تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة النور

مدنـية وآياتها أربع وستون

بسم اللّه الرحمَن الرحيـم

١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ لّعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ }.

قال أبو جعفر: يعني بقوله تعالـى ذكره: سُورَةٌ أنْزَلْناها وهذه السورة أنزلناها. وإنـما قلنا معنى ذلك كذلك، لأن العرب لا تكاد تبتدىء بـالنكرات قبل أخبـارها إذا لـم تكن جوابـا، لأنها توصل كما يوصل (الذي) ، ثم يخبر عنها بخبر سوى الصلة، فـيستقبح الابتداء بها قبل الـخبر إذا لـم تكن موصولة، إذ كان يصير خبرها إذا ابتدىء بها كالصلة لها، ويصير السامع خبرها كالـمتوقع خبرها بعد إذ كان الـخبر عنها بعدها كالصلة لها. وإذا ابتدىء بـالـخبر عنها قبلها، لـم يدخـل الشك علـى سامع الكلام فـي مراد الـمتكلـم. وقد بـيّنا فـيـما مضى قبلُ أن السورة وصف لـما ارتفع بشواهده فأغنى ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع.

وأما قوله: وَفَرَضْناها فإن القرّاء اختلفت فـي قراءته، فقرأه بعض قرّاء الـحجاز والبصرة: (وَفَرّضْناها) ويتأوّلونه: وفصّلناها ونزّلنا فـيها فرائض مختلفة. وكذلك كان مـجاهد يقرؤه ويتأوّله.

١٩٤٥٨ـ حدثنـي أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا ابن مهديّ، عن عبد الوارث بن سعيد، عن حميد، عن مـجاهد ، أنه كان يقرؤها: (وَفَرّضْناها) يعني بـالتشديد.

١٩٤٥٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: (وَفَرّضْناها) قال: الأمر بـالـحلال، والنهى عن الـحرام.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله.

وقد يحتـمل ذلك إذا قرىء بـالتشديد وجها غير الذي ذكرنا عن مـجاهد ، وهو أن يوجه إلـى أن معناه: وفرضناها علـيكم وعلـى من بعدكم من الناس إلـى قـيام الساعة. وقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة والكوفة والشأم: وَفَرَضْناها بتـخفـيف الراء، بـمعنى: أوجبنا ما فـيها من الأحكام علـيكم وألزمناكموه وبـيّنا ذلك لكم.

والصواب من القول فـي ذلك: أنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وذلك أن اللّه قد فصلها، وأنزل فـيها ضروبـا من الأحكام، وأمر فـيها ونهى، وفرض علـى عبـاده فـيها فرائض، ففـيها الـمعنـيان كلاهما: التفريض، والفرض فلذلك قلنا بأية القراءتـين قرأ القارىء فمصيب الصواب. ذكر من تأوّل ذلك بـمعنى الفَرْض والبـيان من أهل التأويـل:

١٩٤٦٠ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، فـي قوله: وَفَرَضْناها يقول: بـيناها.

١٩٤٦١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: سُورَةٌ أنْزَلْناها وَفَرَضْناها قال: فرضناها لهذا الذي يتلوها مـما فرض فـيها. وقرأ فـيها: آياتٍ بَـيّناتٍ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ.

و قوله: وأنْزَلْنا فِـيها آياتٍ بَـيّناتٍ

يقول تعالـى ذكره: وأنزلنا فـي هذه السورة علامات ودلالات علـى الـحقّ بـينات، يعني واضحات لـمن تأملها وفكر فـيها بعقل أنها من عند اللّه ، فإنها الـحقّ الـمبـين، وإنها تهدي إلـى الصراط الـمستقـيـم.

١٩٤٦٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُريج: وأنْزَلْنا فِـيها آياتٍ بَـيّناتٍ قال: الـحلال والـحرام والـحدود. لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ يقول: لتتذكروا بهذه الاَيات البـينات التـي أنزلناها.

٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُواْ كُلّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّه ...}.

يقول تعالـى ذكره: من زنى من الرجال أو زنت من النساء، وهو حُرّ بِكرٌ غير مُـحْصَن بزوج، فـاجلدوه ضربـا مئة جلة عقوبة لِـما صنع وأتـى من معصية اللّه . وَلا تَأْخُذُكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِـي دِينَ اللّه

يقول تعالـى ذكره: لا تأخذكم بـالزانـي والزانـية أيها الـمؤمنون رأفة، وهي رقة الرحمة فـي دين اللّه ، يعني فـي طاعة اللّه فـيـما أمركم به من إقامة الـحدّ علـيهما علـى ما ألزمكم به.

واختلف أهل التأويـل فـي الـمنهيّ عنه الـمؤمنون من أخذ الرأفة بهما، فقال بعضهم: هو ترك إقامة حدّ اللّه علـيهما، فأما إذا أقـيـم علـيهما الـحدّ فلـم تأخذهم بهما رأفة فـي دين اللّه . ذكر من قال ذلك:

١٩٤٦٣ـ حدثنا أبو هشام، قال: حدثنا يحيى بن أبـي زائدة، عن نافع بن عمر، عن ابن أبـي مُلَـيجة، عن عبـيد اللّه بن عبد اللّه بن عمر، قال: جَلَد ابن عمر جارية له أحدثت، فجلد رجلـيها قال نافع: وحسبت أنه قال: وظهرها فقلت: وَلا تَأْخَذْكُمْ بِهما رأفَةٌ فِـي دِينِ اللّه فقال: وأخذتنـي بها رأفة، إن اللّه لـم يأمرنـي أن أقتلها.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَـية، عن ابن جُرَيج، قال: سمعت عبد اللّه بن أبـي ملـيكة يقول: ثنـي عبـيد اللّه بن عبد اللّه بن عمر، أن عبد اللّه بن عمر حدّ جارية له، فقال للـجالد، وأشار إلـى رجلها وإلـى أسفلها، قلت: فأين قول اللّه : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِـي دِينِ اللّه قال: أفأقتلها؟.

١٩٤٦٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِـي دِينِ اللّه فقال: أن تقـيـم الـحدّ.

١٩٤٦٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، ابن جُرَيج: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِـي دِينِ اللّه قال: لا تضيعوا حدود اللّه .

قال ابن جُرَيج: وقال مـجاهد : لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ: لا تضيعوا الـحدود فـي أن تقـيـموها. وقالها عطاء بن أبـي ربـاح.

١٩٤٦٦ـ حدثنا أبو هشام، قال: حدثنا عبد الـملك وحجاج، عن عطاء: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِـي دِينِ اللّه قال: يقام حدّ اللّه ولا يعطل، ولـيس بـالقتل.

١٩٤٦٧ـ حدثنا ابن الـمثّنى، قال: ثنـي مـحمد بن فضيـل، عن داود، عن سعيد بن جبـير، قال: الـجلد.

١٩٤٦٨ـ حدثنـي عبـيد بن إسماعيـل الهَبّـاريّ، قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل، عن الـمغيرة، عن إبراهيـم، فـي قوله: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فـي دينِ اللّه قال: الضرب.

١٩٤٦٩ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا الـمعتـمر، قال: سمعت عمران، قال: قلت لأبـي مـجلز: الزّانِـيَةُ وَالزّانـي فـاجْلِدُوا كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُما... إلـى قوله: والـيَوْمِ الاَخرِ إنا لنرحمهم أن يجلد الرجل حدّا، أو تقطع يده. قال: إنـما ذاك أنه لـيس للسلطان إذا رفعوا إلـيه أن يدعهم رحمة لهم حتـى يقـيـم الـحدّ.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فـي دِينِ اللّه قال لا تقام الـحدود.

١٩٤٧٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةُ فتدعوهما من حدود اللّه التـي أمر بها وافترضها علـيهما.

١٩٤٧١ـ قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا ابن لَهِيعة، عن خالد بن أبـي عمران، أنه سأل سلـيـمان بن يسار، عن قول اللّه : وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِـي دِينِ اللّه أي فـي الـحدود أو فـي العقوبة؟ قال: ذلك فـيهما جميعا.

حدثنا عمرو بن عبد الـحميد الاَمُلِـيّ، قال: حدثنا يحيى بن زكريا، عن عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان، عن عطاء فـي قوله: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فـي دِينِ اللّه قال: أن يقام حدّ اللّه ولا يعطّل، ولـيس بـالقتل.

١٩٤٧٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن عامر فـي قوله: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فـي دين اللّه قال: الضرب الشديد.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وَلا تَأْخُذْكُمْ بهما رأفَةٌ فتُـخَفّفوا الضرب عنهما، ولكن أو جعوهما ضربـا. ذكر من قال ذلك:

١٩٤٧٣ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا يحيى بن أبـي بكر، قال: حدثنا أبو جعفر، عن قتادة ، عن الـحسن وسعيد ابن الـمسيب: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهما رأفَةٌ فِـي دِينِ اللّه قال: الـجلد الشديد.

١٩٤٧٤ـ قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، عن شعبة، عن حماد، قال: يُحَدّ القاذف والشارب وعلـيهما ثـيابهما. وأما الزانـي فتـخـلع ثـيابه. وتلا هذه الآية: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رأفَةٌ فِـي دِينِ اللّه فقلت لـحماد: أهذا فـي الـحكم؟ قال: فـي الـحكم والـجلد.

١٩٤٧٥ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهريّ، قال: يجتهد فـي حدّ الزانـي والفرية، ويخفف فـي حدّ الشرب. وقال قتادة : يخفف فـي الشراب، ويجتهد فـي الزانـي.

وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال: معنى ذلك: ولا تأخذكم بهما رأفة فـي إقامة حدّ اللّه علـيهما الذي افترض علـيكم إقامته علـيهما.

وإنـما قلنا ذلك أولـى التأويـلـين بـالصواب، لدلالة قول اللّه بعده: (فـي دين اللّه ) ، يعني فـي طاعة اللّه التـي أمركم بها. ومعلوم أن دين اللّه الذي أمر به فـي الزانـيـين: إقامة الـحدّ علـيهما، علـى ما أمر من جلد كل واحد منهما مئة جلدة، مع أن الشدّة فـي الضرب لا حدّ لها يوقـف علـيه، وكلّ ضرب أوجع فهو شديد، ولـيس للذي يوجع فـي الشدّة حدّ لا زيادة فـيه فـيؤمر به وغير جائز وصفه جل ثناؤه بأنه أمر بـما لا سبـيـل للـمأموربه إلـى معرفته. وإذا كان ذلك كذلك، فـالذي للـمأمورين إلـى معرفته السبـيـل هو عدد الـجَلد علـى ما أمر به، وذلك هو إقامة الـحد علـى ما قلنا. وللعرب فـي الرأفة لغتان: الرأفة بتسكين الهمزة، والرآفة بـمدّها، كالسأمة والسآمة، والكأْبة والكآبة. وكأنّ الرأفة الـمرّة الواحدة، والرآفة الـمصدر، كما

قـيـل: ضَؤُل ضآلة مثل فَعُل فعالة، وقَبُح قبـاحة.

و قوله: إنْ كُنْتُـمْ تُؤْمِنُونَ بـاللّه وَالْـيَوْمِ الاَخِرِيقول: إن كنتـم تصدّقون بـاللّه ر بكم وبـالـيوم الاَخر، وأنكم فـيه مبعوثون لـحشر القـيامة وللثواب والعقاب، فإن من كان بذلك مصدّقا فإنه لا يخالف اللّه فـي أمره ونهيه خوف عقابه علـى معاصيه.

و قوله: وَلْـيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ

يقول تعالـى ذكره: ولـيحضر جلد الزانـيـين البِكْرَين وحدّهما إذا أقـيـم علـيهما طائفةٌ من الـمؤمنـين. والعرب تسمي الواحد فما زاد. طائفة. مِنَ الـمُؤُمِنـينَ يقول: من أهل الإيـمان بـاللّه ورسوله.

وقد اختلف أهل التأويـل فـي مبلغ عدد الطائفة الذي أمر اللّه بشهود عذاب الزانـيـين البِكْرين، فقال بعضهم: أقله واحد. ذكر من قال ذلك:

١٩٤٧٦ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قال: الطائفة: رجل.

حدثنا علـيّ بن سهل بن موسى بن إسحاق الكنانـيّ وابن القوّاس، قالا: حدثنا يحيى بن عيسى، عن سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه : وَلْـيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِقَةٌ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ قال: الطائفة رجل. قال علـيّ: فما فوق ذلك وقال ابن القوّاس: فأكثر من ذلك.

حدثنا علـيّ، قال: حدثنا زيد، عن سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قال: الطائفة: رجل.

حدثنا يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَـية، قال: قال ابن أبـي نـجيح: وَلْـيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ قال مـجاهد : أقله رجل.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن مـجاهد ، فـي قوله: وَلْـيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ قال: الطائفة: الواحد إلـى الألف.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن مـجاهد فـي هذه الآية: وَلْـيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِن الـمُؤْمِنـينَ قال: الطائفة واحد إلـى الألف وَإنْ طائِفَتانِ مِنَ الـمُؤْمنِـينَ اقْتَتَلُوا فأَصْلِـحُوا بَـيْنَهُما.

١٩٤٧٧ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنـي وهب بن جرير، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن مـجاهد ، قال: الطائفة: الرجل الواحد إلـى الألف، قال: وَإنْ طائِفَتانِ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِـحُوا بَـيْنَهُما: إنـما كانا رجلـين.

١٩٤٧٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: سمعت عيسى بن يونس، يقول: حدثنا النعمان بن ثابت، عن حماد وإبراهيـم قالا: الطائفة: رجل.

حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: وَلْـيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ قال: الطائفة: رجل واحد فما فوقه.

وقال آخرون: أقله فـي فـي هذا الـموضع رجلان. ذكر من قال ذلك:

١٩٤٧٩ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن عُلَـية، قال: حدثنا ابن أبـي نـجيح، فـي قوله: وَلْـيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ قال: قال عطاء: أقله رجلان.

١٩٤٨٠ـ حدثنـي القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: أخبرنـي عمر بن عطاء عن عكرمة قال: لـيحضر رجلان فصاعدا.

وقال آخرون: أقلّ ذلك ثلاثة فصاعدا. ذكر من قال ذلك:

١٩٤٨١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن ابن أبـي ذئب، عن الزهريّ، قال: الطائفة: الثلاثة فصاعدا.

١٩٤٨٢ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ، فـي قوله: وَلْـيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ قال: نفر من الـمسلـمين.

حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، مثله.

١٩٤٨٣ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا حفص بن غياث، قال: حدثنا أشعث، عن أبـيه، قال: أتـيت أبـا بَرْزة الأسلـميّ فـي حاجة وقد أخرج جارية إلـى بـاب الدار وقد زنت، فدعا رجلاً فقال: اضربها خمسين فدعا جماعة، ثم قرأ: وَلْـيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ.

١٩٤٨٤ـ حدثنا أبو هشام الرفـاعيّ، قال: حدثنا يحيى، عن أشعث، عن أبـيه، أن أبـا بَرْزة أمر ابنه أن يضرب جارية له ولدت من الزنا ضربـا غير مبرّح، قال: فألقـى علـيها ثوبـا وعنده قوم، وقرأ: وَلْـيَشْهَدْ عَذَابَهُما الآية.

وقال آخرون: بل أقلّ ذلك أربعة. ذكر من قال ذلك:

١٩٤٨٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلْـيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ قال: فقال: الطائفة التـي يجب بها الـحدّ أربعة.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: أقلّ ما ينبغي حضور ذلك من عدد الـمسلـمين: الواحد فصاعدا وذلك أن اللّه عمّ ب قوله: وَلْـيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ والطائفة: قد تقع عند العرب علـى الواحد فصاعدا. فإذا كان ذلك كذلك، ولـم يكن اللّه تعالـى ذكره وضع دلالة علـى أن مراده من ذلك خاصّ من العدد، كان معلوما أن حضور ما وقع علـيه أدنى اسم الطائفة ذلك الـمـحضر مخرج مقـيـم الـحدّ مـما أمره اللّه به ب قوله: وَلَـيَشْهَدْ عَذَابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ. غير أنـي وإن كان الأمر علـى ما وصفت، أستـحبّ أن لا يقصر بعدد من يحضر ذلك الـموضع عن أربعة أنفس عدد من تقبل شهادته علـى الزنا لأن ذلك إذا كان كذلك فلا خلاف بـين الـجمع أنه قد أدّى الـمقـيـم الـحدّ ما علـيه فـي ذلك، وهم فـيـما دون ذلك مختلفون.

٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الزّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَآ إِلاّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }.

اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: نزلت هذه الآية فـي بعض من استأذن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي نكاح نسوة كنّ معروفـات بـالزنا من أهل الشرك، وكنّ أصحاب رايات، يُكْرِين أنفسهنّ، فأنزل اللّه تـحريـمهنّ علـى الـمؤمنـين، فقال: الزانـي من الـمؤمنـين لا يتزوّج إلاّ زانـية أو مشركة، لأنهنّ كذلك والزانـية من أولئك البغايا لا ينكحها إلاّ زان من الـمؤمنـين أو الـمشركين أو مشرك مثلها، لأنهنّ كنّ مشركات. وَحُرّمَ ذلكَ عَلـى الـمُؤْمِنِـينَ فحرّم اللّه نكاحهنّ فـي قول أهل هذه الـمقالة بهذه الآية. ذكر من قال ذلك:

١٩٤٨٦ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا الـمعتـمر، عن أبـيه، قال: ثنـي الـحضرميّ، عن القاسم بن مـحمد، عن عبد اللّه بن عمرو: أن رجلاً من الـمسلـمين استأذن نبـيّ اللّه فـي امرأة يقال لها أمّ مهزول، كانت تسافح الرجل وتشترط له أن تنفق علـيه، وأنه استأذن فـيها نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم وذكر له أمرها، قال: فقرأ نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم : الزّانِـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ أو قال: فأنزلت الزانـية....

١٩٤٨٧ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنـي هُشَيـم، عن التـيـميّ، عن القاسم بن مـحمد، عن عبد اللّه بن عمرو فـي قوله: الزّانـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً، وَالزّانِـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ قال: كنّ نساء معلومات، قال: فكان الرجل من فقراء الـمسلـمين يتزوّج الـمرأة منهنّ لتنفق علـيه، فنهاهم اللّه عن ذلك.

١٩٤٨٨ـ قال: أخبرنا سلـيـمان التـيـمي، عن سعيد بن الـمسيب، قال: كنّ نساء موارد بـالـمدينة.

حدثنا أحمد بن الـمِقدام، قال: حدثنا الـمعتـمر، قال: سمعت أبـي، قال: حدثنا قتادة ، عن سعيد بن الـمسيب فـي هذه الآية: وَالزّانِـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ قال: نزلت فـي نساء موارد كنّ بـالـمدينة.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عاصم الكلابـيّ، قال: حدثنا معتـمر، عن أبـيه، عن قتادة ، عن سعيد، بنـحوه.

١٩٤٨٩ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن رجل، عن عمرو بن شعيب، قال: كان لـمرثَد صديقة فـي الـجاهلـية يقال لها عِناق، وكان رجلاً شديدا، وكان يقال له دُلْدُل، وكان يأتـي مكة فـيحمل ضَعَفة الـمسلـمين إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فلقـي صديقته، فدعته إلـى نفسها، فقال: إن اللّه قد حرّم الزنا فقالت: أنّى تَبْرُز فخشي أن تشيع علـيه، فرجع إلـى الـمدينة، فأتـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه كانت لـي صديقة فـي الـجاهلـية، فهل ترى لـي نكاحها؟ قال: فأنزل اللّه : الزّانـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ قال: كنّ نساء معلومات يُدْعَوْن القلـيقـيات.

١٩٤٩٠ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن إبراهيـم بن مهاجر، قال: سمعت مـجاهد ا يقول فـي هذه الآية: الزّانـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشَرِكَةً قال: كنّ بغايا فـي الـجاهلـية.

١٩٤٩١ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، عن عبد الـملك، عمن أخبره، عن مـجاهد ، نـحوا من حديث ابن الـمثنى، إلاّ أنه قال: كانت امرأَة منهنّ يقال لها: أمّ مهزول يعني فـي قوله: الزّانِـي لا ينْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً قال: فكنّ نساء معلومات، قال: فكان الرجل من فقراء الـمسلـمين يتزوّج الـمرأة منهنّ لتنفق علـيه، فنهاهم اللّه عن ذلك. هذا من حديث التـيـميّ.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه : الزّانـي لا يَنْكحُ إلاّ زَانـيَةً قال: رجال كانوا يريدون الزنا بنساء زوان بغايا متعالـمَات كنّ فـي الـجاهلـية، فقـيـل لهم هذا حرام، فأرادوا نكاحهن، فحرم اللّه علـيهم نكاحهن.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، بنـحوه، إلاّ أنه قال: بغايا مُعْلِنات كنّ كذلك فـي الـجاهلـية.

١٩٤٩٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن هشام بن عروة، عن أبـيه وإسماعيـل بن أبـي خالد، عن الشعبـيّ وابن أبـي ذئب، عن شعبة، عن ابن عباس ، قال: كنّ بغايا فـي الـجاهلـية، علـى أبوابهنّ رايات مثل رايات البـيطار يعرفن بها.

١٩٤٩٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن قـيس بن سعد، عن عطاء بن أبـي ربـاح، عن ابن عباس ، قال: نساء بغايا متعالـمَات، حرّم اللّه نكاحهنّ، لا ينكحهنّ إلاّ زان من الـمؤمنـين أو مشرك من الـمشركين.

١٩٤٩٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: الزّانِـي لا يَنْكحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً وَالزّانـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ وحُرّمَ ذلكَ عَلـى الـمُؤْمِنـينَ قال: كانت بـيوتٌ تسمى الـمواخير فـي الـجاهلـية، وكانوا يؤاجرون فـيها فتـياتهنّ، وكانت بـيوتا معلومة للزنا، لا يدخـل علـيهنّ ولا يأتـيهنّ إلاّ زان من أهل القبلة أو مشرك من أهل الأوثان، فحرّم اللّه ذلك علـى الـمؤمنـين.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن ابن جُرَيج، عن عطاء، فـي قوله: الزّانِـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانـيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانِـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ قال: بغايا متعالـمَات كنّ فـي الـجاهلـية بغيّ آل فلان وبغيّ آل فلان، فأنزل اللّه : الزّانِـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذلكَ عَلـى الـمُؤْمِنِـينَ فحكم اللّه بذلك من أمر الـجاهلـية علـى الإسلام. فقال له سلـيـمان بن موسى: أبلغك ذلك عن ابن عباس ؟ فقال: نعم.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: سمعت عطاء بن أبـي ربـاح يقول فـي ذلك: كنّ بغايا متعالـمَات بغيّ آل فلان وبغيّ آل فلان، وكنّ زوانـي مشركات، فقال: الزّانِـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانِـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذلكَ عَلـى الـمُؤْمِنِـينَ قال: أَحَكَم اللّه من أمر الـجاهلـية بهذا.

قـيـل له: أبلغك هذا عن ابن عباس ؟ قال: نعم.

قال ابن جريج: وقال عكرِمة: إنه كان يسمّي تسعا بعد صواحب الرايات، وكنّ أكثر من ذلك، ولكن هؤلاء أصحاب الرايات: أمّ مهزول جارية السائب بن أبـي السائب الـمخزوميّ، وأمّ عُلَـيط جارية صفوان بن أمية، وحنّة القبطية جارية العاصي بن وائل، ومَرِيّة جارية مالك بن عميـلة بن السبـاق بن عبد الدار، وحلالة جارية سهيـل بن عمرو، وأمّ سويد جارية عمرو بن عثمان الـمخزومي، وسريفة جارية زمعة بن الأسود، وفرسة جارية هشام بن ربـيعة بن حبـيب بن حذيفة بن جبل بن مالك بن عامر بن لؤُيّ، وقريبـا جارية هلال بن أنس بن جابر بن نـمر بن غالب بن فهر.

١٩٤٩٥ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، وقال الزهري وقتادة ، قالوا: كان فـي الـجاهلـية بغايا معلوم ذلك منهنّ، فأراد ناس من الـمسلـمين نكاحهنّ، فأنزل اللّه : الزّانِـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ... الآية.

حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن نـجيح، عن مـجاهد ، وقاله الزهريّ وقتادة ، قالوا: كانوا فـي الـجاهلـية بغايا، ثم ذكر نـحوه.

١٩٤٩٦ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن أبـي نـجيح، عن القاسم بن أبـي بَزّة: كان الرجل ينكح الزانـية فـي الـجاهلـية التـي قد علـم ذلك منها يتـخذها مَأْكلة، فأراد ناس من الـمسلـمين نكاحهنّ علـى تلك الـجهة، فُنهوا عن ذلك.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبـي نـجيح، قال: قال القاسم بن أبـي بزّة، فذكر نـحوه.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا سلـيـمان التـيـميّ، عن سعيد بن الـمسيب، قال: كنّ نساء مَواردَ بـالـمدينة.

١٩٤٩٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان، عن سعيد بن جُبـير: أن نساء فـي الـجاهلـية كنّ يُؤاجرن أنفسهنّ، وكان الرجل إنـما ينكح إحداهنّ يريد أن يصيب منها عَرَضا، فنهوا عن ذلك، ونزل: الزّانِـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانِـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ ومنهنّ امرأة يقال لها أمّ مهزول.

١٩٤٩٨ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا جابر بن نوح، عن إسماعيـل، عن الشعبـيّ، فـي قوله: الزّانِـي لا يَنْكِح إلاّ زَانـيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ قال: كنّ نساء يُكْرِين أنفسهنّ فـي الـجاهلـية.

وقال آخرون: معنى ذلك: الزانـي لا يزنى إلاّ بزانـية أو مشركة، والزانـية لا يزنى بها إلاّ زان أو مشرك. قالوا: ومعنى النكاح فـي هذا الـموضع: الـجماع. ذكر من قال ذلك:

١٩٤٩٩ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن حُصَين، عن عكرِمة، عن ابن عباس ، فـي قول اللّه : الزّانِـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً قال: لا يزنى إلاّ بزانـية أو مشركة.

١٩٥٠٠ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن يَعْلَـى بن مسلـم، عن سعيد بن جُبـير أنه قال فـي هذه الآية: وَالزّانِـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زانٍ أوْ مُشْرِكٌ قال: لا يزنى الزانـي إلاّ بزانـية مثله أو مشركة.

١٩٥٠١ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن شُبْرُمة، عن سعيد بن جُبـير وعكرمة فـي قوله: الزّانِـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً قالا: هو الوطء.

١٩٥٠٢ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد، عن معمر، قال: قال سعيد بن جُبـير ومـجاهد : الزّانِـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً قالا: هو الوطء.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي عن سلـمة بن نبـيط، عن الضحاك بن مزاحم وشعبة، عن يعلـى بن مسلـم، عن سعيد بن جُبـير، قوله: الزّانـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ قالا: لا يزنـي الزانـي حين يزنـي إلاّ بزانـية مثله أو مشركة، ولا تزنـي مشركة إلاّ بـمثلها.

١٩٥٠٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قول اللّه : الزّانـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانِـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ قال: هؤلاء بغايا كنّ فـي الـجاهلـية، والنكاح فـي كتاب اللّه الإصابة، لا يصيبها إلاّ زان أو مشرك، لا يحرم الزنا، ولا تصيب هي إلاّ مثلها. قال: وكان ابن عباس يقول: بغايا كنّ فـي الـجاهلـية.

١٩٥٠٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن قـيس بن سعد، عن سعيد بن جُبـير، قال: إذا زنى بها فهو زان.

١٩٥٠٥ـ حدثنا علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: حدثنا معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: الزّانـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانـيَةً أوْ مُشْرِكَةً قال: الزانـي من أهل القبلة لا يزنى إلاّ بزانـية مثله أو مشركة. قال: والزانـية من أهل القبلة لا تزنى إلاّ بزان مثلها من أهل القبلة أو مشرك من غير أهل القبلة. ثم قال: وَحُرّمَ ذلكَ علـى الـمُؤْمِنـينَ.

وقال آخرون: كان هذا حكم اللّه فـي كلّ زان وزانـية، حتـى نسخه ب قوله: وأنْكِحُوا الأيامَى منْكُمْ، فأحلّ نكاح كلّ مسلـمة وإنكاح كلّ مسلـم. ذكر من قال ذلك:

١٩٥٠٦ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن الـمسيب، فـي قوله: الزّانـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانِـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ وحُرّم ذلكَ عَلـى الـمُؤْمِنِـينَ قال: يَرَوْن الآية التـي بعدها نسختها: وأنْكِحُوا الأيامَى مِنْكُمْ قال: فهن من أيامى الـمسلـمين.

حدثنا القاسم، قال حدثنا الـحسين قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: أخبرنـي يحيى بن سعيد، عن سعيد بن الـمسيب: الزّانـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً والزّانِـيَةُ لا يَنْكِحُها إلاّ زَانٍ أوْ مُشْرِكٌ قال: نسختها التـي بعدها: وأنْكِحُوا الأيامَى مِنْكُمْ وقال: إنهنّ من أيامى الـمسلـمين.

١٩٥٠٧ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، قال: وذكر عن يحيى، عن ابن الـمسيب، قال: نسختها: وأنْكِحُوا الأيامَى مِنْكُمْ.

حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن الـمسيب، قال: نسختها قوله: وأنْكِحُوا الأيامَى.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا أنس بن عياض، عن يحيى، قال: ذكر عند سعيد بن الـمسيب: الزّانِـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً قال: فسمعته يقول: إنها قد نسختها التـي بعدها. ثم قرأها سعيد، قال: يقول اللّه : الزّانِـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً أوْ مُشْرِكَةً ثم يقول اللّه : وأنْكِحُوا الأيامَى مِنْكُمْ فهنّ من أيامى الـمسلـمين.

قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك عندي بـالصواب قول من قال: عُنـي بـالنكاح فـي هذا الـموضع الوطء، وأن الآية نزلت فـي البغايا الـمشركات ذوات الرايات وذلك لقـيام الـحجة علـى أن الزانـية من الـمسلـمات حرام علـى كلّ مشرك، وأن الزانـي من الـمسلـمين حرام علـيه كلّ مشركة من عَبَدة الأوثان. فمعلوم إذا كان ذلك كذلك أنه لـم يُعْنَ بـالآية أن الزانـي من الـمؤمنـين لا يعقد عقد نكاح علـى عفـيفة من الـمسلـمات ولا ينكح إلاّ بزانـية أو مشركة. وإذ كان ذلك كذلك، فبـين أن معنى الآية: الزانـي لا يزنـي إلاّ بزانـية لا تستـحلّ الزنا أو بـمشركة تستـحلّه.

و قوله: وَحُرّمَ ذلكَ عَلـى الـمُؤْمِنِـينَ يقول: وحرّم الزنا علـى الـمؤمنـين بـاللّه ورسوله، وذلك هو النكاح الذي قال جلّ ثناؤه: الزّانـي لا يَنْكِحُ إلاّ زَانِـيَةً.

٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: والذين يَشْتُـمون العفـائف من حرائر الـمسلـمين، فـيرمونهنّ بـالزنا، ثم لـم يأتوا علـى ما رمَوْهن به من ذلك بأربعة شهداء عُدول يشهدون علـيهنّ أنهنّ رأوهنّ يفعلن ذلك، فـاجلدوا الذين رمَوْهنّ بذلك ثمانـين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، وأولئك هم الذين خالفوا أمر اللّه وخرجوا من طاعته ففسقوا عنها.

وذُكر أن هذه الآية إنـما نزلت فـي الذين رموا عائشة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم بـما رموها به من الإفك. ذكر من قال ذلك:

١٩٥٠٨ـ حدثنـي أبو السائب وإبراهيـم بن سعيد، قالا: حدثنا ابن فضيـل، عن خَصِيف، قال: قلت لسعيد بن جُبـير: الزنا أشدّ، أو قذف الـمـحصنة؟ قال: لا، بل الزنا. قلت: إن اللّه يقول: والّذِين يَرْمُونَ الـمُـحْصَناتِ قال: إنـما هذا فـي حديث عائشة خاصة.

١٩٥٠٩ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: الّذِينَ يَرْمُونَ الـمُـحْصَناتِ ثُمّ لَـمْ يَأْتُوا بأرْبَعَةِ شُهَدَاءَ... الآية فـي نساء الـمسلـمين.

١٩٥١٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وأُولَئكَ هُمُ الفـاسقونَ قال: الكاذبون.

٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِلاّ الّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنّ اللّه غَفُورٌ رّحِيمٌ }.

اختلف أهل التأويـل فـي الذي استثنـي منه قوله: إلاّ الّذِينَ تابُوا منْ بَعْدِ ذَلكَ وأصْلَـحُوا فقال بعضهم: استثنـي من قوله: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أبَدا وأُولَئِكَ هُمُ الفـاسِقُونَ وقالوا: إذا تاب القاذف قُبلت شهادته وزال عنه اسم الفسق، حُدّ فـيه أو لـم يحدّ. ذكر من قال ذلك:

١٩٥١١ـ حدثنـي أحمد بن حماد الدّولابـيّ، قال: ثنـي سفـيان، عن الزهري، عن سعيد إن شاء اللّه ، أن عمر قال لأبـي بكرة: إن تبت قبلت شهادتك، أو رَدّيْت شهادتك.

١٩٥١٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن سعيد بن الـمسيب: أن عمر بن الـخطاب ضرب أبـا بكرة وشبلَ بن معبد ونافع بن الـحارث بن كَلَدة حَدّهم. وقال لهم: من أكذب نفسه أجزت شهادته فـيـما استقبل، ومن لـم يفعل لـم أجز شهادته. فأكذب شبلٌ نفسَه ونافع، وأبى أبو بكرة أن يفعل. قال الزهريّ: هو واللّه سُنّة فـاحفظوه.

١٩٥١٣ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب، قال: حدثنا يزيد بن زُرَيع، قال: حدثنا داود، عن الشعبـيّ، قال: إذا تاب يعني القاذف ولـم يعلـم منه إلاّ خير، جازت شهادته.

حدثنا عمران بن موسى، قال: حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا داود، عن الشعبـي، قال: علـى الإمام أن يستتـيب القاذف بعد الـجَلْد، فإن تاب وأونس منه خير جازت شهادته، وإن لـم يتب فهو خـلـيع لا تـجوز شهادته.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا داود، عن عامر، أنه قال فـي القاذف: إذا تاب وعلـم منه خير إن شهادته جائزة، وإن لـم يتب فهو خـلـيع لا تـجوز شهادته، وتوبته إكذابه نفسه.

قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن داود، عن الشعبـيّ، نـحوه.

حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا: حدثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا داود بن أبـي هند، عن الشعبـيّ، قال فـي القاذف: إذا تاب وأكذب نفسه قُبلت شهادته، وإلا كان خـلـيعا لا شهادة له لأن اللّه يقول: لَوْلا جاءُوا عَلَـيْهِ بأرْبَعَةِ شُهَدَاءَ... إلـى آخر الآية.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا داود بن أبـي هند، عن الشعبـيّ أنه كان يقول فـي شهادة القاذف: إذا رجع عن قوله حين يُضرب، أو أكذب نفسه، قُبلت شهادته.

قال: حدثنا هشيـم، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن الشعبـي أنه كان يقول: يقبل اللّه توبته، وتردّون شهادته؟ وكان يقبل شهادته إذا تاب.

قال: أخبرنا إسماعيـل عن الشعبـيّ أنه كان يقول فـي القاذف: إذا شهد قبل أن يُضرب الـحدّ، قُبلت شهادته.

١٩٥١٤ـ قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا عبـيدة عن إبراهيـم، وإسماعيـل بن سالـم عن الشعبـي، أنهما قالا فـي القاذف: إذا شهد قبل أن يُجلد فشهادته جائزة.

١٩٥١٥ـ حدثنـي يعقوب، قال: قال أبو بشر، يعني ابن عُلَـية، سمعت ابن أبـي نـجيح يقول: القاذف إذا تاب تـجوز شهادته. وقال: كنا نقوله. ف

قـيـل له: من؟ قال: قال عطاء وطاوس ومـجاهد .

١٩٥١٦ـ حدثنا ابن بشار، وابن الـمثنى، قالا: حدثنا مـحمد بن خالد بن عَثْمة، قال: حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة ، عن عمر بن طلـحة، عن عبد اللّه ، قال: إذا تاب القاذف جلد وجازت شهادته. قال أبو موسى: هكذا قال ابن أبـي عَثْمة.

١٩٥١٧ـ حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى، قالا: حدثنا ابن أبـي عَثْمة، قال: حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة ، عن سلـيـمان بن يسار والشعبـي قالا: إذا تاب القاذف عند الـجلد جازت شهادته.

١٩٥١٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة : أن عمر بن عبد اللّه بن أبـي طلـحة جلد رجلاً فـي قذف، فقال: أَكْذِبْ نفسك حتـى تـجوز شهادتك

١٩٥١٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي الهيثم، قال: سمعت إبراهيـم والشعبـيّ يتذاكران شهادة القاذف، فقال الشعبـيّ لإبراهيـم: لِـم لا تقبل شهادته؟ فقال: لأنـي لا أدري تاب أم لا.

١٩٥٢٠ـ قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا عبد اللّه بن الـمبـارك، عن مـجالد، عن الشعبـيّ، عن مسروق، قال: تُقبل شهادته إذا تاب.

١٩٥٢١ـ قال: حدثنا عبد اللّه بن الـمبـارك، عن يعقوب بن القعقاع، عن مـحمد بن زيد، عن سعيد بن جبـير، مثله.

١٩٥٢٢ـ قال: حدثنا عبد اللّه بن الـمبـارك، عن ابن جُرَيج، عن عمران بن موسى، قال: شهدت عمر بن عبد العزيز أجاز شهادة القاذف ومعه رجل.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الـحكم، قال: قال الشعبـيّ: إذا تاب جازت شهادته، قال ابن الـمثنى. قال: عندي، يعني فـي القذف.

١٩٥٢٣ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا مسعر، عن عمران بن عمير: أن عبد اللّه بن عتبة كان يجيز شهادة القاذف إذا تاب.

١٩٥٢٤ـ حدثنـي يعقوب، قال: ثنـي هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: إذا تاب وأصلـح قُبلت شهادته يعني القاذف.

١٩٥٢٥ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، عن ابن الـمسيب، قال: تقبل شهادة القاذف إذا تاب.

حدثنا الـحسن، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، عن ابن الـمسيب، مثله.

١٩٥٢٦ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد، عن معمر، قال: قال الزُهريّ: إذا حدّ القاذف، فإنه ينبغي للإمام أن يستتـيبه، فإن تاب قُبلت شهادته، وإلاّ لـم تقبل. قال: كذلك فعل عمر بن الـخطاب بـالذين شهدوا علـى الـمغيرة بن شعبة، فتابوا إلاّ أبـا بكرة، فكان لا تقبل شهادته.

وقال آخرون: الاستثناء فـي ذلك من قوله: وَأُولَئِكَ هُمُ الفَـاسِقُون.

وأما قوله: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أبَدا فقد وصل بـالأبد ولا يجوز قبولها أبدا. ذكر من قال ذلك:

١٩٥٢٧ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا أشعث بن سوّار، قال: ثنـي الشعبـيّ، قال: كان شريح يجيز شهادة صاحب كلّ عمل إذا تاب إلاّ القاذف، فإن توبته فـيـما بـينه وبـين ربه ولا نـجيز شهادته.

حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا أشعث بن سوار، قال: حدثنا الشعبـيّ، عن شُريح بنـحوه، غير أنه قال: صاحب كلّ حدّ إذا كان عدلاً يوم شهد.

١٩٥٢٨ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن إبراهيـم، عن شريح، قال: كان لا يجيز شهادة القاذف، ويقول: توبته فـيـما بـينه وبـين ربه.

١٩٥٢٩ـ حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا: حدثنا ابن إدريس، عن مُطَرّف، عن أبـي عثمان، عن شريح فـي القاذف: يقبل اللّه توبته، ولا أقبل شهادته.

١٩٥٣٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا أشعث، عن الشعبـيّ، قال: أتاه خصمان، فجاء أحدهما بشاهد أقطع، فقال الـخصم: ألا ترى ما به؟ قال: قد أراه. قال: فسأل القوم، فأثنوا علـيه خيرا، فقال شريح: نـجيز شهادة كل صاحب حدّ، إذا كان يوم شهد عدلاً إلاّ القاذف، فإن توبته فـيـما بـينه وبـين ربه.

حدثنا أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا أشعث، عن الشعبـيّ، قال: جاء خصمان إلـى شُرَيح، فجاء أحدهما ببـينة، فجاء بشاهد أقطع، فقال الـخصم: ألا ترى إلـى ما به؟ فقال شريح: قد رأيناه، وقد سألنا القوم فأثنوا خيرا. ثم ذكر سائر الـحديث، نـحو حديث أبـي كريب.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا الشيبـانـيّ، عن الشعبـيّ، عن شريح أنه كان يقول: لا تُقبل له شهادة أبدا، توبته فـيـما بـينه وبـين ربه يعني القاذف.

١٩٥٣١ـ قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا الأشعث، عن الشعبـيّ، بأن ربـابـا قطع رجلاً فـي قَطْعِ الطريق، قال: فقطع يده ورجله. قال: ثم تاب وأصلـح، فشهد عند شريح، فأجاز شهادته. قال: فقال الـمشهود علـيه: أتـجيز شهادته علـيّ وهو أقطع؟ قال: فقال شريح: كل صاحب حدّ إذا أقـيـم علـيه ثم تاب وأصلـح، فشهادته جائزة إلاّ القاذف.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا أبو الولـيد، قال: حدثنا شعبة، قال الـمغيرة: أخبرنـي، قال: سمعت إبراهيـم يحدّث عن شريح، قال: قضاء من اللّه لا تقبل شهادته أبدا، توبته فـيـما بـينه وبـين ربه. قال أبو موسى: يعني القاذف.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيـم، قال: قال شريح: لا يقبل اللّه شهادته أبدا.

١٩٥٣٢ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا أبو الولـيد، قال: حدثنا حماد، عن قتادة ، عن سعيد بن الـمسيب، قال: لا تـجوز شهادة القاذف، توبته فـيـما بـينه وبـين اللّه .

١٩٥٣٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، عن الـحسن، أنه قال: القاذف توبته فـيـما بـينه وبـين اللّه ، وشهادته لا تُقبل.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا أبو الولـيد، قال: حدثنا حماد، عن قتادة ، عن سعيد بن الـمسيب، قال: لا تـجوز شهادة القاذف، توبته فـيـما بـينه وبـين اللّه .

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، عن الـحسن، أنه قال: القاذف توبته فـيـما بـينه وبـين اللّه ، وشهادته لا تُقبل.

١٩٥٣٤ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الـحكم، عن إبراهيـم أنه قال فـي الرجل يُجْلَد الـحدّ، قال: لا تـجوز شهادته أبدا.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيـم: أنه كان لا يقبل له شهادة أبدا، وتوبته فـيـما بـينه وبـين اللّه يعني القاذف.

١٩٥٣٥ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا معتـمر بن سلـيـمان، عن حجاج، عن عمرو بن شعيب، عن أبـيه، عن جدّه، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (لا تَـجُوزُ شَهادَةُ مَـحْدُودٍ فِـي الإسْلامِ) .

١٩٥٣٦ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن الـحسن: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أبَدا قال: كان يقول: لا تقبل شهادة القاذف أبدا، إنـما توبته فـيـما بـينه وبـين اللّه . وكان شريح يقول: لا تُقبل شهادته.

١٩٥٣٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أبَدا، ثم قال: فَمَنْ تابَ وأصْلَـحَ فشهادته فـي كتاب اللّه تقبل.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا: أن الاستثناء من الـمعنـيـين جميعا، أعنـي من قوله: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أبَدا، ومن قوله: وأُولَئِكَ هُمُ الفـاسِقُونَ. وذلك أنه لا خلاف بـين الـجميع أن ذلك كذلك إذا لـم يحدّ فـي القذف حتـى تاب، إما بأن يرفع إلـى السلطان بعفو الـمقذوفة عنه، وإما بأن ماتت قبل الـمطالبة بحدّها ولـم يكن لها طالب يطلب بحدّها. فإذ كان ذلك كذلك وحدثت منه توبة صحت له بها العدالة.

فإذ كان من الـجميع إجماعا، ولـم يكن اللّه تعالـى ذكره شرط فـي كتابه أن لا تقبل شهادته أبدا بعد الـحدّ فـي رميه، بل نهى عن قبول شهادته فـي الـحال التـي أوجب علـيه فـيها الـحدّ وسماه فـيها فـاسقا، كان معلوما بذلك أنّ إقامة الـحدّ علـيه فـي رميه، لا تـحدث فـي شهادته مع التوبة من ذنبه، ما لـم يكن حادثا فـيها قبل إقامته علـيه، بل توبته بعد إقامة الـحدّ علـيه من ذنبه أحرى أن تكون شهادته معها أجوز منها قبل إقامته علـيه لأن الـحدّ يزيد الـمـحدود علـيه تطهيرا من جُرمه الذي استـحقّ علـيه الـحدّ.

فإن قال قائل: فهل يجوز أن يكون الاستثناء من قوله: فـاجْلِدُوهُمْ ثَمانِـينَ جَلْدَةً فتكون التوبة مُسقطة عنه الـحدّ، كما كانت لشهادته عندك قبل الـحدّ وبعده مـجيزة ولاسم الفسق عنه مزيـلة؟

قـيـل: ذلك غير جائز عندنا وذلك أن الـحدّ حقّ عندنا للـمقذوفة كالقصاص الذي يجب لها من جناية يجنـيها علـيها مـما فـيه القصاص. ولا خلاف بـين الـجميع أن توبته من ذلك لا تضع عنه الواجب لها من القصاص منه، فكذلك توبته من القذف لا تضع عنه الواجب لها من الـحدّ، لأن ذلك حقّ لها، إن شاءت عفته، وإن شاءت طالبت به. فتوبة العبد من ذنبه إنـما تضع عن العبد الأسماء الذميـمة والصفـات القبـيحة، فأما حقوق الاَدميـين التـي أوجبها اللّه لبعضهم علـى بعض فـي كلّ الأحوال فلا تزول بها ولا تبطل.

واختلف أهل العلـم فـي صفة توبة القاذف التـي تقبل معها شهادته، فقال بعضهم: هو إكذابه نفسه فـيه. وقد ذكرنا بعض قائلـي ذلك فـيـما مضى قبل، ونـحن نذكر بعض ما حضرنا ذكره مـما لـم نذكره قبل.

١٩٥٣٨ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا حفص، عن لـيث، عن طاوس، قال: توبة القاذف أن يكذّب نفسه.

١٩٥٣٩ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا حصين، قال: رأيت رجلاً ضُرب حدّا فـي قذف بـالـمدينة، فلـما فرغ من ضربه تناول ثوبه، ثم قال: أستغفر اللّه وأتوب إلـيه من قذف الـمـحصنات قال: فلقـيت أبـا الزناد، فذكرت ذلك له، قال: فقال: إن الأمر عندنا هاهنا أنه إذا قال ذلك حين يفرغ من ضربه ولـم نعلـم منه إلاّ خيرا قُبلت شهادته.

١٩٥٤٠ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أبَدا وأُولَئِكَ هُمُ الفَـاسِقُونَ إلاّ الّذِينَ تابُوا... الآية، قال: من اعترف وأقرّ علـى نفسه علانـية أنه قال البهتان وتاب إلـى اللّه توبة نصوحا والنصوح: أن لايعودوا، وإقراره واعترافه عند الـحدّ حين يؤخذ بـالـجلد فقد تاب واللّه غفور رحيـم.

