تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآنللإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبريإمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)_________________________________سورة النملمكية وآياتها ثلاث وتسعون بسم اللّه الرحمَن الرحيـم ١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {طسَ }. قال أبو جعفر: وقد بـيّنا القول فـيـما مضى من كتابنا هذا فـيـما كان من حروف الـمعجم فـي فواتـح السور، ف قوله: طس من ذلك. وقد رُوي عن ابن عباس أن قوله: طس: قسم أقسمه اللّه هو من أسماء اللّه . ٢٠٤٢٣ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس . فـالواجب علـى هذا القول أن يكون معناه: والسميع اللطيف، إن هذه الاَيات التـي أنزلتها إلـيك يا مـحمد لاَيات القرآن، وآيات كتاب مبـين: يقول: يبـين لـمن تدبّره، وفكّر فـيه بفهم أنه من عند اللّه ، أنزله إلـيك، لـم تتـخرّصه أنت ولـم تتقوّله، ولا أحد سواك من خـلق اللّه ، لأنه لا يقدر أحد من الـخـلق أن يأتـي بـمثله، ولو تظاهر علـيه الـجنّ والإنس. وخفض قوله: وكِتابٍ مُبِـينٍ عطفـا به علـى القرآن. ٢و قوله: هُدًى من صفة القرآن. يقول: هذه آيات القرآن بـيان من اللّه بـين به طريق الـحقّ وسبـيـل السلام وَبُشْرَى للْـمُؤْمِنـينَ يقول: وبشارة لـمن آمن به، وصدّق بـما أنزل فـيه بـالفوز العظيـم فـي الـمعاد. وفـي قوله: هُدًى وَبُشْرَى وجهان من العربـية: الرفع علـى الابتداء بـمعنى: هو هدى وبُشرى. والنصب علـى القطع من آيات القرآن، فـيكون معناه: تلك آيات القرآن الهدى والبشرى للـمؤمنـين، ثم أسقطت الألف واللام من الهدى والبشرى، فصارا نكرة، وهما صفة للـمعرفة فنصبـا. ٣و قوله: الّذِينَ يُقِـيـمُونَ الصّلاةَ يقول: هو هدى وبشرى لـمن آمن بها، وأقام الصلاة الـمفروضة بحدودها. و قوله: وَيُؤْتُونَ الزّكاةَ يقول: ويؤدّون الزكاة الـمفروضة. وقـيـل: معناه: ويطهرون أجسادهم من دنس الـمعاصي. وقد بـيّنا ذلك فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع وَهُمْ بـالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ يقول: وهم مع إقامتهم الصلاة، وإيتائهم الزكاة الواجبة، بـالـمعاد إلـى اللّه بعد الـمـمات يوقنون، فـيذلون فـي طاعة اللّه ، رجاء جزيـل ثوابه، وخوف عظيـم عقابه، ولـيسوا كالذين يكذّبون بـالبعث، ولا يبـالون، أحسنوا أم أساءوا، وأطاعوا أم عصوا، لأنهم إن أحسنوا لـم يرجوا ثوابـا، وإن أساءوا لـم يخافوا عقابـا. ٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ زَيّنّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ }. يقول تعالـى ذكره: إن الذين لا يصدّقون بـالدار الاَخرة، وقـيام الساعة، وبـالـمعاد إلـى اللّه بعد الـمـمات والثواب والعقاب زَيّنا لَهُمْ أعمالَهُمْ يقول: حببنا إلـيهم قبـيح أعمالهم، وسهّلنا ذلك علـيهم فَهُمْ يَعْمَهُونَ يقول: فهم فـي ضلال أعمالهم القبـيحة التـي زيّناها لهم يتردّدون حيارى، يحسبون أنهم يحسنون. ٥و قوله: أُولَئِكَ الّذِينَ لَهُمْ سُوءُ العَذَابِ يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الذين لا يؤمنون بـالاَخرة لهم سوء العذاب فـي الدنـيا، وهم الذين قتلوا ببدر من مشركي قريش وَهُمْ فِـي الاَخِرَةِ هُمُ الأَخَسرُونَ يقول: وهم يوم القـيامة هم الأوضعون تـجارة والأَوكسوها بـاشترائهم الضلالة بـالهدى فَمَا رَبحَتْ تِـجَارَتهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ. ٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّكَ لَتُلَقّى الْقُرْآنَ مِن لّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ }. يقول تعالـى ذكره: وإنك يا مـحمد لتـحفظ القرآن وتعلـمه مِنْ لَدُنْ حَكِيـمٍ عَلِـيـمٍ يقول: من عند حكيـم بتدبـير خـلقه، علـيـم بأنبـاء خـلقه ومصالـحهم، والكائن من أمورهم، والـماضي من أخبـارهم، والـحادث منها. إذْ قال مُوسى ٧وإذ من صلة علـيـم. ومعنى الكلام: علـيـم حين قال موسى لأَهْلِهِ وهو فـي مسيره من مدين إلـى مصر، وقد آذاهم بردُ لـيـلهم لـما أصلد زَنْدُه: إنّـي آنَسْتُ نارا: أي أبصرت نارا أو أحسستها، فـامكثوا مكانكم سآتِـيكُمْ مِنْها بِخَبرٍ يعني من النار، والهاء والألف من ذكر النار أوْ آتِـيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ. واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة: (بِشِهابِ قَبَسٍ) بإضافة الشهاب إلـى القبس، وترك التنوين، بـمعنى: أو آتـيكم بشعلةِ نارٍ أقتبسها منها. وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الكوفة: بشِهابٍ قَبَسٍ بتنوين الشهاب وترك إضافته إلـى القبس، يعني : أو آتـيكم بشهاب مقتبس. والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان معروفتان فـي قَرَأة الأمصار، متقاربتا الـمعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وكان بعض نـحويـيّ البصرة يقول: إذا جُعل القبس بدلاً من الشهاب، فـالتنوين فـي الشهاب، وإن أضاف الشهاب إلـى القبس، لـم ينوّن الشهاب. وقال بعض نـحويـيّ الكوفة: إذا أضيف الشهاب إلـى القبس فهو بـمنزلة قوله وَلَدَارُ الاَخِرَةِ مـما يضاف إلـى نفسه إذا اختلف اسماه ولفظاه توهما بـالثانـي أنه غير الأوّل. قال: ومثله حبة الـخضراء، ولـيـلة القمراء، ويوم الـخميس وما أشبهه. وقال آخر منهم: إن كان الشهاب هو القبس لـم تـجز الإضافة، لأن القبس نعت، ولا يُضاف الاسم إلـى نعته إلا فـي قلـيـل من الكلام، وقد جاء: وَلَدَارُ الاَخِرَةِ ووَللَدّارُ الاَخِرَةُ. والصواب من القول فـي ذلك أن الشهاب إذا أريد به أنه غير القبس، فـالقراءة فـيه بـالإضافة، لأن معنى الكلام حينئذ، ما بـينا من أنه شعلة قبس، كما قال الشاعر: فـي كَفّه صَعْدَةٌ مُشَقّـفَةٌفِـيها سِنانٌ كشُعْلَةِ القَبَسِ وإذا أريد بـالشهاب أنه هو القبس، أو أنه نعت له، فـالصواب فـي الشهاب التنوين، لأن الصحيح فـي كلام العرب ترك إضافة الاسم إلـى نعته، وإلـى نفسه، بل الإضافـات فـي كلامها الـمعروف إضافة الشيء إلـى غير نفسه وغير نعته. و قوله: لَعَلّكُمْ تَصْطَلُونَ يقول: كي تصطلوا بها من البرد. ٨و قوله: فَلَـمّا جاءَها يقول: فلـما جاء موسى النار التـي آنسها نُودِيَ أنْ بُورِكَ مَنْ فِـي النّارِ ومَنْ حَوْلَهَا. كما: ٢٠٤٢٤ـ حدثنا علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: نُودِيَ أنْ بُورِكَ مَنْ فِـي النّارِ يقول: قُدّس. واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بقوله مَنْ فِـي النّارِ فقال بعضهم: عنـي جلّ جلاله بذلك نفسه، وهو الذي كان فـي النار، وكانت النار نوره تعالـى ذكره فـي قول جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٤٢٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، فـي قوله: فَلَـمّا جاءَها نُودِيَ أنْ بُورِكَ مَنْ فـي النّارِ يعني نفسه قال: كان نور ربّ العالـمين فـي الشجرة. ٢٠٤٢٦ـ حدثنـي إسماعيـل بن الهيثم أبو العالـية العبدي، قال: حدثنا أبو قُتَـيبة، عن ورقاء، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبـير، فـي قول اللّه : بُورِكَ مَنْ فـي النّارِ قال: ناداه وهو فـي النار. ٢٠٤٢٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن الـحسن، فـي قوله: نُودِيَ أنْ بُورِكَ مَنْ فِـي النّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا قال هو النور. ٢٠٤٢٨ـ قال: قال قتادة : بُورِكَ مَنْ فِـي النّارِ قال: نور اللّه بورك. قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال الـحسن البصري بُورِكَ مَنْ فِـي النّارِ. وقال آخرون: بل معنى ذلك: بوركت النار. ذكر من قال ذلك: ٢٠٤٢٩ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الأشيب، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد نُودِيَ أنْ بُورِكَ مَنْ فِـي النّارِ بوركت النار. كذلك قاله ابن عباس . حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله أنْ بُورِكَ مَنْ فِـي النّارِ قال: بوركت النار. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال مـجاهد بُورِكَ مَنْ فِـي النّارِ قال: بوركت النار. ٢٠٤٣٠ـ حدثنا مـحمد بن سنان القزاز، قال: حدثنا مكي بن إبراهيـم، قال: حدثنا موسى، عن مـحمد بن كعب، فـي قوله: أنْ بورِكَ مَنْ فِـي النّارِ نور الرحمن، والنور هو اللّه وَسُبْحَانَ اللّه رَبّ الْعَالَـمِينَ. واختلف أهل التأويـل فـي معنى النار فـي هذا الـموضع، فقال بعضهم: معناه: النور كما ذكرت عمن ذكرت ذلك عنه. وقال آخرون: معناه النار لا النور. ذكر من قال ذلك: ٢٠٤٣١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن سعيد بن جُبَـير، أنه قال: حجاب العزّة، وحجاب الـمَلِك، وحجاب السلطان، وحجاب النار، وهي تلك النار التـي نودي منها. قال: وحجاب النور، وحجاب الغمام، وحجاب الـماء، وإنـما قـيـل: بورك من فـي النار، ولـم يقل: بورك فـيـمن فـي النار علـى لغة الذين يقولون: بـاركك اللّه . والعرب تقول: بـاركك اللّه ، وبـارك فـيك. و قوله: وَمَنْ حَوْلَهَا يقول: ومن حول النار. و قـيـل: عَنـي بـمن حولها: الـملائكة. ذكر من قال ذلك: ٢٠٤٣٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس وَمَنْ حَوْلَهَا قال: يعني الـملائكة. ٢٠٤٣٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن الـحسن، مثله. وقال آخرون: هو موسى والـملائكة. ٢٠٤٣٤ـ حدثنا مـحمد بن سنان القزّاز، قال: حدثنا مكي بن إبراهيـم، قال: حدثنا موسى، عن مـحمد بن كعب وَمَنْ حَوْلَهَا قال موسى النبي والـملائكة، ثم قال: يا مُوسَى إنّهُ أنا اللّه العَزِيزُ الـحَكيـمُ. و قوله: وَسُبْحانَ اللّه رَبّ العالَـمِينَ يقول: وتنزيها للّه ربّ العالـمين، مـما يصفه به الظالـمون. ٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَمُوسَىَ إِنّهُ أَنَا اللّه الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }. يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـله لـموسى: إنّهُ أنا اللّه العَزِيزُ فـي نقمته من أعدائه الـحَكِيـمُ فـي تدبـيره فـي خـلقه. والهاء التـي فـي قوله: إنّهُ هاء عماد، وهو اسم لا يظهر فـي قول بعض أهل العربـية. وقال بعض نـحويـي الكوفة: يقول هي الهاء الـمـجهولة، ومعناها: أن الأمر والشأن: أنا اللّه ، ١٠و قوله: وألْقِ عَصَاكَ فَلَـمّا رآهَا تَهْتَزّ فـي الكلام مـحذوف تُرك ذكره، استغناء بـما ذُكِر عما حُذف، وهو: فألقاها فصارت حية تهتز فَلَـمّا رآها تَهْتَزّ كأنّها جانّ يقول: كأنها حية عظيـمة، والـجانّ: جنس من الـحيات معروف. وقال ابن جُرَيْج فـي ذلك ما. ٢٠٤٣٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جُرَيج: وألْقِ عَصَاكَ فَلَـمّا رآها تَهْتَزّ كأنّها جانّ قال: حين تـحوّلت حية تسعى، وهذا الـجنس من الـحيات عنـي الراجز ب قوله: يَرْفَعْنَ بـاللّـيْـلِ إذَا ما أسْدَفـاأعْناقَ جِنّانٍ وَهاما رُجّفَـاوَعَنَقا بَعْدَ الرّسِيـم خَيْطَفَـا و قوله: وَلّـى مُدْبرا يقول تعالـى ذكره: ولـى موسى هاربـا خوفـا منها ولَـمْ يُعَقّبْ يقول: ولـم يرجع من قولهم: عقب فلان: إذا رجع علـى عقبه إلـى حيث بدأ. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٤٣٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه : ولَـمْ يُعَقّبْ قال: لـم يرجع. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله. ٢٠٤٣٧ـ قال: ثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان عن معمر، عن قتادة ، قال: لـم يـلتفت. ٢٠٤٣٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله ولَـمْ يُعَقّبْ قال: لـم يرجع يَا مُوسَى قال: لـما ألقـى العصا صارت حية، فرعب منها وجزع، فقال اللّه : إنّـي لا يَخافُ لَدَيّ الـمُرْسَلُونَ قال: فلـم يرعو لذلك، قال: فقال اللّه له: أقْبِلْ وَلا تَـخَفْ إنّكَ مِنَ الاَمِنِـينَ قال: فلـم يقـف أيضا علـى شيء من هذا حتـى قال: سَنُعِيدُها سِيرَتها الأُولـى قال: فـالتفت فإذا هي عصا كما كانت، فرجع فأخذها، ثم قوي بعد ذلك حتـى صار يرسلها علـى فرعون ويأخذها. ١١و قوله: يا موسَى لا تَـخَفْ إنّـي لا يَخافُ لَديّ الـمُرْسَلُونَ إلاّ مَنْ ظَلَـمَ يقول تعالـى ذكره: فناداه ربه: يا موسى لا تـخف من هذه الـحية، إنـي لا يخاف لديّ الـمرسلون: يقول: إنـي لا يخاف عندي رسلـي وأنبـيائي الذين أختصهم بـالنبوّة، إلا من ظلـم منهم، فعمل بغير الذي أُذن له فـي العمل به. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٤٣٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قوله يا مُوسَى لا تَـخَفْ إنّـي لا يَخافُ لَدَيّ الـمُرْسَلُونَ قال: لا يخيف اللّه الأنبـياء إلا بذنب يصيبه أحدهم، فإن أصابه أخافه حتـى يأخذه منه. ٢٠٤٤٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا عبد اللّه الفزاري، عن عبد اللّه بن الـمبـارك، عن أبـي بكر، عن الـحسن، قال: قوله: يا مُوسَى لا تَـخَفْ إنّـي لا يَخافُ لَدَيّ الـمُرْسَلُونَ إلاّ مَنْ ظَلَـمَ قال: إنـي إنـما أخفتك لقتلك النفس، قال: وقال الـحسن: كانت الأنبـياء تذنب فتعاقب. واختلف أهل العربـية فـي وجه دخول إلا فـي هذا الـموضع، وهو استثناء مع وعد اللّه الغفران الـمستثنى من قوله: إنّـي لا يَخافُ لَدَيّ الـمُرْسَلُونَ ب قوله: فإنّـي غَفُورٌ رَحِيـمٌ. وحكم الاستثناء أن يكون ما بعده بخلاف معنى ما قبله، وذلك أن يكون ما بعده إن كان ما قبله منفـيا مثبتا ك قوله: ما قام إلا زيد، فزيد مثبت له القـيام، لأنه مستثنى مـما قبل إلا، وما قبل إلا منفـيّ عنه القـيام، وأن يكون ما بعده إن كان ما قبله مثبتا منفـيا كقولهم: قام القوم إلا زيدا فزيد منفـي عنه القـيام ومعناه: إن زيدا لـم يقم، والقوم مثبت لهم القـيام، (إلا من ظلـم، ثم بدّل حسنا بعد سوء) ، فقد أمنه اللّه بوعده الغفران والرحمة، وأدخـله فـي عداد من لا يخاف لديه من الـمرسلـين. فقال بعض نـحويـي البصرة: أدخـلت إلا فـي هذا الـموضع، لأن إلا تدخـل فـي مثل هذا الكلام، كمثل قول العرب: ما أشتكي إلا خيرا فلـم يجعل قوله: إلا خيرا علـى الشكوى، ولكنه علـم أنه إذا قال: ما أشتكي شيئا أن يذكر عن نفسه خيرا، كأنه قال: ما أذكر إلا خيرا. وقال بعض نـحويـي الكوفة: يقول القائل: كيف صير خائفـا من ظلـم، ثم بدّل حسنا بعد سوء، وهو مغفور له؟ فأقول لك: فـي هذه الاَية وجهان: أحدهما أن يقول: إن الرسل معصومة مغفور لها آمنة يوم القـيامة، ومن خـلط عملاً صالـحا وآخر سيئا فهو يخاف ويرجو، فهذا وجه. والاَخر: أن يجعل الاستثناء من الذين تركوا فـي الكلـمة، لأن الـمعنى: لا يخاف لديّ الـمرسلون، إنـما الـخوف علـى من سواهم، ثم استثنى فقال: إلا مَنْ ظَلَـمَ ثُمّ بَدّلَ حُسْنا يقول: كان مشركا، فتاب من الشرك، وعمل حسنا، فذلك مغفور له، ولـيس يخاف. قال: وقد قال بعض النـحويـين: إن إلا فـي اللغة بـمنزلة الواو، وإنـما معنى هذه الاَية: لا يخاف لديّ الـمرسلون، ولا من ظلـم ثم بدّل حسنا، قال: وجعلوا مثله كقول اللّه : لِئَلاّ يكُونَ للنّاسِ عَلَـيْكُمْ حُجّةٌ إلاّ الّذِينَ ظَلَـمُوا مِنْهُمْ قال: ولـم أجد العربـية تـحتـمل ما قالوا، لأنـي لا أجيز: قام الناس إلا عبد اللّه ، وعبد اللّه قائم إنـما معنى الاستثناء أن يخرج الاسم الذي بعد إلا من معنى الأسماء التـي قبل إلا. وقد أراه جائزا أن يقول: لـي علـيك ألف سوى ألف آخر فإن وُضِعت إلا فـي هذا الـموضع صلـحت، وكانت إلا فـي تأويـل ما قالوا، فأما مـجرّدة قد استثنى قلـيـلها من كثـيرها فلا، ولكن مثله مـما يكون معنى إلا كمعنى الواو، ولـيست بها قوله: خالِدِينَ فِـيها ما دَامَتِ السّمَوَاتُ والأرْضُ إلاّ ما شاءَ رَبّكَ هو فـي الـمعنى. والذي شاء ربك من الزيادة، فلا تـجعل إلا بـمنزلة الواو، ولكن بـمنزلة سوى فإذا كانت (سوى) فـي موضع (إلا) صلـحت بـمعنى الواو، لأنك تقول: عندي مال كثـير سوى هذا: أي وهذا عندي، كأنك قلت: عندي مال كثـير وهذا أيضا عندي، وهو فـي سوى أبعد منه فـي إلا، لأنك تقول: عندي سوى هذا، ولا تقول: عندي إلا هذا. قال أبو جعفر: والصواب من القول فـي قوله إلاّ مَنْ ظَلَـمَ ثُم بَدّلَ عندي غير ما قاله هؤلاء الذين حكينا قولهم من أهل العربـية، بل هو القول الذي قاله الـحسن البصري وابن جُرَيج ومن قال قولهما، وهو أن قوله: إلاّ مَنْ ظَلَـمَ استثناء صحيح من قوله لا يَخافُ لَدَيّ الـمُرْسَلُونَ إلاّ مَنْ ظَلَـمَ منهم فأتـى ذنبـا، فإنه خائف لديه من عقوبته. وقد بـين الـحسن رحمه اللّه معنى قـيـل اللّه لـموسى ذلك، وهو قوله قال: إنـي إنـما أخفتك لقتلك النفس. فإن قال قائل: فما وجه قـيـله إن كان قوله إلاّ مَنْ ظَلَـمَ استثناءً صحيحا، وخارجا من عداد من لا يخاف لديه من الـمرسلـين، وكيف يكون خائفـا من كان قد وُعد الغفران والرحمة؟ قـيـل: إن قوله: ثُمّ بَدّلَ حُسْنا بَعْدَ سُوءِ كلام آخر بعد الأوّل، وقد تناهى الـخبر عن الرسل من ظلـم منهم، ومن لـم يظلـم عند قوله إلاّ مَنْ ظَلَـمَ ثم ابتدأ الـخبر عمن ظلـم من الرسل، وسائر الناس غيرهم. و قـيـل: فمن ظلـم ثم بدّل حسنا بعد سوء فإنـي له غفور رحيـم. فإن قال قائل: فعلام تعطف إن كان الأمر كما قلت بثم إن لـم يكن عطفـا علـى قوله: ظَلَـمَ؟ قـيـل: علـى متروك استغنـي بدلالة قوله ثُمّ بَدّلَ حُسْنا بَعْدَ سُوءٍ علـيه عن إظهاره، إذ كان قد جرى قبل ذلك من الكلام نظيره، وهو: فمن ظلـم من الـخـلق. وأما الذين ذكرنا قولهم من أهل العربـية، فقد قالوا علـى مذهب العربـية، غير أنهم أغفلوا معنى الكلـمة وحملوها علـى غير وجهها من التأويـل. وإنـما ينبغي أن يحمل الكلام علـى وجهه من التأويـل، ويـلتـمس له علـى ذلك الوجه للإعراب فـي الصحة مخرج لا علـى إحالة الكلـمة عن معناها ووجهها الصحيح من التأويـل. و قوله: ثُمّ بَدّلَ حُسْنا بَعْد سُوءٍ يقول تعالـى ذكره: فمن أتـى ظلـما من خـلق اللّه ، وركب مأثما، ثم بدل حسنا، يقول: ثم تاب من ظلـمه ذلك وركوبه الـمأثم، فإنـي غَفُورٌ يقول: فإن ساتر علـى ذنبه وظلـمه ذلك بعفوي عنه، وترك عقوبته علـيه رَحِيـمٌ به أن أعاقبه بعد تبديـله الـحسن بضده. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٤٤١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله إلاّ مَنْ ظَلَـمَ، ثُمّ بَدّلَ حُسْنا بَعْدَ سُوءٍ ثم تاب من بعد إساءته فإنّـي غَفُورٌ رَحِيـمٌ ١٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوَءٍ ...}. يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـله لنبـيه موسى: وأدْخِـلْ يَدَكَ فِـي جَيْبِكَ ذكر أنه تعالـى ذكره أمره أن يدخـل كفه فـي جيبه وإنـما أمره بإدخاله فـي جيبه، لأن الذي كان علـيه يومئذ مِدرعة من صوف. قال بعضهم: لـم يكن لها كُمّ. وقال بعضهم: كان كمها إلـى بعض يده. ذكر من قال ذلك: ٢٠٤٤٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد وأَدْخِـلْ يَدَكَ فِـي جَيْبِكَ قال: الكفّ فقط فـي جيبك. قال: كانت مدرعة إلـى بعض يده، ولو كان لها كُمّ أمره أن يدخـل يده فـي كمه. ٢٠٤٤٣ـ قال: ثنـي حجاج، عن يونس بن أبـي إسحاق، عن أبـيه، عن عمرو بن ميـمون، قال: قال ابن مسعود: إن موسى أتـى فرعون حين أتاه فـي ذُرْ مانقة، يعني جبة صوف. و قوله: تـخْرُجْ بَـيْضَاءَ يقول: تـخرج الـيد بـيضاء بغير لون موسى من غيرِ سُوءٍ يقول: من غير برص فـي تسع آيات، يقول تعالـى ذكره: أدخـل يدك فـي جيبك تـخرج بـيضاء من غير سوء، فهي آية فـي تسع آيات مُرسل أنت بهنّ إلـى فرعون وترك ذكر مرسل لدلالة قوله إلـى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ علـى أن ذلك معناه، كما قال الشاعر: رأتْنِـي بِحَبْلَـيْها فَصَدّتْ مَخافَةًوفِـي الـحَبْلِ رَوْعاءُ الفُؤَادِ فَرُوقُ ومعنى الكلام: رأتنـي مقبلاً بحبلـيها، فترك ذكر (مقبل) استغناء بـمعرفة السامعين معناه فـي ذلك، إذ قال: رأتنـي بحبلـيها ونظائر ذلك فـي كلام العرب كثـيرة. والاَيات التسع: هنّ الاَيات التـي بـيّناهنّ فـيـما مضى. وقد: ٢٠٤٤٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله تِسْعِ آياتٍ إلـى فِرْعَوْنَ وقَوْمهِ قال: هي التـي ذكر اللّه فـي القرآن: العصا، والـيد، والـجراد، والقمل، والضفـادع، والطوفـان، والدم، والـحجر، والطّمْس الذي أصاب آل فرعون فـي أموالهم. و قوله: إنّهُمْ كانُوا قَوْما فـاسِقِـينَ يقول: إن فرعون وقومه من القبط كانوا قوما فـاسقـين، يعني كافرين بـاللّه ، وقد بـيّنا معنى الفسق فـيـما مضى. ١٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هَـَذَا سِحْرٌ مّبِينٌ }. يقول تعالـى ذكره: فلـما جاءت فرعون وقومه آياتنا، يعني أدلتنا وحججنا، علـى حقـيقة ما دعاهم إلـيه موسى وصحته، وهي الاَيات التسع التـي ذكرناها قبل. وقوله مُبْصِرَةً يقول: يبصر بها من نظر إلـيها ورآها حقـيقة ما دلت علـيه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٤٤٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج فَلَـمّا جاءَتْهُمْ آياتُنَا مُبْصِرَةً قال: بـيّنة قَالُوا: هَذَا سِحْرٌ مُبِـينٌ، يقول: قال فرعون وقومه: هذا الذي جاءنا به موسى سحر مبـين، يقول: يبـين للناظرين له أنه سحر. ١٤و قوله: وَجَحَدُوا بِها يقول: وكذّبوا بـالاَيات التسع أن تكون من عند اللّه ، كما: ٢٠٤٤٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج وَجَحَدُوا بِها قال: الـجحود: التكذيب بها. و قوله: وَاسْتَـيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ يقول: وأيقنتها قلوبهم، وعلـموا يقـينا أنها من عند اللّه ، فعاندوا بعد تبـينهم الـحقّ، ومعرفتهم به، كما: ٢٠٤٤٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عطاء الـخراسانـي، عن ابن عباس وَاسْتَـيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ قال: يقـينهم فـي قلوبهم. ٢٠٤٤٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله اللّه : وَاسْتَـيْقَنَتْها أنْفُسُهُمْ ظُلْـما وَعُلُوّا قال: استـيقنوا أن الاَيات من اللّه حقّ، فلـم جحدوا بها؟ قال: ظلـما وعلوّا. و قوله: ظُلْـما وَعُلُوّا يعني بـالظلـم: الاعتداء، والعلوّ: الكبر، كأنه قـيـل: اعتداء وتكبرا وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٤٤٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، فـي قوله ظُلْـما وَعُلُوّا قال: تعظما واستكبـارا، ومعنى ذلك: وجحدوا بـالاَيات التسع ظلـما وعلوّا، واستـيقنتها أنفسهم أنها من عند اللّه ، فعاندوا الـحقّ بعد وضوحه لهم، فهو من الـمؤخر الذي معناه التقديـم. و قوله: فـانْظُرْ كَيْف كانَ عاقِبَةُ الـمُفْسِدِينَ. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : فـانظر يا مـحمد بعين قلبك كيف كان عاقبة تكذيب هؤلاء الذين جحدوا آياتنا حين جاءتهم مبصرة، وماذا حلّ بهم من إفسادهم فـي الأرض ومعصيتهم فـيها ربهم، وأعقبهم ما فعلوا، فإن ذلك أخرجهم من جنات وعيون، وزروع ومقام كريـم، إلـى هلاك فـي العاجل بـالغرق، وفـي الاَجل إلـى عذاب دائم، لا يفتر عنهم، وهم فـيه مبلسون. يقول: وكذلك يا مـحمد سنتـي فـي الذين كذّبوا بـما جئتهم به من الاَيات علـى حقـيقة ما تدعوهم إلـيه من الـحقّ من قومك. ١٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالاَ الْحَمْدُ للّه الّذِي فَضّلَنَا عَلَىَ كَثِيرٍ مّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ }. يقول تعالـى ذكره: وَلَقَدْ آتَـيْنَا دَاوُدَ وَسُلَـيـمَانُ عِلْـما وذلك علـم كلام الطير والدوابّ، وغير ذلك مـما خصهم اللّه بعلـمه وَقالا الـحَمْدُ للّه الّذِي فَضّلَنا عَلـى كَثِـيرٍ مِنْ عِبـادِهِ الـمُؤْمِنِـينَ يقول جلّ ثناؤه: وقال داود وسلـيـمان: الـحمد للّه الذي فضلنا بـما خصنا به من العلـم الذي آتاناه دون سائر خـلقه من بنـي آدم فـي زماننا هذا علـى كثـير من عبـاده الـمؤمنـين به فـي دهرنا هذا. ١٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَأَيّهَا النّاسُ عُلّمْنَا مَنطِقَ الطّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلّ شَيْءٍ إِنّ هَـَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ }. يقول تعالـى ذكره: وَوَرِثَ سُلَـيْـمانُ أبـاه دَاوُدَ العلـم الذي كان آتاه اللّه فـي حياته، والـمُلك الذي كان خصه به علـى سائر قومه، فجعله له بعد أبـيه داود سائر ولد أبـيه. وَقالَ يا أيّها النّاس عُلّـمْنا مَنْطِقَ الطّيْرِ يقول: وقال سلـيـمان لقومه: يا أيها الناس علـمنا منطق الطير، يعني فهمنا كلامها وجعل ذلك من الطير كمنطق الرجل من بنـي آدم إذ فهمه عنها، وقد: ٢٠٤٥٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي معشر، عن مـحمد بن كعب وَقالَ يا أيّها النّاسُ عُلّـمْنا مَنْطِقَ الطّيْر قال: بلغنا أن سلـيـمان كان عسكره مئة فرسخ: خمسة وعشرون منها للإنس، وخمسة وعشرون للـجنّ وخمسة وعشرون للوحش وخمسة وعشرون للطير، وكان له ألف بـيت من قوارير علـى الـخشب فـيها ثلاث مئة صريحة، وسبع مئة سرية، فأمر الريح العاصف فرفعته، وأمر الرّخاء فسيرته فأوحى اللّه إلـيه وهو يسير بـين السماء والأرض: إنـي قد أردت أنه لا يتكلـم أحد من الـخلائق بشيء إلا جاءت الريح فأخبرته. و قوله: وأُوتـينا مِنْ كلّ شَيْءٍ يقول: وأُعطينا ووُهب لنا من كلّ شيء من الـخيرات إنّ هَذَا لَهُوَ الفَضْلُ الـمُبِـينُ يقول: إن هذا الذي أوتـينا من الـخيرات لهو الفضل علـى جميع أهل دهرنا الـمبـين، يقول: الذي يبـين لـمن تأمّله وتدبره أنه فضل أُعطيناه علـى من سوانا من الناس. ١٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنّ وَالإِنْس وَالطّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ }. يقول تعالـى ذكره: وجمع لسلـيـمان جنوده من الـجنّ والإنس والطير فـي مسير لهم فهم يوزعون. واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله فَهُمْ يُوزَعُونَ فقال بعضهم: معنى ذلك: فهم يُحبس أوّلهم علـى آخرهم حتـى يجتـمعوا. ذكر من قال ذلك: ٢٠٤٥١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عطاء الـخراسانـي، عن ابن عباس ، قال: جعل علـى كل صنف من يردّ أولاها علـى أُخراها لئلا يتقدموا فـي الـمسير كما تصنع الـملوك. ٢٠٤٥٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا أبو سفـيان عن معمر، عن قتادة ، فـي قوله: وَحُشِرَ لِسُلَـيْـمانَ جُنودُهُ مِنَ الـجنّ والإِنْس والطّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ قال: يردّ أوّلهم علـى آخرهم. وقال آخرون: معنى ذلك فهم يساقون. ذكر من قال ذلك: ٢٠٤٥٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَحُشِرَ لِسُلَـيْـمانَ جُنُودُهُ مِنَ الـجِنّ والإنْسِ والطّيْرَ فَهُمْ يُوزَعُونَ قال: يوزعون: يُساقون. وقال آخرون: بل معناه: فهم يتقدمون. ذكر من قال ذلك: ٢٠٤٥٤ـ حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان عن معمر، قال: قال الـحسن: يُوزَعُونَ يتقدمون. قال أبو جعفر: وأولـى هذه الأقوال بـالصواب قول من قال: معناه: يردّ أوّلهم علـى آخرهم وذلك أن الوازع فـي كلام العرب هو الكافّ، يقال منه: وزع فلان فلانا عن الظلـم: إذا كفّه عنه، كما قال الشاعر: ألَـمْ يَزَعِ الهَوَى إذْ لَـمْ يُؤَاتِ بَلـى وَسَلَوْتُ عَنْ طَلَب الفَتاةِ وقال آخر: عَلـى حِينَ عاتَبْتُ الـمَشيبَ عَلـى الصّبـاوقُلْتُ ألَـمّا أصْحُ والشّيْبُ وَازعُ وإنـما قـيـل للذين يدفعون الناس عن الولاة والأمراء وزعة: لكفهم إياهم عنه. ١٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {حَتّىَ إِذَآ أَتَوْا عَلَىَ وَادِي النّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَأَيّهَا النّمْلُ ادْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ ...}. يعني تعالـى ذكره ب قوله: حتـى إذَا أتَوْا عَلـى وَادِي النّـمْلِ حتـى إذا أتـى سلـيـمان وجنوده علـى وادي النـمل قالَتْ نَـمْلَةٌ يا أيّها النّـمْلُ ادْخُـلُوا مَساكِنَكُمْ لا يحْطِمَنّكُمْ سلَـيْـمانُ وَجُنُودُهُ يقول: لا يكسرنكم ويقتلنكم سلـيـمان وجنوده وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يقول: وهم لا يعلـمون أنهم يحطمونكم. ٢٠٤٥٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن ويحيى، قالا حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن رجل يقال له الـحكم، عن عوف، فـي قوله: قالَتْ نَـمْلَةٌ يا أيها النّـمْلُ قال: كان نـمل سلـيـمان بن داود مثل الذبـاب. ١٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَتَبَسّمَ ضَاحِكاً مّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبّ أَوْزِعْنِيَ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ...}.
