تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة الشعراء

سورة الشعراء مكية

وآياتها سبع وعشرون ومائتان

بسم اللّه الرحمَن الرحيـم

١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {طسَمَ }.

قال أبو جعفر: وقد ذكرنا اختلاف الـمختلفـين فـيـما فـي ابتداء فواتـح سور القرآن من حروف الهجاء، وما انتزع به كلّ قائل منهم لقوله ومذهبه من العلة. وقد بـيّنا الذي هو أولـى بـالصواب من القول فـيه فـيـما مضى من كتابنا هذا بـما أغنى عن إعادته، وقد ذكر عنهم من الاختلاف فـي قوله: طسم وطس، نظير الذي ذكر عنهم فـي: آلـم والـمر والـمص. وقد:

٢٠١٨٦ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، فـي قوله طسم قال: فإنه قسم أقسمه اللّه ، وهو من أسماء اللّه .

٢٠١٨٧ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله طسم قال: اسم من أسماء القرآن.

٢

تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ

فتأويـل الكلام علـى قول ابن عباس والـجميع: إن هذه الاَيات التـي أنزلتها علـى مـحمد صلى اللّه عليه وسلم فـي هذه السورة لاَيات الكتاب الذي أنزلته إلـيه من قبلها الذي بـين لـمن تدبره بفهم، وفكّر فـيه بعقل، أنه من عند اللّه جلّ جلاله، لـم يتـخرّصه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم ، ولـم يتقوّله من عنده، بل أوحاه إلـيه ربه.

٣

و قوله: لَعَلّكَ بـاخِعٌ نَفْسَكَ أنْ لا يكُونُوا مُؤْمِنِـينَ

يقول تعالـى ذكره: لعلك يا مـحمد قاتل نفسك ومهلكها إن لـم يؤمن قومك بك، ويصدقوك علـى ما جئتهم به. والبخْع: هو القتل والإهلاك فـي كلام العرب ومنه قول ذي الرّمة:

ألا أيّهَذَا البـاخعُ الْوَجْدُ نَفْسَهُلشَيْءٍ نَـحَتْهُ عَنْ يَدَيْهِ الـمَقادِرُ

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠١٨٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس : بـاخِعٌ نَفْسَك: قاتل نفسك.

٢٠١٨٩ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله لَعَلّكَ بـاخعٌ نَفْسَكَ أنْ لا يكُونُوا مُؤْمِنِـينَ قال: لعلك من الـحرص علـى إيـمانهم مخرج نفسك من جسدك، قال: ذلك البخع.

٢٠١٩٠ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله لَعَلّكَ بـاخِعٌ نَفْسَكَ علـيهم حرصا، وأنْ من قوله: أنْ لا يَكُونُوا مُؤْمِنـينَ فـي موضع نصب ببـاخع، كما يقال: زرت عبد اللّه أن زارنـي، وهو جزاء ولو كان الفعل الذي بعد أنْ مستقبلاً لكان وجه الكلام فـي (أن) الكسر كما يقال أزور عبد اللّه إن يزورنـي.

٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِن نّشَأْ نُنَزّلْ عَلَيْهِمْ مّنَ السّمَآءِ آيَةً فَظَلّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ }.

اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: فَظَلّتْ أعْناقُهُمْ... الاَية، فقال بعضهم: معناه: فظلّ القوم الذين أنزل علـيهم من السماء آية خاضعة أعناقهم لها من الذَلّة. ذكر من قال ذلك:

٢٠١٩١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد فـي قوله: فَظَلّتْ أعْناقُهُمْ لَهَا خاضِعينَ قال: فظلوا خاضعة أعناقهم لها.

٢٠١٩٢ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله خاضِعِينَ قال: لو شاء اللّه لنزّل علـيه آية يذلون بها، فلا يَـلْوِي أحد عنقه إلـى معصية اللّه .

٢٠١٩٣ـ حدثنا القاسم قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج أنْ لا يَكُونُوا مُؤْمِنِـينَ إنْ نَشأْ نُنَزّلْ عَلَـيْهِمْ مِنَ السّماءِ آيَةً قال: لو شاء اللّه لأراهم أمرا من أمره لا يعمل أحد منهم بعده بـمعصية.

٢٠١٩٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: فَظَلّتْ أعْناقُهُمْ لَهَا خاضِعِينَ قال: ملقـين أعناقهم.

٢٠١٩٥ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فَظَلّتْ أعْناقُهُمْ لَهَا خاضِعِينَ قال: الـخاضع: الذلـيـل.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: فظلت سادتهم وكبراؤهم للاَية خاضعين، ويقول: الأعناق: هم الكبراء من الناس.

واختلف أهل العربـية فـي وجه تذكير خاضعين، وهو خبر عن الأعناق، فقال بعض نـحويّـي البصرة: يزعمون أن قوله أعْناقُهُمْ علـى الـجماعات، نـحو: هذا عنق من الناس كثـير، أو ذُكّركما يذكّر بعض الـمؤنث، كما قال الشاعر:

تَـمَزّزْتها والدّيكُ يَدْعُو صَبـاحَهُإذا ما بنو نَعْشٍ دَنَوْا فَتَصَوّبُوا

فجماعات هذا أعناق، أو يكون ذكره لإضافته إلـى الـمذكر كما يؤنث لإضافته إلـى الـمؤنث، كما قال الأعشى:

ونَشْرَقُ بـالقَوْل الّذي قَدْ أذَعْتَهكمَا شَرقَتْ صَدْرُ القَناةِ مِنَ الدّم

وقال العجاج:

لَـمّا رأى مَتْنَ السّماء أبْعَدَتْ وقال الفرزدق:

إذَا الْقُنْبُضَات السّود طَوّفْنَ بـالضحىرَقَدْنَ عَلَـيْهِنّ الـحِجالُ الـمَسَجّفُ

وقال الأعشى:

وَإنّ امْرَأً أهْدَى إلَـيْكِ وَدُونَهُمِنَ الأرْضِ يَهْماءٌ وَبَـيْدَاءُ خَيْفَقُ

لَـمَـحْقُوقَةٌ أن تَسْتَـجِيبِـي لِصَوْتِهِوأنْ تَعْلَـمِي أنّ الـمُعانَ الـمُوَفّقُ

قال: ويقولون: بنات نعش وبنو نعش، ويقال: بنات عِرس، وبنو عِرس وقالت امرأة: أنا امرؤ لا أخبر السرّ، قال: وذكر لرؤبة رجل فقال: هو كان أحد بنات مساجد اللّه ، يعني الـحَصَى. وكان بعض نـحويـي الكوفة يقول: هذا بـمنزلة قول الشاعر:

تَرَى أرْماحَهُمْ مُتَقَلدِيهاإذَا صَدِىءَ الـحَدِيدُ علـى الكُماةِ

فمعناه عنده: فظلت أعناقهم خاضعيها هم، كما يقال: يدك بـاسطها، بـمعنى: يدك بـاسطها أنت، فـاكتفـى بـما ابتدأ به من الاسم أن يكون، فصار الفعل كأنه للأوّل وهو للثانـي، وكذلك قوله: لـمـحقوقة أن تستـجيبـي لصوته إنـما هو لـمـحقوقة أنت، والـمـحقوقة: الناقة، إلا أنه عطفه علـى الـمرء لـما عاد بـالذكر. وكان آخر منهم يقول: الأعناق: الطوائف، كما يقال: رأيت الناس إلـى فلان عنقا واحدة، فـيجعل الأعناق الطوائف والعُصَب ويقول: يحتـمل أيضا أن تكون الأعناق هم السادة والرجال الكبراء، فـيكون كأنه

قـيـل: فظلت رؤوس القوم وكبراؤهم لها خاضعين، وقال: أحبّ إلـيّ من هذين الوجهين فـي العربـية أن يقال: إن الأعناق إذا خضعت فأربـابها خاضعون، فجعلْت الفعل أوّلاً للأعناق، ثم جَعَلْتَ خاضعين للرجال، كما قال الشاعر:

عَلـى قَبْضَة مَرْجُوّة ظَهْرُ كَفّهِفَلا الـمَرْءُ مُسْتَـحْيٍ وَلا هُوَ طاعِمُ

فأنث فعل الظهر، لأن الكفّ تـجمع الظهر، وتكفـي منه، كما أنك تكتفـي بأن تقول: خضعت لك، من أن تقول: خَضَعَتْ لك رقبتـي، وقال: ألا ترى أن العرب تقول: كل ذي عين ناظر وناظرة إلـيك، لأن قولك: نظرتْ إلـيك عينـي، ونظرتُ إلـيك بـمعنى واحد بترك كل، وله الفعل وبرده إلـى العين، فلو قلت: فظلت أعناقهم لها خاضعة، كان صوابـا.

قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب وأشبهها بـما قال أهل التأويـل فـي ذلك أن تكون الأعناق هي أعناق الرجال، وأن يكون معنى الكلام: فظلت أعناقهم ذلـيـلة، للاَية التـي ينزلها اللّه علـيهم من السماء، وأن يكون قوله (خاضعين) مذكرا، لأنه خبر عن الهاء والـميـم فـي الأعناق، فـيكون ذلك نظير قول جرير:

أرَى مَرّ السّنِـينَ أخَذْنَ مِنّـيكمَا أخَذَ السّرَارُ مِنَ الهِلالِ

وذلك أن قوله: مرّ، لو أسقط من الكلام، لأدى ما بقـي من الكلام عنه ولـم يفسد سقوطه معنى الكلام عما كان به قبل سقوطه، وكذلك لو أسقطت الأعناق من قوله: فظلت أعناقهم، لأدى ما بقـي من الكلام عنها، وذلك أن الرجال إذا ذلّوا، فقد ذلت رقابهم، وإذا ذلت رقابهم فقد ذلوا.

فإن قـيـل فـي الكلام: فظلوا لها خاضعين، كان الكلام غير فـاسد، لسقوط الأعناق، ولا متغير معناه عما كان علـيه قبل سقوطها، فصرف الـخبر بـالـخضوع إلـى أصحاب الأعناق، وإن كان قد ابتدأ بذكر الأعناق لـما قد جرى به استعمال العرب فـي كلامهم، إذا كان الاسم الـمبتدأ به، وما أضيف إلـيه يؤدّي الـخبر كلّ واحد منهما عن الاَخر.

٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا يَأْتِيهِم مّن ذِكْرٍ مّنَ الرّحْمَـَنِ مُحْدَثٍ إِلاّ كَانُواْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: وما يجيء هؤلاء الـمشركين الذين يكذّبونك ويجحدون ما أتـيتهم به يا مـحمد من عند ربك من تذكير وتنبـيه علـى مواضع حجج اللّه علـيهم علـى صدقك، وحقـيقة ما تدعوهم إلـيه مـما يحدثه اللّه إلـيك ويوحيه إلـيك، لتذكرهم به، إلا أعرضوا عن استـماعه، وتركوا إعمال الفكر فـيه وتدبره

٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَقَدْ كَذّبُواْ فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: فقد كذّب يا مـحمد هؤلاء الـمشركون بـالذكر الذي أتاهم من عند اللّه ، وأعرضوا عنه فَسَيَأْتِـيهِمْ أنْبـاءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ يقول: فسيأتـيهم أخبـار الأمر الذي كانوا يسخرون، وذلك وعيد من اللّه لهم أنه مـحلّ بهم عقابه علـى تـماديهم فـي كفرهم، وتـمرّدهم علـى ربهم.

٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الأرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ }.

يقول تعالـى ذكره: أَوَ لـم ير هؤلاء الـمشركون الـمكذّبون بـالبعث والنشر إلـى الأرض كم أنبتنا فـيها بعد أن كانت ميتة لا نبـات فـيها مِنْ كُلّ زَوْجٍ كَرِيـمٍ يعني بـالكريـم: الـحسن، كما يقال للنـخـلة الطيبة الـحمل: كريـمة، وكما يقال للشاة أو الناقة إذا غزرتا، فكثرت ألبـانهما: ناقة كريـمة، وشاة كريـمة. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠١٩٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنـي أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه : أنْبَتْنا فِـيها منْ كُلّ زَوْجٍ كَرِيـمٍ قال: من نبـات الأرض، مـما تأكل الناس والأنعام.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله.

٢٠١٩٧ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله مِنْ كُلّ زَوْج كَرِيـمٍ قال: حسن.

٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مّؤْمِنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: إن فـي إنبـاتنا فـي الأرض من كلّ زوج كريـم لاَية. يقول: لدلالة لهؤلاء الـمشركين الـمكذّبـين بـالبعث، علـى حقـيقته، وأن القدرة التـي بها أنبت اللّه فـي الأرض ذلك النبـات بعد جُدُوبها، لن يُعجزه أن يُنْشِر بها الأموات بعد مـماتهم، أحياء من قبورهم.

و قوله: وَما كانَ أكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِـينَ يقول: وما كان أكثر هؤلاء الـمكذّبـين بـالبعث، الـجاحدين نبوّتك يا مـحمد، بـمصدقـيك علـى ما تأتـيهم به من عند اللّه من الذكر.

يقول جلّ ثناؤه: وقد سبق فـي عملـي أنهم لا يؤمنون، فلا يؤمن بك أكثرهم للسابق من علـمي فـيهم.

٩

و قوله: وَإنّ رَبّكَ لَهُوَ العَزِيزُ الرّحِيـمُ يقول: وإن ربك يا مـحمد لهو العزيز فـي نقمته، لا يـمتنع علـيه أحد أراد الانتقام منه.

يقول تعالـى ذكره: وإنـي إن أحللت بهؤلاء الـمكذّبـين بك يا مـحمد، الـمعرِضين عما يأتـيهم من ذكر من عندي، عقوبتـي بتكذيبهم إياك، فلن يـمنعهم منـي مانع، لأنـي أنا العزيز الرحيـم، يعني أنه ذو الرحمة بـمن تاب من خـلقه من كفره ومعصيته، أن يعاقبه علـى ما سلف من جُرْمه بعد توبته. وكان ابن جُرَيج يقول فـي معنى ذلك، ما:

٢٠١٩٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي الـحجاج، عن ابن جُرَيج قال: كلّ شيء فـي الشعراء من قوله (عَزِيزٌ رَحِيـمٌ) فهو ما أهلك مـمن مضى من الأمـم، يقول عزيز، حين انتقم من أعدائه، رحيـم بـالـمؤمنـين، حين أنـجاهم مـما أهلك به أعداءه.

قال أبو جعفر: وإنـما اخترنا القول الذي اخترناه فـي ذلك فـي هذا الـموضع، لأن قوله: وَإنّ رَبّكَ لَهُوَ العَزِيزُ الرّحِيـمُ عقـيب وعيد اللّه قوما من أهل الشرك والتكذيب بـالبعث، لـم يكونوا أهلكوا، فـيوجه إلـى أنه خبر من اللّه عن فعله بهم وإهلاكه. ولعلّ ابن جُرَيج بقوله هذا أراد ما كان من ذلك عقـيب خبر اللّه عن إهلاكه من أهلك من الأمـم، وذلك إن شاء اللّه إذا كان عقـيب خبرهم كذلك.

١٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ نَادَىَ رَبّكَ مُوسَىَ أَنِ ائْتَ الْقَوْمَ الظّالِمِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: واذكر يا مـحمد إذ نادى ربك موسى بن عمران أنِ ائْتِ القَوْمَ الظّالِـمِينَ يعني الكافرين

١١

قوم فرعون، ونصب القوم الثانـي ترجمة عن القوم الأوّل،

وقوله ألا يَتّقُونَ يقول: ألا يتقون عقاب اللّه علـى كفرهم به. ومعنى الكلام: قوم فرعون فقل لهم: ألا يتقون. وترك إظهار فقل لهم لدلالة الكلام علـيه. وإنـما

قـيـل: ألا يتقون بـالـياء، ولـم يقل ألا تتقون بـالتاء، لأن التنزيـل كان قبل الـخطاب، ولو جاءت القراءة فـيها بـالتاء كان صوابـا، كما

قـيـل: قُلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا سيُغلبونَ و(ستُغلبونَ) .

١٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ رَبّ إِنّيَ أَخَافُ أَن يُكَذّبُونِ }.

يقول تعالـى ذكره: قالَ موسى لربه رَبّ إنّـي أخافُ من قوم فرعون الذين أمرتنـي أن آتـيهم أنْ يُكَذّبُونِ بقـيـلـي لهم: إنك أرسلتنـي إلـيهم

١٣

وَيَضِيقُ صَدْرِي من تكذيبهم إياي إن كّذبونـي. ورفع قوله: وَيَضيقُ صَدْرِي عطفـا به علـى أخاف، وبـالرفع فـيه قرأته عامة قرّاء الأمصار، ومعناه: وإنـي يضيق صدري.

و قوله: وَلا يَنْطَلقُ لسانِـي يقول: ولا ينطلق بـالعبـارة عما ترسلنـي به إلـيهم، للعلة التـي كانت بلسانه.

و قوله: وَلا يَنْطَلق لِسانِـي كلام معطوف به علـى يضيق.)

و قوله: فأَرْسِلْ إلـى هارُونَ يعني هارون أخاه، ولـم يقل: فأرسل إلـيّ هارون لـيؤازرنـي ولـيعيننـي، إذ كان مفهوما معنى الكلام، وذلك كقول القائل: لو نزلت نازلة لفزعنا إلـيك، بـمعنى: لفزعنا إلـيك لعتـيننا.)

١٤

و قوله: ولَهُمْ عَلـيّ ذَنْبٌ يقول: ولقوم فرعون علـيّ دعوى ذنب أذنبت إلـيهم، وذلك قتله النفس التـي قتلها منهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل.) ذكر من قال ذلك:

٢٠١٩٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: ثنـي عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: ولَهُمْ عَلـيّ ذَنْبٌ فأخافُ أنْ يَقْتُلُونِ قال: قتل النفس التـي قتل منهم.

حدثنا القاسم، قال: ثنـي الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قال: قتْل موسى النفس.

٢٠٢٠٠ـ قال: ثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة ، قوله وَلهُمْ عَلـيّ ذَنْبٌ قال: قتل النفس.

و قوله: فَأخافُ أنْ يَقْتُلُونِ يقول: فأخاف أن يقتلونـي قودا بـالنفس التـي قتلت منهم.

١٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ كَلاّ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَآ إِنّا مَعَكُمْ مّسْتَمِعُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: كَلاّ: أي لن يقتلك قوم فرعون فـاذْهَبـا بآياتِنا يقول: فـاذهب أنت وأخوك بآياتنا، يعني بأعلامنا وحججنا التـي أعطيناك علـيهم.

و قوله: إنّا مَعَكُمْ مُسْتَـمعُون من قوم فرعون ما يقولون لكم، ويجيبونكم به.

١٦

و قوله: فَأْتِـيا فِرْعَوْنَ فَقُولا... الاَية، يقول: فأت أنت يا موسى وأخوك هارون فرعون فَقُولا إنّا رَسُولُ رَبّ العالَـمينَ إلـيك ب

١٧

 أنْ أرْسِلْ مَعَنا بَنِـي إسْرائِيـلَ وقال رسول ربّ العالـمين، وهو يخاطب اثنـين بقوله فقولا، لأنه أراد به الـمصدر من أرسلت، يقال: أرسلت رسالة ورسولاً، كما قال الشاعر:

لقَدْ كَذَبَ الوَاشُونَ ما بُحْتُ عِندَهمْبِسُوءٍ وَلا أرْسَلْتُهُمْ بِرَسُول

 يعني برسالة، وقال الاَخر:

ألا مَنْ مُبْلِغٌ عَنّـي خُفـافـارَسُولاً بَـيْتُ أَهْلِكَ مُنْتَهاها

 يعني ب قوله: رسولاً: رسالة، فأنث لذلك الهاء.

١٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ أَلَمْ نُرَبّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ }.

وفـي هذا الكلام مـحذوف استغنـي بدلالة ما ظهر علـيه منه، وهو: فأتـيا فرعون فأبلغاه رسالة ربهما إلـيه، فقال فرعون: ألـم نر بك فـينا يا موسى ولـيدا، ولبثت فـينا من عمرك سنـين؟ وذلك مكثه عنده قبل قتل القتـيـل الذي قتله من القبط، (وفعلت فعلتك التـي فعلت) يعني : قتله النفس التـي قتل من القبط. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٠١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ،

١٩

قوله: وَفَعَلْتَ فعْلَتَكَ التـي فَعَلْتَ وأنْتَ مِنَ الكافِرِينَ قال فعلتها إذا وأنا من الضالـين. قال: قتل النفس.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله.

وإنـما قـيـل وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ لأنها مرّة واحدة، ولا يجوز كسر الفـاء إذا أريد بها هذا الـمعنى. وذُكر عن الشعبـي أنه قرأ ذلك: (وَفَعَلْتَ فِعْلَتَكَ) بكسر الفـاء، وهي قراءة لقرّاءة القرّاء من أهل الأمصار مخالفة.

و قوله: وأنْتَ مِنَ الكافِرِينَ اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: وأنت من الكافرين بـاللّه علـى ديننا. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٠٢ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ التـي فَعَلْتَ وأنْتَ مِنَ الكافِرِينَ يعني علـى ديننا هذا الذي تعيب.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأنت من الكافرين نعمتنا علـيك. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٠٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ التـي فَعَلْتَ وأنْتَ مِنَ الكافِرِينَ قال: ربـيناك فـينا ولـيدا، فهذا الذي كافأتنا أن قتلت منا نفسا، وكفرت نعمتنا

٢٠٢٠٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس وأنْتَ مِنَ الكافِرِينَ يقول: كافرا للنعمة لأن فرعون لـم يكن يعلـم ما الكفر.

قال أبو جعفر: وهذا القول الذي قاله ابن زيد أشبه بتأويـل الاَية، لأن فرعون لـم يكن مقرّا للّه بـالربوبـية وإنـما كان يزعم أنه هو الربّ، فغير جائز أن يقول لـموسى إن كان موسى كان عنده علـى دينه يوم قتل القتـيـل علـى ما قاله السديّ: فعلت الفعلة وأنت من الكافرين، الإيـمان عنده: هو دينه الذي كان علـيه موسى عنده، إلا أن يقول قائل: إنـما أراد: وأنت من الكافرين يومئذ يا موسى، علـى قولك الـيوم، فـيكون ذلك وجها يتوجه. فتأويـل الكلام إذن: وقتلت الذي قتلت منا وأنت من الكافرين نعمتنا علـيك، وإحساننا إلـيك فـي قتلك إياه. وقد

قـيـل: معنى ذلك: وأنت الاَن من الكافرين لنعمتـي علـيك، وتربـيتـي إياك.

٢٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ الضّالّينَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال موسى لفرعون: فعلت تلك الفعلة التـي فعلت، أي قتلت تلك النفس التـي قتلتُ إذن وأنا من الضالـين. يقول: وأنا من الـجاهلـين قبل أن يأتـينـي من اللّه وحي بتـحريـم قتله علـيّ. والعرب تضع من الضلال موضع الـجهل، والـجهل موضع الضلال، فتقول: قد جهل فلان الطريق وضلّ الطريق، بـمعنى واحد. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٠٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وأنا مِنَ الضّالّـينَ قال: من الـجاهلـين.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله. قال ابن جُرَيج: وفـي قراءة ابن مسعود: (وأنا مِنَ الـجاهِلِـينَ) .

٢٠٢٠٦ـ قال: ثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة وأنا مِنَ الضّالّـينَ قال: من الـجاهلـين.

٢٠٢٠٧ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله وأنْتَ مِنَ الكافِرِينَ فقال موسى: لـم أكفر، ولكن فعلتها وأنا من الضالـين. وفـي حرف ابن مسعود: (فَعَلْتُها إذا وأنا مِنَ الـجاهِلِـينَ) .

٢٠٢٠٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: قالَ فَعَلْتُها إذا وأنا مِنَ الضّالـينَ قبل أن يأتـينـي من اللّه شيء كان قتلـى إياه ضلالة خطأ. قال: والضلالة ههنا الـخطأ، لـم يقل ضلاله فـيـما بـينه وبـين اللّه .

٢٠٢٠٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس قال فَعَلْتُها إذا وأنا مِنَ الضّالّـينَ يقول: وأنا من الـجاهلـين.

٢١

وقوله فَفَرَرْت مِنْكُمْ لَـمّا خِفْتُكُمْ... الاَية،

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل موسى لفرعون: فَفَرَرْتُ مِنْكُم معشر الـملأ من قوم فرعون لَـمّا خِفْتُكُمْ أن تقتلونـي بقتلـي القتـيـل منكم فَوَهَبَ لِـي رَبّـي حُكْما يقول: فوهب لـي ربـي نبوّة وهي الـحكم. كما.

٢٠٢١٠ـ حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط عن السدّيّ فَوَهَبَ لـي رَبّـي حُكْما والـحكم: النبوّة.

و قوله: وَجَعَلَنِـي مِنَ الـمُرْسَلِـينَ يقول: وألـحقنـي بعداد من أرسله إلـى خـلقه، مبلغا عنه رسالته إلـيهم بإرساله إياي إلـيك يا فرعون.

