهو كائن فهو أخفـى من السرّ، لأن ذلك لا يعلـمه إلاّ اللّه ، ثم من أعلـمه ذلك من عبـاده. ٨وأما قوله تعالـى ذكره: اللّه لا إلهَ إلاّ هُوَ فإنه يعني به: الـمعبود الذي لا تصلـح العبـادة إلاّ له. يقول: فإياه فـاعبدوا أيها الناس دون ما سواه من الاَلهة والأوثان لَهُ الأسْماءُ الـحُسْنَى يقول جلّ ثناؤه: لـمعبودكم أيها الناس الأسماء الـحسنى، فقال: الـحسنى، فوحّد، وهو نعت للأسماء، ولـم يقل الأحاسن، لأن الأسماء تقع علـيها هذه، فـيقال: هذه أسماء، وهذه فـي لفظة واحدة ومنه قول الأعشى: وَسَوْفَ يُعْقِبُنِـيهِ إنْ ظَفِرْتُ بِهِرَبّ غَفُورٌ وَبِـيضٌ ذاتُ أطْهارِ فوحد ذات، وهو نعت للبـيض لأنه يقع علـيه هذه، كما قال: حَدائقَ ذاتَ بهجةٍ ومنه قوله جلّ ثناؤه: مآرِبُ أُخْرَى فوحد أخرى، وهي نعت لـمآرب، والـمآرب: جمع، واحدتها: مأربة، ولـم يقل أُخر، لـما وصفنا، ولو قـيـل: أُخَر، لكان صوابـا. ٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىَ }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم مسلـيه عما يـلقـى من الشدّة من مشركي قومه، ومعرفه ما إلـيه صائر أمره وأمرهم، وأنه معلـيه علـيهم، وموهن كيد الكافرين، ويحثه علـى الـجدّ فـي أمره، والصبر علـى عبـادته، وأن يتذكر فـيـما ينوبه فـيه من أعدائه من مُشركي قومه وغيرهم، وفـيـما يزاول من الاجتهاد فـي طاعته ما ناب أخاه موسى صلوات اللّه علـيه من عدوّه، ثم من قومه، ومن بنـي إسرائيـل وما لقـي فـيه من البلاء والشدّة طفلاً صغيرا، ثم يافعا مترعرعا، ثم رجلاً كاملاً: وَهَل أتاكَ يا مـحمد حَدِيثُ مُوسَى ابن عمران ١٠إذْ رأى نارا؟ ذكر أن ذلك كان فـي الشتاء لـيلاً، وأن موسى كان أضلّ الطريق فلـما رأى ضوء النار قالَ لأَهْلِهِ ما قال. ذكر من قال ذلك: ١٨١٠٧ـ حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عباس ، قال: لـما قضى موسى الأجل، سار بأهله فضلّ الطريق. قال عبد اللّه بن عباس : كان فـي الشتاء، ورُفعت لهم نار فلـما رآها ظنّ أنها نار، وكانت من نور اللّه قالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إنّـي آنَسْتُ نارا. ١٨١٠٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبه الـيـمانـي، قال: لـما قضى موسى الأجل، خرج ومعه غنـم له، ومعه زند له، وعصاه فـي يده يهشّ بها علـى غنـمه نهارا، فإذا أمسى اقتدح بزنده نارا، فبـات علـيها هو وأهله وغنـمه، فإذا أصبح غدا بأهله وبغنـمه، فتوكأ علـى عصاه، فلـما كانت اللـيـلة التـي أراد اللّه بـموسى كرامته، وابتداءه فـيها بنبوّته وكلامه، أخطأ فـيه الطريق حتـى لا يدري أين يتوجه، فأخرج زنده لـيقتدح نارا لأهله لـيبـيتوا علـيها حتـى يصبح، ويعلـم وجه سبـيـله، فأصلد زنده فلا يورى له نارا، فقدح حتـى أعياه، لاحت النار فرآها، ف قَالَ لأهلهِ امْكُثُوا إنّـي آنَسْتُ نارا لَعَلّـي آتِـيكُمْ مِنْها بقَبَسٍ أوْ أجِدُ عَلـى النّارِ هُدًى. وعنى ب قوله: آنَسْتُ نارا وجدت، ومن أمثال العرب: بعد اطلاع إيناس، ويقال أيضا: بعد طلوع إيناس، وهو مأخوذ من الأنس. و قوله: لَعَلّـي آتِـيكُمْ مِنْها بقَبسٍ يقول: لعلـي أجيئكم من النار التـي آنست بشُعْلة. والقَبَس: هو النار فـي طَرَف العود أو القصبة. يقول القائل لصاحبه: أقبسنـي نارا، فـيعطيه إياها فـي طرف عود أو قصبة. وإنـما أراد موسى بقوله لأهله: لَعَلّـي آتِـيكُمْ مِنْها بقَبَسٍ لعلـي آتـيكم بذلك لتصطلوا به، كما: ١٨١٠٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبه لَعَلّـي آتِـيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ قال: بقبس تَصْطَلون. و قوله: أوْ أجِدُ عَلـى النّارِ هُدًى دلالة تدلّ علـى الطريق الذي أضللناه، إما من خبر هاد يهدينا إلـيه، وإما من بـيان وعلـم نتبـينه به ونعرفه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨١١٠ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: أوْ أجِدُ عَلـى النّارِ هُدًى يقول: من يدلّ علـى الطريق. ١٨١١١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه : أوْ أجِدُ عَلـى النّارِ هُدًى قال: هاديا يهديه الطريق. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد ، مثله. ١٨١١٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد عن قتادة قوله: أوْ أجِدُ عَلـى النّارِ هُدًى: أي هداة يهدونه الطريق. ١٨١١٣ـ حدثنـي أحمد بن الـمقدام، قال: حدثنا الـمعتـمر، قال: سمعت أبـي يحدّث، عن قتادة ، عن صاحب له، عن حديث ابن عباس ، أنه زعم أنها أَيـلة أوْ أجِدُ عَلـى النّارِ هُدًى. وقال أبـيّ: وزعم قتادة أنه هدى الطريق. حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله أوْ أجِدُ عَلـى النّارِ هُدًى قال: من يهدينـي إلـى الطريق. ١٨١١٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبه أوْ أجِدُ عَلـى النّارِ هُدًى قال: هدى عن علـم الطريق الذي أضللنا بنعت من خبر. ١٨١١٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا سفـيان، عن أبـي سعيد، عن عكرمة، قال: قال ابن عباس لَعَلّـي آتِـيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أوْ أجِدُ عَلـى النّارِ هُدًى قال: كانوا أضلوا عن الطريق، فقال: لعلـي أجد من يدلنـي علـى الطريق، أو آتـيكم بقبس لعلكم تصطلون. ١١انظر تفسير الآية:١٢ ١٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّآ أَتَاهَا نُودِيَ يَمُوسَىَ }. يقول تعالـى ذكره: فلـما أتـى النار موسى، ناداه ربه: يا مِوسَى * إنّـي رَبّك فـاخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ كما: ١٨١١٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبه، قال: خرج موسى نـحوها، يعني نـحو النار، فإذا هي فـي شجر من العلـيق، وبعض أهل الكتاب يقول فـي عوسجة فلـما دنا استأخرت عنه فلـما رأى استئخارها رجع عنها، وأوجس فـي نفسه منها خيفة فلـما أراد الرجعة، دنت منه ثم كلـم من الشجرة، فلـما سمع الصوت استأنس، وقال اللّه تبـارك وتعالـى: يا مُوسَى اخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ إنّكَ بـالوَادِ الـمُقَدّسِ طُوًى فخـلعها فألفـاها. واختلف أهل العلـم فـي السبب الذي من أجله أمر اللّه موسى بخـلع نعلـيه، فقال بعضهم: أمره بذلك، لأنهما كانتا من جلد حمار ميت، فكره أن يطأ بهما الوادي الـمقدّس، وأراد أن يـمسه من بركة الوادي. ذكر من قال ذلك: ١٨١١٧ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن عاصم، عن أبـي قلابة، عن كعب، أنه رآهم يخـلعون نعالهم اخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ إنّكَ بـالوَادِ الـمُقَدّسِ طُوى فقال: كانت من جلد حمار ميت، فأراد اللّه أن يـمسه القدس. ١٨١١٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الـحسين، عن يزيد، عن عكرمة، فـي قوله فـاخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ قال: كانتا من جلد حمار ميت. ١٨١١٩ـ حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعد، عن قتادة ، قال: حدثنا، أن نعلـيه كانتا من جلد حمار، فخـلعهما ثم أتاه. حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله فـاخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ قال: كانتا من جلد حمار، فقـيـل له اخـلعهما. ١٨١٢٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج. قال: وأخبرنـي عمر بن عطاء عن عكرمة وأبو سفـيان، عن معمر، عن جابر الـجعفـي، عن علـيّ بن أبـي طالب فـاخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ قال: كانتا من جلد حمار، فقـيـل له اخـلعهما. قال: وقال قتادة مثل ذلك. وقال آخرون: كانتا من جلد بقر، ولكن اللّه أراد أن يطأ موسى الأرض بقدميه، لـيصل إلـيه بركتها. ذكر من قال ذلك: ١٨١٢١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، قال الـحسن: كانتا، يعني نعلـي موسى، من بقر، ولكن إنـما أراد اللّه أن يبـاشر بقدميه بركة الأرض، وكان قد قدس مرّتـين. قال ابن جُرَيْج: وقـيـل لـمـجاهد : زعموا أن نعلـيه كانتا من جلد حمار أو ميتة، قال: لا، ولكنه أمر أن يبـاشر بقدميه بركة الأرض. ١٨١٢٢ـ حدثنـي يعقوب، قال: قال أبو بشر، يعني ابن علـية، سمعت ابن أبـي نـجيح، يقول فـي قوله: فـاخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ إنّكَ بـالْوَادِ الـمُقَدّسِ طُوًى قال: يقول: أفض بقدميك إلـى بركة الوادي. قال أبو جعفر: وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال: أمره اللّه تعالـى ذكره بخـلع نعلـيه لـيبـاشر بقدميه بركة الوادي، إذ كان واديا مقدسا. وإنـما قلنا ذلك أولـى التأويـلـين بـالصواب، لأنه لا دلالة فـي ظاهر التنزيـل علـى أنه أمر بخـلعهما من أجل أنهما من جلد حمار ولا لنـجاستهما، ولا خبر بذلك عمن يـلزم بقوله الـحجة، وإن فـي قوله إنّكَ بـالوَادِ الـمُقَدّسِ بعقبه دلـيلاً واضحا، علـى أنه إنـما أمره بخـلعهما لـما ذكرنا. ولو كان الـخبر الذي: ١٨١٢٣ـ حدثنا به بشر قال: حدثنا خـلف بن خـلـيفة عن حميد بن عبد اللّه بن الـحارث، عن ابن مسعود، عن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال: (يَوْمَ كَلّـمَ اللّه مُوسَى، كانَتْ عَلَـيْهِ جُبّةُ صُوفٍ وكساءُ صُوفٍ، وسَرَاوِيـلُ صُوفٍ، وَنَعْلانِ مِنْ جِلْدِ حِمارٍ غيرِ مُذَكَى) صحيحا لـم نعده إلـى غيره، ولكن فـي إسناده نظر يجب التثبت فـيه. واختلفت القراءة فـي قراءة قوله: إنّـي أنا رَبّكَ فقرأ ذلك بعض قرّاء الـمدينة والبصرة: (نُودِيَ يا مُوسَى أنّـي) بفتـح الألف من (أنـي) ، فأنّ علـى قراءتهم فـي موضع رفع ب قوله: نودي، فإن معناه كان عندهم: نودي هذا القول. وقرأه بعض عامة قرّاء الـمدينة والكوفة بـالكسر: نُودِيَ يا موسى إنـي علـى الابتداء، وأن معنى ذلك قـيـل: يا موسى إنـي. قال أبو جعفر: والكسر أولـى القراءتـين عندنا بـالصواب، وذلك أن النداء قد حال بـينه وبـين العمل فـي أن قوله (يا موسى) ، وحظ قوله (نودي) أن يعمل فـي أن لو كانت قبل قوله (يا موسى) ، وذلك أن يقال: نودي أن يا موسى إنـي أنا ربك، ولا حظّ لها فـي (إن) التـي بعد موسى. وأما قوله: إنّكَ بـالوَادِ الـمُقَدّسِ فإنه يقول: إنك بـالوادي الـمطهر الـمبـارك، كما: ١٨١٢٤ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: إنّكَ بـالوَادِ الـمُقَدّسِ يقول: الـمبـارك. ١٨١٢٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مـجاهد ، قوله إنّكَ بـالوَادِ الـمُقَدّسِ طُوًى قال: قُدّس بُورك مرّتـين. ١٨١٢٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قوله: إنّكَ بـالوَادِ الـمُقَدّسِ طُوًى قال: بـالوادي الـمبـارك. واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله طُوًى فقال بعضهم: معناه: إنك بـالوادي الـمقدس طويته، فعلـى هذا القول من قولهم طوى مصدر خرج من غير لفظه، كأنه قال: طويت الوادي الـمقدس طوى. ذكر من قال ذلك: ١٨١٢٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس : قوله: إنّكَ بـالوَادِ الـمُقَدّسِ طُوًى يعني الأرض الـمقدسة، وذلك أنه مرّ بواديها لـيلاً فطواه، يقال: طويت وادي كذا وكذا طوى من اللـيـل، وارتفع إلـى أعلـى الوادي، وذلك نبـيّ اللّه موسى صلى اللّه عليه وسلم . وقال آخرون: بل معنى ذلك: مرّتـين، وقال: ناداه ربه مرّتـين فعلـى قول هؤلاء طوى مصدر أيضا من غير لفظه، وذلك أن معناه عندهم: نودي يا موسى مرّتـين نداءين. وكان بعضهم ينشد شاهدا لقوله طوى، أنه بـمعنى مرّتـين، قول عديّ بن زيد العبـادي: أعاذِلَ إنّ اللّوْمَ فِـي غَيْرِ كُنْهِهِعَلـيّ طُوىً مِنْ غَيّكِ الـمُتَرَدّدِ وروى ذلك آخرون: (علـيّ ثِنىً) : أي مرّة بعد أخرى، وقالوا: طُوىً ونِثىً بـمعنى واحد. ذكر من قال ذلك: ١٨١٢٨ـ حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، فـاخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ إنّكَ بـالوَادِ الـمُقَدّسِ طُوًى كنا نـحدّث أنه واد قدّس مرّتـين، وأن اسمه طُوَى. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنه قدّس طوى مرّتـين. ذكر من قال ذلك: ١٨١٢٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جُرَيج، قال الـحسن: كان قد قدّس مرّتـين. وقال آخرون: بل طُوى: اسم الوادي. ذكر من قال ذلك: ١٨١٣٠ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: طُوَى: اسم للوادي. ١٨١٣١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد : طُوى: قال: اسم الوادي. ١٨١٣٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله بـالوَادِ الـمُقَدّسِ طُوًى قال: ذاك الوادي هو طوى، حيث كان موسى، وحيث كان إلـيه من اللّه ما كان. قال: وهو نـحو الطور. وقال آخرون: بل هو أمر من اللّه لـموسى أن يطأ الوادي بقدميه. ذكر من قال ذلك: ١٨١٣٣ـ حدثنا مـحمد بن منصور الطوسي، قال: حدثنا صالـح بن إسحاق، عن جعفر بن برقان، عن عكرِمة، عن ابن عباس ، فـي قول اللّه تبـارك وتعالـى: اخْـلَعْ نَعْلَـيْكَ إنّكَ بـالوَادِ الـمُقَدّسِ طُوًى قال: طأ الوادي. ١٨١٣٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا الـحسن، عن يزيد، عن عكرمة، فـي قوله: طُوًى قال: طأ الوادي. ١٨١٣٥ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن سعيد بن جبـير، فـي قول اللّه طُوًى قال: طأ الأرض حافـيا، كما تدخـل الكعبة حافـيا، يقول: من بركة الوادي. ١٨١٣٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد طُوًى طأ الأرض حافـيا. واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأه بعض قرّاء الـمدينة: (طُوَى) بضم الطاء وترك التنوين، كأنهم جعلوه اسم الأرض التـي بها الوادي، كما قال الشاعر: نَصَرُوا نَبِـيّهُمُ وَشَدّوا أزْرَهُبِحُنَـيْنَ حِينَ تَوَاكُلِ الأبْطالِ فلـم يجرّ حنـين، لأنه جعله اسما للبلدة لا للوادي ولو كان جعله اسما للوادي لأجراه كما قرأت القرّاء: وَيَوْمَ حُنَـيْنٍ، إذْ أعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ، وكما قال الاَخر: ألَسْنا أكْرَمَ الثّقَلَـيْنِ رَحْلاًوأعْظَمَهُمْ بِبَطْنِ حرَاءَ نارَا فلـم يجرّ حراء، وهو جبل، لأنه جعله اسما للبلدة، فكدلك (طُوَى) فـي قراءة من لـم يجره جعله اسما للأرض. وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الكوفة: طُوًى بضم الطاء والتنوين وقارئو ذلك كذلك مختلفون فـي معناه علـى ما قد ذكرت من اختلاف أهل التأويـل فأما من أراد به الـمصدر من طويت، فلا مؤنة فـي تنوينه وأما من أراد أن يجعله اسما للوادي، فإنه إنـما ينوّنه لأنه اسم ذكر لا مؤنث، وأن لام الفعل منه ياء، فزاده ذلك خفة فأجراه كما قال اللّه : وَيَوْمَ حُنَـيْنٍ إذ كان حنـين اسم واد، والوادي مذكر. قال أبو جعفر: وأولـى القولـين عندي بـالصواب قراءة من قرأه بضم الطاء والتنوين، لأنه إن يكن اسما للوادي فحظه التنوين لـما ذكر قبل من العلة لـمن قال ذلك، وإن كان مصدرا أو مفسرا، فكذلك أيضا حكمه التنوين، وهو عندي اسم الوادي. وإذ كان ذلك كذلك، فهو فـي موضع خفض ردّا علـى الوادي. ١٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىَ }. اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة القرّاء الذين قرأوا: (وأنّا) بتشديد النون، و أنا بفتـح الألف من (أنا) ردّا علـى: نودي يا موسى، كأنه معنى الكلام عندهم: نودي يا موسى إنـي أنا ربك، وأنا اخترتك، وبهذه القراءة قرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة. وأما عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة فقرأوه: وأنا اخْتَرْتُكَ بتـخفـيف النون علـى وجه الـخبر من اللّه عن نفسه أنه اختاره. قال أبو جعفر: والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما قرّاء أهل العلـم بـالقرآن، مع اتفـاق معنـيـيهما. فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب فـيه. وتأويـل الكلام: نودي أنّا اخترناك. فـاجتبـيناك لرسالتنا إلـى من نرسلك إلـيه فـاسْتَـمِعْ إلـى ما يُوحَى يقول: فـاستـمع لوحينا الذي نوحيه إلـيك وعه، واعمل به ١٤إنّنِـي أنا اللّه يقول تعالـى ذكره: إننـي أنا الـمعبود الذي لا تصلـح العبـادة إلاّ له، لا إلَهَ إلاّ أنا فلا تعبد غيري، فإنه لا معبود تـجوز أو تصلـح له العبـادة سواي فـاعْبُدْنِـي يقول: فأخـلص العبـادة لـي دون كلّ ما عبد من دونـي وأقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي. واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك فقال بعضهم: معنى ذلك: أقم الصلاة لـي فإنك إذا أقمتها ذكرتنـي. ذكر من قال ذلك: ١٨١٣٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: أقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي قال: إذا صلـى ذكر ربه. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قوله وَأقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي قال: إذا ذكر عَبَد ربه. قال آخرون: بل معنى ذلك: وأقم الصلاة حين تذكرها.ذكر من قال ذلك: ١٨١٣٨ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سفـيان، عن مُغيرة، عن إبراهيـم فـي قوله: وأقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي قال: يصلـيها حين يذكرها. ١٨١٣٩ـ حدثنـي أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: ثنـي عمي عبد اللّه بن وهب، قال: ثنـي ويونس ومالك بن شهاب، قال: أخبرنـي سعيد بن الـمسيب، عن أبـي هريرة، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْـيُصَلّها إذَا ذَكَرَها، قال اللّه : أقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي) . وكان الزهري يقرؤها: أقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرِي بـمنزلة فعلـى. قال أبو جعفر: وأولـى التأويـلـين فـي ذلك بـالصواب تأويـل من قال: معناه: أقم الصلاة لتذكرنـي فـيها، لأن ذلك أظهر معنـيـيه ولو كان معناه: حين تذكرها، لكان التنزيـل: أقم الصلاة لذكركها. وفـي قوله: لِذِكْرِي دلالة بـينة علـى صحة ما قال مـجاهد فـي تأويـل ذلك ولو كانت القراءة التـي ذكرناها عن الزهري قراءة مستفـيضة فـي قَراءة الأمصار، كان صحيحا تأويـل من تأوّله بـمعنى: أقم الصلاة حين تذكرها، وذلك أن الزهري وجّه بقراءته أقِمِ الصّلاةَ لِذِكْرَى بـالألف لا بـالإضافة، إلـى أقم لذكراها، لأن الهاء والألف حذفتا، وهما مرادتان فـي الكلام لـيوفق بـينها وبـين سائر رؤوس الاَيات، إذ كانت بـالألف والفتـح. ولو قال قائل فـي قراءة الزهري هذه التـي ذكرنا عنه، إنـما قصد الزهري بفتـحها تصيـيره الإضافة ألفـا للتوفـيق بـينه وبـين رؤوس الاَيات قبله وبعده، لأنه خالف بقراءته ذلك كذلك من قرأه بـالإضافة، وقال: إنـما ذلك كقول الشاعر: أُطَوّفُ ما أُطَوّفُ ثُمّ آوِيإلـى أُمّا وَيُرْوِينِـي النّقِـيعُ وهو يريد: إلـى أمي، وكقول العرب: يا أبـا وأما، وهي تريد: يا أبـي وأمي، كان له بذلك مقال. ١٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىَ كُلّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىَ }. يقول تعالـى ذكره: إن الساعة التـي يبعث اللّه فـيها الـخلائق من قبورهم لـموقـف القـيامة جائية أكادُ أُخْفِـيها فعلـى ضمّ الألف من أخفـيها قراءة جميع قرّاء أمصار الإسلام، بـمعنى: أكاد أخفـيها من نفسي، لئلا يطلع علـيها أحد، وبذلك جاء تأويـل أكثر أهل العلـم. ذكر من قال ذلك: ١٨١٤٠ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: أكادُ أُخْفِـيها يقول: لا أظهر علـيها أحدا غيري. ١٨١٤١ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: إنّ السّاعَةَ آتِـيَةٌ أكادُ أُخْفِـيها قال: لا تأتـيكم إلاّ بغتة. ١٨١٤٢ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد إنّ السّاعَةَ آتِـيَةٌ أكادُ أُخْفِـيها قال: من نفسي. حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه : أكادُ أُخْفِـيها قال: من نفسي. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد ، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عباس أكادُ أُخْفِـيها قال: من نفسي. ١٨١٤٣ـ حدثنـي عبد الأعلـى بن واصل، قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد الطنافسي، قال: حدثنا إسماعيـل بن أبـي خالد، عن أبـي صالـح، فـي قوله: أكادُ أُخْفِـيها قال: يخفـيها من نفسه. ١٨١٤٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: أكادُ أُخْفِـيها وهي فـي بعض القراءة: (أخفـيها من نفسي) . ولعمري لقد أخفـاها اللّه من الـملائكة الـمقرّبـين، ومن الأنبـياء الـمرسلـين. حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، قال: فـي بعض الـحروف: (إنّ السّاعَةَ آتِـيَةٌ أكادُ أُخْفِـيها مِنْ نَفْسِي) . وقال آخرون: إنـما هو: (أكادُ أَخْفِـيها) بفتـح الألف من أَخفـيها بـمعنى: أظهرها. ذكر من قال ذلك: ١٨١٤٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا مـحمد بن سهل، قال: سألنـي رجل فـي الـمسجد عن هذا البـيت. دَابَ شَهْرَيْنِ ثُمّ شَهْرا دَمِيكابِأرِيكَيْنِ يَخْفـيانِ غَمِيرا فقلت: يظهران، فقال ورقاء بن إياس وهو خـلفـي: أقرأنـيها سعيد بن جبـير: (أكادُ أَخْفِـيها) بنصب الألف. وقد رُوي عن سعيد بن جبـير وفـاق لقول الاَخرين الذين قالوا: معناه: أكاد أخفـيها من نفسي. ذكر الرواية عنه بذلك: ١٨١٤٦ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن عطاء، عن سعيد بن جبـير ومنصور، عن مـجاهد ، قالا إنّ السّاعَةَ آتِـيَةٌ أكادُ أُخْفِـيها قالا: من نفسي. حدثنـي عبـيد بن إسماعيـل الهبـاري، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير أكادُ أُخْفِـيها قال: من نفسي. قال أبو جعفر: والذي هو أولـى بتأويـل الاَية من القول، قول من قال: معناه: أكاد أخفـيها من نفسي، لأن تأويـل أهل التأويـل بذلك جاء. والذي ذُكر عن سعيد بن جبـير من قراءة ذلك بفتـح الألف قراءة لا أستـجيز القراءة بها لـخلافها قراءة الـحجة التـي لا يجوز خلافها فـيـما جاءت به نقلاً مستفـيضا. فإن قال قائل: ولـم وجهت تأويـل قوله أكادُ أُخْفِـيها بضم الألف إلـى معنى: أكاد أخفـيها من نفسي، دون توجيهه إلـى معنى: أكاد أظهرها، وقد علـمت أن للإخفـاء فـي كلام العرب وجهين: أحدهما الإظهار، والاَخر الكتـمان وأن الإظهار فـي هذا الـموضع أشبه بـمعنى الكلام، إذ كان الإخفـاء من نفسه يكاد عند السامعين أن يستـحيـل معناه، إذ كان مـحالاً أن يخفـي أحد عن نفسه شيئا هو به عالـم، واللّه تعالـى ذكره لا يخفـى علـيه خافـية؟ قـيـل: الأمر فـي ذلك بخلاف ما ظننت، وإنـما وجّهنا معنى أُخْفِـيها بضمّ الألف إلـى معنى: أسترها من نفسي، لأن الـمعروف من معنى الإخفـاء فـي كلام العرب: الستر. يقال: قد أخفـيت الشيء: إذا سترته. وأن الذين وجّهوا معناه إلـى الإظهار، اعتـمدوا علـى بـيت لامرىء القـيس ابن عابس الكندي. ١٨١٤٧ـ حُدثت عن معمر بن الـمثنى أنه قال: أنشدنـيه أبو الـخطاب، عن أهله فـي بلده: فإنْ تُدْفِنُوا الدّاءَ لا نُـخْفِهِوإنْ تَبْعَثُوا الـحَرْبَ لا نَقْعُدُ بضمّ النون من لا نـخفه، ومعناه: لا نظهره، فكان اعتـمادهم فـي توجيه الإخفـاء فـي هذا الـموضع إلـى الإظهار علـى ما ذكروا من سماعهم هذا البـيت، علـى ما وصفت من ضم النون من نـخفه. وقد أنشدنـي الثقة عن الفرّاء: فإنْ تَدْفِنُوا الدّاءَ لا نَـخْفِهِ بفتـح النون من نـخفه، من خفـيته أخفـيه، وهو أولـى بـالصواب لأنه الـمعروف من كلام العرب. فإذا كان ذلك كذلك، وكان الفتـح فـي الألف من أَخفـيها غير جائز عندنا لـما ذكرنا، ثبت وصحّ الوجه الاَخر، وهو أن معنى ذلك: أكاد استرها من نفسي. وأما وجه صحة القول فـي ذلك، فهو أن اللّه تعالـى ذكره خاطب بـالقرآن العرب علـى ما يعرفونه من كلامهم وجرى به خطابهم بـينهم فلـما كان معروفـا فـي كلامهم أن يقول أحدهم إذا أراد الـمبـالغة فـي الـخبر عن إخفـائه شيئا هو له مسرّ: قد كدت أن أخفـي هذا الأمر عن نفسي من شدّة استسراري به، ولو قدرت أخفـيه عن نفسي أخفـيته، خاطبهم علـى حسب ما قد جرى به استعمالهم فـي ذلك من الكلام بـينهم، وما قد عرفوه فـي منطقهم. وقد قـيـل فـي ذلك أقوال غير ما قلنا، وإنـما اخترنا هذا القول علـى غيره من الأقوال لـموافقة أقوال أهل العلـم من الصحابة والتابعين، إذ كنا لا نستـجيز الـخلاف علـيهم، فـيـما استفـاض القول به منهم، وجاء عنهم مـجيئا يقطع العذر. فأما الذين قالوا فـي ذلك غير قولنا مـمن قال فـيه علـى وجه الانتزاع من كلام العرب، من غير أن يعزوه إلـى إمام من الصحابة أو التابعين، وعلـى وجه يحتـمل الكلام غير وجهه الـمعروف، فإنهم اختلفوا فـي معناه بـينهم، فقال بعضهم: يحتـمل معناه: أريد أخفـيها قال: وذلك معروف فـي اللغة. وذُكر أنه حُكي عن العرب أنهم يقولون: أولئك أصحابـي الذين أكاد أنزل علـيهم، وقال: معناه: لا أنزل إلاّ علـيهم. قال: وحُكي: أكاد أبرح منزلـي: أي ما أبرح منزلـي، واحتـجّ ببـيت أنشده لبعض الشعراء: كادَتْ وكِدْتُ وَتِلكَ خَيْرُ إرَادَةٍلَوْ عادَ مِنْ عَهْد الصّبـابَةِ ما مَضَى وقال: يريد: بكادت: أرادت قال: فـيكون الـمعنى: أريد أخفـيها لتـجزى كلّ نفس بـما تسعى. قال: ومـما يُشبه ذلك قول زيد الـخيـل: سَرِيعٌ إلـى الهَيْجاءِ شاكٍ سِلاحُهُفَمَا إنْ يَكادُ قِرْنُهُ يَتَنَفّسُ وقال: كأنه قال: فما يتنفس قرنه، وإلا ضعف الـمعنى قال: وقال ذو الرّمّة: إذا غَيّرَ النّأْيُ الـمُـحِبّـينَ لَـمْ يَكَدْرَسِيسُ الهَوَى مِنْ حُبّ مَيّةَ يَبْرَحُ قال: ولـيس الـمعنى: لـم يكد يبرح: أي بعد يُسر، ويبرح بعد عُسر وإنـما الـمعنى: لـم يبرح، أو لـم يرد يبرح، وإلا ضعف الـمعنى قال: وكذلك قول أبـي النـجم: وَإنْ أتاكَ نَعِيّ فـانْدُبَنّ أبـاقَدْ كادَ يَضْطَلِعُ الأعْداءَ والـخُطَبَـا وقال: يكون الـمعنى: قد اضطلع الأعداء، وإلاّ لـم يكن مدحا إذا أراد كاد ولـم يرد يفعل. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن الساعة آتـية أكاد، قال: وانتهى الـخبر عند قوله أكاد لأن معناه: أكاد أن آتـي بها قال: ثم ابتدأ فقال: ولكنـي أخفـيها لتـجزى كلّ نفس بـما تسعى. قال: وذلك نظير قول ابن ضابىء: هَمَـمْتُ ولَـمْ أفْعَلْ وكِدْتُ ولَـيْتَنِـيتَرَكْتُ علـى عُثمانَ تَبْكِي أقارِبُهُ فقال: كدت، ومعناه: كدت أفعل. وقال آخرون: معنى أُخفـيها: أظهرها، وقالوا: الإخفـاء والإسرار قد توجههما العرب إلـى معنى الإظهار، واستشهد بعضهم لقـيـله ذلك ببـيت الفرزدق: فَلَـمّا رأى الـحَجّاجَ جَرّدَ سَيْفَهُأسَرّ الـحَرُورِيّ الّذِي كانَ أضْمَرَا وقال: عَنَى ب قوله: أسرّ: أظهر. قال: وقد يجوز أن يكون معنى قوله: وأسَرّوا النّدَامَةَ وأظهروها. قال: وذلك أنهم قالوا: يا لَـيْتَنا نُرَدّ وَلا نُكَذّبَ بآياتِ رَبّنا. وقال جميع هؤلاء الذين حكينا قولهم جائز أن يكون قول من قال: معنى ذلك: أكاد أخفـيها من نفسي، أن يكون أراد: أخفـيها من قِبلـي ومن عندي. وكلّ هذه الأقوال التـي ذكرنا عمن ذكرنا توجيه منهم للكلام إلـى غير وجهه الـمعروف، وغير جائز توجيه معانـي كلام اللّه إلـى غير الأغلب علـيه من وجوهه عند الـمخاطبـين به، ففـي ذلك مع خلافهم تأويـل أهل العلـم فـيه شاهد عدل علـى خطأ ما ذهبوا إلـيه فـيه. و قوله: لِتُـجْزَى كُلّ نَفْسٍ بِـمَا تَسْعَى يقول تعالـى ذكره: إن الساعة آتـية لتـجزى كلّ نفس يقول: لتثاب كلّ نفس امتـحنها ربها بـالعبـادة فـي الدنـيا بـما تسعى، يقول: بـما تعمل من خير وشرّ، وطاعة ومعصية. ١٦و قوله: فَلاَ يَصُدّنّكَ عَنْها يقول تعالـى ذكره: فلا يردّنك يا موسى عن التأهّب للساعة، من لا يؤمن بها، يعني : من لا يقرّ بقـيام الساعة، ولا يصدّق بـالبعث بعد الـمـمات، ولا يرجو ثوابـا، ولا يخاف عقابـا. و قوله: وَاتّبَعَ هَوَاهُ يقول: اتبع هوى نفسه، وخالف أمر اللّه ونهيه فَترْدَى يقول: فتهلك إن أنت أنصددت عن التأهّب للساعة، وعن الإيـمان بها، وبأن اللّه بـاعث الـخـلق لقـيامها من قبورهم بعد فنائهم بصدّ من كفر بها. وكان بعضهم يزعم أن الهاء والألف من قوله فَلا يَصُدّنّك عَنْها كناية عن ذكر الإيـمان، قال: وإنـما قـيـل عنها وهي كناية عن الإيـمان كما قـيـل إنّ رَبّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيـمٌ يذهب إلـى الفعلة، ولـم يجر للإيـمان ذكر فـي هذا الـموضع، فـيجعل ذلك من ذكره، وإنـما جرى ذكر الساعة، فهو بأن يكون من ذكرها أولـى. ١٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَمُوسَىَ }. يقول تعالـى ذكره: وما هذه التـي فـي يـمينك يا موسى؟ فـالبـاء فـي قوله بِـيَـمِينِكَ من صلة تلك، والعرب تصل تلك وهذه كما تصل الذي ومنه قول يزيد بن مفرغ: عَدسْ ما لِعَبّـادٍ عَلَـيْكِ إمارَةٌأمِنْتِ وَهَذَا تَـحْمَلِـينَ طَلِـيقُ كأنه قال: والذي تـحملـين طلـيق. ولعلّ قائلاً أن يقول: وما وجه استـخبـار اللّه موسى عما فـي يده؟ ألـم يكن عالـما بأن الذي فـي يده عصا؟ قـيـل له: إن ذلك علـى غير الذي ذهبتَ إلـيه، وإنـما قال ذلك عزّ ذكره له إذا أراد أن يحوّلها حية تسعى، وهي خشبة، فنبهه علـيها، وقرّره بأنها خشبة يتوكأ علـيها، ويهشّ بها علـى غنـمه، لـيعرّفه قُدرته علـى ما يشاء، وعظم سلطانه، ونفـاذ أمره فـيـما أحبّ بتـحويـله إياها حيّة تسعى، إذا أراد ذلك به لـيجعل ذلك لـموسى آية مع سائر آياته إلـى فرعون وقومه. ١٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشّ بِهَا عَلَىَ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىَ }. يقول تعالـى ذكره مخبرا عن موسى: قال موسى مـجيبـا لربه: هِيَ عَصَايَ أتَوَكّأُ عَلَـيْها وأهُشّ بِها عَلـى غَنَـمِي يقول: أضرب بها الشجر الـيابس فـيسقط ورقها وترعاه غنـمي، يقال منه: هشّ فلان الشجر يهشّ هشا: إذا اختبط ورق أغصانها فسقط ورقها كما قال الراجز: أهُشّ بـالْعْصَا عَلـى أغْنامِيمِنْ ناعِمِ الأَرَاكِ والْبَشامِ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨١٤٨ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله: وأهُشّ بِها عَلـى غَنَـمِي قال: أخبط بها الشجر. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وأهُشّ بِها عَلـى غَنَـمِي قال: أخبط. حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وأهُشّ بِها عَلـى غَنَـمي قال: كان نبـيّ اللّه موسى صلى اللّه عليه وسلم يهشّ علـى غنـمه ورق الشجر. ١٨١٤٩ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ وأَهُشّ بِها عَلـى غَنَـمِي يقول: أضرب بها الشجر للغنـم، فـيقع الورق. ١٨١٥٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: هيَ عَصَايَ أتَوَكّأُ عَلَـيْها وأهُشّ بِها عَلـى غَنَـمي قال: يتوكأ علـيها حين يـمشي مع الغنـم، ويهشّ بها، ويحرّك الشجر حتـى يسقط الورق الـحبَلة وغيرها. ١٨١٥١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الـحسن، عن عكرمة وأهُشّ بِها عَلـى غَنَـمِي قال: أضرب بها الشجر، فـيسقط من ورقها علـيّ. حدثنـي عبد اللّه بن أحمد بن شبويه، قال: حدثنا علـيّ بن الـحسن، قال: حدثنا حسين، قال: سمعت عكرِمة يقول وأهُشّ بِها عَلـى غَنَـمِي قال: أضرب بها الشجر، فـيتساقط الورق علـى غنـمي. ١٨١٥٢ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا مُعاذ يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله وأهُشّ بِـا عَلـى غَنَـمِي يقول: أضرب بها الشجر حتـى يسقط منه ما تأكل غنـمي. و قوله: وَلـيَ فـيها مآرِبُ أُخْرَى يقول: ولـي فـي عصاي هذه حوائج أخرى، وهي جمع مأربة، وفـيها للعرب لغات ثلاث: مأرُبة بضم الراء، ومأرَبة بفتـحها، ومأرِبه بكسرها، وهي مفعلة من قولهم: لا أرب لـي فـي هذا الأمر: أي لا حاجة لـي فـيه. وفـيـل (أخرى) وهن مآرب جمع، ولـم يقل أُخر، كما قـيـل: لَهُ الأسْماءُ الـحُسْنَى وقد بـيّنت العلة فـي توجيه ذلك هنالك. وبنـحو الذي قلنا فـي معنى الـمآرب، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨١٥٣ـ حدثنا أحمد بن عبدة الضبـي، قال: حدثنا حفص بن جميع، قال: حدثنا سماك بن حرب، عن عكرِمة، عن ابن عباس ، فـي قوله: وَلـي فِـيها مآرِبُ أُخْرَى قال: حوائج أخرى قد علـمتها. حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله وَلـي فِـيها مآرِبُ أُخْرَى يقول: حاجة أخرى. ١٨١٥٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد وَلِـيَ فِـيها مآرِبُ أُخْرَى قال: حاجات. ١٨١٥٥ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح وَلـيَ فِـيها مآرِبُ أُخْرَى قال: حاجات ومنافع. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد وَلـيَ فِـيها مآرِبُ أُخْرَى قال: حاجات. ١٨١٥٦ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ وَلـيَ فِـيها مآرِبُ أُخْرَى يقول: حوائج أخرى أحمل علـيها الـمزود والسقاء. ١٨١٥٧ـ حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَلـيَ فِـيها مآرِبُ أُخْرَى قال: حوائج أخرى. حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله وَلـيَ فِـيها مآرِبُ أُخْرَى قال: حاجات منافع أخرى. ١٨١٥٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبه وَلـيَ فِـيها مآرِبُ أُخْرَى: أي منافع أخرى. ١٨١٥٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلـيَ فِـيها مآرِبُ أُخْرَى قال: حوائج أخرى سوى ذلك. ١٨١٦٠ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله مآرِبُ أُخْرَى قال: حاجات أخرى. ١٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ أَلْقِهَا يَمُوسَىَ }. يقول تعالـى ذكره: قال اللّه لـموسى: ألق عصاك التـي بـيـمينك يا موسى، ٢٠يقول اللّه جل جلاله: فألقاها موسى، فجعلها اللّه حية تسعى، وكانت قبل ذلك خشبة يابسة، وعصا يتوكأ علـيها ويهشّ بها علـى غنـمه، فصارت حية بأمر اللّه ، كما: ١٨١٦١ـ حدثنا أحمد بن عبدة الضبـي، قال: حدثنا حفص بن جميع، قال: حدثنا سماك بن حرب، عن عكرِمة، عن ابن عباس قال: لـما قـيـل لـموسى: ألقها يا موسى، ألقاها فإذَا هِيَ حَيّةٌ تَسْعَى ولـم تكن قبل ذلك حية قال: فمرّت بشجرة فأكلتها، ومرّت بصخرة فـابتلعتها قال: فجعل موسى يسمع وقع الصخرة فـي جوفها قال: فولـى مدبرا، فنودي أن يا موسى خذها، فلـم يأخذها ثم نودي الثانـية: أن خُذْهَا وَلا تـخفْ، فلـم يأخذها فقـيـل له فـي الثالثة: إنّكَ مِنَ الاَمِنِـين فأخذها. ١٨١٦٢ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: قال له، يعني لـموسى ربه: ألْقِها يا مُوسَى يعني فألْقاها فإذَا هِيَ حَيّةٌ تَسْعَى فلَـمّا رآها تَهْتَزّ كأنّها جانّ وَلّـى مُدْبِرا ولَـمْ يُعَقّبْ فنودي: يا مُوسَى لا تَـخَفّ إنّـي لا يَخافُ لَدَيّ الـمُرْسَلُونَ. ١٨١٦٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبه، قال ألْقِها يا مُوسَى فألْقاها فإذَا هِيَ حَيّةٌ تَسْعَى تهتزّ، لها أنـياب وهيئة كما شاء اللّه أن تكون، فرأى أمرا فظيعا، فولـى مُدْبِرا، ولَـم يُعقّب فناداه ربه: يا مُوسَى أقبلْ وَلا تـخفْ سَنُعِيدُها سِيرَتها الأُولـى. ٢١و قوله: قالَ خُذْها وَلا تَـخَفْ يقول تعالـى ذكره قال اللّه لـموسى: خذ الـحية، والهاء والألف من ذكر الـحية. وَلا تَـخَفْ يقول: ولا تـخف من هذه الـحية سَنُعِيدُها سِيرَتها الأُولـى يقول: فإنا سنعيدها لهيئتها الأولـى التـي كانت علـيها قبل أن نصيّرها حية، ونردّها عصا كما كانت. يقال لكل من كان علـى أمر فتركه، وتـحوّل عنه ثم راجعه: عاد فلان سيرته الأولـى، وعاد لسيرته الأولـى، وعاد إلـى سيرته الأولـى. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨١٦٤ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله سِيرَتها الأُولـى يقول: حالتها الأولـى. ١٨١٦٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد سِيرَتها الأُولـى قال: هيئتها. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله. ١٨١٦٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبه سَنُعِيدُها سِيرَتها الأُولـى أي سنردّها عصا كما كانت. ١٨١٦٧ـ حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة سَنُعِيدُها سِيرَتها الأُولـى قال: إلـى هيئتها الأولـى. ٢٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىَ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوَءٍ آيَةً أُخْرَىَ }. يقول تعالـى ذكره: واضمـم يا موسى يدك، فضعها تـحت عضدك والـجناحان هما الـيدان، كذلك رُوي الـخبر عن أبـي هُريرة وكعب الأحبـار. وأما أهل العربـية، فإنهم يقولون: هما الـجنبـان. وكان بعضهم يستشهد لقوله ذلك بقول الراجز: أضُمّهُ للصّدْرِ والـجَناحِ وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨١٦٨ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: إلـى جَناحِكَ قال: كفه تـحت عضده. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله. و قوله: تَـخْرُجْ بَـيْضَاءَ مِنْ غيرِ سُوءٍ ذكر أن موسى علـيه السلام كان رجلا آدم، فأدخـل يده فـي جيبه، ثم أخرجها بـيضاء من غير سوء، من غير برص، مثل الثلـج، ثم ردّها، فخرجت كما كانت علـى لونه. ١٨١٦٩ـ حدثنا بذلك ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن وهب بن منبه. ١٨١٧٠ـ حدثنا إسماعيـل بن موسى الفزاري، قال: حدثنا شريك، عن يزيد بن أبـي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس ، فـي قوله تَـخْرُجْ بَـيْضَاءَ مِنْ غيرِ سُوءٍ قال: من غير برص. ١٨١٧١ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد مِنْ غيرِ سُوءٍ قال: من غير برص. ١٨١٧٢ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة ، فـي قوله بَـيْضاءَ مِنْ غيرِ سُوءٍ قال: من غير برص. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة مِنْ غيرِ سُوءٍ قال: من غير برص. ١٨١٧٣ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ تَـخْرُجْ بَـيْضَاءَ مِنْ غيرِ سُوءٍ قال: من غير برص. ١٨١٧٤ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله مِنْ غيرِ سُوءٍ قال: من غير برص. ١٨١٧٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا حماد بن مسعدة، قال: حدثنا قرة، عن الـحسن فـي قول اللّه : بَـيْضَاءَ مِنْ غيرِ سُوءٍ قالَ: أخرجها اللّه من غير سوء، من غير برص، فعلـم موسى أنه لقـي ربه. و قوله: آيَةً أُخْرَى يقول: وهذه علامة ودلالة أخرى غير الاَية التـي أريناك قبلها من تـحويـل العصا حية تسعى علـى حقـيقة ما بعثناك به من الرسالة لـمن بعثناك إلـيه. ونصب آية علـى اتصالها بـالفعل، إذ لـم يظهر لها ما يرفعها من هذه أو هي. ٢٣و قوله: لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنا الكُبْرَى يقول تعالـى ذكره: واضمـم يدك يا موسى إلـى جناحك، تـخرج بـيضاء من غير سوء، كي نريك من أدلتنا الكبرى علـى عظيـم سلطاننا وقُدرتنا. وقال: الكبرى، فوحّد، وقد قال: مِنْ آياتِنا كما قال: لَهُ الأسْماءُ الـحُسْنَى وقد بـيّنا ذلك هنالك. وكان بعض أهل البصرة يقول: إنـما قـيـل الكبرى، لأنه أريد بها التقديـم، كأن معناها عنده: لنريك الكبرى من آياتنا.) ٢٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اذْهَبْ إِلَىَ فِرْعَوْنَ إِنّهُ طَغَىَ }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه موسى صلوات اللّه علـيه: اذْهَبْ يا موسى إلـى فِرْعَوْنَ إنّهُ طَغَى يقول: إنه تـجاوز قدره، وتـمرّد علـى ربه وقد بـيّنا معنى الطغيان بـما مضى بـما أغنى عن إعادته، فـي هذا الـموضع وفـي الكلام مـحذوف استغنـي بفهم السامع بـما ذكر منه، وه و قوله: اذْهَبْ إلـى فِرْعَوْنَ إنّهُ طَغَى فـادعه إلـى توحيد اللّه وطاعته، وإرسال بنـي إسرائيـل معك ٢٥قالَ رَبّ اشْرَحْ لـي صَدْرِي يقول: ربّ اشرح لـي صدري، لأعي عنك ما تودعه من وحيك، وأجترىء به علـى خطاب فرعون ٢٦وَيَسّرْ لـي أمْرِي يقول: وسهل علـيّ القـيام بـما تكلفنـي من الرسالة، وتـحملنـي من الطاعة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨١٧٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قول اللّه : رَبّ اشْرَحْ لـي صَدْرِي قال: جرأة لـي. ٢٧و قوله: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِـي يقول: وأطلق لسانـي بـالـمنطق، وكانت فـيه فـيـما ذكر عُجمة عن الكلام الذي كان من إلقائه الـجمرة إلـى فـيه يوم همّ فرعون بقتله. ذكر الرواية بذلك عمن قاله: ١٨١٧٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: عُقْدَةً مِنْ لِسانِـي قال: عجمة لـجمرة نار أدخـلها فـي فـيه عن أمر امرأة فرعون، تردّ به عنه عقوبة فرعون، حين أخذ موسى بلـحيته وهو لا يعقل، فقال: هذا عدوّ لـي، فقالت له: إنه لا يعقل. حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِـي لـجمرة نار أدخـلها فـي فـيه عن أمر امرأة فرعون، تدرأ به عنه عقوبة فرعون، حين أخذ موسى بلـحيته وهو لا يعقل، فقال: هذا عدوّ لـي، فقالت له: إنه لا يعقل، هذا قول سعيد بن جبـير. ١٨١٧٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جرَيج، عن مـجاهد ، قوله: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِـي قال: عجمة الـجمرة نار أدخـلها فـي فـيه، عن أمر امرأة فرعون تردّ به عنه عقوبة فرعون حين أخذ بلـحيته. ١٨١٧٩ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: لـما تـحرّك الغلام، يعني موسى، أورته أمه آسية صبـيا، فبـينـما هي ترقصه وتلعب به، إذ ناولته فرعون، وقالت: خذه فلـما أخذه إلـيه أخذ موسى بلـحيته فنتفها، فقال فرعون: علـيّ بـالذبـاحين، قالت آسية: لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا إنـما هو صبـيّ لا يعقل، وإنـما صنع هذا من صبـاه، وقد علـمتَ أنه لـيس فـي أهل مصر أحلـى منى أنا أضع له حلـيا من الـياقوت، وأضع له جمرا، فإن أخذ الـياقوت فهو يعقل فـاذبحه، وإن أخذ الـجمر فإنـما هو صبـيّ فأخرجت له ياقوتها ووضعت له طستا من جمر، فجاء جبرائيـل صلى اللّه عليه وسلم ، فطرح فـي يده جمرة، فطرحها موسى فـي فـيه، فأحرقت لسانه، فهو الذي يقول اللّه عزّ وجلّ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِـي يَفْقَهُوا قَوْلـي، فزالت عن موسى من أجل ذلك. ٢٨و قوله: يَفْقَهُوا قَوْلـي يقول: يفقهوا عنـي ما أخاطبهم وأراجعهم به من الكلام ٢٩وَاجْعَلْ لـي وَزِيرا مِنْ أهْلِـي يقول: واجعلـي لـي عونا من أهل بـيتـي ٣٠هارُون أخِي. وفـي نصب هارون وجهان: أحدهما أن يكون هارون منصوبـا علـى الترجمة عن الوزير. ١٨١٨٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس : كان هارون أكبر من موسى. ٣١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي }. يقول تعالـى ذكره مخبرا عن موسى أنه سأل ربه أن يشدد أزره بأخيه هارون. وإنـما يعني ب قوله: اشْدُدْ بِهِ أزْرِي قوّ ظهري، وأعنّـي به. يقال منه: قد أزر فلان فلانا: إذا أعانه وشدّ ظهره. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨١٨١ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: اشْدُدْ بِهِ أزْرِي يقول: أشدد به ظهري. ١٨١٨٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: اشْدُدْ بِهِ أزْرِي يقول: اشدد به أمري، وقوّنـي به، فإن لـي به قوّة. ٣٢و قوله: وأشْرِكْهُ فِـي أمْرِي يقول: واجعله نبـيا مثل ما جعلتنـي نبـيا، وأرسله معي إلـى فرعون ٣٣كَيْ نُسَبّحكَ كَثِـيرا يقول: كي نعظمك بـالتسبـيح لك كثـيرا ٣٤وَنَذكُرَكَ كَثِـيرا فنـحمدك ٣٥إنّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيرا يقول: إنك كنت ذا بصر بنا لا يخفـى علـيك من أفعالنا شيء. وذُكر عن عبد اللّه بن أبـي إسحاق أنه كان يقرأ: (أَشْدُد بِهِ أزْرِي) بفتـح الألف من أشدد (وأُشْرِكْه فِـي أمْرِي) بضم الألف من أشركه، بـمعنى الـخبر من موسى عن نفسه، أنه يفعل ذلك، لا علـى وجه الدعاء. وإذا قرىء ذلك كذلك جزم أشدد وأشرك علـى الـجزاء، أو جواب الدعاء، وذلك قراءة لا أرى القراءة بها، وإن كان لها وجه مفهوم، لـخلافها قراءة الـحجة التـي لا يجوز خلافها. ٣٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَمُوسَىَ }. يقول تعالـى ذكره: قال اللّه لـموسى صلى اللّه عليه وسلم : قد أعطيت ما سألت يا موسى ربك من شرحه صدرك وتـيسيره لك أمرك، وحلّ عقدة لسانك، وتصيـير أخيك هارون وزيرا لك، وشدّ أزرك به، وإشراكه فـي الرسالة معك ٣٧وَلَقَدْ مَنَنّا عَلَـيْكَ مَرّةً أُخْرَى يقول تعالـى ذكره: ولقد تطوّلنا علـيك يا موسى قبل هذه الـمرّة مرّة أخرى، وذلك حين أوحينا إلـى أمك، إذ ولدتك فـي العام الذي كان فرعون يقتل كلّ مولود ذكر من قومك ما أوحينا إلـيها ثم فسّر تعالـى ذكره ما أوحى إلـى أمه، فقال: هو أن اقذفـيه فـي التابوت فأن فـي موضع نصب ردّا علـى (ما) التـي فـي قوله: ما يُوحَى، وترجمة عنها. ٣٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمّ ...}. يقول تعالـى ذكره: ولقد مننا علـيك يا موسى مرّة أخرى حين أوحينا إلـى أمك، أن اقذفـي ابنك موسى حين ولدتك فـي التابوت فـاقْذِفِـيهِ فِـي الـيَـمّ يعني بـالـيـم: النـيـل فَلْـيُـلْقِهِ الـيَـمّ بـالساحِلِ يقول: فـاقذفـيه فـي الـيـم، يـلقه الـيـم بـالساحل، وهو جزاء أخرج مخرج الأمر، كأن الـيـم هو الـمأمور، كما قال جلّ ثناؤه: اتّبِعُوا سَبِـيـلَنَا ولْنَـحْمِلْ خَطَاياكُمْ يعني : اتبعوا سبـيـلنا نـحمل عنكم خطاياكم، ففعلت ذلك أمه به فألقاه الـيـم بـمَشْرَعة آل فرعون، كما: ١٨١٨٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما ولدت موسى أمه أرضعته، حتـى إذا أمر فرعون بقتل الولدان من سنته تلك عمدت إلـيه، فصنعت به ما أمرها اللّه تعالـى، جعلته فـي تابوت صغير، ومهدت له فـيه، ثم عمدت إلـى النـيـل فقذفته فـيه، وأصبح فرعون فـي مـجلس له كان يجلسه علـى شفـير النـيـل كلّ غداة، فبـينا هو جالس، إذ مرّ النـيـل بـالتابوت فقذف به وآسية ابنة مُزَاحم امرأته جالسة إلـى جنبه، فقال: إن هذا لشيء فـي البحر، فأتونـي به، فخرج إلـيه أعوانه حتـى جاءوا به، ففتـح التابوت فإذا فـيه صبـيّ فـي مهده، فألقـى اللّه علـيه مـحبته، وعطف علـيه نفسه. وعنى جل ثناؤه ب قوله: يأْخُذْهُ عَدُوّ لـي وَعَدُوّ لَهُ فرعون هو العدوّ، كان للّه ولـموسى. ١٨١٨٤ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: فـاقْذِفِـيهِ فِـي الـيَـمّ وهو البحر، وهو النـيـل. واختلف أهل التأويـل فـي معنى الـمـحبة التـي قال اللّه جل ثناؤه وألْقَـيْتُ عَلَـيْكَ مَـحَبّةً مِنّـي فقال بعضهم: عنى بذلك أنه حببه إلـى عبـاده. ذكر من قال ذلك: ١٨١٨٥ـ حدثنـي الـحسين بن علـيّ الصدائي والعباس بن مـحمد الدوري، قالا: حدثنا حسين الـجعفـي عن موسى بن قبس الـحضرمي، عن سلـمة بن كهيـل، فـي قول اللّه : وألْقَـيْتُ عَلَـيْكَ مَـحَبّةً منّـي قال عباس : حببتك إلـى عبـادي وقال الصّدَائي: حببتك إلـى خـلقـي. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أي حسنت خـلقك. ذكر من قال ذلك: ١٨١٨٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي إبراهيـم بن مهدي، عن رجل، عن الـحكم بن أبـان، عن عكرمة، قوله: وألْقَـيْتُ عَلَـيْكَ مَـحَبّةً منّـي قال: حسنا وملاحة. قال أبو جعفر: والذي هو أولـى بـالصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إن اللّه ألقـى مـحبته علـى موسى، كما قال جل ثناؤه وألْقَـيْتَ عَلَـيْكَ مَـحَبّةً مِنّـي فحببه إلـى آسية امرأة فرعون، حتـى تبنّته وغذّته وربّته، وإلـى فرعون، حتـى كفّ عنه عاديته وشرّه. وقد قـيـل: إنـما قـيـل: وألقـيت علـيك مـحبة منـي، لأنه حببه إلـى كل من رآه. ومعنى ألْقَـيْتُ عَلَـيْكَ مَـحَبّةً مِنّـي حببتك إلـيهم يقول الرجل لاَخر إذا أحبه: ألقـيت علـيك رحمتـي: أي مـحبتـي. ٤٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِذْ تَمْشِيَ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَىَ مَن يَكْفُلُهُ ...}. اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله وَلِتُصْنَعَ عَلـى عَيْنِـي فقال بعضهم: معناه: ولتغذى وتربى علـى مـحبتـي وإرادتـي. ذكر من قال ذلك: ١٨١٨٧ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله: ولِتُصْنَعَ عَلـى عَيْنِـي قال: هو غذاؤه، ولتُغذى علـى عينـي. ١٨١٨٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَلِتُصْنَعَ عَلـى عَيْنِـي قال: جعله فـي بـيت الـملك ينعم ويترف غذاؤه عندهم غذاء الـملك، فتلك الصنعة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأنت بعينـي فـي أحوالك كلها. ذكر من قال ذلك: ١٨١٨٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج وَلِتُصْنَعَ عَلـى عَيْنِـي قال: أنت بعينـي إذ جعلتك أمك فـي التابوت، ثم فـي البحر، و إذْ تَـمْشِي أُخْتُكَ. وقرأ ابن نهيك: (وَلِتَصْنَعَ) بفتـح التاء. وتأوّله كما: ١٨١٩٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عبد الـمؤمن، قال: سمعت أبـا نهيك يقرأ (وَلِتَصْنَعَ عَلـى عَيْنِـي) فسألته عن ذلك، فقال: ولتعمل علـى عينـي. قال أبو جعفر: والقراءة التـي لا أستـجيز القراءة بغيرها وَلِتُصْنَعَ بضم التاء، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيها. وإذا كان ذلك كذلك، فأولـى التأويـلـين به، التأويـل الذي تأوّله قتادة ، وهو: وَألْقَـيْتُ عَلَـيْكَ مَـحَبّةً مِنّـي ولتغذى علـى عينـي، ألقـيت علـيك الـمـحبة منـي. وعنى ب قوله: عَلـى عَيْنِـي بـمرأى منـي ومـحبة وإرادة. و قوله: إذْ تَـمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أدُلّكُمْ عَلـى مَنْ يَكْفُلُهُ يقول تعالـى ذكره: حين تـمشي أختك تتبعك حتـى وجدتك، ثم تأتـي من يطلب الـمراضع لك، فتقول: هل أدلكم علـى من يكلفه؟ وحذف من الكلام ما ذكرت بعد قوله إذْ تَـمْشِي أُخْتُكَ استغناء بدلالة الكلام علـيه. وإنـما قالت أخت موسى ذلك لهم لِـما: ١٨١٩١ـ حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: لـما ألقته أمه فـي الـيـم قالَتْ لاِخْتِهِ قُصّيهِ فلـما التقطه آل فرعون، وأرادوا له الـمرضعات، فلـم يأخذ من أحد من النساء، وجعل النساء يطلبن ذلك لـينزلن عند فرعون فـي الرضاع، فأبى أن يأخذ، فقالت أخته: هَلْ أدُلّكُمْ عَلـى أهْلِ بَـيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ؟ فأخذوها وقالوا: بل قد عرفِت هذا الغُلام، فدلّـينا علـى أهله، قالت: ما أعرفه، ولكن إنـما قلت هم للـملك ناصحون. ١٨١٩٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: قالت، يعني أمّ موسى لأخته: قصّيه فـانظري ماذا يفعلون به، فخرجت فـي ذلك فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ وقد احتاج إلـى الرضاع والتـمس الثدي، وجمعوا له الـمراضع حين ألقـى اللّه مـحبتهم علـيه، فلا يؤتـى بـامرأة، فـيقبل ثديها، فـيرمضهم ذلك، فـيؤتـى بـمرضع بعد مرضع، فلا يقبل شيئا منهم، فقالت لهم أخته حين رأت من وجدهم به وحرصهم علـيه هَلْ أدُلّكُمْ عَلـى أهْلِ بَـيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لكُم وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ أي لـمنزلته عندكم وحرصكم علـى مسرّة الـملك، وعنى ب قوله: هَلْ أدُلّكُمْ عَلـى مَنْ يَكْفُلُهُ هل أدلكم علـى من يضمه إلـيه فـيحفظه ويرضعه ويربـيه. و قـيـل: معنى وكَفّلَها زَكَرِيّا ضمها. و قوله: فَرَجَعْناكَ إلـى أُمّكَ كَيْ تَقَرّ عَيْنُها وَلا تَـحْزَن يقول تعالـى ذكره: فرددناك إلـى أمك بعد ما صرت فـي أيدي آل فرعون، كيـما تقرّ عينها بسلامتك ونـجاتك من القتل والغرق فـي الـيـم، وكيلا تـحزن علـيك من الـخوف من فرعون علـيك أن يقتلك، كما: ١٨١٩٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما قالت أخت موسى لهم ما قالت، قالوا: هات، فأتت أمه فأخبرتها، فـانطلقت معها حتـى أتتهم، فناولوها إياه فلـما وضعته فـي حجرها أخذ ثديها، وسرّوا بذلك منه، وردّه اللّه إلـى أمه كي تقرّ عينها، ولا تـحزن، فبلغ لطف اللّه لها وله، أن ردّ علـيها ولدها وعطف علـيها نفع فرعون وأهل بـيته مع الأمنة من القتل الذي يتـخوف علـى غيره، فكأنهم كانوا من أهل بـيت فرعون فـي الأمان والسعة، فكان علـى فرش فرعون وسرره. و قوله: وَقَتَلْتَ نَفْسا يعني جل ثناؤه بذلك: قتله القبطي الذي قتله حين استغاثه علـيه الإسرائيـلـي، فوكزه موسى. و قوله: فَنَـجّيْناكَ مِنَ الغَمّ يقول تعالـى ذكره: فنـجيناك من غمك بقتلك النفس التـي قتلت، إذ أرادوا أن يقتلوك بها فخـلصناك منهم، حتـى هربت إلـى أهل مدين، فلـم يصلوا إلـى قتلك وقودك. وكان قتله إياه فـيـما ذُكر خطأ، كما: ١٨١٩٤ـ حدثنـي واصل بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل، عن أبـيه، عن سالـم، عن عبد اللّه بن عمر، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (إنّـمَا قَتَلَ مُوسَى الّذِي قَتَلَ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ خَطأ، فقال اللّه لَهُ: وَقَتَلْتَ نَفْسا فَنَـجَيّنْاكَ مِنَ الغَمّ وَفَتَنّاكَ فُتُونا) . ١٨١٩٥ـ حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة، ومـحمد بن عمرو، قالا: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فَنَـجّيْناك مِنَ الغَمّ قال: من قتل النفس. ١٨١٩٦ـ حدثنا بِشْر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَنَـجّيْناكَ مِنَ الغَمّ النفس التـي قتل. واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله وَفَتَنّاكَ فُتُونا فقال بعضهم: ابتلـيناك ابتلاء واختبرناك اختبـارا. ذكر من قال ذلك: ١٨١٩٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: وَفَتَنّاكَ فُتُونا يقول: اختبرناك اختبـارا. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، وَفَتَنّاكَ فُتُونا قال: ابتلـيت بلاء. ١٨١٩٨ـ حدثنـي العباس بن الولـيد الاَملـي، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا أصبغ بن زيد الـجهنـي، قال: أخبرنا القاسم بن أيوب، قال: ثنـي سعيد بن جبـير، قال: سألت عبد اللّه بن عباس ، عن قول اللّه لـموسى وَفَتَنّاكَ فُتُونا فسألته علـى الفتون ما هي؟ فقال لـي: استأنف النهار يا بن جبـير، فإن لها حديثا طويلاً، قال: فلـما أصبحت غدوت علـى ابن عباس لأنتـجز منه ما وعدنـي، قال: فقال ابن عباس : تذاكر فرعون وجلساؤه ما وعد اللّه إبراهيـم أن يجعل فـي ذرّيته أنبـياء وملوكا، فقال بعضهم: إن بنـي إسرائيـل ينتظرون ذلك وما يشكون، ولقد كانوا يظنون أنه يوسف بن يعقوب فلـما هلك قالوا: لـيس هكذا كان اللّه وعد إبراهيـم، فقال فرعون: فكيف ترون؟ قال: فأتـمروا بـينهم، وأجمعوا أمرهم علـى أن يبعث رجالاً معهم الشفـار يطوفون فـي بنـي إسرائيـل، فلا يجدون مولودا ذكرا إلا ذبحوه فلـما رأوا أن الكبـار من بنـي إسرائيـل يـموتون بآجالهم، وأن الصغار يذبحون قالوا: يوشك أن تفنوا بنـي إسرائيـل، فتصيرون إلـى أن تبـاشروا من الأعمال والـخدمة التـي كانوا يكفونكم، فـاقتلوا عاما كلّ مولود ذكر، فـيقلّ أبناؤهم، ودعوا عاما لا تقتلوا منهم أحدا، فتشبّ الصغار مكان من يـموت من الكبـار، فإنهم لن يكثروا بـمن تستـحيون منهم، فتـخافون مكاثرتهم إياكم، ولن يقلوا بـمن تقتلون، فأجمعوا أمرهم علـى ذلك. فحملت أمّ موسى بهارون فـي العام الـمقبل الذي لا يذبح فـيه الغلـمان، فولدته علانـية آمنة، حتـى إذا كان العام الـمقبل حملت بـموسى، فوقع فـي قلبها الهمّ والـحزن، وذلك من الفتون يا ابن جبـير، مـما دخـل علـيه فـي بطن أمه مـما يراد به، فأوحى اللّه إلـيها ألاّ تَـخافِـي وَلا تَـحْزَنِـي إنّا رَادّوهُ إلَـيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الـمُرْسَلِـينَ، وأمرها إذا ولدته أن تـجعله فـي تابوت ثم تلقـيه فـي الـيـم فلـما ولدته فعلت ما أمرت به، حتـى إذا توارى عنها ابنها أتاها إبلـيس، فقالت فـي نفسها: ما صنعت بـابنـي لو ذبح عندي، فواريته وكفنته كان أحبّ إلـيّ من أن ألقـيه بـيدي إلـى حيتان البحر ودوابه، فـانطلق به الـماء حتـى أوفـى به عند فرضة مستقـى جواري آل فرعون، فرأينه فأخذنه، فهمـمن أن يفتـحن البـاب، فقال بعضهنّ لبعض: إن فـي هذا مالاً، وإنا إن فتـحناه لـم تصدّقنا امرأة فرعون بـما وجدنا فـيه، فحملنه كهيئته لـم يحرّكن منه شيئا، حتـى دفعنه إلـيها فلـما فتـحته رأت فـيه الغلام، فأُلقـي علـيه منها مـحبة لـم يُـلق مثلها منها علـى أحد من الناس وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا من كلّ شيء إلا من ذكر موسى. فلـما سمع الذبّـاحون بأمره أقبلوا إلـى امرأة فرعون بشفـارهم يريدون أن يذبحوه، وذلك من الفتون يا ابن جُبـير فقالت للذبـاحين: انصرفوا عنـي، فإن هذا الواحد لا يزيد فـي بنـي إسرائيـل، فآتـي فرعون فأستوهبه إياه، فإن وهبه لـي كنتـم قد أحسنتـم وأجملتـم، وإن أمر بذبحه لـم ألـمكم. فلـما أتت به فرعون قالت: قرّةُ عَينٍ لِـي وَلَكَ قال فرعون: يكون لك، وأما أنا فلا حاجة لـي فـيه. فقال: والذي يحلف به لو أقرّ فرعون أن يكون له قرّة عين كما أقرّت به، لهداه اللّه به كما هدى به امرأته، ولكن اللّه حرمه ذلك. فأرسلت إلـى من حولها من كلّ أنثى لها لبن، لتـختار له ظِئرا، فجعل كلـما أخذته امرأة منهم لترضعه لـم يقبل ثديها، حتـى أشفقت امرأة فرعون أن يـمتنع من اللبن فـيـموت، فحزنها ذلك، فأمرت به فأخرج إلـى السوق مـجمع الناس ترجو أن تصيب له ظئرا يأخذ منها، فلـم يقبل من أحد. وأصبحت أمّ موسى، فقالت لأخته: قُصّيه واطلبـيه، هل تسمعين له ذكرا، أحيّ ابنـي، أو قد أكلته دوابّ البحر وحيتانه؟ ونسيت الذي كان اللّه وعدها، فبصرت به أخته عن جنب وهم لا يشعرون، فقالت من الفرح حين أعياهم الظؤورات: أنا أدلكم علـى أهل بـيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون، فأخذوها وقالوا: وما يدريك ما نصحهم له؟ هل يعرفونه؟ حتـى شكوا فـي ذلك، وذلك من الفتون يا ابن جُبـير فقالت: نصحهم له وشفقتهم علـيه، رغبتهم فـي ظؤورة الـملك، ورجاء منفعته، فتركوها فـانطلقت إلـى أمها فأخبرتها الـخبر، فجاءت فلـما وضعته فـي حجرها نزا إلـى ثديها حتـى امتلأ جنبـاه، فـانطلق البُشَراء إلـى امرأة فرعون يبشرونها أن قد وجدنا لابنك ظئرا، فأرسلت إلـيها، فأتـيت بها وبه فلـما رأت ما يصنع بها قالت: امكثـي عندي حتـى ترضعي ابنـي هذا فإنـي لـم أحبّ حبه شيئا قطّ قال: فقالت: لا أستطيع أن أدع بـيتـي وولدي، فـيضيع، فإن طابت نفسك أن تعطينـيه، فأذهب به إلـى بـيتـي فـيكون معي لا آلوه خيرا فعلت، وإلا فإنـي غير تاركة بـيتـي وولدي وذكرت أمّ موسى ما كان اللّه وعدها، فتعاسرت علـى امرأة فرعون، وأيقنت أن اللّه تبـارك وتعالـى منـجز وعده، فرجعت بـابنها إلـى بـيتها من يومها، فأنبته اللّه نبـاتا حسنا، وحفظه لـما قضى فـيه، فلـم يزل بنو إسرائيـل وهم مـجتـمعون فـي ناحية الـمدينة يـمتنعون به من الظلـم والسخرة التـي كانت فـيهم. فلـما ترعرع قالت امرأة فرعون لأمّ موسى: أزيرينـي ابنـي. فوعدتها يوما تزيرها إياه فـيه، فقالت لـخواصّها وظؤورتها وقهارمتها: لا يبقـينّ أحد منكم إلا استقبل ابنـي بهدية وكرامة لـيرى ذلك، وأنا بـاعثة أمينة تـحصي كلّ ما يصنع كلّ إنسان منكم فلـم تزل الهدية والكرامة والتـحف تستقبله من حين خرج من بـيت أمه إلـى أن دخـل علـى امرأة فرعون. فلـما دخـل علـيها نـحلته وأكرمته، وفرحت به، وأعجبها ما رأت من حُسن أثرها علـيه، وقالت: انطلقن به إلـى فرعون، فلـينـحله، ولـيكرمه. فلـما دخـلوا به علـيه جعلته فـي حجره، فتناول موسى لـحية فرعون حتـى مدّها، فقال عدوّ من أعداء اللّه : ألا ترى ما وعد اللّه إبراهيـم أنه سيصرعك ويعلوك، فأرسِلْ إلـى الذبـاحين لـيذبحوه وذلك من الفتون يا ابن جُبـير، بعد كلّ بلاء ابتلـي به وأريد به. فجاءت امرأة فرعون تسعى إلـى فرعون، فقالت: ما بدا لك فـي هذا الصبـيّ الذي قد وهبته لـي؟ قال: ألا ترين يزعم أنه سيصرعنـي ويعلونـي، فقالت: اجعل بـينـي وبـينك أمرا تعرف فـيه الـحقّ، ائت بجمرتـين ولؤلؤتـين، فقرّبهنّ إلـيه، فإن بطش بـاللؤلؤتـين واجتنب الـجمرتـين علـمت أنه يعقل وإن تناول الـجمرتـين ولـم يرد اللؤلؤتـين، فـاعلـم أن أحدا لا يؤثر الـجمرتـين علـى اللؤلؤتـين وهو يعقل، فقرّب ذلك إلـيه، فتناول الـجمرتـين، فنزعوهما منه مخافة أن تـحرقا يده، فقالت الـمرأة: ألا ترى؟ فصرفه اللّه عنه بعد ما قد همّ به، وكان اللّه بـالغا فـيه أمره. فلـما بلغ أشدّه، وكان من الرجال، لـم يكن أحد من آل فرعون يخـلص إلـى أحد من بنـي إسرائيـل معه بظلـم ولا سخرة، حتـى امتنعو كلّ امتناع. فبـينـما هو يـمشي ذات يوم فـي ناحية الـمدينة، إذ هو برجلـين يقتتلان، أحدهما من بنـي إسرائيـل، والاَخر من آل فرعون، فـاستغاثه الإسرائيـلـي علـى الفرعونـي، فغضب موسى واشتدّ غضبه، لأنه تناوله وهو يعلـم منزلة موسى من بنـي إسرائيـل، وحفظه لهم، ولا يعلـم الناس إلا أنـما ذلك من قِبَل الرضاعة غير أمّ موسى، إلا أن يكون اللّه أطلع موسى من ذلك علـى ما لـم يطلع علـيه غيره فوكز موسى الفرعونـي فقتله، ولـيس يراهما أحد إلا اللّه والإسرائيـلـي، فقال موسى حين قتل الرجل: هَذَا مِنْ عَمَل الشّيْطانِ إنّه عَدوّ مُضلّ مُبِـينٌ ثم قال: رَبّ إنّـي ظَلَـمْتُ نَفْسِي فـاغْفِرْ لِـي فَغَفَرَ لَهُ إنهُ هُوَ الغَفُورُ الرّحِيـم فأصْبَحَ فِـي الـمَدِينَةِ خائِفـا يَتَرَقّبُ الأخبـار، فأتـى فرعون، ف قـيـل له: إن بنـي إسرائيـل قد قتلوا رجلاً من آل فرعون، فخُذ لنا بحقنا ولا ترخص لهم فـي ذلك، فقال: ابغونـي قاتله ومن شهد علـيه، لأنه لا يستقـيـم أن يقضي بغير بـيّنه ولا ثبت، فطلبوا له ذلك فبـينـما هم يطوفون لا يجدون ثَبَتا، إذ مرّ موسى من الغد، فرأى ذلك الإسرائيـلـي يقاتل فرعونـيا، فـاستغاثه الإسرائيـلـي علـى الفرعونـي، فصادف موسى وقد ندم علـى ما كان منه بـالأمس وكره الذي رأى، فغضب موسى، فمدّ يده وهو يريد أن يبطش بـالفرعونـي، قال للإسرائيـلـي لـما فعل بـالأمس والـيوم إنّكَ لَغَوِيّ مُبِـينٌ فنظر الإسرائيـلـي موسى بعد ما قال، فإذا هو غضبـان كغضبه بـالأمس الذي قتل فـيه الفرعونـي، فخاف أن يكون بعد ما قال له إنّكَ لَغَوِيّ مُبِـينٌ أن يكون إياه أراد، ولـم يكن أراده، وإنـما أراد الفرعونـي، فخاف الإسرائيـلـي، فحاجز الفرعونـي فقال: يا مُوسَى أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كمَا قَتَلْتَ نَفْسا بـالأَمْسِ وإنـما قال ذلك مخافة أن يكون إياه أراد موسى لـيقتله، فتتاركا فـانطلق الفرعونـي إلـى قومه، فأخبرهم بـما سمع من الإسرائيـلـي من الـخبر حين يقول: أتريد أن تقتلنـي كما قتلت نفسا بـالأمس؟ فأرسل فرعون الذبـاحين، فسلك موسى الطريق الأعظم، فطلبوه وهم لا يخافون أن يفوتهم. وجاء رجل من شيعة موسى من أقصى الـمدينة، فـاختصر طريقا قريبـا حتـى سبقهم إلـى موسى، فأخبره الـخبر، وذلك من الفتون يا ابن جُبـير. ١٨١٩٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: فُتُونا قال: بلاءً، إلقاؤه فـي التابوت، ثم فـي البحر، ثم التقاط آل فرعون إياه، ثم خروجه خائفـا. قال مـحمد بن عمرو، وقال أبو عاصم: خائفـا، أو جائعا (شكّ أبو عاصم) ، وقال الـحارث: خائفـا يترقب، ولـم يشكّ. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله وَقال: خَائِفـا يَتَرقّبُ، ولـم يشكّ. ١٨٢٠٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: وَفَتَنّاكَ فُتُونا يقول: ابتلـيناك بلاءً. ١٨٢٠١ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا مُعاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَفَتَنّاكَ فُتُونا هو البلاء علـى إثر البلاء. وقال آخرون: معنى ذلك: أخـلصناك. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٠٢ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَفَتَنّاكَ فُتُونا أخـلصناك إخلاصا. ١٨٢٠٣ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن يعلـى بن مسلـم، قال: سمعت سعيد بن جُبـير، يفسّر هذا الـحرف: وَفَتَنّاكَ فُتُونا قال: أخـلصناك إخلاصا. قال أبو جعفر: وقد بـيّنا فـيـما مضى من كتابنا هذا معنى الفتنة، وأنها الابتلاء والاختبـار بـالأدلة الـمُغنـية عن الإعادة فـي هذا الـموضع. و قوله: فَلَبِثْتَ سِنِـينَ فِـي أهْلِ مَدْيَنَ وهذا الكلام قد حذف منه بعض ما به تـمامه اكتفـاء بدلالة ما ذكر عم حذف. ومعنى الكلام: وفتناك فتونا، فخرجت خائفـا إلـى أهل مدين، فلبثت سنـين فـيهم. و قوله: ثُمّ جِئْتَ عَلـى قَدَرٍ يا مُوسَى يقول جلّ ثناؤه: ثم جئت للوقت الذي أردنا إرسالك إلـى فرعون رسولاً ولـمقداره. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٠٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: ثُمّ جئْتَ عَلـى قَدَرٍ يا مُوسَى يقول: لقد جئت لـميقات يا موسى. ١٨٢٠٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن مـجاهد ، قال: عَلـى قَدَرٍ يا مُوسَى قال: موعد. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قال: علـى ذي موعد. ١٨٢٠٦ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله: عَلـى قَدَرٍ يا مُوسَى قال: قدر الرسالة والنبوّة. والعرب تقول: جاء فلان علـى قدر: إذا جاء لـميقات الـحاجة إلـيه ومنه قول الشاعر: نالَ الـخِلافَةَ أوْ كانَتْ لَهُ قَدَراكمَا أتَـى رَبّهُ مُوسعى عَلـى قَدَرِ ٤١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي }. يقول تعالـى ذكره: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي أنعمت علـيك يا موسى هذه النعم، ومننت علـيك هذه الـمنن، اجتبـاء منـي لك، واختـيارا لرسالتـي والبلاغ عنـي، والقـيام بأمري ونهيـي ٤٢اذْهَبْ أنْتَ وأخُوكَ هارون بِآياتـي يقول: بأدلتـي وحججي، اذهبـا إلـى فرعون بها إنه تـمرّد فـي ضلاله وغيه، فأبلغه رسالاتـي وَلا تَنِـيا فِـي ذِكْري يقول: ولا تضعفـا فـي أن تذكرانـي فـيـما أمرتكما ونهيتكما، فإن ذكركما إيّاي يقوّي عزائمكما، ويثبت أقدامكما، لأنكما إذا ذكرتـمانـي، ذكرتـما مَنّـي علـيكما نِعَما جمّة، ومِنَنا لا تـحصى كثرة. يقال منه: وَنى فلان فـي هذا الأمر، وعن هذا الأمر: إذا ضعف، وهو يَنِـي وَنْـيا كما قال العجاج: فَمَا وَنى مُـحَمّدٌ مُذْ أنْ غَفَرْلَهُ الإلهُ ما مَضَى وَما غَبَرْ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٠٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: وَلا تَنِـيا يقول: لا تبطئا. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله وَلا تَنِـيا فِـي ذِكْرِي يقول: ولا تضعفـا فـي ذكري. ١٨٢٠٢حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: وَلا تَنِـيا فِـي ذِكْرِي قال: لا تضعفـا. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد تَنـيا تضعفـا. ١٨٢٠٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَلا تَنِـيا فِـي ذِكْرِي يقول: لا تضعفـا فـي ذكري. حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله: وَلا تَنِـيا فِـي ذِكْرِي قال: لا تضعفـا. ١٨٢٠٩ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا مُعاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَلا تَنِـيا فِـي ذِكْرِي يقول: لا تضعفـا. ١٨٢١٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلا تَنِـيا فِـي ذِكْرِي قال: الوانـي: هو الغافل الـمفرط، ذلك الوانـي. ٤٣اِذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ٤٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لّيّناً لّعَلّهُ يَتَذَكّرُ أَوْ يَخْشَىَ }. يقول تعالـى ذكره لـموسى وهارون: فقولا لفرعون قولاً لـيّنا. ذُكر أن القول اللـين الذي أمرهما اللّه أن يقولاه له، هو أن يكنـياه. ١٨٢١١ـ حدثنـي جعفر ابن ابنة إسحاق بن يوسف الأزرق، قال: حدثنا سعيد بن مـحمد الثقـفـي، قال: حدثنا علـيّ بن صالـح، عن السديّ: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَـيّنا قال: كنـياه. و قوله: لَعَلّهُ يَتَذَكّرُ أوْ يَخْشَى اختلف فـي معنى قوله: لَعَلّهُ فـي هذا الـموضع، فقال بعضهم معناها ههنا الاستفهام، كأنهم وجهوا معنى الكلام إلـى: فقولا له قولا لـينا، فـانظرا هل يتذكر ويراجع أو يخشى اللّه فـيرتدع عن طغيانه. ذكر من قال ذلك: ١٨٢١٢ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: لَعَلّهُ يَتَذَكّرُ أوْ يَخْشَى يقول: هل يتذكر أو يخشى. وقال آخرون: معنى لعلّ ههنا كي. ووجّهوا معنى الكلام إلـى اذهبَـا إلـى فِرْعَوْنَ إنّهُ طَغَى فـادعواه وعظاه لـيتذكر أو يخشى، كما يقول القائل: اعمل عملك لعلك تأخذ أجرك، بـمعنى: لتأخذ أجرك، وافرغ من عملك لعلنا نتغدّى، بـمعنى: لنتغدى، أو حتـى نتغدى، ولكلا هذين القولـين وجه حسن، ومذهب صحيح. ٤٥و قوله: قالا رَبّنا إنّنا نَـخافُ أنْ يَفْرُطَ عَلَـيْنا يقول تعالـى ذكره: قال موسى وهارون: ربنا إننا نـخاف فرعون إن نـحن دعوناه إلـى ما أمرتنا أن ندعوه إلـيه، أن يعجل علـينا بـالعقوبة وهو من قولهم: فرط منـي إلـى فلان أمر: إذا سبق منه ذلك إلـيه، ومنه: فـارط القوم، وهو الـمتعجل الـمتقدّم أمامهم إلـى الـماء أو الـمنزل كما قال الراجز: قَدْ فَرَط العِلْـجُ عَلَـيْنا وَعَجِلْ وأما الإفراط: فهو الإسراف والإشطاط والتعدّي. يقال منه: أفرطت فـي قولك: إذا أسرف فـيه وتعدّى. وأما التفريط: فإنه التوانـي. يقال منه: فرّطت فـي هذا الأمر حتـى فـات: إذا توانى فـيه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٢١٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد أنْ يَفْرُطَ عَلَـيْنا قال: عقوبة منه. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد ، مثله. ١٨٢١٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: إنّنا نَـخافُ أنْ يَفْرُطَ عَلَـيْنا أوْ أنْ يَطْغَى قال: نـخاف أن يعجل علـينا إذ نبلغه كلامك أو أمرك، يفرط ويعجل. وقرأ لا تَـخافـا إنّنـي مَعَكُما أسمَعُ وأرَى. ٤٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىَ }. يقول اللّه تعالـى ذكره: قال اللّه لـموسى وهارون: لا تَـخافـا فرعون إنّنِـي مَعَكُما أعينكما علـيه، وأبصركما أسمَعُ ما يجري بـينكما وبـينه، فأفهمكما ما تـحاورانه به وأرَى ما تفعلان ويفعل، لا يخفـى علـيّ من ذلك شيء فَأْتِـياهُ فَقُولا له إنّا رَسُولا رَبّكَ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٢١٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج قالَ لا تَـخافـا إنّنِـي مَعَكُما أسَمَعُ وأرَى ما يحاوركما، فأوحي إلـيكما فتـجاوبـانه. ٤٧و قوله: فَأْتِـياهُ فَقُولا إنّا رَسُولا رَبّكَ أرسلنا إلـيك يأمرك أن ترسل معنا بنـي إسرائيـل، فأرسلهم معنا ولا تعذّبهم بـما تكلفهم من الأعمال الرديئة قَدْ جِئْناكَ بآيَةٍ معجزة مِنْ رَبّكَ علـى أنه أرسلنا إلـيك بذلك، إن أنت لـم تصدّقنا فـيـما نقول لك أريناكها، والسّلامُ عَلـى مَنِ اتّبَعَ الهُدَى يقول: والسلامة لـمن اتبع هدى اللّه ، وهو بـيانه. يقال: السلام علـى من اتبع الهدى، ولـمن اتبع بـمعنى واحد. ٤٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنّ الْعَذَابَ عَلَىَ مَن كَذّبَ وَتَوَلّىَ }. يقول تعالـى ذكره لرسوله موسى وهارون: قولا لفرعون إنا قد أوحى إلـينا ربك أن عذابه الذي لا نفـاد له، ولا انقطاع علـى من كذب بـما ندعوه إلـيه من توحيد اللّه وطاعته، وإجابة رسله وَتَوّلـى يقول: وأدبر مُعرضا عما جئناه به من الـحقّ، كما: ١٨٢١٦ـ حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: أنّ العَذَابَ عَلـى مَنْ كَذّبَ وَتَوَلّـى كذّب بكتاب اللّه ، وتولـى عن طاعة اللّه . ٤٩و قوله: قالَ فَمَنْ رَبّكُما يا مُوسَى فـي هذا الكلام متروك، ترك ذكره استغناء بدلالة ما ذكر علـيه عنه، وه و قوله: فَأْتِـياهُ فقالا له ما أمرهما به ربهما وأبلغاه رسالته، فقال فرعون لهما فَمَنْ رَبّكُما يا مُوسَى فخاطب موسى وحده ب قوله: يا موسى، وقد وجه الكلام قبل ذلك إلـى موسى وأخيه. وإنـما فعل ذلك كذلك، لأن الـمـجاوبة إنـما تكون من الواحد وإن كان الـخطاب بـالـجماعة لا من الـجميع، وذلك نظير قوله: نَسِيا حُوَتُهما وكان الذي يحمل الـحوت واحد، وهو فتـى موسى، يدلّ علـى ذلك قوله: إنّـي نَسِيتُ الـحُوتَ وَما أنْسانِـيهُ إلاّ الشّيْطانُ أنْ أذْكُرَهُ. ٥٠و قوله: قالَ رَبّنا الّذِي أعْطَى كُلّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ ثُمّ هَدَى يقول تعالـى ذكره: قال موسى له مـجيبـا: ربنا الذي أعطى كلّ شيء خـلقه، يعني : نظير خـلقه فـي الصورة والهيئة كالذكور من بنـي آدم، أعطاهم نظير خـلقهم من الإناث أزواجا، وكالذكور من البهائم، أعطاها نظير خـلقها، وفـي صورتها وهيئتها من الإناث أزواجا، فلـم يعط الإنسان خلاف خـلقه، فـيزوّجه بـالإناث من البهائم، ولا البهائم بـالإناث من الإنس، ثم هداهم للـمأتـي الذي منه النسل والنـماء كيف يأتـيه، ولسائر منافعه من الـمطاعم والـمشارب، وغير ذلك. وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: بنـحو الذي قلنا فـيه. ذكر من قال ذلك: ١٨٢١٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: أعْطَى كُلّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ ثُمّ هَدَى يقول: خـلق لكلّ شيء زوجة، ثم هداه لـمنكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه ومولده. ١٨٢١٨ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: قالَ رَبّنا الّذِي أعْطَى كُلّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ ثُمّ هَدَى يقول: أعطى كلّ دابة خـلقها زوجا، ثم هدى للنكاح. وقال آخرون: معنى قوله ثُمّ هَدَى أنه هداهم إلـى الأُلفة والاجتـماع والـمناكحة. ذكر من قال ذلك: ١٨٢١٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: الّذِي أعْطَى كُلّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ ثُمّ هَدَى يعني : هدى بعضهم إلـى بعض، ألّف بـين قلوبهم وهداهم للتزويج أن يزوّج بعضهم بعضا. وقال آخرون: معنى ذلك: أعطى كلّ شيء صورته، وهي خـلقه الذي خـلقه به، ثم هداه لـما يُصلـحه من الاحتـيال للغذاء والـمعاش. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٢٠ـ حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا: حدثنا ابن إدريس، عن لـيث، عن مـجاهد ، فـي قوله: أعْطَى كُلّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ ثُمّ هَدَى قال: أعطى كلّ شيء صورته ثم هدى كلّ شيء إلـى معيشته. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه : أعْطَى كُلّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ ثُمّ هَدَى قال: سوّى خـلق كلّ دابة، ثم هداها لـما يُصلـحها، فعلّـمها إياه. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد ، قوله: رَبّنا الّذِي أعْطَى كُلّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ ثُمّ هَدَى قال: سوّى خـلق كلّ دابة ثم هداها لـما يُصلـحها وعلّـمها إياه، ولـم يجعل الناس فـي خـلق البهائم، ولا خـلق البهائم فـي خـلق الناس، ولكن خـلق كلّ شيء فقدّره تقديرا. حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن حميد عن مـجاهد أعْطَى كُلّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ ثُمّ هَدَى قال: هداه إلـى حيـلته ومعيشته. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أعطى كلّ شيء ما يُصلـحه، ثم هداه له. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٢١ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، قوله: أعْطَى كُلّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ قال: أعطى كلّ شيء ما يُصلـحه. ثم هداه له. قال أبو جعفر: وإنـما اخترنا القول الذي اخترنا فـي تأويـل ذلك، لأنه جل ثناؤه أخبر أنه أعطى كلّ شيء خـلقه، ولا يعطي الـمعطي نفسه، بل إنـما يعطي ما هو غيره، لأن العطية تقتضي الـمعطي الـمُعطَى والعطية، ولا تكون العطية هي الـمعْطَى، وإذا لـم تكن هي هو، وكانت غيره، وكانت صورة كلّ خـلق بعض أجزائه، كان معلوما أنه إذا قـيـل: أعطى الإنسان صورته، إنـما يعني أنه أعطى بعض الـمعانـي التـي به مع غيره دعي إنسانا، فكأن قائله قال: أعطى كلّ خـلق نفسه، ولـيس ذلك إذا وجه إلـيه الكلام بـالـمعروف من معانـي العطية، وإن كان قد يحتـمله الكلام. فإذا كان ذلك كذلك، فـالأصوب من معانـيه أن يكون موجها إلـى أن كلّ شيء أعطاه ربه مثل خـلقه، فزوّجه به، ثم هداه لـما بـيّنا، ثم ترك ذكر مثل، وقـيـل أعْطَى كُلّ شَيْءٍ خَـلْقَه كما يقال: عبد اللّه مثل الأسد، ثم يحذف مثل، فـيقول: عبد اللّه الأسد.
٥١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الاُولَىَ }. يقول تعالـى ذكره: قال فرعون لـموسى، إذ وصف موسى ربه جلّ جلاله بـما وصفه به من عظيـم السلطان، وكثرة الإنعام علـى خـلقه والإفضال: فما شأن الأمـم الـخالـية من قبلنا لـم تقرّ بـما تقول، ولـم تصدّق بـما تدعو إلـيه، ولـم تـخـلص له العبـادة، ولكنها عبدت الاَلهة والأوثان من دونه، إن كان الأمر علـى ما تصف من أن الإشياء كلها خـلقه، وأنها فـي نعمه تتقلّب، وفـي مِنَنه تتصرف؟ ٥٢قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنْسَى فأجابه موسى فقال: علـم هذه الأمـم التـي مضت من قبلنا فـيـما فعلت من ذلك، عند ربـي فـي كتاب: يعني فـي أمّ الكتاب، لا علـم لـي بأمرها، وما كان سبب ضلال من ضلّ منهم فذهب عن دين اللّه لا يَضِلّ رَبّـي يقول: لا يخطىء ربـي فـي تدبـيره وأفعاله، فإن كان عذّب تلك القرون فـي عاجل، وعجل هلاكها، فـالصواب ما فعل، وإن كان أخر عقابها إلـى القـيامة، فـالـحقّ ما فعل، هو أعلـم بـما يفعل، لا يخطىء ربـي ولاَ يَنْسَى فـيترك فعل ما فعْله حكمة وصواب. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٢٢ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: فِـي كِتابٍ لا يَضِلّ رَبّـي وَلا يَنْسَى يقول: لا يخطىء ربـي ولا ينسى. ١٨٢٢٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فَمَا بَـالُ القُرُونِ الأُولـى يقول فما أعمى القرون الأولـى، فوكلها نبـي اللّه موكلاً فقال: عِلْـمُها عِنْدَ رَبّـي... الاَية يقول: أي أعمارها وآجالها. وقال آخرون: معنى قوله لا يَضِلّ رَبّـي وَلا يَنْسَى واحدا. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٢٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: لا يَضِلّ رَبّـي وَلا يَنْسَى قال: هما شيء واحد. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله. والعرب تقول: ضلّ فلان منزله: إذا أخطأه، يضله بغير ألف، وكذلك ذلك فـي كلّ ما كان من شيء ثابت لا يبرح، فأخطأه مريده، فإنها تقول: أضله، فأما إذا ضاع منه ما يزول بنفسه من دابة وناقة وما أشبه ذلك من الـحيوان الذي ينفلت منه فـيذهب، فإنها تقلو: أضلّ فلان بعيره أو شاته أو ناقته يُضله بـالألف. وقد بـيّنا معنى النسيان فـيـما مضى قبل بـما أغنى عن إعادته. ٥٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً ...}. اختلف أهل التأويـل فـي قراءة قوله مَهْدا فقرأته عامّة قرّاء الـمدينة والبصرة: (الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مِهادا) بكسر الـمِيـم من الـمِهاد وإلـحاق ألف فـيه بعد الهاء، وكذلك عملهم ذلك فـي كلّ القرآن. وزعم بعض من اختار قراءة ذلك كذلك، أنه إنـما اختاره من أجل أن الـمهاد: اسم الـموضّع، وأن الـمهد الفعل قال: وهو مثل الفرش والفراش. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين: مَهْدا بـمعنى: الذي مهد لكم الأرض مهدا. والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مستفـيضتان فـي قَرأة الأمصار مشهورتان، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب فـيها. و قوله: وَسَلَكَ لَكُمْ فـيها سُبُلاً يقول: وأنهج لكم فـي الأرض طرقا. والهاء فـي قوله فـيها: من ذكر الأرض، كما: ١٨٢٢٥ـ حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَسَلَكَ لَكُمْ فِـيها سُبُلاً: أي طرقا. و قوله: وأنْزَلَ مِنَ السّماءِ ماءً يقلو: وأنزل من السماء مطرا فأخرجنا به أزْوَاجا مِنْ نَبـاتٍ شَتّـى وهذا خبر من اللّه تعالـى ذكره عن إنعامه علـى خـلقه بـما يحدث لهم من الغيث الذي ينزله من سمائه إلـى أرضه، بعد تناهي خبره عن جواب موسى فرعون عما سأله عنه وثنائه علـى ربه بـما هو أهله. يقول جلّ ثناؤه: فأخرجنا نـحن أيها الناس بـما ننزل من السماء من ماء أزواجا، يعني ألوانا من نبـات شتـى، يعني مختلفة الطعوم، والأرايـيح والـمنظر. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٢٦ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: مِنْ نَبـاتٍ شَتّـى يقول: مختلف. ٥٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {كُلُواْ وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لاُوْلِي النّهَىَ }. يقول تعالـى ذكره: كلوا أيها الناس من طيب ما أخرجنا لكم بـالغيث الذي أنزلناه من السماء إلـى الأرض من ثمار ذلك وطعامه، وما هو من أقواتكم وغذائكم، وارعوا فـيـما هو أرزاق بهائمكم منه وأقواتها أنعامكم إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ يقول: إن فـيـما وصفت فـي هذه الاَية من قدرة ربكم، وعظيـم سلطانه لاَيات: يعني لدلالات وعلامات تدلّ علـى وحدانـية ربكم، وأن لا إله لكم غيره أُوِلـي النّهَى يعني : أهل الـحجى والعقول. والنهي: جمع نُهية، كما الكُشَي: جمع كُشْيَة. قال أبو جعفر: والكُشَي: شحمة تكون فـي جوف الضبّ، شبـيهة بـالسرّة وخصّ تعالـى ذكره بأن ذلك آيات لأولـي النّهَي، لأنهم أهل التفكّر والاعتبـار، وأهل التدبر والاتعاظ. ٥٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىَ }. يقول تعالـى ذكره: من الأرض خـلقناكم أيها الناس، فأنشأناكم أجساما ناطقة وَفِـيها نُعِيدُكُمْ يقول: وفـي الأرض نعيدكم بعد مـماتكم، فنصيركم ترابـا، كما كنتـم قبل إنشائنا لكم بشرا سويا وَمِنْها نُـخْرِجُكُمْ يقول: ومن الأرض نـخرجكم كما كنتـم قبل مـماتكم أحياء، فننشئكم منها، كما أنشأناكم أوّل مرّة. و قوله: تارَةً أُخْرَى يقول: مرّة أخرى، كما: ١٨٢٢٧ـ حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَمِنْها نُـخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرَى يقول: مرّة أخرى. ١٨٢٢٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: تارَةً أُخْرَى قال: مرّة أخرى الـخـلق الاَخر. قال أبو جعفر: فتأويـل الكلام إذن: من الأرض أخرجناكم ولـم تكونوا شيئا خـلقا سويا، وسنـخرجكم منها بعد مـماتكم مرّة أخرى، كما أخرجناكم منها أوّل مرّة. ٥٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلّهَا فَكَذّبَ وَأَبَىَ }. يقول تعالـى ذكره: ولقد أرينا فرعون آياتنا، يعني أدلتنا وحججنا علـى حقـيقة ما أرسلنا به رسولـينا، موسى وهارون إلـيه كلها فَكَذّبَ وأَبَى أن يقبل من موسى وهارون ما جاءا به من عند ربهما من الـحقّ استكبـارا وعتوّا. ٥٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَمُوسَىَ }. يقول تعالـى ذكره: قال فرعون لـما أريناه آياتنا كلها لرسولنا موسى: أجئتنا يا موسى لتـخرجنا من منازلنا ودورنا بسحرك هذا الذي جئتنا به ٥٨فَلَنْأتِـيَنّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فـاجْعَلْ بَـيْنَنا وَبَـيْنَكَ مَوْعِدا لا نتعدّاه، لنـجيء بسحر مثل الذي جئت به، فننظر أينا يغلب صاحبه، لا نـخـلف ذلك الـموعد نَـحْنُ وَلا أنْتَ مَكانا سُوًى يقول: بـمكان عدل بـيننا وبـينك ونَصَف. وقد اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـحجاز والبصرة وبعض الكوفـيـين: (مَكانا سِوًى) بكسر السين، وقرأته عامة قرّاء الكوفة: مَكانا سُوًى بضمها. قال أبو جعفر: والصواب من القول فـي ذلك عندنا، أنهما لغتان، أعنـي الكسر والضم فـي السين من (سوى) مشهورتان فـي العرب. وقد قرأت بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء، مع اتفـاق معنـيـيهما، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وللعرب فـي ذلك إذا كان بـمعنى العدل والنصب لغة هي أشهر من الكسر والضم وهو الفتـح، كما قال جل ثناؤه تَعَالُوا إلـى كَلِـمَةٍ سَوَاءٍ بَـينَنا وَبَـيْنَكُمْ وإذا فتـح السين منه مدّ. وإذا كسرت أو ضمت قصر، كما قال الشاعر: فإنّ أبـانا كانَ حَلّ بِبَلْدَةٍسُوًى بـينَ قَـيْسٍ قَـيْسٍ عَيْلانَ والفِزْرِ ونظير ذلك من الأسماء: طُوَى، وطَوَى وثَنى وثُنَى وَعَدَى، وعُدَى. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٢٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: مَكانا سُوًى قال: منصفـا بـينهم. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، بنـحوه. ١٨٢٣٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة مَكانا سوًى: أي عادلاً بـيننا وبـينك. ١٨٢٣١ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة ، قوله: مَكانا سُوًى قال: نصفـا بـيننا وبـينك. ١٨٢٣٢ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: فـاجْعَلْ بَـيْنَنا وَبَـيْنَكَ مَوْعِدا لا نُـخْـلِفُهُ نَـحْنُ وَلا أنْتَ مَكانا سُوًى قال: يقول: عدلاً. وكان ابن زيد يقول فـي ذلك ما: ١٨٢٣٣ـ حدثنـي به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: مَكانا سُوًى قال: مكانا مستويا يتبـين للناس ما فـيه، لا يكون صوب ولا شيء فـيغيب بعض ذلك عن بعض مستوٍ حين يرى. ٥٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى }. يقول تعالـى ذكره: قال موسى لفرعون، حين سأله أن يجعل بـينه وبـينه موعدا للاجتـماع: موعدكم للاجتـماع يَوْمُ الزّينَةِ يعني يوم عيد كان لهم، أو سوق كانوا يتزيّنون فـيه وأنْ يُحْشَرَ النّاسُ يقول: وأن يُساق الناس من كلّ فجّ وناحية ضُحًى فذلك موعد ما بـينـي وبـينك للاجتـماع. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٣٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزّينَةِ وأنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى فإنه يوم زينة يجتـمع الناس إلـيه ويحشر الناس له. ١٨٢٣٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج قال مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزّينَةِ قال: يوم زينة لهم، ويوم عيد لهم وأنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى إلـى عيد لهم. ١٨٢٣٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد يَوْمُ الزّينَةِ قال: يوم السوق. ١٨٢٣٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد يَوْمُ الزّينَةِ: موعدهم. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله. ١٨٢٣٨ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ قال موسى: مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزّينَةِ وأنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى وذلك يوم عيد لهم. ١٨٢٣٩ـ حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد حدثنا سعيد، عن قتادة قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزّينَةِ يوم عيد كان لهم. و قوله: وأنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى يجتـمعون لذلك الـميعاد الذي وعدوه. ١٨٢٤٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: قالَ مَوْعَدُكُمْ يَوْمُ الزّينَةِ قال: يوم العيد، يوم يتفرّغ الناس من الأعمال، ويشهدون ويحضُرون ويرون. ١٨٢٤١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزّينَةُ يوم عيد كان فرعون يخرج له وأنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى حتـى يحضروا أمري وأمرك، وأنّ من قوله وأنْ يحْشَرَ النّاسُ ضُحًى رفع بـالعطف علـى قوله يَوْمُ الزّينَةِ. وذُكر عن أبـي نهيك فـي ذلك ما: ١٨٢٤٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: عبد الـمؤمن، قال: سمعت أبـا نهيك يقول: وأنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضحًى يعني فرعون يحشر قومه. ٦٠و قوله: فَتَوَلّـى فِرْعَوْنُ يقول تعالـى ذكره: فأدبر فرعون معرضا عما أتاه به من الـحقّ فجَمَعَ كَيْدَهُ يقول: فجمع مكره، وذلك جمعُه سحرتَه بعد أخذه إياهم بتعلـمه، ثُمّ أتَـى يقول: ثم جاء للـموعد الذي وعده موسى، وجاء بسحرته. ٦١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ لَهُمْ مّوسَىَ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى اللّه كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىَ }. يقل تعالـى ذكره: قَالَ مُوسَى للسحرة لـما جاء بهم فرعون: وَيْـلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلـى اللّه كَذِبـا يقول: لا تـختلفوا علـى اللّه كذبـا، ولا تتقوّلوه فَـيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ فـيستأصلكم بهلاك فـيبـيدكم. وللعرب فـيه لغتان: سَحَت، وأسحت، وَسَحت، أكثر من أسحت، يقال منه: سحت الدهر، وأسحت مال فلان: إذا أهلكه فهو يَسْحَته سحتا، وأسحته يُسْحته إسحاتا. ومن الإسحات قول الفرزدق: وَعَضّ زَمانٍ يا بْنَ مَرْوَنَ لَـمْ يَدَعْمِنَ الـمَالِ إلاّ مُسْحَتا أوْ مُـجَلّفُ ويُروى: إلا مسحت أو مـجلف. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٤٣ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: فَـيُسْحِتَكم بِعَذَابٍ يقول: فـيهلككم. ١٨٢٤٤ـ حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَـيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ يقول يستأصلكم بعذاب. حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله: فَـيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ قال: فـيستأصلكم بعذاب فـيهلككم. ١٨٢٤٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فَـيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ قال: يهلككم هلاكا لـيس فـيه بقـيّة، قال: والذي يسحت لـيس فـيه بقـية. ١٨٢٤٦ـ حدثنا موسى قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فَـيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ يقول يهلككم بعذاب. واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة: (فَـيَسْحَتَكُمْ) بفتـح الـياء من سحت يَسحت. وقرأته عامة قرّاء الكوفة: فَـيُسْحِتَكُمْ بضم الـياء من أسحت يُسْحِت. قال أبو جعفر: والقول فـي ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان، ولغتان معروفتان بـمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب، غير أن الفتـح فـيها أعجب إلـيّ لأنها لغة أهل العالـية، وهي أفصح، والأخرى وهي الضمّ فـي نـجد. و قوله: وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرَى يقول: ولـم يظفر من يخـلق كذبـا وبقوله ، بكذبه ذلك، بحاجته التـي طلبها به، ورجا إدراكها به. ٦٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَتَنَازَعُوَاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرّواْ النّجْوَىَ }. يقول تعالـى ذكره: فتنازع السحرة أمرهم بـينهم. وكان تنازعهم أمرهم بـينهم فـيـما ذكر أن قال بعضهم لبعض، ما: ١٨٢٤٧ـ حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فَتَنازَعُوا أمْرَهُمْ بَـيْنَهُمْ وأسَرّوا النّـجْوَى قال السحرة بـينهم: إن كان هذا ساحرا فإنا سنغلبه، وإن كان من السماء فله أمر. وقال آخرون بل هو أن بعضهم قال لبعض: ما هذا القول بقول ساحر. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٤٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: حُدثت عن وهب بن منبه، قال: جمع كلّ ساحر حبـاله وعصيه، وخرج موسى معه أخوه يتكىء علـى عصاه، حتـى أتـى الـمـجمع، وفرعون فـي مـجلسه، معه أشراف أهل مـملكته، قد استكَفّ له الناس، فقال موسى للسحرة حين جاءهم: وَيْـلَكُمْ لا تَفْتَروا عَلـى اللّه كَذِبـا فَـيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرَى فترادّ السحرة بـينهم، وقال بعضهم لبعض: ما هذا بقول ساحر. و قوله: وأسَرّوا النّـجْوَى يقول تعالـى ذكره: وأسرّوا السحرة الـمناجاة بـينهم. ثم اختلف أهل العلـم السرار الذي أسروه، فقال بعضهم: هو قول بعضهم لبعض: إن كان هذا ساحرا فإنا سنغلبه، وإن كان من أمر السماء فإنه سيغلبنا. وقال آخرون فـي ذلك ما: ١٨٢٤٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: حُدثت عن وهب بن منبه، قال: أشار بعضهم إلـى بعض بتناج: إنْ هَذَانِ لسَاحِرَانِ يُرِيدَانه أنْ يخْرِجاكُمْ مِنْ أرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما. ١٨٢٥٠ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: فَتَنازَعُوا أمْرَهُمْ بَـيْنَهُمْ وأسَرّوا النّـجْوَى من دون موسى وهارون، قالوا فـي نـجواهم: إنْ هَذَانِ لَساحِرَانِ يُرِيدانِ أنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أرْضِكُمْ بِسِحْرَهُما وَيَذْهَبـا بِطَرِيقَتِكُمْ الـمُثْلَـى ٦٣قالوا: إن هذان لساحران، يَعْنُون بقوله م: إن هذان موسى وهارون، لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما، كما: ١٨٢٥١ـ حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إنْ هَذَانِ لَساحِرَانِ يُرِيدَانِ أنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما موسى وهارون صلـى اللّه علـيهما. وقد اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: إنْ هَذَانِ لَساحِرَانِ فقرأته عامة قرّاء الأمصار: (إنّ هَذَانِ) بتشديد إن وبـالألف فـي هذان، وقالوا: قرأنا ذلك كذلك. وكان بعض أهل العربـية من أهل البصرة يقول: (إن) خفـيفة فـي معنى ثقـيـلة، وهي لغة لقوم يرفعون بها، ويدخـلون اللام لـيفرقوا بـينها وبـين التـي تكون فـي معنى ما. وقال بعض نـحويـيّ الكوفة: ذلك علـى وجهين: أحدهما علـى لغة بنـي الـحارث بن كعب ومن جاورهم، يجعلون الاثنـين فـي رفعهما ونصبهما وخفضهما بـالألف. وقد أنشدنـي رجل من الأَسْد عن بعض بنـي الـحارث بن كعب: فأطْرَقَ إطْرَاقَ الشّجاعِ وَلَوْ رَأىَمَساغا لِنابـاهُ الشّجاعُ لَصمّـما قال: وحكى عنه أيضا: هذا خط يدا أخي أعرفه، قال: وذلك وإن كان قلـيلاً أقـيس، لأن العرب قالوا: مسلـمون، فجعلوا الواو تابعة للضمة، لأنها لا تعرب، ثم قالوا: رأيت الـمسلـمين، فجعلوا الـياء تابعة لكسرة الـميـم قالوا: فلـما رأوا الـياء من الاثنـين لا يـمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحا، تركوا الألف تتبعه، فقالوا: رجلان فـي كلّ حال. قال: وقد اجتـمعت العرب علـى إثبـات الألف فـي كلام الرجلـين، فـي الرفع والنصب والـخفض، وهما اثنان، إلا بنـي كنانة، فإنهم يقولون: رأيت كِلَـىِ الرجلـين، ومررت بكلـي الرجلـين، وهي قبـيحة قلـيـلة مَضَوا علـى القـياس. قال: والوجه الاَخر أن تقول: وجدت الألف من هذا دعامة، ولـيست بلام (فَعلَـى) فلـما بنـيت زدت علـيها نونا، ثم تركت الألف ثابتة علـى حالها لا تزول بكلّ حال، كما قالت العرب الذي، ثم زادوا نونا تدلّ علـى الـجمع، فقالوا: الذين فـي رفعهم ونصبهم وخفضهم، كما تركوا هذان فـي رفعه ونصبه وخفضه. قال: وكان القـياس أن يقولوا: الّذُون. وقال آخر منهم: ذلك من الـجزم الـمرسل، ولو نصب لـخرج إلـى الانبساط. ١٨٢٥٢ـ وحُدثت عن أبـي عُبـيدة معمر بن الـمثنى، قال: قال أبو عمرو وعيسى بن عمر ويونس، إن هذين لساحران فـي اللفظ، وكتب (هذان) كما يريدون الكتاب، واللفظ صواب. قال: وزعم أبو الـخطاب أنه سمع قوما من بنـي كنانة وغيرهم، يرفعون الاثنـين فـي موضع الـجرّ والنصب. قال: وقال بشر بن هلال: إن بـمعنى الابتداء والإيجاب. ألا ترى أنها تعمل فـيـما يـلـيها، ولا تعمل فـيـما بعد الذي بعدها، فترفع الـخبر ولا تنصبه، كما نصبت الاسم، فكان مـجاز (إن هذان لساحران) ، مـجاز كلامين، مَخْرجه: إنه: إي نَعَم، ثم قلت: هذان ساحران. ألا ترى أنهم يرفعون الـمشترك كقول ضابىء: فَمَنْ يَكُ أمْسَى بـالـمَدِينَةِ رَحْلُهُفإنّـي وَقَـيّارٌ بِهَا لَغَرِيبُ و قوله: إنّ السّيُوفَ غُدُوّها وَرَواحَهاتَرَكْتْ هَوَازِنَ مِثْلَ قَرْنِ الأعْضَبِ قال: ويقول بعضهم: إن اللّه وملائكتُهُ يصلون علـى النبي ، فـيرفعون علـى شركة الابتداء، ولا يعملون فـيه إنّ. قال: وقد سمعت الفصحاء من الـمُـحْرِمين يقولون: إن الـحمدَ والنعمةُ لك والـملكُ، لا شريك لك. قال: وقرأها قوم علـى تـخفـيف نون إن وإسكانها. قال: ويجوز لأنهم قد أدخـلوا اللام فـي الابتداء وهي فصل، قال: أُمّ الـحُلَـيْسِ لعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ قال: وزعم قوم أنه لا يجوز، لأنه إذا خفف نوّن (إن) فلا بدّ له من أن يدخـل (إلا) فـيقول: إن هذا إلا ساحران. قال أبو جعفر: والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا: إنّ بتشديد نونها، وهذان بـالألف لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه، وأنه كذلك هو فـي خطّ الـمصحف. ووجهه إذا قرىء كذلك مشابهته الذين إذ زادوا علـى الذي النون، وأقرّ فـي جميع الأحوال الإعراب علـى حالة واحدة، فكذلك إنّ هَذَانِ زيدت علـى هذا نون وأقرّ فـي جميع أحوال الإعراب علـى حال واحدة، وهي لغة بلـحرث بن كعب، وخثعم، وزبـيد، ومن ولـيهم من قبـائل الـيـمن. و قوله: وَيَذْهَبـا بطَرِيقَتِكُمْ الـمُثْلَـى يقول: ويغلبـا علـى ساداتكم وأشرافكم، يقال: هو طريقة قومه ونظورة قومه، ونظيرتهم إذا كان سيدهم وشريفهم والـمنظور إلـيه، يقال ذلك للواحد والـجمع، وربـما جمعوا، فقالوا: هؤلاء طرائق قومهم ومنه قول اللّه تبـارك وتعالـى: كُنّا طَرَائقَ قِدَادا وهؤلاء نظائر قومهم. وأما قوله: الـمُثْلَـى فإنها تأنـيث الأمثل، يقال للـمؤنث، خذ الـمثلـى منهما. وفـي الـمذكر: خذ الأمثل منهما، ووحدت الـمثلـى، وهي صفة ونعت للـجماعة، كما قـيـل: لهُ الأسْماءُ الـحُسْنَى، وقد يحتـمل أن يكون الـمُثلـى أنثت لتأنـيث الطريقة. وبنـحو ما قلنا فـي معنى قوله: بِطَرِيقَتِكُمُ الـمُثْلَـى قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٥٣ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: وَيَذْهَبـا بِطَرِيقَتِكُمُ الـمُثلَـى يقول: أمثلكم وهم بنو إسرائيـل. ١٨٢٥٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: وَيَذْهَبـا بِطَرِيقَتِكُمُ الـمُثْلَـى قال: أولـي العقل والشرف والأنساب. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد ، فـي قوله وَيَذْهَبـا بِطَرِيقَتِكُمُ الـمُثْلَـى قال: أولـي العقول والأشراف والأنساب. ١٨٢٥٥ـ حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَيَذْهَبـا بِطَرِيقَتِكُمُ الـمُثْلَـى وطريقتهم الـمُثلـى يومئذٍ كانت بنو إسرائيـل، وكانوا أكثر القوم عددا وأموالاً وأولادا. قال عدوّ اللّه : إنـما يريدان أن يذهبـا بهم لأنفسهما. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله بِطَرِيقَتِكُمُ الـمُثْلَـى قال: ببنـي إسرائيـل. ١٨٢٥٦ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ وَيَذْهَبَـا بِطَرِيقَتِكُمُ الـمُثْلَـى يقول: يذهبـا بأشراف قومكم. وقال آخرون: معنى ذلك: ويغيرا سنتكم ودينكم الذي أنتـم علـيه، من قولهم: فلان حسن الطريقة. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٥٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَيَذْهَبـا بِطَرِيقَتِكُمُ الـمُثْلَـى قال: يذهبـا بـالذي أنتـم علـيه، يغير ما أنتـم علـيه. وقرأ: ذَرُونِـي أقْتُلْ مُوسَى وَلـيْدْعُ رَبّهُ إنّـي أخافُ أنْ يُبَدّلَ دِينَكُمْ أوْ أنْ يُظْهِرَ فِـي الأرْضِ الفَسادَ قال: هذا قوله: وَيَذْهَبـا بِطَرِيقَتِكُمُ الـمُثْلَـى وقال: يقول طريقتكم الـيوم طريقة حسنة، فإذا غيرت ذهبت هذه الطريقة. ورُوي عن علـي فـي معنى قوله: وَيَذْهَبـا بِطَرِيقَتِكُمُ الـمُثْلَـى ما: ١٨٢٥٨ـ حدثنا به القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن القاسم، عن علـيّ بن أبـي طالب، قال: يصرفـان وجوه الناس إلـيهما. قال أبو جعفر: وهذا القول الذي قاله ابن زيد فـي قوله: ويَذْهَبـا بِطَرِيقَتِكُمُ الـمُثْلَـى وإن كان قولاً له وجه يحتـمله الكلام، فإن تأويـل أهل التأويـل خلافه، فلا أستـجيز لذلك القول به. ٦٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمّ ائْتُواْ صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَىَ }. اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: فأجْمِعُوا كَيْدَكُمْ فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والكوفة فأجْمِعُوا كَيْدَكُمْ بهمز الألف من فأجْمِعُوا، ووجّهوا معنى ذلك إلـى: فأحكموا كيدكم، واعزموا علـيه من قولهم: أجمع فلان الـخروج، وأجمع علـى الـخروج، كما يقال: أزمع علـيه ومنه قول الشاعر: يا لَـيْت شعْرِي والـمُنى لا تَنْفَعُهَلْ أغْدُوَنْ يَوْما وأمْرِيَ مُـجْمَعُ يعني ب قوله: (مـجمع) قد أحكم وعزم علـيه ومنه قول النبي صلى اللّه عليه وسلم : (مَنْ لَـمْ يُجْمِعْ عَلـى الصّوْمِ مِن اللّـيْـلِ فَلا صَوْم لَهُ) . وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل البصرة: (فـاجْمِعُوا كَيْد كُمْ) بوصل الألف، وترك همزها، من جمعت الشيء، كأنه وجّهه إلـى معنى: فلا تدَعوا من كيدكم شيئا إلا جئتـم به. وكان بعض قارئي هذه القراءة يعتلّ فـيـما ذُكر لـي لقراءته ذلك كذلك ب قوله: فَتَوّلـى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ. قال أبو جعفر: والصواب فـي قراءة ذلك عندنا همز الألف من أجمع، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه، وأن السحرة هم الذين كانوا به معروفـين، فلا وجه لأن يقال لهم: اجمعوا ما دعيتـم له مـما أنتـم به عالـمون، لأن الـمرء إنـما يجمع ما لـم يكن عنده إلـى ما عنده، ولـم يكن ذلك يوم تزيد فـي علـمهم بـما كانوا يعملونه من السحر، بل كان يوم إظهاره، أو كان متفرّقا مـما هو عنده، بعضه إلـى بعض، ولـم يكن السحر متفرّقا عندهم فـيجمعونه. وأما قوله: فَجَمَعَ كَيْدَهُ فغير شبـيه الـمعنى بقوله فَأجِمعُوا كَيْدَكُمْ وذلك أن فرعون كان هو الذي يجمع ويحتفل بـما يغلب به موسى مـما لـم يكن عنده مـجتـمعا حاضرا، ف قـيـل: فتولـى فرعون فجمع كيده. و قوله: ثُمّ ائْتُوا صَفّـا يقول: احضروا وجيئوا صفـا والصفّ ههنا مصدر، ولذلك وحد، ومعناه: ثم ائتوا صفوفـا، وللصفّ فـي كلام العرب موضع آخر، وهو قول العرب: أتـيت الصفّ الـيوم، يعني به الـمصلـى الذي يصلـى فـيه. و قوله: وَقَدْ أفْلَـحَ الـيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَـى يقول: قد ظفر بحاجته الـيوم من علا علـى صاحبه فقهره، كما: ١٨٢٥٩ـ حدثنا ابن حميد، قلا: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: حُدثت عن وهب بن منبه، قال: جمع فرعون الناس لذلك الـجمع، ثم أمر السحرة فقال: ائْتُوا صَفّـا وَقَدْ أفْلَـحَ الـيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَـى أي قد أفلـح من أفلـج الـيوم علـى صاحبه. ٦٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ يَمُوسَىَ إِمّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمّآ أَن نّكُونَ أَوّلَ مَنْ أَلْقَىَ }. يقول تعالـى ذكره: فأجمعت السحرة كيدهم، ثم أتوا صفـا فقالوا لـموسى: يا مُوسعى إمّا أنْ تُلْقِـيَ وإمّا أنْ نَكُونَ أوّلَ مَنْ ألْقَـى وترك ذكر ذلك من الكلام اكتفـاء بدلالة الكلام علـيه. واختلف فـي مبلغ عدد السحرة الذين أتوا يومئذٍ صفـا، فقال بعضهم: كانوا سبعين ألف ساحر، مع كلّ ساحر منهم حبل وعصا. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٦٠ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن هشام الدستوائي، قال: حدثنا القاسم بن أبـي بزّة، قال: جمع فرعون سبعين ألف ساحر، فألقوا سبعين ألف حبل، وسبعين ألف عصا فألقـى موسى عصاه، فإذا هي ثعبـان مبـين فـاغر به فـاه، فـابتلع حبـالهم وعصيهم، فَأُلْقِـيَ السّحَرَةُ سُجّدا عند ذلك، فما رفعوا رءوسهم حتـى رأوا الـجنة والنار وثواب أهلهما، فعند ذلك قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلـى ما جاءنا مِنَ البَـيّنات. وقال آخرون: بل كانوا نـيفـا وثلاثـين ألف رجل. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٦١ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: قَالو يا مُوسَى إمّا أنْ تُلْقِـيَ وَإمّا أنْ نَكونَ نـحْنُ الـمُلْقِـينَ قالَ لهُمْ مُوسَى: ألقوا، فألقوا حبـالهم وعصيهم، وكانوا بضعة وثلاثـين ألف رجل لـيس منهم رجل إلا ومعه حبل وعصا. وقال آخرون: بل كانوا خمسة عشر ألفـا. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٦٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: حدثت عن وهب بن منبه، قال: صف خمسة عشر ألف ساحر، مع كلّ ساحر حبـاله وعصيه. وقال آخرون: كانوا تسع مئة. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٦٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: كان السحرة ثلاث مئة من العريش، وثلاث مئة من فـيوم، ويشكون فـي ثلاث مئة من الإسكندرية فقالوا لـموسى: إما أن تلقـي ما معك قبلنا، وإما أن نلقـي ما معنا قبلك، وذلك قوله: وإمّا أنْ نَكُونَ أوّلَ مَنْ ألْقَـى وأنّ فـي قوله: إمّا أنْ فـي موضع نصب، وذلك أن معنى الكلام: اختر يا موسى أحد هذين الأمرين: إما أن تلقـي قبلنا، وإما أن نكون أوّل من ألقـي، ولو قال قائل: هو رفع، كان مذهبـا، كأنه وجّهه إلـى أنه خبر، كقول القائل: فَسِيرَا فإمّا حاجَةً تَقْضِيانِهاوإمّا مَقِـيـلٌ صَالِـحٌ وصَدِيقُ ٦٦و قوله: قالَ بَلْ ألْقُوا يقول تعالـى ذكره: قال موسى للسحرة: بل ألقوا أنتـم ما معكم قبلـي. و قوله: فإذَا حِبـالُهُمْ وَعصِيّهُمْ يُخَيّـلُ إلَـيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أنّهَا تَسْعَى، وفـي هذا الكلام متروك، وهو: فألقوا ما معهم من الـحبـال والعصيّ، فإذا حبـالهم، ترك ذكره استغناء بدلالة الكلام الذي ذكر علـيه عنه. وذُكر أن السحرة سحروا عين موسى وأعين الناس قبل أن يـلقوا حبـالهم وعصيهم، فخيـل حينئذٍ إلـى موسى أنها تسعى، كما: ١٨٢٦٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: حُدثت عن وهب بن منبه، قال: قالوا يا موسى، إمّا أنْ تُلْقِـيَ وَإمّا أنْ نَكُونَ أوّلَ مَنْ ألْقَـى قالَ بَلْ ألْقُوا فكان أوّل ما اختطفوا بسحرهم بصر موسى وبصر فرعون، ثم أبصار الناس بعد، ثم ألقـى كلّ رجل منهم ما فـي يده من العصي والـحبـال، فإذا هي حيات كأمثال الـحبـال، قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضا. واختلفت القراءة فـي قراءة قوله: يُخَيّـلُ إلَـيْهِ فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار يُخَيّـلُ إلَـيْهِ بـالـياء بـمعنى: يخيـل إلـيهم سعيها. وإذا قرىء ذلك كذلك، كانت (أن) فـي موضع رفع. ورُوي عن الـحسن البصري أنه كان يقرؤه: (تُـخَيّـلُ) بـالتاء، بـمعنى: تـخيـل حبـالهم وعصيهم بأنها تسعى. ومن قرأ ذلك كذلك، كانت (أن) فـي موضع نصب لتعلق تـخيـل بها. وقد ذُكر عن بعضهم أنه كان يقرؤه: (تُـخَيّـلُ إلَـيْهِ) بـمعنى: تتـخيـل إلـيه. وإذا قرىء ذلك كذلك أيضا ف(أن) فـي موضع نصب بـمعنى: تتـخيـل بـالسعي لهم. والقراءة التـي لا يجوز عندي فـي ذلك غيرها يُخَيّـلُ بـالـياء، لإجماع الـحجة من القراء علـيه. ٦٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مّوسَىَ }. يعني تعالـى ذكره ب قوله: فأوجس فـي نفسه خوفـا موسى فوجده. ٦٨و قوله: قُلْنا لا تَـخَفْ إنّكَ أنْتَ الأعْلَـى يقول تعالـى ذكره: قلنا لـموسى إذ أوجس فـي نفسه خيفة: لا تَـخَفْ إنّكَ أنْتَ الأَعْلَـى علـى هؤلاء السحرة، وعلـى فرعون وجنده، والقاهر لهم ٦٩وألْقِ ما فِـي يَـمينِكَ تَلْقَـفْ ما صَنَعُوا يقول: وألق عصاك تبتلع حبـالهم وعصيهم التـي سحروها حتـى خيـل إلـيك أنها تسعى. و قوله: إنّـمَا صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة إنّـمَا صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ برفع كيد وبـالألف فـي ساحر بـمعنى: إن الذي صنعه هؤلاء السحرة كيد من ساحر. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: (إنّـمَا صَنَعُوا كَيْدُ سِحْرٍ) برفع الكيد وبغير الألف فـي السحر بـمعنى إن الذي صنعوه كيد سحر. والقول فـي ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا الـمعنى، وذلك أن الكيد هو الـمكر والـخدعة، فـالساحر مكره وخدعته من سحر يسحر، ومكر السحر وخدعته: تـخيـله إلـى الـمسحور، علـى خلاف ما هو به فـي حقـيقته، فـالساحر كائد بـالسحر، والسحر كائد بـالتـخيـيـل، فإلـى أيهما أضفت الكيد فهو صواب. وقد ذُكر عن بعضهم أنه قرأ: (كَيْدَ سِحْرٍ) بنصب كميد. ومن قرأ ذلك كذلك، جعل إنـما حرفـا واحدا وأعمل صنعوا فـي كيد. قال أبو جعفر: وهذه قراءة لا أستـجيز القراءة بها لإجماع الـحجة من القرّاء علـى خلافها. و قوله: وَلا يُفْلِـحُ السّاحِرُ حَيْثُ أتَـى يقول: ولا يظفر الساحر بسحره بـما طلب أين كان. وقد ذُكر عن بعضهم أنه كان يقول: معنى ذلك: أن الساحر يُقتل حيث وُجد. وذكر بعض نـحويـي البصرة، أن ذلك فـي حرف ابن مسعود: (وَلا يُفْلِـحُ السّاحِرُ أيْنَ أَتَـى) وقال: العرب تقول: جئتك من حيث لا تعلـم، ومن أين لا تعلـم. وقال غيره من أهل العربـية الأول: جزاء يقتل الساحر حيث أتـى وأين أتـى وقال: وما قول العرب: جئتك من حيث لا تعلـم، ومن أين لا تعلـم، فإنـما هو جواب لـم يفهم، فـاستفهم كما قالوا: أي الـماء والعشب. ٧٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَأُلْقِيَ السّحَرَةُ سُجّداً قَالُوَاْ آمَنّا بِرَبّ هَارُونَ وَمُوسَىَ }. وفـي هذا الكلام متروك قد استغنى بدلالة ما ترك علـيه هو: فألقـى موسى عصاه، فتلقـفت ما صنعوا فأُلْقـيَ السّحَرَةُ سُجّدا قالُوا آمَنّا بِرَبّ هارُونَ وَمُوسَى وذكر أن موسى لـما ألقـى ما فـي يده تـحوّل ثعبـانا، فـالتقم كلّ ما كانت السحرة ألقته من الـحبـال والعصيّ. ذكر الرواية عمن قال ذلك: ١٨٢٦٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: لـما اجتـمعوا وألقوا ما فـي أيديهم من السحر، خيـل إلَـيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أنّها تَسْعَى فأوْجَسَ فِـي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنا لا تَـخَفْ إنّكَ أنْتَ الأعْلَـى وألْقِ ما فِـي يَـمِينِكَ تَلْقَـفْ ما صَنَعُوا فألقـى عصاه فإذا هي ثعبـان مبـين. قال: فتـحت فما لها مثل الدّحْل، ثم وضعت مشفرها علـى الأرض ورفعت الاَخر، ثم استوعبت كلّ شيء ألقوه من السحر، ثم جاء إلـيها فقبض علـيها، فإذا هي عصا، فخرّ السحرة سجدا قالُوا آمَنّا بِرَبّ هارُونَ وَموسَى قالَ آمَنْتُـمْ لَهُ قَبْلَ أنْ آذَنَ لَكُمْ إنّهُ لَكَبِـيرُكُمْ الّذِي عَلّـمَكُمُ السّحْرَ فَلأُقَطّعَنّ أيْدِيَكُمْ وَأرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ قال: فكان أوّل من قطع الأيدي والأرجل من خلاف فرعون وَلأُصَلّبَنّكُمْ فِـي جُذُوعِ النّـخْـلِ قال: فكان أوّل من صلب فـي جذوع النـخـل فرعون. ١٨٢٦٦ـ حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فأوْجَسَ فِـي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى فأوحى اللّه إلـيه لا تَـخَفْ وألْقِ ما فـي يَـمِينَكَ تَلْقَـف ما يأفِكُونَ فألْقَـى عَصَاهُ فأكلت كلّ حية لهم فلـما رأوا ذلك سجدوا وقَالُوا آمَنّا بِرَبّ الْعَالَـمِينَ رَبّ هَارُونَ وَمُوسَى. ١٨٢٦٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: حُدثت عن وهب بن منبه فأوْجَسَ فِـي نَفْسِهِ خيفَةً مُوسَى لـما رأى ما ألقوا من الـحبـال والعصيّ وخيـل إلـيه أنها تسعى، وقال: واللّه إن كانت لعصيا فـي أيديهم، ولقد عادت حيات، وما تعدو عصاي هذه، أو كما حدّث نفسه، فأوحى اللّه إلـيه أن ألْقِ ما فـي يَـمِينكَ تَلْقَـفْ ما صَنَعُوا إنّـمَا صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِـحُ السّاحرِ حَيْثُ أتَـى وفرح موسى فألقـى عصاه من يده، فـاستعرضت ما ألقوا من حبـالهم وعصيهم، وهي حيات فـي عين فرعون وأعين الناس تسعى، فجعلت تلقـفها، تبتلعها حية حية، حتـى ما يرى بـالوادي قلـيـل ولا كثـير مـما ألقوا، ثم أخذها موسى فإذا هي عصا فـي يده كما كانت، ووقع السحرة سجدا، قالوا: آمنا بربّ هارون وموسى، لو كان هذا سحر ما غلبنا. ٧١و قوله: قالَ آمَنْتُـمْ لَهُ قَبْلَ أنْ آذَنَ لَكُمْ يقول جلّ ثناؤه: وقال فرعون للسحرة: أصدّقتـم وأقررتـم لـموسى بـما دعاكم إلـيه من قبل أن أطلق ذلك لكم إنّهُ لكَبـيركُم يقول: إن موسى لعظيـمكم الّذي عَلّـمَكُمُ السّحْرَ. كما: ١٨٢٦٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: حُدثت عن وهب بن منبه، قال: لـما قالت السحرة: آمَنّا بِرَبّ هارُونَ وَمُوسَى قال لهم فرعون، وأسف ورأى الغلبة والبـينة: آمَنْتُـمْ لَهُ قَبْلع أنْ آذَنَ لَكُمْ إنّهُ لَكَبِـيرُكُمْ الّذِي عَلّـمَكُمُ السّحْرَ: أي لعظيـم السحار الذي علـمكم. و قوله: فَلأُقَطّعَنّ أيْدِيَكُمْ وأرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ يقول: فلأقطعنّ أيديكم وأرجلكم مخالفـا بـين قطع ذلك، وذلك أن يقطع يـمنى الـيدين ويسرى الرجلـين، أو يسرى الـيدين، ويـمنى الرجلـين، فـيكون ذلك قطعا من خلاف، وكان فـيـما ذُكر أوّل من فعل ذلك فرعون، وقد ذكرنا الرواية بذلك. و قوله: وَلأُصَلّبَنّكُمْ فِـي جُذُوعِ النّـخْـلِ يقول: ولأصلبنكم علـى جذوع النـخـل، كما قال الشاعر: هُمْ صَلَبُوا العَبْدِيّ فِـي جِذْعِ نَـخْـلَةٍفَلا عَطَسَتْ شَيْبـانُ إلاّ بأجْدَعا يعني علـى جذع نـخـلة، وإنـما قـيـل: فـي جذوع، لأن الـمصلوب علـى الـخشبة يرفع فـي طولها، ثم يصير علـيها، فـيقال: صلب علـيها. ١٨٢٦٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَلأُصَلّبَنّكُمْ فِـي جُذُوعِ النّـخْـلِ لـما رأى السحرة ما جاء به عرفوا أنه من اللّه فخروا سجدا، وآمنوا عند ذلك، قال عدوّ اللّه : فَلأُقَطّعَنّ أيْدِيَكُمْ وَأرْجُلَكمْ مِنْ خِلافٍ... الاَية. ١٨٢٧٠ـ حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال فرعون: لأَقْطّعَنّ أيْدِيَكُمْ وأرْجُلَكُمْ مِن خِلافٍ وَلأُصَلّبَنّكُمْ فِـي جُذُوعِ النّـخْـلِ فقتلهم وقطعهم، كما قال عبد اللّه بن عباس حين قالوا: رَبّنا أفْرِغْ عَلَـيْنا صَبْرا وَتَوَفّنا مُسْلِـمِينَ وقال: كانوا فـي أوّل النهار سحرة، وفـي آخر النهار شهداء. و قوله: وَلَتَعْلَـمُنّ أيّنا أشَدّ عَذَابـا وأبْقَـى يقول: ولتعلـمنّ أيها السحرة أينا أشدّ عذابـا لكم، وأدوم، أنا أو موسى. ٧٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ لَن نّؤْثِرَكَ عَلَىَ مَا جَآءَنَا مِنَ الْبَيّنَاتِ وَالّذِي فَطَرَنَا ...}. يقول تعالـى ذكره: قالت السحرة لفرعون لـما توعدهم بـما توعّدهم به: لَنْ نُؤْثِرَكَ فنتبعك ونكذّب من أجلك موسى عَلـى ما جاءَنا مِنَ البّـيّناتِ يعني من الـحجج والأدلة علـى حقـيقة ما دعاهم إلـيه موسى. وَالّذِي فَطَرَنا يقول: قالوا: لن نؤثرك علـى الذي جاءنا من البـينات، وعلـى الذي فطرنا. و يعني ب قوله: فَطَرنا خـلقنا فـالذي من قوله: وَالّذِي فَطَرنا خفض علـى قوله: ما جاءَنا، وقد يحتـمل أن يكون قوله: وَالّذِي فَطَرنا خفضا علـى القسم، فـيكون معنى الكلام: لن نؤثرك علـى ما جاءنا من البـيّنات واللّه . و قوله: فـاقْضِ ما أنْتَ قاضٍ يقول: فـاصنع ما أنت صانع، واعمل بنا ما بدا لك إنـما تَقْضِي هَذِهِ الـحَياةَ الدّنـيا يقول: إنـما تقدر أن تعذّبنا فـي هذه الـحياة الدنـيا التـي تفنى. ونصب الـحياة الدنـيا علـى الوقت وجعلت إنـما حرفـا واحدا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٧١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: حُدثت عن وهب بن منبه لَنْ نُؤْثرَكَ عَلـى ما جاءَنا مِنَ البَـيّناتِ وَالّذِي فَطَرَنا أي علـى اللّه علـى ما جاءنا من الـحجج مع بـينة فـاقْضِ ما أنْتَ قاضٍ: أي اصنع ما بدا لك إنّـمَا تَقْضِي هَذِهِ الـحَيَاةَ الدّنـيا أي لـيس سلطان إلا فـيها، ثم لا سلطان لك بعده. ٧٣و قوله: إنّا آمَنّا بِرَبّنا لِـيَغْفِرَ لَنا خَطايانا يقول تعالـى ذكره: إنا أقررنا بتوحيد ربنا، وصدقنا بوعده ووعيده. وأن ما جاء به موسى حقّ لِـيَغْفِرَ لَنا خَطايانا يقول: لـيعفو لنا عن ذنوبنا فـيسترها علـينا وَما أكْرَهْتَنا عَلَـيْهِ مِن السّحْرِ يقول: لـيغفر لنا ذنوبنا، وتعلـمنا ما تعلـمناه من السحر، وعملنا به الذي أكرهتنا علـى تعلّـمه والعمل به. وذُكر أن فرعون كان أخذهم بتعلـيـم السحر. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٧٢ـ حدثنـي موسى بن سهل، قال: حدثنا نعيـم بن حماد، قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة، عن أبـي سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس ، فـي قول اللّه تبـارك وتعالـى: وَما أكْرَهْتَنا عَلَـيْهِ مِنَ السّحْرِ قال: غلـمان دفعهم فرعون إلـى السحرة، تعلـمهم السحر بـالفَرَما. ١٨٢٧٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَما أكْرَهْتَنا عَلَـيْهِ مِنَ السّحْرِ قال: أمرهم بتعلـم السحر، قال: تركوا كتاب اللّه ، وأمروا قومهم بتعلـيـم السحر. وَما أكْرَهْتَنا عَلَـيْهِ مِنَ السّحْرِ قال: أمرتنا أن نتعلـمه. و قوله: وَاللّه خَيْرٌ وأبْقَـى يقول: واللّه خير منك يا فرعون جزاء لـمن أطاعه، وأبقـى عذابـا لـمن عصاه وخالف أمره، كما: ١٨٢٧٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق وَاللّه خَيْرٌ وأبْقَـى: خير منك ثوابـا، وأبقـى عذابـا. ١٨٢٧٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي معشر، عن مـحمد بن كعب، ومـحمد بن قـيس فـي قول اللّه : وَاللّه خَيْرٌ وأبْقَـى قالا: خيرا منك إن أُطِيع، وأبقـى منك عذابـا إن عُصي. ٧٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّهُ مَن يَأْتِ رَبّهُ مُجْرِماً فَإِنّ لَهُ جَهَنّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىَ }. يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل السحرة لفرعون: إنّهُ مَنْ يأْتِ ربه من خـلقه مُـجْرِما يقول: مكتسبـا الكفر به، فإنّ لَهُ جَهَنّـمَ يقول: فإن له جهنـم مأوى ومسكنا، جزاء له علـى كفره لا يَـمُوتُ فِـيها فتـخرج نفسه وَلا يَحْيا فتستقرّ نفسه فـي مقرّها فتطمئنّ، ولكنها تتعلق بـالـحناجر منهم ٧٥وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنا موحدا لا يُشرك به قَدْ عَمِلَ الصّالِـحاتِ يقول: قد عمل ما أمره به ربه، وانتهى عما نهاه عنه فأُولَئِكَ لَهُمُ الدّرَجاتُ العُلَـى يقول: فأولئك الذين لهم درجات الـجنة العُلَـى. ٧٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَآءُ مَن تَزَكّىَ }. يقول تعالـى ذكره: وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنا قَدْ عَمِلَ الصّالِـحاتِ فأُولَئِكَ لَهُمُ الدّرَجاتُ العُلَـى. ثم بـين تلك الدرجات العلـى ما هي، فقال: هن جَنّاتُ عَدْنٍ يعني : جنات إقامة لا ظعن عنها ولا نفـاد لها ولا فناء تَـجْرِي مِنْ تَـحْتِها الأنهَارُ يقول: تـجري من تـحت أشجارها الأنهار خالِدِينَ فِـيها يقول: ماكثـين فـيها إلـى غير غاية مـحدودة فـالـجنات من قوله جَنّاتُ عَدْنٍ مرفوعة بـالردّ علـى الدرجات، كما: ١٨٢٧٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، فـي قوله: وَمَنْ يأْتِهِ مُؤْمِنا قَدْ عَمِلَ الصّالِـحاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدّرَجاتُ العُلـى قال: عَدْن. و قوله: وَذلكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكّى يقول: وهذه الدرجات العُلـى التـي هي جنات عدن علـى ما وصف جلّ جلاله ثواب من تزكى، يعني : من تطهر من الذنوب، فأطاع اللّه فـيـما أمره، ولـم يدنس نفسه بـمعصيته فـيـما نهاه عنه.) ٧٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىَ مُوسَىَ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لاّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىَ }. يقول تعالـى ذكره: وَلَقَدْ أوْحَيْنا إلـى نبـينا مُوسَى إذ تابعنا له الـحجج علـى فرعون، فأبى أن يستـجيب لأمر ربه، وطغى وتـمادى فـي طغيانه أنْ أسْرِ لـيلاً بِعبـادِي يعني بعبـادي من بنـي إسرائيـل فـاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقا فِـي البَحْرِ يَبَسا يقول: فـاتـخذ لهم فـي البحر طريقا يابسا. والـيَبَس والـيَبْس: يجمع أيبـاس، تقول: وقـفوا فـي أيبـاس من الأرض. والـيَبْس الـمخفف: يجمع يبوس. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٧٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله يَبَسا قال: يابسا. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيْج، عن مـجاهد ، مثله. وأما قوله: لا تَـخافُ دَرَكا وَلا تَـخْشَى فإنه يعني : لا تـخاف من فرعون وجنوده أن يدركوك من ورائك، ولا تـخشى غرقا من بـين يديك ووَحَلاً. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٧٨ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، فـي قوله: لا تـخافُ دَرَكا وَلا تَـخْشَى يقول: لا تـخافُ من آل فرعون دَرَكا وَلا تَـخْشِى مِنَ البَحْرِ غرقا. ١٨٢٧٩ـ حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة لا تَـخافُ دَرَكا وَلا تَـخْشَى يقول: لا تـخاف أن يدركك فرعون من بعدك ولا تـخشى الغرق أمامك. ١٨٢٨٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جُرَيْج: قال أصحاب موسى: هذا فرعون قد أدركنا، وهذا البحر قد غشينا، فأنزل اللّه : لا تَـخافُ دَرَكا أصحاب فرعون وَلا تَـخْشَى من البحر وحلاً. ١٨٢٨١ـ حدثنـي أحمد بن الولـيد الرملـي، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا هشيـم، عن بعض أصحابه، فـي قوله: لا تَـخافُ دَرَكا وَلا تَـخْشَى قال: الوَحَل. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله لا تَـخافُ دَرَكا فقرأته عامّة قرّاء الأمصار غير الأعمش وحمزة: لا تَـخافُ دَرَكا علـى الاستئناف بلا، كما قال: وَاصْطَبِرْ عَلَـيْها لا نَسألُكَ رِزْقا فرفع، وأكثر ما جاء فـي هذا الأمر الـجواب مع (لا) . وقرأ ذلك الأعمش وحمزة (لا تَـخَفْ دَرَكا) فجزما لا تـخاف علـى الـجزاء، ورفعا وَلا تَـخْشَى علـى الاستئناف، كما قال جلّ ثناؤه: يُوَلّوكُمُ الأدْبـارَ ثُمّ لا يُنْصَرُونَ فـاستأنف بثم، ولو نوى ب قوله: ولاَ تَـخْشَى الـجزم، وفـيه الـياء، كان جائزا، كما قال الراجز: هُزّي إلَـيْكِ الـجِذْعَ يَجْنِـيكِ الـجَنى وأعجب القراءتـين إلـيّ أن أقرأ بها: لا تـخافُ علـى وجه الرفع، لأن ذلك أفصح اللغتـين، وإن كانت الأخرى جائزة. وكان بعض نـحويـي البصرة يقول: معنى قوله: لا تَـخافُ دَرَكا اضرب لهم طريقا لا تـخاف فـيه دركا، قال: وحذف فـيه، كما تقول: زيد أكرمت، وأنت تريد: أكرمته، وكما تقول: وَاتّقُوا يَوْما لا تَـجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئا أي لا تـجزى فـيه. وأما نـحويو الكوفة فإنهم ينكرون حذف فـيه إلا فـي الـمواقـيت، لأنه يصلـح فـيها أن يقال: قمت الـيوم وفـي الـيوم، ولا يجيزون ذلك فـي الأسماء. ٧٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مّنَ الْيَمّ مَا غَشِيَهُمْ }. يقول تعالـى ذكره: فسرى موسى ببنـي إسرائيـل إذا أوحينا إلـيه أن أَسْربهم، فأتبعهم فرعون بجنوده حين قطعوا البحر، فغشي فرعون وجنده من الـيـم ما غشيهم، فغرقوا جميعا ٧٩وَأضَلّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدَى يقول جلّ ثناؤه: وجاوز فرعون بقومه عن سواء السبـيـل، وأخذ بهم علـى غير استقامة، وذلك أنه سلك بهم طريق أهل النار، بأمرهم بـالكفر بـاللّه ، وتكذيب رسله وَما هَدَى يقول: وما سلك بهم الطريق الـمستقـيـم، وذلك أنه نهاهم عن اتبـاع رسول اللّه موسى، والتصديق به، فأطاعوه، فلـم يهدهم بأمره إياهم بذلك، ولـم يهتدوا بـاتبـاعهم إياه. ٨٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مّنْ عَدُوّكُمْ ...}. يقول تعالـى ذكره: فلـما نـجا موسى بقومه من البحر، وغَشِيَ فرعون قومه من الـيـم ما غشيهم، قلنا لقوم موسى: يَا بَنِـي إسْرَائِيـلَ قَدْ أنْـجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوّكُمْ فرعون وَوَاعَدْناكُمْ جانِبَ الطّورِ الأيـمَنَ وَنَزّلْنا عَلَـيْكُمُ الـمَنّ والسّلْوَى وقد ذكرنا كيف كانت مواعدة اللّه موسى وقومه جانب الطور الأيـمن. وقد بـيّنا الـمنّ والسلوى بـاختلاف الـمختلفـين فـيهما، وذكرنا الشواهد علـى الصواب من القول فـي ذلك فـيـما مضى قبل، بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: قَدْ أْنْـجَيْناكُمْ فكانت عامة قرّاء الـمدينة والبصرة يقرءونه: قَد أنْـجَيْناكُمْ بـالنون والألف وسائر الـحروف الأخر معه كذلك، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: (قَدْ أنْـجَيْتُكُمْ) بـالتاء، وكذلك سائر الـحروف الأخر، إلا قوله: وَنَزّلْنا عَلَـيْكُمُ الـمَنّ والسّلْوَى فإنهم وافقوا الاَخرين فـي ذلك وقرءوه بـالنون والألف. والقول فـي ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان بـاتفـاق الـمعنى، فبأيتهما قرأ القارىء ذلك فمصيب. ٨١و قوله: كُلُوا مِنْ طَيّبـاتِ ما رَزَقْناكُمْ يقول تعالـى ذكره لهم: كلوا يا بنـي إسرائيـل من شهيات رزقنا الذي رزقناكم، وحلاله الذي طيبناه لكم وَلا تَطْغَوْا فِـيهِ يقول: ولا تعتدوا فـيه، ولا يظلـم فـيه بعضكم بعضا، كما: ١٨٢٨٢ـ حدثنا علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس قول: وَلا تَطْغَوْا فِـيهِ يقول: ولا تظلـموا. و قوله: فَـيَحِلّ عَلَـيْكُمْ غَضَبِـي يقول: فـينزل علـيكم عقوبتـي، كما: ١٨٢٨٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد عن قتادة ، قوله: فَـيَحلّ عَلَـيْكُمْ غَضَبِـي يقول: فـينزل علـيكم غضبـي. واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـحجاز والـمدينة والبصرة والكوفة فَـيَحِلّ عَلَـيْكُمْ بكسر الـحاء وَمَنْ يَحْلِلْ بكسر اللام. ووجهوا معناه إلـى: فـيجب علـيكم غضبـي. وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة: (فَـيَحُلّ عَلَـيْكُمْ) بضم الـحاء، ووجهوا تأويـله إلـى ما ذكرنا عن قتادة من أنه: فـيقع وينزل علـيكم غضبـي. قال أبو جعفر: والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء، وقد حذّر اللّه الذين قـيـل لهم هذا القول من بنـي إسرائيـل وقوع بأسه بهم ونزوله بـمعصيتهم إياه إن هم عصوه، وخوّفهم وجوبه لهم، فسواء قرىء ذلك بـالوقوع أو بـالوجوب، لأنهم كانوا قد خوّفوا الـمعنـيـين كلـيهما. ٨٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّي لَغَفّارٌ لّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمّ اهْتَدَىَ }. يقول تعالـى ذكره: ومن يجب علـيه غضبـي، فـينزل به. فقد هوى، يقول فقد تردّى فشقـي، كما: ١٨٢٨٤ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: فَقَدْ هَوَى يقول: فقد شقِـي. و قوله: وإنّـي لَغَفّـارٌ لِـمَنْ تابَ يقول: وإنـي لذو غفر لـمن تاب من شركه، فرجع منه إلـى الإيـمان لـي وآمن، يقول: وأخـلص لـي الألوهة، ولـم يشرك فـي عبـادته إياي غيري. وَعمِلَ صَالِـحا يقول: وأدّى فرائضي التـي افترضتها علـيه، واجتنب معاصيّ. ثُمّ اهْتَدَى يقول: ثم لزم ذلك، فـاستقام ولـم يضيع شيئا منه. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله: وإنّـي لَغَفّرٌ لِـمَنْ تابَ وآمَنَ وَعمِلَ صَالِـحا ثُمّ اهْتَدَى قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٨٥ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: وإنّـي لَغَفّـارٌ لِـمَنْ تابَ من الشرك وآمَنَ يقول: وحّد اللّه وَعمِلَ صَالِـحا يقول: أدّى فرائضي. ١٨٢٨٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وإنّـي لَغَفّـارٌ لِـمَنْ تابَ من ذنبه وآمَنَ به وَعَمِلَ صَالِـحا فـيـما بـينه وبـين اللّه . ١٨٢٨٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر الرازيّ، عن الربـيع وإنّـي لَغَفـاّرٌ لِـمَنْ تابَ من الشرك وآمَنَ يقول: وأخـلص للّه، وعمل فـي إخلاصه. واختلفوا فـي معنى قوله: ثُمّ اهْتَدَى فقال بعضهم: معناه: لـم يشكُك فـي إيـمانه. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٨٨ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: ثُمّ اهْتَدَى يقول: لـم يشكُك. وقال آخرون: معنى ذلك: ثم لزم الإيـمان والعمل الصالـح. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٨٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ثُمّ اهْتَدَى يقول: ثم لزم الإسلام حتـى يـموت علـيه. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثم استقام. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٩٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر الرازيّ، عن الربـيع بن أنس ثُمّ اهْتَدَى قال: أخذ بسنة نبـيه صلى اللّه عليه وسلم . وقال آخرون: بل معناه: أصاب العمل. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٩١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَعمِلَ صَالِـحا ثُمّ اهْتَدَى قال: أصاب العمل. وقال آخرون: معنى ذلك: عرف أمر مُثـيبه. ذكر من قال ذلك: ١٨٢٩٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن الكلبـيّ وإنّـي لَغَفّـارٌ لِـمَنْ تابَ من الذنب وآمَنَ من الشرك وَعمِلَ صَالِـحا أدّى ما افترضت علـيه ثُمّ اهْتَدَى عرف مثـيبه إن خيرا فخيرا، وإن شرّا فشرّا. وقال آخرون بـما: ١٨٢٩٣ـ حدثنا إسماعيـل بن موسى الفزاريّ، قال: أخبرنا عمر بن شاكر، قال: سمعت ثابتا البُنانـيّ يقول فـي قوله: وإنّـي لَغَفّـارٌ لِـمَنْ تابَ وآمَنَ وَعمِلَ صَالِـحا ثُمّ اهْتَدَى قال: إلـى ولاية أهل بـيت النبي صلى اللّه عليه وسلم . قال أبو جعفر: وإنـما اخترنا القول الذي اخترنا فـي ذلك، من أجل أن الاهتداء هو الاستقامة علـى هدى، ولا معنى للاستقامة علـيه إلا وقد جمعه الإيـمان والعمل الصالـح والتوبة، فمن فعل ذلك وثبت علـيه، فلا شكّ فـي اهتدائه. ٨٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يَمُوسَىَ }. يقول تعالـى ذكره: وما أعجلك؟ وأيّ شيء أعجلك عن قومك يا موسى، فتقدمتهم وخـلّفتهم وراءك، ولـم تكن معهم؟ ٨٤قال هُمْ أُولاءِ عَلـى أَثَرَي يقول: قومي علـى أثري يَـلْـحَقُون بـي. وَعَجِلْتُ إلَـيْكَ رَبّ لِتَرْضَى يقول: وعجلت أنا فسبقتهم ربّ، كيـما ترضى عنـي. وإنـما قال اللّه تعالـى ذكره لـموسى: ما أعجلك عن قومك؟ لأنه جلّ ثناؤه، فـيـما بلغنا، حين نـجاه وبنـي إسرائيـل من فرعون وقومه، وقطع بهم البحر، وعدَهم جانب الطور الأيـمن، فتعجّل موسى إلـى ربه، وأقام هارون من بنـي إسرائيـل، يسير بهم علـى أثر موسى. كما: ١٨٢٩٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: وعد اللّه موسى حين أهلك فرعون وقومه ونـجاه وقومه، ثلاثـين لـيـلة، ثم أتـمها بعشر، فتـمّ ميقات ربه أربعين لـيـلة، تلقاه فـيها بـما شاء، فـاستـخـلف موسى هارون من بنـي إسرائيـل، ومعه السامريّ، يسير بهم علـى أثر موسى لـيـلـحقهم به، فلـما كلـم اللّه موسى، قال له ما أعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا موسى * قالَ هُمْ أُولاءِ عَلـى أثَرِي وَعَجِلْتُ إلَـيْكَ رَبّ لِتَرْضَى. ١٨٢٩٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَعَجِلْتُ إلَـيْكَ رَبّ لِتَرْضَى قال: لأرضيك. ٨٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ فَإِنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلّهُمُ السّامِرِيّ }. يقول اللّه تعالـى ذكره قال اللّه لـموسى: فإنا يا موسى قد ابتلـينا قومك من بعدك بعبـادة العجل، وذلك كان فتنتهم من بعد موسى. و يعني ب قوله: مِنْ بَعْدِكَ: من بعد فراقك إياهم. يقول اللّه تبـارك وتعالـى: وأضَلّهُمُ السّامِرِيّ وكان إضلال السامريّ إياهم دعاءه إياهم إلـى عبـادة العجل. ٨٦و قوله: فَرَجَعَ مُوسَى إلـى قومه يقول: فـانصرف موسى إلـى قومه من بنـي إسرائيـل بعد انقضاء الأربعين لـيـلة غَضْبـانَ أسِفـا متغيظا علـى قومه، حزينا لـما أحدثوه بعده من الكفر بـاللّه . كما: ١٨٢٩٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس قوله: غَضْبـانَ أسِفـا يقول: حزينا. وقال فـي الزخرف: فَلَـمّا آسَفُونا يقول: أغضبونا، والأسف علـى وجهين: الغضب، والـحزن. ١٨٢٩٧ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ غَضْبـانَ أسِفـا يقول: حزينا. ١٨٢٩٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَلَـمّا رَجَعَ مُوسَى إلـى قَوْمِهِ غَضْبـانَ أسِفـا: أي حزينا علـى ما صنع قومه من بعده. ١٨٢٩٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: أسِفـا قال: حزينا. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج عن ابن جريج، عن مـجاهد ، مثله. و قوله: قالَ يا قَوْمِ أَلْـم يَعِدْكُمْ رَبّكُمْ وَعْدا حَسَنا يقول: ألـم يعدكم ربكم أنه غفـار لـمن تاب وآمن وعمل صالـحا ثم اهتدى، ويعدكم جانب الطور الأيـمن، وينزل علـيكم الـمنّ والسلوى، فذلك وعد اللّه الـحسن بنـي إسرائيـل الذي قال لهم موسى: ألـم يعدكموه ربكم. و قوله: أفَطالَ عَلَـيْكُمُ الْعَهْدُ أمْ أرَدْتُـمْ أنْ يَحِلّ عَلَـيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبّكُمْ يقول: أفطال علـيكم العهد بـي، وبجميـل نعم اللّه عندكم، وأياديه لديكم، أم أردتـم أن يحلّ علـيكم غضب من ربكم: يقول: أم أردتـم أن يجب علـيكم غضب من ربكم فتستـحقوه بعبـادتكم العجل، وكفركم بـاللّه ، فأخـلفتـم موعدي. وكان إخلافهم موعده، عكوفهم علـى العجل، وتركهم السير علـى أثر موسى للـموعد الذي كان اللّه وعدهم، وقولهم لهارون إذ نهاهم عن عبـادة العجل، ودعاهم إلـى السير معه فـي أثر موسى: لَنْ نَبْرَحَ عَلَـيْهِ عاكِفِـينَ حتـى يَرْجِعَ إلَـيْنا مُوسَى. ٨٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَـَكِنّا حُمّلْنَآ أَوْزَاراً مّن زِينَةِ الْقَوْمِ ...}. يقول تعالـى ذكره: قال قوم موسى لـموسى: ما أخـلفنا موعدك، يعنون بـموعده: عهده الذي كان عهده إلـيهم، كما: ١٨٣٠٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى (ح) وحدثنا الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: مَوْعِدِي قال: عهدي، وذلك العهد والـموعد هو ما بـيّناه قبل. و قوله: بِـمِلْكِنا يخبر جلّ ذكره عنهم أنهم أقروا علـى أنفسهم بـالـخطأ، وقالوا: إنا لـم نطق حمل أنفسنا علـى الصواب، ولـم نـملك أمرنا حتـى وقعنا فـي الذي وقعنا فـيه من الفتنة. وقد اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة: (بِـمَلْكِنا) بفتـح الـميـم، وقرأته عامة قرّاء الكوفة: (بِـمُلْكِنا) بضم الـميـم، وقرأه بعض أهل البصرة بِـمِلْكِنا بـالكسر. فأما الفتـح والضمّ فهما بـمعنى واحد، وهما بقدرتنا وطاقتنا، غير أن أحدهما مصدر، والاَخر اسم. وأما الكسر فهو بـمعنى ملك الشيء وكونه للـمالك. واختلف أيضا أهل التأويـل فـي تأويـله، فقال بعضهم: معناه: ما أخـلفنا موعدك بأمرنا. ذكر من قال ذلك: ١٨٣٠١ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ عن ابن عباس ، قوله: ما أخْـلَفْنا مَوْعِدَكَ بِـمَلْكِنا يقول: بأمرنا. ١٨٣٠٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: بِـمَلْكِنا قال: بأمرنا. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد ، مثله. وقال آخرون: معناه: بطاقتنا. ذكر من قال ذلك: ١٨٣٠٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قالُوا ما أخْـلَفْنا مَوْعِدَكَ بِـمَلْكِنا: أي بطاقتنا. ١٨٣٠٤ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: قالُوا ما أخْـلَفْنا مَوْعِدَكَ بِـمَلْكِنا يقول: بطاقتنا. وقال آخرون: معناه: ما أخـلفنا موعدك بهوانا، ولكنا لـم نـملك أنفسنا. ذكر من قال ذلك: ١٨٣٠٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: ما أخْـلَفْنا مَوْعِدَكَ بِـمَلْكِنا قال: يقول بهوانا، قال: ولكنه جاءت ثلاثة، قال ومعهم حلـيّ استعاروه من آل فرعون، وثـياب. وقال أبو جعفر: وكلّ هذه الأقوال الثلاثة فـي ذلك متقاربـات الـمعنى، لأن من لـم يهلك نفسه، لغلبة هواه علـى ما أمر، فإنه لا يـمتنع فـي اللغة أن يقول: فعل فلان هذا الأمر، وهو لا يـملك نفسه وفعله، وهو لا يضبطها وفعله وهو لا يطيق تركه. فإذا كان ذلك كذلك، فسواء بأيّ القراءات الثلاث قرأ ذلك القارىء، وذلك أن من كسر الـميـم من الـملك، فإنـما يوجه معنى الكلام إلـى ما أخـلفنا موعدك، ونـحن نـملك الوفـاء به لغلبة أنفسنا إيانا علـى خلافه، وجعله من قول القائل: هذا ملك فلان لـما يـملكه من الـمـملوكات، وأن من فتـحها، فإنه يوجه معنى الكلام إلـى نـحو ذلك، غير أنه يجعله مصدرا من قول القائل: ملكت الشيء أملكه ملكا وملكة، كما يقال: غلبت فلانا أغلبه غَلبـا وغَلَبة، وأن من ضمها فإنه وجّه معناه إلـى ما أخـلفنا موعدك بسلطاننا وقدرتنا، أي ونـحن نقدر أن نـمتنع منه، لأن كل من قهر شيئا فقد صار له السلطان علـيه. وقد أنكر بعض الناس قراءة من قرأه بـالضمّ، فقال: أيّ ملك كان يومئذٍ لبنـي إسرائيـل، وإنـما كانوا بـمصر مستضعفـين، فأغفل معنى القوم وذهب غير مرادهم ذهابـا بعيدا وقارئو ذلك بـالضم لـم يقصدوا الـمعنى الذي ظنه هذا الـمنكر علـيهم ذلك، وإنـما قصدوا إلـى أن معناه: ما أخـلفنا موعدك بسلطان كانت لنا علـى أنفسنا نقدر أن نردّها عما أتت، لأن هواها غلبنا علـى إخلافك الـموعد. و قوله: وَلَكِنّا حُمّلْنا أوْزَارا مِنْ زِينَةِ القَوْمِ يقول: ولكنا حملنا أثقالاً وأحمالاً من زينة القوم، يعنون من حلـيّ آل فرعون وذلك أن بنـي إسرائيـل لـما أراد موسى أن يسير بهم لـيلاً من مصر بأمر اللّه إياه بذلك، أمرهم أن يستعيروا من أمتعة آل فرعون وحلـيهم، وقال: إن اللّه مغنـمكم ذلك، ففعلوا، واستعاروا من حلـىّ نسائهم وأمتعتهم، فذلك قولهم لـموسى حين قال لهم أفَطَالَ عَلَـيْكُمُ العَهْدُ أمْ أرَدْتُـمْ أنْ يَحِلّ عَلَـيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبّكُمْ فَأخْـلَفْتُـمْ مَوْعِدِي قَالُوا ما أخْـلَفْنا مَوْعِدَكَ بِـمَلْكِنا، وَلَكِنّا حُمّلْنا أوْزارا مِنْ زِينَةٍ القَوْمِ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٣٠٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَلَكِنّا حُمّلْنا أوْزارا مِنْ زِينَةِ القَوْمِ فهو ما كان مع بنـي إسرائيـل من حلـيّ آل فرعون، يقول: خطئونا بـما أصبنا من حلـيّ عدوّنا. ١٨٣٠٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: أوْزَارا قال: أثقالاً. و قوله: مِنْ زِينَةِ القَوْمِ قال: هي الـحلـيّ التـي استعاروا من آل فرعون، فهي الأثقال. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد وَلَكِنّا حُمّلْنا أوْزَارا قال: أثقالاً مِنْ زِينَةِ القَوْمِ قال: حلـيهم. ١٨٣٠٨ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ وَلَكِنّا حُمّلْنا أوْزَارا مِنْ زِينةِ القَوْمِ يقول: من حلـيّ القبط. ١٨٣٠٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلَكِنّا حُمّلْنا أوْزَارا مِنْ زِينَةِ القَوْمِ قال: الـحلـيّ الذي استعاروه. والثـياب لـيست من الذنوب فـي شيء، لو كانت الذنوب كانت حملناها نـحملها، فلـيست من الذنوب فـي شيء. واختلفت القرّاء فـي قبراءة ذلك، فقرأ عامة قرّاء الـمدينة وبعض الـمكيـين: حُمّلْنا بضم الـحاء وتشديد الـميـم بـمعنى أن موسى يحملهم ذلك. وقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة وبعض الـمكيـين: (حَمَلْنا) بتـخفـيف الـحاء والـميـم وفتـحهما، بـمعنى أنهم حملوا ذلك من غير أن يكلفهم حمله أحد. قال أبو جعفر: والقول عندي فـي تأويـل ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا الـمعنى، لأن القوم حملوا، وأن موسى قد أمرهم بحمله، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب. و قوله: فَقَذَفْناها يقول: فألقـينا تلك الأوزار من زينة القوم فـي الـحفرة فَكَذَلكَ ألْقَـى السّامِرِيّ يقول: فكما قذفنا نـحن تلك الأثقال، فكذلك ألقـى السامريّ ما كان معه من تربة حافر فرس جبريـل. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٣١٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد قوله: فَقَذَفْناها قال: فألقـيناها فَكَذَلكَ ألْقَـى السّامِريّ: كذلك صنع. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد فَقَذَفْناها قال: فألقـيناها فَكَذَلِكَ ألْقَـى السّامِرِيّ فكذلك صنع. ١٨٣١١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَقَذَفْناها: أي فنبذناها. ٨٨و قوله: فَأخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاٍ جَسَدا لَهُ خُوَارٌ يقول: فأخرج لهم السامريّ مـما قذفوه ومـما ألقاه عجلاً جسدا له خوار، و يعني بـالـخوار: الصوت، وهو صوت البقر. ثم اختلف أهل العلـم فـي كيفـية إخراج السامريّ العجل، فقال بعضهم: صاغه صياغة، ثم ألقـى من تراب حافر فرس جبرئيـل فـي فمه فخار. ذكر من قال ذلك: ١٨٣١٢ـ حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَكَذلكَ ألْقَـى السّامرِيّ قال: كان اللّه وقّت لـموسى ثلاثـين لـيـلة ثم أتـمها بعشر فلـما مضت الثلاثون قال عدوّ اللّه السامري: إنـما أصابكم الذي أصابكم عقوبة بـالـحلـيّ الذي كان معكم، فهلـموا وكانت حلـيا تعيروها من آل فرعون، فساروا وهي معهم، فقذفوها إلـيه، فصوّرها صورة بقرة، وكان قد صرّ فـي عمامته أو فـي ثوبه قبضة من أثر فرس جبرئيـل، فقذفها مع الـحلـيّ والصورة فَأَخْرَجَ لَهُمْ عجْلاً جَسَدا لَهُ خُوَارٌ فجعل يخور خوار البقر، فقال: هَذَا إلهُكُمْ وإلَهُ مُوسَى. حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، قال: لـما استبطأ موسى قومه قال لهم السامريّ: إنـما احتبس علـيكم لأجل ما عندكم من الـحلـيّ، وكانوا استعاروا حلـيا من آل فرعون فجمعوه فأعطوه السامريّ فصاغ منه عجلاً، ثم أخذ القبضة التـي قبض من أثر الفرس، فرس الـملك، فنبذها فـي جوفه، فإذا هو عجل جسد له خوار، قالوا: هذا إلهكم وإله موسى، ولكن موسى نسي ربه عندكم. وقال آخرون فـي ذلك بـما: ١٨٣١٣ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: أخذ السامريّ من تربة الـحافر، حافر فرس جبرئيـل فـانطلق موسى واستـخـلف هارون علـى بنـي إسرائيـل وواعدهم ثلاثـين لـيـلة، فأتـمها اللّه بعشر، قال لهم هارون: يا بنـي إسرائيـل إن الغنـيـمة لا تـحلّ لكم، وإن حلـي القبط إنـما هو غنـيـمة، فـاجمعوها جميعا، فـاحفروا لها حفرة فـادفنوها، فإن جاء موسى فأحلها أخذتـموها، وإلاّ كان شيئا لـم تأكلوه. فجمعوا ذلك الـحلـيّ فـي تلك الـحفرة، فجاء السامريّ بتلك القبضة فقذفها فأخرج اللّه من الـحلـيّ عجلاً جسدا له خوار، وعدّت بنو إسرائيـل موعد موسى، فعدوا اللـيـلة يوما، والـيوم يوما فلـما كان لعشرين خرج لهم العجل فلـما رأوه قال لهم السامريّ: هَذَا إلهُكُمْ وَإلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ فعكفوا علـيه يعبدونه، وكان يخور ويـمشي فَكذَلكَ ألْقَـى السّامِرِيّ ذلك حين قال لهم هارون: احفروا لهذا الـحلـيّ حفرة واطرحوه فـيها، فطرحوه، فقذف السامريّ تربته. و قوله: فقَالَ هَذَا إلهُكُمْ وَإلَه مُوسَى يقول: فقال قوم موسى الذين عبدوا العجل: هذا معبودكم ومعبود موسى. وقوله فَنَسِيَ يقول: فضلّ وترك. ثم اختلف أهل التأويـل فـي قوله فَنَسِيَ من قائله ومن الذي وصف به وما معناه، فقال بعضهم: هذا من اللّه خبر عن السامريّ، والسامريّ هو الـموصوف به، وقالوا: معناه: أنه ترك الدين الذي بعث اللّه به موسى وهو الإسلام. ذكر من قال ذلك: ١٨٣١٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: ثنـي مـحمد بن إسحاق، عن حكيـم بن جُبـير، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عباس ، قال: يقول اللّه : فَنَسِيَ: أي ترك ما كان علـيه من الإسلام، يعني السامري. وقال آخرون: بل هذا خبر من اللّه عن السامري، أنه قال لبنـي إسرائيـل، وأنه وصف موسى بأنه ذهب يطلب ربه، فأضلّ موضعه، وهو هذا العجل. ذكر من قال ذلك: ١٨٣١٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي عن أبـيه، عن ابن عباس فَقَذَفْناها يعني زينة القوم حين أمرنا السامريّ لـما قبض قبضة من أثر جبرائيـل علـيه السلام، فألقـى القبضة علـى حلـيهم فصار عجلاً جسدا له خوار فَقالُوا هَذَا إلهُكُمْ وإلَهُ مُوسَى الذي انطلق يطلبه فَنَسِيَ يعني : نسي موسى، ضلّ عنه فلـم يهتد له. ١٨٣١٦ـ حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَنَسيَ يقول: طلب هذا موسى فخالفه الطريق. حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فَنَسِيَ يقول: قال السامريّ: موسى نسي ربه عندكم. ١٨٣١٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: فَنَسِيَ موسى، قال: هم يقولونه: أخطأ الربّ العجل. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد فَنَسِيَ قال: نسي موسى، أخطأ الربّ العجل، قوم موسى يقولونه. ١٨٣١٨ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فَنَسِيَ يقول: ترك موسى إلهه ههنا وذهب يطلبه. ١٨٣١٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: هَذَا إلهُكُمْ وَإلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ قال: يقول: فنسي حيث وعده ربه ههنا، ولكنه نسي. ١٨٣٢٠ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا مُعاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: هَذَا إلهُكُمْ وَإلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ يقول: نسي موسى ربه فأخطأه، وهذا العجل إله موسى. قال أبو جعفر: والذي هو أولـى بتأويـل ذلك القول الذي ذكرناه عن هؤلاء، وهو أن ذلك خبر من اللّه عزّ ذكره عن السامريّ أنه وصف موسى بأنه نسي ربه، وأنه ربه الذي ذهب يريده هو العجل الذي أخرجه السامري، لإجماع الـحجة من أهل التأويـل علـيه، وأنه عقـيب ذكر موسى، وهو أن يكون خبرا من السامريّ عنه بذلك أشبه من غيره. ٨٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً }. يقول تعالـى ذكره موبخا عَبَدة العجل، والقائلـين له هَذَا إلهُكُمْ وَإلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ، وعابهم بذلك، وسفّه أحلامهم بـما فعلوا ونالوا منه: أفلا يرون أن العجل الذي زعموا أنه إلهكم وإله موسى لا يكلـمهم، وإن كلّـموه لـم يردّ علـيهم جوابـا، ولا يقدر علـى ضرّ ولا نفع، فكيف يكون ما كانت هذه صفته إلها؟ كما: ١٨٣٢١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم. قال: حدثنا عيسى (ح) وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد لا يَرْجِعُ إلَـيْهمْ قَوْلاً العجل. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد أفَلا يَرَوْنَ ألاّ يَرجِعُ إلَـيْهِمْ قَوْلاً قال: العجل. ١٨٣٢٢ـ حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال اللّه : أفَلا يَرَوْنَ ألاّ يَرْجِعُ إلَـيْهِمْ ذلك العجل الذي اتـخذوه قولاً وَلا يَـمْلِكُ لَهُمْ ضَرّا وَلا نَفْعا. ٩٠و قوله: وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ منْ قَبْل: يقول: لقد قال لعبدة العجل من بنـي إسرائيـل هارون، من قبل رجوع موسى إلـيهم، وقـيـله لهم ما قال، مـما أخبر اللّه عنه إنّـمَا فُتِنْتُـمْ بِهِ يقول: إنـما اختبر اللّه إيـمانكم ومـحافظتكم علـى دينكم بهذا العجل، الذي أحدث فـيهم الـخوار، لـيعلـم به الصحيح الإيـمان منكم من الـمريض القلب، الشاكّ فـي دينه، كما: ١٨٣٢٣ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال لهم هارون: إنّـما فُتِنْتُـمْ بِهِ يقول: إنـما ابتلـيتـم به، يقول: بـالعجل. و قوله: وَإنّ رَبّكُمُ الرّحْمَنُ فـاتّبِعُونِـي وأطيعُوا أمْرِي: يقول: وإن ربكم الرحمن الذي يعمّ جميع الـخـلق نعمه، فـاتّبعونـي علـى ما آمركم به من عبـادة اللّه ، وترك عبـادة العجل، وأطيعوا أمري فـيـما آمركم به من طاعة اللّه ، وإخلاص العبـادة له. ٩١و قوله: قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَـيْهِ عاكِفـينَ يقول: قال عَبَدة العجل من قوم موسى: لن نزال علـى العجل مقـيـمين نعبده، حتـى يرجع إلـينا موسى. ٩٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ يَهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلّوَاْ }. يقول تعالـى ذكره: قال موسى لأخيه هارون لـما فرغ من خطاب قومه ومراجعته إياهم علـى ما كان من خطأ فعلهم: يا هارون أيّ شيء منعك إذ رأيتهم ضلوا عن دينهم، فكفروا بـاللّه وعبدوا العجل ألا تتبعنـي. واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي عذل موسى علـيه أخاه من تركه اتبـاعه، فقال بعضهم: عذله علـى تركه السير بـمن أطاعه فـي أثره علـى ما كان عهد إلـيه. ذكر من قال ذلك: ١٨٣٢٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن حكيـم بن جبـير، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عباس ، قال: لـما قال القوم: لَنْ نَبرَحَ عَلَـيْهِ عاكِفِـينَ حتـى يَرْجِعَ إلَـيْنا مُوسَى أقام هارون فـيـمن تبعه من الـمسلـمين مـمن لـم يُفتتن، وأقام من يعبد العجل علـى عبـادة العجل، وتـخوّف هارون إن سار بـمن معه من الـمسلـمين أن يقول له موسى: فَرّقْتَ بـينَ بَنـي إسْرَائِيـلَ ولَـمْ تَرْقُبْ قَوْلـي وكان له هائبـا مطيعا. ٩٣١٨٣٢٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: ما مَنَعَكَ إذْ رأيْتَهُمْ ضَلّوا ألاّ تَتّبِعَنِ قال: تدعهم. وقال آخرون: بل عذله علـى تركه أن يصلـح ما كان من فساد القوم. ذكر من قال ذلك: ١٨٣٢٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله: ما مَنَعَكَ إذْ رأيْتَهُمْ ضَلّوا ألاّ تَتّبِعَنِ قال: أمر موسى هارون أن يصلـح، ولا يتبع سبـيـل الـمفسدين، فذلك قوله: أنْ لا تَتّبِعَنِ أفَعَصَيْتَ أمْرِي بذلك، ٩٤و قوله: قالَ يا ابْنَ أُمّ لا تَأْخُذْ بِلِـحْيَتِـي وَلا بِرأسِي وفـي هذا الكلام متروك، ترك ذكره استغناء بدلالة الكلام علـيه، وهو: ثم أخذ موسى بلـحية أخيه هارون ورأسه يجرّه إلـيه، فقال هارون: يا بْنَ أُمّ لا تَأْخُذْ بِلِـحْيَتِـي وَلا بِرأسِي. و قوله: إنّـي خَشيتُ أنْ تَقُولَ فَرّقْتَ بـينَ بَنِـي إسْرائيـلَ وَلَـمْ تَرْقُبْ قَوْلـي فـاختلف أهل العلـم فـي صفة التفريق بـينهم، الذي خشيه هارون، فقال بعضهم: كان هارون خاف أن يسير بـمن أطاعه، وأقام علـى دينه فـي أثر موسى، ويخـلف عبدة العجل، وقد قالُوا له لَنْ نَبْرَحَ عَلَـيْهِ عاكِفـينَ حتـى يَرْجِعَ إلَـيْنا مُوسَى فـيقول له موسى فَرّقْتَ بـينَ نَبِـي إسْرائِيـلَ ولَـمْ تَرْقُبْ قَوْلـي بسيرك بطائفة، وتركك منهم طائفة وراءك. ذكر من قال ذلك: ١٨٣٢٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال ابن زيد، فـي قول اللّه تعالـى: ما مَنَعَكَ إذْ رأيْتَهُمْ ضَلّوا ألاّ تَتّبِعَنِ أفَعَصَيْتَ أمْرِي قال: خَشِيتُ أنْ تَقُول فَرّقْتَ بـينَ بَنِـي إسْرائِيـلَ ولَـمْ تَرْقُبْ قَوْلـي قال: خشيت أن يتبعنـي بعضهم ويتـخـلف بعضهم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: خشيت أن نقتتل فـيقتل بعضنا بعضا. ذكر من قال ذلك: ١٨٣٢٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج إنّـي خَشِيتُ أنْ تَقُولَ فَرّقْتَ بـينَ بَنِـي إسْرائِيـلَ ولَـمْ تَرْقُبْ قَوْلـي قال: كنا نكون فرقتـين فـيقتل بعضنا بعضا حتـى نتفـانى. قال أبو جعفر: وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب، القول الذي قاله ابن عباس من أن موسى عذل أخاه هارون علـى تركه اتبـاع أمره بـمن اتبعه من أهل الإيـمان، فقال له هارون: إنـي خشيت أن تقول، فرّقت بـين جماعتهم، فتركت بعضهم وراءك، وجئت ببعضهم، وذلك بـيّن فـي قول هارون للقول يا قَومِ إنّـمَا فُتِنْتُـمْ بِهِ وَإنّ رَبّكُمُ الرّحْمَنُ فـاتّبِعُونِـي وأطِيعُوا أمْرِي وفـي جواب القوم له وقـيـلهم لَنْ نَبْرَحَ عَلَـيْهِ عاكفِـينَ حتـى يَرْجِعَ إلَـيْنا مُوسَى. و قوله: ولَـمْ تَرْقُبْ قَوْلـي يقول: ولـم تنظر قولـي وتـحفظه. من مراقبة الرجل الشيء، وهي مناظرته بحفظه، كما: ١٨٣٢٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس : ولَـمْ تَرْقُبْ قَوْلـي قال: لـم تـحفظ قولـي. ٩٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَسَامِرِيّ }. يعني تعالـى ذكره ب قوله: فمَا خَطْبُكَ يا سامِرِيّ قال موسى للسامري: فما شأنك يا سامري، وما الذي دعاك إلـى ما فعلته، كما: ١٨٣٣٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله فَمَا خَطْبُكَ يا سامِرِيّ قال: ما أمرك؟ ما شأنك؟ ما هذا الذي أدخـلك فـيـما دخـلت فـيه. ١٨٣٣١ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ قالَ فما خَطْبُكَ يا سامِرِيّ قال: مالك يا سامريّ؟ ٩٦و قوله: قال بَصُرْتُ بِـمَا لَـمْ يَبْصُرُوا بِهِ يقول: قال السامريّ: علـمت ما لـم يعلـموه، وهو فعلت من البصيرة: أي صرت بـما عملت بصيرا عالـما. ذكر من قال ذلك: ١٨٣٣٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: لـما قتل فرعون الولدان قالت أمّ السامريّ: لو نـحيته عنـي حتـى لا أراه، ولا أدري قتله، فجعلته فـي غار، فأتـى جبرئيـل، فجعل كفّ نفسه فـي فـيه، فجعل يُرضعه العسل واللبن، فلـم يزل يختلف إلـيه حتـى عرفه، فمن ثم معرفته إياه حين قال: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أثَرِ الرّسُولِ. وقال آخرون: هي بـمعنى: أبصرت ما لـم يبصروه. وقالوا: يقال: بصرت بـالشيء وأبصرته، كما يقال: أسرعت وسرعت ما شئت. ذكر من قال: هو بـمعنى أبصرت: ١٨٣٣٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال بَصُرْتُ بِـمَا لَـمْ يَبْصُرُوا بِهِ يعني فرس جبرئيـل علـيه السلام. و قوله: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أثَرِ الرّسُولِ يقول: قبضت قبضة من أثر حافر فرس جبرئيـل. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٣٣٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: ثنـي مـحمد بن إسحاق، عن حكيـم بن جبـير، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عباس ، قال: لـما قذفت بنو إسرائيـل ما كان معهم من زينة آل فرعون فـي النار، وتكسرت، ورأى السامريّ أثر فرس جبرئيـل علـيه السلام، فأخذ ترابـا من أثر حافره، ثم أقبل إلـى النار فقذفه فـيها، وقال: كن عجلاً جسدا له خوار، فكان للبلاء والفتنة. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قال: قبض قبضة منه من أثر جبرئيـل، فألقـى القبضة علـى حلـيهم فصار عجلاً جسدا له خوار، فقال: هذا إلهكم وإله موسى. ١٨٣٣٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه : فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أثَر الرّسُولِ فَنَبَذْتُها قال: من تـحت حافر فرس جبرئيـل، نبذه السامريّ علـى حلـية بنـي إسرائيـل، فـانسبك عجلاً جسدا له خوار، حفـيف الريح فـيه فهو خواره، والعجل: ولد البقرة. واختلف القرّاء فـي قراءة هذين الـحرفـين، فقرأته عامّة قرّاء الـمدينة والبصرة بَصُرْتُ بِـمَا لَـمْ يَبْصُرُوا بِهِ بـالـياء، بـمعنى: قال السامريّ: بصرت بـما لـم يبصر به بنو إسرائيـل. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: (بَصُرْتُ بِـمَا لَـمْ تَبْصُرُوا بهِ) بـالتاء علـى وجه الـمخاطبة لـموسى صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه، بـمعنى: قال السامريّ لـموسى: بصرت بـما لـم تبصر به أنت وأصحابك. والقول فـي ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان، قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء مع صحة معنى كل واحدة منهما، وذلك أنه جائز أن يكون السامريّ رأى جبرئيـل، فكان عنده ما كان بأن حدثته نفسه بذلك أو بغير ذلك من الأسبـاب، أن تراب حافر فرسه الذي كان علـيه يصلـح لـما حدث عنه حين نبذه فـي جوف العجل، ولـم يكن علـم ذلك عند موسى، ولا عند أصحابه من بنـي إسرائيـل، فلذلك قال لـموسى: (بَصُرْتُ بِـمَا لَـمْ تَبْصُرُوا بهِ) أي علـمت بـما لـم تعلـموا به. وأما إذا قرىء بَصُرْتُ بِـما لَـمْ يَبْصُرُوا بِهِ بـالـياء، فلا مؤنة فـيه، لأنه معلوم أن بنـي إسرائيـل لـم يعلـموا ما الذي يصلـح له ذلك التراب. وأما قوله: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أثَرِ الرّسُولِ فإن قرّاء الأمصار علـى قراءته بـالضاد، بـمعنى: فأخذت بكفـي ترابـا من تراب أثر فرس الرسول. وروي عن الـحسن البصري وقتادة ما: ١٨٣٣٦ـ حدثنـي أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا هشيـم، عن عبـاد بن عوف، عن الـحسن أنه قرأها: (فَقَبَصْتُ قَبْصَةً) بـالصاد. ١٨٣٣٧ـ وحدثنـي أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا هشيـم، عن عبـاد، عن قتادة مثل ذكر بـالصاد. بـمعنى: أخذت بأصابعي من تراب أثر فرس الرسول، والقبضة عند العرب: الأخذ بـالكفّ كلها، والقبصة: الأخذ بأطراف الأصابع. و قوله: فَنَبَذْتُها يقول: فألقـيتها وكَذَلَكَ سَوّلَتْ لـي نَفْسِي يقول: وكما فعلت من إلقائي القبضة التـي قبضت من أثر الفرس علـى الـحلـية التـي أوقد علـيها حتـى انسبكت فصارت عجلاً جسدا له خوار. سَوّلَتْ لِـي نَفْسِي يقول: زينت لـي نفسي أنه يكون ذلك كذلك، كما: ١٨٣٣٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وكَذَلِكَ سَوّلَتْ لِـي نَفْسِي قال: كذلك حدثتنـي نفسي. ٩٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ ...}. يقول تعالـى ذكره: قال موسى للسامريّ: فـاذهب فإن لك فـي أيام حياتك أن تقول: لامساس: أي لا أمسّ، ولا أُمسّ.. وذُكر أن موسى أمر بنـي إسرائيـل أن لا يؤاكلوه، ولا يخالطوه، ولا يبـايعوه، فلذلك قال له: إن لك فـي الـحياة أن تقول لامساس، فبقـي ذلك فـيـما ذكر فـي قبـيـلته، كما: ١٨٣٣٩ـ حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: كان واللّه السامريّ عظيـما من عظماء بنـي إسرائيـل، من قبـيـلة يقال لها سامرة، ولكن عدوّ اللّه نافق بعد ما قطع البحر مع بنـي إسرائيـل. قوله: فـاذْهَبْ فإنّ لَكَ فِـي الـحَياةِ أنْ تَقولَ لامِساسَ فبقاياهم الـيوم يقولون لامساس. و قوله: وَإنّ لَكَ مَوْعِدا لَنْ تُـخْـلَفَهُ اختلفت القرّاء فـي قراءته، فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة والكوفة لَنْ تُـخْـلَفَهُ بضم التاء وفتـح اللام بـمعنى: وإن لك موعدا لعذابك وعقوبتك علـى ما فعلت من إضلالك قومي حتـى عبدوا العجل من دون اللّه ، لن يخـلفكه اللّه ، ولكن يذيقكه. وقرأ ذلك الـحسن وقتادة وأبو نهيك: (وَإنّ لَكَ مَوْعِدا لَنْ تُـخْـلِفَهُ) بضمّ التاء وكسر اللام، بـمعنى: وإن لك موعدا لن تـخـلفه أنت يا سامريّ، وتأوّلوه بـمعنى: لن تغيب عنه. ذكر من قال ذلك: ١٨٣٤٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عبد الـمؤمن، قال: سمعت أبـا نهيك يقرأ (لَن تُـخْـلِفَهُ أنْتَ) يقول: لن تغيب عنه. ١٨٣٤١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَإنّ لَكَ مَوْعِدا لَنْ تُـخْـلِفَهُ يقول: لن تغيب عنه. قال أبو جعفر: والقول فـي ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا الـمعنى، لأنه لا شكّ أن اللّه موف وعده لـخـلقه بحشرهم لـموقـف الـحساب، وأن الـخـلق موافون ذلك الـيوم، فلا اللّه مخـلفهم ذلك، ولا هم مخـلفوه بـالتـخـلف عنه، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب فـي ذلك. و قوله: وَانْظُرْ إلـى إلهِكَ الّذِي ظَلْتَ عَلَـيْهِ عاكِفـا يقول: وانظر إلـى معبودك الذي ظلت علـيه مقـيـما تعبده، كما: ١٨٣٤٢ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: ظَلْتَ عَلَـيْهِ عاكِفـا الذي أقمت علـيه. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قال: فقال له موسى: انْظُرْ إلـى إلهِكَ الّذي ظَلْتَ عَلَـيْهِ عاكِفـا يقول: الذي أقمت علـيه. وللعرب فـي ظلت: لغتان: الفتـح فـي الظاء، وبها قرأ قرّاء الأمصار، والكسر فـيها وكأن الذين كسروا نقلوا حركة اللام التـي هي عين الفعل من ظللت إلـيها، ومن فتـحها أقرّ حركتها التـي كانت لها قبل أن يحذف منها شيء، والعرب تفعل فـي الـحروف التـي فـيها التضعيف ذاك، فـيقولون فـي مَسِسْت ومِسْت وفـي همـمت بذلك: همت به، وهل أحست فلانا وأحسسته، كما قال الشاعر: خَلا أنّ العِتاقَ مِنَ الـمَطاياأحَسْنَ بِهِ فَهُنّ إلَـيْهِ شُوسُ و قوله: لَنُـحَرَقَنّهُ اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرْاء الـحجاز والعراق لَنُـحَرّقَنّهُ بضم النون وتشديد الراء، بـمعنى لنـحرقنه بـالنار قطعة قطعة. ورُوي عن الـحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك: (لَنُـحْرِقَنّهُ) بضم النون، وتـخفـيف الراء، بـمعنى: لنـحرقنه بـالنار إحراقة واحدة، وقرأه أبو وجعفر القارىء: (لَنَـحْرُقَنّهُ) بفتـح النون وضم الراء بـمعنى: لنبردنه بـالـمبـارد من حرقته أحرقه وأحرّقه، كما قال الشاعر: بِذِي فِرْقَـيْنِ يَوْمَ بَنُو حُبَـيْبٍنُـيُوَبهُمُ عَلَـيْنا يَحْرُقُونا والصواب فـي ذلك عندنا من القراءة لَنُـحَرّقَنّهُ بضم النون وتشديد الراء، من الإحراق بـالنار، كما: ١٨٣٤٣ـ حدثنـي علـيّ قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: لَنُـحَرّقَنّهُ يقول: بـالنار. ١٨٣٤٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس لَنُـحَرّقَنّهُ فحرّقه ثم ذراه فـي الـيـم. وإنـما اخترت هذه القراءة لإجمال الـحجة من القرّاء علـيها. وأما أبو جعفر، فإنـي أحسبه ذهب إلـى ما: ١٨٣٤٥ـ حدثنا به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط عن السديّ: وَانْظُرْ إلـى إلهِكَ الّذِي ظَلْتَ عَلَـيْهِ عاكِفـا لَنُـحَرّقَنّهُ ثُمّ لَنَنْسِفَنّهُ فِـي الـيَـمّ نَسْفـا ثم أخذه فذبحه، ثم حرقه بـالـمبرد، ثم ذراه فـي الـيـم، فلـم يبق بحر يومئذٍ إلا وقع فـيه شيء منه. ١٨٣٤٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَانْظُرْ إلـى إلهِكَ الّذِي ظَلْتَ عَلَـيْهِ عاكِفـا لَنُـحَرّقَنّهُ ثُمّ لَنَنْسِفَنّهُ فِـي الـيَـمّ نَسْفـا قال: وفـي بعض القراءة: لنذبحنه ثم لنـحرقنه، ثم لننسفنه فـي الـيـمّ نسفـا. ١٨٣٤٧ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي حرف ابن مسعود: (وَانْظُرْ إلـى إلهِكَ الّذِي ظَلْتَ عَلَـيْهِ عاكِفـا لَنذْبَحَنّهُ ثُمّ لَنُـحْرِقَنّهُ ثُمّ لَنَنْسِفَنّهُ فِـي الـيـمّ نَسْفـا) . و قوله: ثُمّ لَنَنْسِفَنّهُ فِـي الـيَـمّ نَسْفـا يقول: ثم لنذرّينه فـي البحر تذرية يقال منه: نسف فلان الطعام بـالـمنسف: إذا ذراه فطير عنه قشوره وترابه بـالـيد أو الريح. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل: ذكر من قال ذلك: ١٨٣٤٨ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: ثُمّ لَنَنْسِفَنّهُ فِـي الَـيـمّ نَسْفـا يقول: لنذرينه فـي البحر. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قال: ذراه فـي الـيـمّ، والـيـمّ: البحر. ١٨٣٤٩ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: ذراه فـي الـيـم. ١٨٣٥٠ـ حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فـي الـيـمّ، قال: فـي البحر. ٩٨و قوله: إنّـمَا إلهُكُمُ اللّه الّذِي لا إلَهَ إلاّ هُوَ يقول: ما لكم أيها القوم معبود، إلا الذي له عبـادة جميع الـخـلق لا تصلـح العبـادة لغيره، ولا تَنبغي أن تكون إلا له وَسِعَ كُلّ شَيْءٍ عِلْـما يقول: أحاط بكل شيء علـما فعلـمه، فلا يخفـى علـيه منه شيء ولا يضيق علـيه علـم جميع ذلك. يقال منه: فلان يسع لهذا الأمر: إذا أطاقه وقوى علـيه، ولا يسع له: إذا عجز عنه فلـم يطقه ولـم يقو علـيه. وكان قتادة يقول فـي ذلك ما: ١٨٣٥١ـ حدثنا بِشر قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَسِعَ كُلّ شَيْءٍ عِلْـما يقول: ملأ كلّ شيء علـما تبـارك وتعالـى. ٩٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {كَذَلِكَ نَقُصّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لّدُنّا ذِكْراً }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : كما قصصنا علـيك يا مـحمد نبأ موسى وفرعون وقومه وأخبـار بنـي إسرائيـل مع موسى كَذَلكَ نَقُصّ عَلَـيْكَ مِنْ أنْبـاءِ ما قَدْ سَبَقَ يقول: كذلك نـخبرك بأنبـاء الأشياء التـي قد سبقت من قبلك، فلـم تشاهدها ولـم تعاينها. و قوله: وَقَدْ آتَـيْناكَ مِنْ لَدُنّا ذِكْرا يقول تعالـى ذكره لـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم : وقد آتـيناك يا مـحمد من عندنا ذكرا يَتذكر به، ويتعظ به أهل العقل والفهم، وهو هذا القرآن الذي أنزله اللّه علـيه، فجعله ذكرى للعالـمين. ١٠٠وقوله مَنْ أعْرَضَ عَنْهُ يقول تعالـى ذكره: من ولّـى عنه فأدبر فلـم يصدّق به ولـم يقرّ، فإنه يَحْمِلُ يَوْمَ القِـيامَة وِزْرا يقول: فإنه يأتـي ربه يوم القـيامة يحمل حملاً ثقـيلاً، وذلك الإثم العظيـم، كما: ١٨٣٥٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: يَوْمَ القِـيامَةِ وِزْرا قال: إثما. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج. عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله. ١٠١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {خَالِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً }. يقول تعالـى ذكره: خالدين فـي وزرهم، فأخرج الـخبر جل ثناؤه عن هؤلاء الـمعرضين عن ذكره فـي الدنـيا أنهم خالدون فـي أوزارهم، والـمعنى: أنهم خالدون فـي النار بأوزارهم، ولكن لـما كان معلوما الـمراد من الكلام اكتفـي بـما ذكر عما لـم يذكر. و قوله: وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ القـيامَة حمْلاً يقول تعالـى ذكره: وساء ذلك الـحمل والثقل من الإثم يوم القـيامة حملاً، وحقّ لهم أن يسوءهم ذلك، وقد أوردهم مهلكة لا منـجي منها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٣٥٣ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ القِـيامَةِ حِمْلاً يقول: بئسما حملوا. ١٨٣٥٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ القِـيامَةِ حِمْلاً يعني بذلك: ذنوبهم. ١٠٢و قوله: يَوْمَ يُنْفَخُ فِـي الصّورِ يقول تعالـى ذكره: وساء لهم يوم القـيامة، يوم ينفخ فـي الصور، ف قوله: يَوْمَ يُنْفَخُ فِـي الصّورِ ردّ علـى يوم القـيامة. وقد بـيّنا معنى النفخ فـي الصور، وذكرنا اختلاف الـمختلفـين فـي معنى الصور، والصحيح فـي ذلك من القول عندي بشواهده الـمغنـية عن إعادته فـي هذا الـموضع قبل. واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار يَوْمَ يُنْفَخُ فِـي الصّورِ بـالـياء وضمها علـى ما لـم يسمّ فـاعله، بـمعنى: يوم يأمر اللّه إسرافـيـل فـينفخ فـي الصور. وكان أبو عمرو بن العلاء يقرأ ذلك (يَوْمَ نَنْفُخُ فِـي الصّورِ) بـالنون بـمعنى: يوم ننفخ نـحن فـي الصور، كأن الذي دعاه إلـى قراءة ذلك كذلك طلبه التوفـيق بـينه وبـين قوله: ونَـحْشُرُ الـمُـجْرِمِينَ إذ كان لا خلاف بـين القرّاء فـي نـحشر أنها بـالنون. قال أبو جعفر: والذي أختار فـي ذلك من القراءة يوم ينفخ بـالـياء علـى وجه ما لـم يسمّ فـاعله، لأن ذلك هو القراءة التـي علـيها قرّاء الأمصار وإن كان للذي قرأ أبو عمرو وجه غير فـاسد. و قوله: ونَـحْشُرُ الـمُـجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقا يقول تعالـى ذكره: ونسوق أهل الكفر بـاللّه يومئذٍ إلـى موقـف القـيامة زرقا، ف قـيـل: عنى بـالزرق فـي هذا الـموضع: ما يظهر فـي أعينهم من شدة العطش الذي يكون بهم عند الـحشر لرأي العين من الزرق. و قـيـل: أريد بذلك أنهم يحشرون عميا، كالذي قال اللّه وَنـحْشُرُهُمْ يَوْمَ القـيامَةِ عَلـى وُجُوهِهِمْ عُمْيا. و قوله: يَتَـخافَتُونَ بَـيْنَهُمْ إنْ لَبِثْتُـمْ إلاّ عَشْرا يقول تعالـى ذكره: يتهامسون بـينهم، ويسرّ بعضهم إلـى بعض: إن لبثتـم فـي الدنـيا، يعني أنهم يقول بعضهم لبعض: ما لبثتـم فـي الدنـيا إلا عشرا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٠٣١٨٣٥٥ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: يَتَـخافَتُون بَـيْنَهُمْ يقول: يتسَارّون بـينهم. ١٨٣٥٦ـ حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يَتَـخافَتُونَ بَـيْنَهُمْ: أي يتسارّون بـينهم إنْ لَبِثْتُـمْ إلاّ عَشْرا. ١٠٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {نّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لّبِثْتُمْ إِلاّ يَوْماً }. يقول تعالـى ذكره: نـحن أعلـم منهم عند إسرارهم وتـخافتهم بـينهم بقـيـلهم إنْ لَبِثْتُـمْ إلاّ عَشْرا بـما يقولون لا يخفـى علـينا مـما يتساررونه بـينهم شيء إذْ يَقُولُ أمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إنْ لَبِثْتُـمْ إلاّ يَوْما يقول تعالـى ذكره حين يقول أو فـاهم عقلاً، وأعلـمهم فـيهم: إن لبثتـم فـي الدنـيا إلا يوما. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٣٥٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن شعبة، فـي قوله: إذْ يَقُولُ أمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً أوفـاهم عقلاً. وإنـما عنى جلّ ثنائه بـالـخبر عن قـيـلهم هذا القول يومئذٍ، إعلام عبـاده أن أهل الكفر به ينسون من عظيـم ما يعاينون من هول يوم القـيامة، وشدّة جزعهم من عظيـم ما يردون علـيه ما كانوا فـيه فـي الدنـيا من النعيـم واللذّات، ومبلغ ما عاشوا فـيها من الأزمان، حتـى يخيـل إلـى أعقلهم فـيهم، وأذكرهم وأفهمهم أنهم لـم يعيشوا فـيها إلا يوما. ١٠٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّي نَسْفاً }. يقول تعالـى ذكره: ويسألك يا مـحمد قومك عن الـجبـال، فقل لهم: يذريها ربـي تذرية، ويطيرها بقلعها واستئصالها من أصولها، ودكّ بعضها علـى بعض، وتصيـيره إياها هبـاء منبثا ١٠٦فَـيَذَرُها قاعا صَفْصَفـا يقول تعالـى ذكره: فـيدع أماكنها من الأرض إذا نسفها نسفـا، قاعا: يعني : أرضا ملساء، صفصفـا: يعني مستويا لا نبـات فـيه، ولا نشز، ولا ارتفـاع. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٣٥٨ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: قاعا صَفْصَفـا يقول: مستويا لا نبـات فـيه. ١٨٣٥٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله فَـيَذَرُها قاعا صَفْصَفـا قال: مستويا، الصفصف: الـمستوى. ١٨٣٦٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا عبد اللّه بن يوسف، قال: حدثنا عبد اللّه بن لهيعة، قال: حدثنا أبو الأسود، عن عروة، قال: كنا قعودا عند عبد الـملك حين قال كعب: إن الصخرة موضع قدم الرحمن يوم القـيامة، فقال: كذب كعب، إنـما الصخرة جبل من الـجبـال، إن اللّه يقول: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الـجِبـالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبّـي نَسْفـا فسكت عبد الـملك. ١٨٣٦١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: صَفْصَفـا قال: مستويا. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد ، مثله. قال أبو جعفر: وكان بعض أهل العلـم بلغات العرب من أهل الكوفة يقول: القاع: مستنقع الـماء، والصفصف: الذي لا نبـات فـيه. ١٠٧و قوله: لا تَرَى فِـيها عِوَجا وَلا أَمْتا يقول: لا ترى فـي الأرض عوجا ولا أمتا. واختلف أهل التأويـل فـي معنى العوج والأمت، فقال بعضهم: عنى بـالعوج فـي هذا الـموضع: الأودية، وبـالأمت: الروابـي والنشوز. ذكر من قال ذلك: ١٨٣٦٢ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله لا تَرَى فِـيها عِوَجا وَلا أمْتا يقول: واديا، ولا أمتا: يقول: رابـية. حدثنـي مـحمد بن عبد اللّه الـمخرمي، قال: حدثنا أبو عامر العقدي، عن عبد الواحد بن صفوان مولـى عثمان، قال: سمعت عكرمة، قال: سئل ابن عباس ، عن قوله لا تَرَى فِـيها عِوَجا وَلا أمْتا قال: هي الأرض البـيضاء، أو قال: الـملساء التـي لـيس فـيها لبنة مرتفعة. ١٨٣٦٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد لا تَرَى فِـيهَا عِوَجا وَلا أمْتا قال: ارتفـاعا، ولا انـخفـاضا. ١٨٣٦٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله لا تَرَى فِـيها عِوَجا وَلا أمْتا قال: لا تعاديَ، الأمت: التعادي. وقال آخرون: بل عنى بـالعوج فـي هذا الـموضع: الصدوع، وبـالأمت: الارتفـاع من الاَكام وأشبـاهها. ذكر من قال ذلك: ١٨٣٦٥ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله: لا تَرَى فِـيها عِوَجا قال: صدعا وَلا أمْتا يقول: ولا أكمة. وقال آخرون: عنى بـالعوج: الـميـل، وبـالأمت: الأثر. ذكر من قال ذلك: ١٨٣٦٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: لا تَرَى فِـيها عِوَجا وَلا أمْتا يقول: لا ترى فـيها ميلاً، والأمت: الأثر مثل الشراك. وقال آخرون: الأمت: الـمـحانـي والأحداب. ذكر من قال ذلك: ١٨٣٦٧ـ حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: الأمت: الـحدب. قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: عنى بـالعوج: الـميـل، وذلك أن ذلك هو الـمعروف فـي كلام العرب. فإن قال قائل: وهل فـي الأرض الـيوم من عوج، فـيقال: لا ترى فـيها يومئذٍ عوجا. قـيـل: إن معنى ذلك: لـيس فـيها أودية وموانع تـمنع الناظر أو السائر فـيها عن الأخذ علـى الاستقامة، كما يحتاج الـيوم من أخذ فـي بعض سبلها إلـى الأخذ أحيانا يـمينا، وأحيانا شمالاً، لـما فـيها من الـجبـال والأودية والبحار. وأما الأمت فإنه عند العرب: الانثناء والضعف. مسموع منهم: مدّ حبله حتـى ما ترك فـيه أمتا: أي انثناء وملأ سقاءه حتـى ما ترك فـيه أمتا ومنه قول الراجز: ما فِـي انْـجذَابِ سَيْرِهِ مِنْ أمْتِ يعني : من وهن وضعف، فـالواجب إذا كان ذلك معنى الأمت عندهم أن يكون أصوب الأقوال فـي تأويـله: ولا ارتفـاع ولا انـخفـاض، لأن الانـخفـاض لـم يكن إلاّ عن ارتفـاع. فإذا كان ذلك كذلك، فتأويـل الكلام: لا ترى فـيها ميلاً عن الاستواء، ولا ارتفـاعا، ولا انـخفـاضا، ولكنها مستوية ملساء، كما قال جلّ ثناؤه: قاعا صَفْصَفـا. ١٠٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَوْمَئِذٍ يَتّبِعُونَ الدّاعِيَ لاَ عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ لِلرّحْمَـَنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاّ هَمْساً }. يقول تعالـى ذكره: يومئذٍ يتبع الناس صوت داعي اللّه الذي يدعوهم إلـى موقـف القـيامة، فـيحشرهم إلـيه لا عِوَجَ لَهُ يقول: لا عوج لهم عنه ولا انـحراف، ولكنهم سراعا إلـيه ينـحشرون. و قـيـل: لا عوج له، والـمعنى: لا عوج لهم عنه، لأن معنى الكلام ما ذكرنا من أنه لا يعوجون له ولا عنه. ولكنهم يؤمونه ويأتونه، كما يقال فـي الكلام: دعانـي فلان دعوة لا عوج لـي عنها: أي لا أعوج عنها. وقوله وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ للرّحْمَنِ يقول تعالـى ذكره: وسكنت أصوات الـخلائق للرحمن فوصف الأصوات بـالـخشوع. والـمعنى لأهلها إنهم خُضّع جميعهم لربهم، فلا تسمع لناطق منهم منطقا إلاّ من أذن له الرحمن، كما: ١٨٣٦٨ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ للرّحْمَنِ يقول: سكنت. و قوله: فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا يقول: إنه وطء الأقدام إلـى الـمـحشر. وأصله: الصوت الـخفـيّ، يقال همس فلان إلـى فلان بحديثه إذا أسرّه إلـيه وأخفـاه ومنه قول الراجز: وَهُنّ يَـمْشِينَ بنا هَمِيسَاإنْ يَصْدُقِ الطّيْرُ نَنِكْ لَـمِيسَا يعني بـالهمس: صوت أخفـاف الإبل فـي سيرها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٣٦٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا علـيّ بن عابس، عن عطاء، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عباس فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا قال: وطء الأقدام. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله وَخَشَعَتِ الأصْوَاتُ للرّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا يعني : همس الأقدام، وهو الوطء. حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا يقول: الصوت الـخفـيّ. ١٨٣٧٠ـ حدثنا إسماعيـل بن موسى السديّ، قال: أخبرنا شريك، عن عبد الرحمن بن الأصبهانـي، عن عكرمة فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا قال: وطء الأقدام. ١٨٣٧١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا سلـيـمان، قال: حدثنا حماد، عن حميد، عن الـحسن فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا قال: همس الأقدام. حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قادة فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا قال قتادة : كان الـحسن يقول: وقع أقدام القوم. ١٨٣٧٢ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا قال: تهافتا، وقال: تـخافت الكلام. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: هَمْسا قال: خفض الصوت. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قال: خفض الصوت، قال: وأخبرنـي عبد اللّه بن كثـير، عن مـجاهد ، قال: كلام الإنسان لا تسمع تـحرّك شفتـيه ولسانه. ١٨٣٧٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قوله: فَلا تَسْمَعُ إلاّ هَمْسا يقول: لا تسمع إلاّ مشيا، قال: الـمشي الهمس: وطء الأقدام. ١٠٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَوْمَئِذٍ لاّ تَنفَعُ الشّفَاعَةُ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرّحْمَـَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً }. يقول تعالـى ذكره يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشّفـاعَةُ إلاّ شفـاعة مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحْمَنُ أن يشفع وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً وأدخـل فـي الكلام له دلـيلاً علـى إضافة القول إلـى كناية (مَنْ) وذلك كقول القائل الاَخر: رضيت لك عملك، ورضيته منك، وموضع مَن من قوله إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ نصب لأنه خلاف الشفـاعة. ١١٠وقوله يَعْلَـمُ ما بـينَ أيْدِيهِمْ وَما خَـلْفَهُمْ يقول تعالـى ذكره: يعلـم ربك يا مـحمد ما بـين أيدي هؤلاء الذين يتبعون الداعي من أمر القـيامة، وما الذي يصيرون إلـيه من الثواب والعقاب وَما خَـلفَهُمْ يقول: ويعلـم أمر ما خـلفوه وراءهم من أمر الدنـيا، كما: ١٨٣٧٤ـ حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة يَعْلَـمُ ما بـينَ أيْدِيهمْ من أمر الساعة وَما خَـلْفَهُمْ من أمر الدنـيا. و قوله: وَلا يُحيطُونَ بهِ علْـما يقول تعالـى ذكره: ولا يحيط خـلقه به علـما. ومعنى الكلام: أنه مـحيط بعبـاده علـما، ولا يحيط عبـاده به علـما. وقد زعم بعضهم أن معنى ذلك: أن اللّه يعلـم ما بـين أيدي ملائكته وما خـلفهم، وأن ملائكته لا يحيطون علـما بـما بـين أيدي أنفسم وما خـلفهم، وقال: إنـما أعلـم بذلك الذين كانوا يعبدون الـملائكة، أن الـملائكة كذلك لا تعلـم ما بـين أيديها وما خـلفها، موبخهم بذلك ومقرّعهم بأن من كان كذلك، فكيف يعبد، وأن العبـادة إنـما تصلـح لـمن لا تـخفـى علـيه خافـية فـي الأرض ولا فـي السماء. ١١١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيّ الْقَيّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً }. يقول تعالـى ذكره: استسَرّت وجوه الـخـلق، واستسلـمت للـحيّ القـيوم الذي لا يـموت، القـيوم علـى خـلقه بتدبـيره إياهم، وتصريفهم لـما شاءوا. وأصل العنو الذلّ، يقال منه: عنا وجهه لربه يعنو عنوا، يعني خضع له وذلّ، وكذلك قـيـل للأسير: عان لذلة الأسر. فأما قولهم: أخذت الشيء عنوة، فإنه يكون وإن كان معناه يؤول إلـى هذا أن يكون أخذه غلبة، ويكون أخذه عن تسلـيـم وطاعة، كما قال الشاعر: هَلْ أنْتَ مُطِيعي أيّها القَلْبُ عَنْوَةًولَـمْ تَلَـحْ نَفْسٌ لـم تلـم فـي اخْتِـيالِهَا وقال آخر: فَمَا أخَذُوها عَنْوَةً عَنْ مَوَدّةٍوَلَكِنْ بِحَدّ الـمَشْرَفِـي اسْتَقالَهَا وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٣٧٥ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: وَعَنَتِ الوُجُوهُ للْـحَيّ القَـيّومِ يقول: ذلّت. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله وَعَنَتِ الوُجُوهُ للْـحَيّ القَـيّومِ يعني بعنت: استسلـموا لـي. ١٨٣٧٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: وَعَنَتِ الوُجُوهُ قال: خشعت. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيْج، عن مـجاهد ، مثله. ١٨٣٧٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَعَنَتِ الوُجُوهُ لِلـحَيّ القَـيّومِ أي ذلّت الوجوه للـحيّ القـيوم. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله: وَعَنَتِ الوُجُوهُ للـحَيّ القَـيّومِ قال: ذلت الوجوه. ١٨٣٧٨ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان، عن أبـيه، قال: قال طلق: إذا سجد الرجل فقد عنا وجهه، أو قال: عنا. حدثنـي أبو حُصَين عبد اللّه بن أحمد، قال: حدثنا عبثر، قال: حدثنا حصين، عن عمرو بن مرّة، عن طلق بن حبـيب، فـي هذه الاَية: وَعَنَتِ الوُجُوهُ للْـحَيّ القَـيّومِ قال: هو وضع الرجل رأسه ويديه وأطراف قدميه. حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن لـيث، عن عمرو بن مرّة، عن طلق بن حبـيب فـي قوله: وَعَنَتِ الوُجُوهُ للْـحَيّ القَـيّومِ قال: وهو وضعك جبهتك وكفـيك وركبتـيك وأطراف قدميك فـي السجود. حدثنا خلاد بن أسلـم، قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل، عن حصين، عن عمرو بن مرّة، عن طلق بن حبـيب فـي قوله: وَعَنَتِ الوُجُوهُ للْـحَيّ القَـيّومِ قال: وضع الـجبهة والأنف علـى الأرض. حدثنـي يعقوب: قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا حصين، عن عمرو بن مرّة، عن طلق بن حبـيب، فـي قوله: وَعَنَتِ الوُجُوهُ للْـحَيّ القَـيّومِ قال: هو السجود علـى الـجبهة والراحة والركبتـين والقدمين. ١٨٣٧٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَعَنَتِ الوُجُوهُ للْـحَيّ القَـيّومِ قال: استأسرت الوجوه للـحيّ القـيوم، صاروا أسارى كلهم له. قال: والعانـي: الأسير. وقد بـيّنا معنى الـحيّ القـيوم فـيـما مضى، بـما أغنى عن إعادته هاهنا. و قوله: وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْـما يقول تعالـى ذكره: ولـم يظفر بحاجته وطلبته من حَمل إلـى موقـف القـيامة شركا بـاللّه ، وكفرا به، وعملاً بـمعصيته. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٣٨٠ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله: وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْـما قال: من حمل شركا. ١٨٣٨١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْـما قال: من حمل شركا، الظلـم هاهنا: الشرك. ١١٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً }. يقول تعالـى ذكره وتقدّست أسماؤه: ومن يعمل من صالـحات الأعمال، وذلك فـيـما قـيـل أداء فرائض اللّه التـي فرضها علـى عبـاده وَهُوَ مُؤْمِنٌ يقول: وهو مصدّق بـاللّه ، وأنه مـجازٍ أهل طاعته وأهل معاصيه علـى معاصيهم فلا يَخافُ ظُلْـما يقول: فلا يخاف من اللّه أن يظلـمه، فـيحمل علـيه سيئات غيره، فـيعاقبه علـيه وَلا هَضْما يقول: لا يخاف أن يهضمه حسناته، فـينقصه ثوابها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٣٨٢ـ حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِـحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وإنـما يقبل اللّه من العمل ما كان فـي إيـمان. ١٨٣٨٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيْج، قوله: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِـحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ قال: زعموا أنها الفرائض. ذكر من قال ما قلنا فـي معنى قوله: فَلا يَخافُ ظُلْـما وَلا هَضْما: ١٨٣٨٤ـ حدثنا أبو كريب سلـيـمان بن عبد الـجبـار، قالا: حدثنا ابن عطية، عن إسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس لا يَخافُ ظُلْـما وَلا هَضْما قال: هضما: غضبـا. حدثنـي علـي، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية عن علـي عن ابن عباس قال: لاَ يَخَافُ ظُلْـما وَلا هَضْما قال: لا يخاف ابن آدم يوم القـيامة أن يظلـم، فـيزاد علـيه فـي سيئاته، ولا يظلـم فـيهضم فـي حسناته. ١٨٣٨٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَمَنُ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِـحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْـما وَلا هَضْما يقول: أنا قاهر لكم الـيوم، آخذكم بقوّتـي وشدّتـي، وأنا قادر علـى قهركم وهضمكم، فإنـما بـينـي وبـينكم العدل، وذلك يوم القـيامة. ١٨٣٨٦ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا مُعاذ يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: فَلا يَخافُ ظُلْـما وَلا هَضْما أما هضما فهو لا يقهر الرجل الرجل بقوّته، يقول اللّه يوم القـيامة: لا آخذكم بقوّتـي وشدتـي، ولكن العدل بـينـي وبـينكم، ولا ظلـم علـيكم. ١٨٣٨٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: هَضْما قال: انتقاص شيء من حقّ عمله. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله. ١٨٣٨٨ـ حدثنـي موسى بن عبد الرحمن الـمسروقـيّ، قال: حدثنا أبو أسامة، عن مِسْعر، قال: سمعت حبـيب بن أبـي ثابت يقول فـي قوله: وَلا هَضْما قال: الهضم: الانتقاص. ١٨٣٨٩ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله: فَلا يَخاف ظُلْـما وَلا هَضْما قال: ظلـما أن يزاد فـي سيئاته، ولا يُهْضَم من حسناته. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فَلا يَخافُ ظلْـما وَلا هَضْما قال: لا يخاف أن يظلـم، فلا يجزى بعمله، ولا يخاف أن ينتقص من حقه، فلا يوفـى عمله. ١٨٣٩٠ـ حدثنا الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا سلام بن مسكين، عن ميـمون بن سِياه، عن الـحسن، فـي قول اللّه تعالـى: فَلا يَخافُ ظُلْـما وَلا هَضْما قال: لا ينتقص اللّه من حسناته شيئا، ولا يحمل علـيه ذنب مسيء. وأصل الهضم: النقص، يقال: هضمنـي فلان حقـي، ومنه امرأة هضيـم: أي ضامرة البطن، ومنه قولهم: قد هضم الطعام: إذا ذهب، وهَضَمْت لك من حقك: أي حططتك. ١١٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلّهُمْ يَتّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً }. يقول تعالـى ذكره: كما رغبنا أهل الإيـمان فـي صالـحات الأعمال، بوعدناهم ما وعدناهم، كذلك حذرنا بـالوعيد أهل الكفر بـالـمُقام علـى معاصينا، وكفرهم بآياتنا، فأنزلنا هذا القرآن عربـيا، إذ كانوا عَرَبـا وَصَرّفْنا فِـيهِ مِنَ الوَعِيدِ فبـيناه: يقول: وخوّفناهم فـيه بضروب من الوعيد لعلّهم يتّقون يقول: كي يتقونا، بتصريفنا ما صرّفنا فـيه من الوعيد أوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرا يقول: أو يحدث لهم هذا القرآن تذكرة، فـيعتبرون ويتعظون بفعلنا بـالأمـم التـي كذّبت الرسل قبلها، وينزجرون عما هم علـيه مقـيـمون من الكفر بـاللّه . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٣٩١ـ حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وكَذلكَ أنْزَلْناهُ قُرآنا عَرَبِـيّا وَصَرّفْنا فِـيهِ مِنَ الوَعِيدِ لَعَلّهُمْ يَتّقُونَ ما حُذّروا به من أمر اللّه وعقابه، ووقائعه بـالأمـم قبلهم أوْ يُحْدِثُ لَهُمْ القرآن ذِكْرا: أي جِدّا وورعا. حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله أوْ يُحْدِث لَهُمْ ذِكْرا قال: جِدا وورعا. وقد قال بعضهم فـي: أوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرا أن معناه: أو يحدث لهم شرفـا، بإيـمانهم به. ١١٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَتَعَالَىَ اللّه الْمَلِكُ الْحَقّ وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ إَن يُقْضَىَ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رّبّ زِدْنِي عِلْماً }. يقول تعالـى ذكره: فـارتفع الذي له العبـادة من جميع خـلقه، الـملك الذي قهر سلطانه كلّ ملك وجبـار، الـحقّ عما يصفه به الـمشركون من خـلفه وَلا تَعْجَلْ بـالقُرآنِ مِنْ قَبْلِ أنْ يُقْضَى إلَـيْكَ وَحْيُهُ: يقول جل ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : ولا تعجل يا مـحمد بـالقرآن، فتقرئه أصحابك، أو تقرأ علـيهم، من قبل أن يوحى إلـيك بـيان معانـيه، فعوتب علـى إكتابه وإملائه ما كان اللّه ينزله علـيه من كتابه مَنْ كان يُكْتِبه ذلك، من قبل أن يبـين له معانـيه، و قـيـل: لا تتله علـى أحد، ولا تـمله علـيه، حتـى نبـينه لك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٣٩٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: وَلا تَعْجَلْ بـالقُرآنِ مِنْ قَبْلِ أنْ يُقْضَى إلَـيْكَ وَحْيَهُ قال: لا تتله علـى أحد حتـى نبـينه لك. ١٨٣٩٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُريج، قال: يقول: لا تتله علـى أحد حتـى تتـمه لك هكذا قال القاسم: حتـى نتـمه. ١٨٣٩٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَلا تَعْجَلْ بـالقُرآنِ مِنْ قَبْلِ أنْ يُقْضَى إلَـيْكَ وَحْيُهُ يعني : لا تعجل حتـى نبـينه لك. ١٨٣٩٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَلا تَعْجَلْ بـالقُرآنِ مِنْ قَبْلِ أنْ يُقْضَى إلَـيْكَ وَحْيُهُ: أي بـيانه. حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة وَلا تَعْجَلْ بـالقُرآنِ مِنْ قَبْلِ أنْ يُقْضَى إلَـيْكَ وَحْيُهُ قال: تبـيانه. حدثنا ابن الـمثنى وابن بشار، قالا: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة مِنْ قَبْلِ أنْ يُقْضَى إلَـيْكَ وَحْيُهُ من قبل أن يبـين لك بـيانه. و قوله: وَقُلْ رَبّ زِدْنِـي عِلْـما يقول تعالـى ذكره: وقل يا مـحمد: ربّ زدنـي علـما إلـى ما علـمتنـي أمره بـمسألته من فوائده العلـم ما لا يعلـم. ١١٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىَ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً }. يقول تعالـى ذكره: وإن يضيع يا مـحمد هؤلاء الذين نصرّف لهم فـي هذا القرآن من الوعيد عهدي، ويخالفوا أمري، ويتركوا طاعتـي، ويتبعوا أمر عدوّهم إبلـيس، ويطيعوه فـي خلاف أمري، فقديـما ما فعل ذلك أبوهم آدم وَلَقَدْ عَهِدْنا إلَـيْهِ يقول: ولقد وصينا آدم وقلنا له: إنّ هَذَا عَدُوّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنّكُما منَ الـجَنّةِ فوسوس إلـيه الشيطان فأطاعه، وخالف أمري، فحلّ به من عقوبتـي ما حلّ. وعنى جل ثناؤه ب قوله: مِنْ قَبْلُ هؤلاء الذين أخبر أنه صرف لهم الوعيد فـي هذا القرآن و قوله: فَنَسِيَ يقول: فترك عهدي، كما: ١٨٣٩٦ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، فـي قوله: وَلَقَدْ عَهِدْنا إلـى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ يقول: فترك. ١٨٣٩٧ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: فَنَسِيَ قال: ترك أمر ربه. ١٨٣٩٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلَقَدْ عَهِدْنا إلـى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَـمْ نَـجِدْ لَهُ عَزْما قال: قال له يا آدَمُ هَذَا عَدُوّ لَكَ وَلِزَوْجِك فَلا يُخْرِجَنّكُمَا مِنَ الـجَنّةِ فَتَشْقَـى فقرأ حتـى بلغ: لا تَظْمَأُ فِـيها وَلا تَضْحَى، وقرأ حتـى بلغ: وَمُلْكٍ لا يَبْلَـى قال: فنسي ما عهد إلـيه فـي ذلك، قال: وهذا عهد اللّه إلـيه، قال: ولو كان له عزم ما أطاع عدوّه الذي حسده، وأبـي أن يسجد له مع مَنْ سجد له إبلـيس، وعصى اللّه الذي كرّمه وشرّفه، وأمر ملائكته فسجدوا له. ١٨٣٩٩ـ حدثنا ابن الـمثنى وابن بشار قالا: حدثنا يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن، ومؤمل، قالوا: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن مسلـم البطين، عن سعيد بن جُبـير، عن ابن عباس ، قال: إنـما سُمي الإنسان لأنه عهد إلـيه فنسي. و قوله: ولَـمْ نَـجِدْ لَهُ عَزْما اختلف أهل التأويـل فـي معنى العزم ها هنا، فقال بعضهم: معناه الصبر. ذكر من قال ذلك: ١٨٤٠٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ولَـمْ نَـجِدْ لَهُ عَزْما أي صبرا. حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة ولَـمْ نَـجِدْ لَهُ عَزْما، قال: صبرا. حدثنا إبراهيـم بن يعقوب الـجَوْزَجانـي، قال: حدثنا أبو النضر، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة ، مثله. وقال آخرون: بل معناه: الـحفظ، قالوا: ومعناه: ولـم نـجد له حفظا لـما عهدنا إلـيه. ذكر من قال ذلك: ١٨٤٠١ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن أبـيه، عن عطية ولَـمْ نَـجِدْ لَهُ عَزْما قال: حفظا لـما أمرته. حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هاشم بن القاسم، عن الأشجعيّ، عن سفـيان، عن عمرو بن قـيس، عن عطية، فـي قوله ولَـمْ نَـجِدْ لَهُ عَزْما قال: حفظا. حدثنا عبـاد بن مـحمد، قال: حدثنا قبـيصة، عن سفـيان، عن عمرو بن قـيس، عن عطية، فـي قوله ولَـمْ نَـجِدْ لَهُ عَزْما قال: حفظا لـما أمرته به. ١٨٤٠٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: ولَـمْ نَـجِدْ لَهُ عَزْما يقول: لـم نـجد له حفظا. ١٨٤٠٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: ولَـمْ نَـجِدْ لَهُ عَزْما قال: العزم: الـمـحافظة علـى ما أمره اللّه تبـارك وتعالـى بحفظه، والتـمسك به. ١٨٤٠٤ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، فـي قوله: ولَـمْ نَـجِدْ لَهُ عَزْما يقول: لـم نـجعل له عزما. ١٨٤٠٥ـ حدثنـي القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا الـحجاج بن فضالة، عن لقمان بن عامر، عن أبـي أمامة قال: لو أن أحلام بنـي آدم جمعت منذ يوم خـلق اللّه تعالـى آدم إلـى يوم الساعة، ووضعت فـي كفة ميزان، ووضع حلـم آدم فـي الكفة الأخرى، لرجح حلـمه بأحلامهم، وقد قال اللّه تعالـى: ولَـمْ نَـجِدْ لَهُ عَزْما. قال أبو جعفر: وأصل العزم اعتقاد القلب علـى الشيء، يقال منه: عزم فلان علـى كذا: إذا اعتقد علـيه ونواه ومن اعتقاد القلب: حفظ الشيء، ومنه الصبر علـى الشيء، لأنه لا يجزع جازع إلا من خورَ قلبه وضعفه، فإذا كان ذلك كذلك، فلا معنى لذلك أبلغ مـما بـينه اللّه تبـارك وتعالـى، وه و قوله: ولَـمْ نَـجِدْ لَهُ عَزْما فـيكون تأويـله: ولـم نـجد له عزم قلب، علـى الوفـاء اللّه بعهده، ولا علـى حفظ ما عهد إلـيه. ١١٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لاَدَمَ فَسَجَدُوَاْ إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَىَ }. يقول تعالـى ذكره معلـما نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم ، ما كان من تضيـيع آدم عهده، ومعرّفه بذلك أن ولده لن يعدوا أن يكونوا فـي ذلك علـى منهاجه، إلا من عصمه اللّه منهم: واذكر يا مـحمد إذْ قُلْنا للْـمَلائِكَةَ اسْجُدُوا لاَدَمَ فَسَجَدُوا إلاّ إبْلِـيسَ أبَى أن يسجد له ١١٧فَقُلْنا يا آدَمُ إنّ هَذَا عَدُوّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ ولذلك من شنآنه لـم يسجد لك، وخالف أمري فـي ذلك وعصانـي، فلا تطيعاه فـيـما يأمر كما به، فـيخرجكما بـمعصيتكما ربكما، وطاعتكما له مِنَ الـجَنّةِ فَتَشْقَـى يقول: فـيكون عيشك من كدّ يدك، فذلك شقاؤه الذي حذّره به، كما: ١٨٤٠٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: أهبط إلـى آدم ثور أحمر، فكان يحرث علـيه، ويـمسح العرق من جبـينه، فهو الذي قال اللّه تعالـى ذكره: فَلا يُخْرِجَنّكُما مِنَ الـجَنّةِ فَتَشْقَـى فكان ذلك شقاءه. وقال تعالـى ذكره: فَتَشْقَـى ولـم يقل: فتشقـيا، وقد قال: فَلا يُخْرِجَنّكُما لأن ابتداء الـخطاب من اللّه كان لاَدم علـيه السلام، فكان فـي إعلامه العقوبة علـى معصيته إياه، فـيـما نهاه عنه من أكل الشجرة، الكفـاية من ذكر الـمرأة، إذ كان معلوما أن حكمها فـي ذلك حكمه، كما قال: عَنِ الـيَـمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ اجتزىء بـمعرفة السامعين معناه، من ذكر فعل صاحبه. ١١٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ لَكَ أَلاّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَىَ }. يقول تعالـى ذكره، مخبرا عن قـيـله لاَدم حين أسكنه الـجنة: إنّ لَكَ يا آدم أنْ لا تَـجُوعَ فِـيها وَلا تَعْرَى. و (أن) فـي قوله ألا تَـجُوعَ فِـيها فـي موضع نصب بإن التـي فـي قوله: إنّ لَكَ. ١١٩و قوله: وأنّكَ لا تَظْمَأُ فِـيها اختلفت القرّاء فـي قراءتها، فقرأ ذلك بعض قرّاء الـمدينة والكوفة بـالكسر: وإنك، علـى العطف علـى قوله: إنّ لَكَ. وقرأ ذلك بعض قرّاء الـمدينة وعامة قرّاء الكوفة والبصرة: وأنك، بفتـح ألفها عطفـا بها علـى (أن) التـي فـي قوله: (أنْ لا تَـجُوعَ فِـيها) . ووجّهوا تأويـل ذلك إلـى أن لك هذا وهذا فهذه القراءة أعجب القراءتـين إلـيّ، لأن اللّه تبـارك وتعالـى ذكره وعد ذلك آدم حين أسكنه الـجنة، فكون ذلك بأن يكون عطفـا علـى أن لا تـجوع أولـى من أن يكون خبر مبتدإ، وإن كان الاَخر غير بعيد من الصواب. وعنى ب قوله: لا تَظْمأُ فـيها لا تعطش فـي الـجنة ما دمت فـيها وَلا تَضْحَى، يقول: لا تظهر للشمس فـيؤذيك حرّها، كما قال ابن أبـي ربـيعة: رأتْ رَجُلاً أمّا الشّمْسُ عارَضَتْفَـيَضْحى وأمّا بـالعشِيّ فَـيَخْصَرُ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٤٠٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: وأنّك لا تَظْمَأُ فِـيها وَلا تَضْحَى يقول: لا يصيبك فـيها عطش ولا حرّ. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وأنّكُ لا تَظْمَأُ فِـيها وَلا تَضْحَى يقول: لا يصيبك حرّ ولا أذى. ١٨٤٠٨ـ حدثنـي أحمد بن عثمان بن حكيـم الأودي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن شريك، قال: ثنـي أبـي، عن خصيف عن سعيد بن جُبـير لا تَظْمَأُ فِـيها وَلا تَضْحَى قال: لا تصيبك الشمس. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَلا تَضْحَى قال: لا تصيبك الشمس. ١٢٠و قوله: فَوَسْوَسَ إلَـيْهِ الشّيْطَانُ يقول: فألقـى إلـى آدم الشّيطان وحدّثه فَقالَ يا آدَمُ هَلْ أدُلّكَ علـى شَجَرَةِ الـخُـلْدِ يقول: قال له: هل أدلك علـى شجرة إن أكلت منها خـلدت فلـم تـمت، وملكت ملكا لا ينقضى فـيبلـى، كما: ١٨٤٠٩ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ قال يا أدَمُ هَلْ أدُلّكَ عَلـى شَجَرَةِ الـخُـلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَـى إن أكلت منها كنت مكلاً مثل اللّه أوْ تَكُونا منَ الـخالِدين فلا تـموتان أبدا. ١٢١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنّةِ وَعَصَىَ ءَادَمُ رَبّهُ فَغَوَىَ }. يقول تعالـى ذكره: فأكل آدم وحوّاء من الشجرة التـي نُهيا عن الأكل منها، وأطاعا أمر إبلـيس، وخالفـا أمر ربهما فَبَدَتُ لَهُما سَوْآتُهُما يقول: فـانكشفت لهما عوراتهما، وكانت مستورة عن أعينهما، كما: ١٨٤١٠ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: إنـما أراد، يعني إبلـيس ب قوله: هَلْ أدُلّكَ عَلـى شَجَرةِ الـخُـلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَـى لـيبدي لهما ما توارى عنهما من يوآتهما، بهتك لبـاسهما، وكان قد علـم أن لهما سَوْءَة لـما كان يقرأ من كتب الـملائكة، ولـم يكن آدم يعلـم ذلك، وكان لبـاسهما الظفر، فأبى آدم أن يأكل منها، فتقدمت حوّاء، فأكلت ثم قالت: يا آدم كل، فآنـي قد أكلت، فلـم يضرّنـي، فلـما أكل آدم بدت لهما سوآتهما. و قوله: وَطَفِقا يَخْصِفـانِ عَلَـيْهِما منْ وَرَقِ الـجَنّةِ يقول: أقبلا يشدّان علـيهما من ورق الـجنة، كما: ١٨٤١١ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي وَطَفِقا يَخْصِفـانِ عَلَـيْهِما منْ وَرَقِ الـجَنّةِ يقول: أقبلا يغطيان علـيهما بورق التـين. ١٨٤١٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَطَفِقا يَخْصِفـانِ عَلَـيْهِما منْ وَرَقِ الـجَنّةِ يقول: يوصلان علـيهما من ورق الـجنة. و قوله: وَعَصى آدَمُ رَبّهُ فَغَوَى يقول: وخالف أمر ربه، فتعدّى إلـى ما لـم يكن له أن يتعدّى إلـيه، من الأكل من الشجرة التـي نهاه عن الأكل منها. ١٢٢و قوله: ثُمّ اجْتَبـاهُ رَبّهُ فَتابَ عَلَـيْهِ وَهَدَى يقول: اصطفـاه ربه من بعد معصيته إياه فرزقه الرجوع إلـى ما يرضى عنه، والعمل بطاعته، وذلك هو كانت توبته التـي تابها علـيه. و قوله: وَهَدَى يقول: وهداه للتوبة، فوفّقه لها. ١٢٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ فَإِمّا يَأْتِيَنّكُم مّنّي هُدًى فَمَنِ اتّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلّ وَلاَ يَشْقَىَ }. يقول تعالـى ذكره: قال اللّه تعالـى لاَدم وحوّاء: اهْبِطَا جَمِيعا إلـى الأرض بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ يقول: أنتـما عدوّ إبلـيس وذرّيته، وإبلـيس عدّوكما وعدوّ ذرّيتكما. و قوله: فإمّا يَأْتِـيَنّكُمْ مِنّـي هُدًى يقول: فإن يأتكم يا آدم وحوّاء وإبلـيس منـي هدى: يقول: بـيان لسبـيـلـي، وما أختاره لـخـلقـي من دين فَمَنِ اتّبَعَ هُدَايَ يقول: فمن اتبع بـيانـي ذلك وعمل به، ولـم يزغ منه فَلا يَضِلّ يقول: فلا يزول عن مَـحجة الـحق، ولكنه يرشد فـي الدنـيا ويهتدي وَلا يَشْقَـى فـي الاَخرة بعقاب اللّه ، لأن اللّه يدخـله الـجنة، وينـجيه من عذابه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٤١٣ـ حدثنـي الـحسين بن يزيد الطحان، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن عمرو بن قـيس الـملائي، عن عكرمة عن ابن عباس ، قال: تضمن اللّه لـمن قرأ القرآن، واتبع ما فـيه أن لا يضلّ فـي الدنـيا ولا يشقـى فـي الاَخرة، ثم تلا هذه الاَية: فَمَنِ اتّبَعَ هَدَايَ فَلا يَضُلّ وَلا يَشْقَـى. حدثنـي نصر بن عبد الرحمن الأودي، قال: حدثنا حكام الرازيّ، عن أيوب بن موسى، عن مرو، حدثنا الـملائي عن ابن عباس أنه قال: إن اللّه قد ضمن... فذكر نـحوه. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن أيوب بن يسار أبـي عبد الرحمن، عن عمرو بن قـيس، عن رجل عن ابن عباس ، بنـحوه. حدثنا علـيّ بن سهل الرملـي، قال: حدثنا أحمد بن مـحمد النسائي، عن أبـي سلـمة، عن عطاء، عن سعيد بن جُبـير، قال: قال ابن عباس : من قرأ القرآن واتبع ما فـيه عصمه اللّه من الضلالة، ووقاه، أظنه أنه قال: من هول يوم القـيامة، وذلك أنه قال: فَمَنِ اتّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلّ وَلا يَشْقَـى فـي الاَخرة. ١٢٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمَىَ }. يقول تعالـى ذكره: وَمَنْ أعْرَضَ عَنْ ذِكْري الذي أذكره به فتولـى عنه ولـم يقبله ولـم يستـجب له، ولـم يتعظ به فـينزجر عما هو علـيه مقـيـم من خلافه أمر ربه فإنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا يقول: فإن له معيشة ضيقة. والضنك من الـمنازل والأماكن والـمعايش: الشديد يقال: هذا منزل ضنك: إذا كان ضيقا، وعيش ضنك: الذكر والأنثى والواحد والاثنان والـجمع بلفظ واحد ومنه قول عنترة: وإنْ نَزَلُوا بضَنْكٍ أنْزلِ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٤١٤ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: فإنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا يقول: الشقاء. ١٨٤١٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: ضَنْكا قال: ضيقة. ١٨٤١٦ـ حدثنا الـحسن، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة ، فـي قوله: فإنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا قال: الضنك: الضيق. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن مـحمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبـي بزّة، عن مـجاهد ، فـي قوله: فإنّ لَهُ مَعَيشَةً ضَنْكا يقول: ضيقة. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله. واختلف أهل التأويـل فـي الـموضع الذي جعل اللّه لهؤلاء الـمعرضين عن ذكره العيشة الضنك، والـحال التـي جعلهم فـيها، فقال بعضهم: جعل ذلك لهم فـي الاَخرة فـي جهنـم، وذلك أنهم جعل طعامهم فـيها الضريع والزقوم. ذكر من قال ذلك: ١٨٤١٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو بن علـيّ بن مقدم، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن عوفُ، عن الـحسن، فـي قوله: فإنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا قال: فـي جهنـم. ١٨٤١٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَمَنْ أعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فإنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا فقرأ حتـى بلغ: ولَـمْ يُؤْمِنْ بآياتِ رَبّهِ قال: هؤلاء أهل الكفر. قال: ومعيشة ضنكا فـي النار شوك من نار وزقوم وغسلـين، والضريع: شوك من نار، ولـيس فـي القبر ولا فـي الدنـيا معيشة، ما الـمعيشة والـحياة إلا فـي الاَخرة، وقرأ قول اللّه عزّ وجلّ: يا لَـيْتَنِـي قَدّمْتُ لِـحَياتِـي قال: لـمعيشتـي قال: والغسلـين والزقوم: شيء لا يعرفه أهل الدنـيا. ١٨٤١٩ـ حدثنا الـحسن، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة فإنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا قال: فـي النار. وقال آخرون: بل عنى بذلك: فإن له معيشة فـي الدنـيا حراما. قال: ووصف اللّه جلّ وعزّ معيشتهم بـالضنك، لأن الـحرام وإن اتسع فهو ضنك. ذكر من قال ذلك: ١٨٤٢٠ـ حدثنا مـحمد بن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الـحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرِمة فـي قوله: مَعِيشَةً ضَنْكا قال: هي الـمعيشة التـي أوسع اللّه علـيه من الـحرام. ١٨٤٢١ـ حدثنـي داود بن سلـيـمان بن يزيد الـمكتب من أهل البصرة، قال: حدثنا عمرو بن جرير البجلـي، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن قـيس بن أبـي حازم فـي قول اللّه : مَعِيشَةً ضَنْكا قال: رزقا فـي معصيته. ١٨٤٢٢ـ حدثنـي عبد الأعلـى بن واصل، قال: حدثنا يعلـى بن عبـيد، قال: حدثنا أبو بسطام، عن الضحاك فإنّ لَهُ مَعيشَةً ضَنْكا قال: الكسب الـخبـيث. حدثنـي مـحمد بن إسماعيـل الصراري، قال: حدثنا مـحمد بن سوار، قال: حدثنا أبو الـيقظان عمار بن مـحمد، عن هارون بن مـحمد التـيـمي، عن الضحاك ، فـي قوله: فإنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا قال: العمل الـخبـيث، والرزق السيىء. وقال آخرون مـمن قال عنى أن لهؤلاء القوم الـمعيشة الضنك فـي الدنـيا، إنـما قـيـل لها ضنك وإن كانت واسعة، لأنهم ينفقون ما ينفقون من أموالهم علـى تكذيب منهم بـالـخـلف من اللّه ، وإياس من فضل اللّه ، وسوء ظنّ منهم بربهم، فتشتدّ لذلك علـيهم معيشتهم وتضيق ذكر من قال ذلك: ١٨٤٢٣ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَمَنْ أعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فإنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا يقول: كلّ مال أعطيته عبدا من عبـادي قلّ أو كثر، لا يتقـينـي فـيه، لا خير فـيه، وهو الضنك فـي الـمعيشة. ويقال: إن قوما ضُلاّلاً أعرضوا عن الـحق وكانوا أولـي سعة من الدنـيا مكثرين، فكانت معيشتهم ضنكا، وذلك أنهم كانوا يرون أن اللّه عزّ وجلّ لـيس بـمخـلف لهم معايشهم من سوء ظنهم بـاللّه ، والتكذيب به، فإذا كان العبد يكذّب بـاللّه ، ويسيء الظنّ به، اشتدّت علـيه معيشته، فذلك الضنك. وقال آخرون: بل عنـي بذلك: أن ذلك لهم فـي البرزخ، وهو عذاب القبر. ذكر من قال ذلك: ١٨٤٢٤ـ حدثنـي يزيد بن مخـلد الواسطي، قال: حدثنا خالد بن عبد اللّه ، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن أبـي حازم عن النعمان بن أبـي عياش، عن أبـي سعيد الـخدريّ، قال فـي قول اللّه : مَعِيشَةً ضَنْكا قال: عذاب القبر. حدثنـي مـحمد بن عبد اللّه بن بزيع، قال: حدثنا بِشر بن الـمفضل، قال: حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن أبـي حازم، عن النعمان بن أبـي عياش، عن أبـي سعيد الـخُدريّ، قال: إن الـمعيشة الضنك، التـي قال اللّه : عذاب القبر. حدثنـي حوثرة بن مـحمد الـمنقري، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي حازم، عن أبـي سلـمة، عن أبـي سعيد الـخُدريّ فإنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا قال: يضيق علـيه قبره حتـى تـختلف أضلاعه. حدثنـي مـحمد بن عبد اللّه بن عبد الـحكم، قال: حدثنا أبـي وشعيب بن اللـيث، عن اللـيث، قال: حدثنا خالد بن زيد، عن ابن أبـي هلال، عن أبـي حازم، عن أبـي سعيد، أنه كان يقول: الـمعيشة الضنك: عذاب القبر، إنه يسلط علـى الكافر فـي قبره تسعة وتسعون تنّـينا تنهشه وتـخدش لـحمه حتـى يُبعث. وكان يقال: لو أن تنّـينا منها نفخ الأرض لـم تنبت زرعا. ١٨٤٢٥ـ حدثنا مـجاهد بن موسى، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا مـحمد بن عمرو، عن أبـي سلـمة، عن أبـي هريرة، قال: يطبق علـى الكافر قبره حتـى تـختلف فـيه أضلاعه، وهي الـمعيشة الضنك التـي قال اللّه : مَعِيشَةً ضَنْكا ونـحْشُرُهُ يَوْمَ القِـيامَةِ أعْمَى. ١٨٤٢٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا جابر بن نوح، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن أبـي صالـح والسديّ فـي قوله: مَعِيشَةً ضَنْكا قال: عذاب القبر. ١٨٤٢٧ـ حدثنا مـحمد بن إسماعيـل الأحمسي، قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد، قال: حدثنا سفـيان الثوري، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن أبـي صالـح، فـي قوله: فإنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكا قال: عذاب القبر. ١٨٤٢٨ـ حدثنـي عبد الرحمن بن الأسود، قال: حدثنا مـحمد بن ربـيعة، قال: حدثنا أبو عُمَيس، عن عبد اللّه بن مخارق عن أبـيه، عن عبد اللّه ، فـي قوله: مَعِيشَةً ضَنْكا قال: عذاب القبر. حدثنـي عبد الرحيـم البرقـيّ، قال: حدثنا ابن أبـي مَريـم، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر وابن أبـي حازم، قالا: حدثنا أبو حازم، عن النعمان بن أبـي عياش، عن أبـي سعيد الـخدريّ مَعِيشَةً ضَنْكا قال: عذاب القبر. قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: هو عذاب القبر الذي: ١٨٤٢٩ـ حدثنا به أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: حدثنا عمي عبد اللّه بن وهب، قال: أخبرنـي عمرو بن الـحارث، عن درّاج، عن ابن حُجَيرة عن أبـي هريرة، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (أتَدْرُونَ فِـيـمَ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الاَيَةُ: فإنّ لَهُ مَعيشَةً ضَنْكا وَنـحْشُرُهُ يَوْمَ القـيامَةِ أعْمَى أتَدْرُونَ ما الـمَعِيشَةً الضّنْكُ؟) قالوا: اللّه ورسوله أعلـم، قال: (عَذَابُ الكافرِ فـي قَبْرِهِ، والّذِي نَفْسي بـيَدِهِ، إنّه لَـيُسَلّطُ عَلَـيْهِ تَسْعَةٌ وَتِسْعُونَ تِنّـينا، أتَدْرُونَ ما التّنِـينُ: تسْعَةٌ وَتسْعُونَ حَيّة، لكلّ حَيّة سَبْعَةُ رُؤُوسٍ، يَنْفُخُونَ فـي جِسْمِهِ وَيَـلْسَعُونَهُ ويَخْدِشُونَهُ إلـى يَوْمِ القِـيامَةِ) . وإن اللّه تبـارك وتعالـى أتبع ذلك ب قوله: وَلَعَذَابُ الاَخِرَةِ أشَدّ وأبْقَـى فكان معلوما بذلك أن الـمعيشة الضنك التـي جعلها اللّه لهم قبل عذاب الاَخرة، لأن ذلك لو كان فـي الاَخرة لـم يكن لقوله وَلَعَذَابُ الاَخِرَةِ أشَدّ وأبْقَـى معنى مفهوم، لأن ذلك إن لـم يكن تقدّمه عذاب لهم قبل الاَخرة، حتـى يكون الذي فـي الاَخرة أشدّ منه، بطل معنى قوله وَلَعَذَابُ الاَخِرَةِ أشَدّ وأبْقَـى. فإذ كان ذلك كذلك، فلا تـخـلو تلك الـمعيشة الضنك التـي جعلها اللّه لهم من أن تكون لهم فـي حياتهم الدنـيا، أو فـي قبورهم قبل البعث، إذ كان لأوجه لأن تكون فـي الاَخرة لـما قد بـيّنا، فإن كانت لهم فـي حياتهم الدنـيا، فقد يجب أن يكون كلّ من أعرض عن ذكر اللّه من الكفـار، فإن معيشته فـيها ضنك، وفـي وجودنا كثـيرا منهم أوسع معيشة من كثـير من الـمقبلـين علـى ذكر اللّه تبـارك وتعالـى، القائلـين له الـمؤمنـين فـي ذلك، ما يدلّ علـى أن ذلك لـيس كذلك، وإذ خلا القول فـي ذلك من هذين الوجهين صحّ الوجه الثالث، وهو أن ذلك فـي البرزخ. و قوله: ونَـحْشُرُهُ يَوْمَ القِـيامَةِ أعْمَى اختلف أهل التأويـل فـي صفة العمى الذي ذكر اللّه فـي هذه الاَية، أنه يبعث هؤلاء الكفـار يوم القـيامة به، فقال بعضهم: ذلك عمى عن الـحجة، لا عمى عن البصر. ذكر من قال ذلك: ١٨٤٣٠ـ حدثنا مـحمد بن إسماعيـل الأحمسي، قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد، قال: حدثنا سفـيان الثوري، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن أبـي صالـح، فـي قوله: ونَـحْشُرُهُ يَوْمَ القِـيامَةِ أعْمَى قال: لـيس له حجة. ١٨٤٣١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: ونَـحْشُرُهُ يَوْمَ القِـيامَةِ أعْمَى قال: عن الـحجة. ١٨٤٣٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله، و قـيـل: يحشر أعمى البصر. قال أبو جعفر: والصواب من القول فـي ذلك ما قال اللّه تعالـى ذكره، وهو أنه يحشر أعمى عن الـحجة ورؤية الشيء كما أخبر جلّ ثناؤه، فعمّ ولـم يخصص. ١٢٥و قوله: قالَ رَبّ لِـمَ حَشَرْتَنِـي أعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرا اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك. فقال بعضهم فـي ذلك، ما: ١٨٤٣٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن ابن نـجيح، عن مـجاهد قالَ رَبّ لِـمَ حَشَرْتَنِـي أعْمَى لا حجة لـي. و قوله: وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرا اختلف أهل التأويـل ذلك، فقال بعضهم: معناه: وقد كنت بصيرا بحجتـي. ذكر من قال ذلك: ١٨٤٣٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرا قال: عالـما بحجتـي. وقال آخرون: بل معناه: وقد كنت ذا بصر أبصر به الأشياء. ذكر من قال ذلك ١٨٤٣٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرا فـي الدنـيا. ١٨٤٣٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: قالَ رَبّ لِـمَ حَشَرْتَنِـي أعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرا قال: كان بعيد البصر، قصير النظر، أعمى عن الـحقّ. قال أبو جعفر: والصواب من القول فـي ذلك عندنا، أن اللّه عزّ وجلّ ثناؤه، عمّ بـالـخبر عنه بوصفه نفسه بـالبصر، ولـم يخصص منه معنى دون معنى، فذلك علـى ما عمه فإذا كان ذلك كذلك، فتأويـل الاَية، قال: ربّ لـم حشرتنـي أعمى عن حجتـي ورؤية الأشياء، وقد كنت فـي الدنـيا ذا بصر بذلك كله. فإن قال قائل: وكيف قال هذا لربه: لِـمَ حَشَرْتَنِـي أعْمَى مع معاينته عظيـم سلطانه، أجهل فـي ذلك الـموقـف أن يكون للّه أن يفعل به ما شاء، أم ما وجه ذلك؟ قـيـل: إن ذلك منه مسألة لربه يعرّفه الـجرم الذي استـحقّ به ذلك، إذ كان قد جهله، وظنّ أن لا جرم له، استـحق ذلك به منه، فقال: ربّ لأيّ ذنب ولأيّ جرم حشرتنـي أعمى، وقد كنت من قبل فـي الدنـيا بصيرا وأنت لا تعاقب أحدا إلا بدون ما يستـحق منك من العقاب. ١٢٦و قوله: قالَ كَذَلكَ أتَتْكَ آياتنا فَنَسِيتَها يقول تعالـى ذكره، قال اللّه حينئذٍ للقائل له: لِـمَ حَشَرْتَنِـي أعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرا: فعلت ذلك بك، فحشرتك أعمى كما أتتك آياتـي، وهي حججه وأدلته وبـيانه الذي بـيّنه فـي كتابه، فنسيتها: يقول: فتركتها وأعرضت عنها، ولـم تؤمن بها، ولـم تعمل. وعنى بقوله كَذَلكَ أتَتْك هكذا أتتكَ. و قوله: وكذلكَ الـيَوْمَ تُنْسَى يقول: فكما نسيت آياتنا فـي الدنـيا، فتركتها وأعرضت عنها، فكذلك الـيوم ننساك، فنتركك فـي النار. وقد اختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله وكَذَلكَ الـيَوْمَ تُنْسَى فقال بعضهم بـمثل الذي قلنا فـي ذلك. ذكر من قال ذلك: ١٨٤٣٧ـ حدثنا مـحمد بن إسماعيـل الأحمسي، قال، حدثنا مـحمد بن عبـيد، قال: حدثنا سفـيان الثوري، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن أبـي صالـح، فـي قوله: وكَذَلكَ الـيَوْمَ تُنْسَى قال: فـي النار. ١٨٤٣٨ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: كَذَلكَ أتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها قال: فتركتها وكَذَلكَ الـيَوْمَ تُنْسَى وكذلك الـيوم تترك فـي النار. ورُوي عن قتادة فـي ذلك ما. ١٨٤٣٩ـ حدثنـي بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قالَ كَذَلكَ أتَتَكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وكَذَلكَ الـيَوْمَ تُنْسَى قال: نسي من الـخير، ولـم ينس من الشرّ. وهذا القول الذي قاله قتادة قريب الـمعنى مـما قاله أبو صالـح ومـجاهد ، لأن تركه إياهم فـي النار أعظم الشرّ لهم. ١٢٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبّهِ وَلَعَذَابُ الاَخِرَةِ أَشَدّ وَأَبْقَىَ }. يقول تعالـى ذكره: وهكذا نـجزي: أي نثـيب من أسرف فعصي ربه، ولـم يؤمن برسله وكتبه، فنـجعل له معيشة ضنكا فـي البرزخ كما قد بـيّنا قبل وَلَعَذَابُ الاَخِرَةِ أشَدّ وأبْقَـى يقول جلّ ثناؤه: ولعذاب فـي الاَخرة أشدّ لهم مـما وعدتهم فـي القبر من الـمعيشة الضنك وأبقـى يقول: وأدوم منها، لأنه إلـى غير أمد ولا نهاية. ١٢٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لاُوْلِي النّهَىَ }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : أفلـم يهد لقومك الـمشركين بـاللّه ، ومعنى يهد: يبـين. يقول: أفلـم يبـين لهم كثرة ما أهلكنا قبلهم من الأمـم التـي سلكت قبلها التـي يـمشون فـي مساكنهم ودورهم، ويرون آثار عقوبـاتنا التـي أحللناها بهم سوء مغبة ما هم علـيه مقـيـمون من الكفر بآياتنا، ويتعظوا بهم، ويعتبروا، وينـيبوا إلـى الإذعان، ويؤمنوا بـاللّه ورسوله، خوفـا أن يصيبهم بكفرهم بـاللّه مثل ما صابهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٤٤٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: كَمْ أهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ القُرُونِ يَـمْشُونَ فِـي مَساكِنِهِمْ لأن قريشا كانت تتـجر إلـى الشأم، فتـمرّ بـمساكن عاد وثمود ومن أشبههم، فترى آثار وقائع اللّه تعالـى بهم، فلذلك قال لهم: أفلـم يحذّرهم ما يرون من فعلنا بهم بكفرهم بنا نزول مثله بهم، وهم علـى مثل فعلهم مقـيـمون. وكان الفرّاء يقول: لا يجوز فـي كم فـي هذا الـموضع أن يكون إلا نصبـا بأهلكنا وكان يقول: وهو وإن لـم يكن إلا نصبـا، فإن جملة الكلام رفع ب قوله: يَهْدِ لَهُمْ ويقول: ذلك مثل قول القائل: قد تبـين لـي أقام عمرو أم زيد فـي الاستفهام، وكقوله سَوَاءٌ عَلَـيْكُمْ أدَعَوْتُـمُوهُمْ أمْ أنْتُـمْ صَامِتُونَ ويزعم أن فـيه شيئا يرفع سواء لا يظهر مع الاستفهام، قال: ولو قلت: سواء علـيكم صمتكم ودعاؤكم تبـين ذلك الرفع الذي فـي الـجملة ولـيس الذي قال الفرّاء من ذلك، كما قال: لأن كم وإن كانت من حروف الاستفهام فإنها لـم تـجعل فـي هذا الـموضع للاستفهام، بل هي واقعة موقع الأسماء الـموصوفة. ومعنى الكلام ما قد ذكرنا قبل وهو: أفلـم يبـين لهم كثرة إهلاكنا قبلهم القرون التـي يـمشون فـي مساكنهم، أو أفلـم تهدهم القرون الهالكة. وقد ذُكر أن ذلك فـي قراءة عبد اللّه : (أفَلَـمْ يَهْدِ لَهَمْ مَنْ أهْلَكْنا) فكم واقعة موقع من فـي قراءة عبد اللّه ، هي فـي موضع رفع ب قوله: يَهْدِ لَهُمْوهو أظهر وجوهه، وأصحّ معانـيه، وإن كان الذي قاله وجه ومذهب علـى بعد. و قوله: إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ لأُولـي النّهَى يقول تعالـى ذكره: إن فـيـما يعاين هؤلاء ويرون من آثار وقائعنا بـالأمـم الـمكذّبة رسلها قبلهم، وحلول مُثْلاتنا بهم لكفرهم بـاللّه لاَياتٍ يقول: لدلالات وعبرا وعظات لأُولـي النّهَى يعني : لأهل الـحجى والعقول، ومن ينهاه عقله وفهمه ودينه عن مواقعة ما يضره. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٤٤١ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: لأُولـي النّهَى يقول: التقـى. ١٨٤٤٢ـ حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ لأُولـي النّهَى أهل الورع. ١٢٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رّبّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مّسَمّى }. يقول تعالـى ذكره: وَلَوْلا كَلِـمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبّكَ يا مـحمد أن كلّ من قضى له أجلاً فإنه لا يخترمه قبل بلوغه أجله وأجلٌ مسمّى يقول: ووقت مسمى عند ربك سماه لهم فـي أمّ الكتاب وخطه فـيه، هم بـالغوه ومستوفوه لَكانَ لِزَاما يقول: للازمهم الهلاك عاجلاً، وهو مصدر من قول القائل: لازم فلان فلانا يلازمه ملازمة ولزاما: إذا لـم يفـارقه، وقدّم قوله: لَكانَ لِزَاما قبل قوله أجَلٌ مُسَمّى ومعنى الكلام: ولولا كلـمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاما، فـاصبر علـى ما يقولون. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٤٤٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: وَلَوْلا كَلِـمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبّكَ لَكانَ لِزَاما وأجَلٌ مُسَمّى الأجل الـمسمى: الدنـيا. ١٨٤٤٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَلَوْلا كَلِـمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبّكَ لَكانَ لِزَاما وأجَلٌ مُسَمّى وهذه من مقاديـم الكلام، يقول: لولا كلـمة سبقت من ربك إلـى أجل مسمى كان لزاما، والأجل الـمسمى، الساعة، لأن اللّه تعالـى يقول بَلِ السّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ، والسّاعَةُ أدْهَى وأمَرّ. ١٨٤٤٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلَوْلا كَلِـمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبّكَ لَكانَ لِزَاما وأجَلٌ مُسَمّى قال: هذا مقدّم ومؤخر، ولولا كلـمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاما. واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله: لَكانَ لِزَاما فقال بعضهم: معناه: لكان موتا. ذكر من قال ذلك: ١٨٤٤٦ـ حدثنـي علـيّ قال: ثنـي أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: لَكانَ لِزَاما يقول: موتا. وقال آخرون: معناه لكان قتلاً. ذكر من قال ذلك: ١٨٤٤٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد لَكانَ لِزَاما واللزام: القتل. ١٣٠و قوله: فـاصْبِرْ علـى ما يَقُولُونَ يقول جل ثناؤه لنبـيه: فـاصبر يا مـحمد علـى ما يقول هؤلاء الـمكذّبون بآيات اللّه من قومك لك إنك ساحر، وإنك مـجنون وشاعر ونـحو ذلك من القول وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ يقول: وصل بثنائك علـى ربك، وقال: بحمد ربك. والـمعنى: بحمدك ربك، كما تقول: أعجبنـي ضرب زيد، والـمعنى: ضربـي زيدا. و قوله: قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ وذلك صلاة الصبح وَقَبْلَ غُرُوبِها وهي العصر وَمِنْ آناءِ اللّـيْـلِ وهي ساعات اللـيـل، واحدها: إنْـيٌ، علـى تقدير حمل ومنه قول الـمنـخّـل السعدي: حُلْوٌ وَمُرّ كَعِطْفِ القِدْحِ مُرّتُهُفِـي كُلّ إنْـيٍ قَضَاهُ اللّـيْـلُ يَنْتَعِلُ و يعني ب قوله: وَمِنْ آناءِ اللّـيْـلِ فَسَبّحْ صلاة العشاء الاَخرة، لأنها تصلـى بعد مضيّ آناء من اللـيـل. و قوله: وأطْرَافَ النّهارِ: يعني صلاة الظهر والـمغرب و قـيـل: أطراف النهار، والـمراد بذلك الصلاتان اللتان ذكرنا، لأن صلاة الظهر فـي آخر طرف النهار الأوّل، وفـي أوّل طرف النهار الاَخر، فهي فـي طرفـين منه، والطرف الثالث: غروب الشمس، وعند ذلك تصلـى الـمغرب، فلذلك قـيـل أطراف، وقد يحمل أن يقال: أريد به طرفـا النهار. و قـيـل: أطراف، كما قـيـل صَغَتْ قُلُوبُكما فجمع، والـمراد: قلبـان، فـيكون ذلك أوّل طرف النهار الاَخر، وآخر طرفه الأول. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٤٤٨ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن عاصم، عن ابن أبـي زيد، عن ابن عباس وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها قال: الصلاة الـمكتوبة. ١٨٤٤٩ـ حدثنا تـميـم بن الـمنتصر، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا إسماعيـل بن أبـي خالد، عن قـيس بن أبـي حازم، عن جرير بن عبد اللّه ، قال: كنا جلوسا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فرأى القمر لـيـلة البدر فقال: (إنّكُمْ رَاءُونَ رَبّكُمْ كمَا تَرَوْنَ هَذَا، لا تُضَامُونَ فِـي رُؤْيَتِهِ، فإنِ اسْتَطَعْتـمْ أنْ لا تُغْلَبُوا عَلـى صَلاةٍ قَبلَ طُلُوعِ الشّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها فـافْعَلُوا) ثُمّ تَلا: (وسَبّحْ بحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها) . ١٨٤٥٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها قال ابن جريج: العصر، وأطراف النهار قال: الـمكتوبة. ١٨٤٥١ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمى، عن قتادة فـي قوله: وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ قال: هي صَلاة الفجر وَقَبْلَ غُرُوبِها قال: صلاة العصر. وَمِنْ آناءِ اللّـيْـلِ قال: صلاة الـمغرب والعشاء. وأطْرافَ النَهارِ قال: صلاة الظهر. ١٨٤٥٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَمِنْ آناءِ اللّـيْـلِ فَسَبّحْ وأطْرَافَ النّهارِ: قال: من آناء اللـيـل: العَتَـمة. وأطراف النهار: الـمغرب والصبح. ونصب قوله وأطْرافَ النهار عطفـا علـى قوله قَبْلَ طُلُوع الشّمْسِ، لأن معنى ذلك: فسبح بحمد ربك آخر اللـيـل، وأطراف النهار. وبنـحو الذي قلنا فـي معنى آناءِ اللّـيْـلِ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٤٥٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس وَمِن آناءِ اللّـيْـلِ قال: الـمصلـى من اللـيـل كله. ١٨٤٥٤ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن عُلَـية، عن أبـي رجاء، قال: سمعت الـحسن قرأ: وَمِنْ آناء اللّـيْـلِ قال: من أوّله، وأوسطه، وآخره. ١٨٤٥٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، فـي قوله: وَمِنْ آناءِ اللّـيْـلِ فَسَبّحْ قال: آناء اللـيـل: جوف اللـيـل. و قوله: لَعَلّكَ تَرْضَى يقول: كي ترضى. وقد اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والعراق: لَعَلّكَ تَرْضَى بفتـح التاء. وكان عاصم والكسائي يقرآن ذلك: (لَعَلّكَ تُرْضَى) بضم التاء، ورُوي ذلك عن أبـي عبد الرحمن السّلَـميّ، وكأنّ الذين قرأوا ذلك بـالفتـح، ذهبوا إلـى معنى: إن اللّه يعطيك، حتـى ترضى عطيّته وثوابه إياك، وكذلك تأوّله أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٤٥٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: لَعَلّكَ تَرْضَى قال: الثواب، ترضى بـما يثـيبك اللّه علـى ذلك. ١٨٤٥٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج لَعَلّكَ تُرْضَى قال: بـما تُعْطَى. وكأن الذين قرأوا ذلك بـالضم، وجهوا معنى الكلام إلـى لعلّ اللّه يرضيك من عبـادتك إياه، وطاعتك له. والصواب من القول فـي ذلك عندي: أنهما قراءتان، قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء، وهما قراءتان مستفـيضتان فـي قَرَأة الأمصار، متفقتا الـمعنى، غير مختلفتـيه وذلك أن اللّه تعالـى ذكره إذا أرضاه، فلا شكّ أنه يرضى، وأنه إذا رضي فقد أرضاه اللّه ، فكل واحدة منهما تدلّ علـى معنى الأخرى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب. ١٣١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ تَمُدّنّ عَيْنَيْكَ إِلَىَ مَا مَتّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىَ }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : ولا تنظر إلـى ما جعلنا لضُربـاء هؤلاء الـمعرضين عن آيات ربهم وأشكالهم، مُتْعة فـي حياتهم الدنـيا، يتـمتعون بها، من زهرة عاجل الدنـيا ونضرتها لِنَفْتِنَهُمْ فِـيهِ يقول: لنـختبرهم فـيـما متعناهم به من ذلك، ونبتلـيهم، فإِن ذلك فـانٍ زائل، وغُرور وخُدَع تضمـحلّ وَرِزْقُ رَبّكَ الذي وعدك أن يرزقكه فـي الاَخرة حتـى ترضى، وهو ثوابه إياه خَيْرٌ لك مـما متعناهم به من زهرة الـحياة الدنـيا. وأبْقَـى يقول: وأدوم، لأنه لانقطاع له ولا نفـاذ. وذُكر أن هذه الاَية نزلت علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، من أجل أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعث إلـى يهوديّ يستسلف منه طعاما، فأبى أن يُسْلفه إلاّ برهن. ذكر من قال ذلك: ١٨٤٥٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن موسى بن عبـيدة، عن يزيد بن عبد اللّه بن قسيط، عن أبـي رافع، قال: أرسلنـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـى يهودي يستسلفه، فأبى أن يعطيه إلاّ برهن، فحزن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأنزل اللّه : وَلا تَـمُدّنّ عَيَنَـيْكَ إلـى ما مَتّعْنا بِهِ أزْوَاجا مِنهُمْ زَهْرَةَ الـحَياةِ الدّنْـيا. ١٨٤٥٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا مـحمد بن كثـير، عن عبد اللّه بن واقد، عن يعقوب بن يزيد، عن أبـي رافع، قال: نزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ضيف، فأرسلنـي إلـى يهوديّ بـالـمدينة يستسلفه، فأتـيته، فقال: لا أسلفه إلاّ برهن، فأخبرته بذلك، فقال: (إنّـي لأَمِينٌ فِـي أهْلِ السّماءِ وفِـي أهْلِ الأرْضِ، فـاحْمِلْ دِرْعِي إلَـيْهِ) فنزلت: وَلَقَدْ آتَـيْناكَ سَبْعا مِنَ الـمَثانِـي والقُرآنَ العَظِيـمِ. و قوله: وَلا تَـمُدّنّ عَيَنَـيْكَ إلـى ما مَتّعْنا بِهِ أزْوَاجا مِنْهُمْ زَهْرةَ الـحَياةِ الدّنْـيا إلـى قوله: وَالعاقِبَةُ للتّقْوَى. و يعني ب قوله: أزْوَاجا مِنْهُمْ رجالاً منهم أشكالاً، وبزهرة الـحياة الدنـيا: زينة الـحياة الدنـيا. كما: ١٨٤٦٠ـ حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: زَهْرَةَ الـحَياةِ الدّنْـيا: أي زينة الـحياة الدنـيا. ونصب زهرة الـحياة الدنـيا علـى الـخروج من الهاء التـي فـي قوله به من مَتّعْنا بِهِ، كما يقال: مررت به الشريف الكريـم، فنصب الشريف الكريـم علـى فعل مررت، وكذلك قوله: إلـى ما مَتّعْنا بِهِ أزْوَاجا مِنْهُم زَهْرَةَ الـحَياةِ الدّنْـيا تنصب علـى الفعل بـمعنى: متعناهم به زهرة الـحياة الدنـيا وزينة لهم فِـيها. وذكر الفراء أن بعض بنـي فقعس أنشده: أبَعْدَ الّذِي بـالسّفْحِ سَفْحِ كُوَاكِبٍرَهِينَةَ رَمْسٍ مِنْ تُرابٍ وَجَنْدَلِ فنصب رهينة علـى الفعل من قوله: (أبعد الذي بـالسفح) ، وهذا لا شكّ أنه أضعف فـي العمل نصبـا من قوله: مَتّعْنا بِهِ أزْوَاجا مِنْهُمْ لأن العامل فـي الاسم وهو رهينة، حرف خافض لا ناصب. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٤٦١ـ حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: لِنَفْتِنَهُمْ فِـيهِ قال: لنبتلـيهم فـيه وَرِزْقُ رَبّكَ خَيْرٌ وأبقَـى مـما متّعنا به هؤلاء من هذه الدنـيا. ١٣٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتّقْوَىَ }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : وأْمُرْ يا مـحمد أهْلَكَ بـالصّلاةِ وَاصْطَبرْ عَلَـيْها يقول: واصطبر علـى القـيام بها، وأدائها بحدودها أنت لا نَسْئَلُكَ رِزْقا يقول: لا نسألك مالاً، بل نكلفك عملاً ببدنك، نؤتـيك علـيه أجرا عظيـما وثوابـا جزيلاً نَـحْنُ نَرْزُقُكَ يقول: نـحن نعطيك الـمال ونكسبكه، ولا نسألكه. و قوله: والعاقبَةُ للتّقْوَى يقول: والعاقبة الصالـحة من عمل كلّ عامل لأهل التقوى والـحثـية من اللّه دون من لا يخاف له عقابـا، ولا يرجو له ثوابـا. وبنـحو الذي قلنا فـي قوله وأْمُرْ أهْلَكَ بـالصّلاةِ وَاصْطَبرْ عَلَـيْها قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٤٦٢ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا حفص بن غياث، عن هشام بن عروة، قال: كان عروة إذا رأى ما عند السلاطين دخـل داره، فقال: لا تَـمُدّنّ عَيَنَـيْكَ إلـى ما مَتّعْنا بهِ أزْوَاجا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الـحَياةِ الدّنْـيا لِنَفْتِنَهُمْ فِـيِ وَرِزْقُ رَبّكَ خَيْرٌ وأبْقَـى وأْمُرْ أهْلَكَ بـالصّلاةِ وَاصْطَبرْ عَلَـيْها لا نَسألُكَ رِزْقا نـحْنُ نَرْزُقُكَ والعاقِبَةُ للتّقْوَى ثم ينادي: الصلاة الصلاة، يرحمكم اللّه . حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثام، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، أنه كان إذا رأى شيئا من الدنـيا جاء إلـى أهله، فقال: الصلاة وأْمُرْ أهْلَكَ بـالصّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَـيْها لا نَسألُكَ رِزْقا. ١٨٤٦٣ـ حدثنا العباس بن عبد العظيـم، قال: حدثنا جعفر بن عون، قال: أخبرنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلـم، عن أبـيه، قال: كان يبـيت عند عمر بن الـخطاب من غلـمانه أنا ويرفأ، وكانت له من اللـيـل ساعة يصلـيها، فإذا قلنا لا يقوم من اللـيـل كان قـياما، وكان إذا صلـى من اللـيـل ثم فرغ قرأ هذه الاَية: وأْمُرْ أهْلَكَ بـالصّلاةِ وَاصْطَبرْ عَلَـيْها... الاَية. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي هشام بن سعد، عن زيد بن أسلـم، مثله. ١٣٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مّن رّبّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيّنَةُ مَا فِي الصّحُفِ الاُولَىَ }. يقول تعالـى ذكره: قال هؤلاء الـمشركون الذين وصف صفتهم فـي الاَيات قبل: هلا يأتـينا مـحمد بآية من ربه، كما أتـى قومه صالـح بـالناقة وعيسى بإحياء الـموتـى، وإبراء الأكمه والأبرص، يقول اللّه جلّ ثناؤه: أو لـم يأتهم بـيان ما فـي الكتب التـي قبل هذا الكتاب من أنبـاء الأمـم من قبلهم التـي أهلكناهم لـما سألوا الاَيات فكفروا بها لـما أتتهم كيف عجّلنا لهم العذاب، وأنزلنا بأسنا بكفرهم بها، يقول: فماذا يؤمنهم إن أتتهم الاَية أن يكون حالهم حال أولئك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٨٤٦٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: أوَ لـمُ تَأْتِهِمْ بَـيّنَةُ ما فِـي الصّحُفِ الأُولـى قال: التوارة والإنـجيـل. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين قال: ثنـي حجاج عن ابن جريج عن مـجاهد مثله. ١٨٤٦٥ـ حدثنا بِشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: أوَ لَـمْ تَأْتِهِمْ بَـيّنَةُ ما فـي الصّحُفِ الأُولـى الكتب التـي خـلت من الأمـم التـي يـمشون فـي مساكنهم. ١٣٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْ أَنّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبّنَا لَوْلآ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نّذِلّ وَنَخْزَىَ }. يقول تعالـى ذكره: ولو أنا أهلكنا هؤلاء الـمشركين الذين يكذّبون بهذا القرآن من قبل أن ننزله علـيهم، ومن قبل أن نبعث داعيا يدعوهم إلـى ما فرضنا علـيهم فـيه بعذاب ننزله بهم بكفرهم بـاللّه ، لقالوا يوم القـيامة، إذ وردوا علـينا، فأردنا عقابهم: ربنا هلا أرسلت إلـينا رسولاً يدعونا إلـى طاعتك، فنتبع آياتك يقول: فنتبع حجتك وأدلتك وما تنزله علـيه من أمرك ونهيك من قبل أن نذلّ بتعذبـيك إيانا ونـخزى به، كما: ١٨٤٦٦ـ حدثنـي الفضل بن إسحاق، قال: حدثنا أبو قتـيبة سلـم بن قتـيبة، عن فضيـل بن مرزوق، عن عطية العوفـي، عن أبـي سعيد الـخُدريّ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (يَحْتَـجّ عَلـى اللّه يَوْمَ القـيامَةِ ثَلاثَةٌ: الهَالِكُ فِـي الفَتْرَةِ، والـمَغْلُوبُ عَلـى عَقْلهِ، والصّبـيّ الصّغيرُ، فَـيَقُولُ الـمَغْلُوبُ عَلـى عَقْلِه: لَـمْ تَـجْعَلْ لـي عَقْلاً أنْتَفِع بهِ، وَيَقُولُ الهَالِكُ فِـي الفتْرَةِ: لَـمْ يأْتِنـي رَسُولٌ وَلا نَبـيّ، وَلَوْ أتانِـي لَكَ رَسُولٌ أوْ نَبـيّ لَكُنْتُ أطْوَعَ خَـلْقِكَ لَكَ. وقرأ: لَوْلا أرْسَلْتَ إلَـيْنا رَسُولاً ويَقُولُ الصّبِـيّ الصّغِيرُ: كُنْتُ صَغِيرا لا أعْقِلُ) قالَ: (فَتُرْفَعُ لَهُمْ نارٌ وَيُقالُ لَهُمْ: رِدُوها) قال: (فَـيرِدُها مَنْ كانَ فِـي علْـمِ اللّه أنّه سَعيدٌ، وَيَتَلَكّأُ عَنْها مَنْ كانَ فِـي عِلْـمِ اللّه أنّهُ شَقِـيّ، فَـيَقُولُ: إيّايَ عَصَيْتُـمْ، فَكَيْقَ بِرُسُلـي لَوْ أتَتْكُمْ؟) . ١٣٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ كُلّ مّتَرَبّصٌ فَتَرَبّصُواْ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصّرَاطِ السّوِيّ وَمَنِ اهْتَدَىَ }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : قل يا مـحمد: كلكم أيها الـمشركون بـاللّه متربص يقول: منتظر لـمن يكون الفلاح، وإلـى ما يؤول أمري وأمركم متوقـف ينتظر دوائر الزمان، فتربصوا يقول: فترقبوا وانتظروا، فستعلـمون من أهل الطريق الـمستقـيـم الـمعتدل الذي لا اعوجاج فـيه إذا جاء أمر اللّه وقامت القـيامة، أنـحن أم أنتـم؟ ومن اهتدى يقول: وستعلـمون حينئذٍ من الـمهتدي الذي هو علـى سنن الطريق القاصد غير الـجائر عن قصده منا ومنكم. وفـي (مَن) من قوله: فَسَتَعْلَـمُونَ مَنْ أصحَابُ الصّراطِ السّوِيّ، والثانـية من قوله: وَمَنِ اهْتَدَى وَجهان: الرفع، وترك إعمال تعلـمون فـيهما، كما قال جلّ ثناؤه: لنَعْلَـمَ أيّ الْـحِزْبَـيْنِ أحْصَى والنصب علـى إعمال تعلـمون فـيهما، كما قال جلّ ثناؤه: وَااللّه يَعْلَـمُ الـمُفْسِدَ منَ الـمُصْلِـحِ. |
﴿ ٠ ﴾