وقال آخرون: توبته من ذلك صلاح حاله وندمه علـى ما فرط منه من ذلك والاستغفـار منه وتركه العود فـي مثل ذلك من الـجُرم. وذلك قول جماعة من التابعين وغيرهم، وقد ذكرنا بعض قائلـيه فـيـما مضى، وهو قول مالك بن أنس.

وهذا القول أولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب لأن اللّه تعالـى ذكره جعل توبة كل ذي ذنب من أهل الإيـمان تركه العود منه، والندم علـى ما سلف منه، واستغفـار ربه منه، فـيـما كان من ذنب بـين العبد وبـينه دون ما كان من حقوق عبـاده ومظالـمهم بـينهم. والقاذف إذا أُقـيـم علـيه فـيه الـحدّ أو عُفـي عنه فلـم يبق علـيه إلاّ توبته من جرمه بـينه وبـين ربه، فسبـيـل توبته منه سبـيـل توبته من سائر أجرامه. فإذ كان الصحيح فـي ذلك من القول ما وصفنا، فتأويـل الكلام: وأولئك هم الفـاسقون، إلاّ الذين تابوا من جُرمهم الذي اجترموه بقذفهم الـمـحصنات من بعد اجترامهموه، فإنّ اللّه غَفُورٌ رَحِيـمٌ يقول: ساتر علـى ذنوبهم بعفوه لهم عنها، رحيـم بهم بعد التوبة أن يعذّبهم علـيها، فـاقبلوا شهادتهم ولا تسموهم فَسَقة، بل سموهم بأسمائهم التـي هي لهم فـي حال توبتهم.

٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللّه إِنّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: وَالّذِينَ يَرْمُونَ من الرجال أزْوَاجَهُمْ بـالفـاحشة، فـيقذفونهنّ بـالزنا، ولَـمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ يشهدون لهم بصحة ما رموهنّ به من الفـاحشة، فَشَهادَةُ أحَدِهِمْ أرْبَعُ شَهاداتٍ بـاللّه إنّهُ لَـمِنَ الصّادِقِـينَ.

واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة: (أرْبَعَ شَهاداتٍ) نصبـا، ولنصبهم ذلك وجهان: أحدهما: أن تكون الشهادة فـي قوله: فَشَهادَةُ أحَدِهِمْ مرفوعة بـمضمر قبلها، وتكون (الأربع) منصوبـا بـمعنى الشهادة، فـيكون تأويـل الكلام حينئذٍ: فعلـى أحدهم أن يشهد أربعَ شهادات بـاللّه . والوجه الثانـي: أن تكون الشهادة مرفوعة ب قوله: إنّهُ لَـمِنَ الصّادِقِـينَ و (الأربع) منصوبة بوقوع الشهادة علـيها، كما يقال: شهادتـي ألف مرّة إنك لرجل سَوْء وذلك أن العرب ترفع الأيـمان بأجوبتها، فتقول: حَلِفٌ صادق لأقومنّ، وشهادة عمرو لـيقعدنّ. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين: أرْبَعُ شَهاداتٍ برفع (الأربع) ، ويجعلونها للشهادة مرافِعة، وكأنهم وجهوا تأويـل الكلام: فـالذي يـلزم من الشهادة، أربعُ شهادات بـاللّه إنه لـمن الصادقـين.

وأولـى القراءتـين فـي ذلك عندي بـالصواب قراءة من قرأ: (فشهادَةُ أحَدِهِمْ أرْبَعَ شَهاداتٍ بـاللّه إنّهُ لَـمنَ الصّادِقِـينَ) بنصب أربع، بوقوع (الشهادة) علـيها، و (الشهادة) مرفوعة حينئذٍ علـى ما وصفت من الوجهين قبل وأحبّ وجهيهما إلـيّ أن تكون به مرفوعة بـالـجواب، وذلك قوله: إنّهُ لَـمِنَ الصّادِقِـينَ وذلك أن معنى الكلام: والذين يرمون أزواجهم، ولـم يكن لهم شهداء إلاّ أنفسهم، فشهادة أحدهم أربع شهادات بـاللّه إنه لـمن الصادقـين، تقوم مقام الشهداء الأربعة فـي دفع الـحدّ عنه. فترك ذكر تقوم مقام الشهداء الأربعة، أكتفـاء بـمعرفة السامعين بـما ذُكِر من الكلام، فصار مُرافِع (الشهادة) ما وصفت. و يعني ب قوله: فَشَهادَةُ أحَدِهمْ أرْبَعُ شَهاداتٍ بـاللّه : فحلف أحدهم أربع أيـمان بـاللّه ، من قول القائل: أشهد بـاللّه إنه لـمن الصادقـين فـيـما رَمَى زوجته به من الفـاحشة،

٧

والـخامِسَة يقول: والشهادة الـخامسة، أن لعنة اللّه علـيه يقول: إن لعنة اللّه له واجبة وعلـيه حالّة، إن كان فـيـما رماها به من الفـاحشة من الكاذبـين.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك جاءت الاَثار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وقالت به جماعة من أهل التأويـل. ذكر الرواية بذلك، وذكر السبب الذي فـيه أُنزلت هذه الآية: ١٩٥٤١ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن عُلَـية، قال: حدثنا أيوب، عن عكرِمة، قال: لـما نزلت وَالّذِينَ يَرْمُونَ الـمُـحْصَناتِ ثُمّ لَـمْ يَأْتُوا بأرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فـاجْلِدُوهُمْ ثَمانِـينَ جَلْدَةً قال سعد بن عبـادة: اللّه إن أنا رأيت لَكَاعِ متفخذَها رجل فقلت بـما رأيت إن فـي ظهري لثمانـين إلـى ما أجمع أربعة؟ قد ذهب فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (يا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، ألا تَسْمَعونَ إلـى ما يَقولُ سَيّدُكُمْ؟) . قالوا: يا رسول اللّه لا تَلُـمْه وذكروا من غَيرته فما تزوّج امرأة قطّ إلا بكرا، ولا طلق امرأة قطّ فرجع فـيها أحد منا. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (فإنّ اللّه يَأبَى إلاّ ذَاكَ) فقال: لا واللّه ، لا يَجْعَل فـي ظهري ثمانـين أبدا، لقد نظرت حتـى أيقنت، ولقد استسمعت حتـى استشفـيت قال: فأنزل اللّه القرآن بـاللّعان، ف

قـيـل له: احلف فحلف، قال: (قِـفُوهُ عِنْدَ الـخَامِسَةِ، فإنّها مُوجِبَةٌ) . فقال: لا يُدْخـله اللّه النار بهذا أبدا، كما درأ عنه جلد ثمانـين، لقد نظرت حتـى أيقنت، ولقد استسمعت حتـى استشفـيت فحلف ثم

قـيـل: احلفـي فحلفت ثم قال: (قِقُوهَا عِنْدَ الـخَامِسَةِ، فإنّها مُوجِبَةٌ) . فقـيـل لها: إنها مُوجِبة، فتلكأت ساعة، ثم قالت: لا أُخْزِي قومي، فحلفت. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إنْ جاءَتْ بِهِ كَذَا وكَذَا فَهُوَ لِزَوْجِها، وَإنْ جاءَتْ بِهِ كَذَا وكَذَا فَهُوَ للّذِي قِـيـلَ فـيهِ ما قـيـلَ) . قال: فجاءت به غلاما كأنه جمل أورق، فكان بعد أميرا بـمصر، لا يُعرف نَسَبُه، أو لا يُدْرَى من أبوه.

١٩٥٤٢ـ حدثنا خلاد بن أسلـم، قال: أخبرنا النضر بن شميـل، قال: أخبرنا عبـاد، قال: سمعت عكرِمة، عن ابن عباس ، قال: لـما نزلت هذه الآية: وَالّذِينَ يَرْمُونَ الـمُـحْصَناتِ ثُمّ لَـمْ يَأْتُوا بأرْبَعَةِ شُهَدَاء فـاجْلِدُوهُمْ ثَمانِـينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أبَدا وأُولَئِكَ هُمُ الفـاسقُونَ قال سعد بن عبـادة: لهكذا أنزلت يا رسول اللّه ؟ لو أتـيت لَكاعِ قد تفخّذها رجل، لـم يكن لـي أن أهيجه ولا أحرّكه حتـى آتـيَ بأربعة شهداء؟ فواللّه ما كنت لاَتـيَ بأربعة شهداء حتـى يفرغ من حاجته فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (يا مَعْشَرَ الأنْصَارِ، أما تَسْمَعُونَ إلـى ما يَقُولُ سَيّدُكُمْ؟) قالوا: لا تلُـمه فإنه رجل غَيُور، ما تزوّج فـينا قطّ إلاّ عذراء ولا طلق امرأة له فـاجترأ رجل منا أن يتزوّجها قال سعد: يا رسول اللّه ، بأبـي وأمي، واللّه إنـي لأعرف أنها من اللّه وأنها حقّ، ولكن عجبت لو وجدت لَكَاعِ قد تفخذها رجل بـم يكن لـي أن أهيجه ولا أحرّكه حتـى آتـيَ بأربعة شهداء واللّه لا آتـي بأربعة شهداء حتـى يفرغ من حاجته فواللّه ما لبثوا إلاّ يسيرا حتـى جاء هلالُ بن أمية من حديقة له، فرأى بعينـيه، وسمع بأذنـيه، فأمسك حتـى أصبح. فلـما أصبح غدا علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وهو جالس مع أصحابه، فقال: يا رسول اللّه إنـي جئت أهلـي عِشاء، فوجدت رجلاً مع أهلـي، رأيت بعينـي وسمعت بأذنـي. فكره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما أتاه به وثقل علـيه جدّا، حتـى عُرف ذلك فـي وجهه، فقال هلال: واللّه يا رسول اللّه إنـي لأرى الكراهة فـي وجهك مـما أتـيتك به، واللّه يعلـم أنـي صادق، وما قلت إلاّ حقّا، فإنـي لأرجو أن يجعل اللّه فرجا. قال: واجتـمعت الأنصار، فقالوا: ابتلـينا بـما قال سعد، أيُجْلَد هلال بن أميّة وتبطلَ شهادته فـي الـمسلـمين؟ فهمّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بضربه، فإنه لكذلك يريد أن يأمر بضربه، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالس مع أصحابه، إذ نزل علـيه الوحي، فأمسك أصحابه عن كلامه حين عرفوا أن الوحي قد نزل، حتـى فرغ، فأنزل اللّه : وَالّذِينَ يَرْمُونَ أزْوَاجَهُمْ ولَـمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلاّ أنْفُسُهُمْ... إلـى: أنّ غَضَبَ اللّه عَلَـيْها إنْ كانَ مِنَ الصّادِقـينَ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (أبْشِرْ يا هِلالُ، فإنّ اللّه قَدْ جَعَلَ فَرَجا) فقال: قد كنت أرجو ذلك من اللّه . فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (أرْسِلُوا إلَـيْها) فجاءت، فلـما اجتـمعا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قـيـل لها، فكذّبت، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إنّ اللّه يَعْلَـمُ أنّ أحَدَكما كاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُما تائِبٌ؟) فقال هلال: يا رسول اللّه ، بأبـي وأمي لقد صَدَقْتُ وما قلتُ إلاّ حقّا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (لاعِنُوا بَـيْنَهُما) قـيـل لهلال: يا هلال اشهد فشهد أربع شهادات بـاللّه إنه لـمن الصادقـين، فقـيـل له عند الـخامسة: يا هلال اتق اللّه ، فإن عذاب اللّه أشدّ من عذاب الناس، وإنها الـموجبة التـي توجب علـيك العذاب. فقال هلال: واللّه لا يعذّبنـي اللّه علـيها كما لـم يجلدنـي علـيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فشهد الـخامسة: أنّ لَعْنَةَ اللّه عَلَـيْهِ إنْ كانَ مِنَ الكاذِبِـينَ ثم قـيـل لها: اشهدي فشهدت أربعَ شهادات بـاللّه إنه لـمن الكاذبـين، فقـيـل لها عند الـخامسة: اتقـي اللّه ، فإن عذاب اللّه أشدّ من عذاب الناس، وإن هذه الـموجبة التـي توجب علـيك العذاب. فتلكّأت ساعة، ثم قالت: واللّه لا أفضَح قومي، فشهدت الـخامسة: أنّ غَضَبَ اللّه عَلَـيْها إنْ كانَ مِنَ الصّادِقِـينَ ففرّق بـينهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وقضى أن الولد لها، ولا يُدْعَى لأب، ولا يُرْمَى ولدها.

١٩٥٤٣ـ حدثنـي أحمد بن مـحمد الطّوسي، قال: حدثنا أبو أحمد الـحسين بن مـحمد، قال: حدثنا جرير بن حازم، عن أيوب، عن عكرِمة، عن ابن عباس ، قال: لـمّا قَذف هلال بن أميّة امرأته،

قـيـل له: واللّه لـيجلدنّك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثمانـين جلدة قال: اللّه أعدل من ذلك أن يضربنـي ضربة وقد علـم أنـي قد رأيت حتـى استـيقنت وسمعت حتـى استثبتّ، لا واللّه لا يضربنـي أبدا فنزلت آية الـملاعنة، فدعا بهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين نزلت الآية، فقال: (اللّه يَعْلَـمُ أنّ أحَدَكُما كَاذِبٌ، فهَلْ منكما تَائِبٌ؟) فقال هلال: واللّه إنـي لصادق. فقال له: (احْلفْ بـاللّه الّذِي لا إلَهَ إلاّ هُوَ: إنّـي لَصَادِقٌ) يقول ذلك أربع مرّات (فإن كنتُ كاذبـا فعلـيّ لعنةُ اللّه ) . فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (قِـفُوهُ عِنْدَ الـخامِسَةِ، فإنّها مُوجِبَةٌ) فحلف. ثم قالت أربعا: واللّه الذي لا إله إلاّ هو إنه لـمن الكاذبـين، فإن كان صادقا فعلـيها غضب اللّه . وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (قـفُوها عنْدَ الـخامِسَةِ، فإنّها مُوجِبَةٌ) فتردّدت وهمّت بـالاعتراف، ثم قالت لا أفضَح قومي.

١٩٥٤٤ـ حدثنا أبو كريب وأبو هشام الرفـاعيّ، قالا: حدثنا عَبْدة، عن الأعمش، عن إبراهيـم، عن علقمة، عن عبد اللّه ، قال: كنا لـيـلة الـجمعة فـي الـمسجد، فدخـل رجل فقال: لو أن رجلاً وجَد مع امرأته رجلاً فقتله قتلتـموه، وإن تكلـم جلدتـموه فذُكر ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأنزل اللّه آية اللّعان. ثم جاء الرجل بعد، فقذف امرأته، فلاعَنَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـينهما، فقال: (عَسَى أنْ تَـجيءَ بِهِ أسْوَدَ جَعْدا) . فجاءت به أسود جَعْدا.

١٩٥٤٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير بن عبد الـحميد، عن عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان، عن سعيد بن جُبـير قال: سألت ابن عمر، فقلت: يا أبـا عبد الرحمن، أَيُفَرّق بـين الـمتلاعنـين؟ فقال: نعم، سبحان اللّه إن أوّل من سأل عن ذلك فلان، أتـى النبي صلى اللّه عليه وسلم فسأله، فقال: أرأيت لو أن أحدنا رأى صاحبته علـى فـاحشة، كيف يصنع؟ فلـم يجبه فـي ذلك شيئا. قال: فأتاه بعد ذلك فقال: إن الذي سألتُ عنه قد ابتلـيتُ به. فأنزل اللّه هذه الآية فـي سورة النور، فدعا الرجلَ فوعظه وذكّره، وأخبره أن عذاب الدنـيا أهون من عذاب الاَخرة قال: والذي بعثك بـالـحقّ، لقد رأيتُ وما كذبت علـيها قال: ودعا الـمرأة فوعظها، وأخبرها أن عذاب الدنـيا أهون من عذاب الاَخرة، فقالت: والذي بعثك بـالـحقّ إنه لكاذب، وما رأى شيئا قال: فبدأ الرجل، فشهد أربع شهادات بـاللّه : إنه لـمن الصادقـين، والـخامسة: أن لعنة اللّه علـيه إن كان من الكاذبـين ثم إن الـمرأة شهدت أربع شهادات بـاللّه إنه لـمن الكاذبـين، والـخامسة أنّ غَضَبَ اللّه علـيها إن كان من الصادقـين. وفرّق بـينهما.

١٩٥٤٦ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن داود، عن عامر، قال: لـما أنزل: وَالّذِينَ يَرْمُونَ الـمُـحْصَناتِ ثُمّ لَـمْ يَأْتُوا بأرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فـاجْلِدُوهُمْ ثَمانِـينَ جَلْدَةً قال عاصم بن عديّ: إن أنا رأيت فتكلّـمت جُلدت ثمانـين، وإن أنا سكت سكت علـى الغيظ قال: فكأنّ ذلك شقّ علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال: فأنزلت هذه الآية: وَالّذِينَ يَرْمُونَ أزْوَاجَهُمْ ولَـمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلاّ أَنْفُسُهُمْ قال: فما لبثوا إلاّ جمعة، حتـى كان بـين رجل من قومه وبـين امرأته، فلاعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـينهما.

١٩٥٤٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: وَالّذِينَ يَرْمُونَ أزْوَاجَهُمْ ولَـمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلاّ أنْفُسُهُمْ... الآية، والـخامسة: أن يقال له: إن علـيك لعنة اللّه إن كنت من الكاذبـين. وإن أقرّت الـمرأة بقوله رُجمِت، وإن أنكرت شهدت أربع شهادات بـاللّه : إنه لـمن الكاذبـين، والـخامسة أن يقال لها: غضب اللّه علـيك إن كان من الصادقـين فُـيْدرأ عنها العذاب، ويُفَرّق بـينهما، فلا يجتـمعان أبدا، ويُـلـحق الولد بأمه.

١٩٥٤٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عكرِمة، قوله: وَالّذِينَ يَرْمُونَ أزْوَاجَهُمْ قال: هلال بن أميّة، والذي رُمِيَتْ به شريك بن سحماء، والذي استفتـى عاصم ابن عديّ.

١٩٥٤٩ـ قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: أخبرنـي الزهريّ عن الـملاعنة والسنة فـيها، عن حديث سهل بن سعد: أن رجلاً من الأنصار جاء إلـى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال: أرأيتَ رجلاً وجد مع امرأته رجلاً، أيقتله فتقتلونه؟ أم كيف يفعل؟ فأنزل اللّه فـي شأنه ما ذكر من أمر الـمتلاعنـين، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (قَدْ قَضَى اللّه فِـيكَ وَفِـي امْرأتكَ) فتلاعنا وأنا شاهد. ثم فـارقها عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فكانت السنة بعدها أن يُفَرّق بـين الـمتلاعنـين. وكانت حاملة، فأنكره، فكان ابنها يُدعى إلـى أمه، ثم جرت السنة أن ابنها يَرِثها وترث ما فرض اللّه لها.

١٩٥٥٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَالّذِينَ يَرْمُونَ أزْوَاجَهُمْ... إلـى قوله: إنْ كانَ مِنَ الكاذِبـينَ قال: إذا شهد الرجل خمس شهادات، فقد برىء كل واحد من الاَخر، وعِدّتُها إن كانت حاملاً أن تضع حملها، ولا يجْلد واحد منهما وإن لـم تـحلف أقـيـم علـيها الـحدّ والرجْم.

٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللّه إِنّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ }.

 يعني جلّ ذكره ب قوله: وَيَدْرَأُ عَنْها العَذَابَ: ويدفع عنها الـحدّ.

واختلف أهل العلـم فـي العذاب الذي عناه اللّه فـي هذا الـموضع أنه يدرؤه عنها شهاداتها الأربع، فقال بعضهم بنـحو الذي قلنا فـي ذلك، من أنّ الـحدّ جَلْدُ مئة إن كانت بكرا أو الرجْم إن كانت ثـيبـا قد أحصنت.

وقال آخرون: بل ذلك الـحبس، وقالوا: الذي يجب علـيها إن هي لـم تشهد الشهادات الأربع بعد شهادات الزوج الأربع والْتِعَانة: الـحبس دون الـحدّ.

وإنـما قلنا: الواجب علـيها إذا هي امتنعت من الالْتعان بعد الْتعان الزوج الـحدّ الذي وصفنا، قـياسا علـى إجماع الـجميع علـى أن الـحدّ إذا زال عن الزوج بـالشهادات الأربع علـى تصديقه فـيـما رماها به، أن الـحدّ علـيها واجب، فجعل اللّه أيـمانه الأربع والْتعانة فـي الـخامسة مخرجا له من الـحدّ الذي يجب لها برميه إياها، كما جعل الشهداء الأربعة مخرجا له منه فـي ذلك وزائلاً به عنه الـحدّ فكذلك الواجب أن يكون بزوال الـحدّ عنه بذلك واجبـا علـيها حدّها كما كان بزواله عنه بـالشهود واجبـا علـيها، لا فرق بـين ذلك. وقد استقصينا العلل فـي ذلك فـي بـاب اللعان من كتابنا الـمسمى (لطيف القول فـي شرائع الإسلام) ، فأغنـي عن إعادته فـي هذا الـموضع.

و قوله: أنْ تشْهَدَ أرْبَعَ شَهادَاتٍ بـاللّه يقول: ويدفع عنها العذاب أن تـحلف بـاللّه أربع أيـمان: أن زوجها الذي رماها بـما رماها به من الفـاحشة، لـمن الكاذبـين فـيـما رماها من الزنا.

٩

و قوله: والـخامِسَةُ أنّ غَضَبَ اللّه عَلَـيْها... الآية، يقول: والشهادة الـخامسة: أن غضب اللّه علـيها إن كان زوجها فـيـما رماها به من الزنا من الصادقـين. ورفع قوله: والـخامِسَةُ فـي كلتا الاَيتـين، ب(أنّ) التـي تلـيها.

١٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنّ اللّه تَوّابٌ حَكِيمٌ }.

يقول تعالـى ذكره: ولولا فضل اللّه علـيكم أيها الناس ورحمته بكم، وأنه عَوّاد علـى خـلقه بلطفه وطَوْله، حكيـم فـي تدبـيره إياهم وسياسته لهم لعاجلكم بـالعقوبة علـى معاصيكم وفضَح أهل الذنوب منكم بذنوبهم، ولكنه ستر علـيكم ذنوبكم وترك فضيحتكم بها عاجلاً، رحمة منه بكم وتفضلاً علـيكم، فـاشكروا نعمه وانتهوا عن التقدّم عما عنه نهاكم من معاصيه. وترك الـجواب فـي ذلك، اكتفـاء بـمعرفة السامع الـمراد منه.

١١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ الّذِينَ جَآءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لّكُمْ ...}.

يقول تعالـى ذكره: إن الذين جاءوا بـالكذب والبُهتان عُصْبَةٌ مِنْكُمْ يقول: جماعة منكم أيها الناس. لا تَـحْسَبُوهُ شَرّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ يقول: لا تظنوا ما جاءوا به من الإفك شرّا لكم عند اللّه وعند الناس، بل ذلك خير لكم عنده وعند الـمؤمنـين وذلك أن اللّه يجعل ذلك كَفّـارة للـمرميّ به، ويُظهر براءته مـما رُمي به، ويجعل له منه مخرجا. و

قـيـل: إن الذي عَنَى اللّه ب قوله: إنّ الّذِينَ جاءُوا بـالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ: جماعة، منهم حسان بن ثابت، ومِسْطَح بن أُثاثة، وحَمْنه بنت جحش. كما:

١٩٥٥١ـ حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: حدثنا أبـي، قال: حدثنا أبـان العطار، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن عروة: أنه كتب إلـى عبد الـملك بن مروان: كتبت إلـيّ تسألنـي فـي الذين جاءوا بـالإفك، وهم كما قال اللّه : إنّ الّذِينَ جاءُوا بـالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ، وأنه لـم يُسَمّ منهم أحد إلا حسان بن ثابت، ومِسْطَح بن أُثاثة، وحَمْنة بنت جَحْش، وهو يقال فـي آخرين لا علـم لـي بهم غير أنهم عصبة كما قال اللّه .

١٩٥٥٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قوله: جاءُوا بـالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ هم أصحاب عائشة. قال ابن جُرَيج: قال ابن عباس : قوله: جاءُوا بـالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ... الآية، الذين افْتَروا علـى عائشة: عبد اللّه بن أُبَـيّ، وهو الذي تولـى كِبْره، وحسان بن ثابت، ومِسْطَح، وحَمْنة بنت جحش.

١٩٥٥٣ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: الّذِينَ جاءُوا بـالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ الذين قالوا لعائشة الإفك والبهتان.

١٩٥٥٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: إنّ الّذِينَ جاءُوا بـالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَـحْسَبُوهُ شَرّا لَكُمْ، بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ قال: الشرّ لكم بـالإفك الذي قالوا، الذي تكلّـموا به، كان شرّا لهم، وكان فـيهم من لـم يقله إنـما سمعه، فعاتبهم اللّه ، فقال أوّلَ شيء: إنّ الّذِينَ جاءُوا بـالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَـحْسَبُوهُ شَرّا لَكُمْ، بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ثم قال: والّذِي تَوَلّـى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيـمٌ.

و قوله: لِكُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ ما اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ يقول: لكلّ امرىء من الذين جاءوا بـالإفك جزاء ما اجترم من الإثم، بـمـجيئه بـما جاء به، من الأولـى عبد اللّه .

و قوله: وَالّذِي تَوَلّـى كِبْرَهُ مِنْهُمْ يقول: والذي تـحمل معظم ذلك الإثم والإفك منهم هو الذي بدأ بـالـخوض فـيه. كما:

١٩٥٥٥ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَالّذِي تَوَلّـى كِبْرَهُ مِنْهُمْ يقول: الذي بدأ بذلك.

١٩٥٥٦ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: عُصْبَةٌ مِنْكُمْ قال: أصحاب عائشة عبد اللّه بن أبـيّ ابن سَلُول، ومِسْطَح، وحَسّان.

قال أبو جعفر: له من اللّه عذاب عظيـم يوم القـيامة.

وقد اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: كِبْرَهُ فقرأت ذلك عامة قرّاء الأمصار: كِبْرَهُ بكسر الكاف، سوى حميد الأعرج فإنه كان يقرؤه: (كُبْرَهُ) بـمعنى: والذي تـحمل أكبره.

وأولـى القراءتـين فـي ذلك بـالصواب: القراءة التـي علـيها عوامّ القرّاء، وهي كسر الكاف، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيها، وأن الكِبْر بـالكسر: مصدر الكبـير من الأمور، وأن الكُبْر بضم الكاف: إنـما هو من الولاء والنسب، من قولهم: هو كُبْر قومه والكِبْر فـي هذا الـموضع: هو ما وصفناه من معظم الإثم والإفك. فإذا كان ذلك كذلك، فـالكسر فـي كافة هو الكلام الفصيح دون ضمها، وإن كان لضمها وجه مفهوم.

وقد اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنىّ ب قوله: وَالّذِي تَوَلّـى كِبْرَهُ مِنْهُمْ... الآية، فقال بعضهم: هو حسان بن ثابت. ذكر من قال ذلك:

١٩٥٥٧ـ حدثنا الـحسن بن قزعة، قال: حدثنا مسلـمة بن علقمة، قال: حدثنا داود، عن عامر، أن عائشة قالت: ما سمعت بشيء أحسن من شعر حسان، وما تـمثلت به إلا رجوت له الـجنة، قوله لأبـي سفـيان:

هَجَوْتَ مُـحَمّدًا فَأجَبْتُ عَنْهُوَعِنْدَ اللّه فِـي ذَاكَ الـجَزاءُ

فإنّ أبـي وَوَالِدهُ وَعِرْضِيلِعِرْضِ مُـحَمّدٌ مِنْكُمْ وِقاءُ

أتَشْتُـمُهُ وَلَسْتَ لَهُ بكُفْءٍفَشَرّكُما لـخَيْرِكُما الفِداءُ

لِسانِـي صَارِمٌ لا عَيْبَ فِـيهِوبَحْرِي لا تُكَدّرهُ الدّلاءُ

ف

قـيـل: يا أمّ الـمؤمنـين، ألـيس هذا لغوا؟ قالت لا، إنـما اللّغو ما قـيـل عند النساء.

قـيـل: ألـيس اللّه يقول: وَالّذِي تَوَلّـى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيـمٌ قالت: ألـيس قد أصابه عذاب عظيـم؟ ألـيس قد ذهب بصره وكُنّع بـالسيف؟.

١٩٥٥٨ـ قال: حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن أبـي الضحى، عن مسروق قال: كنت عند عائشة، فدخـل حسان بن ثابت، فأمرت، فأُلقـي له وسادة فلـما خرج قلت لعائشة: ما تصنعين بهذا وقد قال اللّه ما قال؟ فقالت: قال اللّه : وَالّذِي تَوَلّـى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيـمٌ وقد ذهب بصره، ولعلّ اللّه يجعل ذلك العذاب العظيـم ذهاب بصره.

١٩٥٥٩ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن أبـي عديّ، عن شعبة، عن سلـيـمان، عن أبـي الضحى، عن مسروق، قال: دخـل حسان بن ثابت علـى عائشة، فشبّب بأبـيات له، فقال:

وَتُصْبِح غَرْثَى مِنْ لُـحُومِ الغَوَافِلِ فقالت عائشة: أما إنك لست كذلك فقلت: تدعين هذا الرجل يدخـل علـيك وقد أنزل اللّه فـيه: وَالّذِي تَوَلّـى كِبْرَهُ... الآية؟ فقالت: وأيّ عذاب أشدّ من العمى وقالت: إنه كان يدفع عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .

١٩٥٦٠ـ حدثنـي مـحمد بن عثمان الواسطي، قال: حدثنا جعفر بن عون، عن الـمُعَلّـى بن عرفـان، عن مـحمد بن عبد اللّه بن جحش، قال: تفـاخرت عائشة وزينب، قال: فقالت زينب: أنا التـي نزل تزويجِي من السماء. قال: وقالت عائشة: أنا التـي نزل عذري فـي كتابه حين حملنـي ابن الـمعَطّل علـى الراحلة. فقالت لها زينب: يا عائشة، ما قلت حين ركبتـيها؟ قالت: قلت: حسبـي اللّه ونعم الوكيـل قالت قلتِ كلـمةَ الـمؤمنـين.

وقال آخرون: هو عبد اللّه بن أُبـيّ ابن سَلُول. ذكر من قال ذلك:

١٩٥٦١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، عن عائشة، قالت: كان الذين تكلـموا فـيه: الـمنافق عبد اللّه بن أُبـيّ ابن سَلول، وكان يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولـى كِبْره، ومِسْطَحا، وحسان بن ثابت.

١٩٥٦٢ـ حدثنا سفـيان، قال: حدثنا مـحمد بن بشر، قال: حدثنا مـحمدبن عمرو، قال: حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن علقمة بن وقّاص وغيره أيضا، قالوا: قالت عائشة: كان الذي تولـى كبره الذي يجمعهم فـي بـيته، عبد اللّه بن أُبـيّ ابن سَلُول.

حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن ابن شهاب، قال: ثنـي عروة بن الزبـير، وسعيد بن الـمسيب، وعلقمة بن وقاص، وعبـيد اللّه بن عتبة، عن عائشة، قالت: كان الذي تولـى كبره: عبد اللّه بن أُبـيّ.

١٩٥٦٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس : إنّ الّذِينَ جاءُوا... الآية، ، الذين افْتَرَوا علـى عائشة: عبد اللّه بن أُبـيّ، وهو الذي تولـى كِبْره، وحسان، ومِسْطَح، وحَمْنه بنت جحش.

١٩٥٦٤ـ حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: حدثنا أبـي، قال: حدثنا أبـان العطار، قال: حدثنا هشام بن عروة فـي الذين جاءوا بـالإفك: يزعمون أنه كان كِبْرُ ذلك عبدَ اللّه بن أبـيّ ابن سلول، أحد بنـي عوف بن الـخرزج وأخبرت أنه كان يحدّث به عنهم فـيقرّه ويسمعه ويستوشيه.

١٩٥٦٥ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: أما الذي تولـى كبره منهم، فعبد اللّه بن أُبـيّ ابن سلول الـخبـيث، هو الذي ابتدأ هذا الكلام، وقال: امرأة نبـيكم بـاتت مع رجل حتـى أصبحت، ثم جاء يقود بها.

١٩٥٦٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد : والذي تولـى كِبْره هو عبد اللّه بن أُبـيّ ابن سلول، وهو بدأه.

وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب: قول من قال: الذي تولـى كِبْره من عصبة الإفك، كان عبد اللّه بن أبـيّ، وذلك أنه لا خلاف بـين أهل العلـم بـالسير، أن الذي بدأ بذكر الإفك، وكان يجمع أهله ويحدثهم، عبدُ اللّه بن أُبـيّ ابن سَلُول، وفعله ذلك علـى ما وصفت كان تولـيه كِبْر ذلك الأمر. وكان سبب مـجيء أهل الإفك، ما:

١٩٥٦٧ـ حدّثنا به ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن مـحمد بن مسلـم بن عبـيد اللّه بن عبد اللّه بن شهاب، ثنـي عروة بن الزبـير، وسعيد بن الـمسيب، وعلقمة بن وقّاص، وعبـيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود، عن حديث عائشة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم ، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها اللّه ، وكلهم حدثنـي طائفة من حديثها، وبعضهم كان أوعى لـحديثها من بعض، وأثبت اقتصاصا، وقد وعيت عن كل رجل منهم الـحديث الذي حدثنـي عن عائشة، وبعض حديثهم يصدق بعضا:

زعموا أن عائشة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم قالت: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بـين نسائه، فأيتهنّ خرج سهمها خرج بها. قالت عائشة: فأقرع بـيننا فـي غزاة غزاها، فخرج سهمي، فخرجت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وذلك بعد ما أَنْزِل الـحجاب، وأنا أُحْمَل فـي هودجي وأنزل فـيه. فسرنا، حتـى إذا فرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من غزوه وقـفل إلـى الـمدينة، آذن لـيـلة بـالرحيـل، فقمت حين آذنوا بـالرحيـل، فمشيت حتـى جاوزت الـجيش فلـما قضيت شأنـي، أقبلت إلـى الرحل، فلـمست صدري، فإذا عِقْدٌ لـي من جَزْع ظَفَـارِ قد انقطع، فرجعت فـالتـمست عقدي، فحبسنـي ابتغاؤه. وأقبل الرهط الذين كانوا يرْحَلون لـي، فـاحتـملوا هو دجي، فَرَحلوه علـى بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون أنـي فـيه. قالت: وكانت النساء إذ ذاك خِفـافـا لـم يُهَبّلْهُن ولـم يَغْشَهن اللـحم، إنـما يأكلن العُلْقة من الطعام. فلـم يستنكر القوم ثقلَ الهودج حين رَحَلُوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السنّ، فبعثوا الـجمل وساروا، فوجدت عَقْدي بعد ما استـمرّ الـجيش، فجئت منازلهم ولـيس بها داع ولا مـجيب. فتـيـمـمت منزلـي الذي كنت فـيه، وظننت أن القوم سيفقدونـي ويرجعون إلـيّ. فبـينا أنا جالسة فـي منزلـي، غلبتنـي عينـي، فنـمت حتـى أصبحت. وكان صفوان بن الـمعطّل السّلـميّ ثم الذّكْوانـيّ، قد عَرّس من وراء الـجيش، فـادّلَـج فأصبح عند منزلـي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتانـي، فعرفنـي حين رآنـي، وكان يرانـي قبل أن يُضرب الـحجاب عَلَـيّ، فـاستـيقظت بـاسترجاعه حين عرفنـي، فخَمّرت وجهي بجلبـابـي، واللّه ما تكلـمت بكلـمة ولا سمعت منه كلـمة غير استرجاعه حتـى أناخ راحلته، فوطِىء علـى يديها فركبتها، فـانطلق يقود بـي الراحلة، حتـى أتـينا الـجيش بعد ما نزلوا مُوغِرِينَ فـي نـحر الظهيرة. فهلك من هلك فـي شأنـي، وكان الذي تولـى كِبْره عبد اللّه بن أُبـيّ ابن سلول.

فقدمنا الـمدينة، فـاشتكيت شهرا، والناس يُفِـيضُون فـي قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يَرِيبنـي فـي وجعي أنـي لا أعرف من رسول اللّه اللّطْف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنـما يدخـل فـيسلـم ثم يقول: (كيف تـيكم؟) فذلك يريبنـي، ولا أشعر بـالشرّ. حتـى خرجت بعد ما نَقَهت، فخرجت مع أمّ مِسْطَح قبَلَ الـمَنَاصع، وهو مُتَبرّزنا، ولا نـخرج إلا لـيلاً إلـى لـيـل، وذلك قَبل أن نتـخذ الكُنُف قريبـا من بـيوتنا، وأَمْرُنا أمر العرب الأُوَل فـي التنزّه، وكنا نتأذّى بـالكُنُف أن نتـخذها عند بـيوتنا. فـانطلقت أنا وأمّ مسطح، وهي ابنة أبـي رُهْم بن عبد الـمطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر، خالة أبـي بكر الصدّيق، وابنها مِسْطَحْ بن أُثاثة بن عبـاد بن الـمطّلب. فأقبلت أنا وابنة أبـي رُهْم قبل بـيتـي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أمّ مِسْطَح فـي مِرْطِها، أوَ لـم تسمعي ماقال؟ وما قال؟ فأخبرتنـي بقول أهل الإفك، فـازددت مَرَضا علـى مرضي. فلـما رجعت إلـى منزلـي، ودخـل علـيّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ثم قال: (كَيْفَ تِـيكُمْ؟) فقلت: أتأذن لـي أن آتـيَ أبويّ؟ قال: (نعم) . قالت: وأنا حينئذٍ أريد أن أستثبت الـخبر من قِبَلهما. فأذِن لـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فجئت أبويّ، فقلت لأمي: أي أمتاه، ماذا يتـحدّث الناس؟ فقالت: أي بُنـية، هوّنـي علـيك فواللّه لقلـما كانت امرأة قطّ وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر، إلا أكثرن علـيها. قالت: قلت: سبحان اللّه ، أَوَ قد تـحدّث الناس بهذا وبلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؟ قالت: نعم، فبكيت تلك اللـيـلة حتـى أصبحت لا يرقأ لـي دمع ولا أكتـحل بنوم، ثم أصبحت، فدخـل علـيّ أبو بكر وأنا أبكي، فقال لأمي: مايبكيها؟ قالت: لـم تكن علـمت ما قـيـل لها. فأكبّ يَبْكي، فبكى ساعة، ثم قال: اسكتـي يا بنـية فبكيت يومي ذلك لا يرقأ لـي دمع ولا أكتـحل بنوم، ثم بكيت لـيـلـى الـمقبل لا يرقأ لـي دمع ولا أكتـحل بنوم، ثم بكيت لـيـلتـي الـمقبلة لا يرقأ لـي دمع ولا أكتـحل بنوم، حتـى ظنّ أبواي أن البكاء سيفلق كبدي.

فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـيّ بن أبـي طالب وأُسامة بن زيد، حين استْلَبث الوحي، يستشيرهما فـي فراق أهله قالت: فأما أُسامة، فأشار علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـالذي يعلـم من براءة أهله وبـالذي فـي نفسه من الودّ، فقال: يا رسول اللّه ، هم أهلك، ولا نعلـم إلا خيرا. وأما علـيّ فقال: لـم يضيق اللّه علـيك، والنساء سواها كثـير، وإن تسأل الـجارية تَصْدُقك، يعني بَرِيرة. فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بَرِيرة، فقال: (هَلْ رأيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ مِنْ عائِشَةَ؟) قالت له بَرِيرة: والذي بعثك بـالـحقّ، ما رأيت علـيها أمرا قطّ أَغْمِصْه علـيها، أكثرَ من أنها حديثة السنّ تنام عن عجين أهلها فتأتـى الداجن فتأكله فقام النبي صلى اللّه عليه وسلم خطيبـا، فحمد اللّه وأثنى علـيه بـما هو أهله، ثم قال: (مَنْ يَعْذِرُنِـي مِـمنْ قَدْ بَلَغْنِـي أذَاهُ فِـي أهْلِـي؟) يعني عبدَ اللّه بن أُبـي ابن سَلُول. وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو علـى الـمنبر أيضا: (يا مَعْشَرَ الـمُسْلَـمِينَ، مَنْ يَعْذِرُنِـي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنـي أذَاهُ فِـي أهْلـي؟ فَوَاللّه ما عَلـمْتُ عَلـى أهْلـي إلاّ خَيْرا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلاً ما عَلـمْتُ عَلَـيْهِ إلاّ خَيْرا، وَما كانَ يَدْخُـلُ عَلـى أهْلـي إلاّ مَعي) فقام سعد بن مُعاذ الأنصاريّ، فقال: أنا أعذِرك منه يا رسول اللّه ، إن كان من الأوس ضربنا عُنُقه، وإن كان من إخواننا الـخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. فقام سعد بن عُبـادة، فقال، وهو سيد الـخزرج، وكان رجلاً صالـحا، ولكن احتـملَتْه الـحَمِيّة، فقال: أَيْ سعدَ بن معاذ، فقال لسعد بن عُبـادة: كذبت، لعمر اللّه لنقتلّنه، فإنك منافق تـجادل عن الـمنافقـين فثار الـحيان: الأوس والـخزرج، حتـى هموا أن يقتتلوا، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قائم علـى الـمنبر، فلـم يزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يُخَفّضُهم حتـى سكتوا. ثم أتانـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأنا فـي بـيت أبويّ، فبـينا هما جالسان عندي وأنا أبكي، استأذنتْ علـيّ امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي قالت: فبـينا نـحن علـى ذلك، دخـل علـينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ثم جلس عندي، ولـم يجلس عندي منذ قـيـل ما قـيـل، وقد لبث شهرا لا يوحَى إلـيه فـي شأنـي بشيء قالت: فتشهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين جلس، ثم قال: (أمّا بَعْدُ يا عائشَةُ فإنّهُ بَلَغَنِـي عَنْكِ كَذَا وكَذا، فإنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرّئُكِ اللّه ، وَإنْ كُنْتِ ألـمَـمْتِ بِذَنْبٍ، فـاسْتَغْفِرِي اللّه ، وَتُوبِـي إلَـيْهِ، فإنّ العَبْدَ إذَا اعْتَرَف بَذَنْبِهِ ثُمّ تابَ تابَ اللّه عَلَـيْهِ) . فلـما قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مقالته، قَلَص دمعي، حتـى ما أحسّ منه دمعة قلت لأبـي: أجب عنـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـيـما قال قال: واللّه ما أدري ما أقول لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . فقلت لأمي: أجيبـي عنـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قالت: واللّه ما أدري ما أقول لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلت وأنا جارية حديثة السنّ لا أقرأ كثـيرا من القرآن: إنـي واللّه لقد عرفت أنْ قد سمعتـم بهذا، حتـى استقرّ فـي أنفسكم، حتـى كِدْتـم أن تصدّقوا به، فإن قلت لكم: إنـي بريئة واللّه يعلـم أنـي برئة، لا تصدّقونـي بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر واللّه يعلـم أنـي منه بريئة، لتصدّقُنّـي، وإنـي واللّه ما أجد لـي ولكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف: وَاللّه الـمُسْتَعانُ عَلـى ما تَصِفُونَ.

ثم تولّـيت واضطجعت علـى فراشي، وأنا واللّه أعلـم أنـي بريئة وأن اللّه سيبرّئنـي ببراءتـي، ولكنـي واللّه ما كنت أظنّ أن ينزل فـي شأنـي وحْي يُتلـى، ولَشأنـي كان أحقَر فـي نفسي من أن يتكلّـم اللّه فـيّ بأمر يُتلـى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي الـمنام رؤيا يبرّئنـي اللّه بها. قالت: واللّه ما رام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مـجلسه ولا خرج من البـيت أحد حتـى أنزل اللّه علـى نبـيه، فأخذه ما كان يأخذه من البُرَحاء عند الوحي، حتـى إنه لـيتـحدّر منه مثلُ الـجُمان من العرق فـي الـيوم الشاتـي من ثقل القول الذي أُنزل علـيه. قالت: فلـما سُرّي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو يضحك، كان أوّل كلـمة تكلـم بها أن قال: (أبْشِرِي يا عائِشةُ، إنّ اللّه قَدْ بَرّأكِ) فقالت لـي أمي، قومي إلـيه فقلت: واللّه لا أقوم إلـيه، ولا أحمد إلا اللّه ، هو الذي أنزل براءتـي. فأنزل اللّه : إنّ الّذِينَ جاءُوا بـالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ عشر آيات، فأنزل هذه الاَيات براءة لـي. قالت: فقال أبو بكر، وكان ينفق علـى مِسْطَح لقرابته وفقره: واللّه لا أنفق علـيه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة قالت: فأنزل اللّه : وَلا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنْكُمْ والسّعَةِ حتـى بلغ: غَفُورٌ رَحِيـمٌ فقال أبو بكر: إنـي لأحبّ أن يغفر اللّه لـي. فرجع إلـى مِسْطَح النفقةَ التـي كان يُنفق علـيه، وقال: لا أنزعها منه أبدا.

قالت عائشة: وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري وما رأت وما سمعت، فقالت: يا رسول اللّه ، أحمي سمعي وبصري، واللّه ما رأيت إلا خيرا. قالت عائشة: وهي التـي كانت تسامينـي، فعصمها اللّه بـالوَرَع، وطفقت أختها حَمْنة تـحارب فهلكت فـيـمن هلك.

قال الزهريّ بن شهاب: هذا الذي انتهى إلـينا من أمر هؤلاء الرهط.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن الزهريّ، وعن علقمة بن وقّاص اللـيثـيّ، عن سعيد بن الـمسيب، وعن عروة بن الزبـير، وعن عبـيد اللّه بن عتبة بن مسعود. قال الزهريّ: كلّ قد حدثنـي بعض هذا الـحديث، وبعض القوم كان له أوعى من بعض. قال: وقد جمعت لك كل الذي قد حدثنـي. وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة قال: وثنـي مـحمد بن إسحاق، قال: حدثنا يحيى بن عبـاد بن عبد اللّه بن الزبـير، عن أبـيه، عن عائشة. قال: ثنـي عبد اللّه بن بكر بن مـحمد بن عمرو بن حزم الأنصاريّ، عن عَمْرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة قالت وكل قد اجتـمع فـي حديثه قصة خبر عائشة عن نفسها، حين قال أهل الإفك فـيها ما قالوا، وكله قد دخـل فـي حديثها عن هؤلاء جميعا، ويحدث بعضهم ما لـم يحدث بعض، وكلّ كان عنها ثقة، وكلّ قد حدث عنها ما سمع.

قالت عائشة رضي اللّه عنها: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بـين نسائه، فأَيتهُنّ خرج سهمها خرج بها معه. فلـما كانت غزاة بنـي الـمصطَلِق، أقرع بـين نسائه كما كان يصنع، فخرج سهمي علـيهنّ، فخرج بـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم معه. قالت: وكان النساء إذ ذاك إنـما يأكلن العُلَق لـم يهيّجْهُنّ اللـحم فـيثقلن. قالت: وكنت إذا رحل بعيري جلست فـي هَوْدَجي، ثم يأتـي القوم الذين يرحلون بـي بعيري ويحملونـي، فـيأخذون بأسفل الهودج يرفعونه فـيضعونه علـى ظهر البعير، فـينطلقون به. قالت: فلـما فرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من سفره ذلك وجّه قافلاً، حتـى إذا كان قريبـا من الـمدينة، نزل منزلاً فبـات بعض اللـيـل، ثم أذّن فـي الناس بـالرحيـل. فلـما ارتـحل الناس، خرجت لبعض حاجتـي وفـي عنقـي عقد لـي من جَزْعَ ظَفـارِ، فلـما فرغت انسلّ من عنقـي وما أدري فلـما رجعت إلـى الرحْل ذهبت ألتـمسه فـي عنقـي فلـم أجده، وقد أخذ الناس فـي الرحيـل. قالت: فرجعت عَوْدِي إلـى بَدْئِي، إلـى الـمكان الذي ذهبت إلـيه، فـالتـمسته حتـى وجدته وجاء القوم خلافـي الذين كانوا يرحلون بـي البعير.