٢٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنّهَا عَلَيّ أَنْ عَبّدتّ بَنِي إِسْرَائِيلَ }.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل نبـيه موسى صلى اللّه عليه وسلم لفرعون وَتِلكَ نِعْمَةٌ تَـمُنّها عَلـيّ يعني ب قوله: وتلك تربـية فرعون إياه، يقول: وتربـيتك إياي، وتركك استعبـادي، كما استعبدت بنـي إسرائيـل نعمة منك تـمنها علـيّ بحقّ. وفـي الكلام مـحذوف استغنـي بدلالة ما ذكر علـيه عنه، وهو: وتلك نعمة تـمنها علـيّ أن عبّدت بنـي إسرائيـل وتركتنـي، فلـم تستعبدنـي، فترك ذكر (وتركتنـي) لدلالة قوله أن عبّدتّ بنـي إسرائيـل علـيه، والعرب تفعل ذلك اختصارا للكلام، ونظير ذلك فـي الكلام أن يستـحقّ رجلان من ذي سلطان عقوبة، فـيعاقب أحدهما، ويعفو عن الاَخر، فـيقول الـمعفوّ عنه هذه نعمة علـيّ من الأمير أن عاقب فلانا، وتركنـي، ثم حذف (وتركنـي) لدلالة الكلام علـيه، ولأن فـي قوله: أنْ عبّدتّ بَنِـي إسْرائِيـلَ وجهين: أحدهما النصب، لتعلق (تـمنها) بها، وإذا كانت نصبـا كان معنى الكلام: وتلك نعمة تـمنها علـيّ لتعبدك بنـي إسرائيـل. والاَخر: الرفع علـى أنها ردّ علـى النعمة. وإذا كانت رفعا كان معنى الكلام: وتلك نعمة تـمنها علـيّ تعبـيدك بنـي إسرائيـل. و يعني ب قوله: أنْ عَبّدتّ بَنِـي إسْرَائِيـلَ: أن اتـخذتهم عبـيدا لك. يقال منه: عبدت العبـيد وأعبدتهم، قال الشاعر:

عَلامَ يُعْبِدنِـي قَوْمِي وقدْ كَثُرَتْفِـيها أبـاعِرُ ما شاءُوا وَعُبْدَانُ

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢١١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد تـمُنّها عَلـيّ أنْ عَبّدتّ بَنِـي إسْرَائِيـلَ قال: قهرتهم واستعملتهم.

٢٠٢١٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: تـمن علـيّ أن عبّدت بنـي إسرائيـل، قال: قهرت وغلبت واستعملت بنـي إسرائيـل.

٢٠٢١٣ـ حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَـمُنّها عَلـيّ أنْ عَبّدتّ بَنِـي إسْرَائِيـلَ وربـيتنـي قبل ولـيدا.

وقال آخرون: هذا استفهام كان من موسى لفرعون، كأنه قال: أتـمنّ علـيّ أن اتـخذت بنـي إسرائيـل عبـيدا. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢١٤ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَـمُنّها عَلـيّ قال: يقول موسى لفرعون: أتـمنّ علـيّ أن اتـخذت أنت بنـي إسرائيـل عبـيدا.

واختلف أهل العربـية فـي ذلك، فقال بعض نـحويـي البصرة: وتلك نعمة تـمنها علـيّ، فـيقال: هذا استفهام كأنه قال: أتـمنها علـيّ؟ ثم فسر فقال: أنْ عَبّدتّ بَنِـي إسْرَائِيـلَ وجعله بدلاً من النعمة. وكان بعض أهل العربـية ينكر هذا القول، ويقول: هو غلط من قائله لا يجوز أن يكون همز الاستفهام يـلقـي، وهو يطلب، فـيكون الاستفهام كالـخبر، قال: وقد استقبح ومعه أم، وهي دلـيـل علـى الاستفهام واستقبحوا:

تَرُوحُ منَ الـحَيّ أمْ تَبْتَكرْوَماذاَ يَضُرّكَ لَوْ تَنْتَظرْ؟

قال: وقال بعضهم: هو أتروح من الـحيّ، وحذف الاستفهام أوّلا اكتفـاء بأم. وقال أكثرهم: بل الأوّل خبر، والثانـي استفهام، وكأن (أم) إذا جاءت بعد الكلام فهي الألف، فأما ولـيس معه أم، فلـم يقله إنسان. وقال بعض نـحويـي الكوفة فـي ذلك ما قلنا. وقال: معنى الكلام: وفعلت فعلتك التـي فعلت وأنت من الكافرين لنعمتـي: أي لنعمة تربـيتـي لك، فأجابه فقال: نعم هي نعمة علـيّ أن عبّدت الناس ولـم تستعبدنـي.

٢٣

وقول قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبّ الْعالَـمينَ يقول: وأيّ شيء ربّ العالـمين؟

٢٤

قالَ موسى هو رَبّ السّمَوَاتِ والأرْضِ ومالكهنّ وَما بَـيْنَهُما يقول: ومالك ما بـين السموات والأرض من شيء إنْ كُنْتُـمْ مُوقِنـينَ يقول: إن كنتـم موقنـين أن ما تعاينونه كما تعاينونه، فكذلك فأيقنوا أن ربنا هو ربّ السموات والأرض وما بـينهما.

٢٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلاَ تَسْتَمِعُونَ }.

 يعني تعالـى ذكره بقوله قالَ لِـمَنْ حَوْلَهُ ألا تَسْتَـمِعُونَ قال فرعون لـمن حوله من قوله: ألا تستـمعون لـما يقول موسى، فأخبر موسى علـيه السلام القوم بـالـجواب عن مسئلة فرعون إياه وقـيـله له وَما رَبّ العالَـمِينَ لـيفهم بذلك قوم فرعون مقالته لفرعون، وجوابه إياه عما سأله، إذ قال لهم فرعون ألا تَسْتَـمِعُونَ إلـى قول موسى،

٢٦

فقال لهم الذي دعوته إلـيه وإلـى عبـادته رَبّكُمْ الذي خـلقكم وَرَبّ آبـائِكُمُ الأوّلـينَ فقال فرعون لـما قال لهم موسى ذلك، وأخبرهم عما يدعو إلـيه فرعون وقومه:

٢٧

قال إنّ رَسُولَكُمُ الّذِي أُرْسِلَ إلَـيْكُمْ لَـمَـجْنُون يقول: إن رسولكم هذا الذي يزعم أنه أرسل إلـيكم لـمغلوب علـى عقله، لأنه يقول قولاً لا نعرفه ولا نفهمه، وإنـما قال ذلك ونسب موسى عدوّ اللّه إلـى الـجِنّة، لأنه كان عنده وعند قومه أنه لا ربّ غيره يعبد، وأن الذي يدعوه إلـيه موسى بـاطل لـيست له حقـيقة،

٢٨

فقال موسى عند ذلك مـحتـجا علـيهم، ومعرّفهم ربهم بصفته وأدلته، إذ كان عند قوم فرعون أن الذي يعرفونه ربـا لهم فـي ذلك الوقت هو فرعون، وأن الذي يعرفونه لاَبـائهم أربـابـا ملوك أخر، كانوا قبل فرعون، قد مضوا فلـم يكن عندهم أن موسى أخبرهم بشيء له معنى يفهمونه ولا يعقلونه، ولذلك قال لهم فرعون: إنه مـجنون، لأن كلامه كان عندهم كلاما لا يعقلون معناه:

الذي أدعوكم وفرعون إلـى عبـادته رب الـمشرق والـمغرب وما بـينهما يعني ملك مشرق الشمس ومغربها، وما بـينهما من شيء لا إلـى عبـادة ملوك مصر الذين كانوا ملوكها قبل فرعون لاَبـائكم فمضوا، ولا إلـى عبـادة فرعون الذي هو ملكها إنْ كُنْتُـمْ تَعْقِلُونَ يقول: إن كان لكم عقول تعقلون بها ما يقال لكم، وتفهمون بها ما تسمعون مـما يعين لكم.

فلـما أخبرهم علـيه السلام بـالأمر الذي علـموا أنه الـحق الواضح، إذ كان فرعون ومن قبله من ملوك مصر لـم يجاوز ملكهم عريش مصر، وتبـين لفرعون ومن حوله من قومه أن الذي يدعوهم موسى إلـى عبـادته، هو الـملك الذي يـملك الـملوك.

٢٩

قال فرعون حينئذ استكبـارا عن الـحقّ، وتـماديا فـي الغيّ لـموسى: لَئنِ اتّـخَذْتَ آلها غَيْرِي يقول: لئن أقررت بـمعبود سواي لأَجْعَلَنّكَ مِنَ الـمَسْجُونِـينَ يقول: لأسجننك مع من فـي السجن من أهله.

٣٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مّبِينٍ }.

يقول تعالـى ذكره: قال موسى لفرعون لـما عرفه ربه، وأنه ربّ الـمشرق والـمغرب، ودعاه إلـى عبـادته وإخلاص الألوهة له، وأجابه فرعون بقوله لَئِنِ اتّـخَذْتَ إلَهَا غَيْرِي لأَجْعَلَنّكَ مِنَ الـمَسْجُونِـينَ: أتـجعلنـي من الـمسجونـين وَلَوْ جِئْتُكَ بشَيْءٍ مُبـينٍ يبـين لك صدق ما أقول يا فرعون وحقـيقة ما أدعوك إلـيه؟ وإنـما قال ذلك له، لأن من أخلاق الناس السكون للإنصاف، والإجابة إلـى الـحقّ بعد البـيان فلـما قال موسى له ما قال من ذلك،

٣١

قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ

قال له فرعون: فأت بـالشيء الـمبـين حقـيقة ما تقول، فإنا لن نسجنك حينئذ إن اتـخذت إلها غيري إن كنت من الصادقـين: يقول: إن كنت مـحقا فـيـما تقول، وصادقا فـيـما تصف وتـخبر. فأَلْقَـى عَصَاهُ فإذَا هيَ ثُعْبـانٌ مُبـينٌ

٣٢

 

يقول جلّ ثناؤه: فألقـى موسى عصاه فتـحوّلت ثعبـانا، وهي الـحية الذكر كما قد بـيّنت فـيـما مضى قبل من صفته وقوله مُبِـينٌ يقول: يبـين لفرعون والـملأ من قومه أنه ثعبـان. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢١٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر بن عبد اللّه ، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس ، قوله فَأَلْقَـى عَصَاهُ فإذَا هِيَ ثُعْبـانٌ مُبِـينٌ يقول: مبـين له خـلق حية.

٣٣

و قوله: وَنَزَعَ يَدَه فإذَا هيَ بَـيْضَاءُ يقول: وأخرج موسى يده من جيبه فإذا هي بـيضاء تلـمع للنّاظرِينَ لـمن ينظر إلـيها ويراها.

٢٠٢١٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثام بن علـيّ، قال: حدثنا الأعمش، عن الـمنهال، قال: ارتفعت الـحية فـي السماء قدر ميـل، ثم سفلت حتـى صار رأس فرعون بـين نابـيها، فجعلت تقول: يا موسى مرنـي بـما شئت، فجعل فرعون يقول: يا موسى أسألك بـالذي أرسلك، قال: فأخذه بطنه.

٣٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنّ هَـَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ }.

يقول تعالـى ذكره: قال فرعون لـما أراه موسى من عظيـم قدرة اللّه وسلطانه حجة علـيه لـموسى بحقـيقة ما دعاه إلـيه، وصدق ما أتاه به من عند ربه للْـمَلإِ حَوْلَه يعني لأشراف قومه الذين كانوا حوله: إنّ هَذَا لَساحِرٌ عَلِـيـمٌ يقول: إن موسى سحر عصاه حتـى أراكموها ثعبـانا عَلِـيـمٌ، يقول: ذو علـم بـالسحر وبصر به يُرِيدُ أنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ

٣٥

يقول: يريد أن يخرج بنـي إسرائيـل من أرضكم إلـى الشأم بقهره إياكم بـالسحر. وإنـما قال: يريد أن يخرجكم فجعل الـخطاب للـملإ حوله من القبط، والـمعنـيّ به بنو إسرائيـل، لأن القبط كان قد استعبدوا بنـي إسرائيـل، واتـخذوهم خدما لأنفسهم ومُهّانا، فلذلك قال لهم: يُرِيدُ أنْ يُخْرِجَكُمْ وهو يريد: أن يخرج خدمكم وعبـيدكم من أرض مصر إلـى الشأم.

وإنـما قلت معنى ذلك كذلك، لأن اللّه إنـما أرسل موسى إلـى فرعون يأمره بإرسال بنـي إسرائيـل معه، فقال له ولأخيه فَأْتِـيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إنّا رَسُولُ رَبّ العالَـمِينَ أنْ أرْسِلْ مَعَنا بَنـي إسْرائِيـلَ.

و قوله: فَمَاذَا تَأْمُرُونَ يقول: فأيّ شيء تأمرون فـي أمر موسى وما به تشيرون من الرأي فـيه؟

٣٦

قالُوا أَرْجِهْ وأخاهُ، وَابْعَثْ فـي الـمَدَائِنِ حاشِرِينَ

يقول تعالـى ذكره: فأجاب فرعون الـملأ حوله بأن قالوا له: أخّر موسى وأخاه وأنِظره، وابعث فـي بلادك وأمصار مصر حاشرين

٣٧

أْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ

يحشرون إلـيك كل سحّار علـيـم بـالسحر.

٣٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَجُمِعَ السّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مّعْلُومٍ }.

يقول تعالـى ذكره: فجمع الـحاشرون الذين بعثهم فرعون بحشر السحرة لِـميقاتِ يَوْم مَعْلُومٍ يقول: لوقت واعد فرعون لـموسى الاجتـماع معه فـيه من يوم معلوم، وذلك يوم الزّينة وَأَنْ يُحْشرَ النّاسُ ضُحَى

٤٠

وقـيـل للناس هل أنتـم مـجتـمعون لتنظروا إلـى ما يفعل الفريقان، ولـمن تكون الغلبة، لـموسى أو للسحرة؟ فلعلنا نتبع السحرة. ومعنى لعلّ هنا: كي. يقول: كي نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبـين موسى. وإنـما قلت ذلك معناها، لأن قوم فرعون كانوا علـى دين فرعون، فغير معقول أن يقول من كان علـى دين: أنظر إلـى حجة من هو علـى خلافـي لعلـي أتبع دينـي، وإنـما يقال: أنظر إلـيها كي أزدادَ بصيرة بدينـي، فأقـيـم علـيه. وكذلك قال قوم فرعون، فإياها عنوا بقـيـلهم: لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبـين. و

قـيـل: إن اجتـماعهم للـميقات الذي اتعد للاجتـماع فـيه فرعون وموسى كان بـالإسكندرية. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢١٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَقِـيـلَ للنّاسِ هَلْ أنْتُـمْ مُـجْتَـمِعُونَ قال: كانوا بـالإسكندرية، قال: ويقال: بلغ ذنب الـحية من وراء البحيرة يومئذ، قال: وهربوا وأسلـموا فرعون وهمت به، فقال: فخذها يا موسى، قال: فكان فرعون مـما يـلـي الناس منه أنه كان لا يضع علـى الأرض شيئا، قال: فأحدث يومئذ تـحته، قال: وكان إرساله الـحية فـي القبة الـحمراء.

٤١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا جَآءَ السّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَإِنّ لَنَا لأجْراً إِن كُنّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: فَلَـمّا جاءَ السّحَرَةُ فرعون لوعد لـموسى وموعد فرعون قالُوا لِفرْعَوْنَ أئِنّ لَنا لأَجْرا سحرنا قبلك إنْ كُنّا نَـحْنُ الغالِبِـينَ موسى،

٤٢

قالَ فرعون لهم نَعَمْ لكم الأجر علـى ذلك وَإنّكُمْ لَـمِنَ الـمُقَرّبِـينَ منا.

٤٣

فقالوا عند ذلك لـموسى: إما أن تلقـى، وإما أن نكون نـحن الـملقـين، وترك ذكر قـيـلهم ذلك لدلالة خبر اللّه عنهم أنهم قال لهم موسى: ألقوا ما أنتـم ملقون، علـى أن ذلك معناه ف قالَ لَهُمْ مُوسَى ألْقُوا ما أنْتُـمْ مُلْقُونَ من حبـالكم وعصيكم

٤٤

فَأَلَقُوا حِبـالَهُمْ وَعِصِيّهُمْ من أيديهم وَقالُوا بعزّةِ فرْعَوْنَ يقول: أقسموا بقوّة فرعون وشدّة سلطانه، ومنعة مـملكته إنّا لَنَـحْنُ الغالِبُونَ موسى.

٤٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَأَلْقَىَ مُوسَىَ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: فَأْلَقـى مُوسَى عَصَاهُ حين ألقت السحرة حبـالهم وعصيهم، فَإذَا هيَ تَلْقَـفُ مَا يأْفِكُونَ يقول: فإذا عصا موسى تزدرد ما يأتون به من الفِرْية والسحر الذي لا حقـيقة له، وإنـما هو مخايـيـل وخدعة

٤٦

فَأُلْقِـيَ السّحَرَة ساجدِينَ يقول: فلـما تبـين السحرة أن الذي جاءهم به موسى حقّ لا سحر، وأنه مـما لا يقدر علـيه غير اللّه الذي فطر السموات والأرض من غير أصل، خرّوا لوجوههم سجدا للّه، مذعنـين له بـالطاعة، مقرّين لـموسى بـالذي أتاهم به من عند اللّه أنه هو الـحقّ، وأن ما كانوا يعملونه من السحر بـاطل،

٤٧

قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ قائلـين: آمَنّا بِرَبّ الْعَالَـمِينَ الذي دعانا موسى إلـى عبـادته دون فرعون وملئه

٤٨

رَبّ مُوسَى وَهَارُونَ.

٤٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنّهُ لَكَبِيرُكُمُ الّذِي عَلّمَكُمُ السّحْرَ ...}.

قالَ آمَنْتُـمْ لَهُ قَبْلَ أنْ آذَنَ لَكُمْ

يقول جلّ ثناؤه: قال فرعون للذين كانوا سحرته فآمنوا: آمنتـم لـموسى بأن ما جاء به حقّ قبل أن آذن لكم فـي الإيـمان به

إنّهُ لَكَبِـيرُكُمُ الّذِي عَلّـمَكُمُ السّحْرَ يقول: إن موسى لرئيسكم فـي السحر، وهو الذي علّـمكموه، ولذلك آمنتـم به،

فَلَسَوْفَ تَعْلـمَونُ عند عقابـي إياكم وبـالَ ما فعلتـم، وخطأ ما صنعتـم من الإيـمان به.

يقول لأُقَطّعَنّ أيْديَكُمْ وأرْجُلَكُمْ مخالفـا فـي قطع ذلك منكم بـين قطع الأيدي والأرجل، وذلك أن أقطع الـيد الـيـمنى والرجل الـيسرى، ثم الـيد الـيسرى والرجل الـيـمنى، ونـحو ذلك من قطع الـيد من جانب، ثم الرجل من الـجانب الاَخر، وذلك هو القطع من خلاف وَلأُصَلّبَنّكُمْ أجَمعِينَ فوكد ذلك بأجمعين إعلاما منه أنه غير مستبقٍ منهم أحدا

٥٠

قالُوا لا ضَيْرَ

يقول تعالـى ذكره: قالت السحرة: لا ضير علـينا وهو مصدر من قول القائل: قد ضار فلانٌ فلانا فهو يضير ضيرا، ومعناه: لا ضرر. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢١٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: لا ضَيْرَ قال: يقول: لا يْضرّنا الذي تقول، وإن صنعته بنا وصلبتنا إنّا إلـى رَبّنا مُنْقَلِبُونَ يقول: إنا إلـى ربنا راجعون، وهو مـجازينا بصبرنا علـى عقوبتك إيانا، وثبـاتنا علـى توحيده، والبراءة من الكفر به.

٥١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبّنَا خَطَايَانَآ أَن كُنّآ أَوّلَ الْمُؤْمِنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل السحرة: إنا نطمع: إنا نرجو أن يصفح لنا ربنا عن خطايانا التـي سلفت منا قبل إيـماننا به، فلا يعاقبنا بها. كما:

٢٠٢١٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله إنّا نَطْمَعُ أنْ يَغْفِرَ لَنا رَبّنا خَطايانا قال: السحر والكفر الذي كانوا فـيه أنْ كُنّا أوّلَ الـمُؤْمِنِـينَ يقول: لأن كنا أوّل من آمن بـموسى وصدّقه بـما جاء به من توحيد اللّه وتكذيب فرعون فـي ادّعائه الربوبـية فـي دهرنا هذا وزماننا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله أنْ كُنّا أوّلَ الـمُؤْمِنِـينَ قال: كانوا كذلك يومئذ أوّل من آمن بآياته حين رأوها.

٥٢

و قوله: وأوْحَيْنا إلـى مَوسَى أنْ أسْرِ بعِبـادِي يقول: وأوحينا إلـى موسى إذ تـمادى فرعون فـي غيّه وأبى إلا الثبـات علـى طغيانه بعد ما أريناه آياتنا، أن أَسْرِ بعبـادي: يقول: أن سر ببنـي إسرائيـل لـيلاً من أرض مصر إنّكُمْ مُتّبَعُونَ إن فرعون وجنده متبعوك وقومك من بنـي إسرائيـل، لـيحولوا بـينكم وبـين الـخروج من أرضهم، أرض مصر.

٥٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: فأرسل فرعون فـي الـمدائن يحشر له جنده وقومه،

٥٤

ويقول لهم إنّ هَؤُلاءِ يعني بهؤلاء: بنـي إسرائيـل لَشِرْذِمَةٌ قَلِـيـلُونَ يعني بـالشرذمة: الطائفة والعصبة البـاقـية من عصب جبـيرة، وشرذمة كل شيء: بقـيته القلـيـلة ومنه قول الراجز:

جاءَ الشّتاءُ وقَمِيصِي أخْلاقْشَرَاذِمٌ يضْحَكُ مِنْهُ التّوّاقْ

وقـيـل: قلـيـلون، لأن كل جماعة منهم كان يـلزمها معنى القلة فلـما جمع جمع جماعاتهم

قـيـل: قلـيـلون، كما قال الكُمَيت:

فَرّدّ قَوَاصِيَ الأَحْياءِ مِنْهُمْفَقَدْ صَارُوا كَحَيّ وَاحديِنا

وذُكر أن الـجماعة التـي سَمّاها فرعون شرذمة قلـيـلـين، كانوا ستّ مئة ألف وسبعين ألفـا. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٢٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن أبـي عُبـيدة إنّ هَؤُلاَءِ لَشِرْذَمَةٌ قَلِـيـلُونَ، قال: كانوا ستّ مئة وسبعين ألفـا.

٢٠٢٢١ـ قال: ثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن أبـي عُبـيدة، عن عبد اللّه ، قال: الشرذمة: ستّ مئة ألف وسبعون ألفـا.

٢٠٢٢٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا موسى بن عبـيدة، عن مـحمد بن كعب القرظي، عن عبد اللّه بن شدّاد بن الهاد، قال: اجتـمع يعقوب وولده إلـى يوسف، وهم اثنان وسبعون، وخرجوا مع موسى وهم ستّ مئة ألف، فقال فرعون إنّ هَؤُلاَءِ لَشِرْذَمَةٌ قَلِـيـلُونَ، وخرج فرعون علـى فرس أدهم حصان علـى لون فرسه فـي عسكره ثمان مئة ألف.

٢٠٢٢٣ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن سعيد الـجريري، عن أبـي السلـيـل، عن قـيس بن عبـاد، قال: وكان من أكثر الناس أو أحدث الناس عن بنـي إسرائيـل، قال: فحدّثنا أن الشرذمة الذين سماهم فرعون من بنـي إسرائيـل كانوا ستّ مئة ألف، قال: وكان مقدمة فرعون سبعة مئة ألف، كل رجل منهم علـى حصان علـى رأسه بـيضة، وفـي يده حربة، وهو خـلفهم فـي الدهم. فلـما انتهى موسى ببنـي إسرائيـل إلـى البحر، قالت بنو إسرائيـل: يا موسى أين ما وعدتنا، هذا البحر بـين أيدينا، وهذا فرعون وجنوده قد دهمنا من خـلفنا، فقال موسى للبحر: انفلق أبـا خالد، قال: لا لن أنفلق لك يا موسى، أنا أقدم منك خـلقا قال: فنودي أنِ اضربْ بعصاك البحر، فضربه، فـانفلق البحر، وكانوا اثنـي عشر سبطا. قال الـجريري: فأحسبه قال: إنه كان لكل سبط طريق، قال: فلـما انتهى أوّل جنود فرعون إلـى البحر، هابت الـخيـل اللّه ب قال: ومَثّل لـحصان منها فرس وديق، فوجد ريحها فـاشتدّ، فـاتبعه الـخيـل قال: فلـما تتامّ آخر جنود فرعون فـي البحر، وخرج آخر بنـي إسرائيـل، أمر البحر فـانصفق علـيهم، فقالت بنو إسرائيـل: ما مات فرعون وما كان لـيـموت أبدا، فسمع اللّه تكذيبهم نبـيه علـيه السلام، قال: فرمى به علـى الساحل، كأنه ثور أحمر يتراءاه بنو إسرائيـل.

