١٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَقَدْ كَذّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً وَمَن يَظْلِم مّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً }.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عما هو قائل للـمشركين عند تبرّي من كانوا يعبدونه فـي الدنـيا من دون اللّه منهم: قد كذّبوكم أيها الكافرون من زعمتـم أنهم أضلوكم ودعوكم إلـى عبـادتهم بـما تَقُولُونَ يعني بقولكم، يقول: كذّبوكم بكذبكم.

وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٩٩٥١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد : فَقَدْ كَذّبُوكُمْ بِـمَا تَقُولُونَ يقول اللّه للذين كانوا يعبدون عيسى وعُزيزا والـملائكة، يكذّبون الـمشركين.

١٩٩٥٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد : فَقَدْ كَذّبوكُمْ بِـمَا تَقُولُونَ قال: عيسى وعُزير والـملائكة، يكذّبون الـمشركين بقوله م.

وكان ابن زيد يقول فـي تأويـل ذلك، ما:

١٩٩٥٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: فَقَدْ كَذّبُوكُمْ بِـمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعونَ صَرْفـا وَلا نَصْرا قال: كذّبوكم بـما تقولون بـما جاء من عند اللّه جاءت به الأنبـياء والـمؤمنون آمنوا به وكذب هؤلاء.

فوجه ابن زيد تأويـل قوله: فَقَدْ كَذّبُوكُمْ إلـى: فقد كذّبوكم أيها الـمؤمنون الـمكذّبون بـما جاءهم به مـحمد من عند اللّه بـما تقولون من الـحقّ، وهو أن يكون خبرا عن الذين كذّبوا الكافرين فـي زعمهم أنهم دعَوْهم إلـى الضلالة وأمروهم بها، علـى ما قاله مـجاهد من القول الذي ذكرنا عنه، أشبه وأولـى لأنه فـي سياق الـخبر عنهم. والقراءة فـي ذلك عندنا: فَقَدْ كَذّبُوكُمْ بِـمَا تَقُولُونَ بـالتّاء، علـى التأويـل الذي ذكرناه، لإجماع الـحجة من قرّاء الأمصار علـيه. وقد حُكي عن بعضهم أنه قرأه: (فَقَدْ كَذّبُوكُمْ بِـمَا يَقُولُونَ) بـالـياء، بـمعنى: فقد كذّبوكم بقوله م.

وقوله جلّ ثناؤه: فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفـا وَلا نَصْرا يقول: فما يستطيع هؤلاء الكفـار صرف عذاب اللّه حين نزل بهم عن أنفسهم، ولا نَصْرَها من اللّه حين عذّبها وعاقبها.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٩٥٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد : فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفـا وَلا نَصْرا قال: الـمشركون لا يستطيعونه.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد : فَمَا تَسْتَطيعُونَ صَرفـا وَلا نَصْرا قال: الـمشركون.

قال ابن جُرَيج: لا يستطيعون صرف العذاب عنهم، ولا نصر أنفسهم.

١٩٩٥٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْفـا وَلا نَصْرا قال: لا يستطيعون يصرفون عنهم العذاب الذي نزل بهم حين كُذّبوا، ولا أن ينتصروا. قال: وينادي منادٍ يوم القـيامة حين يجتـمع الـخلائق: ما لكم لا تناصرون؟ قال: من عبد من دون اللّه لا ينصر الـيوم من عبده، وقال العابدون من دون اللّه لا ينصره الـيوم إلهه الذي يعبد من دون اللّه ، فقال اللّه تبـارك وتعالـى: بَلْ هُمُ الـيَوْمَ مُسْتَسْلِـمُونَ. وقرأ قول اللّه جلّ ثناؤه: فإنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ.

ورُوي عن ابن مسعود فـي ذلك ما:

١٩٩٥٦ـ حدثنا به أحمد بن يونس، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا حجاج، عن هارون، قال: هي فـي حرف عبد اللّه بن مسعود: (فَمَا يَسْتَطِيعُونَ لَكَ صَرْفـا) .

فإن تكن هذه الرواية عنه صحيحة، صحّ التأويـل الذي تأوّله ابن زيد فـي قوله: فَقَدْ كَذّبُوكُمْ بِـمَا تَقُولُونَ، ويصير قوله: فَقَدْ كَذّبُوكُمْ خبرا عن الـمشركين أنهم كذّبوا الـمؤمنـين، ويكون تأويـل قوله حينئذٍ: فَمَا يَسْتَطِيعُونَ صَرْفـا وَلا نَصْرا فما يستطيع يا مـحمد هؤلاء الكفـار لك صرفـا عن الـحقّ الذي هداك اللّه له، ولا نصر أنفسهم، مـما بهم من البلاء الذي همّ فـيه، بتكذيبهم إياك.

يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين به: وَمَنْ يَظْلِـمْ منْكُمْ أيها الـمؤمنون يعني ب قوله: وَمَنْ يَظْلِـمْ ومن يشرك بـاللّه فـيظلـم نفسه فذلك نذقه عذابـا كبـيرا، كالذي ذكرنا أن نذيقه الذين كذّبوا بـالساعة.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٩٥٧ـ حدثنا القاسم، قال: ثنـي الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، فـي قوله: وَمَنْ يَظْلِـمْ مِنْكُمْ قال: يُشْرك نُذِقْهُ عَذَابـا كَبِـيرا.

١٩٩٥٨ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الـحسن، فـي قوله: وَمَنْ يَظْلِـمْ مِنْكُمْ قال: هو الشرك.

﴿ ١٩