ثم ذكر نـحو حديث ابن عبد الأعلـى، عن ابن ثور.

١٩٥٦٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، عن عائشة رضي اللّه عنها، قالت: لـما ذكر من شأنـي الذي ذكر وما علـمت به، قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خطيبـا وما علـمت، فتشهد، فحمد اللّه وأثنى علـيه بـما هو أهله، ثم قال: (أمّا بَعْدُ أشِيرُوا عَلـيّ فِـي أُناسٍ أبَنُوا أهْلِـي وَاللّه ما عَلِـمْتُ عَلـى أهْلِـي سُوءًا قَطّ، وأبَنُوهُمْ بِـمَنْ وَاللّه ما عَلِـمْتُ عَلَـيْهِ سُوءا قَطّ، وَلا دَخَـلَ بَـيْتِـي قَطّ إلاّ وأنا حاضِرٌ، وَلا أغِيبُ فِـي سَفَرٍ إلاّ غابَ مَعِي) فقام سعد بن مُعاذ فقال: يا رسول اللّه ، نرى أن نضرب أعناقهم فقام رجل من الـخزرج، وكانت أمّ حسان بن ثابت من رهط ذلك الرجل، فقال كذبتَ، أما واللّه لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم حتـى كاد أن يكون بـين الأوس والـخزرج فـي الـمسجد شرّ وما علـمتُ به. فلـما كان مساء ذلك الـيوم، خرجت لبعض حاجتـي ومعى أمّ مِسْطح، فعثرت، فقالت: تَعَس مِسْطح فقلت علام تسبـين ابنك؟ فسكتت، ثم عثرت الثانـية، فقالت: تَعَس مسطح قلت: علام تسبـين ابنك؟ فسكتت الثانـية. ثم عثرت الثالثة، فقالت: تَعَس مسطح فـانتهرتها، فقلت: وقد كان هذا؟ قالت: نعم واللّه . قالت: فرجعت إلـى بـيتـي فكأن الذي خرجت له لـم أخرج له، ولا أجد منه قلـيلاً ولا كثـيرا. ووُعِكْت، فقلت: يا رسول اللّه ، أرسلنـي إلـى بـيت أبـي فأرسل معي الغلام، فدخـلت الدار فإذا أنا بأمي أمّ رومان، قالت: ما جاء بك يا بُنـية؟ فأخبرتها، فقالت: خَفّضي علـيك الشأن، فإنه واللّه ما كانت امرأة جميـلة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا حسدنها وقلن فـيها. قلت: وقد علـم بها أبـي؟ قالت: نعم. قلت: ورسول اللّه ؟ قالت: نعم. فـاستعبرت وبكيت، فسمع أبو بكر صوتـي وهو فوق البـيت يقرأ، فنزل فقال لأمي: ما شأنها؟ قالت: بلغها الذي ذُكر من أمرها. ففـاضت عيناه، فقال: أقسمت علـيك إلاّ رَجَعْت إلـى بـيتك فرجعت.

فأصبح أبواي عندي، فلـم يزالا عندي حتـى دخـل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـيّ بعد العصر، وقد اكتنفنـي أبواي، عن يـمينـي وعن شمالـي، فتشهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فحمد اللّه وأثنى علـيه بـما هو أهله، ثم قال: (أمّا بَعْدُ يا عائِشَةُ، إنْ كُنْتِ قارَفْتِ سُوءا أوْ ألَـمَـمْتِ فَتُوبِـي إلـى اللّه ، فإنّ اللّه يَقْبَلُ التّوْبَةَ عَنْ عِبـادِهِ) . وقد جاءت امرأة من الأنصار وهي جالسة، فقلت: ألا تستـحي من هذه الـمرأة أن تقول شيئا؟ فقلت لأبـي: أجبه فقال: أقول ماذا؟ قلت لأمي: أجيبـيه فقالت: أقول ماذا؟ فلـما لـم يجيبـاه تشّهدت فحمدت اللّه وأثنـيت علـيه بـما هو أهله، ثم قلت: أما بعد، فواللّه لئن قلت لكم إنـي لـم أفعل، واللّه يعلـم إنـي لصادقة ما ذا بنافعي عندكم، لقد تُكُلّـم به وأُشْرِبته قلوبكم وإن قلت إنـي قد فعلت واللّه يعلـم أنـي لـم أفعل لَتقولُنّ قد بـاءت به علـى نفسها، وأيـمُ اللّه مَا أجد لـي ولكم مثلاً إلا كما قال أبو يوسف وما أحفظ اسمه: فَصَبْرٌ جَميـلٌ وَاللّه الـمُسْتَعانُ عَلـى ما تَصِفُونَ. وأنزل اللّه علـى رسوله ساعتئذٍ، فُرفع عنه، وإنـي لأتبـين السرور فـي وجهه وهو يـمسح جبـينه يقول: (أبْشِرِي يا عائِشَةُ، فَقَدْ أنْزَلَ اللّه بَرَاءَتَكِ) فكنت أشدّ ما كنت غضبـا، فقال لـي أبواي: قومي إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلت: واللّه لا أقوم إلـيه، ولا أحمده ولا أحمدكما، لقد سمعتـموه فما أنكرتـموه ولا غيرتـموه، ولكنـي أحمد اللّه الذي أنزل براءتـي. ولقد جاء رسول اللّه بـيتـي، فسأل الـجارية عنـي، فقالت: واللّه ما أعلـم علـيها عيبـا إلا أنها كانت تنام حتـى كانت تدخـل الشاة فتأكل حصيرها أو عجينها، فـانتهرها بعض أصحابه، وقال لها: اصْدُقـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال عروة: فعَتب علـى من قاله، فقال: لا، واللّه ما أعلـم علـيها إلا ما يعلـم الصائغ علـى تبر الذهب الأحمر. وبلغ ذلك الرجل الذي قـيـل له، فقال: سبحان اللّه ما كشفت كَنَف أنثى قطّ. فقتل شهيدا فـي سبـيـل اللّه . قالت عائشة: فأما زينب بنت جحش، فعصمها اللّه بدينها، فلـم تقل إلا خيرا وأما حَمْنة أختها، فهلكت فـيـمن هلك. وكان الذين تكلـموا فـيه: الـمنافقَ عبد اللّه بن أُبـيّ ابن سلول، وكان يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولـى كِبْره، ومِسْطحا، وحسانَ بن ثابت، فحلف أبو بكر أن لا ينفع مِسْطَحا بنافعة، فأنزل اللّه : وَلا يَأَتَلِ أُولُوا الفَضْلِ مِنْكُمْ والسّعَةِ يعني أبـا بكر، أنْ يُؤْتُوا أُولـي القُرْبَى وَالـمَساكِينَ يعني مِسْطحا، ألا تَـحِبّونَ أنْ يَغْفِرَ اللّه لَكُمْ وَاللّه غَفُورٌ رَحِيـمٌ قال أبو بكر: بلـى واللّه ، إنا لنـحبّ أن يغفر اللّه لنا وعاد أبو بكر لِـمْسطَح بـما كان يصنع به.

١٩٥٦٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن بشر، قال: حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن علقمة بن وقاص وغيره أيضا، قال: خرجت عائشة تريد الـمَذْهب، ومعها أمّ مسطح. وكان مِسطح بن أثاثة مـمن قال ما قال. وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خطب الناس قبل ذلك، فقال: (كَيْفَ تَرَوْنَ فِـيـمَنْ يُؤْذِينِـي فِـي أهْلِـي وَيجْمَعُ فِـي بَـيْتِهِ مَنْ يُؤْذِينِـي؟) فقال سعد بن مُعاذ: أي رسول اللّه ، إن كان منا معشرَ الأوس جلدنا رأسه، وإن كان من إخواننا من الـخزرج، أمرتنا فأطعناك. فقال سعد بن عبـادة: يا ابن معاذ، واللّه ما بك نُصْرة رسول اللّه ، ولكنها قد كانت ضغائن فـي الـجاهلـية وإحن لـم تـحلل لنا من صدوركم بعد فقال ابن معاذ: اللّه أعلـم ما أردت. فقام أُسَيد بن حُضَير، فقال: يا ابن عبـادة، إن سعدا لـيس شديدا، ولكنك تـجادل عن الـمنافقـين وتدفع عنهم. وكثر اللّغَط فـي الـحيـين فـي الـمسجد ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالس علـى الـمنبر، فما زال النبي صلى اللّه عليه وسلم يومىء بـيده إلـى الناس ههنا وههنا، حتـى هدأ الصوت.

وقالت عائشة: كان الذي تولـى كِبْره، والذي يجمعهم فـي بـيته، عبد اللّه بن أُبّـي ابن سلول. قالت: فخرجت إلـى الـمَذْهَب ومعي أمّ مسطح، فعثرتْ، فقالتْ: تَعَس مِسْطح فقلت: غفر اللّه لك، أتقولـين هذا لابنك ولصاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؟ قالت ذلك مرّتـين، وما شعرت بـالذي كان. فحُدثت، فذهب عنى الذي خرجت له، حتـى ما أجد منه شيئا. ورجعت علـى أبويّ أبـي بكر وأمّ رُومان، فقلت: أما اتقـيتـما اللّه فـيّ وما وصلتـما رحمي؟ قال النبي صلى اللّه عليه وسلم الذي قال، وتـحدّث الناس بـالذي تـحدثوا به ولـم تُعْلِـمانـي فأُخْبِر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قالت: أي بنـية، واللّه لقلـما أحبّ رجل قطّ امرأته إلا قالوا لها نـحو الذي قالوا لك أي بنـية ارجعي إلـى بـيتك حتـى نأتَـيك فـيه فرجعت وارتكبنـي صالِبٌ من حُمّى، فجاء أبواي فدخلا، وجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتـى جلس علـى سريري وُجاهي، فقالا: أي بـينة، إن كنت صنعت ما قال الناس فـاستغفري اللّه ، وإن لـم تكونـي صنعتـيه فأخبرنـي رسول اللّه بعذرك قلت: ما أجد لـي ولكم إلا كأبـي يوسف فَصَبْرٌ جَمِيـلٌ وَاللّه الـمُسْتَعانُ عَلـى ما تَصِفُونَ. قالت: فـالتـمست اسم يعقوب، فما قدرت، أو فلـم أقدر علـيه. فشخص بصر رسول اللّه إلـى السقـف، وكان إذا نَزَل علـيه وَجَد، قال اللّه : إنّا سَنُلْقـي عَلَـيْكَ قَوْلاً ثَقِـيلاً فوالذي هو أكرمه وأنزل علـيه الكتاب، ما زال يضحك حتـى إنـي لأنظر إلـى نواجذه سرورا، ثم مسح عن وجهه، فقال: (يا عائِشَةُ أبْشِرِي، قَدْ أنْزَلَ اللّه عُذْرَكِ) قلت: بحمد اللّه لا بحمدك ولا بحمد أصحابك. قال اللّه : إنّ الّذِينَ جاءُوا بـالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ... حتـى بلغ: وَلا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسّعَةِ. وكان أبو بكر حلف أن لا ينفع مسطحا بنافعة، وكان بـينهما رَحم، فلـما أنزلت: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الفَضْلِ مِنْكُمْ... حتـى بلغ: وَاللّه غَفُورٌ رَحِيـمٌ قال أبو بكر: بلـى، أي ربّ فعاد إلـى الذي كان لـمسطح إن الّذِينَ يَرْمُونَ الـمُـحْصَناتِ... حتـى بلغ: أُولَئِكَ مُبَرّءُونَ مِـمّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيـم. قالت عائشة: واللّه ما كنت أرجو أن ينزل فـيّ كتاب ولا أطمع به، ولكن أرجو أن يرى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رؤيا تُذْهب ما فـي نفسه. قالت: وسأل الـجارية الـحَبَشية، فقالت: واللّه لعائشة أطيب من طيب الذهب، وما بها عيب إلا أنها ترقد حتـى تدخـل الشاة فتأكل عجينها، ولئن كانت صنعت ما قال الناس لـيخبرنّك اللّه قال: فعجب الناس من فقهها.

١٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لّوْلآ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هَـَذَآ إِفْكٌ مّبِينٌ }.

وهذا عتاب من اللّه تعالـى ذِكْره أهلَ الإيـمان به فـيـما وقع فـي أنفسهم من إرجافِ من أرْجَفَ فـي أمر عائشة بـما أرجف به. يقول لهم تعالـى ذكره: هلا أيها الناس إذ سمعتـم ما قال أهل الإفك فـي عائشة ظنّ الـمؤمنون منكم والـمؤمنات بأنفسهم خيرا يقول: ظننتـم بـمن قُرِف بذلك منكم خيرا، ولـم تظنوا به أنه أتـى الفـاحشة. وقال (بأنفسهم) لأن أهل الإسلام كلهم بـمنزلة نفس واحدة، لأنهم أهل ملة واحدة.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٥٧٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن مـحمد بن إسحاق، عن أبـيه، عن بعض رجال بنـي النـجار، أن أبـا أيوب خالد بن زيد، قالت له امرأته أمّ أيوب: أما تسمع ما يقول الناس فـي عائشة؟ قال: بلـى، وذلك الكذب، أكنت فـاعلة ذلك يا أمّ أيوب؟ قالت: لا واللّه ما كنت لأفعله. قال: فعائشة واللّه خير منك. قال: فلـما نزل القرآن، ذكر اللّه من قال فـي الفـاحشة ما قال من أهل الإفك: إنّ الّذِينَ جاءُوا بـالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ وذلك حسان وأصحابه الذين قالوا ما قالوا، ثم قال: لَوْلا إذْ سَمِعْتُـمُوهُ ظَنّ الـمُؤْمِنُونَ... الآية: أي كما قال أبو أيوب وصاحبته.

١٩٥٧١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُـمُوهُ ظَنّ الـمُؤْمِنُونَ وَالـمُؤْمِناتُ بأنْفُسِهِمْ خَيْرا ما هذا الـخير؟ ظنّ الـمؤمن أن الـمؤمن لـم يكن لـيفجر بأمه، وأن الأم لـم تكن لتفجر بـابنها، إن أراد أن يفجر فجر بغير أمه. يقول: إنـما كانت عائشة أمّا، والـمؤمنون بنون لها، مـحرّما علـيها، وقرأ: لَوْلا جاءُوا عَلَـيْهِ بأرْبَعَةِ شُهَدَاءَ... الآية.

١٩٥٧٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد ، قوله: ظَنّ الـمُؤْمِنُونَ وَالـمُؤْمِناتُ بأنْفُسِهِمْ خَيْرا قال لهم خيرا، ألا ترى أنه يقول: لا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ يقول: بعضكم بعضا، وسلم وا علـى أنفسكم، قال: يسلـم بعضكم علـى بعض.

١٩٥٧٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا هَوْذة، قال: حدثنا عوف عن الـحسن، فـي قوله: لَوْلا إذْ سَمِعْتُـمُوهُ ظَنّ الـمُؤْمِنُونَ وَالـمُؤْمِناتُ بأنْفُسِهِمْ خَيْرا يعني بذلك الـمؤمنـين والـمؤمنات.

و قوله: وَقالُوا هَذَا إفْكٌ مُبِـينٌ يقول: وقال الـمؤمنون والـمؤمنات: هذا الذي سمعناه من القول الذي رُمِيَ به عائشة من الفـاحشة: كذب وإثم، يبـين لـمن عقل وفكر فـيه أنه كذب وإثم وبهتان. كما:

١٩٥٧٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا هوذة، قال: أخبرنا عوف عن الـحسن: وَقالُوا هَذَا إفْكٌ مُبِـينٌ قالوا: إن هذا لا ينبغي أن يتكلـم به إلا من أقام علـيه أربعة من الشهود وأقـيـم علـيه حدّ الزنا.

١٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشّهَدَآءِ فَأُوْلَـَئِكَ عِندَ اللّه هُمُ الْكَاذِبُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: هلا جاء هؤلاء العصبة الذين جاءوا بـالإفك، ورمَوا عائشة بـالبهتان، بأربعة شهداء يشهدون علـى مقالتهم فـيها وما رَمَوها به فإذا لـم يأتوا بـالشهداء الأربعة علـى حقـيقة ما رمَوْها به فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللّه هُمُ الكاذِبُونَ يقول: فـالعُصْبة الذين رَمَوها بذلك عند اللّه هم الكاذبون فـيـما جاءوا به من الإفك.

١٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ لَمَسّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }.

يقول تعالـى ذكره: وَلَوْلا فَضْلُ اللّه عَلَـيْكُمْ أيها الـخائضون فـي أمر عائشة، الـمُشِيعُون فـيها الكذب والإثم، بتركه تعجيـل عقوبتكم وَرَحْمَتُهِ إياكم، لعفوه عنكم فـي الدّنْـيا والاَخِرَةِ بقبول توبتكم مـما كان منكم فـي ذلك، لَـمسّكُمْ فِـيـما خضتـم فـيه من أمرها عاجلاً فـي الدنـيا عَذَابٌ عَظِيـمٌ.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٥٧٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلَوْلا فَضْلُ اللّه عَلَـيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ هذا للذين تكلـموا فنشروا ذلك الكلام، لَـمَسّكُمْ فِـيـما أفْضْتُـمْ فِـيهِ عَذَابٌ عَظِيـمٌ.

١٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِذْ تَلَقّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مّا لّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيّناً وَهُوَ عِندَ اللّه عَظِيمٌ }.

يقول تعالـى ذكره: لـمسّكم فـيـما أفضتـم فـيه من شأن عائشة عذاب عظيـم، حين تلقّونه بألسنتكم. و(إذ) من صلة قوله (لـمسّكم) . و يعني ب قوله: تَلَقّوْنَهُ تتلقون الإفك الذي جاءت به العصبة من أهل الإفك، فتقبلونه، ويرويه بعضكم عن بعض يقال: تلقـيّت هذا الكلام عن فلان، بـمعنى أخذته منه وقـيـل ذلك لأن الرجل منهم فـيـما ذُكر يَـلْقـى آخر فـيقول: أَوَ مَا بلغك كذا وكذا عن عائشة؟ لـيُشِيع علـيها بذلك الفـاحشة. وذكر أنها فـي قراءة أُبـيّ: (إذْ تَتَلقّوْنَهُ) بتاءين، وعلـيها قَرَأَهُ الأمصار، غير أنهم قرءوها: تَلَقّوْنَهُ بتاء واحدة، لأنها كذلك فـي مصاحفهم. وقد رُوِيعن عائشة فـي ذلك، ما:

١٩٥٧٦ـ حدثنـي به مـحمد بن عبد اللّه بن عبد الـحكَم، قال: حدثنا خالد بن نزار، عن نافع، عن ابن أبـي ملـيكة، عن عائشة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم ، أنها كانت تقرأ هذه الآية: (إذْ تَلِقُوْنَهُ بألْسِنَتِكُمْ) تقول: إنـما هو وَلْق الكذب، وتقول: إنـما كانوا يَـلِقُون الكذب. قال ابن أبـي ملـيكة: وهي أعلـم بـما فـيها أنزلت.

قال نافع: وسمعت بعض العرب يقول: اللّـيْق: الكذب.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا نافع بن عمر بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن معمر الـجَمَـحِيّ، عن ابن أبـي ملـيكة، عن عائشة، أنها كانت تقرأ: (إذْ تَلِقُونَهُ بألْسِنَتُكُمْ) وهي أعلـم بذلك وفـيها أنزلت، قال ابن أبـي ملـيكة: هو من وَلْق الكذب.

قال أبو جعفر: وكأن عائشة وَجّهت معنى ذلك بقراءتها (تلِقُونَهُ) بكسر اللام وتـخفـيف القاف، إلـى: إذ تستـمرّون فـي كذبكم علـيها وإفككها بألسنتكم، كما يقال: وَلَق فلان فـي السير فهو يَـلِق: إذا استـمرّ فـيه وكما قال الراجز:

إنّ الـجُلَـيْدَ زَلِقٌ وَزُمَلِقْجاءتْ بِهِ عَنْسٌ مِنَ الشّأَمِ تَلِقْمُ

جَوّعُ البَطْنِ كِلابِـيّ الـخُـلُقْ

وقد رُوي عن العرب فـي الوَلْق: الكذب: الأَلْق، والإِلق: بفتـح الألف وكسرها، ويقال فـي فعلت منه: أَلِقْتُ، فأنا أَلِقُ وقال بعضهم:

مَنْ لِـيَ بـالـمُزَرّرِ الـيَلامِقِصاحِبِ أدْهانٍ وألْقٍ آلِقِ

والقراءة التـي لا أستـجيز غيرها: إذْ تَلَقّوْنَهُ علـى ما ذكرت من قراءة الأمصار، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيها.

وبنـحو الذي قلنا من التأويـل فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٥٧٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد : إذْ تَلَقّوْنَهُ بألْسِنَتِكُمْ قال: تَرْوُونه بعضُكم عن بعض.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد : إذْ تَلَقّوْنَهُ قال: تَرْوُونه بعضُكم عن بعض.

 قوله: وَتَقُولُونَ بأفْوَاهِكُمْ ما لَـيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْـمٌ

يقول تعالـى ذكره: وتقولون بأفواهكم ما لـيس لكم به علـم من الأمر الذي تَرْوُونه، فتقولون: سمعنا أن عائشة فعلت كذا وكذا، ولا تعلـمون حقـيقة ذلك ولا صحته. وَتَـحْسَبُونَهُ هَيّنا وتظنون أن قولكم ذلك وروايتكموه بألسنتكم وتلقّـيكموه بعضكم عن بعض، هَيّنٌ سهل، لا إثم علـيكم فـيه ولا حرج. وَهُوَ عِنْدَ اللّه عَظِيـمٌ يقول: وتلقّـيكم ذلك كلك وقولُكموه بأفواهكم، عند اللّه عظيـم من الأمر لأنكم كنتـم تؤذون به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وحلـيـلته.

١٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْلآ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مّا يَكُونُ لَنَآ أَن نّتَكَلّمَ بِهَـَذَا سُبْحَانَكَ هَـَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ }.

يقول تعالـى ذكره: فَلَوْلا أيها الـخائضون فـي الإفك الذي جاءت به عصبة منكم، إذْ سَمِعْتُـمُوهُ مـمن جاء به، قلتُـمْ ما يحلّ لنا أن نتكلـم بهذا، وما ينبغي لنا أن نتفوّه به سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتانٌ عَظِيـمٌ، تنزيها لك يا ربّ وبراءة إلـيك مـما جاء به هؤلاء هَذَا بُهْتانٌ عَظِيـمٌ يقول: هذا القول بهتان عظيـم.

١٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَعِظُكُمُ اللّه أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُمْ مّؤْمِنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: يذكّرُكم اللّه وينهاكم بآي كتابه، لئلا تعودوا لـمثل فعلكم الذي فعلتـموه فـي أمر عائشة من تلقّـيكم الإفك الذي رُوي علـيها بألسنتكم، وقولكم بأفواهكم ما لـيس لكم به علـم فـيها أبدا. إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ يقول: إن كنتـم تتعظون بعظات اللّه وتأتـمرون لأمره وتنتهون عما نهاكم عنه.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٥٧٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَيُبَـيّنُ اللّه لَكُمُ الاَياتِ وَاللّه عَلِـيـمٌ حَكِيـمٌ قال: والذي هو خيرٌ لنا من هذا، أن اللّه أعلـمنا هذا لكيلا نقع فـيه، لولا أن اللّه أعلـمنا لهلكنا كما هلك القوم، أن يقول الرجل: أنا سمعته ولـم أخترقه ولـم أتقوّله، فكان خيرا حين أعلـمناه اللّه ، لئلا ندخـل فـي مثله أبدا، وهو عند اللّه عظيـم.

و قوله: وَيُبَـيّنُ اللّه لَكُمُ الاَياتِ: ويفصّل اللّه لكم حججه علـيكم بأمره ونهيه، لـيتبـين الـمطيع له منكم من العاصي، واللّه علـيـم بكم وبأفعالكم، لا يخفـي علـيه شيء، وهو مـجاز الـمـحسنَ منكم بإحسانه والـمسىء بإساءته، حكيـم فـي تدبـير خـلقه وتكلـيفه ما كلّفهم من الأعمال وفرضه ما فرض علـيهم من الأفعال.

١٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيُبَيّنُ اللّه لَكُمُ الاَيَاتِ وَاللّه عَلِيمٌ حَكِيمٌ }.

يقول تعالـى ذكره: إن الذين يحبون أن يذيع الزنا فـي الذين صدّقوا بـاللّه ورسوله ويظهر ذلك فـيهم، لهم عَذَابٌ ألـيـمٌ يقول: لهم عذاب وجيع فـي الدنـيا، بـالـحدّ الذي جعله اللّه حدّا لرامي الـمـحصَناتِ والـمـحصَنـين إذا رموهم بذلك، وفـي الاَخرة عذاب جهنـم إن مات مُصِرّا علـى ذلك غير تائب. كما:

١٩٥٧٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قوله: يُحِبّونَ أنْ تَشِيعَ الفـاحِشَةُ قال: تظهر فـي شأن عائشة.

١٩٥٨٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: إنّ الّذِينَ يُحِبّونَ أنْ تَشِيعَ الفـاحِشَةُ فِـي الّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ ألِـيـمٌ قال: الـخبـيث عبد اللّه بن أبـيّ ابن سَلول، الـمنافق، الذي أشاع علـى عائشة ما أشاع علـيها من الفرية، لهم عَذَابٌ ألـيـمٌ.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: أنْ تَشِيعَ الفـاحِشَةُ قال: تظهر يتـحدّث عن شأن عائشة.

و قوله: وَاللّه يَعْلَـمُ وأنْتُـمْ لا تَعْلَـمُونَ

يقول تعالـى ذكره: واللّه يعلـم كذبَ الذين جاءوا بـالإفك من صدقهم، وأنتـم أيها الناس لا تعلـمون ذلك لأنكم لا تعلـمون الغيب، وإنـما يعلـم ذلك علاّم الغيوب. يقول: فلا تَروُوا ما لا علـم لكم به من الإفك علـى أهل الإيـمان بـاللّه ، ولا سيـما علـى حلائل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فتهلكوا.

١٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ الّذِينَ يُحِبّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الّذِينَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ وَاللّه يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: ولولا أن تفضّل اللّه علـيكم أيها الناس ورحمكم، وأن اللّه ذو رأفة، ذو رحمة بخـلقه، لهلكتـم فـيـما أفضتـم فـيه وعاجلتْكم من اللّه العقوبة. وترك ذكر الـجواب لـمعرفة السامع بـالـمراد من الكلام بعده، وه

و قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّبِعُوا خُطُوَاتِ الشّيْطانِ... الآية.

٢٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّه عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنّ اللّه رَءُوفٌ رّحِيمٌ }.

يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين به: يا أيها الذين صدّقوا اللّه ورسوله، لا تسلكوا سبـيـل الشيطان وطرقه ولا تقتفوا آثاره، بإشاعتكم الفـاحشة فـي الذين آمنوا وإذا عتكموها فـيهم وروايتكم ذلك عمن جاء به، فإن الشيطان يأمر بـالفحشاء وهي الزنا والـمنكر من القول.

وقد بـيّنا معنى الـخطوات والفحشاء فـيـما مضى بشواهد ذلك بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.

٢١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشّيْطَانِ وَمَن يَتّبِعْ خُطُوَاتِ الشّيْطَانِ ...}.

يقول تعالـى ذكره: ولولا فضل اللّه علـيكم أيها الناس ورحمته لكم، ما تَطَهّر منكم من أحد أبدا من دنس ذنوبه وشركه، ولكن اللّه يطهّر من يشاء من خـلقه.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٥٨١ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: وَلَوْلا فَضْلُ اللّه عَلَـيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ أبَدا يقول: ما اهتدى منكم من الـخلائق لشيء من الـخير ينفع به نفسه، ولـم يتق شيئا من الشرّ يدفعه عن نفسه.

١٩٥٨٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلَوْلا فَضْلُ اللّه عَلَـيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ أبَدا قال: ما زكى: ما أسلـم. وقال: كلّ شيء فـي القرآن من (زكى) أو (تَزَكّي) فهو الإسلام.

و قوله: وَاللّه سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ يقول: واللّه سميع لـما تقولون بأفواهكم وتَلَقّوْنه بألسنتكم وغير ذلك من كلامكم، علـيـم بذلك كله وبغيره من أموركم، مـحيط به مـحصيه علـيكم، لـيجازيَكم بكل ذلك.

٢٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسّعَةِ أَن يُؤْتُوَاْ أُوْلِي الْقُرْبَىَ ...}.

يقول تعالـى ذكره: ولا يحلف بـاللّه ذوو الفضل منكم، يعني ذوي التفضل والسّعة يقول: وذوو الـجِدَة.

واختلف القرّاء فـي قراءة قوله: وَلا يأْتَلِ فقرأته عامة قرّاء الأمصار: وَلا يَأْتَلِ بـمعنى: يفتعل من الأَلِـيّة، وهي القسم بـاللّه سوى أبـي جعفر وزيد بن أسلـم، فإنه ذُكِر عنهما أنهما قرآ ذلك: (وَلا يَتأَلّ) بـمعنى: يتفعّل، من الأَلِـية.

والصواب من القراءة فـي ذلك عندي قراءة من قرأ: ولا يأَتَل بـمعنى يفتعل من الأَلِـية وذلك أن ذلك فـي خطّ الـمصحف كذلك، والقراءة الأخرى مخالفة خطّ الـمصحف، فـاتبـاع الـمصحف مع قراءة جماعة القرّاء وصحّة الـمقروء به أولـى من خلاف ذلك كله. وإنـما عُنِـي بذلك أبو بكر الصدّيق رضي اللّه عنه فـي حلفه بـاللّه لا ينفق علـى مِسْطَح، فقال جلّ ثناؤه: ولا يحلف من كان ذا فضل من مال وسعة منكم أيها الـمؤمنون بـاللّه ألاّ يُعْطُوا ذَوِي قَرابتهم فـيصِلوا به أرحامهم، كمِسْطح، وهو ابن خالة أبـي بكر. والـمساكين: يقول: وذوي خَـلّة الـحاجة، وكان مِسْطح منهم، لأنه كان فقـيرا مـحتاجا. والـمهاجرين فـي سبـيـل اللّه وهم الذين هاجروا من ديارهم وأموالهم فـي جهاد أعداء اللّه ، وكان مِسْطَح منهم لأنه كان مـمن هاجر من مكة إلـى الـمدينة، وشهد مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بدرا. وَلْـيَعْفُوا يقول ولـيعفُوا عما كان منهم إلـيهم من جُرم، وذلك كجرم مِسْطح إلـى أبـي بكر فـي إشاعته علـى ابنته عائشة ما أشاع من الإفك. وَلْـيَصْفَحُوا يقول: ولـيتركوا عقوبتهم علـى ذلك، بحرمانهم ما كانوا يؤتونهم قبل ذلك، ولكن لـيعودوا لهم إلـى مثل الذي كانوا لهم علـيه من الإفضال علـيهم. ألا تُـحِبّونَ أنْ يَغْفِرَ اللّه لَكُمْ يقول: ألا تـحبون أن يستر اللّه علـيكم ذنوبكم بإفضالكم علـيهم، فـيترك عقوبتكم علـيها. وَاللّه غَفُورٌ لذنوب من أطاعه واتبع أمره، رحيـم بهم أن يعذّبهم مع اتبـاعهم أمره وطاعتهم إياه، علـى ما كان لهم من زلة وهفوة قد استغفروه منها وتابوا إلـيه من فعلها.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٥٨٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن الزهريّ، عن عَلقمة بن وقّاص اللـيثـيّ، وعن سعيد بن الـمسيب، وعن عرورة بن الزبـير، وعن عبـيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة، عن عائشة. قال: وثنـي ابن إسحاق، قال: حدثنا يحيى بن عبـاد بن عبد اللّه بن الزّبـير، عن أبـيه، عن عائشة. قال: وثنـي ابن إسحاق، قال: ثنـي عبد اللّه بن أبـي بكر بن مـحمد بن عمرو بن حزم الأنصاريّ، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة، قالت: لـما نزل هذا يعني قوله: إنّ الّذِينَ جاءُوا بـاْلإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ فـي عائشة، وفـيـمن قال لها ما قال قال أبو بكر، وكان ينفق علـى مسطح لقرابته وحاجته: واللّه لا أنفق علـى مسطح شيئا أبدا ولا أنفعه بنفع أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال وأدخـل علـيها ما أدخـل قالت: فأنزل اللّه فـي ذلك: وَلا يأَتَلِ أُولُوا الفَضْلِ مِنْكُمْ والسّعَةِ... الآية. قالت: فقال أبو بكر: واللّه إنـي لأحبّ أن يغفر اللّه لـي فرجع إلـى مسطح نفقتَه التـي كان يُنفِق علـيه، وقال: واللّه لا أنزعها منه أبدا.

١٩٥٨٤ـ حدثنـي علـيّ، قال حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسّعَةِ يقول: لا تُقْسِموا ألاّ تنفعوا أحدا.

١٩٥٨٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسّعَةِ... إلـى آخر الآية، قال: كان ناس من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد رَمَوا عائشة بـالقبـيح وأفشَوا ذلك وتكلوا به، فأقسم ناس من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فـيهم أبو بكر، ألاّ يتصدّق علـى رجل تكلـم بشيء من هذا ولا يصله، فقال: لا يُقْسِم أولوا الفضل منكم والسعة أن يصلوا أرحامهم وأن يعطوهم من أموالهم كالذي كانوا يفعلون قبل ذلك. فأمر اللّه أن يُغْفَر لهم وأن يُعْفَـى عنهم.

١٩٥٨٦ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسّعَةِ: لـما أنزل اللّه تعالـى ذكره عذر عائشة من السماء، قال أبو بكر وآخرون من الـمسلـمين: واللّه لا نصل رجلا منهم تَكَلّـم بشيء من شأن عائشة ولا ننفعه فأنزل اللّه : وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسّعة يقول: ولا يحلف.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسّعَةِ أنْ يُؤْتُوا أُولـي القُرْبَى قال: كان مِسْطَح ذا قرابة. والَـمَساكِينَ قال: كان مسكينا. وَالـمُهاجِرِينَ فِـي سَبِـيـلِ اللّه كان بدْريّا.

١٩٥٨٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الفَضْلِ مِنْكُمْ والسّعَةِ قال: أبو بكر حلف أن لا ينفع يتـيـما فـي حِجْره كان أشاع ذلك. فلـما نزلت هذه الآية قال: بلـى أنا أحبّ أن يغفر اللّه لـي، فَلاكوننّ لـيتـيـمي خيرَ ما كنت له قطّ.

٢٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ الّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُواْ فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }.

يقول تعالـى ذكره: إنّ الّذِينَ يَرْمُونَ بـالفـاحشة الـمُـحْصَناتِ يعني العفـيفـات الغافِلاتِ عن الفواحش الـمُؤْمِناتِ بـاللّه ورسوله، وما جاء به من عند اللّه ، لُعِنُوا فِـي الدّنـيْا والاَخِرَةِ يقول: أُبْعِدوا من رحمة اللّه فـي الدنـيا والاَخرة. وَلَهُمْ فـي الاَخرة عَذَابٌ عَظِيـمٌ وذلك عذاب جهنـم.

واختلف أهل التأويـل فـي الـمـحصنات اللاتـي هذا حكمهن، فقال بعضهم: إنـما ذلك لعائشة خاصة، وحكم من اللّه فـيها وفـيـمن رماها، دون سائر نساء أمة نبـينا صلى اللّه عليه وسلم . ذكر من قال ذلك:

١٩٥٨٨ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب، قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا خَصِيف، قال: قلت لسعيد بن جُبـير: الزنا أشدّ أم قذف الـمـحصَنة؟ فقال: الزنا. فقلت: ألـيس اللّه يقول: إنّ الّذِينَ يَرْمُونَ الـمُـحْصَناتِ... الآية؟ قال سعيد: إنـما كان هذا لعائشة خاصة.

١٩٥٨٩ـ حدثنا أحمد بن عبدة الضبـي، قال: حدثنا أبو عوانة، عن عمر بن أبـي سَلَـمة، عن أبـيه، قال: قالت عائشة: رُمِيت بـما رُمِيت به وأنا غافلة، فبلغنـي بعد ذلك، قالت: فبـينـما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عندي جالس، إذ أُوحي إلـيه، وكان إذا أوحي إلـيه أخذه كهيئة السّبـات. وإنه أُوحي إلـيه وهو جالس عندي، ثم استوى جالسا يـمسح عن وجهه، وقال: (يا عائشة أبْشِري) قالت: فقلت: بحمد اللّه لا بحمدك فقرأ: إنّ الّذِينَ يَرْمُونَ الـمُـحْصَناتِ الغافِلاتِ الـمُؤْمِناتِ... حتـى بلغ: أُولَئِكَ مُبَرّءُونَ مِـمّا يَقُولُونَ.

وقال آخرون: بل ذلك لأزواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خاصة دون سائر النساء غيرهنّ. ذكر من قال ذلك:

١٩٥٩٠ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: إنّ الّذِينَ يَرْمُونَ الـمُـحْصَناتِ الغافِلاتِ الـمُؤْمِناتِ... الآية، أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم خاصة.

وقال آخرون: نزلت هذه الآية فـي شأن عائشة، وعُنـي بها كلّ من كان بـالصفة التـي وصف اللّه هذه الآية. قالوا: فذلك حكم كلّ من رَمى مـحصنة لـم تقارف سُوءا. ذكر من قال ذلك:

١٩٥٩١ـ حدثنا علـيّ بن سهل، قال: حدثنا زيد، عن جعفر بن برقان، قال: سألت ميـمونا، قلت: الذي ذكر اللّه : الّذينَ يَرْمُونَ الـمُـحْصَناتِ ثُمّ لَـمْ يَأْتُوا بأرْبَعَةِ شُهَدَاءَ... إلـى قوله: إلاّ الّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلكَ وأصْلَـحُوا فإنّ اللّه غَفُورٌ رَحِيـمٌ فجعل فـي هذه توبة، وقال فـي الأخرى: إنّ الّذِينَ يَرْمُونَ الـمُـحْصَناتِ الغافِلاتِ... إلـى قوله: لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيـمٌ؟ قال ميـمون: أما الأولـى فعسى أن تكون قد قارفت، وأما هذه فهي التـي لـم تقارف شيئا من ذلك.

١٩٥٩٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا العوّام بن حوشب، عن شيخ من بنـي أسد، عن ابن عباس ، قال: فسّر سورة النور، فلـما أتـى علـى هذه الآية: إنّ الّذِينَ يرْمُونَ الـمُـحْصَناتِ الغافِلاتِ الـمُؤْمِناتِ... الآية، قال: هذا فـي شأن عائشة وأزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وهي مبهمة، ولـيست لهم توبة. ثم قرأ: وَالّذِينَ يَرْمُونَ الـمُـحْصَناتِ ثُمّ لَـمْ يَأتُوا بأرْبَعَةِ شُهَدَاءَ... إلـى قوله: إلاّ الّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْد ذلك وأصْلَـحُوا... الآية، قال: فجعل لهؤلاء توبة، ولـم يجعل لـمن قذف أولئك توبة. قال: فهمّ بعض القوم أن يقوم إلـيه فـيقبل رأسه من حسن ما فسّر سورة النور.

١٩٥٩٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: إنّ الّذِينَ يَرْمُونَ الـمُـحْصَناتِ الغافِلاتِ الـمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِـي الدّنـيْا والاَخِرَةِ ولَهُمْ عَذَابٌ عَظِيـمٌ قال: هذا فـي عائشة، ومن صنع هذا الـيومَ فـي الـمسلـمات فله ما قال اللّه ، ولكن عائشة كانت إمام ذلك.

وقال آخرون: نزلت هذه الآية فـي أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فكان ذلك كذلك حتـى نزلت الآية التـي فـي أوّل السورة فأوجب الـجَلْد وقبل التوبة. ذكر من قال ذلك:

١٩٥٩٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي قال: حدثنا أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: إنّ الّذِينَ يَرْمُونَ الـمُـحْصَناتِ الغافِلاتِ الـمُؤْمِنات... إلـى: عَذَابٌ عَظِيـمٌ يعني أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم ، رماهنّ أهل النفـاق، فأوجب اللّه لهم اللعنة والغضب وبـاءوا بسخط من اللّه . وكان ذلك فـي أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ثم نزل بعد ذلك: وَالّذِينَ يَرْمُونَ الـمُـحْصَناتِ ثُمّ لَـمْ يَأْتُوا بأرْبَعَةِ شُهَدَاءَ... إلـى قوله: فإنّ اللّه غَفُورٌ رَحِيـمٌ فأنزل اللّه الـجلد والتوبة، فـالتوبة تُقبل، والشهادة تردّ.

وأولـى هذه الأقوال فـي ذلك عندي بـالصواب قول من قال: نزلت هذه الآية فـي شأن عائشة، والـحكم بها عامّ فـي كلّ من كان بـالصفة التـي وصفه اللّه بها فـيها.

وإنـما قلنا ذلك أولـى تأويلاته بـالصواب، لأن اللّه عمّ ب قوله: إنّ الّذِينَ يَرمُونَ الـمُـحْصَناتِ الغافِلاتِ الـمُؤْمِناتِ كلّ مـحصنة غافلة مؤمنة رماها رام بـالفـاحشة، من غير أن يحضّ بذلك بعضا دون بعض، فكلّ رام مـحصنة بـالصفة التـي ذكر اللّه جل ثناؤه فـي هذه الآية فملعون فـي الدنـيا والاَخرة وله عذاب عظيـم، إلا أن يتوب من ذنبه ذلك قبل وفـاته، فإن اللّه دلّ بـاستثنائه ب قوله: إلاّ الّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلكَ وأصْلَـحُوا علـى أن ذلك حكم رامي كل مـحصنة بأيّ صفة كانت الـمـحصنة الـمؤمنة الـمرمية، وعلـى أن قوله: لُعِنُوا فـي الدّنـيْا والاَخِرَةِ، وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيـمٌ معناه: لهم ذلك إن هلكوا ولـم يتوبوا.

٢٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: ولهم عذاب عظيـم يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَـيْهِمْ ألْسِنَتُهُمْ ف(الـيوم) الذي فـي قوله: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَـيْهِمْ من صلة قوله: وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيـمٌ. وعُنِـي ب قوله: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَـيهِمْ ألْسِنَتُهُمْ يوم القـيامة وذلك حين يجحد أحدهما ما اكتسب فـي الدنـيا من الذنوب عند تقرير اللّه إياه بها، فـيختـم اللّه علـى أفواههم، وتشهد علـيهم أيديهم وأرجلهم بـما كانوا يعملون.

فإن قال قائل: وكيف تشهد علـيهم ألسنتهم حين يختـم علـى أفواههم؟

قـيـل: عُنِـي بذلك أن ألسنة بعضهم تشهد إلـى بعض، لا أن ألسنتهم تنطق وقد ختـم علـى الأفواه. وقد:

١٩٥٩٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو، عن درّاج، عن أبـي الهيثمي، عن أبـي سعيد، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إذَا كانَ يَوْمُ القِـيامَةِ عُرِفَ الكافِرُ بعَمَلِهِ، فَجَحَدَ وَخاصَمَ، فَـيُقالُ لَهُ: هَؤُلاءِ جيرَانُكَ يَشْهَدُونَ عَلَـيْكَ، فَـيَقُولُ: كَذَبُوا فَـيَقُولُ: أهْلُكَ وَعَشِيرَتُكَ، فَـيَقُولُ: كَذَبُوا فَـيَقُولُ: أتَـحْلِفُونَ؟ فَـيَحْلِفُونَ. ثُمّ يُصْمِتُهُمُ اللّه ، وتَشْهَدُ ألْسِنَتُهُمْ، ثُمّ يُدْخِـلُهُمُ النّارُ) .

٢٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَوْمَئِذٍ يُوَفّيهِمُ اللّه دِينَهُمُ الْحَقّ وَيَعْلَمُونَ أَنّ اللّه هُوَ الْحَقّ الْمُبِينُ }.

يقول تعالـى ذكره: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَـيْهِمْ ألْسِنَتُهُمْ وأيْدِيهِمْ وأرْجُلُهُمْ بِـمَا كانُوا يَعْمَلُونَ يوفـيهم اللّه حسابهم وجزاءهم الـحقّ علـى أعمالهم. والدّين فـي هذا الـموضع: الـحساب والـجزاء، كما:

١٩٥٩٦ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، فـي قوله: يَوْمَئِذٍ يُوَفّـيهِمُ اللّه دينَهُمُ الـحَقّ يقول: حسابهم.

واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: الـحَقّ فقرأته عامة قرّاء الأمصار: دِينَهُمُ الـحَقّ نصبـا علـى النعت للدين، كأنه قال: يوفـيهم اللّه أعمالهم حقّا. ثم أدخـل فـي الـحقّ الألف واللام، فنصب بـما نصب به الدين. وذُكر عن مـجاهد أنه قرأ ذلك: (يُوَفّـيهِمُ اللّه دِينَهُمُ الـحَقّ) برفع (الـحقّ) علـى أنه من نعت اللّه .

١٩٥٩٧ـ حدثنا بذلك أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا يزيد، عن جرير بن حازم، عن حميد، عن مـجاهد ، أنه قرأها (الـحقّ) بـالرفع. قال جرير: وقرأتها فـي مصحف أُبـيّ بن كعب يُوَفّـيهِمُ اللّه الـحَقّ دِينَهُمْ.

والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا ما علـيه قرّاء الأمصار، وهو نصب (الـحقّ) علـى إتبـاعه إعراب (الدين) لإجماع الـحجة علـيه.

و قوله: وَيَعْلَـمُونَ أنّ اللّه هُوَ الـحَقّ الـمُبِـينُ يقول: ويعلـمون يومئذٍ أن اللّه هو الـحقّ الذي يبـين لهم حقائق ما كان يعدهم فـي الدنـيا من العذاب، ويزول حينئذٍ الشكّ فـيه عن أهل النفـاق الذين كانوا فـيـما كان يَعِدُهم فـي الدنـيا يـمترون.

٢٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطّيّبَاتُ لِلطّيّبِينَ ...}.

اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك فقال بعضهم: معناه: الـخبـيثات من القول للـخبثـيـين من الرجال، والـخبـيثون من الرجال للـخبـيثات من القول، والطيبـات من القول للطيبـين من الناس، والطيبون من الناس للطيبـات من القول. ذكر من قال ذلك:

١٩٥٩٨ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: الـخَبِـيثاتُ للـخَبـيثِـينِ والـخَبِـيثُونَ للْـخَبِـيثاتِ يقول: الـخبـيثات من القول للـخبـيثـين من الرجال، والـخبـيثون من الرجال للـخبـيثات من القول.

و قوله: والطّيّبـاتُ للطّيّبِـينَ يقول: الطيبـات من القول للطيبـين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبـات من القول. نزلت فـي الذين قالوا فـي زوجة النبي صلى اللّه عليه وسلم ما قالوا من البهتان. ويقال: الـخبـيثات للـخبـيثـين: الأعمال الـخبـيثة تكون للـخبـيثـين، والطيبـات من الأعمال تكون للطيبـين.