٢٠٢٢٤ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله إنّ هَؤُلاَءِ لَشِرْذَمَةٌ قَلِـيـلُونَ يعني بنـي إسرائيـل.

٢٠٢٢٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله إنّ هَؤُلاَءِ لَشِرْذَمَةٌ قَلِـيـلُونَ قال: هم يومئذ ستّ مئة ألف، ولا يحصى عدد أصحاب فرعون.

٢٠٢٢٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله وأوْحَيْنا إلـى مُوسَى أنْ أسْرِ بعِبـادِي إنّكُمْ مُتّبَعُونَ قال: أوحى اللّه إلـى موسى أن اجمع بنـي إسرائيـل، كلّ أربعة أبـيات فـي بـيت، ثم اذبحوا أولاد الضأن، فـاضربوا بدمائها علـى الأبواب، فإنـي سآمر الـملائكة أن لا تدخـل بـيتا علـى بـابه دم، وسآمرهم بقتل أبكار آل فرعون من أنفسهم وأموالهم، ثم اخبزوا خبزا فطيرا، فإنه أسرع لكم، ثم أسر بعبـادي حتـى تنتهي للبحر، فـيأتـيك أمري، ففعل فلـما أصبحوا قال فرعون: هذا عمل موسى وقومه قتلوا أبكارنا من أنفسنا وأموالنا، فأرسل فـي أثرهم ألف ألف وخمس مئة ألف وخمس مئة ملك مُسَوّر، مع كل ملك ألف رجل، وخرج فرعون فـي الكَرِش العظمى، وقال إنّ هَؤُلاَءِ لَشِرْذَمَةٌ قَلِـيـلُونَ قال: قطعة، وكانوا ستّ مئة ألف، مئتا ألف منهم أبناء عشرين سنة إلـى أربعين.

 

٢٠٢٢٧ـ قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر بن حوشب، عن ابن عباس ، قال: كان مع فرعون يومئذ ألف جبـار، كلهم علـيه تاج، وكلهم أمير علـى خيـل.

٢٠٢٢٨ـ قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: كانوا ثلاثـين ملكا ساقة خـلف فرعون يحسبون أنهم معهم وجبرائيـل أمامهم، يردّ أوائل الـخيـل علـى أواخرها، فأتبعهم حتـى انتهى إلـى البحر.

٥٥

و قوله: وإنّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ يقول: وإن هؤلاء الشرذمة لنا لغائظون، فذكر أن غيظهم إياهم كان قتل الـملائكة من قتلت من أبكارهم. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٢٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله: وإنّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ يقول: بقتلهم أبكارنا من أنفسنا وأموالنا. وقد يحتـمل أن يكون معناه: وإنهم لنا لغائظون بذهابهم منهم بـالعواريّ التـي كانوا استعاروها منهم من الـحلـيّ، ويحتـمل أن يكون ذلك بفراقهم إياهم، وخروجهم من أرضهم بكره لهم لذلك.

٥٦

وقوله وَإنّا لَـجِمِيعٌ حاذِرونَ اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الكوفة وَإنّا لَـجِمِيعٌ حاذِرونَ بـمعنى: أنهم معدون مؤدون ذوو أداة وقوّة وسلاح. وقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة والبصرة: (وَإنّا لَـجَمِيعٌ حَذِرُونَ) بغير ألف. وكان الفرّاء يقول: كأن الـحاذر الذي يحذرك الاَن، وكأن الـحذر الـمخـلوق حذرا لا تلقاه إلا حذرا ومن الـحذر قول ابن أحمر:

هَلْ أُنْسَأَنْ يَوْما إلـى غَيْرِهِإنّـي حَوَالِـيّ وآنّـي حَذِرْ

والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان مستفـيضتان فـي قرّاء الأمصار متقاربتا الـمعنى، فبأيتهما قرأ القارىء، فمصيب الصواب فـيه. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٣٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، قال: سمعت الأسود بن زيد يقرأ: وَإنّا لَـجِمِيعٌ حاذِرُونَ قال: مقوون مؤدون.

٢٠٢٣١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عيسى بن عبـيد، عن أيوب، عن أبـي العرجاء عن الضحاك بن مزاحم أنه كان يقرأ: وَإنّا لَـجِمِيعٌ حاذِرُونَ يقول: مؤدون.

٢٠٢٣٢ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي فـي قوله: وَإنّا لَـجِمِيعٌ حاذِرُونَ يقول: حذرنا، قال: جمعنا أمرنا.

٢٠٢٣٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج وَإنّا لَـجِمِيعٌ حاذِرُونَ قال: مؤدون معدون فـي السلاح والكراع.

٢٠٢٣٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج أبو معشر، عن مـحمد بن قـيس قال: كان مع فرعون ستّ مئة ألف حصان أدهم سوى ألوان الـخيـل.

٢٠٢٣٥ـ حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا سلـيـمان بن معاذ الضبـي، عن عاصم بن بهدلة، عن أبـي رزين، عن ابن عباس أنه قرأها: وَإنّا لَـجِمِيعٌ حاذِرُونَ قال: مؤدون مقوون.

٥٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مّن جَنّاتٍ وَعُيُونٍ }.

يقول تعالـى ذكره: فأخرجنا فرعون وقومه من بساتـين وعيون ماء،

٥٨

وكنوز ذهب وفضة، ومقام كريـم. قـيـل: إن ذلك الـمقام الكريـم: الـمنابر.

٥٩

وقوله كَذلكَ يقول: هكذا أخرجناهم من ذلك كما وصفت لكم فـي هذه الاَية والتـي قبلها وأوْرَثْناها يقول: وأورثنا تلك الـجنات التـي أخرجناهم منها والعيون والكنوز والـمقام الكريـم عنهم بهلاكهم بنـي إسرائيـل.

٦٠

و قوله: فَأتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِـينَ فأتبع فرعون وأصحابه بنـي إسرائيـل، مشرقـين حين أشرقت الشمس، وقـيـل حين أصبحوا.

٢٠٢٣٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنـي أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فَأتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِـينَ قال: خرج موسى لـيلاً، فكسف القمر وأظلـمت الأرض، وقال أصحابه: إن يوسف أخبرنا أنا سَننـجي من فرعون، وأخذ علـينا العهد لنـخرجنّ بعظامه معنا، فخرج موسى لـيـلته يسأل عن قبره، فوجد عجوزا بـيتها علـى قبره، فأخرجته له بحكمها، وكان حكمها أو كلـمة تشبه هذا، أن قالت: احملنـي فأخرجنـي معك، فجعل عظام يوسف فـي كسائه، ثم حمل العجوز علـى كسائه، فجعله علـى رقبته، وخيـل فرعون هي ملء أعنتها حضرا فـي أعينهم، ولا تبرح، حُبست عن موسى وأصحابه حتـى تواروا.

٢٠٢٣٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قوله فَأتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِـينَ قال: فرعون وأصحابه، وخيـل فرعون فـي مل أعنتها فـي رأي عيونهم، ولا تبرح، حبست عن موسى وأصحابه حتـى تواروا.

٦١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىَ إِنّا لَمُدْرَكُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: فلـما تناظر الـجمعان: جمع موسى وهم بنو إسرائيـل، وجمع فرعون وهم القبط قالَ أصْحابُ مُوسَى إنّا لَـمُدْرَكُونَ أي إنا لـملـحقون، الاَن يـلـحقنا فرعون وجنوده فـيقتلوننا، وذُكر أنهم قالوا ذلك لـموسى، تشاؤما بـموسى. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٣٨ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان، عن أبـيه، قال: قلت لعبد الرحمن فَلَـمّا تَرَاءَى الـجَمْعانِ قالَ أصْحابُ مُوسَى إنّا لَـمُدْرَكُونَ قال: تشاءموا بـموسى، وقالوا: أوذينا من قبل أن تأتـينا، ومن بعد ما جئتنا.

٢٠٢٣٩ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فَلَـمّا تَرَاءَى الـجَمْعانِ فنظرت بنو إسرائيـل إلـى فرعون قد رمقهم قالوا إنّا لَـمُدْرَكُونَ. قَالُوا يا موسى أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أنْ تأتِـيَنَا، وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا الـيوم يدركنا فرعون فـيقتلنا، إنا لـمدركون البحر بـين أيدينا، وفرعون من خـلفنا.

٢٠٢٤٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس ، قال: لـما انتهى موسى إلـى البحر، وهاجت الريح العاصف، فنظر أصحاب موسى خـلفهم إلـى الريح، وإلـى البحر أمامهم قالَ أصْحابُ مُوسَى إنّا لَـمُدْرَكُونَ قالَ كَلاّ إنّ مَعِيَ رَبّـي سَيَهْدِينِ.

واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار سوى الأعرج إنّا لَـمُدْرَكُونَ، وقرأه الأعرج: (إنّا لَـمُدّرَكُونَ) كما يقال نزلت، وأنزلت. والقراءة عندنا التـي علـيها قرّاء الأمصار، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيها.

٦٢

و قوله: قال كَلاّ إن مَعِيَ رَبّـي سَيَهْدِينِ قال موسى لقومه: لـيس الأمر كما ذكرتـم، كلا لن تدركوا إن معي ربـي سيهدين، يقول: سيهدين لطريق أنـجو فـيه من فرعون وقومه. كما:

٢٠٢٤١ـ حدثنـي ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن كعب القرظي، عن عبد اللّه بن شداد بن الهاد، قال: لقد ذُكر لـي أنه خرج فرعون فـي طلب موسى علـى سبعين ألفـا من دُهم الـخيـل، سوى ما فـي جنده من شِيَة الـخيـل، وخرج موسى حتـى إذا قابله البحر، ولـم يكن عنه منصرف، طلع فرعون فـي جنده من خـلفهم فَلَـمّا تَرَاءَى الـجَمْعانِ قالَ أصْحابُ مُوسَى إنّا لَـمُدْرَكُونَ قالَ كَلا إنّ مَعِيَ رَبّـي سَيَهْدِينِ أي للنـجاة، وقد وعدنـي ذلك، ولا خُـلف لـموعوده.

٢٠٢٤٢ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ قالَ كَلاّ إنّ مَعِيَ رَبّـي سَيَهْدِينِ يقول: سيكفـينـي، وقال: عَسَى رَبكُمْ أنْ يُهْلِكَ عَدُوّكُمْ وَيَسْتَـخْـلِفَكُمْ فِـي الأرْضِ فَـيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ،

٦٣

وقوله فَأَوْحَيْنا إلـى مُوسَى أنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ البَحْرَ فـانْفَلَقَ ذكر أن اللّه كان قد أمر البحر أن لا ينفلق حتـى يضربه موسى بعصاه.)

٢٠٢٤٣ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: فتقدّم هارون فضرب البحر، فأبى ينفتـح، وقال: من هذا الـجبـار الذي يضربنـي، حتـى أتاه موسى فكناه أبـا خالد، وضربه فـانفلق.

٢٠٢٤٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: ثنـي مـحمد بن إسحاق، قال: أوحى اللّه فـيـما ذكر إلـى البحر: إذا ضربك موسى بعصاه فـانفلق له، قال: فبـات البحر يضرب بعضه بعضا فرقا من اللّه ، وانتظار أمره، وأوحى اللّه إلـى موسى أن أضرب بعصاك البحر، فضربه بها وفـيها سلطان اللّه الذي أعطاه، فـانفلق.

٢٠٢٤٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، ظن سلـيـمان التـيـمي، عن أبـي السلـيـل، قال: لـما ضرب موسى بعصاه البحر، قال: إيها أبـا خالد، فأخذه أَفْكَلٌ.

٢٠٢٤٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جرَيج، وحجاج عن أبـي بكر بن عبد اللّه وغيره، قالوا: لـما انتهى موسى إلـى البحر وهاجت الريح والبحر يرمي بثـيّاره، ويـموج مثل الـجبـال، وقد أوحى اللّه إلـى البحر أن لا ينفلق حتـى يضربه موسى بـالعصا، فقال له يوشع: يا كلـيـم اللّه أين أمرت؟ قال: ههنا، قال: فجاز البحر ما يواري حافره الـماء، فذهب القوم يصنعون مثل ذلك، فلـم يقدروا، وقال له الذي يكتـم إيـمانه: يا كلـيـم اللّه أين أمرت؟ قال: ههنا، فكبح فرسه بلـجامه حتـى طار الزبد من شدقـيه، ثم قحمه البحر فأرسب فـي الـماء، فأوحى اللّه إلـى موسى أن اضرب بعصاك البحر، فضرب بعصاه موسى البحر فـانفلق، فإذا الرجل واقـف علـى فرسه لـم يبتلّ سرجه ولا لبده.

و قوله: فَكان كُلّ فِرْقٍ كالطّوْدِ العَظِيـمِ

يقول تعالـى ذكره: فكان كل طائفة من البحر لـما ضربه موسى كالـجبل العظيـم. وذُكر أنه انفلق اثنتـي عشرة فلقة علـى عدد الأسبـاط، لكل سبط منهم فرق. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٤٧ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فـانْفَلَقَ فَكانَ كُلّ فِرْقٍ كالطّوْدِ العَظِيـمِ يقول: كالـجبل العظيـم، فدخـلت بنو إسرائيـل، وكان فـي البحر اثنا عشر طريقا، فـي كل طريق سبط، وكان الطريق كما إذا انفلقت الـجدران، فقال: كل سبط قد قتل أصحابنا فلـما رأى ذلك موسى دعا اللّه فجعلها قناطر كهيئة الطيقان، فنظر آخرهم إلـى أوّلهم حتـى خرجوا جميعا.

٢٠٢٤٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، وحجاج، عن أبـي بكر بن عبد اللّه وغيره قالوا: انفلق البحر، فكان كل فرق كالطود العظيـم، اثنا عشر طريقا فـي كل طريق سبط، وكان بنو إسرائيـل اثنـي عشر سبطا، وكانت الطرق بجدران، فقال كل سبط: قد قتل أصحابنا فلـما رأى ذلك موسى، دعا اللّه فجعلها لهم بقناطر كهيئة الطيقان، ينظر بعضهم إلـى بعض، وعلـى أرض يابسة كأن الـماء لـم يصبها قطّ حتـى عبر.

٢٠٢٤٩ـ قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: لـما انفلق البحر لهم صار فـيه كوى ينظر بعضهم إلـى بعض.

٢٠٢٥٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: ثنـي مـحمد بن إسحاق فَكان كُلّ فِرْقٍ كالطّوْدِ العَظِيـمِ أي كالـجبل علـى نشَز من الأرض.

٢٠٢٥١ـ حدثنـي علـيّ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله فَكان كُلّ فِرْقٍ كالطّوْدِ العَظِيـمِ يقول: كالـجبل.

٢٠٢٥٢ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله كالطّوْدِ العَظِيـمِ قال: كالـجبل العظيـم ومنه قول الأسود بن يعفر:

حَلّوا بأنْقِرَةٍ يَسيـلُ عَلَـيْهِمُ ماء الفُرَاتِ يَجيءُ مِنْ أطْوَادِ

 يعني بـالأطواد: جمع طود، وهو الـجبل.

٦٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَزْلَفْنَا ثَمّ الاَخَرِينَ }.

 يعني بقول تعالـى ذكره: وأزْلَفْنا ثَمّ الاَخَرِينَ: وقرّبنا هنالك آل فرعون من البحر، وقدمناهم إلـيه، ومنه قوله: وأُزْلفَتِ الـجَنّةُ للْـمُتّقِـينَ بـمعنى: قربت وأُدنـيت ومنه قول العجاج:

طَيّ اللّـيالـي زُلَفـا فَزُلَفـاسَماوَةَ الهِلالِ حتـى احْقَوْقَـفَـا

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٥٣ـ حدثنـي القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عطاء الـخراسانـي، عن ابن عباس ، قوله وأزْلَفْنا ثَمّ الاَخَرِينَ قال: قرّبنا.

٢٠٢٥٤ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله وأزْلَفْنا ثَمّ الاَخَرِينَ قال: هم قوم فرعون قرّبهم اللّه حتـى أغرقهم فـي البحر.

٢٠٢٥٥ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: دنا فرعون وأصحابه بعد ما قطع موسى ببنـي إسرائيـل البحر من البحر فلـما نظر فرعون إلـى البحر منفلقا، قال: ألا ترون البحر فرِق منـي، قد تفتـح لـي حتـى أدرك أعدائي فأقتلهم، فذلك قول اللّه وأزْلَفْنا ثَمّ الاَخَرِينَ يقول: قرّبنا ثم الاَخرين هم آل فرعون فلـما قام فرعون علـى الطرق، وأبت خيـله أن تتقحم، فنزل جبرائيـل صلى اللّه عليه وسلم علـى ماذيانة، فتشامّتْ الـحُصُن ريح الـماذيانة فـاقتـحمت فـي أثرها حتـى إذا همّ أوّلهم أن يخرج ودخـل آخرهم، أمر البحر أن يأخذهم، فـالتطم علـيهم، وتفرّد جبرائيـل بـمقلة من مقل البحر، فجعل يدسها فـي فـيه.

٢٠٢٥٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر بن عبد اللّه ، قال: أقبل فرعون فلـما أشرف علـى الـماء، قال أصحاب موسى: يا مكلـم اللّه إن القوم يتبعوننا فـي الطريق، فـاضرب بعصاك البحر فـاخـلطه، فأراد موسى أن يفعل، فأوحى اللّه إلـيه: أن اترك البحر رَهْوا: يقول: أمره علـى سكناته إنّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ إنـما أمكر بهم، فإذا سلكوا طريقكم غرقتهم فلـما نظر فرعون إلـى البحر قال: ألا ترون البحر فِرق منـي حتـى تفتـح لـي، حتـى أدرك أعدائي فأقتلهم فلـما وقـف علـى أفواه الطرق وهو علـى حصان، فرأى الـحصان البحر فـيه أمثال الـجبـال هاب وخاف، وقال فرعون: أنا راجع، فمكر به جبرائيـل علـيه السلام، فأقبل علـى فرس أنثى، فأدناها من حصان فرعون، فطفق فرسه لا يقرّ، وجعل جبرائيـل يقول: تقدم، ويقول: لـيس أحد أحقّ بـالطريق منك، فتشامّت الـحُصُن الـماذيانة، فما ملك فرعون فرسه أن ولـج علـى أثره فلـما انتهى فرعون إلـى وسط البحر، أوحى اللّه إلـى البحر: خذ عبدي الظّالـم وعبـادي الظلـمة، سلطانـي فـيك، فإنـي قد سلطتك علـيهم، قال: فتغطغطت تلك الفرق من الأمواج كأنها الـجبـال، وضرب بعضها بعضا فلـما أدركه الغرق قالَ آمَنْتُ أنّه لا إلَهَ إلاّ الّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسرَائيـلَ وأنا مِنَ الـمُسْلِـمِينَ وكان جبرائيـل صلى اللّه عليه وسلم شديد الأسف علـيه لـما ردّ من آيات اللّه ، ولطول علاج موسى إياه، فدخـل فـي أسفل البحر، فأخرج طينا، فحشاه فـي فم فرعون لكيلا يقولها الثانـية، فتدركه الرحمة، قال: فبعث اللّه إلـيه ميكائيـل يعبره: آلاَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وكُنْتَ مِنَ الـمُفْسِدِينَ وقال جبرائيـل: يا مـحمد ما أبغضت أحدا من خـلق اللّه ما أبغضت اثنـين أحدهما من الـجنّ وهو إبلـيس، والاَخر فرعون قالَ أنَا رَبّكُمُ الأَعْلـى ولقد رأيتنـي يا مـحمد، وأنا أحشو فـي فـيه مخافة أن يقول كلـمة يرحمه اللّه بها. وقد زعم بعضهم أن معنى قوله: وأزْلَفْنا ثَمّ الاَخَرِينَ وجمعنا، قال: ومنه لـيـلة الـمزدلفة، قال: ومعنى ذلك: أنها لـيـلة جمع. وقال بعضهم: وأزلفنا ثم وأهلكنا.

٦٥

و قوله: وأنـجَيْنا مُوسَى وَمَنْ مَعَه أجَمعِينَ

يقول تعالـى ذكره: وأنـجينا موسى مـما أتبعنا به فرعون وقومه من الغرق فـي البحر ومن مع موسى من بنـي إسرائيـل أجمعين،

٦٦

و قوله: ثُمّ أغْرَقْنا الاَخَرِينَ يقول: ثم أغرقنا فرعون وقومه من القبط فـي البحر بعد أن أنـجينا موسى منه ومن معه،

٦٧

و قوله: إنّ فِـي ذلكَ لاَيَةً

يقول تعالـى ذكره: إن فـيـما فعلت بفرعون ومن معه تغريقـي إياهم فـي البحر إذ كذّبوا رسولـي موسى، وخالفوا أمري بعد الإعذار إلـيهم، والإنذار لدلالة بـينة يا مـحمد لقومك من قريش علـى أن ذلك سنتـي فـيـمن سلك سبـيـلهم من تكذيب رسلـي، وعظة لهم وعبرة أن ادّكروا واعتبروا أن يفعلوا مثل فعلهم من تكذيبك مع البرهان والاَيات التـي قد أتـيتهم، فـيحلّ بهم من العقوبة نظير ما حلّ بهم، ولك آية فـي فعلـي بـموسى، وتنـجيتـي إياه بعد طول علاجه فرعون وقومه منه، وإظهاري إياه وتوريثه وقومه دورهم وأرضهم وأموالهم، علـى أنـي سالك فـيك سبـيـله، إن أنت صبرت صبره، وقمت من تبلـيغ الرسالة إلـى من أرسلتك إلـيه قـيامه، ومظهرك علـى مكذّبـيك، ومعلـيك علـيهم، وما كان أكثرهم مؤمنـين يقول: وما كان أكثر قومك يا مـحمد مؤمنـين بـما أتاك اللّه من الـحقّ الـمبـين، فسابق فـي علـمي أنهم لا يؤمنون

٦٨

وَإنّ رَبّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ فـي انتقامه مـمن كفر به وكذب رسله من أعدائه، الرّحِيـمُ بـمن أنـجى من رسله، وأتبـاعهم من الغرق والعذاب الذي عذّب به الكفرة.

٦٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ }.

يقول تعالـى ذكره: واقصص علـى قومك من الـمشركين يا مـحمد خبر إبراهيـم حين قال لأبـيه وقومه: أيّ شيء تعبدون؟

٧٠

إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ

٧١

قَالوا له: نَعْبُدُ أصْنَاما فَنَظَلّ لَهَا عَاكِفِـين يقول: فنظلّ لها خدما مقـيـمين علـى عبـادتها وخدمتها. وقد بـيّنا معنى العكوف بشواهده فـيـما مضى قبل، بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. وكان ابن عباس فـيـما روي عنه يقول فـي معنى ذلك ما.

٢٠٢٥٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس ، قوله: قالُوا نَعْبُدُ أصْناما فَنَظَلّ لَهَا عاكِفِـينَ قال: الصلاة لأصنامهم.

٧٢

قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ

٧٣

أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ

٧٤

قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ

٧٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال إبراهيـم لقومه: أفرأيتـم أيها القوم ما كنتـم تعبدون من هذه الأصنام أنتـم وآبـاؤكم الأقدمون، يعني بـالأقدمين: الأقدمين من الذين كان إبراهيـم يخاطبهم، وهم الأوّلون قبلهم مـمن كان علـى مثل ما كان علـيه الذين كلـمهم إبراهيـم من عبـادة الأصنام، فإنهم عدوّ لـي إلا ربّ العالـمين. يقول قائل: وكيف يوصف الـخشب والـحديد والنـحاس بعداوة ابن آدم؟ فإن معنى ذلك:

٧٧

فإنهم عدوّ لـي لو عبدتهم يوم القـيامة، كما قال جل ثناؤه واتّـخَذُوا مِنْ دُونِ اللّه آلِهَةً لِـيَكُونُوا لَهُمْ عِزّا، كَلاّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبـادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَـيْهِمْ ضِدّا.

و قوله: إلاّ رَبّ العالَـمينَ نصبـا علـى الاستثناء، والعدوّ بـمعنى الـجمع، ووحد لأنه أخرج مخرج الـمصدر، مثل القعود والـجلوس. ومعنى الكلام: أفرأيتـم كلّ معبود لكم ولاَبـائكم، فإنـي منه بريء لا أعبده، إلا ربّ العالـمين.

٧٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ }.

يقول: فإنهم عدوّ لـي إلا ربّ العالـمين الّذي خَـلَقَنِـي فَهُو يَهْدِينِ للصواب من القول والعمل، ويسدّدنـي للرشاد

٧٩

وَالّذِي هُوَ يُطْعِمُنِـي وَيَسْقِـينِ يقول: والذي يغدونـي بـالطعام والشراب، ويرزقنـي الأرزاق

٨٠

وَإذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِـينِ يقول: وإذا سقم جسمي واعتلّ، فهو يبرئه ويعافـيه.

