١٤و قوله: ثُمّ خَـلَقْنا النطْفَةَ عَلَقَةً يقول: ثم صيرنا النطفة التـي جعلناها فـي قرار مكين علقة، وهي القطعة من الدم. فَخَـلَقْنا العَلَقَةَ مُضْغَةً يقول: فَجعلنا ذلك الدم مضغة، وهي القطعة من اللـحم. و قوله: فخَـلَقْنا الـمُضْغَةَ عِظاما يقول: فجعلنا تلك الـمضغة اللـحم عظاما. وقد اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـحجاز والعراق سوى عاصم: فخَـلَقْنا الـمُضْغَةَ عِظاما علـى الـجماع، وكان عاصم وعبد اللّه يقرآن ذلك: (عَظْما) فِـي الـحرفـين علـى التوحيد جميعا. والقراءة التـي نـختار فـي ذلك الـجماع، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه. و قوله: فَكَسَوْنا العِظامَ لَـحْما يقول: فألبسنا العظام لـحما. وقد ذكر أن ذلك فـي قراءة عبد اللّه : (ثُمّ خَـلَقْنا النطْفَةَ عَظْما وعصبـا فَكَسَوْنَاه لَـحْما) . و قوله: ثُمّ أنْشأْناهُ خَـلْقا آخَرَ يقول: ثم أنشأنا هذا الإنسان خـلقا آخر. وهذه الهاء التـي فـي: أنْشَأْناهُ عائدة علـى (الإنسان) فـي قوله: وَلَقَدْ خَـلَقْنا الإنْسانَ قد يجوز أن تكون من ذكر العظم والنطفة والـمضغة، جعل ذلك كله كالشيء الواحد، ف قـيـل: ثم أنشأنا ذلك خـلقا آخر. واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: ثُمّ أنْشَأْناهُ خَـلْقا آخَرَ فقال بعضهم: إنشاؤه إياه خـلقا آخر: نفخه الروح فـيه، فـيصير حينئذٍ إنسانا، وكان قبل ذلك صورة. ذكر من قال ذلك: ١٩٢٦٧ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا حجاج، عن عطاء، عن ابن عباس فـي قوله: ثُمّ أنْشَأْناهُ خَـلْقا آخَرَ قال: نفخ الروح فـيه. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا هشيـم عن الـحجاج بن أرطأة عن عطاء، عن ابن عباس ، بـمثله. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس : ثُمّ أنْشَأْناهُ خَـلْقا آخَرَ قال: الروح. ١٩٢٦٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن عبد الرحمن بن الأصبهانـي عن عكرمة، فـي قوله: ثُمّ أنْشَأْناهُ خَـلْقا آخَرَ قال: نفخ الروح فـيه. ١٩٢٦٩ـ حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى، قالا: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سلـمة، عن داود بن أبـي هند، عن الشعبـيّ: ثُمّ أنْشَأْناهُ خَـلْقا آخَرَ قال: نفخ فـيه الروح. ١٩٢٧٠ـ قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد ، بـمثله. ١٩٢٧١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية، فـي قوله: ثُمّ أنْشَأْناهُ خَـلْقا آخَرَ قال: نفخ فـيه الروح، فهو الـخـلق الاَخر الذي ذكر. ١٩٢٧٢ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله: ثُمّ أنْشَأْناهُ خَـلْقا يعني الروح تنفخ فـيه بعد الـخـلق. ١٩٢٧٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: ثُمّ أنْشَأْناهُ خَـلْقا آخَرَ قال: الروح الذي جعله فـيه. وقال آخرون: إنشاؤه خـلقا آخر تصريفه إياه فـي الأحوال بعد الولادة: فـي الطفولة، والكهولة، والاغتذاء، ونبـات الشعر، والسنّ، ونـحو ذلك من أحوال الأحياء فـي الدنـيا. ذكر من قال ذلك: ١٩٢٧٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: حدثنا أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: ثُمّ أنْشَأْناهُ خَـلْقا آخَرَ فَتَبـارَكَ اللّه أحْسَنُ الـخالِقِـينَ يقول: خرج من بطن أمه بعدما خـلق، فكان من بدء خـلقه الاَخر أن استهلّ، ثم كان من خـلقه دُلّ علـى ثدي أمه، ثم كان من خـلقه أن علـم كيف يبسط رجلـيه، إلـى أن قعد، إلـى أن حبـا، إلـى أن قام علـى رجلـيه، إلـى أن مشى، إلـى أن قُطِم، فعلـم كيف يشرب ويأكل من الطعام، إلـى أن بلغ الـحلـم، إلـى أن بلغ أن يتقلّب فـي البلاد. ١٩٢٧٥ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة : ثُمّ أنْشَأْناهُ خَـلْقا آخَرَ قال: يقول بعضهم: هو نبـات الشعر، وبعضهم يقول: هو نفخ الروح. حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزاق، قال: أخبرنا معمر عن قتادة ، مثله. ١٩٢٧٦ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك : ثُمّ أنْشَأْناهُ خَـلْقا آخَرَ قال: يقال الـخـلق الاَخر بعد خروجه من بطن أمه بسنه وشعره. وقال آخرون: بل عَنَى بإنشائه خـلقا آخر: سوّى شبـابه. ذكر من قال ذلك: ١٩٢٧٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: ثُمّ أنْشَأْناهُ خَـلْقا آخَرَ قال: حين استوى شبـابه. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال مـجاهد : حين استوى به الشبـاب. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: عنى بذلك نفخ الروح فـيه وذلك أنه بنفخ الروح فـيه يتـحوّل خـلقا آخر إنسانا، وكان قبل ذلك بـالأحوال التـي وصفه اللّه أنه كان بها، من نطفة وعلقة ومضغة وعظم وبنفخ الروح فـيه، يتـحوّل عن تلك الـمعانـي كلها إلـى معنى الإنسانـية، كما تـحوّل أبوه آدم بنفخ الروح فـي الطينة التـي خـلق منها إنسانا وخـلقا آخر غير الطين الذي خـلق منه. و قوله: فَتَبـارَكَ اللّه أحْسَنُ الـخالِقِـينَ اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: معناه فتبـارك اللّه أحسن الصانعين. ذكر من قال ذلك: ١٩٢٧٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن لـيث، عن مـجاهد : فَتَبـارَكَ اللّه أحْسَنُ الـخالِقِـينَ قال: يصنعون ويصنع اللّه ، واللّه خير الصانعين. وقال آخرون: إنـما قـيـل: فَتَبـارَكَ اللّه أحْسَنُ الـخالِقِـينَ لأن عيسى ابن مريـم كان يخـلق، فأخبر جل ثناؤه عن نفسه أنه يخـلق أحسن مـما كان يخـلق. ذكر من قال ذلك: ١٩٢٧٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جُرَيج، فـي قوله: فَتَبـارَكَ اللّه أحْسَنُ الـخالِقِـينَ قال: عيسى ابن مريـم يخـلق. وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول مـجاهد ، لأن العرب تسمي كل صانع خالقا ومنه قول زهير: وَلأَنْتَ تَفْرِي ما خَـلَقْتَ وَبَعْضُ القَوْمِ يَخْـلُقُ ثُمّ لا يَفْرِي ويروى: وَلأَنْتَ تَـخْـلُقُ ما فَريْتَ وَبَعْضُ القَوْمِ يَخْـلُقُ ثُمّ لا يَفْرِي |
﴿ ١٤ ﴾