١٩٥٩٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن عثمان بن الأسود، عن مـجاهد : الـخبـيثات من الكلام للـخبـيثـين من الناس، والطيبـات من الكلام للطيبـين من الناس.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، مثله.

١٩٦٠٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى عن ابن أبـي نـجيح، فـي قول اللّه : الـخَبِـيثاتُ للْـخَبِـيثِـينَ والـخَبِـيثُونَ للْـخَبِـيثاتِ والطّيّبـاتُ للطّيّبِـينَ والطّيّبُونَ لِلطّيّبـاتِ قال: الطيبـات: القول الطيب يخرج من الكافر والـمؤمن فهو للـمؤمن والـخبـيثات: القول الـخبـيث يخرج من الـمؤمن والكافر فهو للكافر. أُولَئِكَ مُبَرّءُونَ مِـمّا يَقُولُونَ وذلك أنه برأ كلـيهما مـما لـيس بحقّ من الكلام.

١٩٦٠١ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: الـخَبِـيثاتُ للْـخَبِـيثِـينَ والـخَبِـيثُونَ للْـخَبِـيثاتِ والطّيّبـاتُ لِلطّيّبـينَ والطّيّبُونَ لِلطّيّبـاتِ يقول: الـخبـيثات والطيبـات: القول السيء والـحسن للـمؤمنـين الـحسن وللكافرين السيء. أُولَئِكَ مُبَرءُونَ مِـمّا يَقُولُونَ وذلك بأنه ما قال الكافرون من كلـمة طيبه فهي للـمؤمنـين، وما قال الـمؤمنون من كلـمة خبـيثة فهي للكافرين، كلّ برىء مـما لـيس بحقّ من الكلام.

١٩٦٠٢ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد : الـخَبِـيثاتُ للْـخَبِـيثِـينَ قال: الـخبـيثات من الكلام للـخبـيثـين من الناس، والـخبـيثون من الناس للـخبـيثات من الكلام.

حدثنا الـحسن قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال أخبرنا معمر عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد ، مثله.

١٩٦٠٣ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: الـخَبِـيثاتُ للْـخَبِـيثـينَ... الآية، يقول: الـخبـيثات من القول للـخبـيثـين من الرجال، والـخبـيثون من الرجال للـخبـيثات من القول، والطيبـات من القول للطيبـين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبـات من القول. فهذا فـي الكلام، وهم الذين قالوا لعائشة ما قالوا، هم الـخبـيثون. والطيبون هم الـمبرّءون مـما قال الـخبـيثون.

١٩٦٠٤ـ حدثنا أبو زرعة، قال حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سلـمة، يعني ابن نبـيط الأشجعيّ، عن الضحاك : الـخَبِـيثاتُ للْـخَبِـيثِـين قال: الـخبـيثات من الكلام للـخبـيثـين من الناس، والطيبـات من الكلام للطيبـين من الناس.

١٩٦٠٥ـ قال: حدثنا قبـيصة، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح وعثمان بن الأسود، عن مـجاهد : الـخَبِـيثاتُ للْـخَبِـيثِـينَ والـخَبِـيثُونَ للْـخَبـيثاتِ والطّيّبـاتُ للطّيّبِـينَ والطّيّبُونَ للطّيّبـاتِ قال: الـخبـيثات من الكلام للـخبـيثـين من الناس والـخبـيثون من الناس للـخبـيثات من القول، والطيبـات من القول للطيبـين من الناس والطيبون من الناس للطيبـات من القول.

١٩٦٠٦ـ قال: حدثنا عن خصيف، عن سعيد بن جبـير، قال: الـخَبِـيثَاتُ للْـخَبِـيثِـينَ والـخَبِـيثُونَ للْـخَبِـيثاتِ والطّيّبَـاتُ للطّيّبِـينَ والطّيّبُونَ للطّيّبَـاتِ قال: الـخبـيثات من القول للـخبـيثـين من الناس، والـخبـيثون من الناس للـخبـيثات من القول، والطيبـات من القول للطيبـين من الناس، والطيبون من الناس للطيبـات من القول.

١٩٦٠٧ـ قال: ثنـي مـحمد بن بكر بن مقدم، قال: أخبرنا يحيى بن سعيد، عن عبد الـملك، يعني ابن أبـي سلـيـمان، عن القاسم بن أبـي بَزّة، عن سعيد بن جبـير، عن مـجاهد : والـخَبِـيثُونَ للْـخَبِـيثاتِ قال: الـخبـيثات من القول للـخبـيثـين من الناس.

١٩٦٠٨ـ قال: حدثنا عباس بن الولـيد النّرسيّ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة : الـخبِـيثاتُ للْـخَبـيثِـينَ والـخَبِـيثُونَ للْـخَبِـيثاتِ والطّيّبـاتُ للطّيّبِـينَ والطّيّبُونَ للطّيّبـاتِ يقول: الـخبـيثات من القول والعمل للـخبـيثـين من الناس، والـخبـيثون من الناس للـخبـيثات من القول والعمل.

١٩٦٠٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن طلـحة بن عمرو، عن عطاء، قال: الطيبـات للطيبـين، والطيبون للطيبـات، قال: الطيبـات من القول للطيبـين من الناس، والطيبون من الناس للطيبـات من القول، والـخبـيثات من القول للـخبـيثـين من الناس، والـخبـيثون من الناس للـخبـيثات من القول.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: الـخبـيثات من النساء للـخبـيثـين من الرجال، والـخبـيثون من الرجال للـخبـيثات من النساء. ذكر من قال ذلك:

١٩٦١٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: الـخَبِـيثاتُ للْـخَبِـيثِـينَ والـخَبِـيثُونَ للْـخَبِـيثاتِ والطّيّبـاتُ للطّيّبِـينَ والطّيّبُونَ للطّيّبَـاتِ قال: نزلت فـي عائشة حين رماها الـمنافق بـالبهتان والفِرْية، فبرأها اللّه من ذلك. وكان عبد اللّه بن أُبـي هو خبـيث، وكان هو أولـى بأن تكون له الـخبـيثة ويكونَ لها. وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم طيبـا، وكان أولـى أن تكون له الطيبة. وكانت عائشة الطيبة، وكانَ أولـى أن يكون لها الطيب. أُولَئكَ مُبَرّءُون مِـمّا يَقُولُونَ قال: هاهنا بُرّئت عائشة. لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ورِزْقٌ كَرِيـمٌ.

وأولـى هذه الأقوال فـي تأويـل الآية قول من قال: عَنَى بـالـخبـيثات: الـخبـيثات من القول وذلك قبـيحه وسيئه للـخبـيثـين من الرجال والنساء، والـخبـيثون من الناس للـخبـيثات من القول هم بها أولـى، لأنهم أهلها. والطيبـات من القول وذلك حسنه وجميـله للطيبـين من الناس، والطيبون من الناس للطيبـات من القول لأنهم أهلها وأحقّ بها.

وإنـما قلنا هذا القول أولـى بتأويـل الآية، لأن الاَيات قبل ذلك إنـما جاءت بتوبـيخ اللّه للقائلـين فـي عائشة الإفك، والرامين الـمـحصنات الغافلات الـمؤمنات، وإخبـارهم ما خَصّهم به علـى إفكهم، فكان ختـم الـخبر عن أولـى الفريقـين بـالإفك من الرامي والـمرمي به أشبه من الـخبر عن غيرهم.

و قوله: أُولَئِكَ مُبَرّءُونَ يقول: الطيبون من الناس مبرّءون من خبـيثات القول، إن قالوها فإن اللّه يصفح لهم عنها ويغفرها لهم، وإن قـيـلت فـيهم ضرّت قائلها ولـم تضرّهم، كما لو قال الطيب من القول الـخبـيث من الناس لـم ينفعه اللّه به لأن اللّه لا يتقبّله، ولو قـيـلت له لضرّته لأنه يـلـحقه عارها فـي الدنـيا وذلها فـي الاَخرة. كما:

١٩٦١١ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد : أُولَئِكَ مُبَرّءُونَ مِـمّا يَقُولُونَ فمن كان طيبـا فهو مبرأ من كل قول خبـيث، يقول: يغفره اللّه ومن كان خبـيثا فهو مبرأ من كل قول صالـح، فإنه يردّه اللّه علـيه لا يقبله منه. وقد

قـيـل: عُنِـي ب قوله: أُولَئِكَ مُبَرّءُونَ مِـمّا يَقُولُونَ عائشة وصفوان بن الـمعطّل الذي رُمِيت به. فعلـى هذا القول قـيـل (أولئك) فجمع، والـمراد (ذانك) ، كما

قـيـل: فإن كان له إخوة، والـمراد أخوان.

و قوله: لَهُمْ مَغْفِرَةٌ يقول لهؤلاء الطيبـين من الناس مغفرة من اللّه لذنوبهم، والـخبـيث من القول إن كان منهم. وَرِزْقٌ كَرِيـمٌ يقول: ولهم أيضا مع الـمغفرة عطية من اللّه كريـمة، وذلك الـجنة، وما أُعِدّ لهم فـيها من الكرامة. كما:

١٩٦١٢ـ حدثنا أبو زرْعة، قال: حدثنا العباس بن الولـيد النّرسيّ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة : لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيـمٌ مغفرة لذنوبهم ورزق كريـم فـي الـجنة.

٢٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّىَ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ عَلَىَ أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لّكُمْ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ }.

اختلف أهل التأويـل فـي ذلك، فقال بعضهم: تأويـله يا أيها الذين آمنوا لا تدخـلوا بـيوتا غير بـيوتكم حتـى تستأذنوا. ذكر من قال ذلك:

١٩٦١٣ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عباس ، أنه كان يقرأ: (لا تَدْخُـلُوا بُـيُوتا عيرَ بُـيُوتِكُمْ حتـى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلّـمُوا عَلـى أهْلِها) قال: وإنـما (تستأنسوا) وَهَمٌ من الكتاب.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جُبـير، عن ابن عباس فـي هذه الآية: لا تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ بُـيُوتِكُمْ حتـى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلّـمُوا علـى أهْلِها وقال: إنـما هي خَطَأ من الكاتب: (حتـى تستأذنوا وتسلـموا) .

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جُبـير، بـمثله، غير أنه قال: إنـما هي حتـى تستأذنوا، ولكنها سقط من الكاتب.

١٩٦١٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن عطية، قال: حدثنا معاذ بن سلـيـمان، عن جعفر بن إياس، عن سعيد، عن ابن عباس : حتـى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلّـمُوا عَلـى أهْلِها قال: أخطأ الكاتب. وكان ابن عباس يقرأ: (حتـى تَسْتأْذِنُوا وَتُسَلّـمُوا) وكان يقرؤها علـى قراءة أُبـيّ بن كعب.

١٩٦١٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش أنه كان يقرؤها: (حتـى تَسْتأذِنوا وتُسَلّـمُوا) قال سفـيان: وبلغنـي أن ابن عباس كان يقرؤها: (حتـى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلّـمُوا) وقال: إنها خَطَأ من الكاتب.

١٩٦١٦ـ حدثنا مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ بُـيُوتِكُمْ حتـى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلّـمُوا علـى أهْلِها قال: الاستئناس: الاستئذان.

١٩٦١٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي هشيـم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيـم، قال: فـي مصحف ابن مسعود: (حتـى تُسَلّـموا عَلـى أهْلِها وَتَسْتَأذِنُوا) .

قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا جعفر بن إياس، عن سعيد، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: (يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ بُـيُوتِكُمْ حتـى تُسَلّـمُوا عَلـى أهْلِها وَتَسْتأذِنُوا) قال: وإنـما تستأنسوا وَهم من الكُتّاب.

١٩٦١٨ـ قال: حدثنا هشيـم، قال مغيرة، قال مـجاهد : جاء ابن عمر من حاجة وقد آذاه الرّمْضاء، فأتـى فُسطاط امرأة من قريش، فقال: السلام علـيكم، أدخـل؟ فقالت: ادخـل بسلام فأعاد، فأعادت، وهو يراوح بـين قدميه، قال: قولـي ادْخـل قالت: ادخـل فدخـل.

١٩٦١٩ـ قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا منصور، عن ابن سيرين، وأخبرنا يونس بن عبـيد، عن عمرو بن سعيد الثقـفـيّ: أنّ رجلاً استأذن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال: أَلِـج أو أَنَلِـج؟ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم لأمة له يقال لها رَوْضة: (قومي إلـى هَذَا فَكَلّـمِيهِ، فإنّهُ لا يُحْسِنُ يَسْأْذِنُ، فَقُولـي لَهْ يَقُولُ: السّلامُ عَلَـيْكُمْ، أدْخُـل؟) فسمعها الرجل، فقالها، فقال: (أُدْخُـلْ) .

١٩٦٢٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس ، قوله: حتـى تَسْتأْنِسوا قال: الاستئذان، ثم نُسخ واستثنـي: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ.

١٩٦٢١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا أبو حمزة، عن الـمغيرة، عن إبراهيـم، قوله: لا تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ بُـيُوتِكُمْ قال: حتـى تسلّـموا علـى أهلها وتستأذنوا.

١٩٦٢٢ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة : حتـى تَسْتَأْنِسُوا قال: حتـى تستأذنوا وتسلّـموا.

١٩٦٢٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا أشعث بن سوار، عن كردوس، عن ابن مسعود، قال: علـيكم أن تستأذنوا علـى أمهاتكم وأَخَواتكم.

قال أشعث عن عديّ بن ثابت: أن امرأة من الأنصار، قالت: يا رسول اللّه ، إنـي أكون فـي منزلـي علـى الـحال التـي لا أحبّ أن يرانـي أحد علـيها والد ولا ولد، وإنه لا يزال يدخـل علـيّ رجل من أهلـي وأنا علـى تلك الـحال؟ قال: فنزلت: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ بُـيُوتِكُمْ حتـى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلّـمُوا علـى أهْلِها... الآية.

وقال آخرون: معنى ذلك: حتـى تُؤْنِسوا أهل البـيت بـالتنـحنـح والتنـخم وما أشبهه، حتـى يعلـموا أنكم تريدون الدخول علـيهم. ذكر من قال ذلك:

١٩٦٢٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن مـحمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبـي بزة، عن مـجاهد ، فـي قوله: لا تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ بُـيُوتِكُمْ حتـى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلّـمُوا عَلـى أهْلِها قال: حتـى تتنـحنـحوا وتتنـخموا.

حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، مثله.

١٩٦٢٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه : حتـى تَسْتَأْنسُوا قال: حتـى تـجرّسوا وتسلـموا.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قوله: حتـى تَسْتَأْنِسُوا قال: تَنَـحْنـحوا وتَنَـخّموا.

١٩٦٢٦ـ قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: سمعت عطاء بن أبـي ربـاح يخبر عن ابن عباس ، قال: ثلاث آيات قد جحدهنّ الناس، قال اللّه : إنّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّه أتْقاكُمْ قال: ويقولون: إن أكرمهم عند اللّه أعظمهم شأنا. قال: والإذن كله قد جحده الناس فقلت له: أستأذن علـى أَخَواتـي أيتامٍ فـي حِجري معي فـي بـيت واحد؟ قال: نعم، فرددت علـى من حضرنـي، فأبى، قال: أتـحبّ أن تراها عريانة؟ قلت: لا. قال: فـاستأذِن فراجعته أيضا، قال: أتـحبّ أن تطيع اللّه ؟ قلت: نعم، قال: فـاستأذِن فقال لـي سعيد بن جُبـير: إنك لَتُرَدّد علـيه قلت: أردت أن يرخص لـي.

١٩٦٢٧ـ قال ابن جُرَيج: وأخبرنـي ابن طاوس، عن أبـيه، قال: ما من امرأة أكره إلـيّ أن أرى كأنه يقول عريتها أو عريانة من ذات مـحرم. قال: وكان يشدّد فـي ذلك. قال ابن جُرَيج، وقال عطاء بن أبـي ربـاح: وإذا بلغ الأطفـال منكم الـحلـم فلـيستأذنوا، فواجب علـى الناس أجمعين إذا احتلـموا أن يستأذنوا علـى من كان من الناس. قلت لعطاء: أواجب علـى الرجل أن يستأذن علـى أمه ومَنْ وراءَها من ذات قرابته؟ قال: نعم. قلت: أَبِرّ وَجَب؟ قال قوله: وَإذَا بَلَغَ الأطْفـالُ مِنْكُمُ الـحُلُـمَ فَلْـيَسْتأْذِنُوا. قال ابن جُرَيج: وأخبرنـي ابن زياد: أن صفوان مولـى لبنـي زُهْرة، أخبره عن عطاء بن يسار: أن رجلاً قال للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم : أَسْتأذِنُ علـى أمي؟ قال: (نَعَمْ) . قال: إنها لـيس لها خادم غيري، أفأستأذن علـيها كلـما دخـلت؟ قال: (أتُـحبّ أنْ تَراها عُرْيانَةً؟) قال الرجل: لا. قال: (فـاسْتأْذِنْ عَلَـيْها) . قال ابن جُرَيج عن الزهريّ، قال: سمعت هزيـل بن شُرَحبـيـل الأَوْدِيّ الأعمى، أنه سمع ابن مسعود يقول: علـيكم الإذن علـى أمهاتكم.

١٩٦٢٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قلت لعطاء: أيستأذن الرجل علـى امرأته؟ قال: لا.

١٩٦٢٩ـ حدثنا الـحسين، قال: حدثنا مـحمد بن حازم، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن يحيى بن الـجزّار، عن ابن أخي زينب امرأة ابن مسعود، عن زينب قالت: كان عبد اللّه إذا جاء من حاجة فـانتهى إلـى البـاب، تنـحنـح وبَزَق، كراهة أن يَهْجُم منا علـى أمر يكرهه.

١٩٦٣٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قول اللّه : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ بُـيُوتِكُمْ حتـى تَسْتأْنِسُوا قال: الاستئناس: التنـحنـح والتـجرّس، حتـى يعرفوا أن قد جاءهم أحد. قال: والتـجرّس: كلامه وتنـحنـحه.

والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يقال: إن الاستئناس: الاستفعال من الأنس، وهو أن يستأذن أهل البـيت فـي الدخول علـيهم، مخبرا بذلك من فـيه، وهل فـيه أحد؟ ولـيؤذنهم أنه داخـل علـيهم، فلـيأنس إلـى إذنهم له فـي ذلك، ويأنسوا إلـى استئذانه إياهم. وقد حُكِي عن العرب سماعا: اذهب فـاستأنس، هل ترى أحدا فـي الدار؟ بـمعنى: انظر هل ترى فـيها أحدا؟

فتأويـل الكلام إذن، إذا كان ذلك معناه: يا أيها الذين آمنوا لا تدخـلوا بـيوتا غير بـيوتكم حتـى تسلـموا وتستأذنوا، وذلك أن يقول أحدكم: السلام علـيكم، أدخـل؟ وهو من الـمقدم الذي معناه التأخير، إنـما هو: حتـى تسلـموا وتستأذنوا، كما ذكرنا من الرواية عن ابن عباس .

و قوله: ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ يقول: استئناسكم وتسلـيـمكم علـى أهل البـيت الذي تريدون دخوله، فإن دخولكموه خير لكم لأنكم لا تدرون أنكم إذا دخـلتـموه بغير إذن، علـى ماذا تهجُمون؟ علـى ما يسوءكم أو يسرّكم؟ وأنتـم إذا دخـلتـم بإذن، لـم تدخـلوا علـى ما تكرهون، وأدّيتـم بذلك أيضا حقّ اللّه علـيكم فـي الاستئذان والسلام.

و قوله: لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ يقول: لتتذكروا بفعلكم ذلك أو اللّه علـيكم، واللازم لكم من طاعته، فتطيعوه.

٢٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَإِن لّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتّىَ يُؤْذَنَ لَكُمُ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَىَ لَكُمْ وَاللّه بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }.

يقول تعالـى ذكره: فإن لـم تـجدوا فـي البـيوت التـي تستأذنون فـيها أحدا يأذن لكم بـالدخول إلـيها، فلا تدخـلوها، لأنها لـيست لكم، فلا يحلّ لكم دخولها إلا بإذن أربـابها، فإن أذن لكم أربـابها أن تدخـلوها فـادخـلوها. وَإنْ قِـيـلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فـارْجِعُوا يقول: وإن قال لكم أهل البـيوت التـي تستأذنون فـيها ارجعوا فلا تدخـلوها، فـارجعوا عنها ولا تدخـلوها هُوَ أزْكَى لَكُمْ يقول: رجوعكم عنها إذا قـيـل لكم ارجعوا، ولـم يؤذن لكم بـالدخول فـيها، أطهر لكم عند اللّه .

و قوله: هُوَ كناية من اسم الفعل، أعنى من قوله: فـارْجِعُوا.

و قوله: وَاللّه بِـمَا تَعْمَلُونَ عَلِـيـمٌ

يقول جلّ ثناؤه: واللّه بـما تعملون من رجوعكم بعد استئذانكم فـي بويت غيركم إذا قـيـل لكم ارجعوا وترك رجوعكم عنها وطاعتكم اللّه فـيـما أمركم ونهاكم فـي ذلك وغيره من أمره ونهيه، ذو علـم مـحيط بذلك كله، مُـحْصٍ جميعه علـيكم، حتـى يجازيَكم علـى جميع ذلك. وكان مـجاهد يقول فـي تأويـل ذلك ما:

١٩٦٣١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد : فإنْ لَـمْ تَـجِدُوا فِـيها أحَدا قال: إن لـم يكن لكم فـيها متاع، فلا تدخـلوها إلا بإذن. وَإنْ قِـيـلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فـارْجِعُوا.

حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، مثله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله.

١٩٦٣٢ـ قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا هاشم بن القاسم الـمزنـيّ، عن قتادة ، قال: قال رجل من الـمهاجرين: لقد طلبت عمري كله هذه الآية فما أدركتها: أن أستأذن علـى بعض إخوانـي، فـيقول لـي: ارجع، فأرجع وأنا مغتبط، ل قوله: وَإنْ قِـيـلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فـارْجِعُوا هُوَ أزْكَى لَكُمْ.

وهذا القول الذي قاله مـجاهد فـي تأويـل قوله: فإنْ لَـمْ تَـجِدُوا فِـيها أحَدا بـمعنى: إن لـم يكن لكم فـيها مَتاع، قول بعيد من مفهوم كلام العرب لأن العرب لا تكاد تقول: لـيس بـمكان كذا أحد، إلا وهي تعنـي لـيس بها أحد من بنـي آدم. وأما الأمتعة وسائر الأشياء غير بنـي آدم ومن كان سبـيـله سبـيـلهم فلا تقول ذلك فـيها.

٢٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لّكُمْ وَاللّه يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: لـيس علـيكم أيها الناس إثم وحرج أن تدخـلوا بـيوتا لا ساكن بها بغير استئذان.

ثم اختلفوا فـي ذلك أيّ البـيوت عَنَى، فقال بعضهم: عَنعى بها الـخانات والبـيوت الـمبنـية بـالطرق التـي لـيس بها سكان معروفون، وإنـما بنـيت لـمارّة الطريق والسابلة لـيأوُوا إلـيها ويُؤْوُوا إلـيها أمتعتهم. ذكر من قال ذلك:

١٩٦٣٣ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا حجاج، عن سالـم الـمكّيّ، عن مـحمد ابن الـحنفـية، فـي قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ قال: هي الـخانات التـي تكون فـي الطرق.

١٩٦٣٤ـ حدثنـي عباس بن مـحمد، قال: حدثنا مسلـم، قال: حدثنا عمر بن فَرّوخ، قال: سمعت قتادة يقول: بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ قال: هي الـخانات تكون لأهل الأسفـار.

١٩٦٣٥ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد : لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ فِـيها مَتاعٌ لَكُمْ قال: كانوا يضعون فـي بـيوت فـي طرق الـمدينة متاعا وأقتابـا، فرُخّص لهم أن يدخـلوها.

١٩٦٣٦ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ قال: هي البـيوت التـي ينزلها السّفْر، لا يسكنها أحد.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: بُـيُوتا غيرَ مسْكُونَةٍ قال: كانوا يصنعون أو يضعون بطريق الـمدينة أقتابـا وأمتعة فـي بـيوت لـيس فـيها أحد، فأحلّ لهم أن يدخـلوها بغير إذن.

حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، مثله، إلا أنه قال: كانوا يضعون بطريق الـمدينة بغير شكّ.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله، غير أنهقال: كانوا يضعون بطريق الـمدينة أقتابـا وأمتعة.

١٩٦٣٧ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا مُعاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله: أنْ تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ مسْكُونَةٍ هي البـيوت التـي لـيس لها أهل، وهي البـيوت التـي يكون بـالطرق والـخَرِبة. فِـيها مَتاعٌ منفعة للـمسافر فـي الشتاء والصيف، يأوي إلـيها.

وقال آخرون: هي بـيوت مكة. ذكر من قال ذلك:

١٩٦٣٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام بن سلـم، عن سعيد بن سائق، عن الـحجاج بن أرطاة، عن سالـم بن مـحمد ابن الـحنفـية، فـي: بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ قال: هي بـيوت مكة.

وقال آخرون: هي البـيوت الـخَرِبة. والـمتاع الذي قال اللّه لكم فـيها قضاء الـحاجة من الـخلاء والبول فـيها. ذكر من قال ذلك:

١٩٦٣٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: سمعت عطاء يقول: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَدخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ فِـيها مَتاعٌ لَكُمْ قال: الـخلاء والبول.

١٩٦٤٠ـ حدثنـي مـحمد بن عُمارة، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا حسن بن عيسى بن زيد، عن أبـيه، فـي هذه الآية: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ فِـيها مَتاعٌ لَكُمْ قال: التـخـلّـي فـي الـخراب.

وقال آخرون: بل عنـي بذلك بـيوت التـجار التـي فـيها أمتعة الناس. ذكر من قال ذلك:

١٩٦٤١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ فـيها مَتاعٌ لَكُمْ قال: بـيوت التـجار، لـيس علـيكم جناح أن تدخـلوها بغير إذن، الـحوانـيت التـي بـالقَـيساريات والأسواق. وقرأ: فِـيها مَتاعٌ لَكُمْ متاع للناس، ولبنـي آدم.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن اللّه عمّ ب قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَدْخُـلوا بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةِ فِـيها مَتاعٌ لَكُمْ كلّ بـيت لا ساكن به لنا فـيه متاع ندخـله بغير إذن لأن الإذن إنـما يكون لـيؤْنَس الـمأذون علـيه قبل الدخول، أو لـيأذن للداخـل إن كان له مالكا أو كان فـيه ساكنا. فأما إن كان لا مالك له، فـيحتاج إلـى إذنه لدخوله ولا ساكن فـيه، فـيحتاج الداخـل إلـى إيناسه والتسلـيـم علـيه، لئلا يهجُم علـى ما لا يحبّ رؤيته منه، فلا معنى للاستئذان فـيه. فإذا كان ذلك، فلا وجه لتـخصيص بعض ذلك دون بعض، فكلّ بـيت لا مالك له ولا ساكن من بـين مبنـيّ ببعض الطرق للـمارّة والسابلة لـيأووا إلـيه، أو بـيت خراب قد بـاد أهله ولا ساكن فـيه، حيث كان ذلك، فإن لـمن أراد دخوله أن يدخـل بغير استئذان، لـمتاع له يؤويه إلـيه أو للاستـمتاع به لقضاء حقه من بول أو غائط أو غير ذلك. وأما بـيوت التـجار، فإنه لـيس لأحد دخولها إلا بإذن أربـابها وسكانها.

فإن ظنّ ظانّ أن التاجر إذا فتـح دكانه وقعد للناس فقد أذِن لـمن أراد الدخول علـيه فـي دخوله، فإن الأمر فـي ذلك بخلاف ما ظنّ وذلك أنه لـيس لأحد دخول ملك غيره بغير ضرورة ألـجأته إلـيه أو بغير سبب أبـاح له دخوله إلا بإذن ربه، لا سيـما إذا كان فـيه متاع فإن كان التاجر قد عُرِف منه أن فتـحه حانوته إذن منه لـمن أراد دخوله فـي الدخول، فذلك بعدُ رجع إلـى ما قلنا من أنه لـم يدخـله من دخـله إلا بإذنه. وإذا كان ذلك كذلك، لـم يكن من معنى قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ فِـيها مَتاعٌ لَكُمْ فـي شيء، وذلك أن التـي وضع اللّه عنا الـجُناح فـي دخولها بغير إذن من البـيوت، هي ما لـم يكن مسكونا، إذ حانوت التاجر لا سبـيـل إلـى دخوله إلا بإذنه وهو مع ذلك مسكون، فتبـين أنه مـما عَنَى اللّه من هذه الآية بـمعزل.

وقال جماعة من أهل التأويـل: هذه الآية مستثناة من قوله: لا تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ بُـيُوتِكُمْ حتـى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلّـمُوا علـى أهْلِها. ذكر من قال ذلك:

١٩٦٤٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس : لا تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ بُـيُوتَكُمْ ثم نسخ واستثنى فقال: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ فِـيها مَتاعٌ لَكُمْ.

١٩٦٤٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، عن الـحسين، عن يزيد، عن عكرِمة: حتـى تَستأنِسُوا... الآية، فنُسخ من ذلك، واستُثنـي فقال: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ فِـيها مَتاعٌ لَكُمْ. ولـيس فـي قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ فِـيها مَتاعٌ لَكُمْ دلالة علـى أنه استثناء من قوله: لا تَدْخُـلُوا بُـيُوتِكُمْ حتـى تَسْتأْنِسُوا لأن قوله: لا تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ بُـيُوتِكُمْ حتـى تَسْتأْنِسُوا وَتُسَلّـمُوا عَلـى أهْلِها حكم من اللّه فـي البـيوت التـي لها سكان وأربـاب.

و قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَدْخُـلُوا بُـيُوتا غيرَ مَسْكُونَةٍ فِـيها مَتاعٌ لَكُمْ حكم منه فـي البـيوت التـي لا سكان لها ولا أربـاب معروفون، فكل واحد من الـحكمين حكم فـي معنى غير معنى الاَخر، وإنـما يستثنى الشيء من الشيء إذا كان من جنسه أو نوعه فـي الفعل أو النفس، فأما إذا لـم يكن كذلك فلا معنى لاستثنائه منه.

و قوله: وَاللّه يَعْلَـمُ ما تُبْدُونَ

يقول تعالـى ذكره: واللّه يعلـم ما تظهرون أيها الناس بألسنتكم من الاستئذان إذا استأذنتـم علـى أهل البـيوت الـمسكونة، وَما تَكْتُـمُونَ يقول: وما تضمرونه فـي صدوركم عند فعلكم ذلك ما الذي تقصدون به: إطاعة اللّه والانتهاء إلـى أمره، أم غير ذلك؟

٣٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَىَ لَهُمْ إِنّ اللّه خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : قُلْ للـمؤْمِنـينَ بـاللّه وبك يا مـحمد يَغُضّوا مِنْ أبْصَارِهِمْ يقول: يكفوا من نظرهم إلـى ما يشتهون النظر إلـيه مـما قد نهاهم اللّه عن النظر إلـيه. وَيحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ أن يراها مَنْ لا يحلّ له رؤيتها، بلبس ما يسترها عن أبصارهم. ذلكَ أزْكَى لَهُمْ يقول: فإنّ غضها من النظر عما لا يحلّ النظر إلـيه وحفظ الفرج عن أن يظهر لأبصار الناظرين، أطهر لهم عند اللّه وأفضل. إنّ اللّه خَبِـيرٌ بِـمَا يَصْنَعُونَ يقول: إن اللّه ذو خبرة بـما تصنعون أيها الناس فـيـما أمركم به من غضّ أبصاركم عما أمركم بـالغضّ عنه وحفظ فروجكم عن إظهارها لـمن نهاكم عن إظهارها له.

وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٦٤٤ـ حدثنـي علـيّ بن سهل الرّملـيّ، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربـيع بن أنس، عن أبـي العالـية فـي قوله: قُلْ للْـمُؤمِنـينَ يَغُضّوا مِنْ أبْصَارِهِمْ وَيحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ قال: كل فرج ذُكِر حفظة فـي القرآن فهو من الزنا، إلا هذه: وَقُلْ للْـمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أبْصَارِهِنّ وَيحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ فإنه يعني الستر.

١٩٦٤٥ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: قُلْ للْـمُؤْمِنِـينَ يَغُضّوا مِنْ أبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ وَقُلْ للْـمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أبْصَارِهِنّ وَيحفَظْنَ فُرُوجَهُنّ قال: يغضوا أبصارهم عما يكره اللّه .

١٩٦٤٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: قُلْ للْـمُؤْمِنِـينَ يَغُضّوا مِنْ أبْصَارِهِمْ قال: يغضّ من بصره: أن ينظر إلـى ما لا يحلّ له، إذا رأى ما لا يحلّ له غضّ من بصره، لا ينظر إلـيه، ولا يستطيع أحد أن يغضّ بصره كله، إنـما قال اللّه : قُلْ لِلْـمُؤْمِنِـينَ يَغُضّوا مِنْ أبْصَارِهِمْ.

٣١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ ...}.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : وَقُلْ يا مـحمد للْـمُؤْمِناتِ من أمتك يَغْضُضْنَ مِنْ أبْصَارِهِنّ عما يكره اللّه النظر إلـيه مـما نهاكم عن النظر إلـيه وَيحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ يقول: ويحفظن فروجهنّ علـى أن يراها من لا يحلّ له رؤيتها، بلبس ما يسترها عن أبصارهم.

و قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ

يقول تعالـى ذكره: ولا يُظْهرن للناس الذين لـيسوا لهنّ بـمـحرم زينتهنّ، وهما زينتان: إحداهما: ما خفـي، وذلك كالـخَـلْـخال والسّوارين والقُرْطَين والقلائد. والأخرى: ما ظهر منها، وذلك مختلف فـي الـمعنىّ منه بهذه الآية، فكان بعضهم يقول: زينة الثـياب الظاهرة. ذكر من قال ذلك:

١٩٦٤٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون بن الـمغيرة، عن الـحجاج، عن أبـي إسحاق، عن أبـي الأحوص، عن ابن مسعود، قال: الزينة زينتان: فـالظاهرة منها الثـياب، وما خفـي: الـخـلـخالان والقُرطان والسّواران.

١٩٦٤٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي الثوريّ، عن أبـي إسحاق الهمدانـيّ، عن أبـي الأحوص، عن عبد اللّه ، أنه قال: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها: قال: هي الثـياب.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي إسحاق، عن أبـي الأحوص، عن عبد اللّه ، قال: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: الثـياب.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن أبـي الأحوص، عن عبد اللّه ، مثله.

قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن مالك بن الـحارث، عن عبد الرحمن بن زيد، عن عبد اللّه ، مثله.

١٩٦٤٩ـ قال: حدثنا سفـيان، عن علقمة، عن إبراهيـم، فـي قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها: قال: الثـياب.

١٩٦٥٠ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: أخبرنا بعض أصحابنا إما يونس، إوما غيره عن الـحسن، فـي قوله: إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: الثـياب.

حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أبـي إسحاق، عن أبـي الأحوص، عن عبد اللّه : إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: الثـياب.

قال أبو إسحاق: ألا ترى أنه قال: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلّ مَسْجِدٍ؟.

١٩٦٥١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: حدثنا مـحمد بن الفضل، عن الأعمش، عن مالك بن الـحارث، عن عبد الرحمن بن زيد، عن ابن مسعود: إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: هو الرداء.

وقال آخرون: الظاهر من الزينة التـي أبـيح لها أن تبديه: الكحل، والـخاتـم، والسواران، والوجه. ذكر من قال ذلك:

١٩٦٥٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا مروان، قال: حدثنا مسلـم الـمَلائي، عن سعيد بن جُبـير، عن ابن عباس : وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: الكحل والـخاتـم.

١٩٦٥٣ـ حدثنا عمرو بن عبد الـحميد الأمُلـيّ، قال: حدثنا مروان، عن مسلـم الـمَلائيّ، عن سعيد بن جُبـير، مثله، ولـم يذكر ابن عباس .

١٩٦٥٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون، عن أبـي عبد اللّه نهشل، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال: الظاهر منها: الكحل والـخَدّان.

١٩٦٥٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سفـيان، عن عبد اللّه بن مسلـم بن هُرْمز، عن سعيد بن جُبـير، فـي قوله: وَلايُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: الوجه والكفّ.

حدثنا عمرو بن عبد الـحميد، قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن عبد اللّه بن مسلـم بن هُرمز الـمكيّ، عن سعيد بن جُبـير، مثله.

١٩٦٥٦ـ حدثنـي علـيّ بن سهل، قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم، قال: حدثنا أبو عمرو، عن عطاء فـي قول اللّه : وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: الكفّـان والوجه.

١٩٦٥٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ عن سعيد، عن قتادة قال: الكحل، والسوران والـخاتـم.

١٩٦٥٨ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: والزينة الظاهرة: الوجه، وكُحل العين، وخِضاب الكفّ، والـخاتـم فهذه تظهر فـي بـيتها لـمن دخـل من الناس علـيها.

١٩٦٥٩ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة : وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: الـمسكتان والـخاتـم والكحل. قال قتادة : وبلغنـي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (لا يحِلّ لاِمْرأةٍ تُوْمِنُ بـاللّه والـيَوْمِ الاَخِرِ أنْ تُـخْرِجَ يَدَها إلاّ إلـى هَا هُنا) . وقبض نصف الذراع.

١٩٦٦٠ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهريّ، عن رجل، عن الـمِسْورَ بن مخرمة، فـي قوله: إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: القلبـين، والـخاتـم، والكحل: يعني السوار.

١٩٦٦١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس ، قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: الـخاتـم والـمَسَكة. قال ابن جُرَيج، وقالت عائشة: القُلْب والفَتْـخَة، قالت عائشة: دخـلت علـيّ ابنة أخي لأمي عبد اللّه بن الطفـيـل مزينّة، فدخـل النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فأعرض، فقالت عائشة: يا رسول اللّه إنها ابنة أخي وجارية. فقال: (إذا عَرَكَت الـمرأة لـم يحلّ لها أن تظهر إلا وَجْهها، وإلاّ ما دون هذا) ، وقبض علـى ذراع نفسه، فترك بـين قبضته وبـين الكفّ مثل قبضة أخرى. وأشار به أبو علـي قال ابن جُرَيج، وقال مـجاهد : قوله: إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: الكحل والـخضاب والـخاتـم.

١٩٦٦٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عاصم، عن عامر: إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: الكحل، والـخضاب، والثـياب.

١٩٦٦٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها من الزينة: الكحل، والـخضاب والـخاتـم هكذا كانوا يقولون وهذا يراه الناس.

١٩٦٦٤ـ حدثنـي ابن عبد الرحيـم البرقـي، قال: حدثنا عمر بن أبـي سلـمة، قال: سئل الأوزاعي عن: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: الكفّـين والوجه.

١٩٦٦٥ـ حدثنا عمرو بن بندق، قال: حدثنا مروان، عن جُويبر، عن الضحاك فـي قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ قال: الكفّ والوجه.

وقال آخرون: عَنَى به الوجه والثـياب. ذكر من قال ذلك:

١٩٦٦٦ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا الـمعتـمر، قال: قال يونس: وَلا يُبْدِينَ زِينِتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال الـحسن: الوجه والثـياب.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، وعبد الأعلـى، عن سعيد، عن قتادة ، عن الـحسن، فـي قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها قال: الوجه والثـياب.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب: قول من قال: عُنِـي بذلك الوجهُ والكفـان، يدخـل فـي ذلك إذا كان كذلك: الكحل، والـخاتـم، والسّوار، والـخِضاب.

وإنـما قلنا ذلك أولـى الأقوال فـي ذلك بـالتأويـل، لإجماع الـجميع علـى أن علـى كلّ مصلّ أن يستر عورته فـي صلاته، وأن الـمرأة أن تكشف وجهها وكفـيها فـي صلاتها، وأن علـيها أن تستر ما عدا ذلك من بدنها إلا ما رُوي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه أبـاح لها أن تبديَه من ذراعها إلـى قدر النصف. فإذ كان ذلك من جميعهم إجماعا، كان معلوما بذلك أن لها أن تبدي من بدنها ما لـم يكن عورة كما ذلك للرجال لأن ما لـم يكن عورة فغير حرام إظهاره. وإذا كان لها إظهار ذلك، كان معلوما أنه مـما استثناه اللّه تعالـى ذكره ب قوله: إلاّ ما ظَهَرَ مِنْها، لأن كل ذلك ظاهر منها.

و قوله: وَلْـيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ علـى جُيُوبِهِنّ

يقول تعالـى ذكره: ولـيـلقـين خُمُرَهنّ، وهي جمع خمار، علـى جيوبهنّ، لـيسترن بذلك شعورهنّ وأعناقهن وقُرْطَهُنّ.

١٩٦٦٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا زيد بن حبـاب، عن إبراهيـم بن نافع، قال: حدثنا الـحسن بن مسلـم بن يناق، عن صفـية بنت شيبة، عن عائشة، قالت: لـما نزلت هذه الآية: وَلْـيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ علـى جُيوبِهِنّ قال: شققن البُرْدَ مـما يـلـي الـحواشي، فـاختـمرن به.

١٩٦٦٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، أن قرة بن عبد الرحمن، أخبره، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم أنها قالت: يرحم اللّه النساء الـمهاجرات الأول لـما أنزل اللّه : وَلْـيَضْرِبْنَ بِخُمُرُهِنّ علـى جُيُوبِهِنّ شققن أكثف مروطهنّ، فـاختـمرن به.

و قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ لِبُعُولَتِهِنّ

يقول تعالـى ذكره: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ التـي هي غير ظاهرة بل الـخفـية منها، وذلك الـخَـلـخال والقُرط والدّمْلُـج، وما أُمرت بتغطيته بخمارها من فوق الـجيب، وما وراء ما أبـيح لها كشفه وإبرازه فـي الصلاة وللأجنبـيـين من الناس، والذراعين إلـى فوق ذلك، إلاّ لبعولتهنّ.

وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل.) ذكر من قال ذلك:

١٩٦٦٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن طلـحة بن مُصَرّف، عن إبراهيـم: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ لِبُعُولَتِهِنّ أوْ آبـائِهِنّ قال: هذه ما فوق الذراع.

١٩٦٧٠ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن منصور، قال: سمعت رجلاً يحدّث عن طلـحة، عن إبراهيـم، قال فـي هذه الآية: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ لِبُعُولَتِهِنّ أوْ آبـائِهِنّ أو آبـاء بُعُولَتِهِنّ قال: ما فوق الـجيب. قال شعبة: كتب به منصور إلـيّ، وقرأته علـيه.

١٩٦٧١ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن سعيد بن أبـي عروبة، عن قتادة ، فـي قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ لِبُعُولَتِهِنّ قال: تبدي لهؤلاء الرأس.

١٩٦٧٢ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قال: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ لِبُعُولَتِهِنّ... إلـى قوله: عَوْرَاتِ النّساءِ قال: الزينة التـي يبدينها لهؤلاء: قرطاها وقلادتها وسِوارها، فأما خـلـخالاها ومِعْضدَاها ونـحرها وشعرها فإنه لا تبديه إلا لزوجها.

١٩٦٧٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جُرَيج، قال ابن مسعود، فـي قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إلاّ لِبُعُولَتِهِنّ قال: الطوق والقُرْطين، يقول اللّه تعالـى ذكره: قل للـمؤمنات الـحرائر لا يظهرن هذه الزينة الـخفـية التـي لـيست بـالظاهرة إلا لبعولتهنّ، وهم أزواجهن، واحدهم: بعل، أو لاَبـائهنّ، أو لأبناء بعولتهن، أو لإخوانهن، أو لبنـي إخوانهن.

و يعني ب قوله: أوْ لإخْوَانِهِنّ أو لإخْوَاتِهِنّ، أو لبنـي إخوانهن، أو بنـي أخواتهن، أو نسائهم.

قـيـل: عُنـي بذلك نساء الـمسلـمين. ذكر من قال ذلك:

١٩٦٧٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله: أوْ نِسائِهِنّ قال: بلغنـي أنهنّ نساء الـمسلـمين، لا يحلّ لـمسلـمة أن ترى مشركة عُرْيتها إلا أن تكون أمة لها، فذلك قوله: أوْ ما مَلَكَتْ أيـمانُهُنّ.

١٩٦٧٥ـ قال: ثنـي الـحسين، قال: ثنـي عيسى بن يونس، عن هشام بن الغازي، عن عبـادة بن نسيّ، أنه كره أن تقبل النصرانـية الـمسلـمة، أو ترى عَوْرتها، ويتأوّل: أو نسائهنّ.

١٩٦٧٦ـ قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن هشام، عن عبـادة، قال: كتب عمر بن الـخطاب إلـى أبـي عُبـيدة بن الـجرّاح رحمة اللّه علـيهما: أما بعد، فقد بلغنـي أن نساء يدخـلن الـحمامات ومعهنّ نساء أهل الكتاب، فـامنع ذلك وْحُلْ دونه قال: ثم إن أبـا عُبـيدة قام فـي ذلك الـمقام مبتهلاً: اللّه مّ أيـما امرأة تدخـل الـحمام من غير علة ولا سقم تريد البـياض لوجهها، فسوّد وجهها يوم تبـيضّ الوجوه.

و قوله: أوْ ما مَلَكَتْ أيـمانُهُنّ اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: أو مـمالـيكهنّ، فإنه لا بأس علـيها أن تظهر لهم من زينتها ما تظهره لهؤلاء. ذكر من قال ذلك:

١٩٦٧٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: أخبرنـي عمرو بن دينار، عن مخـلد التـميـميّ، أنه قال، فـي قوله: أوْ ما مَلَكَتْ أيـمْانُهُنّ قال: فـي القراءة الأولـى: (أيـمانكم) .

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أو ما ملكت أيـمانهنّ من إماء الـمشركين، كما قد ذكرنا عن ابن جُرَيج قبل من أنه لـما قال: أوْ نِسائهنّ عَنَى بهنّ النساء الـمسلـمات دون الـمشركات، ثم قال: أو ما ملكت أيـمانهنّ من الإماء الـمشركات.

يقول تعالـى ذكره: والذين يَتْبَعونكم لطعام يأكلونه عندكم، مـمن لا أرب له فـي النساء من الرجال، ولا حاجة إلـيهنّ، ولا يريدهنّ.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٦٧٨ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: أوِ التّابِعِينَ غيرِ أُولـى الإرْبَةِ مِنَ الرّجالِ قال: كان الرجل يتبع الرجل فـي الزمان الأوّل لا يغار علـيه ولا ترهب الـمرأة أن تضع خمارها عنده، وهو الأحمق الذي لا حاجة له فـي النساء.

١٩٦٧٩ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: أَوِ التّابِعِينَ غيرِ أُولـى الإرْبَةِ مِنَ الرّجالِ فهذا الرجل يتبع القوم، وهو مُغَفّل فـي عقله، لا يكترث للنساء ولا يشتهيهنّ، فـالزينة التـي تبديها لهؤلاء: قرطاها وقلادتها وسِواراها وأما خَـلْـخالاها ومِعْضداها ونـحرها وشعرها، فإنها لا تبديه إلا لزوجها.

١٩٦٨٠ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله: أوِ التّابِعِينَ قال: هو التابع يتبعك يصيب من طعامك.

١٩٦٨١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا إسماعيـل بن عُلَـيّة، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد : أوِ التّابِعِينَ غيرِ أُولـى الإرْبَةِ مِنَ الرّجالِ قال: الذي يريد الطعام ولا يريد النساء.

قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، مثله.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: أوِ التّابِعِينَ غيرِ أُولـى الإرْبَةِ مِنَ الرّجالِ الذين لا يهمهم إلا بطونهم، ولا يُخافون علـى النساء.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله.