٨١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالّذِي يُمِيتُنِي ثُمّ يُحْيِينِ }.

يقول: والذي يـميتنـي إذا شاء ثم يحيـينـي إذا أراد بعد مـماتـي

٨٢

وَالّذِي أطْمَعُ أنْ يَغْفِرَ لـي خَطِيئَتِـي يَوْمَ الدّينِ فرّبى هذا الذي بـيده نفعي وضرّي، وله القدرة والسلطان، وله الدنـيا والاَخرة، لا الذي لا يسمع إذا دُعي، ولا ينفع ولا يضرّ. وإنـما كان هذا الكلام من إبراهيـم احتـجاجا علـى قومه، فـي أنه لا تصلـح الألوهة، ولا ينبغي أن تكون العبودة إلا لـمن يفعل هذه الأفعال، لا لـمن لا يطيق نفعا ولا ضرّا. و

قـيـل: إن إبراهيـم صلوات اللّه علـيه، عنـي ب قوله: وَالّذِي أطْمَعُ أنْ يَغْفِرَ لـي خَطِيئَتِـي يَوْمَ الدّينِ: والذي أرجو أن يغفر لـي قولـي: إنّـي سَقِـيـمٌ، وقولـي: بَلْ فَعَلَهُ كَبِـيرُهُمْ هَذَا، وقولـي لسارة إنها أختـي. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٥٨ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : أنْ يَغْفِرَ لـي خَطِيئَتِـي يَوْمَ الدّينِ قال: إنّـي سَقِـيـمٌ، وقوله فَعَلَهُ كَبِـيرُهُمْ هَذَا، وقوله لسارَة: إنها أختـي، حين أراد فرعون من الفراعنة أن يأخذها.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قوله وَالّذِي أطْمَعُ أنْ يَغْفِرَ لـي خَطِيئَتِـي يَوْمَ الدّينِ قال: قوله إنّـي سَقِـيـمٌ، وقوله بَلْ فَعَلَهُ كَبِـيرُهُمْ هَذَا، وقوله لسارَة: إنها أختـي.

قال: ثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو تُـمَيـلة، عن أبـي حمزة، عن جابر، عن عكرمة ومـجاهد نـحوه. و يعني بقوله يَوْمَ الدّينِ يوم الـحساب، يوم الـمـجازاة، وقد بـيّنا ذلك بشواهده فـيـما مضى.

٨٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رَبّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ }.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن مسألة خـلـيـله إبراهيـم إياه رَبّ هَبْ لـي حُكْما يقول: ربّ هب لـي نبوّة وألْـحِقْنِـي بـالصّالِـحِينَ يقول: واجعلنـي رسولاً إلـى خـلقك، حتـى تلـحقنـي بذلك بِعداد من أرسلته من رسلك إلـى خـلقك، واتـمنته علـى وحيك، واصطفـيته لنفسك.

٨٤

و قوله: وَاجْعَلْ لـي لِسانَ صِدْقٍ فِـي الاَخِرِينَ يقول: واجعل لـي فـي الناس ذكرا جميلاً، وثناء حسنا، بـاقـيا فـيـمن يجيء من القرون بعدي. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٥٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر، عن عكرمة، قوله وَاجْعَلْ لـي لِسانَ صِدْقٍ فِـي الاَخِرِينَ، قوله وآتَـيْناهُ أجْرَهُ فِـي الدّنْـيا. قال: إن اللّه فضله بـالـخُـلّة حين اتـخذه خـلـيلاً، فسأل اللّه فقال: وَاجْعَلْ لـي لِسانَ صِدْقٍ فِـي الاَخِرِينَ حتـى لا تكذّبنـي الأمـم، فأعطاه اللّه ذلك، فإن الـيهود آمنت بـموسى، وكفرت بعيسى، وإن النصارى آمنت بعيسى، وكفرت بـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم ، وكلهم يتولـى إبراهيـم قالت الـيهود: هو خـلـيـل اللّه وهو منا، فقطع اللّه ولايتهم منه بعد ما أقرّوا له بـالنبوّة وآمنوا به، فقال: ما كانَ إبْرَاهِيـمُ يَهُودِيّا وَلا نَصْرَانِـيّا، وَلَكِنْ كانَ حَنِـيفـا مُسْلِـمَا وَما كانَ مِنَ الـمُشْرِكِينَ، ثم ألـحق ولايته بكم فقال: إنّ أوْلَـى النّاسِ بإبْرَاهيـمَ لَلّذِينَ اتّبَعُوهُ، وَهَذَا النبي وَالّذِينَ آمَنُوا وَاللّه وَلِـيّ الـمُؤْمِنِـينَ فهذا أجره الذي عجل له، وهي الـحسنة، إذ يقول: وآتَـيْناهُ فـي الدّنْـيا حَسَنَةً وهو اللسان الصدق الذي سأل ربه.

٢٠٢٦٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَاجْعَلْ لـي لِسانَ صِدْقٍ فِـي الاَخِرِينَ قال: اللسان الصّدْق: الذكْر الصدق، والثناء الصالـح، والذكر الصالـح فـي الاَخرين من الناس، من الأمـم.

٨٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنّةِ النّعِيمِ }.

 يعني إبراهيـم صلوات اللّه علـيه ب قوله: وَاجْعَلْنِـي مِنْ وَرَثَةِ جَنّةِ النّعِيـمِ أورثنـي يا ربّ من منازل مَن هلك مِن أعدائك الـمشركين بك من الـجنة، وأسكنـي ذلك

٨٦

وَاغْفِرْ لأبِـي يقول: واصفح لأبـي عن شركه بك، ولا تعاقبه علـيه

إنّه كانَ مِنَ الضّالّـينَ يقول: إنه كان مـمن ضلّ عن سبـيـل الهدى، فكفر بك. وقد بـيّنا الـمعنى الذي من أجله استغفر إبراهيـم لأبـيه صلوات اللّه علـيه، واختلاف أهل العلـم فـي ذلك، والصواب عندنا من القول فـيه فـيـما مضى، بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.)

٨٧

و قوله: وَلا تُـخْزِنِـي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يقول: ولا تُذِلّنـي بعقابك إياي يوم تبعث عبـادك من قبورهم لـموقـف القـيامة

٨٨

يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ يقول: لا تـخزنـي يوم لا ينفع من كفر بك وعصاك فـي الدنـيا مالٌ كان له فـي الدنـيا، ولا بنوه الذين كانوا له فـيها، فـيدفع ذلك عنه عقاب اللّه إذا عاقبه، ولا ينـجيه منه.

٨٩

و قوله: إلاّ مَنْ أَتـى اللّه بِقَلْب سَلِـيـمٍ يقول: ولا تـخزنـي يوم يبعثون، يوم لا ينفع إلا القلب السلـيـم.

والذي عنـي به من سلامة القلب فـي هذا الـموضع: هو سلام القلب من الشكّ فـي توحيد اللّه ، والبعث بعد الـمـمات. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٦١ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن عون، قال: قلت لـمـحمد: ما القلب السلـيـم؟ قال: أن يعلـم أن اللّه حقّ، وأن الساعة قائمة، وأن اللّه يبعث من فـي القبور.

٢٠٢٦٢ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد إلاّ مَنْ أَتـى اللّه بِقَلْبٍ سَلِـيـمٍ قال: لا شكّ فـيه.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قوله إلاّ مَنْ أَتـى اللّه بِقَلْب سَلِـيـمٍ قال: لـيس فـيه شكّ فـي الـحقّ.

٢٠٢٦٣ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله بِقَلْبٍ سَلِـيـمٍ قال: سلـيـم من الشرك.

٢٠٢٦٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد إلاّ مَنْ أَتـى اللّه بِقَلْبٍ سَلِـيـمٍ قال: سلـيـم من الشرك، فأما الذنوب فلـيس يسلـم منها أحد.

٢٠٢٦٥ـ حدثنـي عمرو بن عبد الـحميد الاَمُلـي، قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن جُوَبـير، عن الضحاك ، فـي قول اللّه إلاّ مَنْ أَتـى اللّه بِقَلْبٍ سَلِـيـمٍ قال: هو الـخالص.

٩٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنّةُ لِلْمُتّقِينَ }.

 يعني جل ثناؤه ب قوله: وأُزْلِفَتِ الـجَنّةُ للْـمُتّقِـينَ وأدنـيت الـجنة وقرّبت للـمتقـين، الذين اتقوا عقاب اللّه فـي الاَخرة بطاعتهم إياه فـي الدنـيا

٩١

وَبُرّزَتِ الـجَحِيـمُ للْغاوِينَ يقول: وأظهرت النار للذين غووا فضلوا عن سواء السبـيـل

٩٢

وَقِـيـلَ لَهُمْ للغاوين أَيْنَ مَا كُنْتُـمْ تَعْبُدُونَ

٩٣

مِنْ دُونِ اللّه من الأنداد هَلْ يَنْصُرونَكُمْ الـيوم من اللّه ، فـينقذونكم من عذابه أوْ يَنْتَصِرُونَ لأنفسهم، فـينـجونها مـما يُرَاد بها؟

٩٤

و قوله: فَكُبْكِبُوا فـيها هُمْ والغاوُونَ يقول: فرمي ببعضهم فـي الـجحيـم علـى بعض، وطرح بعضهم علـى بعض منكبـين علـى وجوههم. وأصل كبكبوا: كببوا، ولكن الكاف كرّرت كما

قـيـل: بِرِيحٍ صَرْصَرٍ يعني به صرّ، ونهنهنـي يُنهَنهنـي، يعني به: نههنـي. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٦٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قوله: فَكُبْكبُوا قال: فدهوروا.

٢٠٢٦٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: فَكُبْكبُوا فـيها يقول: فجمعوا فـيها.

٢٠٢٦٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله فَكُبْكبُوا فِـيها قال: طرحوا فـيها. فتأويـل الكلام: فكبكب هؤلاء الأنداد التـي كانت تعبد من دون اللّه فـي الـجحيـم والغاوون.

وذُكر عن قتادة أنه كان يقول: الغاوون فـي هذا الـموضع: الشياطين. ذكر الرواية عمن قال ذلك:

٢٠٢٦٩ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله فَكُبْكِبُوا فِـيها هُمْ وَالغاوُونَ قال: الغاوون: الشياطين.

فتأويـل الكلام علـى هذا القول الذي ذكرنا عن قتادة : فكبكب فـيها الكفـار الذين كانوا يعبدون من دون اللّه الأصنام والشياطين.

٩٥

و قوله: وَجُنُودُ إبْلِـيسَ أجَمعُونَ يقول: وكبكب فـيها مع الأنداد والغاوين جنود إبلـيس أجمعون. وجنود. كل من كان من أتبـاعه، من ذرّيته كان أو من ذرّية آدم.

٩٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال هؤلاء الغاوون والأنداد التـي كانوا يعبدونها من دون اللّه وجنود إبلـيس، وهم فـي الـجحيـم يختصمون

٩٧

تاللّه إنْ كُنّا لَفِـي ضَلالٍ مُبِـينٍ يقول: تاللّه لقد كنا فـي ذهاب عن الـحقّ، إن كنا لفـي ضلال مبـين، يبـين ذهابنا ذلك عنه عن نفسه، لـمن تأمله وتدبره، أنه ضلال وبـاطل.

٩٨

و قوله: إذْ نُسَوّيكُمْ بِرَبّ العالَـمِينَ يقول الغاوون للذين يعبدونهم من دون اللّه : تاللّه إن كنا لفـي ذهاب عن الـحق حين نعد لكم برب العالـمين فنعبدكم من دونه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٧٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله إذْ نُسَوّيكُمْ برَبّ العالَـمِينَ قال: لتلك الاَلهة.

٩٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَآ أَضَلّنَآ إِلاّ الْمُجْرِمُونَ }.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل هؤلاء الغاوين فـي الـجحيـم: وَما أضَلّنا إلاّ الـمُـجْرَمُونَ يعني بـالـمـجرمين إبلـيس، وابن آدم الذي سنّ القتل. كما:

٢٠٢٧١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عكرِمة، قوله وَما أضَلّنا إلاّ الـمُـجْرِمُونَ قال: إبلـيس وابن آدم القاتل.

١٠٠

وقوله فَمَا لَنا مِنْ شافِعِينَ يقول: فلـيس لنا شافع فـيشفع لنا عند اللّه من الأبـاعد، فـيعفو عنا، وينـجينا من عقابه

١٠١

وَلا صَدِيقٍ حَميـمٍ من الأقارب.

واختلف أهل التأويـل فـي الذين عُنوا بـالشافعين، وبـالصديق الـحميـم، فقال بعضهم: عنـي بـالشافعين: الـملائكة، وبـالصديق الـحميـم: النسيب. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٧٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج فَمَا لَنا مِنْ شافِعِينَ قال: من الـملائكة وَلا صَدِيقٍ حَمِيـمٍ قال: من الناس، قال مـجاهد : صديق حميـم، قال: شقـيق.

وقال آخرون: كل هؤلاء من بنـي آدم. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٧٣ـ حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة، قال: حدثنا إسحاق بن سعيد البصريّ الـمسمعي، عن أخيه يحيى بن سعيد الـمسمعي، قال: كان قتادة إذا قرأ: فَمَا لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيـمٍ قال: يعلـمون واللّه أن الصديق إذا كان صالـحا نفع، وأن الـحميـم إذا كان صالـحا شفع.

١٠٢

وقوله فَلَوْ أنّ لَنا كَرّةً فَنَكُونَ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ يقول: فلو أن لنا رجعة إلـى الدنـيا فنؤمن بـاللّه فنكون بإيـماننا به من الـمؤمنـين.

١٠٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مّؤْمِنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: إن فـيـما احتـجّ به إبراهيـم علـى قومه من الـحجج التـي ذكرنا له لدلالة بـينة واضحة لـمن اعتبر، علـى أن سنة اللّه فـي خـلقه الذين يستنون بسنة قوم إبراهيـم من عبـادة الأصنام والاَلهة، ويقتدون بهم فـي ذلك ما سنّ فـيهم فـي الدار الاَخرة، من كبكبتهم وما عبدوا من دونه مع جنود إبلـيس فـي الـجحيـم، وما كان أكثرهم فـي سابق علـمه مؤمنـين،

١٠٤

وإن ربك يا مـحمد لهو الشديد الانتقام مـمن عبد دونه، ثم لـم يتب من كفره حتـى هلك، الرحيـم بـمن تاب منهم أن يعاقبه علـى ما كان سلف منه قبل توبته من إثم وجرم.

١٠٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {كَذّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: كَذّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ رسل اللّه الذين أرسلهم إلـيهم لـما

١٠٦

قالَ لَهُمْ أخُوهُمْ نُوحٌ ألاَ تَتّقُونَ فتـحذروا عقابه علـى كفركم به، وتكذيبكم رسله

١٠٧

إنّـي لَكُمْ رَسُولٌ من اللّه أمِينٌ علـى وحيه إلـيّ، برسالته إياي إلـيكم.

١٠٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَاتّقُواْ اللّه وَأَطِيعُونِ }.

يقول تعالـى ذكره: فـاتقوا عقاب اللّه أيها القوم علـى كفركم به، وأطيعونـي فـي نصيحتـي لكم، وأمري إياكم بـاتقائه

١٠٩

وَما أسْأَلُكُمْ عَلَـيْهِ مِنْ أجْرٍ يقول: وما أطلب منكم علـى نصيحتـي لكم وأمري إياكم بـاتقاء عقاب اللّه بطاعته فـيـما أمركم ونهاكم، من ثواب ولا جزاء إنْ أجرِيَ إلاّ عَلـى رَبّ العالَـمِينَ دونكم ودون جميع خـلق اللّه ،

١١٠

فـاتقوا عقاب اللّه علـى كفركم به، وخافوا حلول سخطه بكم علـى تكذيبكم رسله، وأطيعون: يقول: وأطيعونـي فـي نصيحتـي لكم، وأمري إياكم بإخلاص العبـادة لـخالقكم.

١١١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُوَاْ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتّبَعَكَ الأرْذَلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال قوم نوح له مـجيبـيه عن قـيـله لهم: إنـي لكم رسول أمين، فـاتقوا اللّه وأطيعون قالوا: أنؤمن لك يا نوح، ونقرّ بتصديقك فـيـما تدعونا إلـيه، وإنـما اتبعك منا الأرذلون دون ذوي الشرف وأهل البـيوتات

١١٢

قال وَمَا عِلْـمِي بِـما كانُوا يَعْمَلُونَ قال نوح لقومه: وما علـمي بـما كان أتبـاعي يعملون، إنـما لـي منهم ظاهر أمرهم دون بـاطنه، ولـم أكلّف علـم بـاطنهم، وإنـما كلفت الظاهر، فمن أظهر حسنا ظننت به حسنا، ومن أظهر سيئا ظننت به سيئا

١١٣

إنْ حِسابُهُمْ إلاّ عَلـى ربّـي لَوْ تَشْعُرُونَ يقول: إن حساب بـاطن أمرهم الذي خفـي عنـي إلا علـى ربـي لو تشعرون، فإنه يعلـم سرّ أمرهم وعلانـيته. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٧٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله إنْ حِسابُهُمْ إلاّ عَلـى رَبّـي لَوْ تَشْعُرُونَ قال: هو أعلـم بـما فـي نفوسهم.

١١٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل نوح لقومه: وما أنا بطارد من آمن بـاللّه واتبعنـي علـى التصديق بـما جئت به من عند اللّه

١١٥

إنْ أنا إلاّ نَذِيرٌ مُبِـينٌ يقول: ما أنا إلا نذير لكم من عند ربكم أنذركم بأسه، وسطوته علـى كفركم به مبـين: يَقول: نذير قد أبـان لكم إنذاره، ولـم يكتـمكم نصحيته

١١٦

قالُوا لَئِنْ لَـمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنّ مِنَ الـمَرْجُومِينَ

يقول: قال لنوح قومهُ: لئن لـم تنته يا نوح عما تقول، وتدعو إلـيه، وتعيب به آلهتنا، لتكوننّ من الـمشتومين، يقول: لنشتـمك.

١١٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ رَبّ إِنّ قَوْمِي كَذّبُونِ }.

يقول تعالـى ذكره: قال نوح: رَبّ إنّ قَوْمِي كَذّبُونِ فـيـما أتـيتهم به من الـحقّ من عندك، وردّوا علـيّ نصيحتـي لهم

١١٨

فَـافْتَـحْ بَـيْنِـي وَبَـيْنهُمْ فَتْـحا يقول: فـاحكم بـينـي وبـينهم حكما من عندك تهلك به الـمُبطل، وتنتقم به مـمن كفر بك وجحد توحيدك، وكذّب رسولك. كما:

٢٠٢٧٥ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله فـافْتَـحْ بَـيْنِـي وَبَـيْنَهُمْ فَتْـحا قال: فـاقض بـينـي وبـينهم قضاء.

٢٠٢٧٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله فـافْتَـحْ بَـيْنِـي وَبَـيْنَهُمْ فَتْـحا قال: يقول: اقض بـينـي وبـينهم، وَنـجِنـي يقول: ونـجنـي من ذلك العذاب الذي تأتـي به حكما بـينـي وبـينهم وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ يقول: والذين معي من أهل الإيـمان بك والتصديق لـي.

١١٩

وقوله فَأنـجَيْناه وَمَنْ مَعَهُ فِـي الفُلْكِ الـمَشْحُونِ يقول: فأنـجينا نوحا ومن معه من الـمؤمنـين حين فتـحنا بـينهم وبـين قومهم، وأنزلنا بأسنا بـالقوم الكافرين فـي الفلك الـمشحون، يعني فـي السفـينة الـموقرة الـمـملوءة. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله الفُلْكِ الـمَشْحُونِ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٧٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله فِـي الفُلْكِ الـمَشْحُونِ قال: يعني الـموقَر.

حدثنا مـحمد بن سنان القزاز، قال: حدثنا الـحسين بن الـحسن الأشقر، قال: حدثنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد بن جُبـير، عن ابن عباس ، قال: الـمشحون: الـموقَر.

٢٠٢٧٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه الفُلْكِ الـمَشْحُونِ قال: الـمفروغ منه الـمـملوء.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قال: الـمَشْحُونِ الـمفروغ منه تـحميلاً.

٢٠٢٧٩ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قول اللّه الفُلْكِ الـمَشْحُونِ قال: هو الـمـحمل.

١٢٠

و قوله: ثُمّ أغْرَقْنا بَعْدُ البـاقِـينَ من قومه الذين كذّبوه، وردّوا علـيه النصيحة.

١٢١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: حسر سورة الشعراء) {إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مّؤْمِنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: إن فـيـما فعلنا يا مـحمد بنوح ومن معه من الـمؤمنـين فـي الفلك الـمشحون، حين أنزلنا بأسنا وسطوتنا، بقومه الذين كذّبوه، لاَية لك ولقومك الـمصدّقـيك منهم والـمكذّبـيك، فـي أن سنتنا تنـجية رسلنا وأتبـاعهم، إذا نزلت نقمتنا بـالـمكذّبـين بهم من قومهم، وإهلاك الـمكذّبـين بـاللّه ، وكذلك سنتـي فـيك وفـي قومك. وَما كانَ أكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِـينَ يقول: ولـم يكن أكثر قومك بـالذين يصدّقونك مـما سبق فـي قضاء اللّه أنهم لن يؤمنوا

١٢٢

وَإنّ رَبّكَ لَهُوَ العَزِيزُ فـي انتقامه مـمن كفر به، وخالف أمره الرّحِيـمُ بـالتائب منهم، أن يعاقبه بعد توبته.

١٢٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {كَذّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: كَذّبَتْ عَادٌ رسل اللّه إلـيهم

١٢٤

إذْ قالَ لَهُمْ أخُوهُمْ هُودٌ ألاَ تَتّقُونَ عقاب اللّه علـى كفركم به

١٢٥

إنّـي لَكُمْ رَسُولٌ من ربـي يأمركم بطاعته، ويحذّركم علـى كفركم بأسه، أمِينٌ علـى وحيه ورسالته

١٢٦

فـاتّقُوا اللّه بطاعته والانتهاء إلـى ما يأمركم وينهاكم وأطِيعُونِ فـيـما آمركم به من اتقاء اللّه وتـحذيركم سطوته

١٢٧

وَما أسألُكُمْ عَلَـيْهِ مِنْ أجْرٍ يقول: وما أطلب منكم علـى أمري إياكم بـاتقاء اللّه جزاء ولا ثوابـا إنْ أجْرِيَ إلاّ عَلـى رَبّ العالَـمِينَ يقول: ما جزائي وثوابـي علـى نصيحتـي إياكم إلا علـى ربّ العالـمين.

١٢٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَتَبْنُونَ بِكُلّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ }.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل هود لقومه: أتَبْنُونَ بِكُلّ ريع آيَةً تَعْبَثُونَ والريع: كلّ مكان مشرف من الأرض مرتفع، أو طريق أو واد ومنه قول ذي الرّمّة:

طِرَاقُ الـخَوَافِـي مُشْرفٌ فَوْق رِيعَةٍنَدَى لَـيْـلِه فِـي ريشِهِ يَترَقْرَقُ

وقول الأعشى:

ويَهْماءُ قَـفْرٍ تَـجاوَزْتَهاإذَا خَبّ فِـي رِيعِها آلُهَا

وفـيه لغتان: ريع ورَيع بكسر الراء وفتـحها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٨٠ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله أتَبْنُونَ بِكُلّ ريعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ يقول: بكلّ شَرَف.

٢٠٢٨١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله بكُلّ ريعٍ قال: فجّ.

٢٠٢٨٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، فـي قوله أتَبْنُونَ بِكُلّ ريعٍ آيَةً قال: بكل طريق.

٢٠٢٨٣ـ حدثنـي سلـيـمان بن عبـيد اللّه الغيلانـي، قال: حدثنا أبو قُتـيبة، قال: حدثنا مسلـم بن خالد، قال: حدثنا ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله أتَبْنُونَ بِكُلّ ريعٍ قال: الريع: الثنـية الصغيرة.

حدثنـي يونس، قال: أخبرنا يحيى بن حسان، عن مسلـم بن خالد، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد مثله.

٢٠٢٨٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال عكرمة بِكُلّ ريعٍ قال: فجّ وواد، قال: وقال مـجاهد بِكُلّ رِيعٍ بـين جبلـين.

قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قوله أتَبْنُونَ بِكُلّ ريعٍ قال: شرف ومنظر.

٢٠٢٨٥ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله بِكُلّ رِيع قال: بكلّ طريق.

٢٠٢٨٦ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله بِكُلّ رِيعٍ بكلّ طريق. و يعني بقوله آيَةً بنـيانا، علـما. وقد بـيّنا فـي غير موضع من كتابنا هذا، أن الاَية هي الدلالة والعلامة بـالشواهد الـمغنـية عن إعادتها فـي هذا الـموضع. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل علـى اختلاف منهم فـي ألفـاظهم فـي تأويـله. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٨٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس بِكُلّ رِيعٍ آيَةً قال: الاَية: علـم.

