تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآنللإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبريإمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)_________________________________سورة النورمدنـية وآياتها أربع وستون بسم اللّه الرحمَن الرحيـم ١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ لّعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ }. قال أبو جعفر: يعني بقوله تعالـى ذكره: سُورَةٌ أنْزَلْناها وهذه السورة أنزلناها. وإنـما قلنا معنى ذلك كذلك، لأن العرب لا تكاد تبتدىء بـالنكرات قبل أخبـارها إذا لـم تكن جوابـا، لأنها توصل كما يوصل (الذي) ، ثم يخبر عنها بخبر سوى الصلة، فـيستقبح الابتداء بها قبل الـخبر إذا لـم تكن موصولة، إذ كان يصير خبرها إذا ابتدىء بها كالصلة لها، ويصير السامع خبرها كالـمتوقع خبرها بعد إذ كان الـخبر عنها بعدها كالصلة لها. وإذا ابتدىء بـالـخبر عنها قبلها، لـم يدخـل الشك علـى سامع الكلام فـي مراد الـمتكلـم. وقد بـيّنا فـيـما مضى قبلُ أن السورة وصف لـما ارتفع بشواهده فأغنى ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع. وأما قوله: وَفَرَضْناها فإن القرّاء اختلفت فـي قراءته، فقرأه بعض قرّاء الـحجاز والبصرة: (وَفَرّضْناها) ويتأوّلونه: وفصّلناها ونزّلنا فـيها فرائض مختلفة. وكذلك كان مـجاهد يقرؤه ويتأوّله. ١٩٤٥٨ـ حدثنـي أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا ابن مهديّ، عن عبد الوارث بن سعيد، عن حميد، عن مـجاهد ، أنه كان يقرؤها: (وَفَرّضْناها) يعني بـالتشديد. ١٩٤٥٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: (وَفَرّضْناها) قال: الأمر بـالـحلال، والنهى عن الـحرام. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله. وقد يحتـمل ذلك إذا قرىء بـالتشديد وجها غير الذي ذكرنا عن مـجاهد ، وهو أن يوجه إلـى أن معناه: وفرضناها علـيكم وعلـى من بعدكم من الناس إلـى قـيام الساعة. وقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة والكوفة والشأم: وَفَرَضْناها بتـخفـيف الراء، بـمعنى: أوجبنا ما فـيها من الأحكام علـيكم وألزمناكموه وبـيّنا ذلك لكم. والصواب من القول فـي ذلك: أنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وذلك أن اللّه قد فصلها، وأنزل فـيها ضروبـا من الأحكام، وأمر فـيها ونهى، وفرض علـى عبـاده فـيها فرائض، ففـيها الـمعنـيان كلاهما: التفريض، والفرض فلذلك قلنا بأية القراءتـين قرأ القارىء فمصيب الصواب. ذكر من تأوّل ذلك بـمعنى الفَرْض والبـيان من أهل التأويـل: ١٩٤٦٠ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، فـي قوله: وَفَرَضْناها يقول: بـيناها. ١٩٤٦١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: سُورَةٌ أنْزَلْناها وَفَرَضْناها قال: فرضناها لهذا الذي يتلوها مـما فرض فـيها. وقرأ فـيها: آياتٍ بَـيّناتٍ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ. و قوله: وأنْزَلْنا فِـيها آياتٍ بَـيّناتٍ يقول تعالـى ذكره: وأنزلنا فـي هذه السورة علامات ودلالات علـى الـحقّ بـينات، يعني واضحات لـمن تأملها وفكر فـيها بعقل أنها من عند اللّه ، فإنها الـحقّ الـمبـين، وإنها تهدي إلـى الصراط الـمستقـيـم. ١٩٤٦٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُريج: وأنْزَلْنا فِـيها آياتٍ بَـيّناتٍ قال: الـحلال والـحرام والـحدود. لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ يقول: لتتذكروا بهذه الاَيات البـينات التـي أنزلناها. |
﴿ ١ ﴾