١٩٦٨٢ـ حدثنا إسماعيـل بن موسى السّديّ، قال: حدثنا شريك، عن منصور، عن مـجاهد ، فـي قوله: غيرِ أُولـى الإِرْبَةِ قال: الأَبْلَه.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت لـيثا، عن مـجاهد ، قوله: غيرِ أُولـي الإِرْبَةِ قال: هو الأبلَه، الذي لا يعرف شيئا من النساء.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَـية، قال: حدثنا ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: غيرِ أُولـى الإرْبَةِ مِنَ الرّجالِ الذي لا أرب له بـالنساء مثل فلان.

١٩٦٨٣ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن عطية، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق عمن حدثه، عن ابن عباس : غير أُولـى الإرْبَةِ قال: هو الذي لا تستـحي منه النساء.

١٩٦٨٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مُغَيرة، عن الشعبـيّ: غيرِ أُولـى الإرْبَةِ قال: من تَبَع الرجل وحشمه الذي لـم يبلغ أَرَبه أن يطلع علـى عَورة النساء.

١٩٦٨٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن الـمغيرة، عن الشعبـيّ: غيرِ أُولـى الإرْبَةِ قال: الذي لا أرب له فـي النساء.

١٩٦٨٦ـ قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا حماد بن سَلَـمة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبـير، قال: الـمعتوه.

١٩٦٨٧ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهريّ فـي قوله: أوِ التّابِعِينَ غَيرِ أُولـى الإرْبَةِ مِنَ الرّجالِ قال: هو الأحمق، الذي لا همّة له بـالنساء ولا أرب.

١٩٦٨٨ـ وبه عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبـيه، فـي قوله: غيرِ أُولـى الإرْبَةِ مِنَ الرّجالِ يقول: الأحمق، الذي لـيست له همة فـي النساء.

١٩٦٨٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس : الذي لا حاجة له فـي النساء.

١٩٦٩٠ـ حدثنـي يونس، اقل: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: أوَ التّابِعِينَ غيرِ أُولـى الإرْبَةِ مِنَ الرجالِ قال: هو الذي يَتْبَع القوم، حتـى كأنه كان منهم ونشأ فـيهم، ولـيس يتبعهم لإربة نسائهم، ولـيس له فـي نسائهم إِربة، وإنـما يتبعهم لإرفـاقهم إياه.

١٩٦٩١ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهريّ، عن عروة، عن عائشة قالت: كان رجل يدخـل علـى أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم مُخَنّث، فكانوا يعدّونه من غير أولـي الإِربة، فدخـل علـيه النبي صلى اللّه عليه وسلم يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة، فقال: إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا أدبرت أدبرت بثمان. فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (لا أرَى هَذَا يَعْلَـمُ ما هَا هُنا، لا يَدْخُـلَنّ هَذَا عَلَـيْكُمْ) فحَجَبُوه.

١٩٦٩٢ـ حدثنـي سعد بن عبد اللّه بن عبد الـحكَم الـمِصريّ، قال: حدثنا حفص بن عمر العَدَنـيّ، قال: حدثنا الـحكم ابن أبـان، عن عكرمة فـي قوله: أوِ التّابِعِينَ غيرِ أُولـى الإرْبَةِ قال: هو الـمُخَنّث الذي لا يقوم زُبّه.

واختلف القرّاء فـي قوله: غير أُولـي الإرْبَةِ فقرأ ذلك بعض أهل الشام وبعض أهل الـمدينة والكوفة: (غيرَ أُولـى الإرْبَةِ) بنصب (غير) ولنصب (غير) ها هنا وجهان: أحدهما علـى القطع من (التابعين) ، لأن (التابعين) معرفة وغير نكرة، والاَخر علـى الاستثناء، وتوجيه (غير) إلـى معنى (إلا) ، فكأنه

قـيـل: إلاّ. وقرأ غير من ذكرت بخفض غَيرِ علـى أنها نعت للتابعين، وجاز نعت (التابعين) ب(غير) و(التابعون) معرفة وغيرُ نكرة، لأن (التابعين) معرفة غير مؤقتة. فتأويـل الكلام علـى هذه القراءة: أو الذين هذه صفتهم.

والقول فـي ذلك عندي أنهما قراءتان متقاربتا الـمعنى مستفـيضةٌ القراءة بهما فـي الأمصار، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب، غير أن الـخفض فـي (غير) أقوى فـي العربـية، فـالقراءة به أعجب إلـيّ. والإربة: الفِعْلة من الأَرَب، الـمثل الـجِلسة من الـجُلوس، والـمِشية من الـمَشْي، وهي الـحاجة يقال: لا أرب لـي فـيك: لا حاجة لـي فـيك وكذا أَرِبْتُ لكذا وكذا: إذا احتـجت إلـيه، فأنا آرب له أَرَبـا. فأما الأُرْبة، بضم الألف: فـالعُقْدة.

و قوله: أوِ الطّفْلِ الّذِينَ لَـمْ يَظْهَرُوا علـى عَوْرَاتِ النّساءِ

يقول تعالـى ذكره: أو الطفل الذين لـم يكشفوا عن عورات النساء بجماعهنّ فـيظهروا علـيهن لصغرهنّ.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٦٩٣ـ حدثنـي مـحمد، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: علـى عَوْرَاتِ النّساءِ قال: لـم يَدْروا ما ثَمّ، من الصّغَر قبل الـحُلُـم.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله.

و قوله: ولا يَضْرِبْنَ بأرْجُلِهِنّ لِـيُعْلَـمَ ما يُخْفِـينَ مِنْ زِينَتِهِنّ

يقول تعالـى ذكره: ولا يجعلن فـي أرجلهنّ من الـحُلِـيّ ما إذا مَشَيْن أو حرّكنهنّ علـم الناس الذين مشين بـينهم ما يخفـين من ذلك.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٦٩٤ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا الـمعتـمر، عن أبـيه، قال: زعم حَضْرِميّ أن امرأة اتـخذت بُرَتَـيْن من فضة، واتـخذت جَزْعا، فمرّت علـى قوم، فضربت برجلها، فوقع الـخـلـخال علـى الـجَزْع، فصوّت فأنزل اللّه : وَلا يَضْرِبْنَ بأرْجُلِهِنّ لِـيُعْلَـمَ ما يُخْفِـينَ مِنْ زِينَتِهِنّ.

١٩٦٩٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن السديّ، عن أبـي مالك: وَلا يَضْرِبْنَ بأرْجُلِهِنّ لِـيُعْلَـمَ ما يُخْفِـينَ مِنْ زِينَتِهِنّ قال: كان فـي أرجلهم خَرَز، فكنّ إذا مررن بـالـمـجالس حرّكن أرجلهنّ لـيعلـم ما يُخْفـين من زينتهنّ.

١٩٦٩٦ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس : وَلا يَضْرِبنَ بأرْجُلِهِنّ فهو أن تَقَرَع الـخَـلْـخال بـالاَخر عند الرجال، ويكون فـي رجلـيها خلاخـل فتـحرّكهنّ عند الرجال، فنهى اللّه سبحانه وتعالـى عن ذلك لأنه من عمل الشيطان.

١٩٦٩٧ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة : وَلا يَضْرِبْنَ بأرْجُلِهِنّ لِـيُعْلَـمَ ما يُخْفِـينَ مِنْ زِينَتِهِنّ قال: هو الـخَـلْـخال، لا تضرب امرأة برجلها لـيسمع صوت خَـلْـخالها.

١٩٦٩٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلا يَضْرِبْنَ بأرْجُلِهِنّ لِـيُعْلَـمَ ما يُخْفِـينَ مِنْ زِينَتِهِنّ قال: الأجراس من حُلِـيهّنّ يجعلنها فـي أرجلهنّ فـي مكان الـخلاخـل، فنهاهنّ اللّه أن يضربن بأرجلهنّ لتسمع تلك الأجراس.

و قوله: وَتُوبُوا إلـى اللّه جَمِيعا أيّها الـمُؤْمِنُونَ

يقول تعالـى ذكره: وارجعوا أيها الـمؤمنون إلـى طاعة اللّه فـيـما أمركم ونهاكم، من غَضّ البَصر وحفظ الفرج وتَرْك دخول بـيوت غير بـيوتكم من غير استئذان ولا تسلـيـم، وغير ذلك من أمره ونهيه. لَعّلَكُمْ تُفْلِـحُونَ يقول: لتفلـحوا وتدركوا طَلِبـاتكم لديه، إذا أنتـم أطعتـموه فـيـما أمركم ونهاكم.

٣٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَنْكِحُواْ الأيَامَىَ مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ اللّه مِن فَضْلِهِ وَاللّه وَاسِعٌ عَلِيمٌ }.

يقول تعالـى ذكره: وزوّجوا أيها الـمؤمنون من لا زوج له من أحرار رجالكم ونسائكم، ومن أهل الصلاح من عبـيدكم ومـمالـيككم. والأيامَى: جمع أيّـم، وإنـما جمع أيامَى لأنها فعيـلة فـي الـمعنى، فجُمعت كذلك كما جمعت الـيتـيـمة: يتامَى ومنه قول جميـل:

أُحِبّ الأيامَى إذْ بُثَـيْنَةُ أيّـمٌوأحْبَبْتُ لَـمّا أنْ غَنِـيتِ الغَوَانِـيا

ولو جمعت أيائم كان صوابـا. والأيّـم يوصف به الذكر والأنثى، يقال: رجل أيّـم، وامرأة أيّـم وأيّـمة: إذا لـم يكن لها زوج ومنه قول الشاعر:

فإنْ تَنْكِحي أنْكِحْ وَإنْ تَتأَيّـمِيوإنْ كُنْتُ أفْتَـى منكمُ أتَأيّـمِ

إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يقول: إن يكن هؤلاء الذين تنكحونهم من أيامَى رجالكم ونسائكم وعبـيدكم وإمائكم أهلَ فـاقة وفقر، فإن اللّه يغنـيهم من فضله، فلا يـمنعنكم فقرهم من إنكاحهم.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٦٩٩ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: وأنْكِحُوا الأيامَى مِنْكُمْ وَالصّالِـحِينَ مِنْ عِبـادِكُمْ وَإمائِكُمْ قال: أمر اللّه سبحانه بـالنكاح، ورغّبهم فـيه وأمرهم أن يزوّجوا أحرارَهم وعبـيدَهم، ووعدهم فـي ذلك الغنى، فقال: إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللّه مِنْ فَضْلِهِ.

١٩٧٠٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا حسن أبو الـحسن وكان إسماعيـل بن صُبـيح مَوْلـى هذا قال: سمعت القاسم بن الولـيد، عن عبد اللّه بن مسعود، قال: التـمسوا الغنى فـي النكاح، يقول اللّه : إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءُ يُغْنِهِمُ اللّه مِنْ فَضْلِهِ.

١٩٧٠١ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وأنْكِحُوا الأيامَى مِنكُمْ قال: أيامى النساء: اللاتـي لـيس لهنّ أزواج.

و قوله: وَاللّه وَاسِعٌ عَلِـيـمٌ

يقول جلّ ثناؤه: واللّه واسع الفضل جواد بعطاياه، فزوجوا إماءكم، فإن اللّه واسع يوسع علـيهم من فضله إن كانوا فقراء. عَلِـيـمٌ يقول: هو ذو علـم بـالفقـير منهم والغنـيّ، لا يخفـى علـيه حال خـلقه فـي شيء وتدبـيرهم.

٣٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتّىَ يُغْنِيَهُمُ اللّه مِن فَضْلِهِ ...}.

يقول تعالـى ذكره: ولـيَسْتَعْفِف الّذِينَ لا يَجِدُون ما ينكحون به النساء عن إتـيان ما حرّم اللّه علـيهم من الفواحش، حَتّـى يُغْنِـيَهُمُ اللّه مِنْ سعة فَضْلِهِ، ويوسّع علـيهم من رزقه.

و قوله: وَالّذِينَ يَبْتَغُونَ الكِتابَ مِـمّا مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ

يقول جلّ ثناؤه: والذين يـلتـمسون الـمكاتبة منكم من مـمالـيككم، فكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْرا.

واختلف أهل العلـم فـي وجه مكاتبة الرجل عبده الذي قد علـم فـيه خيرا، وهل قوله: فَكاتِبُوهُم إنْ عَلِـمْتُـمْ فـيهِمْ خَيْرا علـى وجه الفرض أم هو علـى وجه الندب؟ فقال بعضهم: فرض علـى الرجل أن يكاتب عبده الذي قد علـم فـيه خيرا إذا سأله العبد ذلك. ذكر من قال ذلك:

١٩٧٠٢ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جُرَيج، قال: قلت لعطاء: أواجب علـيّ إذا علـمت مالاً أن أكاتبه؟ قال: ما أراه إلاّ واجبـا. وقالها عمرو بن دينار، قال: قلت لعطاء: أَتأْثِرُه عن أحد؟ قال: لا.

١٩٧٠٣ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن بكر، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، عن أنس بن مالك، أن سيرين، أراد أن يكاتبه فتلكّأ علـيه، فقال له عمر: لتكاتبنه

١٩٧٠٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قال: لا ينبغي لرجل إذا كان عنده الـمـملوك الصالـح الذي له الـمال يريد إن يكاتب ألاّ يكاتبه.

وقال آخرون: ذلك غير واجب علـى السيد، وإنـما قوله: فَكاتِبُوهُمْ: نَدْب من اللّه سادَة العبـيد إلـى كتابة من علـم فـيه منهم خير، لا إيجاب. ذكر من قال ذلك:

١٩٧٠٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال مالك بن أنس: الأمر عندنا أن لـيس علـى سيد العبد أن يكاتبه إذا سأله ذلك، ولـم أسمع بأحد من الأئمة أكره أحدا علـى أن يكاتب عبده. وقد سمعت بعض أهل العلـم إذا سُئل عن ذلك ف

قـيـل له: إن اللّه تبـارك وتعالـى يقول فـي كتابه: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا يتلو هاتـين الاَيتـين: فإذَا حَلَلْتُـمْ فـاصْطادُوا فإذَا قُضِيَتِ الصّلاةُ فـانْتَشِرُوا فـي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّه قال مالك: فإنـما ذلك أمر أذِن اللّه فـيه للناس، ولـيس بواجب علـى الناس ولا يـلزم أحدا. وقال الثوريّ: إذا أراد العبد من سيده أن يكاتبه، فإن شاء السيد أن يكاتبه كاتبه، ولا يُجْبر السيد علـى ذلك.

١٩٧٠٦ـ حدثنـي بذلك علـيّ عن زيد عنه وحدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْرا قال: لـيس بواجب علـيه أن يكاتبه، إنـما هذا أمر أذن اللّه فـيه ودلـيـل.

وأولـى القولـين فـي ذلك عندي بـالصواب قول من قال: واجب علـى سيد العبد أن يكاتبه إذا علـم فـيه خيرا وسأله العبد الكتابة وذلك أن ظاهر قوله: فَكاتِبُوهُمْ ظاهر أمر، وأمر اللّه فرضٌ الانتهاء إلـيه، ما لـم يكن دلـيـلٌ من كتاب أو سنة علـى أنه ندب، لـما قد بـيّنا من العلة فـي كتابنا الـمسمى (البـيان عن أصول الأحكام) .

وأما الـخير الذي أمر اللّه تعالـى ذكره عبـاده بكتابة عبـيدهم إذا علـموه فـيهم، فهو القُدْرة علـى الاحتراف والكسب لأداء ما كوتبوا علـيه. ذكر من قال ذلك:

١٩٧٠٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن عبد الكريـم الـجزري، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كره أن يكاتِب مـملوكه إذا لـم تكن له حرفة، قال: تطعمنـي أوساخ الناس.

١٩٧٠٨ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: فَكاتِبوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْرا يقول: إن علـمتـم لهم حيـلة، ولا تلقوا مُؤْنتهم علـى الـمسلـمين.

١٩٧٠٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا أشهب، قال: سئل مالك بن أنس، عن قوله: فكاتبوهم إن علـمتـم فـيه خيرا فقال: إنه لـيقال: الـخير القوة علـى الأداء.

١٩٧١٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنـي ابن زيد، عن أبـيه، قول اللّه : فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْرا قال: الـخير: القوة علـى ذلك.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن علـمتـم فـيهم صدقا ووفـاء وأداء. ذكر من قال ذلك:

١٩٧١١ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: أخبرنا يونس، عن الـحسن، فـي قوله: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْرا قال: صدقا ووفـاء وأداء وأمانة.

١٩٧١٢ـ قال: حدثنا ابن عُلَـية، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وطاوس، أنهما قالا فـي قوله: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْرا قالا: مالاً وأمانة.

١٩٧١٣ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا جابر بن نوح، قال: حدثنا إسماعيـل بن أبـي خالد، عن أبـي صالـح: فكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْرا قال: أداء وأمانة.

١٩٧١٤ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الـمغيرة، قال: كان إبراهيـم يقول فـي هذه الآية: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهمْ خَيْرا قال: صدقا ووفـاء، أو أحدهما.

١٩٧١٥ـ حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان، عن عطاء، فـي قوله: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا قال: أداء ومالاً.

١٩٧١٦ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جُرَيج، قال: قال عمرو بن دينار: أحسبه كل ذلك الـمال والصلاح.

١٩٧١٧ـ حدثنـي علـيّ بن سهل، قال: حدثنا زيد، قال: حدثنا سفـيان: إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِم خَيْرا يعني : صدقا ووفـاء وأمانة.

١٩٧١٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا، قال: إن علـمت فـيه خيرا لنفسك، يؤدّي إلـيك ويصدّقك ما حدثك، فكاتبه.

وقال آخرون بل معنى ذلك: إن علـمتـم لهم مالاً.

١٩٧١٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، فـي قوله: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا يقول: إن علـمتـم لهم مالاً.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس : إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا قال: مالاً.

١٩٧٢٠ـ حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى، قالا: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد : فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا قال: مالاً.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد ، مثله.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه : إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا قال: لهم مالاً، فكاتبوهم.

حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، مثله.

١٩٧٢١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد : فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا قال: إن علـمتـم لهم مالاً، كائنة أخلاقهم وأديانهم ما كانت.

١٩٧٢٢ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن منصور، عن زَاذان، عن عطاء بن أبـي رَبـاح: فَكاتِبُوهُمْ إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا قال: مالاً.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن مـجاهد ، قال: إن علـمتـم عندهم مالاً.

١٩٧٢٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي مـحمد بن عمرو الـيافعيّ، عن ابن جُرَيج، أن عطاء بن أبـي رَبـاح، كان يقول: ما نراه إلاّ الـمال، يعني قوله: إنْ عَلِـمْتُـمْ فِـيهِمْ خَيْرا قال: ثم تلا: كُتِبَ عَلَـيْكُمْ إذَا حَضَرَ أحَدَكُمُ الـمَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْرا.

وأولـى هذه الأقوال فـي معنى ذلك عندي قول من قال: معناه: فكاتبوهم إن علـمتـم فـيهم قوّة علـى الاحتراف والاكتساب ووفـاء بـما أوجب علـى نفسه وألزمها وصدق لهجة. وذلك أن هذه الـمعانـي هي الأسبـاب التـي بـمولـى العبد الـحاجةُ إلـيها إذا كاتب عبده مـما يكون فـي العبد فأما الـمال وإن كان من الـخير، فإنه لا يكون فـي العبد وإنـما يكون عنده أو له لا فـيه، واللّه إنـما أوجب علـينا مكاتبة العبد إذا علـمنا فـيه خيرا لا إذا علـمنا عنده أو له، فلذلك لـم نقل: إن الـخير فـي هذا الـموضع معنـيّ به الـمال.

و قوله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّه الّذِي آتاكُمْ

يقول تعالـى ذكره: وأعطُوهم من مال اللّه الذي أعطاكم.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـمأمور بإعطائه من مال اللّه الذي أعطاه مَنْ هو؟ وفـي الـمال أيّ الأموال هو؟ فقال بعضهم: الذي أمر اللّه بإعطاء الـمكاتب من مال اللّه هو مولَـى العبد الـمكاتَب، ومال اللّه الذي أُمر بإعطائه منه هو مال الكِتابة، والقدر الذي أمر أن يعطيه منه الربع.

وقال آخرون: بل ما شاء من ذلك الـمولـى. ذكر من قال ذلك:

١٩٧٢٤ـ حدثنـي عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا عمران بن عيـينة، قال: حدثنا عطاء بن السائب، عن أبـي عبد الرحمن السّلَـمِيّ، عن علـيّ فـي قول اللّه : وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّه الّذِي آتاكُمْ قال: ربع الـمكاتبة.

حدثنا الـحسن بن عرفة، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مـحمد الـمـحاربـي، عن عطاء بن السائب، عن أبـي عبد الرحمن السّلَـميّ، عن علـيّ، فـي قوله اللّه : وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّه الّذِي آتاكُمْ قال: ربع الكتابة يحطّها عنه.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن عُلـيَة، عن لـيث، عن عبد الأعلـى، عن أبـي عبد الرحمن، عن علـيّ رضي اللّه عنه، فـي قول اللّه : وآتوهُمْ مِنْ مالِ اللّه الّذِي آتاكُمْ قال: الربع من أوّل نـجومه.

قال: أخبرنا ابن عُلَـية، قال: عطاء بن السائب، عن أبـي عبد الرحمن السّلَـميّ، عن علـيّ، فـي قوله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّه الّذِي آتاكُمْ قال: الربع من مكاتبته.

١٩٧٢٥ـ حدثنا مـحمد بن إسماعيـل الأَحمسيّ، قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد، قال: ثنـي عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان، عن عبد الـملك بن أعين، قال: كاتب أبو عبد الرحمن غلاما فـي أربعة آلاف درهم، ثم وضع له الربع، ثم قال: لولا أنـي رأيت علـيّا رضوان اللّه علـيه كاتب غلاما له ثم وضع له الربع، ما وضعت لك شيئا.

١٩٧٢٦ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن عبد الأعلـى، عن أبـي عبد الرحمن السّلَـمي: أنه كاتب غلاما له علـى ألف ومِئتـين، فترك الربع وأشهدنـي، فقال لـي: كان صديقك يفعل هذا، يعني علـيّا رضوان اللّه علـيه، يتأوّل: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّه الّذِي آتاكُمْ.

١٩٧٢٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن عبد الـملك، قال: ثنـي فضالة بن أبـي أمية، عن أبـيه، قال: كاتبنـي عمر بن الـخطاب رضي اللّه عنه، فـاستقرض لـي من حَفْصة مِئَتَـي درهم. قلت: ألا تـجعلها فـي مكاتبتـي؟ قال: إنـي لا أدري أدرك ذاك أم لا.

١٩٧٢٨ـ قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، بلغنـي أنه كاتبه علـى مِئَة أوقـية: قال: حدثنا سفـيان، عن عبد الـملك، قال: ذكرت ذلك لعكرِمة، فقال: هو قول اللّه : وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّه الّذِي آتاكُمْ.

١٩٧٢٩ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، فـي قول اللّه : وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّه الّذِي آتاكُمْ يقول: ضعوا عنهم من مكاتبتهم.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس : وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّه الّذِي آتاكُمْ يقول: ضعوا عنهم مـما قاطعتـموهم علـيه.

١٩٧٣٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان، عن عطاء، فـي قوله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّه الّذِي آتاكُمْ قال: مـما أخرج اللّه لكم منهم.

١٩٧٣١ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن لـيث، عن مـجاهد : وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّه الّذِي آتاكُمْ قال: آتِهِم مـما فـي يديك.

١٩٧٣٢ـ حدثنـي الـحسين بن عمرو العنقزي، قال: ثنـي أبـي، عن أسبـاط، عن السديّ، عن أبـيه، قال: كاتبتْنـي زينب بنت قـيس بن مَخْرمة من بنـي الـمطلب بن عبد مناف علـى عشرة آلاف، فتركت لـي ألفـا وكانت زينب قد صلّت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم القبلتـين جميعا.

١٩٧٣٣ـ حدثنا مـجاهد بن موسى، قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا ابن مسعود الـجريريّ، عن أبـي نَضْرة، عن أبـي سعيد، مولـى أبـي أَسِيد، قال: كاتبنـي أبو أَسِيد، علـى ثنتـي عشرة مئة، فجئته بها، فأخذ منها ألفـا وردّ علـيّ مِئتـين.

١٩٧٣٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون بن الـمغيرة، عن عنبسة، عن سالـم الأفطس، عن سعيد بن جبـير، قال: كان ابن عمر إذا كاتب مكاتبه لـم يضع عنه شيئا من أوّل نـجومه مخافة أن يعجِز فترجع إلـيه صدقته، ولكنه إذا كان فـي آخر مكاتبته وضع عنه ما أحبّ.

١٩٧٣٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي مَخْرَمة، عن أبـيه، عن نافع، قال: كاتب عبد اللّه بن عمر غلاما له يقال له شرف علـى خمسة وثلاثـين ألف درهم، فوضع من آخر كتابته خمسة آلاف. ولـم يذكر نافع أنه أعطاه شيئا غير الذي وضع له.

١٩٧٣٦ـ قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال مالك: سمعت بعض أهل العلـم يقول: إن ذلك أن يكاتب الرجل غلامه، ثم يضع عنه من آخر كتابته شيئا مسمّى. قال مالك: وذلك أحسن ما سمعت، وعلـى ذلك أهل العلـم وعملُ الناس عندنا.

١٩٧٣٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا زيد، قال: حدثنا سفـيان: أحبّ إلـيّ أن يعطيه الربع أو أقلّ منه شيئا، ولـيس بواجب وأن يفعل ذلك حسن.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن عبد اللّه بن حبـيب أبـي عبد الرحمن السّلَـميّ، عن علـيّ رضي اللّه عنه: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّه الّذِي آتاكُمْ قال: هو ربع الـمكاتبة.

وقال آخرون: بل ذلك حضّ من اللّه أهل الأموال علـى أن يعطوهم سهمهم الذي جعله لهم من الصدقات الـمفروضة لهم فـي أموالهم ب قوله: إنّـمَا الصّدَقاتُ للْفُقَرَاءِ وَالـمَساكِينِ والعامِلِـينَ عَلَـيْها والـمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهمْ وفِـي الرّقابِ قال: فـالرّقاب التـي جعل فـيها أحد سُهْمان الصدقة الثمانـية هم الـمكاتَبون، قال: وإياه عنى جل ثناؤه ب قوله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّه الّذِي آتاكُمْ: أي سَهمْهم من الصدقة. ذكر من قال ذلك:

١٩٧٣٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: ثنـي يحيى بن واضح، قال: حدثنا الـحسين، عن ابن زيد، عن أبـيه، قوله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّه الّذِي آتاكُمْ قال: يحثّ اللّه علـيه، يُعْطَوْنه.

١٩٧٣٩ـ حدثنـي يعقوب، قال: ثنـي ابن عُلَـية، قال: أخبرنا يونس، عن الـحسن: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّه الّذِي آتاكُمْ قال: حثّ الناسَ علـيه مولاه وغيره.

١٩٧٤٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد، عن إبراهيـم، فـي قوله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّه الّذِي آتاكُمْ قال: يعطِي مكاتَبَه وغيره، حَثّ الناس علـيه.

١٩٧٤١ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هُشيـم، عن مغيرة، عن إبراهيـم أنه قال فـي قوله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّه الّذِي آتاكُمْ قال: أمر مولاه والناس جميعا أن يعينوه.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد، قال: حدثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيـم: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّه الّذِي آتاكُمْ قال: أمر الـمسلـمين أن يُعْطُوهم مـما آتاهم اللّه .

١٩٧٤٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنـي ابن زيد، عن أبـيه: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّه الّذِي آتاكُمْ قال: ذلك فـي الزكاة علـى الوُلاة يعطونهم من الزكاة، يقول اللّه : وفِـي الرّقابِ.

١٩٧٤٣ـ قال: ثنـي ابن زيد، عن أبـيه: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّه الّذِي آتاكُمْ قال: الفَـيْء والصدقات. وقرأ قول اللّه : إنّـمَا الصّدَقاتُ للْفُقُراءِ وَالـمَساكِينِ، وقرأ حتـى بلغ: وفِـي الرّقابِ فأمر اللّه أن يوفوها منه، فلـيس ذلك من الكتابة. قال: وكان أبـي يقول: ماله وللكتابة هو من مال اللّه الذي فَرَض له فـيه نصيبـا.

وأولـى القولـين بـالصواب فـي ذلك عندي القول الثانـي، وهو قول من قال: عَنَى به إيتاءَهم سهمهم من الصدقة الـمفروضة.

وإنـما قلنا ذلك أولـى القولـين لأن قوله: وآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّه الّذِي آتاكُمْ أمر من اللّه تعالـى ذكره بإيتاء الـمكاتَبِـين من ماله الذي آتـى أهل الأموال، وأمر اللّه فرض علـى عبـاده الانتهاءُ إلـيه، ما لـم يخبرهم أن مراده الندْب، لـما قد بـيّنا فـي غير موضع من كتابنا. فإذ كان ذلك كذلك، ولـم يكن أخبرنا فـي كتابه ولا علـى لسان رسوله صلى اللّه عليه وسلم أنه نَدْب، ففرض واجب. وإذ كان ذلك كذلك، وكانت الـحجة قد قامت أن لا حقّ لأحد فـي مال أحد غيره من الـمسلـمين إلاّ ما أوجبه اللّه لأهل سُهمان الصدقة فـي أموال الأغنـياء منهم، وكانت الكتابة التـي يقتضيها سيد الـمكاتَب من مكاتَبِه مالاً من مال سيد الـمكاتَب فـيفـاد أن الـحقّ الذي أوجب اللّه له علـى الـمؤمنـين أن يؤتوه من أموالهم هو ما فُرِض علـى الأغنـياء فـي أموالهم له من الصدقة الـمفروضة، إذ كان لا حقّ فـي أموالهم لأحد سواها.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَلْيَسْتَعْفِفِ الّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتّىَ يُغْنِيَهُمُ اللّه مِن فَضْلِهِ وَالّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مّن مّالِ اللّه الّذِيَ آتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصّناً لّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنّ فِإِنّ اللّه مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنّ غَفُورٌ رّحِيمٌ }.

يقول تعالـى ذكره: زَوّجوا الصالـحين من عبـادكم وإمائكم ولا تُكْرهوا إماءَكم علـى البغاء، وهو الزنا إنْ أرَدْنَ تَـحَصّنا يقول: إن أردن تعففـا عن الزنا. لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الـحَياةِ الدّنْـيا يقول: لتلتـمسوا بإكراهكم إياهنّ علـى الزنا عَرَض الـحياة، وذلك ما تعرِض لهم إلـيه الـحاجة من رِياشها وزينتها وأموالها. وَمَنْ يُكْرِهْهُنّ يقول: ومن يُكْره فَتـياته علـى البغاء، فإن اللّه من بعد إكراهه إياهن علـى ذلك، لهم غَفُورٌ رَحِيـمٌ، ووِزْر ما كان من ذلك علـيهم دونهن.

وذُكر أن هذه الآية أنزلت فـي عبد اللّه بن أبـيّ ابن سَلَول حين أكره أمته مُسَيكة علـى الزنا. ذكر من قال ذلك:

١٩٧٤٤ـ حدثنا الـحسن بن الصبـاح، قال: حدثنا حجاج بن مـحمد، عن ابن جُرَيج، قال: أخبرنـي أبو الزبـير، أنه سمع جابر بن عبد اللّه يقول: جاءت مُسَيْكة لبعض الأنصار فقالت: إن سيدي يكرهنـي علـى الزنا فنزلت فـي ذلك: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ علـى البِغاءِ.

١٩٧٤٥ـ حدثنـي يحيى بن إبراهيـم الـمسعودي، قال: حدثنا أبـي، عن أبـيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن أبـي سفـيان عن جابر، قال: كانت جارية لعبد اللّه بن أبـيّ ابن سَلول يقال لها مُسَيْكة، فآجرها أو أكرهها الطبريّ شكّ فأتت النبي صلى اللّه عليه وسلم فشكَتْ ذلك إلـيه، فأنزل اللّه : وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ إنْ أرَدْنَ تَـحَصّنا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الـحَياةِ الدّنْـيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنّ فإنّ اللّه مِنْ بَعْدِ إكْرَاهِهِنّ غَفُورٌ رَحِيـمٌ يعني بهنّ.

١٩٧٤٦ـ حدثنا أبو حصين عبد اللّه بن أحمد بن يونس، قال: حدثنا عَبْثَر، قال: حدثنا حصين، عن الشعبـيّ، فـي قوله: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ قال: رجل كانت له جارية تفجر، فلـما أسلـمت نزلت هذه.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: أخبرنـي أبو الزبـير، عن جابر، قال: جاءت جارية لبعض الأنصار، فقالت: إن سيدي أكرهنـي علـى البغاء فأنزل اللّه فـي ذلك: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ.

١٩٧٤٧ـ قال ابن جُرَيج: وأخبرنـي عمرو بن دينار، عن عكرِمة، قال: أمة لعبد اللّه بن أُبـيّ، أمرها فزنت، فجاءت ببُرْد، فقال لها: ارجعي فـازنـي قالت: واللّه لا أفعل، إن يك هذا خيرا فقد استكثرت منه، وإن يك شرّا فقد آن لـي أن أدعه. قال ابن جُرَيج، وقال مـجاهد نـحو ذلك، وزاد قال: البِغاء: الزنا. وَاللّه غَفُورٌ رَحِيـمٌ قال: للـمكرَهات علـى الزنا، وفـيها نزلت هذه الآية.

١٩٧٤٨ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهريّ: أن رجلاً من قريش أُسِر يوم بدر. وكان عبد اللّه بن أُبـيّ أسره، وكان لعبد اللّه جارية يقال لها مُعاذة، فكان القرشيّ الأسير يريدها علـى نفسها، وكانت مسلـمة، فكانت تـمتنع منه لإسلامها، وكان ابن أُبـيّ يُكرهها علـى ذلك ويضربها رجاء أن تـحمل للقرشيّ فـيطلب فِداء ولده، فقال اللّه : وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ إنْ أرَدْنَ تَـحَصّنا قال الزهريّ: وَمَنْ يُكْرِهْهُنّ فإنّ اللّه مِنْ بَعْدِ إكْراهِهِنّ غَفُورٌ رَحِيـمٌ يقول: غفور لهنّ ما أُكْرِهن علـيه.

١٩٧٤٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جُبـير، أنه كان يقرأ: (فإنّ اللّه مِنْ بَعْدِ إكْرَاهِهِنّ لَهُنّ غَفُورٌ رَحِيـمٌ) .

١٩٧٥٠ـ حدثنا علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـياتِكُمْ عَلـى البَغاءِ إنْ أرَدْنَ تَـحَصّنا يقول: ولا تكرهوا إماءكم علـى الزنا، فإن فعلتـم فإن اللّه سبحانه لهنّ غفور رحيـم وإثمُهنّ علـى من أكرههنّ.

١٩٧٥١ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ... إلـى آخر الآية، قال: كانوا فـي الـجاهلـية يُكْرهون إماءكم علـى الزنا، يأخذون أجورهنّ، فقال اللّه : لا تكرهوهنّ علـى الزنا من أجل الـمَنالة فـي الدنـيا، ومن يكرههنّ فإن اللّه من بعد إكراههنّ غفور رحيـم لهن يعني إذا أكرهن.

١٩٧٥٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد : وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ علـى الزنا. قال: عبد اللّه بن أُبـيّ ابن سَلُولَ أمر أمة له بـالزنا، فجاءته بدينار أو بُبرد شكّ أبو عاصم فأعطته، فقال: ارجعي فـازنـي بآخر فقالت: واللّه ما أنا براجعة، فـاللّه غفور رحيـم للـمكْرَهات علـى الزنا ففـي هذا أنزلت هذه الآية.

حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، نـحوه، إلاّ أنه قال فـي حديثه: أمر أمة له بـالزنا، فزنت، فجاءته ببرد فأعطته. فلـم يشُكّ.

١٩٧٥٣ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ يقول: علـى الزنا. فإنّ اللّه مِنْ بَعْدِ إكْرَاهِهِنّ غَفُورٌ رَحِيـمٌ يقول: غفور لهنّ، للـمكرهات علـى الزنا.

 

١٩٧٥٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَمَنْ يُكْرِهْهُنّ فإنّ اللّه مِنُ بَعْدِ إكْرَاهِهِنّ غَفُورٌ قال: غفور رحيـم لهنّ حين أكرهن وقُسِرْن علـى ذلك.

١٩٧٥٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد ، قال: كانوا يأمرون ولائدهم يُبـاغِين، يفعلن ذلك، فـيصبن، فـيأتـينهم بكسبهنّ، فكانت لعبد اللّه بن أُبـيّ ابن سَلُولَ جارية، فكانت تُبـاغِي، فكرهت وحلفت أن لا تفعله، فأكرهها أهلها، فـانطلقت فبـاغت ببرد أخضر، فأتتهم به، فأنزل اللّه تبـارك وتعالـى: وَلا تُكْرِهُوا فَتَـيَاتِكُمْ عَلـى البِغاءِ... الآية.

٣٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مّبَيّنَاتٍ وَمَثَلاً مّنَ الّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لّلْمُتّقِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: ولقد أنزلنا إلـيكم أيها الناس دِلالات وعلامات مبـيّنات يقول: مفصّلاتٍ الـحقّ من البـاطل، وموضّحات ذلك.

واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة وبعض الكوفـيـين والبصريـين: (مُبَـيّناتٍ) بفتـح الـياء: بـمعنى مفصّلات، وأن اللّه فصّلَهن وبـيّنَهنّ لعبـاده، فهنّ مفصّلات مبـيّنات. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: مُبَـيّناتٍ بكسر الـياء، بـمعنى أن الاَيات هن تبـين الـحقّ والصواب للناس وتهديهم إلـى الـحقّ.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان، وقد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء، متقاربتا الـمعنى. وذلك أن اللّه إذ فصّلها وبـيّنها صارت مبـيّنة بنفسها الـحقّ لـمن التـمسه من قِبَلها، وإذا بـيّنت ذلك لـمن التـمسه من قَبِلها فـيبـين اللّه ذلك فـيها. فبأيّ القراءتـين قرأ القارىء فمصيب فـي قراءته الصواب.

و قوله: وَمَثَلاً مِنَ الّذِينَ خَـلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ من الأمـم، وموعظة لـمن اتقـى اللّه ، فخاف عقابه وخشي عذابه.

٣٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اللّه نُورُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ...}.

 يعني تعالـى ذكره ب قوله: اللّه نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ هادي من فـي السموات والأرض، فهم بنوره إلـى الـحقّ يهتدون وبهداه من حيرة الضلالة يعتصمون.

واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم فـيه نـحو الذي قلنا. ذكر من قال ذلك:

١٩٧٥٦ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: اللّه نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ يقول: اللّه سبحانه هادي أهل السموات والأرض.

١٩٧٥٧ـ حدثنـي سلـيـمان بن عمر بن خَـلْدة الرّقـي، قال: حدثنا وهب بن راشد، عن فرقد، عن أنس بن مالك، قال: إن إلهي يقول: نوري هُداي.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: اللّه مدبّر السموات والأرض. ذكر من قال ذلك:

١٩٧٥٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال مـجاهد وابن عباس فـي قوله: اللّه نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ يدبّر الأمر فـيهما: نـجومَهما وشمسَهما وقمرَهما.

وقال آخرون: بل عنى بذلك النور الضياء. وقالوا: معنى ذلك: ضياء السموات والأرض. ذكر من قال ذلك:

١٩٧٥٩ـ حدثنـي عبد الأعلـى بن واصل، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، قال: حدثنا أبو جعفر الرازيّ، عن الربـيع ابن أَنَس، عن أبـي العالـية، عن أُبـيّ بن كعب، فـي قول اللّه : اللّه نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ قال: فبدأ بنور نفسه، فذكره، ثم ذكر نور الـمؤمن.

وإنـما اخترنا القول الذي اخترناه فـي ذلك لأنه عَقِـيب قوله: وَلَقَدْ أنْزَلْنا إلَـيْكُمْ آياتٍ مُبَـيّناتٍ، وَمَثَلاً مِنَ الّذِينَ خَـلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً للْـمُتّقِـينَ فكان ذلك بأن يكون خبرا عن موقع يقع تنزيـله من خـلقه ومن مدح ما ابتدأ بذكر مدحه، أولـى وأشبه، ما لـم يأت ما يدلّ علـى انقضاء الـخبر عنه من غيره. فإذا كان ذلك كذلك، فتأويـل الكلام: ولقد أنزلنا إلـيكم أَيّها الناس آيات مبـينات الـحق من البـاطل وَمَثَلاً مِنَ الّذِينَ خَـلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً للْـمُتّقِـينَ فهديناكم بها، وبـيّنا لكم معالـم دينكم بها، لأنـي هادي أهل السموات وأهل الأرض. وترك وصل الكلام بـاللام، وابتدأ الـخبر عن هداية خـلقه ابتداء، وفـيه الـمعنى الذي ذكَرْتُ، استغناء بدلالة الكلام علـيه من ذكره. ثم ابتدأ فـي الـخبر عن مثل هدايته خـلقه بـالاَيات الـمبـينات التـي أنزلها إلـيهم، فقال: مَثَلُ نُورِهِ كمِشْكاةٍ فِـيها مِصْبـاحٌ يقول: مثل ما أنار من الـحقّ بهذا التنزيـل فـي بـيانه كمشكاة.

وقد اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بـالهاء فـي قوله: مَثَلُ نُورِهِ علام هي عائدة؟ ومن ذكر ما هي؟ فقال بعضهم: هي من ذكر الـمؤمن. وقالوا: معنى الكلام: مثل نور الـمؤمن الذي فـي قلبه من الإيـمان والقرآن مثل مشكاة. ذكر من قال ذلك:

١٩٧٦٠ـ حدثنا عبد الأعلـى بن واصل، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا أبو جعفر الرازيّ، عن الربـيع بن أنس، عن أبـي العالـية، عن أُبـيّ بن كعب، فـي قول اللّه : مَثَلُ نُورِهِ قال: ذكر نور الـمؤمن فقال: مثل نوره، يقول: مثل نور الـمؤمن. قال: وكان أبـيّ يقرؤها كذلك: (مَثَلُ الـمؤمن) . قال: هو الـمؤمن قد جعل الإيـمان والقرآن فـي صدره.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر الرازيّ، عن أبـي العالـية، عن أُبـيّ بن كعب: اللّه نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ قال: بدأ بنور نفسه فذكره، ثم قال: مَثَلُ نُورِهِ يقول: مثل نور مَنْ آمن به. قال: وكذلك كان يقرأ أُبـيّ، قال: هو عبد جعل اللّه القرآن والإيـمان فـي صدره.

١٩٧٦١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبـير: مَثَلُ نُورِهِ قال: مثل نور الـمؤمن.

١٩٧٦٢ـ حدثنـي علـيّ بن الـحسن الأزدي، قال: حدثنا يحيى بن الـيـمان، عن أبـي سِنان، عن ثابت، عن الضحاك فـي قوله: مَثَلُ نُورِهِ قال: نور الـمؤمن.

وقال آخرون: بل عُنِـي بـالنور: مـحمد صلى اللّه عليه وسلم ، وقالوا: الهاء التـي قوله: مَثَلَ نُورِهِ عائدة علـى اسم اللّه . ذكر من قال ذلك:

١٩٧٦٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب القُمّيّ، عن حفص، عن شَمِر، قال: جاء ابن عباس إلـى كعب الأحبـار، فقال له: حدثنـي عن قول اللّه عزّ وجلّ: اللّه نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ... الآية؟ فقال كعب: اللّه نور السموات والأرض، مَثَل نوره مثل مـحمد صلى اللّه عليه وسلم ، كمشكاة.

١٩٧٦٤ـ حدثنـي علـيّ بن الـحسن الأزدي، قال: حدثنا يحيى بن الـيـمان، عن أشعث، عن جعفر بن أبـي الـمغيرة، عن سعيد بن جُبـير فـي قوله: مَثَلُ نُورِهِ قال: مـحمد صلى اللّه عليه وسلم .

وقال آخرون: بل عُنِـي بذلك: هَدْي اللّه وبـيانه، وهو القرآن. قالوا: والهاء من ذكر اللّه ، قالوا: ومعنى الكلام: اللّه هادي أهل السموات والأرض بآياته الـمبـينات، وهي وهي النور الذي استنار به السموات والأرض، مَثَلُ هداه وآياته التـي هَدَى بها خـلقه ووعظهم بها فـي قلوب الـمؤمنـين كمِشكاة. ذكر من قال ذلك:

١٩٧٦٥ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس : مَثَلُ نُورِهِ مثل هُدَاه فـي قلب الـمؤمن.

١٩٧٦٦ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن عُلَـيّة، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، فـي قوله: مَثَلُ نُورِهِ قال: مثل هذا القرآن فـي القلب كمشكاة.

١٩٧٦٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: مَثَلُ نُورِهِ: نورِ القرآن الذي أنزل علـى رسوله صلى اللّه عليه وسلم وعبـاده، هذا مثل القرآن كمِشْكاةٍ فِـيها مِصْبـاحٌ.

١٩٧٦٨ـ قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي عبد اللّه بن عَيّاش، قال: قال زيد بن أسلـم، فـي قول اللّه تبـارك وتعالـى: اللّه نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ ونوره الذي ذكر: القرآن، ومَثَلُه الذي ضَرَب له.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: مثل نور اللّه . وقالوا: يعني بـالنور: الطاعة. ذكر من قال ذلك:

١٩٧٦٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي بـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: اللّه نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كمِشْكاةٍ فِـيها مصْبـاحٌ وذلك أن الـيهود قالوا لـمـحمد: كيف يخـلُص نور اللّه من دون السماء؟ فضرب اللّه مَثَلَ ذلك لنوره، فقال: اللّه نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كمِشْكاةٍ قال: وهو مثل ضربه اللّه لطاعته، فسمّى طاعته نورا، ثم سماها أنوارا شَتّـى.

و قوله: كمِشْكاةٍ اختلف أهل التأويـل فـي معنى الـمِشكاة والـمصبـاح وما الـمراد بذلك، وبـالزجاجة، فقال بعضهم: الـمِشكاة كل كَوّة لا منفذَ لها، وقالوا: هذا مثل ضربه اللّه لقلب مـحمد صلى اللّه عليه وسلم . ذكر من قال ذلك:

١٩٧٧٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن حفص، عن شَمِر، قال: جاء ابن عباس إلـى كعب الأحبـار، فقال له: حدثنـي عن قول اللّه : مَثَلُ نُورِهِ كمِشْكاةٍ قال: الـمشكاة وهي الكَوّة، ضربها اللّه مثلاً لـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم ، الـمِشكاة فِـيها مِصْبـاحٌ الـمِصْبـاحُ قلبه فِـي زُجاجَةٍ الزّجاجَةُ صدره الزجاجة كأنّها كَوْكَبٌ دُرّيّ شبه صدر النبي صلى اللّه عليه وسلم بـالكوكب الدريّ، ثم رجع الـمصبـاح إلـى قلبه فقال: تُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبـارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ لـم تـمسّها شمس الـمشرق ولا شمس الـمغرب، يَكادُ زَيْتُها يُضِىءُ يكاد مـحمد يبـين للناس وإن لـم يتكلـم أنه نبـيّ، كما يكاد ذلك الزيت يضيء وَلَوْ لَـمْ تَـمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلـى نُورٍ.

١٩٧٧١ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: كمِشْكاةٍ يقول: موضع الفتـيـلة.

١٩٧٧٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: اللّه نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ... إلـى كمِشْكاةٍ قال: الـمِشكاة: كَوّة البـيت.