٢٠٢٨٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد بِكُلّ ريع آيَةً قال: آية: بنـيان.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد آيَةً: بنـيان.

٢٠٢٨٩ـ حدثنـي علـيّ بن سهل، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، فـي قوله بِكُلّ رِيع آيَةً قال: بنـيان الـحمام.

و قوله: تَعْبَثُونَ قال : تلعبون. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٩٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس تَعْبَثُونَ قال: تلعبون.

٢٠٢٩١ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك ، يقول فـي قوله تَعْبَثُونَ قال: تلعبون.

١٢٩

و قوله: وَتَتّـخِذُونَ مَصَانِعَ اختلف أهل التأويـل فـي معنى الـمصانع، فقال بعضهم: هي قصور مشيدة. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٩٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَتَتّـخِذُونَ مَصَانعَ قال: قصور مشيدة، وبنـيان مخـلد.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد مَصَانِعَ: قصور مشيدة وبنـيان.

حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن مـجاهد ، قال: مَصَانِعَ يقول: حصون وقصور.

٢٠٢٩٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا يحيى بن حسان، عن مسلـم، عن رجل، عن مـجاهد ، قوله مَصَانعَ لَعَلّكُمْ تَـخْـلُدُونَ قال: أبرجة الـحمام.

وقال آخرون: بل هي مآخذ للـماء. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٩٤ـ حدثنـي الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله مَصَانِعَ قال: مآخذ للـماء.

قال أبو جعفر: والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إن الـمصانع جمع مصنعة، والعرب تسمي كل بناء مصنعة، وجائز أن يكون ذلك البناء كان قصورا وحصونا مشيدة، وجائز أن يكون كان مآخذ للـماء، ولا خبر يقطع العذر بأيّ ذلك كان، ولا هو مـما يُدرك من جهة العقل. فـالصواب أن يقال فـيه، ما قال اللّه : إنهم كانوا يتـخذون مصانع.

و قوله: لَعَلّكُمْ تَـخْـلُدُنَ يقول: كأنكم تـخـلدون، فتبقون فـي الأرض. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٩٥ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: حدثنا معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله لَعَلّكُمْ تَـخْـلُدُونَ يقول: كأنكم تـخـلدون.

٢٠٢٩٦ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، قال فـي بعض الـحروف وَتَتّـخِذُونَ مَصَانِعَ كأنكم تـخـلدون.

وكان ابن زيد يقول: (لعلكم) فـي هذا الـموضع استفهام. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٩٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَتَتّـخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلّكُمْ تَـخْـلُدُونَ قال: هذا استفهام، يقول: لعلكم تـخـلدون حين تبنون هذه الأشياء؟

وكان بعض أهل العربـية يزعم أن لعلكم فـي هذا الـموضع بـمعنى (كيـما) .

١٣٠

و قوله: وَإذَا بَطَشْتُـمْ بَطَشْتُـمْ جَبّـارِينَ يقول: وإذا سطوتـم سطوتـم قتلاً بـالسيوف، وضربـا بـالسياط. كما:

٢٠٢٩٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جُرَيج وَإذَا بَطَشْتُـمْ بَطَشْتُـمْ جَبّـارِينَ قال: القتل بـالسيف والسياط.

١٣١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَاتّقُواْ اللّه وَأَطِيعُونِ }.

انظر تفسير الآية: ١٣٥

١٣٢

وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ

انظر تفسير الآية: ١٣٥

١٣٣

أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ

انظر تفسير الآية: ١٣٥

١٣٤

وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ

انظر تفسير الآية:١٣٥

١٣٥

إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل هود لقومه من عاد: اتقوا عقاب اللّه أيها القوم بطاعتكم إياه فـيـما أمركم ونهاكم، وانتهوا عن اللّه و واللعب، وظلـم الناس، وقهرهم بـالغلبة والفساد فـي الأرض، واحذروا سخط الذي أعطاكم من عنده ما تعلـمون، وأعانكم به من بـين الـمواشي والبنـين والبساتـين والأنهار إنّـي أخافُ عَلَـيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ من اللّه عَظِيـمٍ.

١٣٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مّنَ الْوَاعِظِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: قالت عاد لنبـيهم هود صلى اللّه عليه وسلم : معتدل عندنا وعظك إيانا، وتركك الوعظ، فلن نؤمن لك ولن نصدّقك علـى ما جئتنا به.

١٣٧

و قوله: إنْ هَذَا إلاّ خُـلُقُ الأوّلِـينَ اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك فقرأته عامة قرّاء الـمدينة سوى أبـي جعفر، وعامة قرّاء الكوفة الـمتأخرين منهم: إنْ هَذَا إلاّ خُـلُقُ الأوّلِـينَ من قبلنا: وقرأ ذلك أبو جعفر، وأبو عمرو بن العلاء: (إنْ هَذَا خَـلْقُ الأوّلِـينَ) بفتـح الـخاء وتسكين اللام بـمعنى: ما هذا الذي جئتنا به إلا كذب الأوّلـين وأحاديثهم.

واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، نـحو اختلاف القرّاء فـي قراءته، فقال بعضهم: معناه: ما هذا إلا دين الأوّلـين وعادتهم وأخلاقهم. ذكر من قال ذلك:

٢٠٢٩٩ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله إنْ هَذَا إلاّ خُـلُقُ الأوّلِـينَ يقول: دين الأوّلـين.

٢٠٣٠٠ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة قوله إنْ هَذَا إلاّ خُـلُقُ الأوّلِـينَ يقول: هكذا خِـلْقة الأوّلـين، وهكذا كانوا يحيون ويـموتون.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ما هذا إلا كذب الأوّلـين وأساطيرهم. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٠١ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس إنْ هَذَا إلاّ خُـلُقُ الأوّلِـينَ قال: أساطير الأوّلـين.

٢٠٣٠٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله إلاّ خُـلُقُ الأوّلِـينَ قال: كذبهم.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله.

٢٠٣٠٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله إنْ هَذَا إلاّ خُـلُقُ الأوّلِـينَ قال: إن هذا إلا أمر الأوّلـين وأساطير الأوّلـين اكتتبها فهي تُـملـي علـيه بكرة وأصيلاً.

٢٠٣٠٤ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن عامر، عن علقمة، عن ابن مسعود إنْ هَذَا إلاّ خُـلُقُ الأوّلِـينَ يقول: إن هذا إلا اختلاق الأوّلـين.

قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا داود، عن الشعبـيّ، عن علقمة، عن عبد اللّه ، أنه كان يقرأ إنْ هَذَا إلاّ خُـلُقُ الأوّلِـينَ ويقول شيء اختلقوه.

٢٠٣٠٥ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن داود، عن الشعبـيّ، قال: قال علقمة إنْ هَذَا إلاّ خُـلُقُ الأوّلِـينَ قال: اختلاق الأوّلـين.

وأولـى القراءتـين فـي ذلك بـالصواب: قراءة من قرأ إنْ هَذَا إلاّ خُـلُقُ الأوّلِـينَ بضمّ الـخاء واللام، بـمعنى: إن هذا إلا عادة الأوّلـين ودينهم، كما قال ابن عباس ، لأنهم إنـما عُوتبوا علـى البنـيان الذي كانوا يتـخذونه، وبطشهم بـالناس بطش الـجبـابرة، وقلة شكرهم ربهم فـيـما أنعم علـيهم، فأجابوا نبـيهم بأنهم يفعلون ما يفعلون من ذلك، احتذاءً منهم سنة من قبلهم من الأمـم، واقتفـاءً منهم آثارهم، فقالوا: ما هذا الذي نفعه إلا خُـلق الأوّلـين، يَعنون بـالـخُـلق: عادةَ الأوّلـين.

ويزيد ذلك بـيانا وتصحيحا لـما اخترنا من القراءة والتأويـل، قولهُم:

١٣٨

وَما نَـحْنُ بِـمُعَذّبِـينَ لأنهم لو كانوا لا يُقرّون بأن لهم ربـا يقدر علـى تعذيبهم، ما قالوا وَما نَـحْنُ بِـمَعَذّبِـينَ بل كانوا يقولون: إنْ هذا الذي جئتنا به يا هود إلا خـلق الأوّلـين، وما لنا من معذّب يعذّبنا، ولكنهم كانوا مقرّين بـالصانع، ويعبدون الاَلهة، علـى نـحو ما كان مشركو العرب يعبدونها، ويقولون إنّها تُقَرّبُنا إلـى اللّه زُلْفَـى، فلذلك قالوا لهود وهم منكرون نبوّته: سَوَاءٌ عَلَـيْنا أوَعَظْتَ أمْ لَـمْ تَكُنْ مِنَ الَواعِظِينَ ثم قالوا له: ما هذا الذي نفعله إلا عادة من قبلنا وأخلاقهم، وما اللّه معذّبنا علـيه، كما أخبرنا تعالـى ذكره عن الأمـم الـخالـية قبلنا، أنهم كانوا يقولون لرسلهم: إنّا وَجَدْنا آبـاءَنا عَلـى أُمّةٍ وَإنّا عَلـى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ.

١٣٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَكَذّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مّؤْمِنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: فكذّبت عاد رسول ربهم هُودا، والهاء فـي قوله فَكَذّبُوهُ من ذكر هود. فَأهْلَكْناهُمْ يقول: فأهلكنا عادا بتكذيبهم رسولنا، إنّ فِـي ذَلِكَ لاَيَةً

يقول تعالـى ذكره: إنّ فـي إهلاكنا عادا بتكذيبها رسولها، لعبرةً وموعظةً لقومك يا مـحمد، الـمكذّبـيك فـيـما أتـيتهم به من عند ربك. وَما كانَ أكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِـينَ يقول: وما كان أكثر من أهلكنا بـالذين يؤمنون فـي سابق علـم اللّه .

١٤٠

وإنّ رَبّكَ لَهُوَ العَزِيزُ فـي انتقامه من أعدائه، الرحيـم بـالـمؤمنـين به.

١٤١

انظر تفسير الآية: ١٤٢

١٤٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {كَذّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ }.

إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ

يقول تعالـى ذكره: كذّبت ثمود رسل اللّه ، إذ دعاهم صالـح أخوهم إلـى اللّه ، فقال لهم: ألا تتقون عقاب اللّه يا قوم علـى معصيتكم إياه، وخلافكم أمره، بطاعتكم أمر الـمفسدين فـي أرض اللّه ،

١٤٣

إنّـي لَكُمْ رَسُولٌ من اللّه أرسلنـي إلـيكم بتـحذيركم عقوبته علـى خلافكم أمره أمِينٌ علـى رسالته التـي أرسلها معي إلـيكم

١٤٤

فَـاتّقُوا اللّه أيها القوم، واحذروا عقابه وأطِيعُونِ فـي تـحذيري إياكم، وأمر ربكم بـاتبـاع طاعته

١٤٥

وَما أسألُكُمْ عَلَـيْهِ مِنْ أَجْرٍ يقول: وما أسألكم علـى نصحي إياكم، وإنذاركم من جزاء ولا ثواب إنْ أجْرِيَ إلاّ عَلـى رَبّ العالَـمِينَ يقول: إن جزائي وثوابـي إلاّ علـى ربّ جميع ما فـي السموات، وما فـي الأرض، وما بـينهما من خـلق.

١٤٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَآ آمِنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل صالـح لقومه من ثمود: أيترككم يا قوم ربكم فـي هذه الدنـيا آمنـين، لا تـخافون شيئا

١٤٧

فِـي جَنَاتٍ وَعُيُونٍ يقول: فـي بساتـين وعيون ماء

١٤٨

وَزُرُوعٍ ونَـخْـلٍ طَلْعُها هَضِيـمٌ يعني بـالطلع: الكُفُرّى.

واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله هَضِيـمٌ فقال بعضهم: معناه الـيانع النضيج. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٠٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله ونَـخْـلٍ طَلْعُها هَضِيـمٌ يقول: أينع وبلغ فهو هضيـم.

وقال آخرون: بل هو الـمتهشم الـمتفتت. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٠٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله ونَـخْـلٍ طَلْعُها هَضِيـمٌ قال مـحمد بن عمرو فـي حديثه تهشم هشيـما. وقال الـحارث: تهشّم تهشّما.

٢٠٣٠٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: سمعت عبد الكريـم يقول: سمعت مـجاهد ا يقول فـي قوله ونَـخْـلٍ طَلْعُهَا هَضِيـمٌ قال: حين تطلع يقبض علـيه فـيهضمه.

قال: ابن جُرَيج. قال مـجاهد : إذا مسّ تهشّم وتفتّت، قال: هو من الرطب هضيـم تقبض علـيه فتهضمه.

وقال آخرون: هو الرطب اللـين. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٠٩ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرِمة قوله ونَـخْـلٍ طَلْعُها هَضِيـمٌ قال: الهضيـم: الرطب اللـين.

وقال آخرون: هو الراكب بعضه بعضا. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣١٠ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: طَلْعُها هَضِيـمٌ إذا كثر حمل النـخـلة فركب بعضها بعضا، حتـى نقص بعضها بعضا، فهو حينئذ هضيـم.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: الهضيـم: هو الـمتكسر من لـينه ورطوبته، وذلك من قولهم: هضم فلان حقه: إذا انتقصه وتـحيّفه، فكذلك الهضم فـي الطلع، إنـما هو التنقص منه من رطوبته ولـينه إما بـمسّ الأيدي، وإما بركوب بعضه بعضا، وأصله مفعول صرف إلـى فعيـل.

١٤٩

و قوله: وَتَنْـحِتُونَ مِنَ الـجِبـالِ بُـيُوتا فَرِهِينَ

يقول تعالـى ذكره: وتتـخذون من الـجبـال بـيوتا. فـاختلفت القرّاء فـي قراءة قوله فـارِهِينَ فقرأته عامة قرّاء أهل الكوفة: فـارِهِينَ بـمعنى: حاذقـين بنـحتها. وقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة: (فَرِهِينَ) بغير ألف، بـمعنى: أشرين بطرين.

واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك علـى نـحو اختلاف القرّاء فـي قراءته، فقال بعضهم: معنى فـارهين: حاذقـين. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣١١ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثام، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن أبـي صالـح وعبد اللّه بن شدّاد وتَنْـحِتُونَ مِنَ الـجِبـالِ بُـيُوتا فـارِهِينَ قال أحدهما: حاذقـين، وقال الاَخر: يتـجبرون.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا مروان، قال: أخبرنا إسماعيـل بن أبـي خالدف، عن أبـي صالـح وَتَنْـحِتُونَ مِنَ الـجِبـالِ بُـيُوتا فـارِهِينَ قال: حاذقـين بنـحتها.

٢٠٣١٢ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: فـارِهِينَ يقول: حاذقـين.

وقال آخرون: معنى فـارهين: مستفرهين متـجبرين. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣١٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا سفـيان، عن السديّ، عن عبد اللّه بن شدّاد فـي قوله (فَرِهِينَ) قال: يتـجبرون.

قال أبو جعفر: والصواب: فـارهين.

وقال آخرون مـمن قرأه فـارهين: معنى ذلك: كَيّسين. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣١٤ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: فـاِرِهِينَ قال: كيسين.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عبـيد، عن الضحاك أنه قرأ فـارهِينَ قال: كيسين.

وقال آخرون: فرهين: أشرين. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣١٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، فـي قوله: وَتَنْـحِتُونَ مِنَ الـجِبـالِ بُـيُوتا فـارِهِينَ يقول: أشرين، ويقال: كيسين.

٢٠٣١٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: (بُـيُوتا فَرِهِينَ) قال: شرهين.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، بـمثله.

وقال آخرون: معنى ذلك: أقوياء. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣١٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: (وَتَنْـحِتُونَ مِنَ الـجِبـالِ بُـيُوتا فَرِهِينَ) قال: الفَرِه: القويّ. وقال آخرون فـي ذلك بـما:

٢٠٣١٨ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن قتادة ، فـي قوله (فَرِهِينَ) قال: معجبـين بصنـيعكم.

والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إن قراءة من قرأها فـارِهِينَ وقراءة من قرأ (فَرِهِينَ) قراءتان معروفتان، مستفـيضة القراءة بكل واحدة منهما فـي علـماء القرّاء، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. ومعنى قراءة من قرأ فـارِهِينَ: حاذقـين بنـحتها، متـخبرين لـمواضع نـحتها، كيسين، من الفراهة. ومعنى قراءة من قرأ (فَرِهِينَ) : مَرِحين أشرين. وقد يجوز أن يكون معنى فَـارِه وفَرِه واحدا، فـيكون فـاره مبنـيا علـى بنائه، وأصله من فعل يفعل، ويكون فره صفة، كما يقال: فلان حاذق بهذا الأمر وحَذِق. ومن الفـاره بـمعنى الـمرح قول الشاعر عديّ بن وادع العوفـي من الأزد:

لا أسْتَكِينُ إذا ما أزْمَةٌ أزَمَتْوَلَنْ تَرَانِـي بِخَيْرٍ فـارِهَ الطّلَبِ

أي مرح الطلب.

١٥٠

و قوله: فـاتّقُوا اللّه وأطِيعُونِ

يقول تعالـى ذكره: فـاتقوا عقاب اللّه أيها القوم علـى معصيتكم ربكم، وخلافكم أمره، وأطيعونِ فـي نصيحتـي لكم، وإنذاري إياكم عقاب اللّه ترشدوا.

١٥١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ تُطِيعُوَاْ أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ }.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل صالـح لقومه من ثمود: لا تطيعوا أيها القوم أمر الـمسرفـين علـى أنفسهم فـي تـماديهم فـي معصية اللّه ، واجترائهم علـى سخطه،

١٥٢

وهم الرهط التسعة الذين كانوا يفسدون فـي الأرض، ولا يصلـحون من ثمود الذين وصفهم اللّه جل ثناؤه ب قوله: وكانَ فِـي الـمَدينَةِ تَسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِـي الأرْضِ وَلا يُصْلِـحُونَ يقول: الذين يسعون فـي أرض اللّه بـمعاصيه، ولا يصلـحون، يقول: ولا يصلـحون أنفسهم بـالعمل بطاعة اللّه .

١٥٣

و قوله: قَالُوا إنّـمَا أنْتَ منَ الـمُسَحّرِينَ اختلف أهل التأويـل فـي تأويـله، فقال بعضهم: معناه إنـما أنت من الـمسحورين. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣١٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد إنّـمَا أنْتَ مِنَ الـمُسَحّرِينَ قال: من الـمسحورين.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله.

٢٠٣٢٠ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله إنّـمَا أنْتَ مِنَ الـمُسَحّرِينَ قال: إنـما أنت من الـمسحورين.

وقال آخرون: معناه: من الـمخـلوقـين. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٢١ـ حدثنـي مـحمد بن عبـيد، قال: حدثنا موسى بن عمرو، عن أبـي صالـح، عن ابن عباس ، فـي قوله إنّـمَا أنْتَ مِنَ الـمُسَحّرِينَ قال: من الـمخـلوقـين.

واختلف أهل الـمعرفة بكلام العرب فـي معنى ذلك، فكان بعض أهل البصرة يقول: كلّ من أكل من إنس أو دابة فهو مسحّر، وذلك لأن له سَحْرا يَقْرِي ما أكل فـيه، واستشهد علـى ذلك بقول لَبـيد:

فإنْ تَسْأَلَـينا فِـيـمَ نَـحْنُ فإنّناعَصَافِـيرُ مِنْ هَذَا الأنامِ الـمُسَحّرِ

وقال بعض نـحويّـي الكوفـيـين نـحو هذا، غير أنه قال: أخذ من قولك: انتفخ سَحْرُك: أي أنك تأكل الطعام والشراب، فتُسَحّر به وتُعَلّل. وقال: معنى قول لبـيد: (من هذا الأنام الـمسحرّ) : من هذا الأنام الـمعّلل الـمخدوع. قال: ويُروى أن السّحْر من ذلك، لأنه كالـخديعة.

والصواب من القول فـي ذلك عندي: القول الذي ذكرته عن ابن عباس ، أن معناه: إنـما أنت من الـمخـلوقـين الذين يُعْلّلون بـالطعام والشراب مثلنا، ولـيست ربـا ولا ملكا فنطيعَك، ونعلـم أنك صادق فـيـما تقول. والـمسحّر: الـمفعل من السحرة، وهو الذي له سحرة.

١٥٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مَآ أَنتَ إِلاّ بَشَرٌ مّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقِينَ }.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل ثمود لنبـيها صالـح: ما أنْتَ يا صالـح إلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا من بنـي آدم، تأكل ما نأكل، وتشرب ما نشرب، ولست بربّ ولا ملك، فعلام نتبعك؟ فإن كنت صادقا فـي قـيـلك، وأن اللّه أرسلك إلـينا فَأْتِ بِآيَةً يعني : بدلالة وحجة علـى أنك مـحقّ فـيـما تقول، إن كنت مـمن صَدَقَنا فـي دعواه أن اللّه أرسله إلـينا. وقد:

٢٠٣٢٢ـ حدثنـي أحمد بن عمرو البصري، قال: حدثنا عمرو بن عاصم الكلابـيّ، قال: حدثنا داود بن أبـي الفرات، قال: حدثنا عِلبـاء بن أحمر، عن عكرِمة، عن ابن عباس ، أن صالـحا النبي صلى اللّه عليه وسلم بعثه اللّه إلـى قومه، فآمنوا به واتبعوه، فمات صالـح، فرجعوا عن الإسلام، فأتاهم صالـح، فقال لهم: أنا صالـح، قالوا: إن كنت صادقا فأتنا بآية، فأتاهم بـالناقة، فكذّبوه وعقروها، فعذّبهم اللّه .

١٥٥

و قوله: قالَ هَذِهِ ناقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْم مَعْلُومٍ

يقول تعالـى ذكره: قال صالـح لثمود لـما سألوه آية يعلـمون بها صدقه، فأتاهم بناقة أخرجها من صخرة أو هضبة: هذه ناقة يا قوم، لها شرب ولكم مثله شرب يوم آخر معلوم، ما لكم من الشرب، لـيس لكم فـي يوم وردها أن تشربوا من شربها شيئا، ولا لها أن تشرب فـي يومكم شيئا. و يعني بـالشرب: الـحظّ والنصيب من الـماء، يقول: لها حظّ من الـماء، ولكم مثله، والشّرْب والشّرْب والشّرْب مصادر كلها بـالضم والفتـح والكسر. وقد حُكي عن العرب سماعا: آخرها أقلها شُرْبـا وشِربـا.)

١٥٦

و قوله: وَلا تَـمَسّوها بِسُوءٍ يقول: لا تـمسوها بـما يؤذيها من عقر وقتل ونـحو ذلك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٢٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، فـي قوله: وَلا تَـمَسّوها بِسُوءٍ لا تعقروها.

و قوله: فَـيأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيـمٍ يقول: فـيحلّ بكم من اللّه عذاب يوم عظيـم عذابه.

١٥٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُواْ نَادِمِينَ }.

يقول تعالـى ذكره، فخالفت ثمود أمر نبـيها صالـح صلى اللّه عليه وسلم ، فعقروا الناقة التـي قال لهم صالـح: لا تـمسوها بسوء، فأصبحوا نادمين علـى عقرها، فلـم ينفعهم ندمهم،

١٥٨

فأخذهم عذاب اللّه الذي كان صالـح توعدهم به فأهلكهم إنّ فِـي ذلكَ لاَيَةً يقول: إنّ فـي إهلاك ثمود بـما فعلت من عقرها ناقة اللّه وخلافها أمر نبـيّ اللّه صالـح لعبرة لـمن اعتبر به يا مـحمد من قومك وَما كانَ أكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِـينَ يقول: ولن يؤمن أكثرهم فـي سابق علـم اللّه

١٥٩

وَإنّ رَبّكَ يا مـحمد لَهُوَ العَزِيزُ فـي انتقامه من أعدائه الرّحِيـمُ بـمن آمن به من خـلقه.

١٦٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {كَذّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: كَذّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ من أرسله اللّه إلـيهم من الرسل

١٦١

إِذْ قَالَ لَهُمْ أخُوهُمْ لُوطٌ

حين قَالَ لَهُمْ أخُوهُمْ لُوطٌ: ألاَ تَتّقُونَ اللّه أيها القوم

١٦٢

إنّـي لَكُمْ رَسُولٌ من ربكم أمِينٌ علـى وحيه، وتبلـيغ رسالته

١٦٣

فـاتّقُوا اللّه فـي أنفسكم، أن يحلّ بكم عقابه علـى تكذيبكم رسوله وأطِيعُونِ فـيـما دعوتكم إلـيه أهدكم سبـيـل الرشاد

١٦٤

وَما أسألُكُمْ عَلَـيْهِ مِنْ أجْرٍ يقول: وما أسألكم علـى نصيحتـي لكم ودعايتكم إلـى ربـي جزاءً ولا ثوابـا

إنْ أجْرِيَ إلاّ عَلـى رَبّ العالَـمِينَ يقول: ما جزائي علـى دعايتكم إلـى اللّه ، وعلـى نُصحي لكم وتبلـيغ رسالات اللّه إلـيكم، إلا علـى ربّ العالـمين.