وقال آخرون: عنى بـالـمشكاة: صدر الـمؤمن، وبـالـمصبـاح: القرآن والإيـمان، وبـالزجاجة: قلبه. ذكر من قال ذلك:

١٩٧٧٣ـ حدثنـي عبد الأعلـى بن واصل، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا أبو جعفر الرازيّ، عن الربـيع بن أنس، عن أبـي العالـية، عن أُبـيّ بن كعب: مَثَلُ نُورِهِ كمِشْكاةٍ فِـيها مِصْبـاحٌ قال: مَثَل الـمؤمن قد جعل الإيـمان والقرآن فـي صدره كمشكاة، قال: الـمشكاة: صدره. فِـيها مِصْبـاحٌ قال: والـمصبـاح القرآن والإيـمان الذي جعل فـي صدره. الـمِصْبـاحُ فِـي زُجاجَةٍ قال: والزجاجة: قلبه. الزّجاجَةُ كأنّها كَوْكَبٌ دُرّيّ توقَدُ، قال: فمثله مـما استنار فـيه القرآن والإيـمان كأنه كوكب درّيّ، يقول: مُضِيء. تُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبـارَكَةٍ والشجرة الـمبـاركة، أصله الـمبـاركة الإخلاص للّه وحده وعبـادته، لا شريك له. لا شَرْقَـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قال: فمثله مَثَل شجرة التفّ بها الشجر، فهي خضراء ناعمة، لا تصيبها الشمس علـى أيّ حال كانت، لا إذا طلعت ولا إذا غَربت، وكذلك هذا الـمؤمن قد أجير من أن يصيبه شيء من الغَيرِ وقد ابتُلِـي بها فثبته اللّه فـيها، فهو بـين أربع خلال: إن أُعطِى شكر، وإن ابتُلِـي صبر، وإن حَكَم عدل، وإن قال صدق فهو فـي سائر الناس كالرجل الـحيّ يـمشي فـي قبور الأموات. قال: نُورٌ عَلـى نُورٍ فهو يتقلّب فـي خمسة من النور: فكلامه نور، وعمله نور، ومَدْخـله نور، ومَخْرجه نور، ومصيره إلـى النور يوم القـيامة فـي الـجنة.

١٩٧٧٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي يحيى بن الـيـمان، عن أبـي جعفر الرازيّ، عن الربـيع بن أنس، عن أبـي العالـية، عن أُبـيّ بن كعب، قال: الـمشكاة: صدر الـمؤمن. فـيها مصبـاح، قال: القرآن.

قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية، عن أُبـيّ بن كعب، نـحو حديث عبد الأعلـى، عن عبـيد اللّه .

١٩٧٧٥ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس : مَثَلُ نُورِهِ كمِشْكاةٍ قال: مثل هداه فـي قلب الـمؤمن كما يكاد الزيت الصافـي يضيء قبل أن تـمسّه النار، فإذا مسته النار ازداد ضوءا علـى ضوء، كذلك يكون قلب الـمؤمن يعمل بـالهدى قبل أن يأتـيَه العلـم، فإذا جاءه العلـم ازداد هدى علـى هدى ونورا علـى نور، كما قال إبراهيـم صلوات اللّه علـيه قبل أن تـجيئه الـمعرفة: قالَ هَذَا رَبّـي حين رأى الكوكب من غير أن يخبره أحد أن له ربّـا، فلـما أخبره اللّه أنه ربه ازداد هُدًى علـى هدى.

١٩٧٧٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: اللّه نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كمِشْكاةٍ فِـيها مِصْبـاحٌ وذلك أن الـيهود قالوا لـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم : كيف يخـلص نور اللّه من دون السماء؟ فضرب اللّه مَثَل ذلك لنوره، فقال: اللّه نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كمِشْكاةٍ فِـيها مِصْبـاحٌ والـمِشكاة: كَوّة البـيت فـيها مصبـاح، الـمِصْبـاحُ فِـي زُجاجَةٍ الزّجاجَةُ كأنّها كَوْكَبٌ دُرْيّ والـمصبـاج: السراج يكون فـي الزجاجة، وهو مثل ضربه اللّه لطاعته، فسمى طاعته نورا وسماها أنواعا شتـى.

 قوله: تُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبـارَكَةٍ زَيْتَونَةٍ لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قال: هي شجرة لا يفـيء علـيها ظلّ شرق ولا ظلّ غرب، ضاحية، ذلك أصفـى للزيت. يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَـمْ تَـمْسَسْهُ نارٌ. قال معمر، وقال الـحسن: لـيست من شجر الدنـيا، لـيست شرقـية ولا غربـية.

وقال آخرون: هو مثل للـمؤمن غير أن الـمصبـاح وما فـيه مثل لفؤاده، والـمشكاة مثل لـجوفه. ذكر من قال ذلك:

١٩٧٧٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال مـجاهد وابن عباس جميعا: الـمصبـاح وما فـيه مثل فؤاد الـمؤمن وجوفه، الـمصبـاح مثل الفؤاد، والكوّة مثل الـجوف.

قال ابن جُرَيج: كمِشْكاةٍ: كوّة غير نافذة. قال ابن جُرَيج، وقال ابن عباس : قوله: نُورٌ عَلـى نُورٍ يعني : إيـمان الـمؤمن وعمله.

وقال آخرون: بل ذلك مثل للقرآن فـي قلب الـمؤمن. ذكر من قال ذلك:

١٩٧٧٨ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، فـي قوله: اللّه نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهه كمِشْكاةٍ قال: ككوّة فِـيها مِصْبـاحٌ الـمِصْبَـاحُ فِـي زُجاجَةٍ الزّجاجَةُ كأنّها كَوْكَبٌ دُرّيّ.

١٩٧٧٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قول اللّه : اللّه نُورُ السّمَوَاتِ والأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ نور القرآن الذي أنزل علـى رسوله وعبـاده، فهذا مثل القرآن كمِشْكاةٍ فِـيها مِصْبـاحٌ الـمِصْبـاحُ فِـي زُجاجَة فقرأ حتـى بلغ: مُبـارَكَةٍ فهذا مثل القرآن يستضاء به فـي نوره ويعلـمونه ويأخذون به، وهو كما هو لا ينقص، فهذا مثل ضربه اللّه لنوره. وفـي قوله: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ قال: الضوء: إشراق ذلك الزيت، والـمشكاة: التـي فـيها الفتـيـلة التـي فـي الـمصبـاح، والقناديـل تلك الـمصابـيح.

١٩٧٨٠ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن سعيد بن عياض فـي قوله: كمِشْكاةٍ قال: الكوّة.

١٩٧٨١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا قرة، عن عطية، فـي قوله: كمِشْكاةٍ قال: قال ابن عمر: الـمشكاة الكَوّة.

وقال آخرون: الـمِشكاة القنديـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٧٨٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه : كمِشْكاةٍ قال: القنديـل، ثم العمود الذي فـيه القنديـل.

١٩٧٨٣ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد : كمِشْكاةٍ: الصّفْر الذي فـي جوف القنديـل.

١٩٧٨٤ـ حدثنـي إسحاق بن شاهين، قال: حدثنا خالد بن عبد اللّه عن داود، عن رجل، عن مـجاهد ، قال: الـمِشكاة: القنديـل.

وقال آخرون: الـمشكاة: الـحديد الذي يعلق به القنديـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٧٨٥ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا هشيـم، قال: حدثنا داود بن أبـي هند، عن مـجاهد ، قال: الـمشكاة: الـحدائد التـي يعلق بها القنديـل.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: ذلك مثل ضربه اللّه للقرآن فـي قلب أهل الإيـمان به، فقال: مَثَلُ نور اللّه الذي أنار به لعبـاده سبـيـل الرشاد، الذي أنزله إلـيهم فآمنوا به وصدّقوا بـما فـيه، فـي قلوب الـمؤمنـين، مثل مِشكاة، وهي عمود القنديـل الذي فـيه الفتـيـلة وذلك هو نظير الكَوّة التـي تكون فـي الـحيطان التـي لا منفذ لها. وإنـما جعل ذلك العمود مِشكاة، لأنه غير نافذ، وهو أجوف مفتوح الأعلـى، فهو كالكَوّة التـي فـي الـحائط التـي لا تنفذ. ثم قال: فِـيها مِصْبـاحٌ وهو السراج، وجعل السراج وهو الـمصبـاح مثلاً لـما فـي قلب الـمؤمن من القرآن والاَيات الـمبـينات. ثم قال: الـمِصْبـاحُ فِـي زُجاجَةٍ يعني أن السراج الذي فـي الـمِشكاة فـي القنديـل، وهو الزجاجة، وذلك مثل للقرآن، يقول: القرآن الذي فـي قلب الـمؤمن الذي أنار اللّه قلبه فـي صدره. ثم مثل الصدر فـي خـلوصه من الكفر بـاللّه والشكّ فـيه واستنارته بنور القرآن واستضاءته بآيات ربه الـمبـينات ومواعظه فـيها، بـالكوكب الدرّيّ، فقال: الزّجَاجَةُ وذلك صدر الـمؤمن الذي فـيه قلبه كأنّها كَوْكَبٌ دُرّيّ.

واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: دُرّيّ فقرأته عامة قرّاء الـحجاز: دُرّيّ بضم الدال، وترك الهمز. وقرأ بعض قراء البصرة والكوفة: (دِرّيءٌ) بكسر الدال وهمزة. وقرأ بعض قرّاء الكوفة: (دُرّيء) بضم الدال وهمزة. وكأن الذين ضموا داله وتركوا الهمزة، وجهوا معناه إلـى ما قاله أهل التفسير الذي ذكرنا عنهم، من أن الزجاجة فـي صفـائها وحسنها كالدرّ، وأنها منسوبة إلـيه لذلك من نعتها وصفتها. ووجه الذين قرءوا ذلك بكسر داله وهمزه، إلـى أنه فِعّيـل من دُرّىءَ الكوكبُ: أي دُفِع ورجم به الشيطان، من قوله: وَيَدْرأُعَنْها العَذابَ: أي يدفع، والعرب تسمى الكواكب العظام التـي لا تعرف أسماءها الداراريّ بغير همز. وكان بعض أهل العلـم بكلام العرب من أهل البصرة يقول: هي الدراريء بـالهمز، من يَدْرأن. وأما الذين قرءوه بضمّ داله وهمزه، فإن كانوا أرادوا به درّوء مثل سُبّوح وقدوس من درأت، ثم استثقلوا كثرة الضمات فـيه، فصرفوا بعضها إلـى الكسرة، فقالوا: دِرّىء، كما

قـيـل: وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكَبرِ عِتِـيّا وهو فُعُول، من عتوت عُتُوّا، ثم حوّلت بعض ضماتها إلـى الكسر، ف

قـيـل: عِتـيّا. فهو مذهب، وإلا فلا أعرف لصحة قراءتهم ذلك كذلك وجها، وذلك أنه لا يُعرف فـي كلام العرب فِعّيـل. وقد كان بعض أهل العربـية يقول: هو لـحن.

والذي هو أولـى القراءات عندي فـي ذلك بـالصواب قراءة من قرأ: دُرّىّ بضمّ داله وترك همزه، علـى النسبة إلـى الدرّ، لأن أهل التأويـل بتأويـل ذلك جاءوا. وقد ذكرنا أقوالهم فـي ذلك قبل، ففـي ذلك مُكْتفًـى عن الاستشهاد علـى صحتها بغيره. فتأويـل الكلام: الزجاجة: وهي صدر الـمؤمن، كأنها: يعني كأن الزجاجة، وذلك مثل لصدر الـمؤمن، كَوْكَب: يقول: فـي صفـائها وضيائها وحسنها. وإنـما يصف صدره بـالنقاء من كلّ ريب وشكّ فـي أسبـاب الإيـمان بـاللّه وبعده من دنس الـمعاصي، كالكوكب الذي يُشبه الدرّ فـي الصفـاء والضياء والـحسن.

واختلفوا أيضا فـي قراءة قوله: (تُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبـارَكَةٍ) فقرأ ذلك بعض الـمكّيـين والـمدنـيّـين وبعض البصرين: (تَوَقّدَ مِنْ شَجَرَةٍ) بـالتاء، وفتـحها، وتشديد القاف، وفتـح الدال. وكأنهم وجهوا معنى ذلك إلـى تَوَقّدَ الـمصبـاحُ من شجرة مبـاركة. وقرأه بعض عامة قرّاء الـمدنـيـين: يُوقَدُ بـالـياء، وتـخفـيف القاف، ورفع الدال بـمعنى: يُوقِدُ الـمصبـاح مُوْقِدُه من شجرة، ثم لـم يُسَمّ فـاعله. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: (تُوقَدُ) بضم التاء وتـخفـيف القاف ورفع الدال، بـمعنى: يُوقِدُ الزجاجةُ مُوقِدُها من شجرة مبـاركة لـما لـم يسمّ فـاعله، فقـيـل تُوقَد. وقرأه بعض أهل مكة: (تَوَقّدُ) بفتـح التاء، وتشديد القاف، وضم الدال بـمعنى: تَتَوَقّد الزجاجة من شجرة، ثم أسقطت إحدى التاءين اكتفـاء بـالبـاقـية من الذاهبة.

وهذه القراءات متقاربـات الـمعانـي وإن اختلفت الألفـاظ بها وذلك أن الزجاجة إذا وُصِفت بـالتوقد أو بأنها تَوَقّد، فملعوم معنى ذلك، فإن الـمراد به تَوَقّدَ فـيها الـمصبـاح أو يُوقَد فـيها الـمصبـاح، ولكن وجّهوا الـخبر إلـى أن وصفها بذلك أقرب فـي الكلام منها وفهم السامعين معناه والـمراد منه. فإذا كان ذلك كذلك فبأيّ القراءات قرأ القارىء فمصيب، غير أن أعجب القراءات إلـيّ أن أقرأ بها فـي ذلك: (تَوَقّدَ) بفتـح التاء، وتشديد القاف، وفتـح الدال، بـمعنى: وصف الـمصبـاح بـالتوقد لأن التوقد والاتقاد لا شكّ أنهما من صفته، دون الزجاجة. فمعنى الكلام إذن: كمشكاة فـيها مصبـاح، الـمصبـاح من دهن شجرة مبـاركة، زيتونة، لا شرقـية ولا غربـية.

وقد ذكرنا بعض ما رُوي عن بعضهم من الاختلاف فـي ذلك فـيـما قد مضى، ونذكر بـاقـي ما حضرنا مـما لـم نذكره قبل. فقال بعضهم: إنـما قـيـل لهذه الشجرة لا شرقـية ولا غربـية: أي لـيست شرقـية وحدها حتـى لا تصيبها الشمس إذا غربت، وإنـما لها نصيبها من الشمس بـالغداة ما دامت بـالـجانب الذي يـلـي الشرق، ثم لا يكون لها نصيب منها إذا مالت إلـى جانب الغرب. ولا هي غربـية وحدها، فتصيبها الشمس بـالعشيّ إذا مالت إلـى جانب الغرب، ولا تصيبها بـالغدَاة ولكنها شرقـية غربـية، تطلع علـيها الشمس بـالغداة وتغرب علـيها، فـيصببها حرّ الشمس بـالغداة والعشيّ. قالوا: وإذا كانت كذلك، كان أجود لزيتها. ذكر من قال ذلك:

١٩٧٨٦ـ حدثنا هَنّاد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سمِاك، عن عكرمة، فـي قوله: زَيْتُونَةٍ، لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قال: لا يسترها من الشمس جبل ولا واد، إذا طلعت وإذا غربت.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا حِرميّ بن عُمارة، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرنـي عُمارة، عن عكرِمة، فـي قوله: لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قال: الشجرة تكون فـي مكان لا يسترها من الشمس شيء، تطلع علـيها وتغرب علـيها.

١٩٧٨٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال مـجاهد وابن عباس : لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قالا: هي التـي بشِقّ الـجبل، التـي يصيبها شروق الشمس وغروبها، إذا طلعت أصابتها وإذا غربت أصابتها.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: لـيست شرقـية ولا غربـية. ذكر من قال ذلك:

١٩٧٨٨ـ حدثنـي سلـيـمان بن عبد الـجبـار، قال: ثنـي مـحمد بن الصلت، قال: حدثنا أبو كدينة، عن قابوس، عن أبـيه، عن ابن عباس : لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قال: هي شجرة وَسْط الشجر، لـيست من الشرق ولا من الغرب.

١٩٧٨٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ متـيامنة الشأم، لا شرقـيّ ولا غربـيّ.

وقال آخرون: لـيست هذه الشجرة من شجر الدنـيا. ذكر من قال ذلك:

١٩٧٩٠ـ حدثنا مـحمد بن عبد اللّه بن بزيع، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، قال: حدثنا عوف، عن الـحسن، فـي قول اللّه : لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قال: واللّه لو كانت فـي الأرض لكانت شرقـية أو غربـية، ولكنـما هو مثل ضربه اللّه لنوره.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عثمان، يعني بـان الهيثم، قال: حدثنا عوف، عن الـحسن، فـي قول اللّه : زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قال: لو كانت فـي الأرض هذه الزيتونة كان شرقـية أو غربـية، ولكن واللّه ما هي فـي الأرض، وإنـما هو مثل ضربه اللّه لنوره.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا عوف، عن الـحسن، فـي قوله: لا شَرْقِـيّةٍ وَلا غَرْبِـيّةٍ قال: هذا مَثَل ضربه اللّه ، ولو كانت هذه الشجرة فـي الدنـيا لكانت إما شرقـية وإما غربـية.

وأولـى هذه الأقوال بتأويـل ذلك قول من قال: إنها شرقـية غربـية وقال: ومعنى الكلام: لـيست شرقـية تطلع علـيها الشمس بـالعشيّ دون الغداة، ولكن الشمس تشرق علـيها وتغرب، فهي شرقـية غربـية.

وإنـما قلنا ذلك أولـى بـمعنى الكلام، لأن اللّه إنـما وصف الزيت الذي يُوقَد علـى هذا الـمصبـاح بـالصفـاء والـجودة، فإذا كان شجره شرقـيّا غربـيّا كان زيته لا شكّ أجود وأصفـى وأضوأ.

و قوله: يَكادُ زيْتُها يُضِيءُ

يقول تعالـى ذكره: يكاد زيت هذه الزيتونة يضيء من صفـائه وحسن ضيائه. وَلَوْ لَـمْ تَـمْسَسْهُ نار يقول: فكيف إذا مسته النار.

وإنـما أُريد ب قوله: تُوقَدُ مِنْ شَجَرَة مُبـارَكَةٍ أن هذا القرآن من عند اللّه وأنه كلامه، فجعل مَثَله ومَثَل كونه من عنده مثلَ الـمصبـاح الذي يوقد من الشجرة الـمبـاركة التـي وصفها جل ثناؤه فـي هذه الآية. وعُنِـي ب قوله: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ: أن حُجَج اللّه تعالـى ذكره علـى خـلقه تكاد من بـيانها ووضوحها تضيء لـمن فكر فـيها ونظر أو أعرض عنها وَلَها. وَلَوْ لَـمْ تَـمْسَسْهُ نارٌ يقول: ولو لـم يَزِدها اللّه بـيانا ووضوحا بإنزاله هذا القرآن إلـيهم، منبها لهم علـى توحيده، فكيف إذا نبههم به وذكّرهم بآياته فزادهم به حجة إلـى حُجَجه علـيهم قبل ذلك؟ فذلك بـيان من اللّه ونور علـى البـيان، والنور الذي كان قد وضعه لهم ونصبه قبل نزوله.

و قوله: نُورٌ عَلـى نُورٍ يعني النار علـى هذا الزيت الذي كاد يضيء ولو لـم تـمسسه النار. كما:

١٩٧٩١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد : نُورٌ عَلـى نُورٍ قال: النار علـى الزيت.

قال أبو جعفر: وهو عندي كما ذكرت مَثَلُ القرآن. و يعني ب قوله: نُورٌ عَلـى نُورٍ هذا القرآن نور من عند اللّه ، أنزله إلـى خـلقه يستضيئون به. علـى نور علـى الـحُجج والبـيان الذي قد نصبه لهم قبل مـجيء القرآن إنزاله إياه، مـما يدلّ علـى حقـيقة وحدانـيته. فذلك بـيان من اللّه ، ونور علـى البـيان، والنور الذي كان وضعه لهم ونصبه قبل نزوله. وذكر عن زيد بن أسلـم فـي ذلك، ما:

١٩٧٩٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي عبد اللّه بن عياش، قال: قال زيد بن أسلـم، فـي قوله: نُورٌ عَلـى نُورٍ يضيء بعضه بعضا، يعني القرآن.

و قوله: يَهْدِى اللّه لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ:

يقول تعالـى ذكره: يُوَفّق اللّه لاتبـاع نوره، وهو هذا القرآن، من يشاء من عبـاده.

و قوله: يَهْدِى اللّه لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ:

يقول تعالـى ذكره: يُوَفّق اللّه لاتبـاع نوره، وهو هذا القرآن، من يشاء من عبـاده.

و قوله: وَيَضْرِبُ اللّه الأمْثالَ للنّاسِ يقول: ويُـمثّل اللّه الأمثال والأشبـاه للناس كما مثّل لهم مثل هذا القرآن فـي قلب الـمؤمن بـالـمصبـاح فـي الـمشكاة وسائر ما فـي هذه الآية من الأمثال. وَاللّه بِكُلّ شَيْءٍ عَلِـيـمٌ يقول: واللّه بضرب الأمثال وغيرها من الأشياء كلها، ذو علـم.

٣٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّه أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالاَصَالِ }.

 يعني تعالـى ذكره ب قوله: فِـي بُـيُوتٍ أذِنَ اللّه أنْ تُرفَعَ اللّه نور السموات والأرض، مَثَل نورِه كمشكاة فـيها مصبـاح، فـي بـيوت أذن اللّه أن ترفع. كما:

١٩٧٩٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: الـمِشكاة: التـي فـيها الفتـيـلة التـي فـيها الـمصبـاح. قال: الـمصابـيح فـي بـيوت أذن اللّه أن ترفع.

قال أبو جعفر: قد يحتـمل أن تكون (من) فـي صلة (توقد) ، فـيكون الـمعنى: تُوقَد من شجرة مبـاركة ذلك الـمصبـاح فـي بـيوت أذن اللّه أن ترفع. وعنى بـالبـيوت: الـمساجد.

وقد اختلف أهل التأويـل فـي ذلك، فقال بعضهم بـالذي قلنا فـي ذلك. ذكر من قال ذلك:

١٩٧٩٤ـ حدثنا ابن حميد، ونصر بن عبد الرحمن الأَوْديّ، قالا: حدثنا حَكّام، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن أبـي صالـح فـي قول اللّه : فِـي بُـيُوتٍ أذِنَ اللّه أنْ تُرْفَعَ قال: الـمساجد.

١٩٧٩٥ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، فـي قوله: فِـي بُـيُوتٍ أذِنَ اللّه أنْ تُرْفَعَ وهي الـمساجد تُكْرَم، ونهي عن اللغو فـيها.

١٩٧٩٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، فـي قوله: فِـي بُـيُوتٍ أَذِنَ اللّه أنْ تُرْفَعَ يعني : كل مسجد يصلّـى فـيه، جامع أو غيره.

١٩٧٩٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قالـي: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: فِـي بُـيُوتٍ أَذِنَ اللّه أنْ تُرْفَعَ قال: مساجد تُبْنـي.

حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، مثله.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله.

١٩٧٩٨ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الـحسن، فـي قوله: فِـي بُـيُوتٍ أَذِنَ اللّه أنْ تُرْفَعَ قال: فـي الـمساجد.

١٩٧٩٩ـ قال: أخبرنا معمر، عن أبـي إسحاق، عن عمرو بن ميـمون، قال: أدركت أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهم يقولون: الـمساجد: بـيوت اللّه ، وإنه حقّ علـى اللّه أن يُكْرِم من زاره فـيها.

١٩٨٠٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن سالـم بن عمر، فـي قوله: فِـي بُـيُوتٍ أَذِنَ اللّه أنْ تُرْفَعَ قال: هي الـمساجد.

١٩٨٠١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فِـي بُـيُوتٍ أَذِن اللّه أنْ تُرْفَعَ قال: الـمساجد.

وقال آخرون: عَنَى بذلك البـيوتَ كلّها. ذكر من قال ذلك:

١٩٨٠٢ـ حدثنا ابن حميد، ونصر بن عبد الرحمن الأَوْديّ، قالا: حدثنا حَكّام بن سلـم، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن عكرمة: فِـي بُـيُوتٍ أذِنَ اللّه أنْ تُرْفَعَ قال: هي البـيوت كلها.

وإنـما اخترنا القول الذي اخترناه فـي ذلك، لدلالة قوله: يُسَبّحُ لَهُ فِـيها بـالغُدُوّ والاَصَالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِـجارَةٌ وَلا بَـيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّه علـى أنها بـيوت بنـيت للصلاة فلذلك قلنا هي الـمساجد.

واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: أَذِنَ اللّه أنْ تُرْفَعَ فقال بعضهم: معناه: أذن اللّه أن تُبْنَـي. ذكر من قال ذلك:

١٩٨٠٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عصام، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد : أذِنَ اللّه أنْ تُرْفَعَ قال: تُبْنَى.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد مثله.

وقال آخرون: معناه: أذن اللّه أن تعظّم. ذكر من قال ذلك:

١٩٨٠٤ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الـحسن، فـي قوله: أذِنَ اللّه أنْ تُرْفَعَ يقول: أن تعظّم لذكره.

وأولـى القولـين فـي ذلك عندي بـالصواب القول الذي قاله مـجاهد ، وهو أن معناه: أذن اللّه أن ترفع بناء، كما قال جلّ ثناؤهِ: وَإذْ يَرْفَعُ إبْرَاهِيـمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَـيْتِ وذلك أن ذلك هو الأغلب من معنى الرفع فـي البـيوت والأبنـية.

و قوله: وَيُذْكَرَ فِـيها اسْمُهُ يقول: وأَذِن لعبـاده أن يذكروا اسمه فـيها. وقد

قـيـل: عُنِـي به أنه أذن لهم بتلاوة القرآن فـيها. ذكر من قال ذلك:

١٩٨٠٥ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قال: ثم قال: وَيُذْكَرَ فِـيها اسْمُهُ يقول: يُتْلَـى فـيها كتابه.

وهذا القول قريب الـمعنى مـما قلناه فـي ذلك، لأن تلاوة كتاب اللّه من معانـي ذكر اللّه . غير أن الذي قلنا به أظهر معنـيـيه، فلذلك اخترنا القول به.

و قوله: يُسَبّحُ لَهُ فِـيها بـالغُدُوّ والاَصَالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِـجارَةٌ وَلا بَـيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّه اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: يُسَبّحُ لَهُ، فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار: يُسَبّحُ لَهُ بضم الـياء وكسر البـاء، بـمعنى: يصلّـي له فـيها رجال، وبجعل (يسبّح) فعلاً ل(الرجال) وخبرا عنهم، وترفع به (الرجال) . سوى عاصم وابن عامر، فإنهما قرءا ذلك: (يُسَبّحُ له) بضمّ الـياء وفتـح البـاء، علـى ما لـم يسمّ فـاعله، ثم يرفعان (الرجال) بخبر ثان مضمر، كأنهما أرادا: يسبّح اللّه فـي البـيوت التـي أذن اللّه أن ترفع، فسبّح له رجال فرفعا (الرجال) بفعل مضمر.

والقراءة التـي هي أولاهما بـالصواب: قراءة من كسر البـاء، وجعله خبرا ل(الرجال) وفعلاً لهم. وإنـما كان الاختـيار رفع الرجال بـمضمر من الفعل لو كان الـخبر عن البـيوت لا يتـمّ إلا ب قوله: يُسَبّحُ لَهُ فِـيها، فأما والـخبر عنها دون ذلك تام، فلا وجه لتوجيه قوله: يُسَبّحُ لَهُ إلـى غيره، أيْ غير الـخبر عن الرجال. وعُنِـي ب قوله: يُسَبّحُ لَهُ فِـيها بـالغُدُوّ والاَصَالِ يصلّـي له فـي هذه البـيوت بـالغُدُوات والعَشيات رجال.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٨٠٦ـ حدثنـي علـيّ بن الـحسن الأزديّ، قال: حدثنا الـمَعافـى بن عمران، عن سفـيان، عن عَمّار الدّهنـي، عن سعيد بن جُبـير، عن ابن عباس ، قال: كلّ تسبـيح فـي القرآن فهو صلاة.

١٩٨٠٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قال: ثم قال: يُسَبّحُ لَهُ فِـيها بـالغُدُوّ والاَصَالِ يقول: يصلـى له فـيها بـالغداة والعشيّ. يعني بـالغدوّ: صلاة الغَداة، و يعني بـالاَصال: صلاة العصر. وهما أوّل ما افترض اللّه من الصلاة، فأحبّ أن يذكرهما ويذكر بهما عبـادته.

١٩٨٠٨ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الـحسن: يُسَبّحُ لَهُ فِـيها بـالغُدُوّ والاَصَالِ رِجالٌ أذِن اللّه أن تُبْنى، فـيصلّـى فـيها بـالغدوّ والاَصال.

١٩٨٠٩ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول فـي قوله: يُسَبّحُ لَهُ فِـيها بـالغُدُوّ والاَصَالِ يعني الصلاة الـمفروضة.

٣٧

و قوله: رجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِـجارَةٌ وَلا بَـيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّه

يقول تعالـى ذكره: لا يشغل هؤلاء الرجال الذي يصلّون فـي هذه الـمساجد التـي أذن اللّه أن ترفع عن ذكر اللّه فـيها وإقام الصلاة، تـجارة ولا بـيع. كما:

١٩٨١٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن حعفر، قال: حدثنا شعبة، عن سعيد بن أبـي الـحسن، عن رجل نسي اسمه فـي هذه الآية: فِـي بُـيُوتٍ أذِنَ اللّه أنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِـيها اسمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِـيها بـالغُدُوّ والاَصَالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِـجارَةٌ وَلا بَـيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّه ... إلـى قوله: والأبْصَارِ قال: هم قوم فـي تـجاراتهم وبـيوعهم، لا تلهيهم تـجاراتهم ولا بـيوعهم عن ذكر اللّه .

١٩٨١١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا جعفر بن سلـيـمان، عن عمرو بن دينار، عن سالـم بن عبد اللّه : أنه نظر إلـى قوم من السّوق قاموا وتركوا ببـاعاتهم إلـى الصلاة، فقال هؤلاء الذين ذكر اللّه فـي كتابه: لا تُلْهِيهِمْ تِـجارَةٌ وَلا بَـيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّه ... الآية.

١٩٨١٢ـ قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا هشيـم، عن سيار، عمن حدثه، عن ابن مسعود، نـحو ذلك.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هُشَيـم، عن سيار، قال: حُدثت عن ابن مسعود، أنه رأى قوما من أهل السوق حيثُ نودي بـالصلاة تركوا بِـياعاتهم ونهضوا إلـى الصلاة، فقال عبد اللّه : هؤلاء من الذين ذكر اللّه فـي كتابه: لا تُلْهِيهِمْ تِـجارَةٌ وَلا بَـيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّه .

وقال بعضهم: معنـي ذلك: لا تُلْهِيهِمْ تِـجارَةٌ وَلا بَـيْعٌ عن صلاتهم الـمفروضة علـيهم. ذكر من قال ذلك:

١٩٨١٣ـ حدّثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قال: ثم قال: رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِـجارَةٌ وَلا بَـيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّه يقول: عن الصلاة الـمكتوبة.

و قوله: وَإقامِ الصّلاةِ يقول: ولا يشغلهم ذلك أيضا عن إقام الصلاة بحدودها فـي أوقاتها.

وبنـحو قولنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٨١٤ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا مـحمد، قال: حدثنا عوف، عن سعيد بن أبـي الـحسن، عن رجل نسي عوف اسمه فـي: وَإقامِ الصّلاةِ قال: يقومون للصلاة عند مواقـيت الصلاة.

فإن قال قائل: أو لـيس قوله: وَإقامِ الصّلاةِ مصدرا من قوله أقمت؟

قـيـل: بلـى. فإن قال: أو لـيس الـمصدر منه إقامة، كالـمصدر من آجرت إجارة؟

قـيـل: بلـى. فإن قال: وكيف قال: وَإقامِ الصّلاةِ، أو تـجيز أن نقول: أقمت إقاما؟

قـيـل: ولكنـي أجيز: أعجبنـي إقام الصلاة. فإن

قـيـل: وما وجه جواز ذلك؟

قـيـل: إن الـحكم فـي أقمت إذا جعل منه مصدر أن يقال إقواما، كما يقال: أقعدت فلانا إقعادا وأعطيته إعطاء ولكن العرب لـما سكنت الواو من (أقمت) فسقطت لاجتـماعها وهي ساكنة والـميـم ووهي ساكنة، بنَوا الـمصدر علـى ذلك إذ جاءت الواو ساكنة قبل ألف الإفعال وهي ساكنة، فسقطت الأولـى منهما، فأبدلوا منها هاء فـي آخر الـحرف، كالتكثـير للـحرف، كما فعلوا ذلك فـي قولهم: وَعَدته عِدَة، ووزنته زِنة إذ ذهبت الواو من أوّله، كثّروه من آخره بـالهاء فلـما أضيفت الإقامة إلـى الصلاة، حذفوا الزيادة التـي كانوا زادوها للتكثـير، وهي الهاء فـي آخرها لأن الـخافض وما خفض عندهم كالـحرف الواحد، فـاستغنَوا بـالـمضاف إلـيه من الـحرف الزائد. وقد قال بعضهم فـي نظير ذلك:

إنّ الـخَـلِـيطَ أجَدّوا البَـيْنَ فـانْـجَرَدواوأخْـلَفوكَ عِدَ الأمْرِ الّذِي وَعَدُوا

يريد: عدة الأمر. فأسقط الهاء من العدة لـما أضافها، فكذلك ذلك فـي إقام الصلاة.

و قوله: وَإيتاءِ الزّكاةِ

قـيـل: معناه: وإخلاص الطاعة للّه. ذكر من قال ذلك:

١٩٨١٥ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: وأقِـيـمُوا الصّلاةَ وآتُوا الزّكاةَ وكان يأمر أهله بـالصلاة والزكاة.

و قوله: وأوْصَانِـي بـالصّلاةِ والزّكاةِ،

و قوله: وَلَوْلا فَضْلُ اللّه عَلَـيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ أبَدا،

و قوله: وَحَنانا مِنْ لَدُنّا وَزَكاةً ونـحو هذا فـي القرآن، قال: يعني بـالزكاة: طاعة اللّه والإخرص.

و قوله: يخافُونَ يَوْما تَتَقَلّبُ فِـيهِ القُلُوبُ والأبْصَارُ يقول: يخافون يوما تتقلب فـيه القلوب من هوله، بـين طمع بـالنـجاة وحذر بـالهلاك. والأبصار: أيّ ناحية يؤخذ بهم: أذات الـيـمين أم ذات الشمال؟ ومن أين يُؤْتون كتبهم: أمن قِبَل الأيـمان أو من قبل الشمائل؟ وذلك يوم القـيامة.) كما:

١٩٨١٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال عبد اللّه بن عياش، قال زيد بن أسلـم، فـي قول اللّه : فِـي بُـيُوتٍ أذِنَ اللّه أنْ تُرْفَعَ... إلـى قوله: تَتَقَلّبُ فِـيهِ القُلُوبُ والأبْصَارُ يوم القـيامة.

٣٨

و قوله: لـيَجْزِيَهُمُ اللّه أحْسَنَ ما عَمِلُوا يقول: فعلوا ذلك، يعني أنهم لـم تلههم تـجارة ولا بـيع عن ذكر اللّه ، وأقاموا الصلاة وآتَوا الزكاة وأطاعوا ربهم، مخافة عذابه يوم القـيامة كي يثـيبهم اللّه يوم القـيامة بأحسن أعمالهم التـي عملوها فـي الدنـيا، ويزيدهم علـى ثوابه إياهم علـى أحسن أعمالهم التـي عملوها فـي الدنـيا، من فضله، فـيُفْضِل علـيهم عن عنده بـما أحبّ من كرامته لهم.

و قوله: وَاللّه يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بغيرِ حِسابٍ

يقول تعالـى ذكره: يتفضل علـى من شاء وأراد من طَوْله وكرامته، مـما لـم يستـحقه بعمله ولـم يبلغه بطاعته بغير حساب يقول: بغير مـحاسبة علـى ما بذل له وأعطاه.

٣٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالّذِينَ كَفَرُوَاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظّمْآنُ مَآءً حَتّىَ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللّه عِندَهُ فَوَفّاهُ حِسَابَهُ وَاللّه سَرِيعُ الْحِسَابِ }.

وهذا مَثَل ضربه اللّه لأعمال أهل الكفر به، فقال: والذين جحدوا توحيد ربهم وكذّبوا بهذا القرآن وبـمن جاء به، مَثَل أعمالهم التـي عملوها كسراب يقول: مثلُ سَراب، والسراب: ما لَصِق بـالأرض، وذلك يكون نصف النهار وحين يشتدّ الـحرّ. والاَل ما كان كالـماء بـين السماء والأرض، وذلك يكون أوّل النهار، يرفع كلّ شيء ضُحًى.

و قوله: بقـيَعَةٍ وهي جمع قاع، كالـجِيرة جمع جار، والقاع: ما انبسط من الأرض واتسع، وفـيه يكون السراب.

و قوله: يَحْسَبُهُ الظّمآنُ ماءٌ يقول: يظن العطشان من الناس السراب، ماء. حتـى إذا جاءه والهاء من ذكر السّراب، والـمعنى: حتـى إذا جاء الظمآن السراب ملتـمسا ماء يستغيث به من عطشه لـم يَجِدْهُ شَيْئا يقول: لـم يجد السراب شيئا، فكذلك الكافرون بـاللّه من أعمالهم التـي عملوها فـي غُرور يحسبون أَنها منـجيتهم عند اللّه من عذابه، كما حسب الظمآن الذي رأى السراب فظنه ماء يُرْويه من ظمئه حتـى إذا هلك وصار إلـى الـحاجة إلـى عمله الذي كان يرى أنه نافعه عند اللّه ، لـم يجده ينفعه شيئا لأنه كان عمله علـى كفر بـاللّه ، ووجد اللّه هذا الكافر عند هلاكه بـالـمِرصاد، فوفّـاه يوم القـيامة حساب أعماله التـي عملها فـي الدنـيا وجازاه بها جزاءه الذي يستـحقه علـيه منه.

فإن قال قائل: وكيف

قـيـل: حتـى إذَا جاءَهُ لَـمْ يَجِدْهُ شَيْئا فإن لـم يكن السراب شيئا، فعلام أدخـلت الهاء فـي قوله: حتـى إذَا جاءَهُ؟

قـيـل: إنه شيء يُرَى من بعيد كالضبـاب الذي يرى كثـيفـا من بعيد والهبـاء، فإذا قرب منه الـمرء رقّ وصار كالهواء. وقد يحتـمل أن يكون معناه: حتـى إذا جاء موضع السراب لـم يجد السراب شيئا، فـاكتفـى بذكر السراب من ذكر موضعه. وَاللّه سَرِيعُ الْـحِسابِ يقول: واللّه سريع حسابه لأنه تعالـى ذكره لا يحتاج إلـى عقد أصابع ولا حفظ بقلب، ولكنه عالـم بذلك كله قبل أن يعمله العبد ومن بعد ما عمله.

وبنـحو الذي قلنا فـي معنى ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٨١٧ـ حدثنـي عبد الأعلـى بن واصل، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا أبو جعفر الرازيّ، عن الربـيع بن أنس، عن أبـي العالـية، عن أُبـيّ بن كعب، قال: ثم ضرب مثلاً آخر، فقال: وَالّذِينَ كَفَرُوا أعْمَالُهُمْ كَسَرابٍ بقِـيعَةٍ قال: وكذلك الكافر يجيء يوم القـيامة وهو يَحْسِب أن عند اللّه خيرا، فلا يجد، فـيُدخـله النار.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر الرازيّ، عن أبـي العالـية، عن أُبـيّ بن كعب بنـحوه.

١٩٨١٨ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، فـي قوله: أعمالُهُمْ كَسَرابٍ بقِـيعَةٍ يقول: الأرض الـمستوية.

١٩٨١٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، فـي قوله: وَالّذِينَ كَفَرُوا أعْمالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِـيعَةٍ... إلـى قوله: وَاللّه سَرِيعُ الْـحِساب قال: هو مَثَل ضربه اللّه لرجل عطش فـاشتدّ عطشه، فرأى سرابـا فحسبه ماء، فطلبه وظنّ أنه قد قدر علـيه، حتـى أتاه، فلـما أتاه لـم يجده شيئا، وقُبض عند ذلك. يقول: الكافر كذلك، يحسب أن عمله مُغْنٍ عنه أو نافعه شيئا، ولا يكون آتـيا علـى شيء حتـى يأتـيه الـموت، فإذا أتاه الـموت لـم يجد عمله أغنى عنه شيئا ولـم ينفعه إلا كما نفع العطشانَ الـمشتدّ إلـى السّراب.

١٩٨٢٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه : كَسَرَابٍ بِقِـيعَةٍ قال: بقاعٍ من الأرض، والسراب: عَمَلُه. زاد الـحارث فـي حديثه عن الـحسن: والسراب عمل الكافر. إذَا جاءَهُ لَـمْ يَجِدْهُ شَيْئا. إتـيانه إياه: موته وفراقه الدنـيا. وَوَجَد اللّه عند فراقه الدنـيا، فَوَفّـاهُ حِسَابَهُ.

١٩٨٢١ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة ، فـي قوله: كَسَرابٍ بِقِـيعَةٍ قال: بقِـيعة من الأرض. يَحْسَبُهُ الظّمانُ ماءً: هو مثل ضربه اللّه لعمل الكافر، يقول: يحسب أنه فـي شيء كما يحسب هذا السراب ماء. حتـى إذَا جاءَهُ لَـمْ يَجدْهُ شَيْئا، وكذلك الكافر إذا مات لـم يجد عمله شيئا وَوَجَدَ اللّه عِنْدَهُ فَوَفّـاهُ حِسابَهُ.

١٩٨٢٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَالّذِينَ كَفَرُوا... إلـى قوله: وَوَجَدَ اللّه عِنْدَهُ قال: هذا مَثَل ضربه اللّه للذين كفروا أعمْالُهُمْ كَسَراب بِقِـيعَةٍ قد رأى السراب، ووثق بنفسه أنه ماء، فلـما جاءه لـم يجده شيئا. قال: وهؤلاء ظنوا أن أعمالهم صالـحة، وأنهم سَيَرْجعون منها إلـى خير، فلـم يرجعوا منها إلا كما رجع صاحب السراب فهذا مَثَلٌ ضربه اللّه جل ثناؤه وتقدّست أسماؤه.

٤٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لّجّيّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ...}.

وهذا مَثَل آخر ضربه اللّه لأعمال الكفـار،

يقول تعالـى ذكره: ومَثَل أعمال هؤلاء الكفـار فـي أنها عُمِلت علـى خطأ وفساد وضلالة وحيرة من عمالها فـيها وعلـى غير هدى، مَثَل ظلـمات فـي بحر لُـجّىّ. ونسب البحر إلـى اللّـجة، وصفـا له بأنه عميق كثـير الـماء. ولـجُة البحر: معظمه. يَغْشاهُ مَوْج يقول: يغشى البحر موج، مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ: يقول: من فوق الـموج موج آخر يغشاه، مِنْ فَوْقِهِ سحَابٌ: يقول: من فوق الـموج الثانـي الذي يغشى الـموج الأوّل سحاب. فجعل الظلـمات مثلاً لأعمالهم، والبحر اللـجىّ مثلاً لقلب الكافر، يقول: عَمِل بنـية قلب قد غَمَره الـجهل وتغشّته الضلال والـحَيرة كما يغشى هذا البحر اللّـجيّ موج من فوقه موج من فوقه سحاب، فكذلك قلب هذا الكافر الذي مَثَل عمله مَثَل هذه الظلـمات، يغشاه الـجهل بـاللّه ، بأن اللّه ختـم علـيه فلا يعقل عن اللّه ، وعلـى سمعه فلا يسمع مواعظ اللّه ، وجعل علـى بصره غشاوة فلا يبصر به حجج اللّه ، فتلك ظلـمات بعضها فوق بعض.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٨٢٣ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: حدثنا أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: أوْ كَظُلُـماتٍ فِـي بَحْرٍ لُـجّىّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سحَابٌ... إلـى قوله: مِنْ نُورٍ قال: يعني بـالظلـمات: الأعمال، وبـالبحر اللّـجيّ: قلب الإنسان. قال: يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، قال: ظلـمات بعضها فوق بعض يعني بذلك الغشاوة التـي علـى القلب والسمع والبصر.

وهو ك قوله: خَتَـمَ اللّه عَلـى قُلُوبِهِمْ... الآية، وك قوله: أفَرأيْتَ مَنِ اتّـخَذَ إلهَهُ هَوَاهُ... إلـى قوله: أفَلا تَذَكّرُونَ.

١٩٨٢٤ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله: أوْ كَظُلُـماتٍ فِـي بَحْرِ لـجّيّ عميق، وهو مثل ضربه اللّه للكافر يعمل فـي ضلالة وحيرة، قال: ظُلُـماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْض. ورُوِيِ عن أُبـيّ بن كعب، ما:

١٩٨٢٥ـ حدثنـي عبد الأعلـى بن واصل، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا أبو جعفر الرازيّ، عن الربـيع، عن أبـي العالـية، عن أبـيّ بن كعب، فـي قوله: أوْ كُظُلُـماتٍ فِـي بَحْرٍ لُـجّىَ يَغْشاهُ مَوْجٌ... الآية، قال: ضرب مثلاً آخر للكافر، فقال: أوْ كُظُلُـماتٍ فِـي بَحْرٍ لُـجّيّ... الآية، قال: فهو يتقلب فـي خمس من الظّلَـم: فكلامه ظلـمة، وعمله ظلـمة، ومَدخـله ظلـمة، ومَخرجه ظلـمة، ومصيره إلـى الظلـمات يوم القـيامة إلـى النار.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر الرازيّ، عن أبـي الربـيع، عن أبـي العالـية، عن أُبـيّ بن كعب، بنـحوه.

١٩٨٢٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: أو كَظُلُـماتٍ فِـي بَحْرِ لُـجّىّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ... إلـى قوله: ظُلُـماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ قال: شرّ بعضه فوق بعض.

و قوله: إذَا أخْرَجَ يَدَهُ لَـمْ يَكَدْ يَرَاها يقول: إذا أخرج الناظر يده فـي هذه الظلـمات، لـم يكد يراها.

فإن قال لنا قائل: وكيف

قـيـل: لـم يكد يراها، مع شدّة هذه الظلـمة التـي وصف، وقد علـمت أن قول القائل: لـم أكد أرى فلانا، إنـما هو إثبـات منه لنفسه رؤيته بعد جهد وشدّة، ومن دون الظلـمات التـي وصف فـي هذه الآية ما لا يرى الناظر يده إذا أخرجها فـيه، فكيف فـيها؟

قـيـل: فـي ذلك أقوال نذكرها، ثم نـخبر بـالصواب من ذلك. أحدها: أن يكون معنى الكلام: إذا أخرج يده رائيا لها لـم يكد يراها أي لـم يعرف من أين يراها. والثانـي: أن يكون معناه: إذا أخرج يده لـم يرها، ويكون قوله: لَـمْ يَكَدْ فـي دخوله فـي الكلام، نظير دخول الظنّ فـيـما هو يقـين من الكلام، ك قوله: وَظَنّوا ما لَهُمْ مِنْ مَـحِيصٍ ونـحو ذلك. والثالث: أن يكون قد رآها بعد بطء وجهد، كما يقول القائل لاَخر: ما كدت أراك من الظلـمة، وقد رآه، ولكن بعد إياس وشدة. وهذا القول الثالث أظهر معانـي الكلـمة من جهة ما تستعمل العرب (أكاد) فـي كلامها. والقول الاَخر الذي قلنا إنه يتوجه إلـى أنه بـمعنى لـم يرها، قول أوضح من جهة التفسير، وهو أخفـى معانـيه. وإنـما حسُنَ ذلك فـي هذا الـموضع، أعنـي أن يقول: لـم يكد يراها مع شدة الظلـمة التـي ذكر لأن ذلك مَثَل لا خبر عن كائن كان. وَمَنْ لَـمْ يَجْعَلِ اللّه لَهُ نُورا يقول: من من لـم يرزقه اللّه إيـمانا وهدى من الضلالة ومعرفة بكتابه، فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ يقول: فما له من إيـمان وهدى ومعرفة بكتابه.

٤١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّه يُسَبّحُ لَهُ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالطّيْرُ صَآفّاتٍ كُلّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللّه عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : ألـم تنظر يا مـحمد بعين قلبك فتعلـم أن اللّه يصلـي له من فـي السموات والأرض من مَلَك وإنس وجنّ. والطّيْرُ صَافّـاتٍ فـي الهواء أيضا تسبح له. كُلّ قَدْ عَلِـمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِـيحَه والتسبـيح عندك صلاة، فـيقال:

قـيـل: إن الصلاة لبنـي آدم والتسبـيح لغيرهم من الـخـلق، ولذلك فصّل فـيـما بـين ذلك.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٨٢٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: ثنـي عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: يُسّبّحُ لَهُ مَنْ فِـي السّمَوَاتِ والأرْضِ والطّيْرُ صَافّـات كُلّ قَدْ عَلِـمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِـيحَهُ قال: والصلاة للإنسان، والتسبـيح لـما سوى ذلك من الـخـلق.

١٩٨٢٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد : قوله: أَلَـمْ تَرَ أنّ اللّه يُسَبّحُ لَهُ مَنْ فِـي السّمَوَاتِ والأرْضِ والطّيْرُ صَافّـاتٍ كُلّ قَدْ عَلِـمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِـيحَهُ قال: صلاته: للناس، وتسبـيحه: عامة لكلّ شيء.

ويتوجه قوله: كُلّ قَدْ عَلِـمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِـيحَهُ لوجوه: أحدها: أن تكون الهاء التـي فـي قوله: صَلاتَهُ وَتَسْبِـيحَهُ من ذكر (كلّ) ، فـيكون تأويـل الكلام: كل مصلّ ومسبح منهم قد علـم اللّه صلاته وتسبـيحه، ويكون (الكلّ) حينئذٍ مرتفعا بـالعائد من ذكره فـي قوله: كُلّ قَدْ عَلِـمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِـيحَهُ، وهو الهاء التـي فـي الصلاة.

والوجه الاَخر: أن تكون الهاء فـي الصلاة والتسبـيح أيضا ل(الكلّ) ، ويكون (الكلّ) مرتفعا بـالعائد من ذكره علـيه فـي: عَلِـمَ، ويكون: عَلِـمَ فعلاً ل(الكلّ) ، فـيكون تأويـل الكلام حينئذٍ: قد علـم كلّ مصلّ ومسبح منهم صلاة نفسه وتسبـيحه الذي كُلّفه وأُلْزمه.

والوجه الاَخر: أن تكون الهاء فـي الصلاة والتسبـيح من ذكر اللّه ، والعلـم ل(الكل) ، فـيكون تأويـل الكلام حينئذٍ: قد علـم كلّ مسبّح ومُصَلّ صلاة اللّه التـي كلّفه إياها، وتسبـيحه. وأظهر هذه الـمعانـي الثلاثة علـى هذا الكلام الـمعنى الأوّل، وهو أن يكون الـمعنى: كلّ مصلّ منهم ومسبّح، قد علـم اللّه صلاته وتسبـيحه.

و قوله: وَاللّه عَلِـيـمٌ بِـما يَفْعَلُونَ

يقول تعالـى ذكره: واللّه ذو علـم بـما يفعل كلّ مصلّ ومسبح منهم، لا يخفـى علـيه شيء من أفعالهم، طاعتها ومعصيتها، مـحيط بذلك كله، وهو مـجازيهم علـى ذلك كله.

٤٢

و قوله: وَللّه مُلْكُ السّمَوَاتِ والأرْضِ

يقول جلّ ثناؤه: وللّه سلطان السموات والأرض وملكها، دون كلّ من هو دونه من سلطان وملِك، فإياه فـارهبوا أيها الناس، وإلـيه فـارغبوا لا إلـى غيره، فإن بـيده خزائن السموات والأرض، لا يخشى بعطاياكم منها فقرا.

وَإلـى اللّه الـمَصِيرُ: يقول: وأنتـم إلـيه بعد وفـاتكم، مصيركم ومَعادكم، فـيوفـيكم أجور أعمالكم التـي عملتـموها فـي الدنـيا، فأحسنوا عبـادته، واجتهدوا فـي طاعته، وقدّموا لأنفسكم الصالـحاتِ من الأعمال.)

٤٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّه يُزْجِي سَحَاباً ثُمّ يُؤَلّفُ بَيْنَهُ ثُمّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ ...}.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : ألَـمْ تَرَ يا مـحمد أنّ اللّه يُزْجِي يعني يسوق سَحَابـا حيث يريد. ثُمّ يُؤَلّفُ بَـيْنَهُ: يقول: ثم يؤلف بـين السحاب. وأضاف (بـين) إلـى السحاب، ولـم يذكر معه غيره، و(بـين) لا تكون مضافة إلا إلـى جماعة أو اثنـين، لأن السحاب فـي معنى جمع، واحده سحابة، كما يجمع النـخـلة: نَـخْـل، والتـمرة: تـمر، فهو نظير قول قائل: جلس فلان بـين النـخـل. وتألـيفُ اللّه السحاب: جمعه بـين متفرّقها.

و قوله: ثُمّ يَجْعَلُهُ رُكاما يقول: ثم يجعل السحاب الذي يزجيه ويؤلف بعضه إلـى بعض رُكاما يعني : متراكما بعضه علـى بعض. وقد:

١٩٨٢٩ـ حدثنا عبد الـحميد بن بـيان، قال: أخبرنا خالد، قال: حدثنا مطر، عن حبـيب بن أبـي ثابت، عن عُبـيد بن عُمير اللـيثـيّ، قال: الرياح أربع: يبعث اللّه الريح الأولـى فتقمّ الأرض قَمّا، ثم يبعث الثانـية فتنشىء سحابـا، ثم يبعث الثالثة فتؤلف بـينه فتـجعله رُكاما، ثم يبعث الرابعة فتـمطره.

و قوله: فَتَرى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاِلِهِ يقول: فترى الـمطر يخرج من بـين السحاب، وهو الوَدْق، قال الشاعر:

فَلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَهاوَلا أرْضَ أبْقَلَ إبْقَالَهَا

والهاء فـي قوله: مِنْ خِلالِهِ من ذكر السحاب، والـخلال: جمع خَـلَل. وذُكر عن ابن عباس وجماعة أنهم كانوا يقرءون ذلك: (مِنْ خَـللّه) .

١٩٨٣٠ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا حِرْميّ بن عُمارة، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثنا قتادة ، عن الضحاك بن مزاحم أنه قرأ هذا الـحرف: فَتَرى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ: (مِنْ خَـللّه) .

١٩٨٣١ـ قال: حدثنا شُعبة، قال: أخبرنـي عُمارة، عن رجل، عن ابن عباس ، أنه قر هذا الـحرف: فَتَرى الوَدْقَ يَخْرجُ مِنْ خِلالِهِ: (من خَـللّه) .

حدثنا أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا حجاج، عن هارون، قال: أخبرنـي عُمارة بن أبـي حفصة، عن رجل، عن ابن عباس ، أنه قرأها: (مِنْ خَـللّه) بفتـح الـخاء، من غير ألف.

قال هارون: فذكرت ذلك لأبـي عمرو، فقال: إنها لـحسنة، ولكن خِلاله أعمّ.

وأما قرّاء الأمصار، فإنهم علـى القراءة الأخرى: مِنْ خِلاَلِهِ وهي التـي نـختار، لإجماع الـحجة من القراء علـيها.

١٩٨٣٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فَتَرى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ قال: الودّق: القطر، والـخِلال: السحاب.

و قوله: وَيُنَزّلُ مِنَ السّماءِ مِنْ جِبـالٍ فِـيها مِنْ بَرَدٍ: قـيـل فـي ذلك قولان: أحدهما: أن معناه: وأن اللّه ينزل من السماء من جبـال فـي السماء من بَرَد، مخـلوقة هنالك خـلقه. كأن الـجبـال علـى هذا القول، هي من بَرَد، كما يقال: جبـال من طين. والقول الاَخر: أن اللّه ينزل من السماء قَدْر جبـال وأمثال جبـال من بَرَد إلـى الأرض، كما يقال: عندي بَـيْتان تبنا. والـمعنى: قدر بـيتـين من التبن، والبـيتان لـيسا من التبن.

و قوله: فَـيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَمّنْ يَشاءُ يقول: فـيعذّب بذلك الذي ينزل من السماء من جبـال فـيها من بَرَد من يشاء فـيهلكه، أو يهلك به زروعه وماله. وَيَصْرِفُهُ عَمّنْ يَشاءُ من خـلقه، يعني عن زروعهم وأموالهم.

و قوله: يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بـالأبْصَارِ يقول: يكاد شدّة ضوء برق هذا السحاب يذهب بأبصار من لاقـى بصره. والسنا: مقصور، وهو ضوء البرق.) كما:

١٩٨٣٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عطاء الـخُراسانـيّ، عن ابن عباس ، قوله: يَكادُ سَنا بَرْقِهِ قال: ضوء برقه.

١٩٨٣٤ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة ، فـي قوله: يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يقول: لَـمَعان البرق يذهب بـالأبصار.

١٩٨٣٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بـالأبْصَارِ قال: سناه: ضوء يذهب بـالأبصار.

وقرأت قرّاء الأمصار: يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بفتـح الـياء من (يَذْهب) ، سوى أبـي جعفر القارىء فإنه قرأه بضم الـياء: (يُذْهِبُ بـالأبْصَارِ) .

والقراءة التـي لا أختار غيرها هي فتـحها، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيها، وأن العرب إذا أدخـلت البـاء فـي مفعول (ذهبت) ، لـم يقولوا: إلا ذهب به، دون أذهبت به. وإذا أدخـلوا الألف فـي (أذهبت) ، لـم يكادوا أن يدخـلوا البـاء فـي مفعوله، فـيقولون: أذهبته، وذهبت به.

٤٤

و قوله: يُقَلّبُ اللّه اللّـيْـلَ والنّهارَ يقول: يُعْقِب اللّه بـين اللـيـل والنهار ويصرفهما، إذا أذهب هذا جاء هذا، وإذا أَذهب هذا جاء هذا. إنّ فِـي ذلكَ لَعِبْرَةً لاِولـي الأبْصَارِ يقول: إنّ فـي إنشاء اللّه السحاب وإنزاله منه الوَدّقَ ومن السماء البردَ وفـي تقلـيبه اللـيـل والنهار، لعبرةً لـمن اعتبر به وعظةً لـمن اتعظ به مـمن له فهم وعقل لأن ذلك ينبىء ويدلّ علـى أنه له مدبّرا ومصرّفـا ومقلّبـا، لا يشبهه شيء.

٤٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاللّه خَلَقَ كُلّ دَآبّةٍ مّن مّآءٍ فَمِنْهُمْ مّن يَمْشِي عَلَىَ بَطْنِهِ ...}.

اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وَاللّه خَـلَق كُلّ دابّةٍ مِنْ ماءٍ فقرأته عامة قرّاء الكوفة غير عاصم: (وَاللّه خالِقُ كُلّ دَابّةٍ) . وقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وعاصم: وَاللّه خَـلَقَ كُلّ دابّةٍ بنصب (كلّ) ، و(خَـلَقَ) علـى مثال (فَعَل) . وهما قراءتان مشهورتان متقاربتا الـمعنى، وذلك أن الإضافة فـي قراءة من قرأ ذلك (خالق) تدلّ علـى أن معنى ذلك الـمضيّ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.

و قوله: خَـلَقَ كُلّ دَابّةٍ مِنْ ماءٍ يعني : من نطفة. فَمِنْهُمْ مَنْ يَـمْشِي عَلـى بَطْنِهِ كالـحياة وما أشبهها. وقـيـل إنـما

قـيـل: فَمِنْهُمْ مَنْ يَـمْشِي عَلـى بَطْنِهِ والـمشي لا يكون علـى البطن لأن الـمشي إنـما يكون لـما له قوائم، علـى التشبـيه، وأنه لـما خالط ما له قوائمُ ما لا قوائمَ له، جاز، كما قال: وَمِنْهُمْ مَنْ يَـمْشِي عَلـى رِجْلَـيْنِ كالطير، وَمِنْهُمْ مَنْ يَـمْشِي عَلـى أرْبَعٍ كالبهائم.

فإن قال قائل: فكيف

قـيـل: فمنهم من يـمشي، و(مَن) للناس، وكلّ هذه الأجناس أو أكثرها لغيرهم؟

قـيـل: لأنه تفريق ما هو داخـل فـي قوله: وَاللّه خَـلَقَ كُلّ دَابّةٍ وكان داخلاً فـي ذلك الناس وغيرهم، ثم قال: فمنهم لاجتـماع الناس والبهائم وغيرهم فـي ذلك واختلاطهم، فكنى عن جميعهم كنايته عن بنـي آدم، ثم فسرهم ب(مَن) ، إذ كان قد كنى عنهم كناية بنـي آدم خاصة. يَخْـلُقُ اللّه ما يَشاءُ يقول: يحدث اللّه ما يشاء من الـخـلق. إنّ اللّه عَلـى كُلّ شَيْءٍ قَديرٌ يقول: إن اللّه علـى إحداث ذلك وخـلقه وخـلق ما يشاء من الأشياء غيره، ذو قدرة لا يتعذّر علـيه شيء أراد.

٤٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لّقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ مّبَيّنَاتٍ وَاللّه يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ }.

يقول تعالـى ذكره: لقد أنزلنا أيّها الناس علامات واضحات، دالاّت علـى طريق الـحقّ، وسبـيـل الرشاد. وَاللّه يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إلـى صِراطٍ مُسْتَقِـيـمٍ يقول: واللّه يرشد من يشاء من خـلقه بتوفـيقه، فـيهديه إلـى دين الإسلام، وهو الصراط الـمستقـيـم والطريق القاصد الذي لا اعوجاج فـيه.

٤٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيِقُولُونَ آمَنّا بِاللّه وَبِالرّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمّ يَتَوَلّىَ فَرِيقٌ مّنْهُمْ مّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَآ أُوْلَـَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: ويقول الـمنافقون: صدّقنا بـاللّه وبـالرسول وأطعنا اللّه وأطعنا الرسول. ثُمّ يَتَوَلّـى فريق مِنْهُمْ يقول: ثم تُدْبِر كلّ طائفة منهم من بعد ما قالوا هذا القول عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وتدعو إلـى الـمـحاكمة إلـى غيره خصمَها. وَما أُولَئِكَ بـالـمُؤْمِنِـينَ يقول: ولـيس قائلو هذه الـمقالة، يعني قوله: آمَنّا بـاللّه وَبـالرّسُولِ وأطَعْنا بـالـمؤمنـين، لتركهم الاحتكام إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وإعراضهم عنه إذا دُعُوا إلـيه.

٤٨

و قوله: وَإذَا دُعُوا إلـى اللّه وَرَسُولِهِ يقول: وإذا دُعِي هؤلاء الـمنافقون إلـى كتاب اللّه وإلـى رسوله لِـيَحْكُمَ بَـيْنَهُمْ فـيـما اختصموا فـيه بحكم اللّه ، إذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ عن قبول الـحقّ والرضا بحكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .

٤٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِن يَكُنْ لّهُمُ الْحَقّ يَأْتُوَاْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: وإن يكن الـحقّ لهؤلاء الذين يدعون إلـى اللّه ورسوله لـيحكم بـينهم، فـيأبَون ويُعْرِضون عن الإجابة إلـى ذلك، قِبَلَ الذين يدعونهم إلـى اللّه ورسوله، يأتوا إلـى رسول اللّه مذعنـين، يقول مُذْعِنِـينَ منقادين لـحكمه، مقرّين به طائعين غير مكرهين يقال منه: قد أذعن فلان بحقه: إذا أقرّ به طائعا غير مستكْرَه وانقاد له وسلم . وكان مـجاهد فـيـما ذكر عنه يقول فـي ذلك، ما:

١٩٨٣٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قوله: يَأْتُوا إلَـيهِ مُذْعِنِـينَ قال: سِراعا.

٥٠

و قوله: أفِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ

يقول تعالـى ذكره: أفـي قلوب هؤلاء الذين يُعْرِضون إذا دُعُوا إلـى اللّه ورسوله لـيحكم بـينهم، شكّ فـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه للّه رسول فهم يـمتنعون من الإجابة إلـى حكمه والرضا به.

أمْ يَخافُونَ أن يَحِيفَ اللّه عَلَـيْهِمْ وَرَسُولُهُ إذا احتكموا إلـى حكم كتاب اللّه وحكم رسوله.

و قوله: أن يَحيفَ اللّه عَلَـيْهِمْ وَرَسُولُهُ والـمعنى: أن يحيف رسولُ اللّه علـيهم، فبدأ بـاللّه تعالـى ذكره تعظيـما للّه، كما يقال: ما شاء اللّه ثم شئت، بـمعنى: ما شئت. ومـما يدلّ علـى أن معنى ذلك كذلك قوله: وَإذَا دُعُوا إلـى اللّه وَرَسُولهِ لِـيَحْكُمَ بَـيْنَهُمْ فأفرد الرسول بـالـحكم، ولـم يقُل: لـيحكما.

و قوله: بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظّالِـمُونَ يقول: ما خاف هؤلاء الـمعرضون عن حكم اللّه وحكم رسوله، إذ أعرضوا عن الإجابة إلـى ذلك، مـما دُعوا إلـيه، أن يحيف علـيهم رسول اللّه ، فـيجورَ فـي حكمه علـيهم ولكنهم قوم أهل ظلـم لأنفسهم بخلافهم أمر ربهم ومعصيتهم اللّه فـيـما أمرهم من الرضا بحكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـيـما أحبوا وكرهوا، والتسلـيـم له.)

٥١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوَاْ إِلَى اللّه وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: إنـما كان ينبغي أن يكون قول الـمؤمنـين إذا دُعُوا إلـى حكم اللّه وإلـى حكم رسوله، لِـيَحْكُمَ بَـيْنَهُمْ وبـين خصومهم، أنْ يَقُولُوا سَمِعْنا ما قـيـل لنا، وأطَعْنا من دعانا إلـى ذلك. ولـم يُعْنَ بكان فـي هذا الـموضع الـخبر عن أمر قد مضى فـيقضى، ولكنه تأنـيب من اللّه الذي أُنزلت هذه الآية بسببهم وتأديب منه آخرين غيرهم.

و قوله: وأُولَئِكَ هُمُ الـمُفْلِـحُونَ

يقول تعالـى ذكره: والذين إذا دُعوا إلـى اللّه ورسوله لـيحكم بـينهم وبـين خصومهم، أن يقولوا: سمعنا وأطعنا. الـمفلـحون: يقول: هم الـمنـجِحون الـمدّركون طَلِبـاتهم، بفعلهم ذلك، الـمخـلدون فـي جنات اللّه .

٥٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَن يُطِعِ اللّه وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللّه وَيَتّقْهِ فَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْفَآئِزُون }.

يقول تعالـى ذكره: ومن يطع اللّه ورسوله فـيـما أمره ونهاه، ويسلّـمْ لـحكمهما له وعلـيه، ويَخَفْ عاقبة معصية اللّه ويحذره، ويتق عذاب اللّه بطاعته إياه فـي أمره ونهيه فَأُولَئِكَ يقول: فـالذين يفعلون ذلك هم الفـائزون برضا اللّه عنهم يوم القـيامة وأمنهم من عذابه.)

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَقْسَمُواْ بِاللّه جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنّ قُل لاّ تُقْسِمُواْ طَاعَةٌ مّعْرُوفَةٌ إِنّ اللّه خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وحلف هؤلاء الـمعرِضون عن حكم اللّه وحكم رسوله إذ دعوا إلـيه بـاللّه جَهْدَ أيـمَانِهِمْ يقول: أغلظ أيـمانهم وأشدّها: لَئِنْ أمَرْتَهُمْ يا مـحمد بـالـخروج إلـى جهاد عدوّك وعدوّ الـمؤمنـين لَـيَخْرُجُنّ قُلْ لا تُقْسمُوا لا تـحلفوا، فإن هذه طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ منكم، فـيها التكذيب. كما:

١٩٨٣٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قوله: قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ قال: قد عُرفت طاعتكم إلـيّ أنكم تكذبون. إنّ اللّه خَبـيرٌ بِـمَا تَعْمَلُونَ يقول: إن اللّه ذو خبرة بـما تعملون من طاعتكم اللّه ورسوله، أو خلافكم أمرهما أو غير ذلك من أموركم، لا يخفـي علـيه من ذلك شيء، وهو مـجازيكم بكل ذلك.

٥٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَقْسَمُواْ بِاللّه جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنّ قُل لاّ تُقْسِمُواْ طَاعَةٌ مّعْرُوفَةٌ إِنّ اللّه خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وحلف هؤلاء الـمعرِضون عن حكم اللّه وحكم رسوله إذ دعوا إلـيه بـاللّه جَهْدَ أيـمَانِهِمْ يقول: أغلظ أيـمانهم وأشدّها: لَئِنْ أمَرْتَهُمْ يا مـحمد بـالـخروج إلـى جهاد عدوّك وعدوّ الـمؤمنـين لَـيَخْرُجُنّ قُلْ لا تُقْسمُوا لا تـحلفوا، فإن هذه طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ منكم، فـيها التكذيب. كما:

١٩٨٣٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قوله: قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ قال: قد عُرفت طاعتكم إلـيّ أنكم تكذبون. إنّ اللّه خَبـيرٌ بِـمَا تَعْمَلُونَ يقول: إن اللّه ذو خبرة بـما تعملون من طاعتكم اللّه ورسوله، أو خلافكم أمرهما أو غير ذلك من أموركم، لا يخفـي علـيه من ذلك شيء، وهو مـجازيكم بكل ذلك.

٥٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ أَطِيعُواْ اللّه وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ فَإِن تَوَلّوْاْ فَإِنّمَا عَلَيْهِ مَا حُمّلَ وَعَلَيْكُمْ مّا حُمّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى الرّسُولِ إِلاّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ }.

يقول تعالـى ذكره: قُلْ يا مـحمد لهؤلاء الـمقسمين بـاللّه جهد أيـمانهم لئن أمرتهم لـيُخرجُنّ وغيرهم من أمتك: أطِيعُوا اللّه أيها القوم فـيـما أمركم به ونهاكم عنه. وأطِيعُوا الرّسُولَ فإن طاعته للّه طاعة. فإن تَوَلّوْا يقول: فإن تُعْرِضوا وتُدْبِروا عما أمركم به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أو نهاكم عنه، وتأبَوا أن تُذْعنوا لـحكمه لكم وعلـيكم. فإنّـمَا عَلَـيْهِ ما حُمّلَ يقول: فإنـما علـيه فعل ما أُمِر بفعله من تبلـيغ رسالة اللّه إلـيكم، علـى ما كلّفه من التبلـيغ. وَعَلَـيْكُمْ ما حُمّلْتُـمْ يقول: وعلـيكم أيها الناس أن تفعلوا ما أَلزمكم وأوجب علـيكم من اتبـاع رسوله صلى اللّه عليه وسلم والانتهاء إلـى طاعته فـيـما أمركم ونهاكم.

وقلنا: إن قوله: فإنْ تَوَلّوْا بـمعنى: فإن تتولوا، فإنه فـي موضع جزم لأنه خطاب للذين أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأن يقول لهم: أطِيعُوا اللّه وأطِيعُوا الرّسُولَ يدلّ علـى أن ذلك كذلك قوله: وَعَلَـيْكُمْ ما حُمّلْتـمْ، ولو كان قوله: تَوَلّوْا فعلاً ماضيا علـى وجه الـخبر عن غيب، لكان فـي موضع قوله: وَعَلَـيْكُمْ ما حُمّلْتُـمْ وَعَلَـيْهِمْ ما حُمّلُوا.

و قوله: وَإنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا

يقول تعالـى ذكره: وإن تطيعوا أيها الناس رسول اللّه فـيـما يأمركم وينهاكم، تَرْشُدوا وتصيبوا الـحقّ فـي أموركم. وَما عَلـى الرّسُولِ إلاّ البَلاغُ الـمُبِـينُ يقول: وغير واجب علـى من أرسله اللّه إلـى قوم برسالة إلا أن يبلّغهم رسالته بلاغا يبـين لهم ذلك البلاغ عما أراد اللّه به، يقول: فلـيس علـى مـحمد أيها الناس إلا أداء رسالة اللّه إلـيكم وعلـيكم الطاعة وإن أطعتـموه لـحظوظ أنفسكم تصيبون، وإن عصيتـموه بأنفْسكم فتوبقون.

٥٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَعَدَ اللّه الّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنّهُمْ فِي الأرْضِ ...}.

يقول تعالـى ذكره: وَعَدَ اللّه الّذِين آمَنُوا بـاللّه ورسوله مِنْكُمْ أيها الناس، وَعمِلُوا الصّالِـحاتِ يقول: وأطاعوا اللّه ورسوله فـيـما أمراه ونهياه لَـيَسْتَـخْـلِفَنّهُمْ فِـي الأرْضِ يقول: لَـيُورثنهم اللّه أرض الـمشركين من العرب والعجم، فـيجعلهم ملوكها وساستها. كمَا اسْتَـخْـلَفَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يقول: كما فعل من قبلهم ذلك ببنـي إسرائيـل، إذ أهلك الـجبـابرة بـالشأم وجعلهم ملوكها وسكانها. وَلَـيُـمَكّنَنّ لَهُمْ دِينَهُمُ الّذِي ارْتَضَى لَهُمْ يقول: ولـيوطئنّ لهم دينهم، يعني ملتهم التـي ارتضاها لهم فأمرهم بها. و

قـيـل: وعد اللّه الذين آمنوا، ثم تلقـى ذلك بجواب الـيـمين ب قوله: لَـيَسْتَـخْـلفنّهُمْ لأن الوعد قول يصلـح فـيه (أن) ، وجواب الـيـمين ك قوله: وعدتك أن أكرمك، ووعدتك لأكرمنك.

واختلف القرّاء فـي قراءة قوله: كمَا اسْتَـخْـلَفَ فقرأته عامة القرّاء: كمَا اسْتَـخْـلَفَ بفتـح التاء واللام، بـمعنى: كما استـخـلف اللّه الذين من قبلهم من الأمـم. وقرأ ذلك عاصم: (كمَا اسْتُـخْـلِفَ) بضم التاء وكسر اللام، علـى مذهب ما لـم يْسَمّ فـاعله.

واختلفوا أيضا فـي قراءة قوله: وَلَـيُبَدّلَنّهُمْ فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار سوى عاصم: وَلَـيُبْدّلنّهُمْ بتشديد الدال، بـمعنى: ولـيغّيرَنّ حالهم عما هي علـيه من الـخوف إلـى الأمن، والعرب تقول: قد بُدّل فلان: إذا غيرت حاله ولـم يأت مكان غيره، وكذلك كلّ مغير عن حاله فهو عندهم مبدّل بـالتشديد. وربـما قـيـل بـالتـخفـيف، ولـيس بـالفصيح. فأما إذا جعل مكان الشيء الـمبدل غيره، فذلك بـالتـخفـيف: أَبْدلته فهو مُبْدَل. وذلك كقولهم: أُبدل هذا الثوب: أي جُعِل مكانه آخر غيره، وقد يقال بـالتشديد غير أن الفصيح من الكلام ما وصفت. وكان عاصم يقرؤه: (وَلَـيُبْدِلَنّهُمْ) بتـخفـيف الدال.

والصواب من القراءة فـي ذلك: التشديد، علـى الـمعنى الذي وصفت قبلُ، لإجماع الـحجة من قرّاء الأمصار علـيه، وأن ذاك تغيـير حال الـخوف إلـى الأمن. وأرى عاصما ذهب إلـى أن الأمن لـما كان خلاف الـخوف وجّه الـمعنى إلـى أنه ذهب بحال الـخوف وجاء بحال الأمن، فخفّف ذلك.

ومن الدلـيـل علـى ما قلنا من أن التـخفـيف إنـما هو ما كان فـي إبدال شيء مكان آخر، قول أبـي النـجم:

عَزْلُ الأمِيرِ للأَمَيرِ الـمُبْدَلِ

و قوله: يَعْبُدُونَنـي يقول: يخضعون لـي بـالطاعة ويتذللون لأمري ونهيـي. لا يُشْرِكُونَ بِـي شَيْئا يقول: لا يشركون فـي عبـادتهم إياي الأوثان والأصنام ولا شيئا غيرها، بل يخـلصون لـي العبـادة فـيفردونها إلـيّ دون كلّ ما عُبد من شيء غيري. وذُكر أن هذه الآية نزلت علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أجل شكاية بعض أصحابه إلـيه فـي بعض الأوقات التـي كانوا فـيها من العدوّ فـي خوف شديد مـما هُمْ فـيه من الرّعب والـخوف وما يَـلْقَون بسبب ذلك من الأذى والـمكروه. ذكر الرواية بذلك:

١٩٨٣٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية، قوله: وَعَدَ اللّه الّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِـحات... الآية، قال: مكث النبي صلى اللّه عليه وسلم عَشْر سنـين خائفـا يدعو إلـى اللّه سرّا وعلانـية، قال: ثم أُمر بـالهجرة إلـى الـمدينة. قال: فمكث بها هو وأصحابه خائفون، يُصبحون فـي السلاح ويُـمسون فـيه، فقال رجل: ما يأتـي علـينا يوم نأمن فـيه ونضع عنا السلاج فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (لا تَغْبُرُونَ إلاّ يَسِيرا حتـى يَجْلِسَ الرّجُلُ مِنْكُمْ فِـي الـمَلإ العَظيـمِ مُـحْتَبِـيا فِـيهِ لَـيْسَ فِـيهِ حَدِيدَةٌ) . فأنزل اللّه هذه الآية: (وَعَدَ اللّه الّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ... إلـى قوله: فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلكَ) قال: يقول: من كفر بهذه النعمة فَأُولَئِكَ هُمُ الفـاسقُونَ ولـيس يعني الكفر بـاللّه . قال: فأظهره اللّه علـى جزيرة العرب، فآمنوا، ثم تـجَبّروا، فغَيّر اللّه ما بهم. وكفروا بهذه النعمة، فأدخـل اللّه علـيهم الـخوف الذي كان رفعه عنهم قال القاسم: قال أبو علـيّ: بقتلهم عثمان بن عفـان رضي اللّه عنه.

واختلف أهل التأويـل فـي معنى الكفر الذي ذكره اللّه فـي قوله: فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلكَ فقال أبو العالـية ما ذكرنا عنه من أنه كفر بـالنعمة لا كفر بـاللّه . ورُوى عن حُذيفة فـي ذلك ما:

١٩٨٣٩ـ حدثنا به ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن حبـيب بن أبـي الشعثاء، قال: كنت جالسا مع حُذيفة وعبد اللّه بن مسعود، فقال حُذيفة: ذهب النفـاق، وإنـما كان النفـاق علـى عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وإنـما هو الكفر بعد الإيـمان قال: فضحك عبد اللّه ، فقال: لـم تقول ذلك؟ قال: علـمت ذلك، قال: وَعَدَ اللّه الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِـحاتِ لَـيَسْتَـخْـلِفَنّهُمْ فِـي الأرْضِ... حتـى بلغ آخرها.

١٩٨٤٠ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي الشّعْثاء، قال: قعدت إلـى ابن مسعود وحُذيفة، فقال حذيفة: ذهب النّفـاق فلا نفـاق، وإنـما هو الكفر بعد الإيـمان فقال عبد اللّه : تعلـم ما تقول؟ قال: فتلا هذه الآية: إنّـمَا كانَ قَوْلَ الـمُؤْمِنِـينَ... حتـى بلغ: فَأُولَئِكَ هُمُ الفـاسقُونَ قال: فضحك عبد اللّه . قال: فلقـيت أبـا الشعثاء بعد ذلك بأيام، فقلت: من أيّ شيء ضحك عبد اللّه ؟ قال: لا فلقـيت أبـا الشعثاء بعد ذلك بأيام، فقلت: من أيّ شيء ضحك عبد اللّه ؟ قال: لا أدري، إن الرجل ربـما ضحك من الشيء الذي يُعْجبه وربـما ضحك من الشيء الذي لا يعجبه، فمن أيّ شيء ضحك؟ لا أدري.

والذي قاله أبو العالـية من التأويـل أشبه بتأويـل الآية، وذلك أن اللّه وعد الإنعام علـى هذه الأمة بـما أخبر فـي هذه الآية أنه منعم به علـيهم ثم قال عقـيب ذلك: فمن كفر هذه النعمة بعد ذلك فَأُولَئِكَ هُمُ الفـاسِقُونَ.

١٩٨٤١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قول اللّه : يَعْبُدونَنِـي لا يُشْرِكُونَ بِـي شَيْئا قال: تلك أمة مـحمد صلى اللّه عليه وسلم .

١٩٨٤٢ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد : أمنا يَعْبُدونَنِـي لا يُشْرِكُونَ بِـي شَيْئا قال: لا يخافون غيري.

٥٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَقِيمُواْ الصّـلاَةَ وَآتُواْ الزّكَـاةَ وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وأقـيـمُوا أيها الناس الصّلاةَ بحدودها فلا تضيعوها. وآتُوا الزّكاةَ التـي فرضها اللّه علـيكم أهلها، وأطيعوا رسول ربكم فـيـما أمركم ونهاكم. لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ يقول: كي يرحمكم ربكم فـينـجيكم من عذابه،

٥٧

و قوله: لا تَـحْسَبنّ الّذِينَ كَفَرُوا مُعْجزِينَ فِـي الأرْضِ

يقول تعالـى ذكره: لا تـحسبنّ يا مـحمد الذين كفروا بـاللّه معجزيه فـي الأرض إذا أراد إهلاكهم. ومأْوَاهُم بعد هلاكهم النّارُ وَلَبِئْسَ الـمَصِيرُ الذي يصيرون إلـيه ذلك الـمأوى. وقد كان بعضهم يقول: (لا يحسبنّ الذين كفروا) بـالـياء. وهو مذهب ضعيف عند أهل العربـية وذلك أن (تـحسب) مـحتاج إلـى منصوبـين. وإذا قرىء (يَحْسَبنّ) لـم يكن واقعا إلاّ علـى منصوب واحد، غير أنـي أحسب أن قائله بـالـياء ظنّ أنه قد عمل فـي (معجزين) ، وأن منصوبه الثانـي فـي (الأرض) ، وذلك لا معنى له إن كان ذلك قصد.

٥٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ الّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ...}.

اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى ب قوله: لـيَسْتأْذِنْكُمُ الّذِينَ مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ فقال بعضهم: عُنـي بذلك الرجال دون النساء، ونهوا عن أن يدخـلوا علـيهم فـي هذه الأوقات الثلاثة هؤلاء الذين سُمّوا فـي هذه الآية إلاّ بإذن. ذكر من قال ذلك:

١٩٨٤٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عَنبسة، عن لـيث، عن نافع، عن ابن عمر، قوله: لِـيَسْتَأْذِنْكُمُ الّذِينَ مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ قال: هي علـى الذكور دون الإناث.

وقال آخرون: بل عُنِـي به الرجال والنساء. ذكر من قال ذلك:

١٩٨٤٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي حصين، عن أبـي عبد الرحمن، فـي قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لِـيَسْتأذِنْكُمُ الّذِينَ مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ قال: هي فـي الرجال والنساء، يستأذنون علـى كلّ حال، بـاللـيـل والنهار.

 

وأولـى القولـين فـي ذلك عندي بـالصواب قول من قال: عُنـي به الذكور والإناث لأن اللّه عمّ ب قوله: الّذِينَ مَلَكَتْ أيـمانُكُمْ جميع أملاك أيـماننا، ولـم يخصص منهم ذكرا ولا أنثى فذلك علـى جميع من عمه ظاهر التنزيـل.

فتأويـل الكلام: يا أيها الذين صدّقوا اللّه ورسوله، لـيستأذنكم فـي الدخول علـيكم عبـيدُكم وإماؤكم، فلا يدخـلوا علـيكم إلاّ بإذن منكم لهم.

وَالّذِينَ لَـمْ يَبْلُغُوا الـحُلُـمَ مِنْكُمْ يقول: والذين لـم يحتلـموا من أحراركم ثلاث مرّات، يعني ثلاث مرات فـي ثلاثة أوقات من ساعات لـيـلكم ونهاركم. كما:

١٩٨٤٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، فـي قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لِـيَسْتأْذِنْكُمُ الّذِينَ مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ قال: عبـيدكم الـمـملوكون. وَالّذينَ لَـمْ يَبْلُغُوا الـحُلُـمَ منْكُمْ قال: لـم يحتلـموا من أحراركم.

قال ابن جُرَيج: قال لـي عطاء بن أبـي ربـاح: فذلك علـى كل صغير وصغيرة أن يستأذن، كما قال: ثَلاَثَ مرّاتٍ منْ قَبْلِ صَلاةِ الفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِـيابَكُمْ مِنَ الظّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ العِشاءِ قالوا: هي العَتَـمة. قلت: فإذا وضعوا ثـيابهم بعد العتـمة استأذنوا علـيهم حتـى يصبحوا؟ قال نعم. قلت لعطاء: هل استئذانهم إلاّ عند وضع الناس ثـيابهم؟ قال: لا.

١٩٨٤٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن صالـح بن كيسان ويعقوب بت عُتبة وإسماعيـل بن مـحمد، قالوا: لا استئذان علـى خدم الرجل علـيه إلاّ فـي العورات الثلاث.

١٩٨٤٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، فـي قوله: لِـيَسْتأذِنْكُمُ الّذِينَ مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ يقول: إذا خلا الرجل بأهله بعد صلاة العشاء، فلا يدخـل علـيه خادم ولا صبـيّ إلاّ بإذن حتـى يصلّـي الغداة، فإذا خلا بأهله عند صلاة الظهر فمثل ذلك.

١٩٨٤٨ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي قرة بن عبد الرحمن، عن ابن شهاب، عن ثعلبة، عن أبـي مالك القرظي: أنه سأل عبد اللّه بن سُوَيد الـحارثـيّ، وكان من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، عن الإذن فـي العورات الثلاث، فقال: إذا وضعت ثـيابـي من الظهيرة، لـم يـلـج علـيّ أحد من الـخدم الذي بلغ الـحلـم ولا أحد مـمن لـم يبلغ الـحلـم من الأحرار، إلاّ بإذن.

١٩٨٤٩ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَـية، عن ابن جُرَيج، قال: سمعت عطاء يقول: قال ابن عباس : ثلاث آيات جَحَدَهنّ الناس: الإذن كله، وقال: إنّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّه أتْقاكُمْ وقال الناس: أكرمكم أعظمكم بـيتا، ونسيت الثالثة.

١٩٨٥٠ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا يونس، عن الـحسن، فـي هذه الآية: لِـيَسْتأْذِنْكُمُ الّذِينَ مَلَكَتْ أيـمانُكُمْ قال: كان الـحسن يقول: إذا أبـات الرجل خادمه معه فهو إذنه، وإن لـم يبته معه استأذن فـي هذه الساعات.

١٩٨٥١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا سفـيان، قال: ثنـي موسى بن أبـي عائشة، عن الشعبـيّ فـي قوله: لِـيَسْتأْذِنْكُمُ الّذِينَ مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ قال: لـم تُنسخ. قلت: إن الناس لا يعملون به قال: اللّه الـمستعان.

قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن موسى بن أبـي عائشة، عن الشعبـيّ، وسألته عن هذه الآية: لِـيَسْتأْذِنْكُمُ الّذِينَ مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ قلت: منسوخة هي؟ قال: لا واللّه ما نُسخت، قلت: إن الناس لا يعملون بها قال: اللّه الـمستعان.

١٩٨٥٢ـ قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا أبو عَوانة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جُبـير، قال: إن ناسا يقولون نسخت، ولكنها مـما يتهاون الناس به.

١٩٨٥٣ـ قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جُبـير فـي هذه الآية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لِـيَسْتأْذِنْكُمُ الّذِينَ مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ... إلـى آخر الآية، قال: لا يعمل بها الـيوم.

١٩٨٥٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثنا حنظلة، أنه سمع القاسم بن مـحمد يُسْأَل عن الإذن، فقال: يستأذن عند كلّ عورة، ثم هو طوّاف يعني الرجل علـى أمه.

١٩٨٥٥ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عثمان بن عمر، قال: أخبرنا عبد العزيز بن أبـي رَوّاد، قال: أخبرنـي رجل من أهل الطائف، عن غَيلان بن شُرَحبـيـل، عن عبد الرحمن بن عوف، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (لا يَغْلِبَنّكُمُ الأعْرَابُ عَلـى اسْمِ صَلاَتِكُمْ، قالَ اللّه وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ العِشاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ وإنّـمَا العَتَـمَةُ عَتَـمَةُ الإبِلِ) .

و قوله: ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة: ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ برفع (الثلاث) ، بـمعنى الـخبر عن هذه الأوقات التـي ذكرت. كأنه عندهم

قـيـل: هذه الأوقات الثلاثة التـي أمرناكم بأن لا يدخـل علـيكم فـيها من ذكرنا إلاّ بإذن، ثلاثُ عورات لكم لأنكم تضعون فـيها ثـيابكم وتـخـلُون بأهلـيكم. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: (ثَلاثَ عَوْرَاتٍ) بنصب (الثلاث) علـى الردّ علـى (الثلاث) الأولـى. وكأن معنى الكلام عندهم: لـيستأذنكم الذين ملكت أيـمانكم والذين لـم يبلغوا الـحلـم منكم ثلاثَ مرّات، ثلاثُ عورات لكم.

والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان متقاربتا الـمعنى، وقد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.

و قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ وَلا عَلَـيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنّ، طَوّافُونَ عَلَـيْكُمْ

يقول تعالـى ذكره: لـيس علـيكم معشر أربـاب البـيوت والـمساكن، ولا عَلَـيْهِمْ يعني : ولا علـى الذين ملكت أيـمانكم من الرجال والنساء والذين لـم يبلغوا الـحلـم من أولادكم الصغار حرج ولا إثم بعدهنّ، يعني بعد العورات الثلاث. والهاء والنون فـي قوله: بَعْدَهُنّ عائدتان علـى (الثلاث) من قوله: ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ. وإنـما يعني بذلك أنه لا حرج ولا جُناح علـى الناس أن يدخـل علـيهم مـمالـيكهم البـالغون وصبـيانهم الصغار بغير إذن بعد هذه الأوقات الثلاث اللاتـي ذكرهنّ فـي قوله: مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِـيابَكُمْ مِنَ الظّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ العِشاءِ.)

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٨٥٦ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قال: ثم رخص لهم فـي الدخول فـيـما بـين ذلك بغير إذن، يعني فـيـما بـين صلاة الغداة إلـى الظهر، وبعد الظهر إلـى صلاة العشاء أنه رخص لـخادم الرجل والصبـيّ أن يدخـل علـيه منزله بغير إذن. قال: وه

و قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ وَلا عَلَـيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنّ فأما من بلغ الـحلُـم فإنه لا يدخـل علـى الرجل وأهله إلاّ بإذن علـى كل حال.

و قوله: طَوّافُونَ عَلَـيْكُمْ رفع (الطوّافون) بـمضمر، وذلك (هم) . يقول لهؤلاء الـمـمالـيك والصبـيان الصغار هم طوّافون علـيكم أيها الناس، و يعني بـالطوّافـين: أنهم يدخـلون ويخرجون علـى موالـيهم وأقربـائهم فـي منازلهم غدوة وعشية بغير إذن، يطوفون علـيهم بعضكم علـى بعض فـي غير الأوقات الثلاث التـي أمرهم أن لا يدخـلوا علـى ساداتهم وأقربـائهم فـيها إلاّ بإذن. كَذلكَ يُبَـيّنُ اللّه لَكُمُ الاَياتِ

يقول جلّ ثناؤه: كما بـينت لكم أيها الناس أحكام الاستئذان فـي هذه الآية، كذلك يبـين اللّه لكم جميع أعلامه وأدلته وشرائع دينه. وَاللّه عَلِـيـمٌ حَكِيـمٌ يقول: واللّه ذو علـم بـما يصلـح عبـاده، حكيـم فـي تدبـيره إياهم وغير ذلك من أموره.

٥٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا بَلَغَ الأطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا اسْتَأْذَنَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللّه لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللّه عَلِيمٌ حَكِيمٌ }.

يقول تعالـى ذكره: إذا بلغ الصغار من أولادكم وأقربـائكم و يعني ب قوله: مِنْكُمْ من أحراركم الـحُلُـمَ يعني الاحتلام واحتلـموا. فَلْـيَسْتأْذِنُوا يقول: فلا يدخـلوا علـيكم فـي وقت من الأوقات إلاّ بإذن، لا فـي أوقات العَورات الثلاث ولا فـي غيرها.

و قوله: كمَا اسْتَأذَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يقول: كما استأذن الكبـار من ولد الرجل وأقربـائه الأحرار. وخصّ اللّه تعالـى ذكره فـي هذه الآية الأطفـال بـالذكر وتعريف حكمهم عبـاده فـي الاستئذان دون ذكر ما ملكت أيـماننا، وقد تقدّمت الآية التـي قبلها بتعريفهم حكم الأطفـال الأحرار والـمـمالـيك لأن حكم ما ملكت أيـماننا من ذلك حكم واحد، سواء فـيه حكم كبـارهم وصغارهم فـي أن الإذن علـيهم فـي الساعات الثلاث التـي ذكرها اللّه فـي الآية التـي قبل.

وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٨٥٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قال: أما من بلغ الـحُلُـم، فإنه لا يدخـل علـى الرجل وأهله يعني من الصبـيان الأحرار إلا بإذن علـى كل حال وه

و قوله: وَإذَا بَلَغَ الأطْفـالُ مِنْكُمُ الـحُلُـمَ فَلْـيَسْتأْذِنُوا كمَا اسْتأذَنَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهمْ.

١٩٨٥٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال عطاء: وَإذَا بَلَغَ الأطْفـالُ مِنْكُمُ الـحُلُـمَ فَلْـيَستأْذِنُوا قال: واجب علـى الناس أن يستأذنوا إذا احتلـموا، علـى مَنْ كان مِنَ الناس.

١٩٨٥٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي يونس، عن ابن شهاب، عن ابن الـمسيب، قال: يستأذن الرجل علـى أمه. قال: إنـما نزلت: وَإذَا بَلَغَ الأطْفـالُ مِنْكُمُ الـحُلُـمَ فـي ذلك. كَذلكَ يُبَـيّنُ اللّه لَكُمْ آياتِهِ يقول: هكذا يبـين اللّه لكم آياته، أحكامه وشرائع دينه، كما بـين لكم أمر هؤلاء الأطفـال فـي الاستئذان بعد البلوغ. وَاللّه عَلِـيـمٌ حَكِيـمٌ يقول: واللّه علـيـم بـما يصلـح خـلقه وغير ذلك من الأشياء، حكيـم فـي تدبـيره خـلقه.