١٦٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَتَأْتُونَ الذّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ }.

 يعني ب قوله: أتأْتُونَ الذّكْرَانَ مِنَ العالَـمِينَ: أتنكحون الذكران من بنـي آدم فـي أدبـارهم، و

١٦٦

 قوله: وَتَذَرُونَ ما خَـلَقَ لَكُمْ رَبّكُمْ مِنْ أزْوَاجِكُمْ يقول: وتدعون الذي خـلق لكم ربكم من أزواجكم من فروجهنّ، فأحلّه لكم. وذُكر أن ذلك فـي قراءة عبد اللّه : (وَتَذَرُونَ ما أصْلَـحَ لَكُمْ رَبّكُمْ مِنْ أزْوَاجِكُمْ) . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٢٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: وَتَذَرُونَ ما خَـلَقَ لَكُمْ رَبّكُمْ مِنْ أزْوَاجِكُمْ قال: تركتـم أقبـال النساء إلـى أدبـار الرجال وأدبـار النساء.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد بنـحوه.

و قوله: بَلْ أنْتُـمْ قَوْمٌ عادُونَ يقول: بل أنتـم قوم تتـجاوزون ما أبـاح لكم ربكم، وأحله لكم من الفروج إلـى ما حرّم علـيكم منها. كما:

٢٠٣٢٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج بَلْ أنْتُـمْ قَوْمٌ عادُونَ قال: قوم معتدون.

١٦٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:

{قَالُواْ لَئِن لّمْ تَنتَهِ يَلُوطُ لَتَكُونَنّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال قوم لوط: لَئِنْ لَـمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ عن نهينا عن إتـيان الذّكران لَتَكُونَنّ مِنَ الـمُخْرَجِينَ من بـين أظهرنا وبلدنا

١٦٨

قالَ إنّـي لِعَمَلِكُمْ مِنَ القالِـينَ يقول لهم لوط: إنـي لعملكم الذي تعملونه من إتـيان الذكران فـي أدبـارهم من القالـين، يعني من الـمبغضين، الـمنكرين فعله.

١٦٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رَبّ نّجِنِي وَأَهْلِي مِمّا يَعْمَلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: فـاستغاث لوط حين توعده قومه بـالإخراج من بلدهم إن هو لـم ينته عن نهيهم عن ركوب الفـاحشة، فقال رَبّ نَـجّنِـي وَأهْلِـي من عقوبتك إياهم علـى ما يعملون من إتـيان الذكران

١٧٠

فَنَـجّيْنَاهُ وَأهْلَهُ من عوقبتنا التـي عاقبنا بها قوم لوط أجَمعينَ

١٧١

إلاّ عَجُوزا فِـي الغابِرِينَ يعني فـي البـاقـين، لطول مرور السنـين علـيها، فصارت هَرِمة، فإنها أهْلِكت من بـين أهل لوط، لأنها كانت تدلّ قومها علـى الأضياف.

وقد قـيـل: إنـما قـيـل من الغابرين لأنها لـم تهلك مع قومها فـي قريتهم، وأنها إنـما أصابها الـحجر بعد ما خرجت عن قريتهم مع لوط وابنتـيه، فكانت من الغابرين بعد قومها، ثم أهلكها اللّه بـما أمطر علـى بقايا قوم لوط من الـحجارة، وقد بـيّنا ذلك فـيـما مضى بشواهده الـمغنـية عن إعادتها.

١٧٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ثُمّ دَمّرْنَا الاَخَرِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: ثم أهلكنا الاَخرين من قوم لوط بـالتدمير

١٧٣

وَأمْطَرْنَا عَلـيهِمْ مَطَرا وذلك إرسال اللّه علـيهم حجارة من سجيـل من السماء

فَساءَ مَطَرُ الـمُنْذَرِينَ يقول: فبئس ذلك الـمطر مطر القوم الذين أنذرهم نبـيهم فكذّبوه

١٧٤

إنّ فِـي ذلكَ لاَيَةً

يقول تعالـى ذكره: إن فـي إهلاكنا قوم لوط الهلاك الذي وصفنا بتكذيبهم رسولنا، لعبرة وموعظة لقومك يا مـحمد، يتعظون بها فـي تكذيبهم إياك، وردّهم علـيك ما جئتهم به من عند ربك من الـحقّ

وَما كانَ أكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِـينَ فـي سابق علـم اللّه

١٧٥

وَإنّ رَبّكَ لَهُوَ العَزِيزُ الرّحِيـمُ بـمن آمن به.

١٧٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {كَذّبَ أَصْحَابُ الأيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: كَذّبَ أصَحابُ الأَيْكَةِ. والأيكة: الشجر الـملتفّ، وهي واحدة الأيك، وكلّ شجر ملتفّ فهو عند العرب أيكة ومنه قول نابغة بنـي ذبـيان:

تَـجْلُو بِقادِمَتـيْ حَمامَةِ أيْكَةٍبَرَدا أُسِفّ لِثاتُهُ بـالإثْمِدِ

وأصحاب الأيكة: هم أهل مَدْيَنَ فـيـما ذُكر. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٢٦ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله كَذّبَ أصَحابُ الأَيْكَةِ الـمُرْسَلِـينَ يقول: أصحاب الغيضة.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله كَذّبَ أصَحابُ الأَيْكَةِ الـمُرْسَلِـينَ قال: الأيكة: مـجمع الشجر.

٢٠٣٢٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس ، قوله كَذّبَ أصَحابُ الأَيْكَةِ الـمُرْسَلِـينَ قال: أهل مدين، والأيكة: الـملتفّ من الشجر.

٢٠٣٢٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله كَذّبَ أصَحابُ الأَيْكَةِ الـمُرْسَلِـينَ قال: الأيكة: الشجر، بعث اللّه شعيبـا إلـى قومه من أهل مدين، وإلـى أهل البـادية، قال: وهم أصحاب لـيكة، ولـيكة والأيكة: واحد.

١٧٧

وقوله إذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ ألا تَتّقُونَ

يقول تعالـى ذكره: قال لهم شعيب: ألا تتقون عقاب اللّه علـى معصيتكم ربكم

١٧٨

إنّـي لَكُمْ من اللّه رَسُولٌ آمِينٌ علـى وحيه

١٧٩

فـاتّقُوا عقاب اللّه علـى خلافكم أمره وأطِيعُونِ ترشدوا.

١٨٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَىَ رَبّ الْعَالَمِينَ }.

يقول: وَمَا أسْألُكُمْ علـى نصحي لكم من جزاء وثواب، ما جزائي وثوابـي علـى ذلك إلاّ عَلـى رَبّ الْعَالَـمِينَ.

١٨١

أوْفُوا الكَيْـلَ يقول: أوفوا الناس حقوقهم من الكيـل

وَلا تَكُونُوا مِنَ الـمُخْسِرِينَ يقول: ولا تكونوا مـمن نقصَهم حقوقَهم.

١٨٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَزِنُواْ بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ } يعني بقول وزِنُوا بـالقِسْطاسِ وزنوا بـالـميزان الـمُسْتقِـيـمِ الذي لا بخس فـيه علـى من وزنتـم له

١٨٣

وَلا تَبْخَسوا النّاسَ أشْياءَهُمْ يقول: ولا تنقصوا الناس حقوقهم فـي الكيـل والوزن

وَلا تَعْثَوْا فِـي الأرْضِ مُفْسدِينَ يقول: ولا تكثروا فـي الأرض الفساد. وقد بـيّنا ذلك كله بشواهده، واختلاف أهل التأويـل فـيه فـيـما مضى، فأغنى ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع.

١٨٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاتّقُواْ الّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلّةَ الأوّلِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: وَاتّقُوا أيها القوم عقاب ربكم الّذِي خَـلَقَكُمْ، وَ خـلق الـجبِلّةَ الأوّلِـينَ يعني بـالـجبِلّة: الـخـلق الأوّلـين. وفـي الـجبلة للعرب لغتان: كسر الـجيـم والبـاء وتشديد اللام، وضم الـجيـم والبـاء وتشديد اللام فإذا نُزعت الهاء من آخرها كان الضمّ فـي الـجيـم والبـاء أكثر كما قال جلّ ثناؤه: وَلَقَدْ أضَلّ مِنْكُمْ جِبِلاً كَثِـيرا وربـما سكنوا البـاء من الـجِبْل، كما قال أبو ذُؤيب:

مَنايا يُقَرّبْنَ الـحُتُوفَ لأَهْلِها جِهارا ويَسْتَـمْتِعْنَ بـالأنَسِ الـجِبْلِ

وبنـحو ما قلنا فـي معنى الـجبِلّة قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٢٩ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس : قوله وَاتّقُوا الّذِي خَـلَقَكُمْ والـجِبِلّةَ الأوّلِـينَ يقول: خـلق الأوّلـين.

٢٠٣٣٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: والـجِبِلّةَ الأوّلِـينَ قال: الـخـلـيقة.

٢٠٣٣١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله والـجِبِلّةَ الأوّلِـينَ قال: الـخـلق الأوّلـين، الـجبلة: الـخـلق.

١٨٥

و قوله: قالُوا إنّـمَا أنْتَ مِنَ الـمُسَحّرِينَ يقول: قالوا: إنـما أنت يا شعيب معلّلٌ تعلّلُ بـالطعام والشراب، كما نعلّل بهما، ولست مَلَكا

١٨٦

وَما أنْتَ إلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا تأكل وتشرب

وَإنْ نَظُنّكَ لَـمِنَ الكاذِبِـينَ. يقول: وما نـحسبك فـيـما تـخبرنا وتدعونا إلـيه، إلا مـمن يكذِب فـيـما يقول، فإن كنت صادقا فـيـما تقول بأنك رسول اللّه كما تزعم

١٨٧

فَأسْقِطْ عَلَـيْنا كِسَفـا مِنَ السّماءِ يعني قِطعا من السماء، وهي جمع كِسْفة، جُمع كذلك كما تـجمع تـمرة: تـمرا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٣٢ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: حدثنا معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: كِسَفـا يقول: قِطعا.

٢٠٣٣٣ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله كِسَفـا مِنَ السّماءِ: جانبـا من السماء.

٢٠٣٣٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله فَأسْقِطْ عَلَـيْنا كِسَفـا مِنَ السّماءِ قال: ناحية من السماء، عذاب ذلك الكسف.

١٨٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ رَبّيَ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال شُعيب لقومه: رَبّـي أعْلَـمُ بِـمَا تَعْمَلُونَ يقول: بأعمالهم هو بها مـحيط، لا يخفـى علـيه منها شيء، وهو مـجازيكم بها جزاءكم

١٨٩

فَكَذّبُوهُ يقول: فكذّبه قومه فأخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظّلّةِ يعني بـالظلة: سحابة ظللتهم، فلـما تتامّوا تـحتها التهبت علـيهم نارا، وأحرقتهم، وبذلك جاءت الاَثار. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٣٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن زيد بن معاوية، فـي قوله: فَأخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُلّةِ قال: أصابهم حرّ أقلقهم فـي بـيوتهم، فنشأت لهم سحابة كهيئة الظلة، فـابتدروها، فلـما تتاموا تـحتها أخذتهم الرجفة.

٢٠٣٣٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، فـي قوله: عَذَابُ يَوْمِ الظُلّةِ قال: كانوا يحفرون الأسراب لـيتبرّدوا فـيها، فإذا دخـلوها وجدوها أشدّ حرّا من الظاهر، وكانت الظلة سحابة.

٢٠٣٣٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنـي جرير بن حازم أنه سمع قتادة يقول: بعث شُعيب إلـى أمتـين: إلـى قومه أهل مدين، وألـى أصحاب الأيكة. وكانت الأيكة من شجر ملتفّ فلـما أراد اللّه أن يعذّبهم، بعث اللّه علـيهم حرّا شديدا، ورفع لهم العذاب كأنه سحابة فلـما دنت منهم خرجوا إلـيها رجاء بردها، فلـما كانوا تـحتها مطرت علـيهم نارا. قال: فذلك قوله: فَأخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظّلّةِ.

٢٠٣٣٨ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: ثنـي سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد، قال: حدثنا حاتـم بن أبـي صغيرة، قال: ثنـي يزيد البـاهلـي، قال: سألت عبد اللّه بن عباس ، عن هذه الاَية فَأخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظّلّةِ إنّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيـمٍ فقال عبد اللّه بن عباس : بعث اللّه علـيهم وَمَدَةً وحرّا شديدا، فأخذ بأنفـاسهم، فدخـلوا البـيوت، فدخـل علـيهم أجواف البـيوت، فأخذ بأنفـاسهم، فخرجوا من البـيوت هرابـا إلـى البرية، فبعث اللّه علـيهم سحابة، فأظلتهم من الشمس، فوجدوا لها بردا ولذّة، فنادى بعضهم بعضا، حتـى إذا اجتـمعوا تـحتها، أرسلها اللّه علـيهم نارا. قال عبد اللّه بن عباس : فذلك عذاب يوم الظلة، إنه كان عذاب يوم عظيـم.

٢٠٣٣٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله (يَوْمِ الظّلّةِ) قال: إظلال العذاب إياهم.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد عَذَابُ يَوْمِ الظلّةِ قال: أظلّ العذابُ قوم شُعيب.

قال ابن جُرَيج: لـما أنزل اللّه علـيهم أوّل العذاب، أخذهم منه حرّ شديد، فرفع اللّه لهم غمامة، فخرج إلـيها طائفة منهم لـيستظلوا بها، فأصابهم منها رَوْحٌ وبرد وريح طيبة، فصبّ اللّه علـيهم من فوقهم من تلك الغمامة عذابـا، فذلك قوله: عَذَابُ يَوْمِ الظّلّةِ.

٢٠٣٤٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر بن راشد، قال: ثنـي رجل من أصحابنا، عن بعض العلـماء قال: كانوا عطّلوا حدّا، فوسع اللّه علـيهم فـي الرزق، ثم عطلوا حدّا، فوسع اللّه علـيهم فـي الرزق، ثم عطلوا حدّا، فوسع اللّه علـيهم فـي الرزق، فجعلوا كلـما عطلوا حدّا وسع اللّه علـيهم فـي الرزق، حتـى إذا أراد إهلاكهم سلّط اللّه علـيهم حرّا لا يستطيعون أن يتقارّوا، ولا ينفعهم ظلّ ولا ماء، حتـى ذهب ذاهب منهم، فـاستظلّ تـحت ظُلة، فوجد رَوْحا، فنادى أصحابه: هلـموا إلـى الرّوْح، فذهبوا إلـيه سراعا، حتـى إذا اجتـمعوا ألهبها اللّه علـيهم نارا، فذلك عذاب يوم الظلة.

٢٠٣٤١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو تُـمَيـلة، عن أبـي حمزة، عن جابر، عن ابن عباس ، قال: من حدثك من العلـماء ما عذاب يوم الظلة؟ فكذّبه.

٢٠٣٤٢ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: فَأخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظّلّةِ قوم شعيب، حبس اللّه عنهم الظلّ والريح، فأصابهم حرّ شديد، ثم بعث اللّه لهم سحابة فـيها العذاب، فلـما رأوا السحابة انطلقوا يؤمونها، زعموا يستظلون، فـاضطرمت علـيهم نارا فأهلكتهم.

٢٠٣٤٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فَأخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظّلّةِ، إنّهُ كانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيـمٍ قال: بعث اللّه إلـيهم ظُلّة من سحاب، وبعث إلـى الشمس فأحرقت ما علـى وجه الأرض، فخرجوا كلهم إلـى تلك الظّلة، حتـى إذا اجتـمعوا كلهم، كشف اللّه عنهم الظلة، وأحمى علـيهم الشمس، فـاحترقوا كما يحترق الـجراد فـي الـمِقلَـى.

و قوله: إنّهُ كانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيـمٍ

يقول تعالـى ذكره: إن عذاب يوم الظلة كان عذاب يوم لقوم شُعيب عظيـم.

١٩٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مّؤْمِنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: إن فـي تعذيبنا قوم شُعيب عذاب يوم الظلة، بتكذيبهم نبـيهم شُعيبـا، لاَيةً لقومك يا مـحمد، وعبرةً لـمن اعتبر، إن اعتبروا أن سنتنا فـيهم بتكذيبهم إياك، سنتنا فـي أصحاب الأيكة

وَما كانَ أكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِـينَ فـي سابق علـمنا فـيهم

١٩١

وَإنّ رَبّكَ يا مـحمد لَهُوَ العَزِيزُ فـي نقمته مـمن انتقم منه من أعدائه الرّحِيـمُ بـمن تاب من خـلقه، وأناب إلـى طاعته.

١٩٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّهُ لَتَنزِيلُ رَبّ الْعَالَمِينَ}.

يقول تعالـى ذكره: وإنّ هذا القرآن لتَنْزِيـلُ رَبّ العَالَـمينَ والهاء فـي قوله وَإنّهُ كناية الذكر الذي فـي قوله: وَما يَأْتِـيهِمْ منْ ذِكْرٍ منَ الرّحْمَنِ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٤٤ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله لتَنْزِيـلُ رَبّ العالَـمِينَ قال: هذا القرآن.

١٩٣

واختلف القرّاء فـي قراءة قوله نَزَلَ بِهِ الرّوحُ الأَمِينُ فقرأته عامة قرّاء الـحجاز والبصرة نَزَلَ بهِ مخففة الرّوحُ الأَمِينُ رفعا بـمعنى: أن الروح الأمين هو الذي نزل بـالقرآن علـى مـحمد، وهو جبريـل. وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة نَزّلَ مشددة الزاي الرّوحَ الأَمِينَ نصبـا، بـمعنى: أن ربّ العالـمين نزّل بـالقرآن الروح الأمين، وهو جبريـل علـيه السلام.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا أن يقال: إنهما قراءتان مستفـيضتان فـي قرّاء الأمصار، متقاربتا الـمعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب، وذلك أن الروح الأمين إذا نزل علـى مـحمد بـالقرآن، لـم ينزل به إلا بأمر اللّه إياه بـالنزول، ولن يجهل أن ذلك كذلك ذو إيـمان بـاللّه ، وأن اللّه إذا أنزله به نزل. وبنـحو الذي قلنا فـي أن الـمعنـيّ بـالروح الأمين فـي هذا الـموضع جبريـل قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٤٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، فـي قوله: نَزَلَ بِهِ الرّوحُ الأَمِينُ قال: جبريـل.

٢٠٣٤٦ـ حدثنا الـحسين، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قول اللّه نَزَلَ بِهِ الرّوحُ الأمِينُ قال: جبريـل.

٢٠٣٤٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج قال الرّوحُ الأمِينُ جبريـل.

٢٠٣٤٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله الرُوحُ الأَمِينُ قال: جبريـل.

١٩٤

وقوله عَلـى قَلْبِكَ يقول: نزل به الروح الأمين فتلاه علـيك يا مـحمد، حتـى وعيته بقلبك.

و قوله: لِتَكُونَ مِنَ الـمُنْذِرِينَ يقول: لتكون من رسل اللّه الذين كانوا ينذرون من أُرسلوا إلـيه من قومهم، فتنذر بهذا التنزيـل قومك الـمكذّبـين بآيات اللّه .

١٩٥

و قوله: بِلِسانٍ عَرَبِـيّ مُبِـينٍ يقول: لتنذر قومك بلسان عربـيّ مبـين، يبـين لـمن سمعه أنه عربـيّ، وبلسان العرب نزل، والبـاء من قول بِلِسانٍ من صلة قوله: نَزَلَ، وإنـما ذكر تعالـى ذكره أنه نزل هذا القرآن بلسان عربـيّ مبـين فـي هذا الـموضع، إعلاما منه مشركي قريش أنه أنزله كذلك، لئلا يقولوا إنه نزل بغير لساننا، فنـحن إنـما نعرض عنه ولا نسمعه، لأنا لا نفهمه، وإنـما هذا تقريع لهم، وذلك أنه تعالـى ذكره قال: ما يَأْتِـيهُمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرّحْمَن مُـحْدَثٍ إلاّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ ثم قال: لـم يعرضوا عنه لأنهم لا يفهمون معانـيه، بل يفهمونها، لأنه تنزيـل ربّ العالـمين نزل به الروح الأمين بلسانهم العربـيّ، ولكنهم أعرضوا عنه تكذيبـا به واستكبـارا فَقَدْ كَذّبُوا فَسَيأتـيهمْ أنْبـاءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئونَ كما أتـى هذه الأمـم التـي قصصنا نبأها فـي هذه السورة حين كذّبت رسلها أنبـاء ما كانوا به يُكذبون.

١٩٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّهُ لَفِي زُبُرِ الأوّلِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: وإن هذا القرآن لفـي زبر الأوّلـين: يعني فـي كتب الأوّلـين، وخُرّج مَخْرَج العموم ومعناه الـخصوص، وإنـما هو: وإن هذا القرآن لفـي بعض زبر الأوّلـين يعني : أن ذكره وخبره فـي بعض ما نزل من الكتب علـى بعض رسله. و

١٩٧

 قوله: أوَ لـمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أنْ يَعْلَـمَهُ عُلَـماءُ بَنِـي إسْرائِيـلَ

يقول تعالـى ذكره: أو لـم يكن لهؤلاء الـمعرضين عما يأتـيك يا مـحمد من ذكر ربك، دِلالةٌ علـى أنك رسول ربّ العالـمين، أن يعلـم حقـيقة ذلك وصحته علـماء بنـي إسرائيـل. و

قـيـل: عنـي بعلـماء بنـي إسرائيـل فـي هذا الـموضع: عبد اللّه بن سلام ومن أشبهه مـمن كان قد آمن برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من بنـي إسرائيـل فـي عصره. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٤٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: أوَ لـمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أنْ يَعْلَـمَهُ عُلَـماءُ بَنِـي إسْرائِيـلَ قال: كان عبد اللّه بن سلام من علـماء بنـي إسرائيـل، وكان من خيارهم، فآمن بكتاب مـحمد صلى اللّه عليه وسلم ، فقال لهم اللّه : أو لـم يكن لهم آية أن يعلـمه علـماء بنـي إسرائيـل وخيارهم.

٢٠٣٥٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله عُلَـماءُ بَنِـي إسْرَائِيـلَ قال: عبد اللّه بن سلام وغيره من علـمائهم.

٢٠٣٥١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج أوَ لَـمْ يَكُنْ لَهَمْ آيَةً قال مـحمد: أنْ يَعْلَـمَهُ قال: يعرفه عُلَـماءُ بَنِـي إسْرَائِيـلَ.

قال ابن جُرَيج، قال مـجاهد : علـماء بنـي إسرائيـل: عبد اللّه بن سلام، وغيره من علـمائهم.

٢٠٣٥١حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله: أوَ لـمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أنْ يَعْلَـمَهُ عُلَـماءُ بَنِـي إسْرائِيـلَ قال: أو لـم يكن للنبـيّ آية، علامة أن علـماء بنـي إسرائيـل كانوا يعلـمون أنهم كانوا يجدون مكتوبـا عندهم،

و قوله:

١٩٨

وَلَوْ نَزّلْناهُ عَلـى بَعْضِ الأعْجَمِينَ

يقول تعالـى ذكره: ولو نزّلنا هذا القرآن علـى بعض البهائم التـي لا تنطق، وإنـما قـيـل علـى بعض الأعجميـين، ولـم يقل علـى بعض الأعجمين، لأن العرب تقول إذا نعتت الرجل بـالعُجمة وأنه لا يفصح بـالعربـية: هذا رجل أعْجم، وللـمرأة: هذه امرأة عَجْماء، وللـجماعة: هؤلاء قوم عُجْم وأعجمون، وإذا أريد هذا الـمعنى وصف به العربـيّ والأعْجَميّ، لأنه إنـما يعني أنه غير فصيح اللسان، وقد يكون كذلك، وهو من العرب ومن هذا الـمعنى قول الشاعر:

مِنْ وَائِلٍ لا حَيّ يَعْدِلُهُمْمِنْ سُوقَةٍ عَرَبٌ وَلا عُجْمُ

فأما إذا أريد به نسبة الرجل إلـى أصله من العجم، لا وصفه بأنه غير فصيح اللسان، فإنه يقال: هذا رجل عجميّ، وهذان رجلان عجميان، وهؤلاء قوم عَجَم، كما يقال: عربـيّ، وعربـيان، وقوم عرب. وإذا

قـيـل: هذا رجل أعجميّ، فإنـما نسب إلـى نفسه كما يقال للأحمر: هذا أحمري ضخم، وكما قال العجاج:

والدّهْرَ بـالإِنْسانِ دَوّارِيّ

ومعناه: دوّار، فنسبه إلـى فعل نفسه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٥٢ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن مـحمد بن أبـي موسى، قال: كنت واقـفـا إلـى جنب عبد اللّه بن مطيع بعرفة، فتلا هذه الاَية: وَلَوْ نَزّلْناهُ عَلـى بَعْضِ الأعجْمَينَ. فقَرأهُ عَلَـيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِـينَ قال: لو نزل علـى بعيري هذا فتكلـم به ما آمنوا به لقَالُوا: لَوْلاَ فُصّلَتْ آيَاتُهُ حتـى يفقهه عربـيّ وعجميّ، لو فعلنا ذلك.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت داود بن أبـي هند، عن مـحمد بن أبـي موسى، قال: كان عبد اللّه بن مطيع واقـفـا بعرفة، فقرأ هذه الاَية وَلَوْ نَزّلْناهُ عَلـى بَعْضِ الأعْجَمِينَ فقرأه علـيهم، قال: فقال: جملـي هذا أعجم، فلو أُنزل علـى هذا ما كانوا به مؤمنـين. ورُوي عن قتادة فـي ذلك ما.

٢٠٣٥٣ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة وَلَوْ نَزّلْناهُ عَلـى بَعْضِ الأعْجَمِينَ قال: لو نزله اللّه أعجميا كانوا أخسر الناس به، لأنهم لا يعرفون بـالعجمية.

وهذا الذي ذكرناه عن قتادة قول لا وجه له، لأنه وجّه الكلام أن معناه: ولو أنزلناه أعجميا، وإنـما التنزيـل وَلَوْ نَزّلْناهُ عَلـى بَعْضِ الأعْجَمينَ يعني : ولو نزّلنا هذا القرآن العربـيّ علـي بهيـمة من العجم أو بعض ما لا يفصح، ولـم يقل: ولو نزّلناه أعجميا. فـيكون تأويـل الكلام ما قاله.

١٩٩

وقوله فَقَرأهُ عَلَـيْهِمْ يقول: فقرأ هذا القرآن علـى كفـار قومك يا مـحمد حتـمت علـيهم أن لا يؤمنوا ذلك الأعجم

ما كانوا به مؤمنـين. يقول: لـم يكونوا لـيؤمنوا به، لـما قد جرى لهم فـي سابق علـمي من الشقاء، وهذا تسلـية من اللّه نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم عن قومه، لئلا يشتدّ وجده بإدبـارهم عنه، وإعراضهم عن الاستـماع لهذا القرآن، لأنه كان صلى اللّه عليه وسلم شديدا حرصه علـى قبولهم منه، والدخول فـيـما دعاهم إلـيه، حتـى عاتبه ربه علـى شدّة حرصه علـى ذلك منهم، فقال له: لَعَلّكَ بـاخِعٌ نَفْسَكَ أنْ لا يَكُونُوا مُؤْمِنِـينَ ثم قال مؤْيِسَه من إيـمانهم وأنهم هالكون ببعض مثلاته، كما هلك بعض الأمـم الذين قصّ علـيهم قصصهم فـي هذه السورة. ولو نزّلناه علـى بعض الأعجمين يا مـحمد لا علـيك، فإنك رجل منهم، ويقولون لك: ما أنت إلا بشر مثلنا، وهلا نزل به مَلَك، فقرأ ذلك الأعجم علـيهم هذا القرآن، ولـم يكن لهم علة يدفعون بها أنه حقّ، وأنه تنزيـل من عندي، ما كانوا به مصدّقـين، فخفض من حرصك علـى إيـمانهم به، ثم وكد تعالـى ذكره الـخبر عما قد حتـم علـى هؤلاء الـمشركين، الذين آيس نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم من إيـمانهم من الشقاء والبلاء، فقال: كما حتـمنا علـى هؤلاء أنهم لا يؤمنون بهذا القرآن وَلَوْ نَزّلْناهُ عَلـى بَعْضِ الأعْجَمِينَ فقرأه علـيهم

٢٠٠

كَذَلِكَ نَسْلُكهُ التكذيب والكفر فِـي قُلُوبِ الـمـجرِمِينَ. و يعني ب قوله: سلكنا: أدخـلنا، والهاء فـي قوله سَلَكْناهُ كناية من ذكر قوله ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِـينَ، كأنه قال: كذلك أدخـلنا فـي قلوب الـمـجرمين ترك الإيـمان بهذا القرآن. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٥٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله: كذَلكَ سَلَكْناهُ قال: الكفر فِـي قُلُوبِ الـمُـجْرِمِينَ.

٢٠٣٥٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله كَذلكَ سَلَكْناهُ فِـي قُلُوبِ الـمُـجْرِمِينَ. لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حتـى يَرَوا العَذَابَ الأَلِـيـمَ.

٢٠٣٥٦ـ حدثنـي علـيّ بن سهل، قال: حدثنا زيد بن أبـي الزرقاء، عن سفـيان، عن حميد، عن الـحسن، فـي هذه الاَية كَذلكَ سَلَكْناهُ فِـي قُلُوبِ الـمُـجْرِمِينَ قال: خـلقناه.

٢٠٣٥٧ـ قال: ثنا زيد، عن حماد بن سلـمة، عن حميد، قال: سألت الـحسن فـي بـيت أبـي خـلـيفة، عن قوله كذلكَ سَلَكْناهُ فِـي قُلُوبِ الـمُـجْرِمِينَ قال: الشرك سلكه فـي قلوبهم، و

٢٠١

 قوله: لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حتـى يَرَوا العَذَابَ الأَلِـيـمَ يقول: فعلنا ذلك بهم لئلا يصدّقوا بهذا القرآن، حتـى يروا العذاب الألـيـم فـي عاجل الدنـيا، كما رأت ذلك الأمـم الذين قصّ اللّه قصصهم فـي هذه السورة. ورفع قوله لا يُؤْمِنُونَ لأن العرب من شأنها إذا وضعت فـي موضع مثل هذا الـموضع (لا) ربـما جزمت ما بعدها، وربـما رفعت فتقول: ربطت الفرس لا تنفلتْ، وأحكمت العقد لا ينـحلّ، جزما ورفعا. وإنـما تفعل ذلك لأن تأويـل ذلك: إن لـم أحكم العقد انـحلّ، فجزمه علـى التأويـل، ورفعه بأن الـجازم غير ظاهر. ومن الشاهد علـى الـجزم فـي ذلك قول الشاعر:

لَوْ كُنْتَ إذْ جِئْتَنا حاوَلْتَ رُؤْيَتَنا أوْ جِئْتَنا ماشِيا لا يَعْرِفِ الفَرَس

وقول الاَخر:

لَطالَـمَا حّلأْتـمَاها لا تَرِدْ فَخَـلّـياها وَالسّجالَ تَبْبَترِدْ

٢٠٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَيَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: فـيأتـي هؤلاء الـمكذّبـين بهذا القرآن، العذاب الألـيـم بغتة، يعني فجأة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يقول: لا يعلـمون قبل ذلك بـمـجيئه حتـى يفجأهم بغتة

٢٠٣

فَـيَقُولُوا حين يأتـيهم بغتة هَلْ نَـحْنُ مُنْظَرُونَ: أي هل نـحن مؤخّر عنا العذاب، ومُنْسأ فـي آجالنا لنثوب، وننـيب إلـى اللّه من شركنا وكفرنا بـاللّه ، فنراجع الإيـمان به، وننـيب إلـى طاعته. و

٢٠٤

 قوله: أفَبِعَذَابِنا يَسْتَعْجِلُونَ

يقول تعالـى ذكره: أفبعذابنا هؤلاء الـمشركون يستعجلون بقوله م: لن نؤمن لك حتـى تُسقط السماء كما زعمت علـينا كِسَفـا.

٢٠٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَفَرَأَيْتَ إِن مّتّعْنَاهُمْ سِنِينَ }.

انظر تفسير الآية:٢٠٦

٢٠٦

ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ

يقول تعالـى ذكره: ثم جاءهم العذاب الذي كانوا يوعدون علـى كفرهم بآياتنا، وتكذيبهم رسولنا،

٢٠٧

ما أغْنَى عَنْهُمْ يقول: أيّ شيء أغنى عنهم التأخير الذي أخّرنا فـي آجالهم، والـمتاع الذي متعناهم به من الـحياة، إذ لـم يتوبوا من شركهم، هل زادهم تـمتـيعنا إياهم ذلك إلا خبـالاً، وهل نفعهم شيئا، بل ضرّهم بـازديادهم من الاَثام، واكتسابهم من الإجرام ما لو لـم يـمتعوا لـم يكتسبوه.

٢٠٣٥٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله أفَرأيْتَ إنْ مَتّعْناهُمْ سِنـينَ إلـى قوله ما أغْنَى عَنْهُمْ ما كانُوا يُـمَتّعُونَ قال: هؤلاء أهل الكفر.

٢٠٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاّ لَهَا مُنذِرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وَما أهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ من هذه القرى التـي وصفت فـي هذه السور

إلاّ لَهَا مُنْذِرُونَ يقول: إلا بعد إرسالنا إلـيهم رسلاً ينذرونهم بأسنا علـى كفرهم وسخطنا علـيهم ذِكْرَى يقول: إلا لها منذرون ينذرونهم، تذكرة لهم وتنبـيها لهم علـى ما فـيه النـجاة لهم من عذابنا.

٢٠٩

ففـي الذكرى وجهان من الإعراب:

أحدهما النصب علـى الـمصدر من الإنذار علـى ما بـيّنْتُ،

والاَخر: الرفع علـى الابتداء، كأنه قـيـل: ذكرى.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٥٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد وَما أهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إلاّ لَهَا مُنْذِرُونَ* ذِكْرَى قال: الرسل.

قال ابن جُرَيج: و قوله: ذِكْرَى قال: الرسل.

قوله: وما كُنّا ظالِـمِينَ يقول: وما كنا ظالـميهم فـي تعذيبناهم وإهلاكهم، لأنا إنـما أهلكناهم، إذ عتوا علـينا، وكفروا نعمتنا، وعبدوا غيرنا بعد الإعذار علـيهم والإنذار، ومتابعة الـحجج علـيهم بأن ذلك لا ينبغي أن يفعلوه، فأبوا إلا التـمادي فـي الغيّ.

٢١٠

و قوله: وَما تَنزّلَتْ بِهِ الشّياطِينُ

يقول تعالـى ذكره: وما تنزّلت بهذا القرآن الشياطين علـى مـحمد، ولكنه ينزل به الروح الأمين

حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله: وَما تَنزّلَتْ بِهِ الشّياطِينُ قال: هذا القرآن.

والقرّاء مـجمعة علـى قراءة وَما تَنزّلَتْ بِهِ الشّياطِينُ بـالتاء ورفع النون، لأنها نون أصلـية، واحدهم شيطان، كما واحد البساتـين بستان. وذُكر عن الـحسن أنه كان يقرأ ذلك: (وَما تَنزّلَتْ بِهِ الشّياطُونَ) بـالواو، وذلك لـحن، وينبغي أن يكون ذلك إن كان صحيحا عنه، أن يكون توهم أن ذلك نظير الـمسلـمين والـمؤمنـين، وذلك بعيد من هذا.

٢١١

وَما يَنْبَغي لَهُمْ يقول: وما ينبغي للشياطين أن ينزلوا به علـيه، ولا يصلـح لهم ذلك

وَما يَسْتَطيعُونَ يقول: وما يستطيعون أن ينزّلوا به، لأنهم لا يصلون إلـى استـماعه فـي الـمكان الذي هو به من السماء

٢١٢

إنّهُمْ عَنِ السّمْعِ لَـمَعْزُولُونَ يقول: إن الشياطين عن سمع القرآن من الـمكان الذي هو به من السماء لـمعزولون، فكيف يستطيعون أن يتنزّلوا به. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٦٠ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله: وَما تَنزّلَتْ بِهِ الشّياطِينُ قال: هذا القرآن. وفـي قوله إنّهُمْ عَنِ السّمْعِ لَـمَعْزُلُونَ قال: عن سمع السماء.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة ، بنـحوه، إلا أنه قال: عن سمع القرآن.

٢١٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلاَ تَدْعُ مَعَ اللّه إِلَـَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذّبِينَ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : فَلا تَدْعُ يا مـحمد مَعَ اللّه إلَها آخَرَ: أي لا تعبد معه معبودا غيره فَتكُونَ مِنَ الـمُعَذّبِـينَ فـينزل بك من العذاب ما نزل بهؤلاء الذين خالفوا أمرنا وعبدوا غيرنا.

٢١٤

وقوله: وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِـينَ يقول جل ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : وأنذر عشيرتك من قومك الأقربـين إلـيك قرابة، وحذّرهم من عذابنا أن ينزل بهم بكفرهم.

وذُكر أن هذه الاَية لـما نزلت، بدأ ببنـي جده عبد الـمطلب وولده، فحذّرهم وأنذرهم. ذكر الرواية بذلك:

٢٠٣٦١ـ حدثنـي أحمد بن الـمقدام، قال: حدثنا مـحمد بن عبد الرحمن، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبـيه، عن عائشة قالت: لـما نزلت هذه الاَية: وأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِـينَ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (يا صَفِـيّةُ بِنْتَ عَبْدِ الـمُطّلِبِ، يا فـاطِمَةُ بِنْتَ مْـحَمّد يا بَنِـي عَبْد الـمُطّلِبِ إنّـي لا أمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللّه شَيْئا، سَلُونِـي مِنْ مالـي ما شِئْتُـمْ) .

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنـي أبـي ويونس بن بكير، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، عن عائشة، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، بنـحوه.

٢٠٣٦٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، قال: حدثنا عنبسة، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، قال: لـما نزلت وأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ قام النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: (يا فـاطِمَةُ بِنْتُ مُـحَمّدٍ، وَيا صَفِـيّةُ ابْنَةَ عَبْدِ الـمطّلِبِ) ثم ذكر نـحو حديث ابن الـمقدام.

٢٠٣٦٣ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا سلامة، قال: قال ع

قـيـل: ثنـي الزهري، قال: قال سعيد بن الـمسيب، وأبو سلـمة بن عبد الرحمن: إن أبـا هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين أنزل علـيه وأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ: (يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ اللّه ، لا أُغْنِـي عَنْكُمْ مِنَ اللّه شَيْئا، يا بَنِـي عَبْدِ مَنافٍ لا أُغْنِـي عَنْكُمْ مِنَ اللّه شَيْئا، يا عباس بَنَ عَبْدِ الـمُطّلبِ لا أُغْنِـي عَنْكَ مِنَ اللّه شَيْئا، يا فـاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللّه لا أُغْنِـي عَنْكِ مِنَ اللّه شَيْئا، سَلِـيِنـي ما شِئْتِ، لا أُغْنـي عَنْكِ مِنَ اللّه شَيْئا) .

٢٠٣٦٤ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الـملك، قال: حدثنا أبو الـيـمان، قال: أخبرنا شُعيب عن الزهري، قال: أخبرنـي سعيد بن الـمسيب وأبو سلـمة بن عبد الرحمن أن أبـا هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين أُنزل علـيه: وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ قال: (يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ اللّه ) ثم ذكر نـحو حديث يونس، عن سلامة غير أنه زاد فـيه (يا صَفِـيّةُ عَمّةَ رَسُولِ اللّه لا أُغْنِـي عَنْكِ مِنَ اللّه شَيْئا) ولـم يذكر فـي حديثه فـاطمة.

٢٠٣٦٥ـ حدثنـي يونس، قال: حدثنا سلامة بن روح، قال: قال ع

قـيـل: ثنـي ابن شهاب أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لـما أنزل علـيه وأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ جمع قريشا، ثم أتاهم، فقال لهم: (هَلْ فِـيكُمْ غَرِيبٌ؟) فقالوا: لا إلا ابن أخت لنا لا نراه إلا منا، قال: (إنّهُ مِنْكُمْ) ، فوعظهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ثم قال لهم فـي آخر كلامه: (لا أعْرِفَنّ ما وَرَدَ علـى النّاسِ يَوْمَ القِـيامَةِ يَسُوقُونَ الاَخِرَةَ، وَجِئْتُـمْ إلـيّ تَسُوقُونَ الدّنْـيا) .

حدثنـي يونس، قال: أخبرنـي يونس، عن ابن شهاب، أخبرنـي سعيد بن الـمسيب وأبو سلـمة بن عبد الرحمن، أن أبـا هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين أُنزل علـيه وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ: (يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ اللّه لا أُغْنِـي عَنْكُمْ مِنَ اللّه شَيْئا، يا بَنِـي عَبْدِ الـمُطّلِبِ لا أُغْنِـي عَنْكُمْ مِنَ اللّه شَيْئا، يا عباس بْنَ عَبْدِ الـمطّلِبِ لا أُغْنِـي عَنْكَ مِنَ اللّه شَيْئا، يا صَفِـيّةُ عَمّةَ رَسُولِ اللّه لا أُغْنِـي عَنْكِ مِنَ اللّه شِيْئا، يا فـاطِمَةُ بِنْتَ مُـحَمّد سَلِـيِنـي ما شِئْتِ لا أُغْنِـي عَنْكِ مِنَ اللّه شَيْئا) .

٢٠٣٦٦ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا الـمعتـمر، قال: سمعت الـحجاج يحدّث، عن عبد الـملك بن عمير، عن موسى بن طلـحة، عن أبـي هريرة، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: لـما أنزل اللّه : وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ قال نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (يا مَعْشَرَ قُرَيْش أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النّار، يا فـاطِمَةُ بِنْتَ مُـحَمّدٍ أنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النّار، ألا إنّ لَكُمْ رَحِما سأبلّها ببِلالها) .

٢٠٣٦٧ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا أبو أسامة، عن زائدة، عن عبد الـملك بن عمير، عن موسى بن طلـحة، عن أبـي هريرة، قال: لـما نَزَلت هذه الاَية: وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قريشا، فعّم وخَصّ، فقال: (يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ اللّه ، يا مَعْشَرَ بَنِـي كَعْبٍ بْنِ لُؤَيّ، يا مَعْشَرَ بَنِـي عَبْدَ منافٍ، يا مَعْشَرَ بَنِـي هاشِمٍ، يا مَعْشَرَ بَنِـي عَبْدِ الـمُطّلِبِ) ، يقول لكلهم: (أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النّارِ، يا فـاطِمَةُ بِنْتِ مُـحَمّدٍ أنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النّارِ، فإنـي وَاللّه ما أمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللّه شَيْئا، ألا إنّ لَكُمْ رَحِما سأبلّها ببِلالها) .

٢٠٣٦٨ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا الـمعتـمر، عن أبـيه، قال: حدثنا أبو عثمان، عن زُهير بن عمرو وقَبـيصة بن مُخارق: أنهما قالا: أَنزل اللّه علـى نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم : وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ، فحدّثنا عن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه علا صخرة من جبل، فعلا أعلاها حَجَرا، ثم قال: (يا آلَ عَبْدِ مَنافـاه، يا صَبـاحاه، إنّـي نَذِيرٌ، إنّ مَثَلِـي وَمَثَلُكُمْ مَثَلُ رَجُلٍ أَتـى الـجَيْشَ، فَخَشِيَهُمْ عَلـى أهْلِهِ، فَذَهَبَ يَرْبَؤُههمْ، فَخَشِيَ أنْ يَسْبِقُوهُ إلـى أهْلِهِ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِهِمْ: يا صَبـاحاه) أو كما قال.

٢٠٣٦٩ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب ومـحمد بن جعفر، عن عوف، عن قَسامة بن زهير، قال: بلغنـي أنه لـما نزل علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ جاء فوضع أصبعه فـي أذنه، ورفع من صوته، وقال: (يا بَنِـي عَبْدِ مَنافٍ وَاصَبـاحاهُ) ٢٠٣٧٠ـ قال: ثنـي أبو عاصم، قال: حدثنا عوف، عن قسامة بن زهير، قال: أظنه عن الأشعريّ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، بنـحوه.

حدثنـي عبد اللّه بن أبـي زياد، قال: حدثنا أبو زيد الأنصاريّ سعد بن أوس، عن عوف، قال: قال قسامة بن زهير، حدثنـي الأشعريّ، قال: لـما نزلت، ثم ذكر نـحوه إلا أنه قال: وضع أصبعيه فـي أذنـيه.

٢٠٣٧١ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن نُـمير، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جُبـير، عن ابن عباس ، قال: لـما نزلت هذه الاَية وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـى الصفـا، ثم نادى: (يا صَبـاحاهُ) ، فـاجتـمع الناس إلـيه، فبـينَ رجل يجيء، وبـين آخر يبعث رسوله، فقال: (يا بَنِـي هاشِمٍ، يا بَنِـي عَبْدِ الـمُطّلبِ، يا بَنِـي فِهْرٍ، يا بَنِـي يا بَنِـي، أرأيْتَكُمْ لَوْ أخْبَرْتُكُمْ أنّ خَيْلاً بِسَفْحِ هَذَا الـجَبَلِ تُرِيدُ أنْ تُغِيرَ عَلَـيْكُمْ صَدّقْتُـمُونِـي؟) قالوا: نعم، قالَ: (فإنّـي نَذِيرٌ لَكُمْ بـينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) فقال أبو لهب: تَبّـا لكم سائَر الـيوم، ما دعوتـمونـي إلا لهذا؟ فنزلت: تَبّتْ يَدَا أبِـي لَهَبِ وَتَبّ.

حدثنا أبو كُرَيب وأبو السائب، قالا: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مُرّة، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عباس ، قال: صَعِد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذات يوم الصفـا، فقال: (يا صبـاحاهُ) فـاجتـمعت إلـيه قريش، فقالوا له: مالَك؟ فقال: (أرأيْتَكُمْ إنْ أخْبَرْتُكُمْ أنّ العَدُوّ مُصَبّحُكُمْ أوْ مـمَسّيكُمْ ألا كُنْتُـمْ تُصَدّقونَنِـي؟) قالوا: بلـى، قال: (فإنّـي نَذِيرٌ لَكُمْ بـينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) . قال أبو لهب: تَبّـا لك، ألهذا دعوتنا أو جمعتنا، فأنزل اللّه : تَبّتْ يَدَا أبـي لَهَب... إلـى آخر السورة.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا أبو أُسامة، عن الأعمش، عن عمرو بن مُرّة، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، قال: لـمّا نزلت هذه الاَية: وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ ورهطك منهم الـمخـلصين، خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتـى صَعِد الصفـا، فهتف: (يا صَبـاحاهُ) فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ فقالوا: مـحمد، فـاجتـمعوا إلـيه، فقال: (يا بَنِـي فُلانٍ، يا بَنِـي فُلانً، يا بَنِـي عَبدِ الـمُطّلِبِ، يا بَنِـي عَبْدِ مَنافٍ) ، فـاجتـمعوا إلـيه، فقال: (أَرَأَيْتَكُمْ إنْ أخْبَرْتُكُمْ أنّ خَيْلاً تَـخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الـجَبَلِ أكُنْتُـمْ مُصَدّقـيّ؟) قالُوا: ما جرّبنا علـيك كذبـا، قال: (فإنـي نَذِيرٌ لَكُمْ بـينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) ، فقال أبو لهب: تبـا لك، ما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام فنزلت هذه السورة: تَبّتْ يَدَا أبـي لَهَبٍ وقد تبّ، كذا قرأ الأعمش، إلـى آخر السورة.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا أبو معاوية بن هشام، عن سفـيان، عن حبـيب، عن سعيد، عن ابن عباس ، قال: لـما نزلت وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقام علـى الصفـا، فقال: (يا صَبـاحاهُ)

قال: ثنا خالد بن عمرو، قال: حدثنا سفـيان الثوريّ، عن حبـيب بن أبـي ثابت، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، قال: لـما نزلت وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ، قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم علـى الصفـا، فقال: (يا صَبـاحاهُ) فجعل يُعَدّدُهم: (يا بَنِـي فُلانٍ، وَيا بَنِـي فُلانٍ، وَيا بَنِـي عَبْدِ مَنافٍ) .

٢٠٣٧٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن عمرو بن مرّة الـجَمَلـيّ، قال: لـما نزلت: وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ قال: أتـى جبلاً، فجعل يهتف: (يا صَبـاحاهُ) ، فأتاه مَنْ خَفّ من الناس، وأرسل إلـيه الـمتثاقلون من الناس رُسُلاً، فجعلوا يجيئون يتّبعون الصوت فلـما انتهوا إلـيه قال: (إنّ مِنْكُمْ مَنْ جاءَ لِـيَنْظُرَ، وَمِنْكُمْ مَنْ أَرْسلَ لـينظرَ مَن الهاتفُ) ، فلـما اجتـمعوا وكثروا قال: (أرأيْتَكُمْ لَوْ أخْبَرْتُكُمْ أنّ خَيْلاً مُصَبّحَتُكُمْ مِنْ هَذَا الـجَبَل، أكُنْتُـمْ مُصَدّقـيّ؟) قالوا: نعم، ما جرّبنا علـيك كذبـا، فقرأ علـيهم هذه الاَيات التـي أنزلن، وأنذرهم كما أُمِر، فجعل ينادي: (يا قُرَيْشُ، يا بَنِـي هاشِمٍ) حتـى قالَ: (يا بَنِـي عَبْدِ الـمُطّلِبِ، إنّـي نَذِيرٌ لَكُمْ بـينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) .