٦٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النّسَآءِ الّلاَتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنّ جُنَاحٌ... }.

يقول تعالـى ذكره: واللواتـي قد قعدن عن الولد من الكبر من النساء، فلا يحضن ولا يـلدن واحدتهنّ قاعد. اللاّتـي لا يَرْجُونَ نِكاحا يقول: اللاتـي قد يئسن من البعولة، فلا يطمعن فـي الأزواج. فَلَـيْسَ عَلَـيْهنّ جُناحٌ أنْ يَضَعْنَ ثِـيابَهُنّ يقول: فلـيس علـيهنّ حرج ولا إثم أن يضعن ثـيابهنّ، يعني جلابـيبهنّ، وهي القناع الذي يكون فوق الـخمار والرداء الذي يكون فوق الثـياب، لا حرج علـيهنّ أن يضعن ذلك عند الـمـحارم من الرجال وغير الـمـحارم من الغربـاء غير متبرّجات بزينة.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٨٦٠ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: والقَوَاعِدُ مِنَ النّساءِ اللاّتـي لا يَرْجُونَ نِكاحاوهي الـمرأة، لا جناح علـيها أن تـجلس فـي بـيتها بدِرع وخِمار وتضع عنها الـجلبـاب ما لـم تتبرّج لـما يكره اللّه ، وه

و قوله: فَلَـيْسَ عَلَـيْهنّ جُناحٌ أنْ يَضَعْنَ ثِـيابَهُنّ غَيْرَ مُتَبرّجاتٍ بِزِينَةٍ ثم قال: وأنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنّ.

١٩٨٦١ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: يَضَعْنَ ثِـيابَهُنّ يعني : الـجلبـاب، وهو القِناع وهذا للكبـيرة التـي قد قعدت عن الولد، فلا يضرّها أن لا تـجلبب فوق الـخمار. وأما كلّ امرأة مسلـمة حرّة، فعلـيها إذا بلغت الـمـحيض أن تدنَى الـجلبـاب علـى الـخمار. وقال اللّه فـي سورة الأحزاب: يُدْنِـينَ عَلَـيْهِنّ مِنْ جَلابِـيبِهِنّ ذلكَ أدْنَى أنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وكان بـالـمدينة رجال من الـمنافقـين إذا مرّت بهم امرأة سيئة الهيئة والزيّ، حَسِب الـمنافقون أنها مزنـية وأنها من بغيتهم، فكانوا يؤذون الـمؤمنات بـالرفث، ولا يعلـمون الـحرّة من الأمة فأنزل اللّه فـي ذلك: يا أيّها النبي قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الـمُؤْمِنِـينَ يُدْنِـينَ عَلَـيْهِنّ مِنْ جَلابِـيبِهِنّ ذلكَ أدْنَى أنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ يقول: إذا كان زِيهنّ حسنا لـم يطمع فـيهنّ الـمنافقون.

١٩٨٦٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جُرَيج، فـي قوله: وَالقَوَاعِدُ مِنَ النّساءِ التـي قعدت من الوَلد وكِبرت. قال ابن جُرَيج: قال مـجاهد : اللاتـي لا يَرْجُونَ نِكاحا قال: لا يردنه. فَلَـيْسَ عَلَـيْهِنّ جُناحٌ أنْ يَضَعْنَ ثِـيابَهُنّ قال: جلابـيبهنّ.

١٩٨٦٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: والقَوَاعِدُ مِنَ النّساءِ اللاّتـي لا يَرْجُونَ نِكاحا فَلَـيْسَ عَلَـيْهِنّ جُناحٌ أنْ يَضَعْنَ ثِـيابَهُنّ غيرَ مُتَبَرّجاتٍ بِزِينَةٍ قال: وضع الـخمار، قال: التـي لا ترجو نكاحا، التـي قد بلغت أن لا يكون لها فـي الرجال حاجة ولا للرجال فـيها حاجة فإذا بلغن ذلك وضعن الـخمار غير متبرّجات بزينة. ثم قال: وأنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنّ كان أبـي يقول هذا كله.

١٩٨٦٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى وعبد الرحمن، قالا: حدثنا سفـيان، عن علقمة بن مَرْثَد، عن ذرّ، عن أبـي وائل، عن عبد اللّه ، فـي قوله: فَلَـيْسَ عَلَـيْهِنّ جُناحٌ أنْ يَضَعْنَ ثِـيابَهُنّ قال: الـجلبـاب أو الرداء. شكّ سفـيان.

١٩٨٦٥ـ قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن مالك بن الـحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد اللّه : لَـيْسَ عَلَـيْهِنّ جُناحٌ أنْ يَضَعْنَ ثِـيابَهُنّ قال: الرداء.

١٩٨٦٦ـ حدثنـي يحيى بن إبراهيـم الـمسعودي، قال: حدثنا أبـي، عن أبـيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن مالك بن الـحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: قال عبد اللّه فـي هذه الآية: فَلَـيْسَ عَلَـيْهِنّ جُناحٌ أنْ يَضَعْنَ ثِـيابَهُنّ قال: هي الـمِلْـحَفة.

١٩٨٦٧ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الـحكم، قال: سمعت أبـا وائل قال: سمعت عبد اللّه يقول فـي هذه الآية: فَلَـيْسَ عَلَـيْهِنّ جُناحٌ أنْ يَضَعْنَ ثِـيابَهُنّ قال: الـجلبـاب.

حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال: أخبرنـي الـحَكَم، عن أبـي وائل، عن عبد اللّه ، مثله.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن الثّوري، عن الأعمش، عن مالك بن الـحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ابن مسعود، فـي قوله: أنْ يَضَعْنَ ثِـيابَهُنّ غيرَ مُتَبرّجاتٍ بِزِينَةٍ قال: هو الرداء.

١٩٨٦٨ـ قال الـحسن، قال: عبد الرزاق، قال الثوريّ: وأخبرنـي أبو حصين وسالـم الأفطس، عن سعيد بن جُبـير، قال: هو الرداء.

١٩٨٦٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبـيّ: أنْ يَضَعْنَ ثِـيابَهُنّ غيرَ مُتَبرّجاتٍ بِزِينَةٍ قال: تضع الـجلبـاب الـمرأة التـي قد عجزت ولـم تزوّج. قال الشعبـيّ: فإن أُبـيّ بن كعب يقرأ: (أنْ يَضَعْنَ مِنْ ثِـيابِهِنّ) .

١٩٨٧٠ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن عُلَـية، قال: قلت لابن أبـي نـجيح، قوله: فَلَـيْسَ عَلَـيْهِنّ جُناحٌ أنْ يَضَعْنَ ثِـيابَهُنّ غيرَ مُتَبرّجاتٍ بِزِينَةٍ قال: الـجلبـاب. قال يعقوب، قال أبو يونس: قلت له: عن مـجاهد ؟ قال: نعم، فـي الدار والـحجرة.

١٩٨٧١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: فَلَـيْسَ عَلَـيْهِنّ جُناحٌ أنْ يَضَعْنَ ثِـيابَهُنّ قال: جلابـيبهنّ.

و قوله: غيرَ مُتَبرّجاتٍ بِزِينَةٍ يقول: لـيس علـيهنّ جناح فـي وضع أرديتهنّ إذا لـم يُرِدن بوضع ذلك عنهنّ أن يبدين ما علـيهنّ من الزينة للرجال. والتبرّج: هو أن تظهر الـمرأة من مـحاسنها ما ينبغي لها أن تستره.

و قوله: وأنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنّ يقول: وإن تعففن عن وضع جلابـيبهنّ وأرديتهنّ، فـيـلبسنها، خير لهنّ من أن يضعنها.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٨٧٢ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد : أنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنّ قال: أن يـلبسن جلابـيبنّ.

١٩٨٧٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مُغِيرة، عن الشعبـيّ: وأنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيرٌ لَهُنّ قال: ترك ذلك، يعني ترك وضع الثـياب.

١٩٨٧٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وأنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنّ والاستعفـاف: لبس الـخِمار علـى رأسها، كان أبـي يقول هذا كله.

وَاللّه سَمِيعٌ ما تنطقون بألسنتكم. عَلِـيـمٌ بـما تضمره صدوركم، فـاتقوه أن تنطقوا بألسنتكم ما قد نهاكم عن أن تنطقوا بها، أو تضمروا فـي صدوركم ما قد كرهه لكم، فتستوجبوا بذلك منه عقوبة.

٦١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لّيْسَ عَلَى الأعْمَىَ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَىَ أَنفُسِكُمْ ...}.

قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويـل فـي هذه الآية فـي الـمعنى الذي أنزلت فـيه، فقال بعضهم: أنزلت هذه الآية ترخيصا للـمسلـمين فـي الأكل مع العُمْيان والعُرْجان والـمرضى وأهل الزّمانة من طعامهم، من أجل أنهم كانوا قد امتنعوا من أن يأكلوا معهم من طعامهم، خشية أن يكونوا قد أتَوْا بأكلهم معهم من طعامهم شيئا مـما نهاهم اللّه عنه ب قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أمْوَالَكُمْ بَـيْنَكُمْ بـالبـاطِلِ إلاّ أنْ تَكُونَ تِـجارَةٌ عَنْ تَرَاضٍ مِنكمْ. ذكر من قال ذلك:

١٩٨٧٥ـ حدثنـي علـيّ، قال: ثنـي عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس : لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُـيُوتِكُمْ... إلـى قوله: أوْ أشْتاتا وذلك لَـمّا أنزل اللّه : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أمْوَالَكُمْ بَـيْنَكُمْ بـالبـاطلِ فقال الـمسلـمون: إن اللّه قد نهانا أن نأكل أموالنا بـيننا بـالبـاطل، والطعام من أفضل الأموال، فلا يحلّ لأحد منا أن يأكل عند أحد. فكفّ الناس عن ذلك، فأنزل اللّه بعد ذلك: لَـيْسَ عَلـى الأعْمَى حَرَجٌ... إلـى قوله: أوْ ما مَلَكْتُـمْ مَفـاتِـحَهُ.

١٩٨٧٦ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: لَـيْسَ عَلـى الأعْمَى حَرَجٌ... الآية، كان أهل الـمدينة قبل أن يُبعث النبي صلى اللّه عليه وسلم لا يخالطهم فـي طعامهم أعمى ولا مريض، فقال بعضهم: إنـما كان بهم التقذّر والتقزّز. وقال بعضهم: الـمريض لا يستوفـي الطعام كما يستوفـي الصحيح، والأعرج الـمنـحبس لا يستطيع الـمزاحمة علـى الطعام، والأعمى لا يبصر طيب الطعام. فأنزل اللّه : لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ حَرَجٌ فـي مؤالكة الـمريض والأعمى والأعرج.

فمعنى الكلام علـى تأويـل هؤلاء: لـيس علـيكم أيها الناس فـي الأعمى حرج أن تأكلوا منه ومعه، ولا فـي الأعرج حرج، ولا فـي الـمريض حرج، ولا فـي أنفسكم، أن تأكلوا من بـيوتكم. فوجّهوا معنى (علـى) فـي هذا الـموضع إلـى معنى (فـي) .

وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية ترخيصا لأهل الزمانة فـي الأكل من بـيوت من سمى اللّه فـي هذه الآية لأن قوما كانوا من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا لـم يكن عندهم فـي بـيوتهم ما يطعمونهم، ذهبوا بهم إلـى بـيوت آبـائهم وأمهاتهم أو بعض من سمّى اللّه فـي هذه الآية، فكان أهل الزمانة يتـخوّفون من أن يطعموا ذلك الطعام لأنه أطعمهم غير ملكه. ذكر من قال ذلك:

١٩٨٧٤حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد : لا جُناحَ عَلَـيْكُمْ أنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُـيُوتِكُمْ أوْ بُـيُوتِ آبـائِكُمْ قال: كان رجال زَمْنَى قال ابن عمرو فـي حديثه: عُمْيان وعُرْجان. وقال الـحارث: عُمْيٌ عُرْج أولوا حاجة، يستتبعهم رجال إلـى بـيوتهم، فإن لـم يجدوا طعاما ذهبوا بهم إلـى بوت آبـائهم ومن عدد منهم من البـيوت، فكره ذلك الـمستتبعون، فأنزل اللّه فـي ذلك: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ، وأحلّ لهم الطعام حيث وجدوه.

١٩٨٧٧ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قال: كان الرجل يذهب بـالأعمى والـمريض والأعرج إلـى بـيت أبـيه، أو إلـى بـيت أخيه، أو عمه، أو خاله، أو خالته، فكان الزّمنـي يتـحرّجون من ذلك، يقولون: إنـما يذهبون بنا إلـى بـيوت غيرهم، فنزلت هذه الآية رُخْصة لهم.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، نـحو حديث ابن عمرو، عن أبـي عاصم.

وقال آخرون: بل نزلت ترخيصا لأهل الزمانة الذين وصفهم اللّه فـي هذه الآية أن يأكلوا من بـيوت من خَـلّفهم فـي بـيوته من الغزاة. ذكر من قال ذلك:

١٩٨٧٨ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، قال: قلت للزهريّ، فـي قوله: لَـيْسَ عَلـى الأعْمَى حَرَجٌ ما بـال الأعمى ذكر ها هنا والأعرج والـمريض؟ فقال: أخبرنـي عُبـيد اللّه بن عبد اللّه أن الـمسلـمين كانوا إذا غَزَوا خَـلّفوا زَمْناهم، وكانوا يدفعون إلـيهم مفـاتـيح أبوابهم، يقولون: قد أحللنا لكم أن تأكلوا مـما فـي بـيوتنا وكانوا يتـحرّجون من ذلك، يقولون: لا ندخـلها وهي غُيّب. فأنزلت هذه الآية رخصة لهم.

وقال آخرون: بل عُنـي ب قوله: لَـيْسَ عَلـى الأعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلـى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلـى الـمَرِيضِ حَرَجٌ فـي التـخـلف عن الـجهاد فـي سبـيـل اللّه . قالوا:

و قوله: وَلا عَلـى أنْفُسِكُمْ أنْ تَأْكُلوا مِنْ بُـيُوتِكُمْ كلام منقطع عما قبله. ذكر من قال ذلك:

١٩٨٧٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: لَـيْسَ عَلـى الأعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلـى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلـى الـمَرِيضِ حَرَجٌ قال: هذا فـي الـجهاد فـي سبل اللّه . وفـي قوله: وَلا عَلـى أنْفُسِكُمْ أنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُـيُوتِكُمْ... إلـى قوله: أوْ صَدِيقِكُمْ قال: هذا شيء قد انقطع، إنـما كان هذا فـي الأوّل، لـم يكن لهم أبواب وكانت الستور مُرْخاة، فربـما دخـل الرجل البـيت ولـيس فـيه أحد، فربـما وجد الطعام وهو جائع، فسوّغه اللّه أن يأكله. قال: وقد ذهب ذلك الـيوم البـيوت الـيوم فـيـما أهلها، وإذا أخرجوا أغلقوها فقد ذهب ذلك.

وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية ترخيصا للـمسلـمين الذين كانوا يتقون مؤاكلة أهل الزمانة فـي مؤاكلتهم إذا شاءوا ذلك. ذكر من قال ذلك:

١٩٨٨٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن قـيس بن مسلـم، عن مِقْسم، فـي قوله: لَـيْسَ عَلـى الأعْمَى حَرَجٌ قال: كانوا يتقون أن يأكلوا مع الأعمى والأعرج، فنزلت: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَأْكُلُوا جَمِيعا أوْ أشْتاتا.

واختلفوا أيضا فـي معنى قوله: أوْ ما مَلَكْتُـمْ مَفـاتِـحَهُ فقال بعضهم: عُنـي بذلك وكيـلُ الرجل وَقـيّـمُه، أنه لا بأس علـيه أن يأكل من ثمر ضيعته، ونـحو ذلك. ذكر من قال ذلك:

١٩٨٨١ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: حدثنا معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، فـي قوله: أوْ ما مَلَكْتُـمْ مَفـاتِـحَهُ وهو الرجل يوكّل الرجل بضيعته، فرخص اللّه له أن يأكل من ذلك الطعام والتـمر ويشربَ اللبن.

وقال آخرون: بل عُنِـي بذلك: منزل الرجل نفسه أنه لا بأس علـيه أن يأكل. ذكر من قال ذلك:

١٩٨٨٢ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، يقول: قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: أوْ ما مَلَكْتُـمْ مَفـاتِـحَهُ يعني : بـيت أحدهم، فإنه يـملكه، والعبـيد منهم مـما ملكوا.

١٩٨٨٣ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة ، فـي قوله: أوْ ما مَلَكْتُـمْ مَفـاتِـحَهُ مـما تـحبون يا ابن آدم.

١٩٨٨٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قال: أوْ ما مَلَكْتُـمْ مَفـاتِـحَهُ قال: خزائن لأنفسهم، لـيست لغيرهم.

وأشبه الأقوال التـي ذكرنا فـي تأويـل قوله: لَـيْسَ عَلـى الأعْمَى حَرَجٌ... إلـى قوله: أوْ صَدِيقكُمْ القول الذي ذكرنا عن الزهريّ عن عبـيد اللّه بن عبد اللّه ، وذلك أن أظهر معانـي قوله: لَـيْسَ عَلـى الأعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلـى الأعْرَجِ حَرَجٌ: أنه لا حرج علـى هؤلاء الذين سُمّوا فـي هذه الآية أن يأكلوا من بـيوت من ذكره اللّه فـيها، علـى ما أبـاح لهم من الأكل منها. فإذ كان ذلك أظهر معانـيه، فتوجيه معناه إلـى الأغلب الأعرف من معانـيه أولـى من توجيهه إلـى الأنكر منها. فإذ كان ذلك كذلك، كان ما خالف من التأويـل قول من قال: معناه: لـيس فـي الأعمى والأعرج حرج، أولـى بـالصواب. وكذلك أيضا الأغلب من تأويـل قوله: وَلا عَلـى أنْفُسِكُمْ أنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُـيُوتكُمْ أنه بـمعنى: ولا علـيكم أيها الناس. ثم جمع هؤلاء والزّمْنَى الذين ذكرهم قبل فـي الـخطاب، فقال: أن تأكلوا من بـيوت أنفسكم. وكذلك تفعل العرب إذا جمعت بـين خبر الغائب والـمخاطب، غلّبت الـمخاطب فقالت: أنت وأخوك قمتـما، وأنت وزيد جلستـما، ولا تقول: أنت وأخوك جلسا، وكذلك قوله: وَلا عَلـى أنْفُسِكُمْ والـخبر عن الأعمى والأعرج والـمريض، غلّب الـمخاطب، فقال: أن تأكلوا، ولـم يقل: أن يأكلوا.

فإن قال قائل: فهذا الأكل من بـيوتهم قد علـمناه كان لهم حلالاً إذ كان ملكا لهم، أَوَ كانَ أيضا حلالاً لهم الأكل من مال غيرهم؟

قـيـل له: لـيس الأمر فـي ذلك علـى ما توهمّتَ ولكنه كما ذكرناه عن عبـيد اللّه بن عبد اللّه ، أنهم كانوا إذا غابوا فـي مغازيهم وتـخـلف أهل الزمانة منهم، دفع الغازي مفتاح مسكنه إلـى الـمتـخـلف منهم، فأطلق له فـي الأكل مـما يخـلف فـي منزله من الطعام، فكان الـمتـخـلفون يتـخوّفون الأكل من ذلك وربه غائب، فأعلـمه اللّه أنه لا حرج علـيه فـي الأكل منه وأذِن لهم فـي أكله. فإذ كان ذلك كذلك تبـين أن لا معنى لقول من قال: إنـما أنزلت هذه الآية من أجل كراهة الـمستتبع أكل طعام غير الـمستتبع لأن ذلك لو كان كما قال من قال ذلك: ل

قـيـل: لـيس علـيكم حرج أن تأكلوا من طعام غير من أضافكم، أو من طعام آبـاء من دعاكم، ولـم يقل: أن تأكلوا من بـيوتكم أو بـيوت آبـائكم. وكذلك لا وجه لقول من قال: معنى ذلك: لـيس علـى الأعمى حرج فـي التـخـلف عن الـجهاد فـي سبـيـل اللّه ، لأن قوله: أنْ تأْكُلوا خبر (لـيس) ، و(أنْ) فـي موضع نصب علـى أنها خبر لها، فهي متعلقة ب(لـيس) ، فمعلوم بذلك أن معنى الكلام: لـيس علـى الأعمى حرج أن يأكل من بـيته، ولا ما قاله الذين ذكرنا من أنه لا حرج علـيه فـي التـخـلف عن الـجهاد. فإذ كان الأمر فـي ذلك علـى ما وصفنا، تبـين أن معنى الكلام: لا ضِيقَ علـى الأعمى، ولا علـى الأعرج، ولا علـى الـمريض، ولا علـيكم أيها الناس، أن تأكلوا من بـيوت أنفسكم أو من بـيوت آبـائكم أو من بـيوت أمهاتكم أو من بـيوت إخوانكم أو من بـيوت أخواتكم أو من بـيوت أعمامكم أو من بـيوت عماتكم أو من بـيوت أخوالكم أو من بـيوت خالاتكم أو من البـيوت التـي ملكتـم مَفـاتـحها أو من بـيوت صديقكم، إذا أذنوا لكم فـي ذلك، عند مغيبهم ومشهدهم. والـمفـاتـح: الـخزائن، واحدها: (مَفْتـح) إذا أريد به الـمصدر، وإذا كان من الـمفـاتـيح التـي يفتـح بها، فهي مِفْتـح ومفـاتـح وهي ها هنا علـى التأويـل الذي اخترناه جمع مِفْتـح الذي يفتـح به. وكان قَتاة يتأوّل فـي قوله: أوْ صَدِيقِكُمْ، ما:

١٩٨٨٥ـ حدثنا به الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق عن معمر، عن قتادة : أوْ صَدِيقِكُمْ فلو أكلْت من بـيت صديقك من غير أمره، لـم يكن بذلك بأس. قال معمر: قلت لقتادة : أَوَلاَ أشربُ من هذا الـحُبّ؟ قال: أنت لـي صديق.

وأما قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَأْكُلُوا جَمِيعا أوْ أشْتاتا فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله، فقال بعضهم: كان الغنـيّ من الناس يتـخوّف أن يأكل مع الفقـير، فرخّصَ لهم فـي الأكل معهم. ذكر من قال ذلك:

١٩٨٨٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عطاء الـخراسانـيّ، عن ابن عباس ، قوله: أنْ تَأْكُلُوا جَمِيعا أوْ أشْتاتا قال: كان الغنـيّ يدخـل علـى الفقـير من ذوي قرابته وصديقه، فـيدعُوَه إلـى طعامه لـيأكل معه، فـيقول: واللّه إنـي لأجنـح أن آكل معك والـجنـح: الـحرج وأنا غنـيّ وأنت فقـير فأُمروا أن يأكلوا جميعا أو أشتاتا.

وقال آخرون: بل عُنـي بذلك حيّ من أحياء العرب، كانوا لا يأكل أحدهم وحده ولا يأكل إلا مع غيره، فأذِن اللّه لهم أن يأكل من شاء منهم وحده ومن شاء منهم مع غيره. ذكر من قال ذلك:

١٩٨٨٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قال: كانوا يأنفون ويتـحرّجون أن يأكل الرجل الطعام وحده حتـى يكون معه غيره، فرخص اللّه لهم، فقال: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَأْكُلُوا جَمِيعا أوْ أشْتاتا.

١٩٨٨٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: كانت بنوِ كنانة يستـحى الرجل منهم أن يأكل وحده، حتـى نزلت هذه الآية.

١٩٨٨٩ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول: كانوا لا يأكلون إلا جميعا، ولا يأكلون متفرّقـين، وكان ذلك فـيهم دينا فأنزل اللّه : لـيس علـيكم حرج فـي مؤاكلة الـمريض والأعمى، ولـيس علـيكم حرج أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا.

١٩٨٩٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَأْكُلُوا جَمِيعا أوْ أشْتاتا قال: كان من العرب من لا يأكل أبدا جميعا ومنهم من لا يأكل إلا جميعا، فقال اللّه ذلك.

١٩٨٩١ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، حدثنا نزلت: لَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ تَأْكُلُوا جَمِيعا أوْ أشْتاتا فـي حيّ من فـي العرب كان الرجل منهم لا يأكل طعامه وحده، كان يحمله بعض يوم حتـى يجد من يأكله معه. قال: وأحسب أنه ذكر أنهم من كِنانة.

وقال آخرون: بل عُنِـي بذلك قوم كانوا لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف إلا مع ضيفهم، فرخّصَ لهم فـي أن يأكلوا كيف شاءوا. ذكر من قال ذلك:

١٩٨٩٢ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا حفص، عن عمران بن سلـيـمان، عن أبـي صالـح وعكرمة، قالا: كانت الأنصار إذا نزل بهم الضيف لا يأكلون حتـى يأكل الضيف معهم، فرُخّص لهم، قال اللّه : لا جُناحَ عَلَـيْكُمْ أنْ تَأْكُلُوا جَمِيعا أوْ أشْتاتا.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن اللّه وضع الـحَرَج عن الـمسلـمين أن يأكلوا جميعا معا إذا شاءوا، أو أشتاتا متفرّقـين إذا أرادوا. وجائز أن يكون ذلك نزل بسبب من كان يتـخوّف من الأغنـياء الأكل مع الفقـير، وجائز أن يكون نزل بسبب القوم الذين ذكر أنهم كانوا لا يَطْعَمون وُحْدانا، وبسبب غير ذلك ولا خبر بشيء من ذلك يقطع العذر، ولا دلالة فـي ظاهر التنزيـل علـى حقـيقة شيء منه. والصواب التسلـيـم لـما دلّ علـيه ظاهر التنزيـل، والتوقـف فـيـما لـم يكن علـى صحته دلـيـل.

و قوله: فإذَا دَخَـلْتُـمْ بُـيُوتا فَسَلّـموا عَلـى أنْفُسِكُمْ تَـحِيّةً مِنْ عِنْدَ اللّه اختلف أهل التأويـل فـي ذلك، فقال بعضهم: معناه: فإذا دخـلتـم أيها الناس بـيوت أنفسكم، فسلـموا علـى أهلـيكم وعيالكم. ذكر من قال ذلك:

١٩٨٩٣ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهريّ وقتادة فـي قوله: فسَلّـموا عَلـى أنْفُسِكُمْ قالا: بـيتك، إذا دخـلته فقل: سلام علـيكم.

١٩٨٩٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج: فإذَا دَخَـلْتُـمْ بُـيُوتا فَسَلّـمُوا عَلـى أنْفُسكُمْ قال: سَلّـمْ علـى أهلك قال ابن جُرَيج: وسُئل عن عطاء بن أبـي ربـاح: أحقّ علـى الرجل إذا دخـل علـى أهله أن يسلـم علـيهم؟ قال: نعم. وقالها عمرو بن دينار. وتَلَوا: فإذَا دَخَـلْتُـمْ بُـيُوتا فَسَلّـمُوا عَلـى أنْفِسكُمْ تَـحِيّةً مِنْ عِنْد اللّه مُبـارَكَةً طَيّبَةً قال عطاء بن أبـي ربـاح ذلك غير مرّة.

١٩٨٩٥ـ قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: أخبرنـي أبو الزّبـير، قال: سمعت جابر بن عبد اللّه يقول: إذا دخـلت علـى أهلك فسلـم علـيهم تَـحيّةً مِنْ عِنْدَ اللّه مُبـارَكَةً طَيّبَةً. قال: ما رأيته إلا يوجبه. قال ابن جُرَيج، وأخبرنـي زياد، عن ابن طاوس أنه كان يقول: إذا دخـل أحدكم بـيته فلـيسلـم.

١٩٨٩٦ـ قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قلت لعطاء: إذا خرجت أواجب السلام؟ هل أسلـم علـيهم؟ فإنـما قال: إذَا دَخَـلْتُـمْ بُـيُوتا فَسَلّـمُوا؟ قال: ما أعلـمه واجبـا ولا آثِرُ عن أحد وجوبه، ولكن أحبّ إلـيّ، وما أدعه إلا ناسيا. قال ابن جُرَيج، وقال عمرو بن دينار: لا، قال: قلت لعطاء: فإن لـم يكن فـي البـيت أحد؟ قال: سلّـمْ قل: السلام علـى النبي ورحمة اللّه وبركاته، السلام علـينا وعلـى عبـاد اللّه الصالـحين، السلام علـى أهل البـيت ورحمة اللّه . قلت له: قولك هذا إذا دخـلت بـيتا لـيس فـيه أحد عمن تَأْثِره؟ قال: سمعته ولـم يؤثر لـي عن أحد. قال ابن جُرَيج، وأخبرنـي عَطَاءٌ الـخُراسانـيّ، عن ابن عباس ، قال: السلام علـينا من ربنا، وقال عمرو بن دينار: السلام علـينا وعلـى عبـاد اللّه الصالـحين.

١٩٨٩٧ـ حدثنا أحمد بن عبد الرحيـم، قال: حدثنا عمرو بن أبـي سلـمة، قال: حدثنا صدقة، عن زُهَير، عن ابن جُرَيج، عن أبـي الزبـير، عن جابر بن عبد اللّه ، قال: إذا دخـلت علـى أهلك فسلـم علـيهم، تـحية من عند اللّه مبـاركة طيبة. قال: ما رأيته إلاّ يوجبه.

حدثنا مـحمد بن عبـاد الرازي، قال: حدثنا حجاج بن مـحمد الأعور، قال: قال لـي ابن جُرَيج، أخبرنـي أبو الزبـير: أنه سمع جابر بن عبد اللّه يقول: فذكر مثله.

١٩٨٩٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله: فإذَا دَخَـلْتُـمْ بُـيُوتا فَسَلّـمُوا عَلـى أنْفُسِكُمْ يقول: سلـموا علـى أهالـيكم إذا دخـلتـم بـيوتكم، وعلـى غير أهالـيكم، فسلـموا إذا دخـلتـم بـيوتهم.

وقال آخرون: بل معناه: فإذا دخـلتـم الـمساجد فسلّـموا علـى أهلها. ذكر من قال ذلك:

١٩٨٩٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا عبد اللّه بن الـمبـارك، عن معمر، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس : إذَا دَخَـلْتُـمْ بُـيُوتا فَسَلّـمُوا عَلـى أنْفُسِكُمْ قال: هي الـمساجد، يقول: السلام علـينا وعلـى عبـاد اللّه الصالـحين.

١٩٩٠٠ـ قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن إبراهيـم، فـي قوله: فَإِذَا دَخَـلْتُـمْ بُـيُوتا فَسَلّـمُوا عَلـى أنْفُسِكُمْ قال: إذا دخـلت الـمسجد فقل: السلام علـى رسول اللّه وإذا دخـلت بـيتا لـيس فـيه أحد، فقل: السلام علـينا وعلـى عبـاد اللّه الصالـحين وإذا دخـلت بـيتك فقل: السلام علـيكم.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا دخـلتـم بـيوتا من بـيوت الـمسلـمين فـيها ناس منكم، فلـيسلـم بعضكم علـى بعض. ذكر من قال ذلك:

١٩٩٠١ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الـحسن، فـي قوله: فَسَلّـمُوا عَلـى أنْفُسِكُمْ أي لـيسلـم بعضكم علـى بعض، ك قوله: وَلا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ.

١٩٩٠٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فإذَا دَخَـلْتُـمْ بُـيُوتا فَسَلّـمُوا عَلـى أنْفُسِكُمْ قال: إذا دخـل الـمسلّـم سُلّـم علـيه، كمثل قوله: لا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ إنـما هو: لا تقتل أخاك الـمسلـم.

و قوله: ثُمّ أنْتُـمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أنْفُسَكُمْ قال: يقتل بعضكم بعضا، قُريظة والنّضِير.

وقال آخرون: معناه: فإذا دخـلتـم بـيوتا لـيس فـيها أحد، فسلـموا علـى أنفسكم. ذكر من قال ذلك:

١٩٩٠٣ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا حصين، عن أبـي مالك، قال: إذا دخـلت بـيتا لـيس فـيه أحد، فقل: السلام علـينا وعلـى عبـاد اللّه الصالـحين وإذا دخـلت بـيتا فـيه ناس من الـمسلـمين وغير الـمسلـمين، فقل مثل ذلك.

١٩٩٠٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي سِنان، عن ماهان، قال: إذا دخـلتـم بـيوتا فسلـموا علـى أنفسكم، قال: تقولوا: السلام علـينا من ربنا.

١٩٩٠٥ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: أخبرنا شعبة عن منصور، قال شعبة: وسألته عن هذه الآية: فإذَا دَخَـلْتُـمْ بُـيُوتا فَسَلّـمُوا عَلـى أنْفُسِكُمْ تَـحِيّةً مِنْ عِنْدِ اللّه قال: قال إبراهيـم: إذا دخـلت بـيتا لـيس فـيه أحد، فقل: السلام علـينا وعلـى عبـاد اللّه الصالـحين.

١٩٩٠٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي عمرو بن الـحارث، عن بكير بن الأشجّ، عن نافع: أن عبد اللّه كان إذا دخـل بـيتا لـيس فـيه أحد، قال: السلام علـينا وعلـى عبـاد اللّه الصالـحين.

١٩٩٠٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، قال: حدثنا منصور، عن إبراهيـم: فإذَا دَخَـلْتُـمْ بُـيُوتا فَسَلّـمُوا عَلـى أنْفُسكُمْ قال: إذا دخـلت بـيتا فـيه يهود فقل: السلام علـيكم وإن لـم يكن فـيه أحد فقل: السلام علـينا وعلـى عبـاد اللّه الصالـحين.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال معناه: فإذا دخـلتـم بـيوتا من بـيوت الـمسلـمين، فلـيسلـم بعضكم علـى بعض.

وإنـما قلنا ذلك أولـى بـالصواب لأن اللّه جل ثناؤه قال: فإذَا دَخَـلْتُـمْ بُـيُوتا ولـم يخصُصْ من ذلك بـيتا دون بـيت، وقال: فَسَلّـمُوا عَلـى أنْفُسِكُمْ يعني : بعضكم علـى بعض. فكان معلوما إذ لـم يخصص ذلك علـى بعض البـيوت دون بعض، أنه معنىّ به جميعها، مساجدها وغير مساجدها. ومعنى قوله: فَسَلّـموا عَلـى أنْفُسِكُمْ نظير قوله: وَلا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ.

و قوله: تَـحِيّةً مِنْ عِنْدِ اللّه ونصب تـحية، بـمعنى: تُـحيّون أنفسكم تـحية من عند اللّه السلام تـحية، فكأنه قال: فلـيحيّ بعضكم بعضا تـحية من عند اللّه . وقد كان بعض أهل العربـية يقول: إنـما نصبت بـمعنى: أَمَرَكم بها تفعلونها تَـحيّة منه، ووصف جل ثناؤه هذه التـحية الـمبـاركة الطيبة لـما فـيها من الأجر الـجزيـل والثواب العظيـم.

و قوله: كَذلكَ يُبَـيّنُ اللّه لَكُمُ الاَياتِ

يقول تعالـى ذكره: هكذا يفصل اللّه لكم معالـم دينكم فـيبـينها لكم، كما فصل لكم فـي هذه الآية ما أحلّ لكم فـيها، وعرّفكم سبـيـل الدخول علـى من تدخـلون علـيه. لَعَلّكُم تَعْقِلَونَ يقول: لكي تفقَهوا عن اللّه أمره ونهيه وأدبه.

٦٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ الّذِينَ آمَنُواْ بِاللّه وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَىَ أَمْرٍ جَامِعٍ لّمْ يَذْهَبُواْ ...}

يقول تعالـى ذكره: ما الـمؤمنون حقّ الإيـمان، إلا الذين صدّقوا اللّه ورسوله. وَإذَا كانُوا مَعَهُ يقول: وإذا كانوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، عَلـى أمِرٍ جامِعٍ يقول: علـى أمر يجمع جميعهم من حرب حضرت، أو صلاة اجتـمع لها، أو تشاور فـي أمر نزل لَـمْ يَذْهَبُوا يقول: لـم ينصرفوا عما اجتـمعوا له من الأمر، حَتّـى يَسْتَأْذِنُوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٩٠٨ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: إنّـمَا الـمُؤْمِنُونَ الّذِين آمَنُوا بـاللّه وَرَسُولِهِ وَإذَا كانُوا مَعَهُ عَلـى أمْرٍ جامِعٍ لَـمْ يَذْهَبُوا حتـى يَسْتأْذِنُوهُ يقول: إذا كان أمر طاعة للّه.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس ، قوله: وَإذَا كانُوا مَعَهُ عَلـى أمْرٍ جامِعٍ قال: أمر من طاعة اللّه عامّ.

١٩٩٠٩ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن بكر، قال: أخبرنا ابن جُرَيج، قال: سأل مكحولاً الشاميّ إنسانٌ وأنا أسمع، ومكحول جالس مع عطاء، عن قول اللّه فـي هذه الآية: وَإذا كانُوا مَعَهُ عَلـى أمْرٍ جامِعٍ لَـمْ يَذْهَبُوا حتّـى يَسْتأذِنُوهُ فقال مكحول: فـي يوم الـجمعة، وفـي زَحْف، وفـي كلّ أمر جامع، قد أمر أن لا يذهب أحد فـي يوم جمعة حتـى يستأذن الإمام، وكذلك فـي كل جامع، ألا ترى أنه يقول: وَإذَا كانُوا مَعَهُ عَلـى أمْرٍ جامِعٍ.

١٩٩١٠ـ حدثنـي يعقوب، قال: ثنـي ابن عُلَـية، قال: أخبرنا هشام بن حسان، عن الـحسن، قال: كان الرجل إذا كانت له حاجة والإمام يخطب، قام فأمسك بأنفه، فأشار إلـيه الإمام أن يخرُج. قال: فكان رجل قد أراد الرجوع إلـى أهله، فقام إلـى هَرِم بن حِيان وهو يخطب، فأخذ بأنفه، فأشار إلـيه هرم أن يذهب. فخرج إلـى أهله فأقام فـيهم، ثم قدم قال له هرم: أين كنت؟ قال: فـي أهلـي؟ قال: أبإذن ذهبت؟ قال: نعم، قمت إلـيك وأنت تـخطب، فأخذت بأنفـي، فأشرت إلـيّ أن اذْهَب فذهبت. فقال: أفـاتـخذت هذا دَغَلاً؟ أو كلـمة نـحوها. ثم قال: اللّه مّ أخّر رجال السوء إلـى زمان السوء.

١٩٩١١ـ حدثنـي الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهريّ، فـي قوله: وَإذَا كانُوا مَعَهُ عَلـى أمْرٍ جامِعٍ قال: هو الـجمعة إذا كانوا معه، لـم يذهبوا حتـى يستأذنوه.

١٩٩١٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: إنّـمَا الـمُؤْمِنُونَ الّذِينَ آمَنُوا بـاللّه وَرَسُولِهِ وَإذَا كانُوا مَعَهُ عَلـى أمْرٍ جامِعٍ لَـمْ يَذْهَبُوا حتـى يَسْتَأذنُوهُ قال: الأمر الـجامع حين يكونون معه فـي جماعة الـحرب أو جمعة. قال: والـجمعة من الأمر الـجامع، لا ينبغي لأحد أن يخرج إذا قعد الإمام علـى الـمنبر يوم الـجمعة إلا بإذن سلطان إذا كان حيث يراه أو يقدر علـيه، ولا يخرج إلا بإذن. وإذا كان حيث لا يراه ولا يقدر علـيه ولا يصل إلـيه، فـاللّه أولـى بـالعذر.

و قوله: إنّ الّذِينَ يَسْتأذنُوكَ أُولَئِكَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بـاللّه وَرَسُولِهِ

يقول تعالـى ذكره: إن الذين لا ينصرفون يا مـحمد إذا كانوا معك فـي أمر جامع، عنك إلا بإذنك لهم، طاعة منهم للّه ولك وتصديقا بـما أتـيتهم به من عندي أولئك الذين يصدقون اللّه ورسوله حقّا، لا من خالف أمر اللّه وأمر رسوله فـينصرف عنك بغير إذن منك له بعد تقدّمك إلـيه أن لا ينصرف عنك إلاّ بإذنك.

و قوله: فإذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبْعَضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِـمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ

يقول تعالـى ذكره: فإذا استأذنك يا مـحمد الذين لا يذهبون عنك إلا بإذنك فـي هذه الـمواطن لبعض شأنهم يعني لبعض حاجاتهم التـي تعرض لهم فأْذن لـمن شِئت منهم فـي الانصراف عنك لقضائها. وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ يقول: وادع اللّه لهم بأن يتفضل علـيهم بـالعفو عن تبعات ما بـينه وبـينهم. إنّ اللّه غَفُورٌ لذنوب عبـاده التائبـين، رَحِيـمٌ بهم أن يعاقبهم علـيها بعد توبتهم منها.)

٦٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لاّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ الرّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ...}.

يقول تعالـى ذكره لأصحاب نبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : لا تَـجْعَلُوا أيها الـمؤمنون دُعاءَ الرّسُولِ بَـيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضا.

واختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك، فقال بعضهم: نَهَى اللّه بهذه الآية الـمؤمنـين أن يتعرّضوا لدعاء الرسول علـيهم، وقال لهم: اتقوا دعاءه علـيكم، بأن تفعلوا ما يسخطه فـيدعو لذلك علـيكم فتهلكوا، فلا تـجعلوا دعاءه كدعاء غيره من الناس، فإن دعاءه موجبة. ذكر من قال ذلك:

١٩٩١٣ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: لا تَـجْعَلُوا دُعاءَ الرّسُولِ بَـيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضا دعوة الرسول علـيكم موجبة، فـاحذروها.

وقال آخرون: بل ذلك نهيٌ من اللّه أن يَدْعُوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بغلَظ وجفَـاء، وأمر لهم أن يَدْعوه بلـين وتواضع. ذكر من قال ذلك:

١٩٩١٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نَـجيح، عن مـجاهد : كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضا قال: أمرهم أن يَدْعوا يا رسول اللّه ، فـي لـين وتواضع، ولا يقولوا يا مـحمد، فـي تـجهّم.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قوله: لا تَـجْعَلُوا دُعاءَ الرّسُولِ بَـيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضا قال: أمرهم أن يَدْعوه: يا رسول اللّه ، فـي لـين وتواضع.

١٩٩١٥ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا مَعْمر، عن قتادة ، فـي قوله: لا تَـجْعَلُوا دُعاءَ الرّسُولِ بَـيْنَكُمْ كَدُعاء بَعْضِكُمْ بَعْضا قال: أمرهم أن يفخّموه ويشرّفوه.

وأولـى التأويـلـين فـي ذلك بـالصواب عندي التأويـل الذي قاله ابن عباس ، وذلك أن الذي قَبْل قوله: لا تَـجْعَلُوا دُعاءَ الرّسُولِ بَـيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضا نهيٌ من اللّه الـمؤمنـين أن يأتوا من الانصراف عنه فـي الأمر الذي يجمع جميعهم ما يكرهه، والذي بعده وعيد للـمُنْصرفـين بغير إذنه عنه، فـالذي بـينهما بأن يكون تـحذيرا لهم سُخْطة أن يضطّره إلـى الدعاء علـيهم أشبه من أن يكون أمرا لهم بـما لـم يجر له ذكر من تعظيـمه وتوقـيره بـالقول والدعاء.

و قوله: قَدْ يَعْلَـمُ اللّه الّذِينَ يَتَسَلّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذا

يقول تعالـى ذكره: إنكم أيها الـمنصرفون عن نبـيكم بغير إذنه، تسترا وخِفـية منه، وإن خفـي أمر من يفعل ذلك منكم علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فإن اللّه يعلـم ذلك ولا يخَفـي علـيه، فلـيتّق من يفعل ذلك منكم الذين يخالفون أمر اللّه فـي الانصراف عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلا بإذنه، أن تصيبهم فتنة من اللّه أو يصيبهم عذاب ألـيـم، فـيطبع علـى قلوبهم، فـيكفروا بـاللّه .

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٩١٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الـحكم بن بشير، قال: حدثنا عمرو بن قـيس، عن جُويبر، عن الضحاك ، فـي قول اللّه : قَدْ يَعْلَـمُ اللّه الّذِينَ يَتَسَلّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذا قال: كانوا يستتر بعضهم ببعض، فـيقومون، فقال: فلـيحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة، قال: يطَبع علـى قلبه، فلا يأمن أن يظهر الكفر بلسانه فتُضرب عُنُقه.

١٩٩١٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قوله: قَدْ يَعْلَـمُ اللّه الّذِينَ يَتَسَلّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذا قال: خلافـا.

١٩٩١٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: قَدْ يَعْلَـمُ اللّه الّذِينَ يَتَسَلّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذا قال: هؤلاء الـمنافقون الذين يرجعون بغير إذن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . قال: اللّواذ: يـلوذ عنه ويروغ ويذهب بغير إذن النبي صلى اللّه عليه وسلم .

فَلْـيَحْذَرِ الّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أمْرِهِ الذين يصنعون هذا، أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِـيـم. الفتنة ها هنا. الكفر، واللّواذ: مصدر لاوذت بفلان مُلاوذة ولِواذا، ولذلك ظهرت الواو، ولو كان مصدرا للُذت ل

قـيـل: لِـياذا، كما يقال: قُمت قـياما، وإذا

قـيـل: قاومتك،

قـيـل: قواما طويلاً. واللّواذ: هو أن يـلوذ القوم بعضُهم ببعض، يستتر هذا بهذا وهذا بهذا، كما قال الضحاك .

و قوله: أوْ يُصِيبُهُمْ عَذَابٌ ألِـيـمٌ يقول: أو يصيبهم فـي عاجل الدنـيا عذاب من اللّه موجع، علـى صنـيعهم ذلك وخلافهم أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .

و قوله: فَلْـيَحْذَرِ الّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أمْرِهِ وأدخـلت (عن) لأن معنى الكلام: فلـيحذر الذين يـلوذون عن أمره ويُدبِرون عنه معرضين.)

٦٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَلآ إِنّ للّه مَا فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ وَاللّه بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمُ }.

يقول تعالـى ذكره: ألاَ إنّ للّه مُلْكُ جميع السّمَوَاتِ والأَرْضِ يقول: فلا ينبغي لـمـملوك أن يخالف أمر مالكه فـيعصيَه، فـيستوجب بذلك عقوبته. يقول: فكذلك أنتـم أيها الناس، لا يصلـح لكم خلاف ربكم الذي هو مالككم، فأطيعوه وأتَـمروا لأمره ولا تنصرفوا عن رسوله إذا كنتـم معه علـى أمر جامع إلا بإذنه.

و قوله: قَدْ يَعْلَـمُ ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ من طاعتكم إياه فـيـما أمركم ونهاكم من ذلك، كما:

١٩٩١٩ـ حدثنـي أيضا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: قَدْ يَعْلَـمُ ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ صنـيعكم هذا أيضا.

وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إلَـيْهِ يقول: ويوم يَرْجع إلـى اللّه الذين يخالفون عن أمره. فـيُنَبّئُهُم يقول: فـيخبرهم حينئذٍ، بِـمَا عَمِلُوا فـي الدنـيا، ثم يجازيهم علـى ما أسلفوا فـيها، من خلافهم علـى ربهم. وَاللّه بِكُلّ شَيْءٍ عَلِـيـمٌ يقول: واللّه ذو علـم بكل شيء عملتـموه أنتـم وهم وغيركم وغيرك ذلك من الأمور، لا يخفـي علـيه شيء، بل هو مـحيط بذلك كله، وهو مُوَفَ كلّ عامل منكم أجر عمله يوم ترجعون إلـيه.

﴿ ٠