٢٠٣٧٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عمرو: أنه كان يقرأ: وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ ورَهْطَكَ الـمُخْـلِصين.

٢٠٣٧٤ـ قال: ثنا سَلَـمة، قال: ثنـي مـحمد بن إسحاق، عن عبد الغفـار بن القاسم، عن الـمِنهال بن عمرو، عن عبد اللّه بن الـحارث بن نوفل بن الـحارث بن عبد الـمطلب، عن عبد اللّه بن عباس ، عن علـيّ بن أبـي طالب: لـما نزلت هذه الاَية علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ دعانـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال لـي: (يا علـيّ، إنّ اللّه أمَرَنِـي أنْ أنْذِرْ عَشِيرَتِـي الأقْرَبِـينَ) ، قال: (فضقت بذلك ذَرْعا، وعرفت أنى متـى ما أنادهم بهذا الأمر أَرَ منهم ما أكره، فصمتّ حتـى جاء جبرائيـل، فقال: يا مـحمد، إنك إلاّ تفعلْ ما تؤمر به يعذّبْك ربك. فـاصنع لنا صاعا من طعام، واجعل علـيه رجل شاة، واملأ لنا عُسّا من لبن، ثم اجمع لـي بنـي عبد الـمطّلب، حتـى أكلـمّهم، وأبلغهم ما أمرت به) ، ففعلت ما أمرنـي به، ثم دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فـيهم أعمامه: أبو طالب، وحمزة، والعباس ، وأبو لهب فلـما اجتـمعوا إلـيه دعانـي بـالطعام الذي صنعت لهم، فجئت به. فلـما وضعته تناول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حِذْية من اللـحم، فشقها بأسنانه، ثم ألقاها فـي نواحي الصّحفة، قال: (خُذُوا بـاسم اللّه ) ، فأكل القوم حتـى ما لهم بشيء حاجة، وما أرى إلا مواضع أيديهم وَايْـمُ اللّه الذي نفس علـيّ بـيده إن كان الرجل الواحد لـيأكل ما قدّمتُ لـجميعهم، ثم قال: (اسْقِ النّاسَ) ، فجِئْتُهُمْ بذلك العُسّ، فشربوا حتـى رَوُوا منه جميعا، وايـمُ اللّه إن كان الرجل الواحد منهم لـيشرب مثله فلـما أراد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يكلـمهم، بَدَرَه أبو لهَب إلـى الكلام، فقال: لَهَدّ ما سحركم به صاحبكم، فتفرّق القوم ولـم يكلـمهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال: (الغَدَ يا علـيّ، إنّ هَذَا الرّجُلَ قَد سَبَقَنِـي إلـى ما قَدْ سَمِعْتَ مِنَ القَوْلِ، فَتفرّق القوم قبلَ أنْ أُكَلّـمَهُمْ، فَأعِدّ لَنا مِنَ الطّعامِ مِثْلَ الّذِي صَنَعْتَ، ثُمّ اجمَعْهُمْ لـي) ، قال: ففعلت ثم جمعتهم، ثم دعانـي بـالطعام، فقرّبته لهم، ففعل كما فعل بـالأمس، فأكلوا حتـى ما لهم بشيء حاجة، قال: (اسْقِهِمْ) ، فجئتهم بذلك العسّ فشربوا حتـى رَوُوا منه جميعا، ثم تكلـم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال: (يا بَنِـي عَبْدِ الـمُطلِبِ، إنّـي وَاللّه ما أعْلَـمُ شابـا فِـي العَرَبِ جاءَ قَوْمَهُ بأفْضَلَ مِـمّا جِئْتُكُمْ بِهِ، إنّـي قَدْ جِئْتُكُمْ بِخَيْرِ الدّنْـيا والاَخِرَةِ، وَقَدْ أمَرَنِـي اللّه أنْ أدْعُوَكُمْ إلَـيْهِ، فَأيّكُمْ يُؤَازِرُنِـي عَلـى هَذَا الأَمْرِ، عَلـى أنْ يَكُونَ أخِي) وكَذَ وكَذَا؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعا، وقلت وإنـي لأحدَثهم سنا، وأرمصهم عينا، وأعظمهم بطنا، وأخمشهم ساقا. أنا يا نبـيّ اللّه أكونُ وزيرك، فأخذ برقبتـي، ثم قال: (إن هذا أخي) وكذا وكذا، (فـاسمعوا له وأطيعوا) ، قال: فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبـي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.

٢٠٣٧٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: ثنـي إسحاق، عن عمرو بن عبـيد، عن الـحسن بن أبـي الـحسن، قال: لـما نزلت هذه الاَية علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـالأبطح، ثم قال: (يا بَنِـي عَبْدِ الـمُطّلِبِ، يا بَنِـي عَبْدِ مَنافٍ، يا بَنِـي قُصَيّ) ، قال: ثم فَخّذ قريشا قبـيـلة قبـيـلة، حتـى مرّ علـى آخرهم، (إنّـي أدْعُوكُمْ إلـى اللّه ، وأُنْذِرُكُمْ عَذَابَهُ) .

٢٠٣٧٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ قال: أُمِر مـحمد أن ينذر قومه، ويبدأ بأهل بـيته وفصيـلته، قال: وَكَذّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الـحَقّ.

٢٠٣٧٧ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا مَعْمَر، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، قال: وَلـما نزلت: وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (يا فـاطِمَةُ بِنْتُ مُـحَمّدٍ، يا صَفِـيّةُ بِنْتَ عَبْدِ الـمُطّلِبِ، اتّقُوا النّارَ وَلَوْ بِشِقّ تَـمْرَةٍ) .

٢٠٣٧٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ بدأ بأهل بـيته وفصيـلته.

٢٠٣٧٩ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، قال: لـما نزلت: وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِـينَ جمع النبي صلى اللّه عليه وسلم بنـي هاشم، فقال: (يا بنـي هاشم، ألا لا ألْفِـيَنّكُمْ تَأْتُونِـي تَـحْمِلُونَ الدّنْـيا، وَيأتِـي النّاسُ يَحْمِلُونَ الاَخِرَةَ، ألا إنّ أوْلـيائي مِنْكُمُ الـمُتّقُونَ، فـاتّقُوا النّارَ وَلَوْ بِشقّ تَـمْرَةٍ) .

٢١٥

٢٠٣٨٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: لـما نزلت هذه الاَية بدأ بأهل بـيته وفصيـلته قال: وشقّ ذلك علـى الـمسلـمين، فأنزل اللّه تعالـى: وَاخْفِضْ جَناحَكَ لَـمنِ اتّبَعَكَ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ.

و قوله: وَاخْفِضْ جَناحَكَ يقول: وألن جانبك وكلامك لَـمِنَ اتّبَعَكَ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ كما.

٢٠٣٨١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَاخْفِضْ جَناحَكَ لَـمِنِ اتّبَعَكَ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ قال: يقول: لِنْ لهم.

٢١٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنّي بَرِيَءٌ مّمّا تَعْمَلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: فإن عصتك يا مـحمد عشيرتك الأقربون الذين أمرتك بإنذارهم، وأبوا إلا الإقامة علـى عبـادة الأوثان، والإشراك بـالرحمن، فقل لهم: إنّـي بَرِيءٌ مِـمّا تَعْمَلُونَ من عبـادة الأصنام ومعصية بـاريء الأنام

٢١٧

وَتَوَكّلْ عَلـى العَزِيزِ فـي نقمته من أعدائه الرّحِيـمِ بـمن أناب إلـيه وتاب من معاصيه،

٢١٨

الّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ يقول: الذي يراك حين تقوم إلـى صلاتك. وكان مـجاهد يقول فـي تأويـل ذلك ما:

٢٠٣٨٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج عن مـجاهد ، قوله: الّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ قال: أينـما كنت.

٢١٩

وَتَقَلّبَكَ فِـي السّاجِدِينَ اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ويرى تقلبك فـي صلاتك حين تقوم، ثم تركع، وحين تسجد. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٨٣ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس قوله: وَتَقَلّبَكَ فِـي السّاجِدِينَ يقول: قـيامك وركوعك وسجودك.

٢٠٣٨٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، قال: سمعت أبـي وعلـيّ بن بذيـمة يحدّثان عن عكرِمة فـي قوله: يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلّبَكَ فِـي السّاجِدِينَ قال: قـيامه وركوعه وسجوده.

حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: قال عكرِمة، فـي قوله: وَتَقَلّبَكَ فِـي السّاجِدِينَ قال: قائما وساجدا وراكعا وجالسا.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ويرى تقلبك فـي الـمصلـين، وإبصارك منهم من هو خـلفك، كما تبصر من هو بـين يديك منهم. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٨٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد وَتَقَلّبَكَ فِـي السّاجِدِينَ كان يرى من خـلفه، كما يرى من قدّامه.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله وَتَقَلّبَكَ فِـي السّاجِدِينَ قال: الـمصلـين كان يرى مَن خـلفه فـي الصلاة.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قوله وَتَقَلّبَكَ فِـي السّاجِدِينَ قال: الـمصلـين، قال: كان يرى فـي الصلاة من خـلفه.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وتقلبك مع الساجدين: أي تصرفك معهم فـي الـجلوس والقـيام والقعود. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٨٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جُرَيج: أخبرنـي عطاء الـخراسانـي عن ابن عباس ، قال: وَتَقَلّبَكَ فِـي السّاجِدِينَ قال: يراك وأنت مع الساجدين تَقَلّب وتقوم وتقعد معهم.

٢٠٣٨٧ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله: وَتَقَلّبَكَ فِـي السّاجِدِينَ قال: فـي الـمصلـين.

٢٠٣٨٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَتَقَلّبَكَ فِـي السّاجِدِينَ قال: فـي الساجدين: الـمصلـين.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ويرى تصرّفك فـي الناس. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٨٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا ربـيعة بن كلثوم، قال: سألت الـحسن عن قوله: وَتَقَلّبَكَ فِـي السّاجِدِينَ قال: فـي الناس.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وتصرّفك فـي أحوالك كما كانت الأنبـياء من قبلك تفعله، والساجدون فـي قول قائل هذا القول: الأنبـياء. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٩٠ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، فـي قوله: الّذِي يَرَاكَ... الاَية، قال: كما كانت الأنبـياء من قبلك.

قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك بتأويـله قول من قال تأويـله: ويرى تقلبك مع الساجدين فـي صلاتهم معك، حين تقوم معهم وتركع وتسجد، لأن ذلك هو الظاهر من معناه. فأما قول من وجّهه إلـى أن معناه: وتقلبك فـي الناس، فإنه قول بعيد من الـمفهوم بظاهر التلاوة، وإن كان له وجه، لأنه وإن كان لا شيء إلا وظله يسجد للّه، فإنه لـيس الـمفهوم من قول القائل: فلان مع الساجدين، أو فـي الساجدين، أنه مع الناس أو فـيهم، بل الـمفهوم بذلك أنه مع قوم سجود، السجودَ الـمعروف، وتوجيه معانـي كلام اللّه إلـى الأغلب أولـى من توجيهه إلـى الأنكر. وكذلك أيضا فـي قول من قال: معناه: تتقلّب فـي أبصار الساجدين، وإن كان له وجه، فلـيس ذلك الظاهر من معانـيه.

فتأويـل الكلام إذن: وتوكل علـى العزيز الرحيـم، الذي يراك حين تقوم إلـى صلاتك، ويرى تقلبك فـي الـمؤتـمين بك فـيها بـين قـيام وركوع وسجود وجلوس.

٢٢٠

و قوله: إنّهُ هُوَ السّمِيعُ الَعلِـيـمُ

يقول تعالـى ذكره: إن ربك هو السميع تلاوتك يا مـحمد، وذكرك فـي صلاتك ما تتلو وتذكر، العلـيـم بـما تعلـم فـيها ويعمل فـيها من يتقلّب فـيها معك مؤتـما بك، يقول: فرتل فـيها القرآن، وأقم حدودها، فإنك بـمرأى من ربك ومسمع.

٢٢١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {هَلْ أُنَبّئُكُمْ عَلَىَ مَن تَنَزّلُ الشّيَاطِينُ }.

يقول تعالـى ذكره: هَلْ أُنَبّئُكُمْ أيها الناس عَلـى مَنْ تَنزّلُ الشّيَاطِينُ من الناس؟

٢٢٢

تَنزّلُ عَلـى كُلّ أفّـاكٍ يعني كذّاب بهّات أثِـيـمٍ يعني : آثم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٩١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: كُلّ أفّـاكٍ أثِـيـمٍ قال: كلّ كذّاب من الناس.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد تَنزّلُ عَلـى كُلّ أفّـاكٍ أثِـيـمٍ قال: كذّاب من الناس.

٢٠٣٩٢ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله: كُلّ أفّـاكٍ أثِـيـمٍ قال: هم الكهنة تسترق الـجنّ السمع، ثم يأتون به إلـى أولـيائهم من الإنس.

٢٠٣٩٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة الأسدي، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن سعيد بن وهب، قال: كنت عند عبد اللّه بن الزبـير، ف

قـيـل له: إن الـمختار يزعم أنه يوحى إلـيه، فقال: صدق، ثم تلا: هَلْ أُنَبّئُكُمْ عَلـى مَنْ تَنزّلُ الشّياطينُ تَنزّلُ عَلـى كُلّ أفّـاكٍ أثِـيـمٍ.

٢٢٣

و قوله: يُـلْقُونَ السّمْعَ

يقول تعالـى ذكره: يُـلقـي الشياطين السمع، وهو ما يسمعون مـما استرقوا سمعه من حين حدث من السماء، إلـى كُلّ أفـاكٍ أثِـيـمٍ من أولـيائهم من بنـي آدم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٩٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: يُـلْقُونَ السّمْعَ قال: الشياطين ما سمعته ألقته علـى كلّ أفّـاك كذّاب.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد يُـلْقُونَ السّمْعَ الشياطين ما سمعته ألقته عَلـى كُلّ أفّـاكٍ قال: يـلقون السمع، قال: القول.

و قوله: وأكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ يقول: وأكثر من تنزّل علـيه الشياطين كاذبون فـيـما يقولون ويخبرون. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٩٥ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، فـي قوله وأكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ عن عروة، عن عائشة قالت: الشياطين تسترق السمع، فتـجيء بكلـمة حقّ فـيقذفها فـي أذن ولـيه قال: ويزيد فـيها أكثر من مئة كذبة.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:

٢٢٤

{وَالشّعَرَآءُ يَتّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: والشعراء يتبعهم أهل الغيّ لا أهل الرشاد والهدى.

واختلف أهل التأويـل فـي الذين وصفوا بـالغيّ فـي هذا الـموضع فقال بعضهم: رواة الشعر. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٩٦ـ حدثنـي الـحسن بن يزيد الطحان، قال: حدثنا إسحاق بن منصور، قال: حدثنا قـيس، عن يعلـى، عن عكرمة، عن ابن عباس وحدّثنـي أبو كُرَيب، قال: حدثنا طلق بن غنام، عن قـيس وحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن عطيّة، عن قـيس، عن يعلـى بن النعمان، عن عكرمة، عن ابن عباس والشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوُونَ قال: الرواة.

وقال آخرون: هم الشياطين. ذكر من قال ذلك:

٢٠٣٩٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوُونَ: الشياطين.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله.

٢٠٣٩٨ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله: يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ قال: يتبعهم الشياطين.

٢٠٣٩٩ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن، قالا: حدثنا سفـيان، عن سلـمة بن كهيـل، عن عكرِمة، فـي قوله وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوُونَ قال: عصاة الـجنّ.

وقال آخرون: هم السفهاء، وقالوا: نزل ذلك فـي رجلـين تهاجيا علـى عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . ذكر من قال ذلك:

٢٠٤٠٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوُونَ... إلـى آخر الاَية، قال: كان رجلان علـى عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أحدهما من الأنصار، والاَخر من قوم آخرين، وأنهما تهاجيا، وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه، وهم السفهاء، فقال اللّه : وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوونَ، ألَـمْ تَرَ أنّهُمْ فِـي كُلّ وَادٍ يَهِيـمُونَ.

٢٠٤٠١ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوُونَ قال: كان رجلان علـى عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أحدهما من الأنصار، والاَخر من قوم آخرين، تهاجيا، مع كلّ واحد منهما غواة من قومه، وهم السّفهاء.

وقال آخرون: هم ضلال الـجنّ والإنس. ذكر من قال ذلك:

٢٠٤٠٢ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ قال: هم الكفـار يتبعهم ضلال الـجنّ والإنس.

٢٠٤٠٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قول اللّه : وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ قال: الغاوونَ الـمشركون.

قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال فـيه ما قال اللّه جلّ ثناؤه: إن شعراء الـمشركين يتبعهم غواة الناس، ومردة الشياطين، وعصاة الـجنّ، وذلك أن اللّه عمّ ب قوله: وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ فلـم يخصص بذلك بعض الغواة دون بعض، فذلك علـى جميع أصناف الغواة التـي دخـلت فـي عموم الاَية.

٢٢٥

قوله: ألَـمْ تَرَ أنّهُمْ فِـي كُلّ وَادٍ يَهِيـمونَ

يقول تعالـى ذكره: ألـم تر يا مـحمد أنهم، يعني الشعراء فـي كلّ وادٍ يذهبون، كالهائم علـى وجهه علـى غير قصد، بل جائزا علـى الـحقّ، وطريق الرشاد، وقصد السبـيـل. وإنـما هذا مثل ضربه اللّه لهم فـي افتنانهم فـي الوجوه التـي يفتنون فـيها بغير حقّ، فـيـمدحون بـالبـاطل قوما ويهجون آخرين كذلك بـالكذب والزور. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٤٠٤ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ألَـمْ تَرَ أنّهُمْ فِـي كُلّ وَادٍ يَهِيـمُونَ يقول: فـي كلّ لغو يخوضون.

٢٠٤٠٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فِـي كُلّ وَادٍ يَهِيـمُونَ قال: فـي كّل فنّ يَفْتَنّون.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قوله ألَـمْ تَرَ أنّهُمْ فِـي كُلّ وَادٍ قال: فن يَهِيـمُونَ قال: يقولون.

٢٠٤٠٦ـ حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، فـي قوله فِـي كُلّ وَادٍ يَهِيـمُونَ قال: يـمدحون قوما ببـاطل، ويشتـمون قوما ببـاطل.

٢٢٦

و قوله: وَأنّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ يقول: وأن أكثر قـيـلهم بـاطل وكذب. كما:

٢٠٤٠٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس : وَأنّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ يقول: أكثر قولهم يكذبون، وعنـي بذلك شعراء الـمشركين. كما:

٢٠٤٠٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال عبد الرحمن بن زيد: قال رجل لأبـي: يا أبـا أسامة، أرأيت قول اللّه جلّ ثناؤه: وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ ألَـمْ تَرَ أنّهُمْ فِـي كُلّ وَادٍ يَهِيـمُونَ وَأنّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ فقال له أبـي: إنـما هذا لشعراء الـمشركين، ولـيس شعراء الـمؤمنـين،

٢٢٧

ألا ترى أنه يقول: إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ... الـخ. فقال: فَرّجت عنـي يا أبـا أسامة فرّج اللّه عنك.

و قوله: إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ وهذا استثناء من قوله وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ. وذُكر أن هذا الاستثناء نزل فـي شعراء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، كحسان بن ثابت، وكعب بن مالك، ثم هو لكلّ من كان بـالصفة التـي وصفه اللّه بها. وبـالذي قلنا فـي ذلك جاءت الأخبـار. ذكر من قال ذلك:

٢٠٤٠٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة وعلـيّ بن مـجاهد ، وإبراهيـم بن الـمختار، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن عبد اللّه بن قُسَيط، عن أبـي الـحسن سالـم البرّاد مولـى تـميـم الداري، قال: لـما نزلت: وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ قال: جاء حسان بن ثابت وعبد اللّه بن رواحة، وكعب بن مالك إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وهم يبكون، فقالوا: قد علـم اللّه حين أنزل هذه الاَية أنّا شعراء، فتلا النبي صلى اللّه عليه وسلم : إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ، وَذَكَرُوا اللّه كَثـيرا، وانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا، وَسَيَعْلَـمُ الّذِينَ ظَلَـمُوا أيّ مُنْقَلَب يَنْقَلِبُونَ.

٢٠٤١٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسار، قال: نزلت وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ إلـى آخر السورة فـي حسّان بن ثابت، وعبد اللّه بن رواحة وكعب بن مالك.

٢٠٤١١ـ قال: ثنا يحيى بن واضح، عن الـحسين، عن يزيد، عن عكرمة وطاوس، قالا: قال وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ ألَـمْ تَرَ أنّهُمْ فِـي كُلّ وَادٍ يَهِيـمُونَ وَأنّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يفْعَلُونَ، فنسخ من ذلك واستثنى، قال: إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ... الاَية.

٢٠٤١٢ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قال: ثم استثنى الـمؤمنـين منهم، يعني الشعراء، فقال: إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس ، فذكر مثله.

٢٠٤١٣ـ حدثنا الـحسن قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ وَذَكَرُوا اللّه كَثِـيرا، وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا قال: هم الأنصار الذين هاجروا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .

٢٠٤١٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن مـحمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد اللّه بن قسيط، عن أبـي حسن البراد، قال: لـما نزلت: وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الْغاوُونَ ثم ذكر نـحو حديث ابن حميد عن سلـمة.

و قوله: وَذَكَرُوا اللّه كَثِـيرا اختلف أهل التأويـل فـي حال الذكر الذي وصف اللّه به هؤلاء الـمستثنـين من الشعراء، فقال بعضهم: هي حال منطقهم ومـحاورتهم الناس، قالوا: معنى الكلام: وذكروا اللّه كثـيرا فـي كلامهم. ذكر من قال ذلك:

٢٠٤١٥ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ، وَذَكَرُوا اللّه كَثِـيرا فـي كلامهم.

وقال آخرون: بل ذلك فـي شعرهم. ذكر من قال ذلك:

٢٠٤١٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَذَكَرُوا اللّه كَثِـيرا قال: ذكروا اللّه فـي شعرهم.

قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن اللّه وصف هؤلاء الذين استثناهم من شعراء الـمؤمنـين بذكر اللّه كثـيرا، ولـم يخص ذكرهم اللّه علـى حال دون حال فـي كتابه، ولا علـى لسان رسوله، فصفتهم أنهم يذكرون اللّه كثـيرا فـي كلّ أحوالهم.

و قوله: وانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا يقول: وانتصروا مـمن هجاهم من شعراء الـمشركين ظلـما بشعرهم وهجائهم إياهم، وإجابتهم عما هجوهم به. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٤١٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس وانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا قال: يردّون علـى الكفـار الذين كانوا يهجون الـمؤمنـين.

٢٠٤١٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وانْتَصَرُوا من الـمشركين مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا.

وقـيـل: عنـي بذلك كله الرهط الذين ذكرت. ذكر من قال ذلك:

٢٠٤١٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا علـيّ بن مـجاهد وإبراهيـم بن الـمختار، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن عبد اللّه بن قسيط، عن أبـي الـحسن سالـم البرّاد مولـى تـميـم الداري، قال: لـما نزلت: وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوُونَ جاء حسّان بن ثابت وعبد اللّه بن رواحة، وكعب بن مالك إلـى النبي صلى اللّه عليه وسلم وهم يبكون، فقالوا: قد علـم اللّه حين أنزل هذه الاَية أنا شعراء، فتلا النبي صلى اللّه عليه وسلم : إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ، وَذَكَرُوا اللّه كَثـيرا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن مـحمد بن إسحاق، عن يزيد بن عبد اللّه بن قسيط، عن أبـي حسن البرّاد، قال: لـما نزلت وَالشّعَرَاءُ يَتّبِعُهُمُ الغاوُونَ ثم ذكر نـحوه.

٢٠٤٢٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا قال عبد اللّه بن رواحة وأصحابه.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِـمُوا قال: عبد اللّه بن رواحة.

و قوله: وَسَيَعْلَـمُ الّذِينَ ظَلَـمُوا

يقول تعالـى ذكره: وسيعلـم الذين ظلـموا أنفسهم بشركهم بـاللّه من أهل مكة أيّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ يقول: أيّ مرجع يرجعون إلـيه، وأيّ معاد يعودون إلـيه بعد مـماتهم، فإنهم يصيرون إلـى نار لا يُطفأ سعيرها، ولا يَسْكُن لهبها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٤٢١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، وعلـيّ بن مـجاهد ، وإبراهيـم بن الـمختار، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن عبد اللّه بن قسيط، عن أبـي الـحسن سالـم البرّاد مولـى تـميـم الداري وَسَيَعْلَـمُ الّذِينَ ظَلَـمُوا أيّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ يعني : أهل مكة.

٢٠٤٢٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَسَيَعْلَـمُ الّذِينَ ظَلَـمُوا أيّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ قال: وسيعلـم الذين ظلـموا من الـمشركين أيّ منقلب ينقلبون.

آخر تفسير سورة الشعراء

﴿ ٠