يقول تعالـى ذكره: فتبسّم سلـيـمان ضاحكا من قول النـملة التـي قالت ما قالت، وقال: رَبّ أوْزِعْنِـي أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ التـي أنْعَمْتَ عَلـيّ يعني بقوله أوْزِعْنِـي: ألهمنـي. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٤٥٦ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، فـي قوله: قالَ رَبّ أوْزِعْنِـي أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ يقول: اجعلنـي. ٢٠٤٥٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله اللّه : رَبّ أوْزِعْنِـي أنْ أشْكُرَ نِعْمَتَكَ التـي أنْعَمْتَ عَلـيّ قال: فـي كلام العرب، تقول: أوزع فلان بفلان، يقول: حرض علـيه. وقال ابن زيد: أوْزِعْنِـي ألهمنـي وحرّضنـي علـى أن أشكر نعمتك التـي أنعمت علـيّ وعلـى والديّ. و قوله: وأنْ أعْمَلَ صَالِـحا تَرْضَاهُ يقول: وأوزعنـي أن أعمل بطاعتك وما ترضاه وأدّخِـلْنِـي بِرَحْمَتِكَ فِـي عِبـادِكَ الصّالِـحِينَ يقول: وأدخـلنـي برحمتك مع عبـادك الصالـحين، الذين اخترتهم لرسالتك وانتـخبتهم لوحيك، يقول: أدخـلنـي من الـجنة مداخـلهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٤٥٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وأدْخِـلْنِـي بِرَحْمَتِكَ فِـي عبـادِكَ الصّالِـحينَ قال: مع عبـادك الصالـحين الأنبـياء والـمؤمنـين. ٢٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَتَفَقّدَ الطّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَآئِبِينَ }. يقول تعالـى ذكره: وَتَفَقّدَ سلـيـمان الطيْرَ فَقالَ مالـيَ لا أرَى الهُدْهُدَ. وكان سبب تفقده الطير وسؤاله عن الهدهد خاصة من بـين الطير، ما: ٢٠٤٥٩ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان، قال: سمعت عمران عن أبـي مُـجَلّز، قال: جلس ابن عباس إلـى عبد اللّه بن سلام، فسأله عن الهدهد: لـم تفقّده سلـيـمان من بـين الطير٠فقال عبد اللّه بن سلام: إن سلـيـمان نزل منزلة فـي مسير له، فلـم يدر ما بُعْدَ الـماء، فقال: من يعلـم بُعْدَ الـماء؟ قالوا: الهدهد، فذاك حين تفقده. حدثنا مـحمد، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا عمران بن حدير، عن أبـي مـجلّز، عن ابن عباس وعبد اللّه ابن سلام بنـحوه. ٢٠٤٦٠ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن الـمنهال، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عباس ، قال: كان سلـيـمان بن داود يوضع له ستّ مئة كرسي، ثم يجيء أشراف الإنس فـيجلسون مـما يـلـيه، ثم تـجيء أشراف الـجنّ فـيجلسون مـما يـلـي الإنس، قال: ثم يدعو الطير فتظلهم، ثم يدعو الريح فتـحملهم، قال: فـيسير فـي الغداة الواحدة مسيرة شهر، قال: فبـينا هو فـي مسيره إذا احتاج إلـى الـماء وهو فـي فلاة من الأرض، قال: فدعا الهدهد، فجاءه فنقر الأرض، فـيصيب موضع الـماء، قال: ثم تـجيء الشياطين فـيسلـخونه كما يسلـخ الإهاب، قال: ثم يستـخرجون الـماء. فقال له نافع بن الأزرق: قـف يا وقاف أرأيت قولك الهدهد يجيء فـينقر الأرض، فـيصيب الـماء، كيف يبصر هذا، ولا يبصر الفخّ يجيء حتـى يقع فـي عنقه؟ قال: فقال له ابن عباس : ويحك إن القدر إذا جاء حال دون البصر. ٢٠٤٦١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن مـحمد بن إسحاق، عن بعض أهل العلـم، عن وهب بن منبه، قال: كان سلـيـمان بن داود إذا خرج من بـيته إلـى مـجلسه عكفت علـيه الطير، وقام له الـجنّ والإنس حتـى يجلس علـى سريره، حتـى إذا كان ذات غداة فـي بعض زمانه غدا إلـى مـجلسه الذي كان يجلس فـيه، فتفقد الطير. وكان فـيـما يزعمون يأتـيه نوبـا من كل صنف من الطير طائر، فنظر فرأى من أصناف الطير كلها قد حضره إلا الهدهد، فقال: مالـي لا أرى الهدهد ٢٠٤٦٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: أوّل ما فقد سلـيـمان الهدهد نزل بواد فسأل الإنس عن مائه، فقالوا: ما نعلـم له ماء، فإن يكن أحد من جنودك يعلـم له ماء فـالـجنّ، فدعا الـجنّ فسألهم، فقالوا: ما نعلـم له ماء وإن يكن أحد من جنودك يعلـم له ماء فـالطير، فدعا الطير فسألهم، فقالو: ما نعلـم له ماء، وإن يكن أحد من جنودك يعلـمه فـالهدهد، فلـم يجده، قال: فلذاك أوّل ما فقد الهدهد. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَتَفَقّدَ الطّيْرَ فَقالَ مالـيَ لا أرَى الهُدْهُدَ أمْ كانَ مِنَ الغائِبِـينَ قال: تفقد الهدهد من أجل أنه كان يدله علـى الـماء إذا ركب، وإن سلـيـمان ركب ذات يوم فقال: أين الهدهد لـيدلنا علـى الـماء؟ فلـم يجده، فمن أجل ذلك تفقده. فقال ابن عباس : إن الهدهد كان ينفعه الـحذر ما لـم يبلغه الأجل فلـما بلغ الأجل لـم ينفعه الـحذر، وحال القدر دون البصر. فقد اختلف عبد اللّه بن سلام والقائلون بقوله ووهب بن منبه، فقال عبد اللّه : كان سبب تفقده الهدهد وسؤاله عنه لـيستـخبره عن بُعد الـماء فـي الوادي الذي نزل به فـي مسيره. وقال وهب بن منبه: كان تفقده إياه وسؤاله عنه لإخلاله بـالنوبة التـي كان ينوبها واللّه أعلـم بأيّ ذلك كان إذ لـم يأتنا بأيّ ذلك كان تنزيـل، ولا خبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صحيح. فـالصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إن اللّه أخبر عن سلـيـمان أنه تفقد الطير، إما للنوبة التـي كانت علـيها وأخـلت بها، وإما لـحاجة كانت إلـيها عن بُعد الـماء. و قوله: فَقالَ مالِـيَ لا أرَى الهُدْهُدَ أمْ كانَ مِنَ الغائِبِـينَ يعني بقوله مالـيَ لا أرَى الهُدْهُدَ أخطأه بصرى فلا أراه وقد حضر أم هو غائب فـيـما غاب من سائر أجناس الـخـلق فلـم يحضر. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٤٦٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلـم، عن وهب بن منبه مالِـيَ لا أرَى الهُدْهُدَ أمْ كانَ مِنَ الغَائِبِـينَ أخطأه بصري فـي الطير، أم غاب فلـم يحضر؟ ٢١و قوله: لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شَدِيدا يقول: فلـما أخبر سلـيـمان عن الهدهد أنه لـم يحضر وأنه غائب غير شاهد، أقسم لأُعَذّبَنّه عَذَابـا شَدِيدا وكان تعذيبه الطير فـيـما ذُكر عنه إذا عذّبها أن ينتف ريشها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٤٦٤ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا الـحمانـي، عن الأعمش، عن الـمنهال، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، فـي قوله لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شَدِيدا قال: نتف ريشه. ٢٠٤٦٥ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن عطية، عن شريك، عن عطاء، عن مـجاهد ، عن ابن عباس ، فـي لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شَدِيدا عذابه: نتفه وتشميسه. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شَدِيدا قال: نتف ريشه وتشميسه. ٢٠٤٦٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شَدِيدا قال: نتف ريشه كله. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قوله لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شدِيدا قال: نتف ريش الهدهد كله، فلا يغفو سنة. ٢٠٤٦٧ـ قال: ثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة ، قال: نتف ريشه. ٢٠٤٦٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شَدِيدا يقول: نتف ريشه. ٢٠٤٦٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: ثنـي ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان أنه حدّث أن عذابه الذي كان يعذّب به الطير نتف جناحه. ٢٠٤٧٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: قـيـل لبعض أهل العلـم: هذا الذبح، فما العذاب الشديد؟ قال: نتف ريشه بتركه بَضعة تنزو. حدثنا سعيد بن الربـيع الرازيّ، قال: حدثنا سفـيان، عن عمرو بن بشار، عن ابن عباس ، فـي قوله لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شَدِيدا قال: نتفه. ٢٠٤٧١ـ حدثنـي سعيد بن الربـيع، قال: حدثنا سفـيان، عن حسين بن أبـي شدّاد، قال: نتفه وتشميسه. أو لأذبحنه، يقول: أو لأقتلنه. كما: ٢٠٤٧٢ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله: أوْ لأَذْبَحَنّه يقول: أو لأقتلنه. ٢٠٤٧٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا عبـاد بن العوّام، عن حُصَين، عن عبد اللّه بن شدّاد: لأُعَذّبَنّهُ عَذَابـا شَدِيدا أَوْ لأَذْبحَنّهُ... الاَية، قال: فتلقاه الطير، فأخبره، فقال: ألـم يستثن؟ و قوله: أوْ لَـيَأْتِـيَنّـي بسُلْطانٍ مُبِـينٍ يقول: أو لـيأتـينـي بحجة تبـين لسامعها صحتها وحقـيقتها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٤٧٤ـ حدثنا علـيّ بن الـحسين الأزديّ، قال: حدثنا الـمعافـىَ بن عمران، عن سفـيان، عن عمار الدّهْنـي، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، قال: كل سلطان فـي القرآن فهو حجة. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله أوْلَـيَأْتِـيَنّـي بِسُلْطانٍ مَبِـينٍ يقول: ببـينة أعذره بها، وهو مثل قوله: الّذِينَ يُجادِلُونَ فـي آياتِ اللّه بغَيْرِ سُلْطانٍ يقول: بغير بـيّنة. ٢٠٤٧٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سفـيان، عن رجل، عن عكرِمة، قال: كل شيء فـي القرآن سلطان، فهو حجة. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا عبد اللّه ، بن يزيد، عن قَبـاث بن رَزِين، أنه سمع عكرِمة يقول: سمعت ابن عباس يقول: كلّ سلطان فـي القرآن فهو حجة، كان لهدهد سلطان. ٢٠٤٧٦ـ حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة أوْلَـيَأْتِـيَنّـي بِسُلْطانٍ مُبِـينٍ قال: بعذر بـين. ٢٠٤٧٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلـم، عن وهب بن منبه أوْلَـيأْتِـيَنّـي بِسُلْطانٍ مُبِـينِ: أي بحجة عذر له فـي غيبته. ٢٠٤٧٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله: أوْلـيَأْتِـيَنّـي بِسُلْطانٍ مُبِـينِ يقول: ببـينة، وهو قول اللّه الّذِينَ يُجادِلُونَ فِـي آياتِ اللّه بغَيْرِ سُلْطانٍ بغير بـينة. ٢٠٤٧٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله أوْلَـيَأْتِـيَنّـي بِسُلْطانٍ مُبِـينٍ قال: بعذر أعذره فـيه. ٢٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ }. يعني تعالـى ذكره ب قوله: فَمَكَثَ غيرَ بَعِيدٍ فمكث سلـيـمان غير طويـل من حين سأل عن الهدهد، حتـى جاء الهدهد. واختلف القرّاء فـي قراءة قوله: فَمَكَثَ فقرأت ذلك عامة قرّاء الأمصار سوى عاصم: (فَمَكُثَ) بضمّ الكاف، وقرأه عاصم بفتـحها، وكلتا القراءتـين عندنا صواب، لأنهما لغتان مشهورتان، وإن كان الضمّ فـيها أعجب إلـيّ، لأنها أشهر اللغتـين وأفصحهما. و قوله: فَقالَ أحَطْتُ بِـمَا لَـمْ تُـحِطْ بِهِ يقول: فقال الهدهد حين سأله سلـيـمان عن تـخـلفه وغيبته: أحطب بعلـم ما لـم تـحط به أنت يا سلـيـمان. كما: ٢٠٤٨٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: أحَطْتُ بِـمَا لَـمْ تـحِطْ بِهِ قال: ما لـم تعلـم. ٢٠٤٨١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلـم، عن وهب بن منبه فمَكَثَ غيرَ بَعيدٍ ثم جاء الهدهد، فقال له سلـيـمان: ما خـلّفك عن نوبتك؟ قال: أحطت بـما لـم تـحط به. و قوله: وَجِئْتُكَ مِنْ سَبإ بِنَبإ يَقِـينٍ يقول: وجئتك من سبإ بخبر يقـين. وهو ما: ٢٠٤٨٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلـم، عن وهب بن منبه وَجِئْتُكَ مِنْ سَبإٍ بِنَبإٍ يَقِـينٍ: أي أدركت ملكا لـم يبلغه ملكك. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: مِنْ سَبإٍ فقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة والكوفة مِنْ سَبإٍ بـالإجراء. الـمعنـي أنه رجل اسمه سبأ. وقرأه بعض قرّاء أهل مكة والبصرة مِنْ سَبإٍ بترك الإجراء، علـى أنه اسم قبـيـلة أو لامرأة. والصواب من القول فـي ذلك أن يُقال: إنهما قراءتان مشهورتان، وقد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب فـالإجراء فـي سبأ، وغير الإجراء صواب، لأن سبأ إن كان رجلاً كما جاء به الأثر، فإنه إذا أريد به اسم الرجل أُجري، وإن أريد به اسم القبـيـلة لـم يُجْرَ، كما قال الشاعر فـي إجرائه: الْوَارِدُونَ وَتَـيْـمٌ فـي ذَرَا سَبإٍقَدْ عَضّ أعْناقَهُمْ جِلدُ الـجَوَاميسِ يروى: ذرا، وذرى، وقد حُدثت عن الفرّاء عن الرؤاسي أنه سأل أبـا عمرو بن العلاء كيف لـم يجر سبأ؟ قال: لست أدري ما هو فكأن أبـا عمرو ترك إجراءه، إذ لـم يدرِ ما هو، كما تفعل العرب بـالأسماء الـمـجهولة التـي لا تعرفها من ترك الإجراء. حكي عن بعضهم: هذا أبو معرورَ قد جاء، فترك إجراءه إذ لـم يعرفه فـي أسمائهم. وإن كان سبأ جبلاً، أجري لأنه يُراد به الـجبل بعينه، وإن لـم يجر فلأنه يجعل اسما للـجبل وما حوله من البقعة. ٢٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّي وَجَدتّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ }. يقول تعالـى مخبرا عن قـيـل الهدهد لسلـيـمان مخبرا بعذره فـي مغيبه عنه: إنّـي وَجَدْتُ امْرأةً تَـمْلِكُهُمْ يعني تـملك سبأ، وإنـما صار هذا الـخبر للّهدهد عذرا وحجة عند سلـيـمان، درأ به عنه ما كان أُوعد به، لأن سلـيـمان كان لا يرى أن فـي الأرض أحدا له مـملكة معه، وكان مع ذلك صلى اللّه عليه وسلم رجلاً جُبّب إلـيه الـجهاد والغزو، فلـما دله الهدهد علـى ملك بـموضع من الأرض هو لغيره، وقوم كفرة يعبدون غير اللّه ، له فـي جهادهم وغزوهم الأجر الـجزيـل، والثواب العظيـم فـي الاَجل، وضمّ مـملكة لغيره إلـى ملكه، حقّت للّهدهد الـمعذرة، وصحّت له الـحجة فـي مغيبه عن سلـيـمان. و قوله: وأُوتِـيَتْ مِنْ كُلّ شَيْءٍ يقول: وأوتـيت من كلّ شيء يؤتاه الـملك فـي عاجل الدنـيا مـما يكون عندهم من العتاد والاَلة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٤٨٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي عُبَـيدة البـاجي، عن الـحسن، قوله: وأُوتِـيَتْ مِنْ كُلّ شَيْءٍ يعني : من كل أمر الدنـيا. وقوله ولَهَا عَرْشٌ عَظيـمٌ يقول: ولها كرسي عظيـم. وعُنـي بـالعظيـم فـي هذا الـموضع: العظيـم فـي قدره، وعظم خطره، لا عظمه فـي الكبر والسعة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٤٨٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عطاء الـخراسانـي، عن ابن عباس ، قوله وَلهَا عَرْشٌ عَظِيـمٌ قال: سرير كريـم، قال: حَسن الصنعة، وعرشها: من ذهب قوائمه من جوهر ولؤلؤ. ٢٠٤٨٥ـ قال: ثنـي حجاج، عن أبـي عُبـيدة البـاجي، عن الـحسن، قوله: ولَهَا عَرْشٌ عَظيـمٌ: يعني سرير عظيـم. ٢٤و قوله: وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ للشّمْس مِنْ دُونِ اللّه يقول: وجدت هذه الـمرأة ملكة سبأ، وقومها من سبأ، يسجدون للشمس فـيعبدونها من دون اللّه . و قوله: وَزَيّنَ لَهُمُ الشّيْطانُ أعمالَهُمْ يقول: وحسّن لهم إبلـيس عبـادتهم الشمس، وسجودهم لها من دون اللّه ، وحبّب ذلك إلـيهم فَصّدّهُمْ عَنِ السّبِـيـلِ يقول: فمنعهم بتزيـينه ذلك لهم أن يتبعوا الطريق الـمستقـيـم، وهو دين اللّه الذي بعث به أنبـياءه، ومعناه: فصدّهم عن سبـيـل الـحقّ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ يقول: فهم لـما قد زين لهم الشيطان ما زين من السجود للشمس من دون اللّه والكفر به لا يهتدون لسبـيـل الـحقّ ولا يسلكونه، ولكنهم فـي ضلالهم الذي هم فـيه يتردّدون. ٢٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَلاّ يَسْجُدُواْ للّه الّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ }. اختلف القرّاء، فـي قراءة قوله ألاّ يَسْجُدُوا للّه فقرأ بعض الـمكيـين وبعض الـمدنـيـين والكوفـيـين (ألاَ) بـالتـخفـيف، بـمعنى: ألا يا هؤلاء اسجدوا، فأضمروا (هؤلاء) اكتفـاء بدلاة (يا) علـيها. وذكر بعضهم سماعا من العرب: ألا يا ارحمنا، ألا يا تصدّق علـينا واستشهد أيضا ببـيت الأخطل: ألا يا اسْلَـمي يا هِنْدُ هنْدَ نَبِـي بَدرِوَإنْ كانَ حَيّانا عِدا آخِرَ الدّهْرِ فعلـى هذه القراءة اسجدوا فـي هذا الـموضع جزم، ولا موضع لقوله (ألا) فـي الإعراب. وقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة والكوفة والبصرة ألاّ يَسْجُدوا بتشديد ألاّ، بـمعنى: وزيّن لهم الشيطان أعمالهم لئلا يسجدوا للّه (ألاّ) فـي موضع نصب لـما ذكرت من معناه أنه لئلا، ويسجدوا فـي موضع نصب بأن. والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان مستفـيضتان فـي قراءة الأمصار قد قرأ بكلّ واحدة منهما علـماء من القرّاء مع صحة معنـيـيهما. واختلف أهل العربـية فـي وجه دخول (يا) فـي قراءة من قرأه علـى وجه الأمر، فقال بعض نـحويـي البصرة: من قرأ ذلك كذلك، فكأنه جعله أمرا، كأنه قال لهم: اسجدوا، وزاد (يا) بـينهما التـي تكون للتنبـيه، ثم أذهب ألف الوصل التـي فـي اسجدوا، وأذهبت الألف التـي فـي (يا) لأنها ساكنة لقـيت السين، فصار ألا يسجدوا. وقال بعض نـحويـي الكوفة: هذه (يا) التـي تدخـل للنداء يكتفـي بها من الاسم، ويكتفـي بـالاسم منها، فتقول: يا أقبل، وزيد أقبل، وما سقط من السواكن فعلـى هذا. و يعني ب قوله: يُخْرِجُ الـخَبْءَ يخرج الـمخبوء فـي السموات والأرض من غيث فـي السماء، ونبـات فـي الأرض ونـحو ذلك. وبـالذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل، وإن اختلفت عبـارتهم عنه. ذكر من قال ذلك: ٢٠٤٨٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن ابن جُرَيج، قراءة عن مـجاهد يُخْرِجُ الـخَبْءَ فـي السّمَوَات قال: الغيث. حدثنـي مـحمد بن عمر، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله يُخْرِجُ الـخَبْءَ قال: الغيث. ٢٠٤٨٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله الّذِي يُخْرِجُ الـخَبْءَ فِـي السّمَوَاتِ والأرْضِ قال: خبء السماء والأرض: ما جعل اللّه فـيها من الأرزاق، والـمطر من السماء، والنبـات من الأرض، كانتا رتقا، لا تـمطر هذه ولا تنبت هذه، ففتق السماء، وأنزل منها الـمطر، وأخرج النبـات. ٢٠٤٨٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن حكيـم ابن جابر، فـي قوله: ألاّ يَسْجُدُوا للّه الّذِي يُخْرِجُ الـخَبْءَ فِـي السّمَوَاتِ والأرْضِ ويعلـم كلّ خفـية فـي السموات والأرض. ٢٠٤٨٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا أُسامة بن زيد، عن معاذ بن عبد اللّه ، قال: رأيت ابن عباس علـى بغلة يسأل تبعا ابن امرأة كعب: هل سألت كعبـا عن البذر تنبت الأرضُ العامَ لـم يصب العام الاَخر؟ قال: سمعت كعبـا يقول: البذر ينزل من السماء ويخرج من الأرض، قال: صدقت. قال أبو جعفر: إنـما هو تبـيع، ولكن هكذا قال مـحمد. و قـيـل: يخرج الـخَبْءَ فـي السموات والأرض، لأن العرب تضع (مِن) مكان (فـي) و (فـي) مكان (من) فـي الاستـخراج ويَعَلَـمُ ما تُـخْفُونَ ومَا تُعْلِنُونَ يقول: ويعلـم السرّ من أمور خـلقه، هؤلاء الذين زين لهم الشيطان أعمالهم والعلانـية منها، وذلك علـى قراءة من قرأ ألاّ بـالتشديد. وأما علـى قراءة من قرأ بـالتـخفـيف فإن معناه: ويعلـم ما يسره خـلقه الذين أمرهم بـالسجود ب قوله: (ألا يا هؤلاء اسجدوا) . وقد ذكر أن ذلك فـي قراءة أُبـيّ: (وألاّ تَسْجُدُوا للّه الّذِي يَعْلَـمُ سرّكُمْ ومَا تُعْلِنُونَ) .) ٢٦و قوله: اللّه لا إلَهَ إلاّ هُوَ رَب العَرْشِ العَظِيـمِ يقول تعالـى ذكره: اللّه الذي لا تصلـح العبـادة إلا له، لا إله إلا هو، لا معبود سواه تصلـح له العبـادة، فأخـلصوا له العبـادة، وأفردوه بـالطاعة، ولا تشركوا به شيئا رَبّ العَرْشِ العَظِيـمِ يعني بذلك: مالك العرش العظيـم الذي كل عرش، وإن عظم، فدونه، لا يُشبهه عرش ملكة سبأ ولا غيره. ٢٠٤٩٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: أحَطْتُ بِـمَا لَـمْ تُـحِطْ بِهِ إلـى قوله لا إلَه إلاّ هُوَ رَبّ العَرْشِ العَظِيـمِ هذا كله كلام الهدهد. ٢٠٤٩١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق بنـحوه. ٢٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ }. يقول تعالـى ذكره: قالَ سلـيـمان للّهدهد: سَنَنْظُرُ فـيـما اعتذرت به من العذر، واحتـججت به من الـحجة لغيبتك عنا، وفـيـما جئتنا به من الـخير أصَدَقْتَ فـي ذلك كله أمْ كُنْتَ مِنَ الكاذِبِـينَ فـيه ٢٨ اذْهَبْ بكِتابِـي هذَا فأَلْقْهِ إِلَـيْهِمْ ثُمّ تَوَلّ عَنْهُمْ فـانْظُرْ ماذَا يَرْجِعُونَ. فـاختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك فقال بعضهم: معناه: اذهب بكتابـي هذا، فألقه إلـيهم، فـانظر ماذا يَرْجِعون، ثم تولّ عنهم منصرفـا إلـيّ، فقال: هو من الـمؤخّر الذي معناه التقديـم. ذكر من قال ذلك: ٢٠٤٩٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: فأجابه سلـيـمان، يعني أجاب الهدهد لَـمّا فرغ: قالَ سَنَنْظُرُ أصَدَقْتَ أمْ كُنْتَ مِنَ الكاذِبِـينَ. اذْهَبْ بكِتابِـي هَذَا فَألْقِهْ إلَـيْهِمْ وانظر ماذا يرجعون، ثم تولّ عنهم منصرفـا إلـيّ. وقال: وكانت لها كَوّة مستقبلةُ الشمس، ساعة تطلع الشمس تطلع فـيها فتسجد لها، فجاء الهدهد حتـى وقع فـيها فسدّها، واستبطأت الشمس، فقامت تنظر، فرمى بـالصحيفة إلـيها من تـحت جناحه، وطار حتـى قامت تنظر الشمس. قال أبو جعفر: فهذا القول من قول ابن زيد يدلّ علـى أن الهدهد تولـى إلـى سلـيـمان راجعا، بعد إلقائه الكتاب، وأن نظره إلـى الـمرأة ما الذي ترجع وتفعل كان قبل إلقائه كتاب سلـيـمان إلـيها. وقال آخرون: بل معنى ذلك: اذهب بكتابـي هذا فألقه إلـيهم، ثم تولّ عنهم، فكن قريبـا منهم، وانظر ماذا يرجعون قالوا: وفعل الهدهد، وسمع مراجعة الـمرأة أهل مـملكتها، وقولها لهم: إنّـي أُلْقِـيَ إلـيّ كِتابٌ كَرِيـمٌ، إنّهُ مِنْ سُلَـيْـمانَ، وَإنّهُ بِسْمِ اللّه الرّحْمَنِ الرّحِيـمِ وما بعد ذلك من مراجعة بعضهم بعضا. ذكر من قال ذلك: ٢٠٤٩٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلـم، عن وهب بن منبه، قوله: فَأَلْقِهْ إلَـيْهمْ ثُمّ تَوَلّ عَنْهُمْ: أي كن قريبـا فـانْظُرْ ماذَا يَرْجِعُونَ. وهذا القول أشبه. بتأويـل الاَية، لأن مراجعة الـمرأة قومها، كانت بعد أن ألقـي إلـيها الكتاب، ولـم يكن الهدهد لـينصرف وقد أُمر بأن ينظر إلـى مراجعة القوم بـينهم ما يتراجعونه قبل أن يفعل ما أمره به سلـيـمان. ٢٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَتْ يَأَيّهَا الْمَلاُ إِنّيَ أُلْقِيَ إِلَيّ كِتَابٌ كَرِيمٌ }. يقول تعالـى ذكره: فذهب الهدهد بكتاب سلـيـمان إلـيها، فألقاه إلـيها فلـما قرأته قالت لقومها: يا أيّها الـمَلأُ إنّـي أُلْقِـيَ إلـيّ كِتابٌ كَرِيـمٌ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٤٩٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـيـمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلـم، عن وهب بن منبه، قال: كتب، يعني سلـيـمان بن داود مع الهدهد: بسم اللّه الرحمن الرحيـم، من سلـيـمان بن داود، إلـى بلقـيس بنت ذي سرح وقومها، أما بعد، فلا تعلوا علـيّ وأتونـي مسلـمين، قال: فأخذ الهدهد الكتاب برجله، فـانطلق به حتـى أتاها، وكانت لها كوّة فـي بـيتها إذا طلعت الشمس نظرت إلـيها، فسجدت لها، فأتـى الهدهد الكوّة فسدّها بجناحيه حتـى ارتفعت الشمس ولـم تعلـم، ثم ألقـى الكتاب من الكوّة، فوقع علـيها فـي مكانها الذي هي فـيه، فأخذته. ٢٠٤٩٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة ، قال: بلغنـي أنها امرأة يقال لها بلقـيس، أحسبه قال: ابنة شراحيـل، أحد أبويها من الـجنّ، مؤخر أحد قدميها كحافر الدابة، وكانت فـي بـيت مـملكة، وكان أولو مشورتها ثلاث مئة واثنـي عشر كلّ رجل منهم علـى عشرة آلاف، وكانت بأرض يقال لها مأرب، من صنعاء علـى ثلاثة أيام فلـما جاء الهدهد بخبرها إلـى سلـيـمان بن داود، كتب الكتاب وبعث به مع الهدهد، فجاء الهدهد وقد غَلّقت الأبواب، وكانت تغلّق أبوابها وتضع مفـاتـيحها تـحت رأسها، فجاء الهدهد فدخـل من كوّة، فألقـى الصحيفة علـيها، فقرأتها، فإذا ٣٠فـيها: إنّهُ مِنْ سُلَـيْـمانَ وَإنّهُ بِسْمِ اللّه الرّحْمَنِ الرّحِيـمِ أَلاّ تَعْلُوا عَلـيّ وأتُونِـي مُسْلِـمِينَ وكذلك كانت تكتب الأنبـياء لا تطنب، إنـما تكتب جملاً. ٢٠٤٩٦ـ قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: لـم يزد سلـيـمان علـى ما قصّ اللّه فـي كتابه: إنه وإنه. ٢٠٤٩٧ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: اذْهَبْ بكِتابِـي هَذَا فأَلْقه إلَـيْهِمْ: فمضى الهدهد بـالكتاب، حتـى إذا حاذى الـملكة وهي علـى عرشها ألقـى إلـيها الكتاب. و قوله: قالَتْ يا أيّها الـمَلأُ إنّـي أُلْقِـيَ إلـيّ كِتابٌ كَرِيـمٌ والـملأ: أشراف قومها. يقول تعالـى ذكره: قالت ملكة سبأ لأشراف قومها: يا أيّها الـمَلأُ إنّـي ألْقِـيَ إلـيّ كِتابٌ كَرِيـمٌ. واختلف أهل العلـم فـي سبب وصفها الكتاب بـالكريـم، فقال بعضهم: وصفته بذلك لأنه كان مختوما: وقال آخرون: وصفته بذلك لأنه كان من ملك فوصفته بـالكرم لكرم صاحبه. ومـمن قال ذلك ابن زيد. ٢٠٤٩٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: إنّـي أُلْقِـيَ إلـيّ كِتابٌ كَرِيـمٌ قال: هو كتاب سلـيـمان حيث كتب إلـيها. وقوله إنّهُ مِن سُلَـيْـمانَ وَإنّهُ بِسْمِ اللّه الرّحْمَنِ الرّحِيـمِ كُسِرت إن الأولـى والثانـية علـى الردّ علـى (إنـي) من قوله: إنّـي أُلْقِـيَ إلـيّ كِتابٌ كَرِيـمٌ. ومعنى الكلام: قالت: يا أيها الـملأ إنـي ألقـي إلـيّ كتاب، وإنه من سلـيـمان.خ ٣١وقوله أَلاّ تَعْلُوا عَلـيّ وأْتُونِـي مُسْلِـمِينَ يقول: ألقـي إلـيّ كتاب كريـم ألا تعلوا علـيّ. ففـي (أنْ) وجهان من العربـية: إن جعلت بدلاً من الكتاب كانت رفعا بـما رفع به الكتاب بدلاً منه وإن جعل معنى الكلام: إنى ألقـى إلـيّ كتاب كريـم أن لا تعلو علـيّ كانت نصبـا بتعلق الكتاب بها. وعنى ب قوله: أَلاّ تَعْلُوا عَلَـيّ: أن لا تتكبروا ولا تتعاظموا عما دعوتكم إلـيه. كما: ٢٠٤٩٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: أَلاّ تَعْلُوا عَلـيّ: أن لا تتـمنعوا من الذي دعوتكم إلـيه إن امتنعتـم جاهدتكم. فقلت لابن زيد: أنْ لا تَعْلُوا عَلـيّ أن لا تتكبروا علـيّ؟ قال: نعم قال: وقال ابن زيد: أَلاّ تَعْلوا عَلـيّ وأْتُونِـي مُسْلِـمِينَ ذلك فـي كتاب سلـيـمان إلـيها. و قوله: وأْتُونِـي مُسْلِـمِينَ يقول: وأقبلوا إلـيّ مذعنـين للّه بـالوحدانـية والطاعة. ٣٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَتْ يَأَيّهَا الْمَلاُ أَفْتُونِي فِيَ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتّىَ تَشْهَدُونِ }. يقول تعالـى ذكره: قالت ملكة سبأ لأشراف قومها: يا أيّها الـمَلأ أَفْتُونِـي فِـي أمْرِي تقول: أشيروا علـيّ فـي أمري الذي قد حضرنـي من أمر صاحب هذا الكتاب الذي ألقـي إلـيّ، فجعلت الـمشورة فتـيا. و قوله: ما كُنْتُ قاطِعَةً أمْرا حتـى تَشْهَدُونِ تقول: ما كنت قاضية أمرا فـي ذلك حتـى تشهدون، فأشاوركم فـيه. كما: ٢٠٥٠٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: دعت قومها تشاورهم أيّها الـمَلأُ أفْتُونِـي فـي أمْرِي، ما كُنْتُ قاطِعَةً أمْرا حتـى تَشْهَدُونِ يقول فـي الكلام: ما كنت لأقطع أمرا دونك ولا كنت لأقضي أمرا، فلذلك قالت: ما كُنْتُ قاطِعَةً أمْرا بـمعنى: قاضية. ٣٣و قوله: قالُوا نَـحْنُ أُولُو قُوّةٍ وأُولُو بأْسٍ شَدِيدٍ يقول تعالـى ذكره: قال الـملأ من قوم مَلِكة سبأ، إذ شاورتهم فـي أمرها وأمر سلـيـمان: نـحن ذوو القوّة علـى القتال، والبأس الشديد فـي الـحرب، والأمر أيتها الـملكة إلـيك فـي القتال وفـي تركه، فـانظري من الرأي ما ترين، فَمُرِينا نأتـمرْ لأمرك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٠١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: قالُوا نَـحْنُ أُولُو قُوّةٍ وأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ عرضوا لها القتال، يقاتلون لها، والأمر إلـيك بعد هذا، فـانْظُرِي ماذَا تَأْمُرِينَ. ٢٠٥٠٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مـجاهد ، قال: كان مع ملكة سبأ اثنا عشر ألف قـيول، مع كلّ قـيول مئة ألف. ٢٠٥٠٣ـ حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سفـيان، عن عطاء بن السائب، عن مـجاهد ، عن ابن عباس ، قال: كان مع بلقـيس مئة ألف قَـيْـل، مع كل قَـيْـل مئة ألف. قال: ثنا وكيع، قال: حدثنا الأعمش، قال: سمعت مـجاهد ا يقول: كانت تـحت يد ملكة سبأ اثنا عشر ألف قـيول والقـيول بلسانهم: الـملك تـحت يد كلّ مَلِكٍ مئة ألف مقاتل. ٣٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَتْ إِنّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوَاْ أَعِزّةَ أَهْلِهَآ أَذِلّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ }. يقول تعالـى ذكره: قالت صاحبة سبأ للـملأ من قومها، إذا عرضوا علـيها أنفسهم لقتال سلـيـمان، إن أَمَرَتَهم بذلك: إنّ الـمُلُوكَ إذَا دَخَـلُوا قَرْيَةً عَنْوةً وغَلَبةً أفْسَدُوها يقول: خرّبوها وَجَعَلُوا أعِزّةَ أهْلِها أذِلّةً وذلك بـاستعبـادهم الأحرار، واسترقاقهم إياهم وتناهى الـخبر منها عن الـملوك فـي هذا الـموضع، فقال اللّه : وكذلكَ يَفْعَلُونَ يقول تعالـى ذكره: وكما قالت صاحبة سبأ تفعل الـملوك، إذا دخـلوا قرية عَنْوة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٠٤ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا أبو بكر، فـي قوله: وَجَعَلُوا أعِزّةَ أهْلِها أذِلّةً قال أبو بكر: هذا عَنْوَة. ٢٠٥٠٥ـ حدثنا أبو هشام الرفـاعي، قال: حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا الأعمش، عن مسلـم، عن ابن عباس ، فـي قوله: إنّ الـمُلُوكَ إذَا دَخَـلُوا قَرْيَةً أفْسَدُوها قال: إذا دخـلوها عَنْوَة خرّبوها. ٢٠٥٠٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس قالَتْ إنّ الـمُلُوكَ إذَا دَخَـلُوا قَرْيَةً أفْسَدُوها وَجَعَلُوا أعِزّةَ أهْلِها أذِلّةً قال ابن عباس : يقول اللّه : وكذلكَ يَفْعَلُونَ. ٣٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ }. ذكر أنها قالت: إنـي مرسلة إلـي سلـيـمان، لتـختبره بذلك وتعرفه به، أملك هو، أم نبـيّ؟ وقالت: إن يكن نبـيا لـم يقبل الهدية، ولـم يرضه منا، إلا أن نتبعه علـى دينه، وإن يكن ملكا قبل الهدية وانصرف. ذكر الرواية عمن قال ذلك: ٢٠٥٠٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قالت: وإنّـي مُرْسلَةٌ إلَـيْهِمْ بِهَدِيّةٍ فَناظِرَةٌ بِـمَ يَرْجِعُ الـمُرْسَلُونَ قال: وبعثت إلـيه بوصائف ووصفَـاء، وألبستْهم لبـاسا واحدا حتـى لا يعرف ذكر من أنثى، فقالت: إن زيّـل بـينهم حتـى يعرف الذكر من الأنثى، ثم ردّ الهدية فإنه نبـيّ، وبنبغي لنا أن نترك ملكنا، ونتّبع دينه، ونلـحق به. ٢٠٥٠٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد قوله: وإنّـي مُرْسِلَةٌ إلَـيْهِمْ بِهَدِيّةٍ قال: بجوارٍ لبـاسهم لبـاس الغلـمان، وغلـمان لبـاسهم لبـاس الـجواري. ٢٠٥٠٩ـ حدثنا القامس، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قولها: وَإنّـي مُرْسِلَةٌ إلَـيْهِمْ بِهَدِيّةٍ قال: مئتـي غلام ومئتـي جارية. قال ابن جُرَيج، قال مـجاهد : قوله بِهَدِيّةٍ قال: جوار ألبستهنّ لبـاس الغلـمان، وغلـمان ألبستهم لبـاس الـجواري. قال ابن جُرَيج: قال (مـجاهد ) : قالت: فإن خـلّص الـجواري من الغلـمان، وردّ الهدية فإنه نبـيّ، وينبغي لنا أن نتّبعه. قال ابن جُرَيج، قال مـجاهد : فخـلّص سلـيـمان بعضهم من بعض، ولـم يقبل هديتها. ٢٠٥١٠ـ قال: ثنا الـحسين، قال: حدثنا سفـيان، عن معمر، عن ثابت الـيُثانـيّ، قال: أهدت له صفـائح الذهب فـي أوعية الديبـاج فلـما بلغ ذلك سلـيـمان أمر الـجنّ فموّهوا له الاَجرّ بـالذهب، ثم أمر به فألقـي فـي الطرق فلـما جاءوا فرأوه ملقـى ما يُـلتفت إلـيه، صغر فـي أعينهم ما جاءوا به. ٢٠٥١١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: إنّ الـمُلُوكَ إذَا دَخَـلُوا قَرْيَةً أفْسَدُوها... الاَية، وقالت: إن هذا الرجل إن كان إنـما همته الدنـيا فسنرضيه، وإن كان إنـما يريد الدين فلن يقبلَ غيره وإنّـي مُرْسِلَةٌ إلَـيْهِمْ بِهَدِيّةٍ فَناظرَةٌ بِـمَ يَرْجِعُ الـمُرْسَلُونَ. ٢٠٥١٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلـم، عن وهب بن منبه، قال: كانت بلقـيس امرأة لبـيبة أديبة فـي بـيت ملك، لـم تـملك إلا لبقايا من مضى من أهلها، إنه قد سيست وساست حتـى أحكمها ذلك، وكان دينها ودين قومها فـيـما ذُكر الزنديقـية فلـما قرأت الكتاب سمعت كتابـا لـيس من كتب الـملوك التـي كانت قبلها، فبعثت إلـى الـمَقَاولة من أهل الـيـمن، فقالت لهم: يا أيّها الـمَلاُ إنّـي أُلْقِـيَ إلـيّ كِتابٌ كَرِيـمٌ، إنّهُ مِنْ سُلَـيْـمانَ وَإنّهُ بِسْمِ اللّه الرّحْمَنِ الرّحِيـمِ، ألاّ تَعْلُوا عَلـيّ وأْتُونِـي مُسْلِـمِينَ إلـى قوله بِـمَ يَرْجِعُ الْـمُرْسَلُونَ ثم قالت: إنه قد جاءنـي كتاب لـم يأتنـي مثله من ملك من الـملوك قبله، فإن يكن الرجل نبـيا مرسلاً فلا طاقة لنا به ولا قوّة، وإن يكن الرجل ملكا يكاثر، فلـيس بأعزّ منا، ولا أعدّ. فهيّأت هدايا مـما يُهدَى للـملوك، مـما يُفتنون به، فقالت: إن يكن ملكا فسيقبل الهدية ويرغب فـي الـمال، وإن يكن نبـيا فلـيس له فـي الدنـيا حاجة، ولـيس إياها يريد، إنـما يريد أن ندخـل معه فـي دينه ونتبعه علـى أمره، أو كما قالت. ٢٠٥١٣ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وإنّـي مُرْسِلَةٌ إلَـيْهِمْ بِهَدِيّةٍ بعثت بوصائف ووصفـاء، لبـاسهم لبـاس واحد، فقالت: إن زيّـل بـينهم حتـى يعرف الذكر من الأنثى، ثم ردّ الهدية فهو نبـيّ، وينبغي لنا أن نتّبعه، وندخـل فـي دينه فزيّـل سلـيـمان بـين الغلـمان والـجواري، وردّ الهدية، فقال: أتُـمِدّونَنِ بِـمَالٍ فَمَا آتانِـيَ اللّه خَيْرٌ مِـمّا آتاكمْ. ٢٠٥١٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كان فـي الهدايا التـي بعثت بها وصائف ووصفـاء يختلفون فـي ثـيابهم، لتـميـيز الغلـمان من الـجواري، قال: فدعا بـماء، فجعل الـجواري يتوضأن من الـمرفق إلـى أسفل، وجعل الغلـمان يتوضئون من الـمرفق إلـى فوق. قال: وكان أبـي يحدثنا هذا الـحديث. ٢٠٥١٥ـ حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا مروان بن معاوية، قال: حدثنا إسماعيـل، عن أبـي صالـح وَإنّـي مُرْسِلةٌ إلَـيْهِمْ بِهَدِيّةٍ قال: أرسلت بلبنة من ذهب، وقالت: إن كان يريد الدنـيا علـمته، وإن كان يريد الاَخرة علـمته. و قوله: فَناظِرَةٌ بِـمَ يَرْجِعُ الْـمُرْسَلُونَ تقول: فأنظر بأيّ شيء من خبره وفعله فـي هديتـي التـي أرسلها إلـيه ترجع رسلـي، أبقبول وانصراف عنا، أم بردّ الهدية والثبـات علـى مطالبتنا بـاتبـاعه علـى دينه؟ وأسقطت الألف من (ما) فـي قوله بِـمَ وأصله: بـما، لأن العرب إذا كانت (ما) بـمعنى: أي، ثم وصلوها بحرف خافض أسقطوا ألفها تفريقا بـين الاستفهام وغيره، كما قال جل ثناؤه عَمّ يَتَساءَلونَ و قَالُوا: فِـيـمَ كُنْتُـمْ، وربـما أثبتوا فـيها الألف، كما قال الشاعر: عَلامَا قَامَ يَشْتُـمُنِـي لَئِيـمٌكَخِنْزِيرٍ تَـمَرّغَ فِـي تُرَابِ وقالت وإنّى مُرْسِلَةٌ إلَـيْهِمْ وإنـما أرسلت إلـى سلـيـمان وحده علـى النـحو الذي بـيّنا فـي قوله: عَلـى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ. و قوله: فَلَـمّا جاءَ سُلَـيْـمانَ قالَ أتُـمِدّونَنِ بِـمَالٍ. ٣٦إن قال قائل: وكيف قـيـل: فَلَـمّا جاءَ سُلَـيْـمانَ فجعل الـخبر فـي مـجيء سلـيـمان عن واحد، وقد قال قبل ذلك فَناظِرَةٌ بِـمَ يَرْجِعُ الـمُرْسَلُونَ فإن كان الرسول كان واحدا، فكيف قـيـل بِـمَ يَرْجِعُ الـمُرْسَلُونَ وإن كانوا جماعة فكيف قـيـل: فَلَـمّا جَاءَ سُلـيْـمَانَ؟ قـيـل: هذا نظير ما قد بـيّنا قبل من إظهار العرب الـخبر فـي أمر كان من واحد علـى وجه الـخبر، عن جماعة إذا لـم يقصد قصد الـخبر عن شخص واحد بعينه، يُشار إلـيه بعينه، فسمي فـي الـخبر. وقد قـيـل: إن الرسول الذي وجّهته ملكة سبأ إلـى سلـيـمان كان أمرأً واحدا، فلذلك قال: فلَـمّا جاءَ سُلَـيْـمانَ يُراد به: فلـما جاء الرسول سلـيـمان واستدلّ قائلو ذلك علـى صحة ما قالوا من ذلك بقوله سلـيـمان للرسول: ارْجِعْ إلَـيْهِمْ وقد ذكر أن ذلك فـي قراءة عبد اللّه . فلـما جاءوا سلـيـمان علـى الـجمع، وذلك للفظ قوله: بِـمَ يَرْجِعُ الـمُرْسَلُونَ فصلـح الـجمع للفظ والتوحيد للـمعنى. و قوله: قال أتُـمِدّونَنِ بِـمَالٍ يقول: قال سلـيـمان لـما جاء الرسول من قبل الـمرأة بهداياها: أتـمدوننِ بـمال. واختلف القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأه بعض قرّاء أهل الـمدينة (أتُـمِدّنَنِـي) بنونـين، وإثبـات الـياء. وقرأه بعض الكوفـيـين مثل ذلك، غير أنه حذف الـياء من آخر ذلك وكسر النون الأخيرة. وقرأه بعض قرّاء البصرة بنونـين، وإثبـات الـياء فـي الوصل وحذفها فـي الوقـف. وقرأه بعض قرّاء الكوفة بتشديد النون وإثبـات الـياء. وكلّ هذه القراءات متقاربـات وجميعها صواب، لأنها معروفة فـي لغات العرب، مشهورة فـي منطقها.) و قوله: فَمَا آتانِـيَ اللّه خَيْرٌ مـمّا آتاكُمْ يقول: فما آتانـي اللّه من الـمال والدنـيا أكثر مـما أعطاكم منها وأفضل بَلْ أنْتُـمْ بِهَدِيّتِكُمْ تَفْرَحُونَ يقول: ما أفرح بهديتكم التـي أهديتـم إلـيّ، بل أنتـم تفرحون بـالهدية التـي تُهدى إلـيكم، لأنكم أهل مفـاخرة بـالدنـيا، ومكاثرة بها، ولـيست الدنـيا وأموالها من حاجتـي، لأن للّه تعالـى ذكره قد مكّننـي منها وملّكنـي فـيها ما لـم يُـمَلّك أحدا ٣٧ارْجِعْ إلَـيْهِمْ وهذا قول سلـيـمان لرسول الـمرأة ارْجِعْ إلَـيْهِمْ فَلَنَأْتِـيَنّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها لا طاقة لهم بها ولا قدرة لهم علـى دفعهم عما أرادوا منهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥١٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلـم، عن وهب بن منبه، قال: لـما أتت الهدايا سلـيـمان فـيها الوصائف والوُصفـاء، والـخيـل العراب، وأصناف من أصناف الدنـيا، قال للرسل. الذين جاءوا به: أتُـمِدّونَنِ بِـمَالٍ فَمَا آتَانِـيَ خَيْرٌ مِـمّا آتاكُمْ بَلْ أنْتُـمْ بِهَدِيّتِكُمْ تَفْرَحُونَ لأنه لا حاجة لـي بهديتكم، ولـيس رأيـي فـيه كرأيكم، فـارجعوا إلـيها بـما جئتـم به من عندها، فَلَنَأْتِـيَنّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها. ٢٠٥١٧ـ حدثنا عمرو بن عبد الـحميد، قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن أبـي صالـح فـي قوله: فَلَنَأْتِـيَنّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها قال: لا طاقة لهم بها. وقوله وَلَنُـخْرِجَنّهُمْ مِنْهَا أذِلّةً وَهُمْ صَاغرُونَ يقول: ولنـخرجنّ من أرسلكم من أرضهم أذلة وهم صاغرون إن لـم يأتونـي مسلـمين. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥١٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلـم، عن وهب بن منبه: وَلَنُـخْرِجَنّهُمْ مِنْها أذِلّةً وَهُمْ صَاغرونَ، أو لتأتـينـي مسلـمة هي وقومها. ٣٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ يَأَيّهَا الْمَلاُ أَيّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ }. اختلف أهل العلـم فـي الـحين الذي قال فـيه سلـيـمان يا أيها الـمَلأُ أيّكُمْ يَأْتِـينِـي بِعَرْشِها فقال بعضهم: قال ذلك حين أتاه الهدهد بنبأ صاحبة سبأ، وقال له: جئْتُكَ مِنْ سَبأ بِنَبأٍ يَقِـينٍ وأخبره أن لها عرشا عظيـما، فقال له سلـيـمان صلى اللّه عليه وسلم : سَنَنْظُرُ أصَدَقْتَ أمْ كُنْتَ مِنَ الكاذِبِـينَ فكان اختبـاره صدقه من كذبه بأن قال لهؤلاء: أيكم يأتـينـي بعرش هذه الـمرأة قبل أن يأتونـي مسلـمين. وقالوا إنـما كتب سلـيـمان الكتاب مع الهدهد إلـى الـمرأة بعد ما صحّ عنده صدق الهدهد بـمـجيء العالـم بعرضها إلـيه علـى ما وصفه به الهدهد، قالوا: ولولا ذلك كان مـحالاً أن يكتب معه كتابـا إلـى من لا يدري، هل هو فـي الدنـيا أم لا؟ قالوا: وأخرى أنه لو كان كتب مع الهدهد كتابـا إلـى الـمرأة قبل مـجيء عرشها إلـيه، وقبل علـمه صدق الهدهد بذلك، لـم يكن لقوله له سَنَنْظُرُ أصَدَقْتَ أمْ كُنْتَ مِنَ الكاذبِـينَ معنى، لأنه لا يُـلِـم بخبره الثانـي من إبلاغه إياها الكتاب، أو ترك إبلاغه إياها ذلك، إلا نـحو الذي علـم بخبره الأوّل حين قال له: جئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبإٍ يَقِـينٍ قالوا: وإن لـم يكن فـي الكتاب معهم امتـحان صدقه من كذبه، وكان مـحالاً أن يقول نبـيّ اللّه قولاً لا معنى له وقد قال: سَنَنْطُرُ أصَدَقْتَ أمْ كُنْتَ مِنَ الكاذِبِـينَ علـم أن الذي امتـحن به صدق الهدهد من كذبه هو مصير عرش الـمرأة إلـيه، علـى ما أخبره به الهدهد الشاهد علـى صدقه، ثم كان الكتاب معه بعد ذلك إلـيها. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥١٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قال: إن سلـيـمان أوتـي ملكا، وكان لا يعلـم أن أحدا أوتـي ملكا غيره فلـما فقد الهدهد سأله: من أين جئت؟ ووعده وعيدا شديدا بـالقتل والعذاب، قال: جِئْتُكَ مِنْ سَبأٍ بِنَبأٍ يَقِـينٍ قال له سلـيـمان: ما هذا النبأ؟ قال الهدهد: إنّى وَجَدْتٌ امْرأةً بسبأ تَـمْلِكُهُمْ، وأُوتِـيَتْ مِنْ كُلّ شَيْءٍ، ولَهَا عَرْشٌ عَظِيـمٌ فلـما أخبر الهدهد سلـيـمان أنه وجد سلطانا، أنكر أن يكون لأحد فـي الأرض سلطان غيره، فقال لـمن عنده من الـجنّ والإنس: يا أيّها الـمَلأّ أيّكُمْ يَأْتِـينِـي بعَرْشِها قَبْلَ أنْ يَأْتُونِـي مُسْلِـمِينَ؟ ٣٩قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الـجِنّ أنا آتِـيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ، وإنّـي عَلَـيْهِ لَقَوِيّ أمِينٌ قال سلـيـمان: أريد أعجل من ذلك قالَ الّذِي عِنْدَهُ عِلْـمٌ مِنَ الكِتابِ وهو رجل من الإنس عنده علـم من الكتاب فـيه اسم اللّه الأكبر، الذي إذا دعي به أجاب: أنا آتِـيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ يَرْتَدّ إلَـيْكَ طَرْفُكَ فدعا بـالاسم وهو عنده قائم، فـاحتـمل العرش احتـمالاً حتـى وُضع بـين يدي سلـيـمان، واللّه صنع ذلك فلـما أتـى سلـيـمان بـالعرش وهم مشركون، يسجدون للشمس والقمر، أخبره الهدهد بذلك، فكتب معه كتابـا ثم بعثه إلـيهم، حتـى إذا جاء الهدهد الـملكة ألقـى إلـيها الكتاب قالَتْ يا أيّها الـمَلأُ إنّـي أُلْقِـيَ إلـيّ كِتابٌ كَرِيـمٌ... إلـى وأْتُونِـي مُسْلِـمِينَ فقالت لقومها ما قالت وإنّـي مُرْسِلَةٌ إلَـيْهِمْ بِهَدِيّةٍ فَناظِرَةٌ بِـمَ يَرْجِعُ الـمُرْسَلُونَ قال: وبعثت إلـيه بوصائف ووصفـاء، وألبستهم لبـاسا واحدا، حتـى لا يعرف ذكر من أنثى، فقالت: إن زيّـل بـينهم حتـى يعرف الذكر من الأنثى، ثم ردّ الهدية، فإنه نبـيّ، وينبغي لنا أن نترك ملكنا ونتّبع دينه ونلـحق به، فردّ سلـيـمان الهدية وزيّـل بـينهم، فقال: هؤلاء غلـمان، وهؤلاء جَوَارٍ، وقال: أتُـمِدونَنِ بِـمَالٍ فَمَا آتانِـيَ اللّه خَيْرٌ مِـمّا أتاكُمْ بَلْ أنْتُـمْ بِهَدِيّتِكُمْ تفْرَحُونَ... إلـى آخر الاَية. ٢٠٥٢٠ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: إنّـي وَجَدْتُ امْرأةً تَـمْلِكُهُمْ... الاَية قال: وأنكر سلـيـمان أن يكون لأحد علـى الأرض سلطان غيره، قال لـمن حوله من الـجنّ والإنس: أيّكُمْ يَأْتِـينِـي بعَرْشِها... الاَية. وقال آخرون: بل إنـما اختبر صدقَ الهدهدِ سلـيـمانُ بـالكتاب، وإنـما سأل من عنده إحضاره عرش الـمرأة بعد ما خرجت رسلها من عنده، وبعد أن أقبلت الـمرأة إلـيه. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٢١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلـم، عن وهب بن منبه، قال: لـما رجعت إلـيها الرسل بـما قال سلـيـمان: قالت: واللّه عرفت ما هذا بـملك، وما لنا به طاقة، وما نصنع بـمكاثرته شيئا، وبعثت: إنـي قادمة علـيك بـملوك قومي، حتـى أنظر ما أمرك، وما تدعو إلـيه من دينك. ثم أمرت بسرير ملكها، الذي كانت تـجلس علـيه، وكان من ذهب مفصص بـالـياقوت والزبرجد واللؤلؤ، فجعل فـي سبعة أبـيات بعضها فـي بعض، ثم أقـفلت علـيه الأبواب. وكانت إنـما يخدمها النساء، معها ستّ مئة امرأة يخدمنها ثم قالت لـمن خـلفت علـى سلطانها، احتفظ بـما قِبَلك، وبسرير ملكي، فلا يخـلص إلـيه أحد من عبـاد اللّه ، ولا يرينه أحد حتـى أتـيك ثم شخصت إلـى سلـيـمان فـي اثنـي عشر ألف قَـيْـلٍ معها من ملوك الـيـمن، تـحت يد كلّ قَـيْـلٍ منهم ألوف كثـيرة، فجعل سلـيـمان يبعث الـجنّ، . فـيأتونه بـمسيرها ومنتهاها كلّ يوم ولـيـلة، حتـى إذا دنت جمع مَن عنده من الـجنّ والإنس مـمن تـحت يده، فقال: يا أيّها الـمَلأُ أيّكُمْ يَأْتِـينِـي بِعَرْشِها قَبْلَ أنْ يأْتُونِـي مُسْلِـمِينَ. وتأويـل الكلام: قال سلـيـمان لأشراف من حضره من جنده من الـجنّ والإنس: يا أيّها الـمَلأُ أيّكُمْ يَأْتِـينِـي بِعَرْشِها يعني سريرها. كما: ٢٠٥٢٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد قوله: أيّكُمْ يَأْتِـينِـي بعَرْشِها قال: سرير فـي أريكة. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قال: عرشها سرير فـي أريكة. قال ابن جُرَيج: سرير من ذهب، قوائمه من جوهر ولؤلؤ. ٢٠٥٢٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلـم، عن وهب بن منبه أيّكُمْ يَأْتِـينِـي بعَرْشِها: بسريرها. وقال ابن زيد فـي ذلك ما: ٢٠٥٢٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: أيكُمْ يَأْتِـينِـي بعَرْشِها قال: مـجلسها. واختلف أهل العلـم فـي السبب الذي من أجله خصّ سلـيـمان مسألة الـملأ من جنده إحضار عرش هذه الـمرأة من بـين أملاكها قبل إسلامها، فقال بعضهم: إنـما فعل ذلك لأنه أعجبه حين وصف له الهدهد صفته، وخشي أن تسلـم فـيحرُم علـيه مالها، فأراد أن يأخذ سريرها ذلك قبل أن يحرُم علـيه أخذه بإسلامها. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٢٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة ، قال: أخبر سلـيـمانَ الهدهدُ أنها قد خرجت لتأتـيه، وأخبر بعرشها فأعجبه. كان من ذهب وقوائمه من جوهر مكلّل بـاللؤلؤ، فعرف أنهم إن جاءوه مسلـمين لـم تـحلّ لهم أموالهم، فقال للـجنّ: أيّكُمْ يَأْتِـينِـي بِعَرْشِها قَبْلَ أنْ يَأتونِـي مُسْلِـمِينَ. وقال آخرون: بل فعل ذلك سلـيـمان لـيعاتبها به، ويختبر به عقلها، هل تثبته إذا رأته، أم تنكره؟ ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٢٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: أعلـم اللّه سلـيـمان أنها متأتـيه، فقال: أيّكُمْ يَأْتِـينِـي بِعَرْشِها قَبْلَ أنْ يَأْتُونِـي مُسْلِـمِينَ حتـى يعاتبها، وكانت الـملوك يتعاتبون بـالعلـم. واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله قَبْلَ أن يَأْتُونِـي مُسْلِـمِينَ فقال بعضهم: معناه: قبل أن يأتونـي مستسلـمين طوعا. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٢٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله وقبْل أنْ يَأْتُونِـي مُسْلِـمِينَ يقول: طائعين. وقال آخرون: بل معنى ذلك: قبل أن يأتونـي مسلـمين الإسلام الذي هو دين اللّه . ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٢٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جُرَيج أيّكُمْ يَأْتِـينِـي بِعَرْشِها قَبْلَ أنْ يَأْتُونِـي مُسْلِـمِينَ بحرمة الإسلام فـيـمنعهم وأموالهم، يعني الإسلام يـمنعهم. قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال بـالصواب فـي السبب الذي من أجله خصّ سلـيـمان بسؤاله الـملأ من جنده بإحضاره عرش هذه الـمرأة دون سائر ملكها عندنا، لـيجعل ذلك حجة علـيها فـي نبوّته، ويعرّفها بذلك قُدرة اللّه وعظيـم شأنه، أنها خـلّفته فـي بـيت فـي جوف أبـيات، بعضها فـي جوف بعض، مغلق مقـفل علـيها، فأخرجه اللّه من ذلك كله، بغير فتـح أغلاق وأقـفـال، حتـى أوصله إلـى وَلِـيّة من خـلقه، وسلم ه إلـيه، فكان لها فـي ذلك أعظم حجة، علـى حقـيقة ما دعا لها إلـيه سلـيـمان، وعلـى صدق سلـيـمان فـيـما أعلـمها من نبوّته. فأما الذي هو أولـى التأويـلـين فـي قوله قَبْلَ أنْ يَأْتُونِـي مُسْلِـمِينَ بتأويـله، فقول ابن عباس الذي ذكرناه قبل، من أن معناه طائعين، لأن الـمرأة لـم تأت سلـيـمان إذ أتته مسلـمة، وإنـما أسلـمت بعد مقدمها علـيه وبعد مـحاورة جرت بـينهما ومساءلة.) و قوله: قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الـجِنّ يقول تعالـى ذكره: قال رئيس من الـجنّ مارد قويّ. وللعرب فـيه لغتان: عفريت، وعفرية فمن قال: عفرية، جمعه: عفـاري ومن قال: عفريت، جمعه: عفـاريت. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٢٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جُرَيج، قال مـجاهد : قال عِفْرِيتٌ مِنَ الـجِنّ قال: مارد من الـجنّ أنا آتِـيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ. ٢٠٥٣٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة وغيره، مثله. ٢٠٥٣١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن بعض أصحابه قالَ عِفْرِيتٌ قال: داهية. ٢٠٥٣٢ـ قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: أخبرنـي وهب بن سلـيـمان، عن شعيب الـجبـائي قال: العفريت الذي ذكره اللّه اسمه: كوزن. ٢٠٥٣٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلـم، قَالَ عِفْرِيتٌ اسمه: كوزن. و قوله: أنا آتِـيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ يقول: أنا آتـيك بعرشها قبل أن تقوم من مقعدك هذا. وكان فما ذُكر قاعدا للقضاء بـين الناس، فقال: أنا أتـيك به قبل أن تقوم من مـجلسك هذا الذي جلست فـيه للـحكم بـين الناس. وذكر أنه كان يقعد إلـى انتصاف النهار. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٣٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، مثله. ٢٠٥٣٥ـ قال: ثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة وغيره، مثله، قال: وكان يقضي قال: قبل أن تقوم من مـجلسك الذي تقضي فـيه. ٢٠٥٣٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلـم، عن وهب بن منبه أنا آتِـيكَ بِهِ قَبْلَ أن تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ يعني مـجلسه. وقوله وإنّـي عَلَـيْهِ لَقَوِيّ أمِينٌ علـى ما فـيه من الـجواهر، ولا أخون فـيه. وقد قـيـل: أمين علـى فرج الـمرأة. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٣٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، فـي قوله وإنّـي عَلَـيْهِ لَقَوِيّ أمِينٌ يقول: قويّ علـى حمله، أمين علـى فرج هذه. ٤٠قوله: قَالَ الّذِي عِنْدَه عِلْـمٌ مِنَ الكِتابِ يقول جلّ ثناؤه: قال الذي عنده علـم من كتاب اللّه ، وكان رجلاً فـيـما ذكر من بنـي آدم، فقال بعضهم: اسمه بلـيخا. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٣٨ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا أبو عثمة، قال: حدثنا شعبة، عن بشر، عن قتادة ، فـي قوله قالَ الّذي عنْدَه عِلْـمٌ مِنَ الكِتابِ قال: كان اسمه بلـيخا. ٢٠٥٣٩ـ حدثنا يحيى بن داود الواسطي، قال: حدثنا أبو أسامة، عن إسماعيـل، عن أبـي صالـح، فـي قوله الّذِي عِنْدَهُ عِلْـمٌ مِنَ الكِتابِ رجل من الإنس. ٢٠٥٤٠ـ حدثنا ابن عرفة، قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاريّ، عن العلاء بن عبد الكريـم، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه : قالَ الّذِي عِنْدَه عِلْـمٌ مِنَ الكِتابِ أنا آتِـيكَ بِهِ قال: أنا أنظر فـي كتاب ربـي، ثم آتـيك به قَبْلَ أنْ يَرْتَدّ إلَـيْكَ طَرْفُكَ قال: فتكلـم ذلك العالـم بكلام دخـل العرش تـحت الأرض حتـى خرج إلـيهم. ٢٠٥٤١ـ حدثنا ابن عرفة، قال: ثنـي حماد بن مـحمد، عن عثمان بن مطر، عن الزهريّ، قال: دعا الذي عنده علـم من الكتاب: يا إلهنا وإله كلّ شيء إلها واحدا، لا إله إلا أنت، ائتنـي بعرشها، قال: فمثل بـين يديه. ٢٠٥٤٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة قالَ الّذِي عِنْدَهُ عِلْـمٌ مِنَ الكِتابِ قال: رجل من بنـي آدم أحسبه قال: من بنـي إسرائيـل، كان يعلـم اسم اللّه الذي إذا دعي به أجاب. ٢٠٥٤٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله الّذِي عِنْدَهُ عِلْـمٌ مِنَ الكِتابِ قال: الاسم الذي إذا دعي به أجاب، وهو: يا ذا الـجلال والإكرام. ٢٠٥٤٤ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول: قال سلـيـمان لـمن حوله: أيّكُمْ يَأْتِـينِـي بِعَرْشِها قَبْلِ أنْ يَأْتُونِـي مُسْلِـمِينَ فقال عفريت أنا آتِـيكَ بِهِ قَبْلَ أن تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ قال سلـيـمان: أريد أعجل من ذلك، فقال رجل من الإنس عنده علـم من الكتاب، يعني اسم اللّه إذا دعي به أجاب. ٢٠٥٤٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الـجِنّ أنا آتِـيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ، وإنّـي عَلَـيْهِ لَقَوِيّ أمِينٌ لا آتـيك بغيره، أقول غيره أمثله لك. قال: وخرج يومئذٍ رجل عابد فـي جزيرة من البحر، فلـما سمع العفريت قالَ أنا آتِـيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ يَرْتَدّ إلَـيْكَ طَرْفُكَ قال: ثم دعا بـاسم من أسماء اللّه ، فإذا هو يحمل بـين عينـيه، وقرأ: فَلَـمّا رآهُ مُسْتَقرّا عنْدَهُ قالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبّـي... حتـى بلغ إنّ رَبّـي غَنِـيّ كَرِيـمٌ. ٢٠٥٤٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال رجل من الإنس. قال: وقال مـجاهد : الذي عنده علـم من الكتاب: علـم اسم اللّه . وقال آخرون: الذي عنده علـم من الكتاب، كان آصف. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٤٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق قَالَ عِفْرِيتٌ لسلـيـمان أنا آتِـيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ، وإنّـي عَلَـيْهِ لَقَوِيّ أمِينٌ فزعموا أن سلـيـمان بن داود قال: أبتغي أعجل من هذا، فقال آصف بن برخيا، وكان صدّيقا يعلـم الاسم الأعظم الذي إذا دعي اللّه به أجاب، وإذا سئل به أعطى: أنا يا نبـيّ اللّه آتِـيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ يَرْتَدّ إلَـيْكَ طَرْفُكَ. و قوله: أنا آتِـيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ يَرْتَدّ إلَـيْكَ طَرْفُكَ اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: معناه: أنا آتـيك به قبل أن يصل إلـيك من كان منك علـى مدّ البصر. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٤٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي إبراهيـم، قال: حدثنا إسماعيـل بن أبـي خالد، عن سعيد بن جُبَـير قَبْلَ أنْ يَرْتَدّ إلَـيْكَ طَرْفُكَ قال: من قبل أن يرجع إلـيك أقصى من ترى، فذلك قوله قَبْلَ أنْ يَرْتَدّ إلَـيْكَ طَرْفُكَ. ٢٠٥٤٩ـ قال: ثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، قال: قال غير قتادة قَبْلَ أنْ يَرْتَدّ إلَـيْكَ طَرْفُكَ قبل أن يأتـيك الشخص من مدّ البصر. وقال آخرون: بل معنى ذلك: من قبل أن يبلغ طرفك مداه وغايته. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٥٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلـم عن وهب بن منبه قَبْلَ أنْ يَرْتَدّ إلَـيْكَ طَرْفُكَ تـمدّ عينـيك فلا ينتهي طرفك إلـى مداه حتـى أمثله بـين يديك. قال: ذلك أريد. ٢٠٥٥١ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا عثام، عن إسماعيـل، عن سعيد بن جُبَـير، قال: أخبرت أنه قال: ارفع طرفك من حيث يجيء، فلـم يرجع إلـيه طرفه حتـى وضع العرش بـين يديه. ٢٠٥٥٢ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا سفـيان، عن عطاء، عن مـجاهد ، فـي قوله قَبْلَ أنْ يَرْتَدّ إلَـيْكَ طَرْفُكَ قال: مدّ بصره. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد قَبْلَ أنْ يَرْتَدّ إلَـيْكَ طَرْفُكَ قال: إذا مدّ البصر حتـى يردّ الطرف خاسئا. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد قَبْلَ أنْ يَرْتَدّ إلَـيْكَ طَرْفُكَ قال: إذا مدّ البصر حتـى يحسر الطرف. قال أبو جعفر: وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال: قبل أن يرجع إلـيك طرفك من أقصى أثره، وذلك أن معنى قوله يَرَتَدّ إلَـيْكَ يرجع إلـيك البصر، إذا فتـحت العين غير راجع، بل إنـما يـمتدّ ماضيا إلـى أن يتناهى ما امتدّ نوره. فإذا كان ذلك كذلك، وكان اللّه إنـما أخبرنا عن قائل ذلك أنا آتِـيكَ بِهِ قَبْلَ أنْ يَرْتَدّ لـم يكن لنا أن نقول: أنا آتـيك به قبل أن يرتدّ راجعا إلَـيْكَ طَرْفُكَ من عند منتهاه. و قوله: فَلَـمّا رآه مُسْتَقِرّا عِنْدَهُ يقول: فلـما رأى سلـيـمان عرش ملكة سبأ مستقرّا عنده. وفـي الكلام متروك استغنـي بدلالة ما ظهر عما ترك، وهو: فدعا اللّه ، فأتـى به فلـما رآه سلـيـمان مستقرّا عنده. وذُكر أن العالـم دعا اللّه ، فغار العرش فـي الـمكان الذي كان به، ثم نبع من تـحت الأرض بـين يدي سلـيـمان. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٥٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـيـمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلـم، عن وهب بن منبه، قال: ذكروا أن آصِف بن برخيا توضأ، ثم ركع ركعتـين، ثم قال: يا نبـيّ اللّه ، امدد عينك حتـى ينتهي طرفك، فمدّ سلـيـمان عينه ينظر إلـيه نـحو الـيـمن، ودعا آصف فـانـخرق بـالعرش مكانه الذي هو فـيه، ثم نبع بـين يدي سلـيـمان فَلَـمّا رَآهُ سلـيـمان مُسْتَقِرّا عِنْدَهَ قالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبّـي لِـيَبْلُوَنِـي... الاَية. ٢٠٥٥٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، قال: نبع عرشها من تـحت الأرض. و قوله: قالَ هَذَا مِنْ فَضِلِ رَبّـي لِـيَبْلُوَنِـي يقول: هذا البصر والتـمكن والـملك والسلطان الذي أنا فـيه حتـى حمل إلـيّ عرش هذه فـي قدر ارتداد الطرف من مأرب إلـى الشام، من فضل ربـي الذي أفْضَلَه علـيّ وعطائه الذي جاد به علـيّ، لـيبلونـي، يقول: لـيختبرنـي ويـمتـحننـي، أأشكر ذلك من فعله علـيّ، أم أكفر نعمته علـيّ بترك الشكر له؟ وقد قـيـل: إن معناه: أأشكر علـى عرش هذه الـمرأة إذ أُتـيت به، أم أكفر إذ رأيت من هو دونـي فـي الدنـيا أعلـم منـي؟ ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٥٥ـ حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: أخبرنـي عطاء الـخراسانـي، عن ابن عباس ، فـي قوله: فَلَـمّا رآهُ مُسْتَقِرّا عِنْدَهُ قالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبّـي لِـيَبْلُوَنِـي أأشْكُرُ علـى السرير إذ أُتـيت به أمْ أكْفُرُ إذ رأيت من هو دونـي فـي الدنـيا أعلـم منـي؟. و قوله: وَمَنْ شَكَرَ فإنّـمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ يقول: ومن شكر نعمة اللّه علـيه، وفضله علـيه، فإنـما يشكر طلب نفع نفسه، لأنه لـيس بنفع بذلك غير نفسه، لأنه لا حاجة للّه إلـى أحد من خـلقه، وإنـما دعاهم إلـى شكره تعريضا منه لهم للنفع، لا لاجتلاب منه بشكرهم إياه نفعا إلـى نفسه، ولا دفع ضرّ عنها. وَمَنْ كَفَرَ فإنّ رَبّـي غَنِـيّ كَرِيـمٌ يقول: ومن كفر نعمه وإحسانه إلـيه، وفضله علـيه، لنفسه ظلـم، وحظّها بخَس، واللّه غنّـي عن شكره، لا حاجة به إلـيه، لا يضرّه كفر من كفر به من خـلقه، كريـمٌ، ومِن كرمه إفضاله علـى من يكفر نعمه، ويجعلها وصلة يتوصل بها إلـى معاصيه. ٤١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ نَكّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِيَ أَمْ تَكُونُ مِنَ الّذِينَ لاَ يَهْتَدُونَ }. يقول تعالـى ذكره: قال سلـيـمان لـما أتـى عرش بلقـيس صاحبة سبأ، وقدمت هي علـيه، لـجنده: غيّروا لهذه الـمرأة سريرها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٥٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة ، قوله نَكّرُوا لَهَا عَرْشَها قال: غيروا. ٢٠٥٥٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس : فلـما أتته قالَ نَكّرُوا لَهَا عَرْشَها قال: وتنكير العرش، أنه زيد فـيه ونقص. ٢٠٥٥٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله نَكّرُوا لَهَا عَرْشَها قال: غيّروه. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاح، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، نـحوه. ٢٠٥٥٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله نَكرُوا لهَا عَرْشَها قال: مـجلسها الذي تـجلس فـيه. ٢٠٥٦٠ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول، أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله نَكّرُوا لَهَا عَرْشَها أمرهم أن يزيدوا فـيه، وينقصوا منه. و قوله: نَنْظُرْ أتَهْتَدِي يقول: ننظر أتعقل فتثبت عرشها أنه هو الذي لها أمْ تَكُونُ مِنَ الّذِينَ لا يَهْتَدُونَ يقول: من الذين لا يعقلون فلا تثبت عرشها. و قـيـل: إن سلـيـمان إنـما نكّر لها عرشها، وأمر بـالصرح يعمل لها، من أجل أن الشياطين كانوا أخبروه أنه لا عقل لها، وأن رجلها كحافر حمار، فأراد أن يعرف صحة ما قـيـل له من ذلك. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله أتَهْتَدِي أمْ تَكُونُ مِنَ الّذِين لا يَهْتَدُونَ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٦١ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ننْظُرْ أتَهْتَدِي أمْ تَكُونُ مِنَ الّذِينَ لا يَهْتَدُونَ قال: زيد فـي عرشها ونقص منه، لـينظر إلـى عقلها، فوُجدت ثابتة العقل. ٢٠٥٦٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد نَنْظُرْ أتَهْتَدِي أتعرفه. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: ثنـي ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله نَنْظُرْ أتَهْتَدِي قال: تعرفه. ٢٠٥٦٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلـم، عن وهب بن منبه: أتَهْتَدِي أمْ تَكُونَ مِنَ الّذِينَ لا يَهْتَدُونَ: أي أتعقل، أم تكون من الذين لا يعقلون؟ ففعل ذلك لـينظر أتعرفه، أم لا تعرفه؟ ٤٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنّا مُسْلِمِينَ }. يقول تعالـى ذكره: لـما جاءت صاحبة سبأ سلـيـمان، أخرج لها عرشها، فقال لها: أَهَكَذَا عَرْشُكِ؟ قَالت وشبهته به: كَأنّهُ هُوَ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٦٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلـم، عن وهب بن منبه، قال: لـما انتهت إلـى سلـيـمان وكلـمته أخرج لها عرشها، ثم قال: أهَكَذَا عَرْشُكِ؟ قالَتْ كأنّهُ هُوَ. ٢٠٥٦٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة فَلَـمّا جَاءَتَ قِـيـلَ أهَكَذَا عَرْشكِ؟ قالَتْ كأنّهُ هُوَ قال: شبهته، وكانت قد تركته خـلفها. ٢٠٥٦٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كان أبـي يحدّثنا هذا الـحديث كله، يعني حديث سلـيـمان، وهذه الـمرأة فلـما جاءت قِـيـلَ أهَكَذَا عَرْشُكِ؟ قالَتْ كأنّهُ هُوَ شكّت. و قوله: وأوتِـينا العِلْـمَ مِنْ قَبْلِها يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل سلـيـمان، وقال سلـيـمان: وَأُوِتـينَا الْعِلْـمَ مِنْ قَبْلِهَا أي هذه الـمرأة، بـاللّه وبقدرته علـى ما يشاء، وَكُنّا مُسْلِـمِينَ للّه من قبلها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٦٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله وأُوتِـينَا العِلْـمَ مِنْ قَبْلِها قال: سلـيـمان بقوله . حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله. ٤٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَصَدّهَا مَا كَانَت تّعْبُدُ مِن دُونِ اللّه إِنّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ }. يقول تعالـى ذكره: ومنع هذه الـمرأة صاحبة سبأ ما كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللّه ، وذلك عبـادتها الشمس أن تعبد اللّه . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٦٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَصَدّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللّه قال: كفرها بقضاء اللّه غير الوثن (صدّها) أن تهتدي للـحق. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد وَصَدّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دونِ اللّه قال: كفرها بقضاء اللّه ، صدها أن تهتدي للـحق. ولو قـيـل: معنى ذلك: وصدّها سلـيـمان ما كانت تعبد من دون اللّه ، بـمعنى: منعها وحال بـينها وبـينه، كان وجها حسنا. ولو قـيـل أيضا: وصدّها اللّه ذلك بتوفـيقها للإسلام، كان أيضا وجها صحيحا. و قوله: إنّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ يقول: إن هذه الـمرأة كانت كافرة من قوم كافرين. وكسرت الألف من قوله (إنها) علـى الابتداء. ومن تأول قوله: وَصَدّها ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللّه التأويـل الذي تأولنا، كانت (ما) من قوله ما كانَتْ تَعْبُدُ فـي موضع رفع بـالصد، لأن الـمعنى فـيه لـم يصدها عن عبـادة اللّه جهلها، وأنها لا تعقل، إنـما صدها عن عبـادة اللّه عبـادتها الشمس والقمر، وكان ذلك من دين قومها وآبـائها، فـاتبعت فـيه آثارهم. ومن تأوله علـى الوجهين الاَخرين كانت (ما) فـي موضع نصب. ٤٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: حسر سورة النـمل) {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصّرْحَ فَلَمّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجّةً ...}. ذُكر أن سلـيـمان لـما أقبلت صاحبة سبأ تريده، أمر الشياطين فبنوا له صرحا، وهو كهيئة السطح من قوارير، وأجرى من تـحته الـماء لـيختبر عقلها بذلك، وفهمها علـى نـحو الذي كانت تفعل هي من توجيهها إلـيه الوصائف والوصفـاء لـيـميز بـين الذكور منهم والإناث معاتبة بذلك كذلك. ٢٠٥٦٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلـم، عن وهب بن منبه، قال: أمر سلـيـمان بـالصرح، وقد عملته له الشياطين من زجاج كأنه الـماء بـياضا، ثم أرسل الـماء تـحته، ثم وضع له فـيه سريره، فجلس علـيه، وعكفت علـيه الطير والـجنّ والإنس، ثم قال: ادْخُـلِـي الصّرْحَ لـيريها مُلكا هو أعزّ من مُلكها، وسلطانا هو أعظم من سلطانها فَلَـما رأَتْهُ حَسِبَتْهُ لّـجةً وكَشَفَتْ عَنْ ساقَـيْها لا تشكّ أنه ماء تـخوضه، قـيـل لها: ادخـلـي إنه صرح مـمرّد من قوارير فلـما وقـفت علـى سلـيـمان دعاها إلـى عبـادة اللّه وعاتبها فـي عبـادتها الشمس دون اللّه ، فقالت بقول الزنادقة، فوقع سلـيـمان ساجدا إعظاما لـما قالت، وسجد معه الناس وسقط فـي يديها حين رأت سلـيـمان صنع ما صنع فلـما رفع سلـيـمان رأسه قال: ويحكِ ماذا قلت؟ قال: وأُنْسِيت ما قالت: ، فقالت: رَبّ إنّـي ظَلَـمْتُ نَفْسِي وأسْلَـمْتُ مَعَ سُلَـيْـمانِ للّه رَبّ العالَـمِينَ وأسلـمت، فحسُن إسلامها. و قـيـل: إن سلـيـمان إنـما أمر ببناء الصرح علـى ما وصفه اللّه ، لأن الـجنّ خافت من سلـيـمان أن يتزوّجها، فأرادوا أن يزهدوه فـيها، فقالوا: إن رجلها رجل حمار، وإن أمها كانت من الـجنّ، فأراد سلـيـمان أن يعلـم حقـيقة ما أخبرته الـجنّ من ذلك. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٧٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن أبـي معشر، عن مـحمد بن كعب القرظيّ، قال: قالت الـجنّ لسلـيـمان تزهّدهِ فـي بِلقـيس: إن رجلها رجل حمار، وإن أمها كانت من الـجنّ فأمر سلـيـمان بـالصرح، فعُمل، فسجن فـيه دواب البحر: الـحِيتان، والضفـادع فلـما بصرت بـالصرح قالت: ما وجد ابن داود عذابـا يقتلنـي به إلا الغرق فَحَسِبَتْهُ لُـجّةً وكَشَفَتْ عَنْ ساقَـيْها قال: فإذا (هي) أحسن الناس ساقا وقدما. قال: فضنّ سلـيـمان بساقها عن الـموسى، قال: فـاتّـخذت النّورة بذلك السبب. وجائز عندي أن يكون سلـيـمان أمر بـاتـخاذ الصرح للأمرين الذي قاله وهب، والذي قاله مـحمد بن كعب القرضيّ، لـيختبر عقلها، وينظر إلـى ساقها وقدمها، لـيعرف صحة ما قـيـل له فـيها. وكان مـجاهد يقول فـيـما ذكر عنه فـي معنى الصرح ما: ٢٠٥٧١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: الصرْحَ قال: بركة من ماء ضرب علـيها سلـيـمان قوارير ألبسها. قال: وكانت بلقـيس هلبـاء شعراء، قدمها كحافر الـحمار، وكانت أمها جنـية. ٢٠٥٧٢ـ حدثنـي أحمد بن الولـيد الرملـي، قال: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم، عن سعيد بن بشير، عن قتادة ، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (كانَ أحَدُ أبَوَيْ صَاحِبَةِ سَبإٍ جِنّبّـا) . قال: ثنا صفوان بن صالـح، قال: ثنـي الولـيد، عن سعيد بن بشير، عن قتادة ، عن بشير بن نهيك، عن أبـي هريرة، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ولـم يذكر النضر بن أنس. و قوله: فَلَـما رأتْهُ حَسِبَتْهُ لُـجةً يقول: فلـما رأت الـمرأة الصرح حسبته لبـياضه واضطراب دواب الـماء تـحته لـجة بحر كشفت عن ساقـيها لتـخوضه إلـى سلـيـمان. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٧٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة قِـيـل لَهَا ادْخُـلِـي الصرْحَ فَلَـمّا رأتْهُ حَسِبَتْهُ لُـجّةً قال: وكان من قوارير، وكان الـماء من خـلفه فحسبته لـجة. ٢٠٥٧٤ـ قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله حَسِبَتْهُ لُـجّةً قال: بحرا. ٢٠٥٧٥ـ حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا ابن سوار، قال: حدثنا روح بن القاسم، عن عطاء بن السائب، عن مـجاهد ، فـي قوله: وكَشَفَتْ عَنْ ساقَـيْها فإذا هما شعراوان، فقال: ألا شيء يذهب هذا؟ قالوا: الـموسى، قال: لا، الـموسى له أثر، فأمر بـالنّورة فصنعت. ٢٠٥٧٦ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا حفص، عن عمران بن سلـيـمان، عن عكرمة وأبـي صالـح قالا: لـما تزوّج سلـيـمان بلقـيس قالت له: لـم تـمسنـي حديدة قطّ قال سلـيـمان للشياطين: انظروا ما يُذهب الشعر؟ قالوا: النّورة، فكان أوّل من صنع النورة. و قوله: إنّهُ صَرْحٌ مُـمَرّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ يقول جلّ ثناؤه: قال سلـيـمان لها: إن هذا لـيس ببحر، إنه صرح مـمّرد من قوارير، يقول: إنـما هو بناء مبنـيّ مشيد من قوارير. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٧٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، مُـمَرّدً قال: مشيد. و قوله: قالَتْ رَبّ إنّـي ظَلَـمْتُ نَفْسِي وأسْلَـمْتُ مَعَ سُلَـيْـمانَ... الاَية، يقول تعالـى ذكره: قالت الـمرأة صاحبة سبأ: ربّ إنـي ظلـمت نفسي فـي عبـادتـي الشمس، وسجودي لـما دونك وأسْلَـمْتُ مَعَ سُلَـيْـمانَ للّه تقول: وانقدت مع سلـيـمان مذعنة اللّه بـالتوحيد، مفردة له بـالألوهة والربوبـية دون كلّ من سواه. وكان ابن زيد يقول فـي ذلك ما: ٢٠٥٧٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي حَسِبَتْهُ لُـجّةً قال: إنّهُ صَرْحٌ مُـمَرّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ فعرفت أنها قد غلبت قالَتْ رَبّ إنـي ظَلَـمْتُ نَفْسِي، وأسْلَـمْتُ مَعَ سُلَـيْـمانَ للّه رَبّ العالَـمِينَ. ٤٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىَ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّه فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ }. يقول تعالـى ذكره: وَلَقَدْ أرْسَلْنا إلـى ثَمُودَ أخاهُمْ صَالِـحا أن اعْبُدُوا اللّه وَحده لا شرِيك له، ولا تـجعلوا معه إلها غيره فإذَا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ يقول: فلـما أتاهم صالـح داعيا لهم إلـى اللّه صار قومه من ثمود فـيـما دعاهم إلـيه فريقـين يختصمون، ففريق مصدّق صالـحا مؤمن به، وفريق مكذّب به كافر بـما جاء به. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٧٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه : فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ قال: مؤمن وكافر، قولهم صالـح مرسل، وقولهم صالـح لـيس بـمُرسل. و يعني بقوله يَخْتَصِمُونَ يختلفون. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد فإذَا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ قال: مؤمن، وكافر. ٤٦و قوله: قالَ يا قَوْمِ لِـمَ تَسْتَعْجِلُونَ بـالسّيّئَةِ قَبْلَ الـحَسَنَةِ يقول تعالـى ذكره: قال صالـح لقومه: يا قوم لأيّ شيء تستعجلون بعذاب اللّه قبل الرحمة. كما: ٢٠٥٨٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله لِـمَ تَسْتَعْجِلُونَ بـالسّيّئَةِ قَبْلَ الـحَسَنَةِ قال: السيئة: العذاب، قبل الـحسنة: قبل الرحمة. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد قالَ يا قَوْمِ لِـمَ تَسْتَعْجِلُونَ بـالسّيّئَةِ قال بـالعذاب قبل الـحسنة، قال: العافـية. و قوله: لَوْلا تَسْتَغْفرُونَ اللّه لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ يقول: هلا تتوبون إلـى اللّه من كفركم، فـيغفر لكم ربكم عظيـم جرمكم، يصفح لكم عن عقوبته إياكم علـى ما قد أتـيتـم من عظيـم الـخطيئة. و قوله: لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ يقول: لـيرحمكم ربكم بـاستغفـاركم إياه من كفركم. ٤٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ اطّيّرْنَا بِكَ وَبِمَن مّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللّه بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ }. يقول تعالـى ذكره: قالت ثمود لرسولها صالـح اطّيّرنَا بِكَ وَبِـمَنْ مَعَكَ أي تشاءمنا بك وبـمن معك من أتبـاعنا، وزجرنا الطير بأنا سيصيبنا بك وبهم الـمكاره والـمصائب، فأجابهم صالـح فقال لهم طائِرُكُمْ عِنْدَ اللّه أي ما زجرتـم من الطير لـما يصيبكم من الـمكاره عند اللّه علـمه، لا يدري أيّ ذلك كائن، أما تظنون من الـمصائب أو الـمكاره، أم ما لا ترجونه من العافـية والرجاء والـمـحاب. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٨١ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: حدثنا معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله قالَ طائرُكُمْ عِنْدَ اللّه يقول: مصائبكم. ٢٠٥٨٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة ، قوله طائِرُكُمْ عِنْدَ اللّه علـمكم عند اللّه . و قوله: بَلْ أنْتُـمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ يقول: بل أنتـم قوم تـختبرون، يختبركم ربكم إذ أرسلنـي إلـيكم، أتطيعونه، فتعملون بـما أمركم به، فـيجزيكم الـجزيـل من ثوابه، أم تعصونه، فتعملون بخلافه، فـيحلّ بكم عقابه. ٤٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ }. يقول تعالـى ذكره: وكان فـي مدينة صالـح، وهي حِجر ثمود، تسعة أنفس يفسدون فـي الأرض ولا يصلـحون، وكان إفسادهم فـي الأرض: كفرهم بـاللّه ، ومعصيتهم إياه، وإنـما خصّ اللّه جل ثناؤه هؤلاء التسعة الرهط بـالـخبر عنهم أنهم كانوا يفسدون فـي الأرض، ولا يصلـحون، وإن كان أهل الكفر كلهم فـي الأرض مفسدين، لأن هؤلاء التسعة هم الذين سعوا فـيـما بلغنا فـي عقر الناقة، وتعاونوا علـيه، وتـحالفوا علـى قتل صالـح من بـين قوم ثمود. وقد ذكرنا قصصهم وأخبـارهم فـيـما مضى من كتابنا هذا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٨٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد تِسْعَةُ رَهْطٍ قال: من قوم صالـح.. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله. ٢٠٥٨٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وكانَ فِـي الـمَدِينَة تسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِـي الأرْضِ وَلا يُصْلِـحُونَ هم الذين عقروا الناقة، وقالوا حين عقروها: نبـيّت صالـحا وأهله فنقتلهم، ثم نقول لأولـياء صالـح: ما شهدنا من هذا شيئا، ومالنا به علـم، فدمرهم اللّه أجمعين. ٤٩و قوله: قالُوا تَقاسَمُوا بـاللّه لَنُبَـيّتَنّهُ وأهْلَهُ يقول تعالـى ذكره: قال هؤلاء التسعة الرهط الذين يُفسدون فـي أرض حجر ثمود، ولا يصلـحون، تقاسموا بـاللّه : تـحالفوا بـاللّه أيها القوم، لـيحلف بعضكم لبعض: لنبـيتنّ صالـحا وأهله، فلنقتلنه، ثم لنقولنّ لولـيه: ما شهدنا مهلك أهله. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٨٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد تَقاسَمُوا بـاللّه قال: تـحالفوا علـى إهلاكه، فلـم يصلوا إلـيه حتـى هلكوا وقومهم أجمعون. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، بنـحوه: ويتوجه قوله تَقاسَمُوا بـاللّه إلـى وجهين: أحدهما النصب علـى وجه الـخبر، كأنه قـيـل: قالوا متقاسمين. وقد ذُكر أن ذلك فـي قراءة عبد اللّه : (وَلا يُصْلِـحُونَ تَقاسَمُوا بـاللّه ) ولـيس فـيها (قالوا) ، فذلك من قراءته يدلّ علـى وجه النصب فـي (تقاسموا) علـى ما وصفت. والوجه الاَخر: الـجزم، كأنهم قال بعضهم لبعض: اقسموا بـاللّه ، فعلـى هذا الوجه الثانـي تصلـح قراءة لَنُبَـيّتَنّهُ بـالـياء والنون، لأن القائل لهم تقاسموا، وإن كان هو الاَمر فهو فـيـمن أقسم، كما يقال فـي الكلام: انهضوا بنا نـمض إلـى فلان، وانهضوا نـمضي إلـيه. وعلـى الوجه الأوّل الذي هو وجه النصب القراءة فـيه بـالنون أفصح، لأن معناه: قالوا متقاسمين لنُبـيّتنّهُ، وقد تـجوز الـياء علـى هذا الوجه كما يقال فـي الكلام: قالوا لنكرمنّ أبـاك، ولـيكرمنّ أبـاك، وبـالنون قرأ ذلك قرّاء الـمدينة، وعامة قرّاء البصرة وبعض الكوفـيـين. وأما الأغلب علـى قرّاء أهل الكوفة، فقراءته بـالـياء، وضمّ التاء جميعا. وأما بعض الـمكيـين، فقرأه بـالـياء. وأعجب القراءات فـي ذلك إلـيّ النون، لأن ذلك أفصح الكلام علـى الوجهين اللذين بـيّنت من النصب والـجزم، وإن كان كل ذلك صحيحا غير فـاسد لـما وصفت. وأكرهها إلـيّ القراءة بها الـياء، لقلة قارىء ذلك كذلك. و قوله: لَنُبَـيّتَنّهُ قال: لـيُبَـيّتُنّ صالـحا ثم يفتكوا به. ٢٠٥٨٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: (قال) التسعة الذين عقروا الناقة: هلـمّ فلنقتل صالـحا، فإن كان صادقا، يعني فـيـما وعدهم من العذاب بعد الثلاث، عجلناه قبله، وإن كان كاذبـا نكون قد ألـحقناه بناقته. فأتوه لـيلاً لـيبـيتوه فـي أهله، فدمغتهم الـملائكة بـالـحجارة فلـما أبطئوا علـى أصحابهم أتوا منزل صالـح، فوجدوهم مشدوخين قد رضخوا بـالـحجارة. و قوله: وَإنّا لَصَادقُونَ نقول لولـيه: وإنا لصادقون، أنا ما شهدنا مُهلِكَ أهله. ٥٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }. يقول تعالـى ذكره: وغدر هؤلاء التسعة الرهط الذين يفسدون فـي الأرض بصالـح بـمصيرهم إلـيه لـيلاً لـيقتلوه وأهله، وصالـح لا يشعر بذلك وَمَكَرْنا مَكْرا يقول: فأخذناهم بعقوبتنا إياهم، وتعجيـلنا العذاب لهم وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بـمكرنا. وقد بـيّنا فـيـما مضى معنى: مكر اللّه بـمن مكر به، وما وجه ذلك، وأنه أخذه من أخذه منهم علـى غرّة، أو استدراجه منهم من استدرج علـى كفره به، ومعصيته إياه، ثم إحلاله العقوبة به علـى غرّة وغفلة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٨٧ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن رجل، عن علـيّ، قال: الـمكر غدر، والغدر كفر. ٢٠٥٨٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَمَكَرُوا مَكْرا وَمَكَرْنا مَكْرا قال: احتالوا لأمرهم، واحتال اللّه لهم، مكروا بصالـح مكرا، ومكرنا، ومكرنا بهم مكرا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ بـمكرنا وشعرنا بـمكرهم، قالوا: زعم صالـح أنه يفرغ منا إلـى ثلاث فنـحن نفرغ منه وأهله قبل ذلك، وكان له مسجد فـي الـحجر فـي شعب يصلـي فـيه، فخرجوا إلـى كهف وقالوا: إذا جاء يصلـي قتلناه، ثم رجعنا إذا فرغنا منه إلـى أهله، ففرغنا منهم، وقرأ قول اللّه تبـارك وتعالـى: قالُوا تَقاسَمُوا بـاللّه لَنُبَـيّتَنّه وأهْلَهُ، ثُمّ لَنَقُولَنّ لِوَلِـيّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أهْلِهِ، وإنّا لَصَادِقُونَ فبعث اللّه صخرة من الهَضْب حِيالَهم، فخشُوا أن تشدَخَهم، فبـادروا الغار، فَطَبقت الصخرة علـيهم فم ذلك الغار، فلا يدري قومُهم أين هم؟ ولا يدرون ما فعل بقومهم؟ فعذّب اللّه تبـارك وتعالـى هؤلاء ها هنا، وهؤلاء هنا، وأنـجى اللّه صالـحا ومن معه. ٢٠٥٨٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة وَمَكَرُوا مَكْرا وَمَكَرْنا مَكْرا قال: فسلط اللّه علـيهم صخرة فقتلتهم. ٥١و قوله: فـانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقبَةُ مَكْرِهِمْ يقول تعالـى ذكره: فـانظر يا مـحمد بعين قلبك إلـى عاقبة غدر ثمود بنبـيهم صالـح، كيف كانت؟ وما الذي أورثها اعتداؤهم وطغيانهم وتكذيبهم؟ فإن ذلك سنتنا فـيـمن كذّب رسلنا، وطغى علـينا من سائر الـخـلق، فحذر قومك من قريش، أن ينالهم بتكذيبهم إياك، ما نال ثمود بتكذّيبهم صالـحا من الـمثلات.) و قوله: إنّا دَمّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أجمَعِينَ يقول: إنا دمرنا التسعة الرهط الذين يفسدون فـي الأرض من قوم صالـح وقومهم من ثمود أجمعين، فلـم نبقِ منهم أحدا. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله (إنّا) فقرأ بكسرها عامة قرّاء الـحجاز والبصرة علـى الابتداء، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: أنّا دَمّرْناهُمْ بفتـح الألف. وإذا فُتـحت كان فـي أنّا وجهان من الإعراب: أحدهما الرفع علـى ردّها علـى العاقبة علـى الإتبـاع لها، والاَخر النصب علـى الردّ علـى موضع كيف، لأنها فـي موضع نصب إن شئت، وإن شئت علـى تكرير كان علـيها علـى وجه، فـانظر كيف كان عاقبة مكرهم؟ كان عاقبة مكرهم تدميرَنا إياهم. قال أبو جعفر: والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان فـي قَرَأَةِ الأمصار، متقاربتا الـمعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. ٥٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوَاْ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }. يعني تعالـى ذكره ب قوله: فَتِلْكَ بُـيُوتُهُمْ خاوِيَةً فتلك مساكنهم خاوية خالـية منهم، لـيس فـيها منهم أحد، قد أهلكهم اللّه فأبـادهم بـما ظلـموا: يقول تعالـى ذكره: بظلـمهم أنفسهم، بشركهم بـاللّه ، وتكذيبهم رسولهم إنّ فِـي ذلكَ لاَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَـمُونَ يقول تعالـى ذكره: إن فـي فعلنا بثمود ما قصصنا علـيك يا مـحمد من القصة، لعظةً لـمن يعلـم فعلنا بهم ما فعلنا، من قومك الذين يكذّبونك فـيـما جئتهم به من عند ربك وعبرة. ٥٣وأنـجَيْنا الّذِينَ آمَنُوا يقول: وأنـجينا من نقمتنا وعذابنا الذي أحللناه بثمود رسولنا صالـحا والـمؤمنـين به وكانُوا يَتّقُونَ يقول: وكانوا يتقون بإيـمانهم، وبتصديقهم صالـحا الذي حلّ بقومهم من ثمود ما حلّ بهم من عذاب اللّه ، فكذلك ننـجيك يا مـحمد وأتبـاعك، عند إحلالنا عقوبتنا بـمشركي قومك من بـين أظهرهم. وذُكر أن صالـحا لـما أحلّ اللّه بقومه ما أحلّ، خرج هو والـمؤمنون به إلـى الشام، فنزل رملة فلسطين. ٥٤الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَرْسَلْنَا لُوطًا إِلَى قَوْمِهِ، إِذْ قَالَ لَهُمْ: يَا قَوْمِ {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} أَنَّهَا فَاحِشَةٌ، لِعِلْمِكُمْ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْكُمْ إِلَى مَا تَفْعَلُونَ مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ. ٥٥وَقَوْلُهُ: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً} مِنْكُمْ بِذَلِكَ مِنْ دُونِ فُرُوجِ النِّسَاءِ الَّتِي أَبَاحَهَا اللّه لَكُمْ بِالنِّكَاحِ. وَقَوْلُهُ: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} يَقُولُ: مَا ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا أَنَّكُمْ قَوْمٌ سُفَهَاءُ جَهَلَةٌ بِعَظِيمِ حَقِّ اللّه عَلَيْكُمْ، فَخَالَفْتُمْ لِذَلِكَ أَمَرَهُ، وَعَصَيْتُمْ رَسُولَهُ. ٥٦الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ، إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمْ يَكُنْ لِقَوْمِ لُوطٍ جَوَّابٌ لَهُ إِذْ نَهَاهُمْ عَمَّا أَمَرَهُ اللّه بِنَهْيِهِمْ عَنْهُ مِنْ إِتْيَانِ الرِّجَالِ، إِلَّا قِيلُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ: {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ، إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} عَمَّا نَفْعَلُهُ نَحْنُ مِنْ إِتْيَانِ الذُّكْرَانِ فِي أَدْبَارِهِمْ. كَمَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عُمَارَةَ، يَذْكُرُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: " {أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} قَالَ: مِنْ إِتْيَانِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ " ٢٠٥٩١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: إنّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهّرُونَ قال: من أدبـار الرجال وأدبـار النساء استهزاء بهم. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قال: يَتَطَهّرُونَ من أدبـار الرجال والنساء، استهزاء بهم يقولون ذلك. ٢٠٥٩٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة أنه تلا: إنّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهّرُونَ قال: عابوهم بغير عيب: أي إنهم يتطهرون من أعمال السوء. ٥٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاّ امْرَأَتَهُ قَدّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ }. يقول تعالـى ذكره: فأنـجينا لوطأ وأهله سوى امرأته من عذابنا حين أحللناه بهم، ثم قَدّرْناها يقول: فإن امرأته قدرناها: جعلناها بتقديرنا مِنَ الغابِرِينَ من البـاقـين ٥٨وأمْطَرْنا عَلَـيْهِمْ مَطَرا وهو إمطار اللّه علـيهم من السماء حجارة من سجيـل فَساءَ مَطَرُ الـمُنْذَرِينَ يقول: فساء ذلك الـمطر مطر القوم الذين أنذرهم اللّه عقابه علـى معصيتهم إياه، وخوّفهم بأسه بإرسال الرسول إلـيهم بذلك. ٥٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلِ الْحَمْدُ للّه وَسَلاَمٌ عَلَىَ عِبَادِهِ الّذِينَ اصْطَفَىَ ءَاللّه خَيْرٌ أَمّا يُشْرِكُونَ }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم قُل يا مـحمد الـحَمْدُ للّه علـى نعمه علـينا، وتوفـيقه إيانا لـما وفّقنا من الهداية وَسَلامٌ يقول: وأَمنة منه من عقابه الذي عاقب به قوم لوط، وقوم صالـح، علـى الذين اصطفـاهم، يقول: الذين اجتبـاهم لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم ، فجعلهم أصحابه ووزراءه علـى الدّين الذي بعثه بـالدعاء إلـيه دون الـمشركين به، الـجاحدين نبوّة نبـيه. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٩٣ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا طلق، يعني ابن غنام، عن ابن ظهير، عن السديّ، عن أبـي مالك، عن ابن عباس وَسَلامٌ عَلـى عِبـادِهِ الّذِينَ اصْطَفَـى قال: أصحاب مـحمد اصطفـاهم اللّه لنبـيه. ٢٠٥٩٤ـ حدثنا علـيّ بن سهل، قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم، قال: قلت لعبد اللّه بن الـمبـارك: أرأيت قول اللّه قُلِ الـحَمْدُ للّه وَسَلامٌ عَلـى عِبـادِهِ الّذِينَ اصْطَفَـى من هؤلاء؟ فحدثنـي عن سفـيان الثوري، قال: هم أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . و قوله: اللّه خَيْرٌ أمّا يُشْرِكُونَ يقول تعالـى ذكره قل يا مـحمد لهؤلاء الذين زيّنا لهم أعمالهم من قومك فهم يعمهون: اللّه الذي أنعم علـى أولـيائه هذه النّعم التـي قصّها علـيكم فـي هذه السورة، وأهلك أعداءه بـالذي أهلكهم به من صنوف العذاب التـي ذكرها لكم فـيها خير، أما تشركون من أوثانكم التـي لا تنفعكم ولا تضرّكم، ولا تدفع عن أنفسها ولا عن أولـيائها سوءا، ولا تـجلب إلـيها ولا إلـيهم نفعا؟ يقول: إن هذا الأمر لا يشكل علـى من له عقل، فكيف تستـجيزون أن تشركوا عبـادة من لا نفع عنده لكم، ولا دفع ضرّ عنكم فـي عبـادة من بـيده النفع والضرّ، وله كلّ شيء. ثم ابتدأ تعالـى ذكره تعديد نعمه علـيهم، وأياديه عندهم، وتعريفهم بقلة شكرهم إياه علـى ما أولاهم من ذلك، فقال: أمّنْ خَـلَقَ السّمَوَاتِ والأرْضَ. ٦٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَمّنْ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ السّمَآءِ مَآءً ...}. يقول تعالـى ذكره للـمشركين به من قُرَيش: أعبـادة ما تعبدون من أوثانكم التـي لا تضرّ ولا تنفع خير، أم عبـادة من خـلق السموات والأرض؟ وأنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السّماءِ ماء يعني مطرا، وقد يجوز أن يكون مريدا به العيون التـي فجّرها فـي الأرض، لأن كل ذلك من خـلقه فَأنْبَتْنا بِهِ يعني بـالـماء الذي أنزل من السماء حَدَائِقَ وهي جمع حديقة، والـحديقة: البستان علـيه حائط مـحوّط، وإن لـم يكن علـيه حائط لـم يكن حديقة. و قوله: ذَاتَ بَهْجَةٍ يقول: ذات منظر حسن. وقـيـل ذات بـالتوحيد. وقد قـيـل حدائق، كما قال: وَللّه الأسْماءُ الـحُسْنَى، وقد بـيّنت ذلك فـيـما مضى. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٥٩٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ قال: البهجة: الفُقّاح مـما يأكل الناس والأنعام. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قوله: حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ قال: من كلّ شيء تأكله الناس والأنعام. و قوله: ما كانَ لَكُمْ أنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها يقول تعالـى ذكره: أنبتنا بـالـماء الذي أنزلناه من السماء لكم هذه الـحدائق إذا لـم يكن لكم، لولا أنه أنزل علـيكم الـماء من السماء طاقة أن تنبتوا شجر هذه الـحدائق، ولـم تكونوا قادرين علـى ذهاب ذلك، لأنه لا يصلـح ذلك إلا بـالـماء. و قوله: أءِلَهٌ مَعَ اللّه يقول تعالـى ذكره: أمعبود مع اللّه أيها الـجهلة خـلق ذلك، وأنزل من السماء الـماء، فأنبت به لكم الـحدائق؟ ف قوله: أءله مردود علـى تأويـل: أمع اللّه إله. بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ يقول جلّ ثناؤه: بل هؤلاء الـمشركون قوم ضلال، يعدلون عن الـحقّ، ويجورون علـيه، علـى عمد منهم لذلك، مع علـمهم بأنهم علـى خطأ وضلال ولـم يعدلوا عن جهل منهم، بأن من لا يقدر علـى نفع ولا ضرّ، خير مـمن خـلق السموات والأرض، وفعل هذه الأفعال، ولكنهم عدلوا علـى علـم منهم ومعرفة، اقتفـاء منهم سنة من مضى قبلهم من آبـائهم. ٦١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَمّن جَعَلَ الأرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً ...}. يقول تعالـى ذكره: أعبـادة ما تشركون أيها الناس بربكم خير وهو لا يضرّ ولا ينفع، أم الذي جعل الأرض لكم قرارا تستقرّون علـيها لا تـميد بكم وَجَعَلَ لكم خِلاَلَها أنهارا يقول: بـينها أنهارا وجعل لَها رَوَاسِيَ وهي ثوابت الـجبـال، وَجَعَلَ بـينَ البَحْرَيْنِ حاجِزا بـين العذب والـملـح، أن يفسد أحدهما صاحبه أءِلَهٌ مَعَ اللّه سواه فعل هذه الأشياء فأشركتـموه فـي عبـادتكم إياه؟ و قوله: بَلْ أكْثَرُهُمْ لا يَعْلَـمُونَ يقول تعالـى ذكره: بل أكثر هؤلاء الـمشركين لا يعلـمون قدر عظمة اللّه ، وما علـيهم من الضرّ فـي إشراكهم فـي عبـادة اللّه غيره، وما لهم من النفع فـي إفرادهم اللّه بـالألوهة، وإخلاصهم له العبـادة، وبراءتهم من كلّ معبود سواه. ٦٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَمّن يُجِيبُ الْمُضْطَرّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السّوَءَ وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَآءَ الأرْضِ أَإِلَـَهٌ مّعَ اللّه قَلِيلاً مّا تَذَكّرُونَ }. يقول تعالـى ذكره: أم ما تُشركون بـاللّه خير، أم الذي يجيب الـمضطّر إذا دعاه، ويكشف السوء النازل به عنه؟ كما: ٢٠٥٩٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله: وَيَكْشِفُ السّوءَ قال: الضرّ. و قوله: ويجْعَلُكُمْ خُـلَفـاءَ الأرْضِ يقول: ويستـخـلف بعد أمرائكم فـي الأرض منكم خـلفـاء أحياء يخـلفونهم. و قوله: أءِلَهٌ مَعَ اللّه يقول: أءِلَهٌ مع اللّه سواه يفعل هذه الأشياء بكم، وينعم علـيكم هذه النعم؟ و قوله: قَلِـيلاً ما تَذَكّرُونَ يقول: تذكّرا قلـيلاً من عظمة اللّه وأياديه عندكم تذكرون وتعتبرون حجج اللّه علـيكم يسيرا، فلذلك أشركتـم بـاللّه غيره فـي عبـادته. ٦٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَمّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرّيَاحَ بُشْرًى ... }. يقول تعالـى ذكره: أم ما تشركون بـاللّه خير، أم الذي يهديكم فـي ظلـمات البرّ والبحر إذا ضللتـم فـيهما الطريق، فأظلـمت علـيكم السبل فـيهما؟ كما: ٢٠٥٩٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله: أمّنْ يَهْدِيكُمْ فِـي ظُلُـمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ والظّلـمات فـي البر، ضلاله الطريق، والبحر، ضلاله طريقه وموجه وما يكون فـيه. قوله: وَمَنْ يُرْسِلُ الرّياحَ نُشْرا بـينَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ يقول: والذي يرسل الرياح نشرا لـموتان الأرض بـين يدي رحمته، يعني : قدام الغيث الذي يحيى موات الأرض. و قوله: أءِلَهٌ مَعَ اللّه تَعالـى اللّه عَمّا يُشْرِكُونَ يقول تعالـى ذكره: أءله مع اللّه سوى اللّه يفعل بكم شيئا من ذلك فتعبدوه من دونه، أو تشركوه فـي عبـادتكم إياه تَعَالـى اللّه يقول: للّه العلوّ والرفعة عن شرككم الذي تشركون به، وعبـادتكم معه ما تعبدون. ٦٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَمّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمّ يُعيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مّنَ السّمَآءِ والأرْضِ أَإِلَـَهٌ مّعَ اللّه قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }. يقول تعالـى ذكره: أم ما تشركون أيها القوم خير، أم الذي يبدأ الـخـلق ثم يعيده، فـينشئه من غير أصل، ويبتدعه ثم يفنـيه إذا شاء، ثم يعيده إذا أراد كهيئته قبل أن يفنـيه، والذي يرزقكم من السماء والأرض فـينزل من هذه الغيث، وينبت من هذه النبـات لأقواتكم، وأقوات أنعامكم أءِلَهٌ مَعَ اللّه سوى اللّه يفعل ذلك؟ وإن زعموا أن إلها غير اللّه يفعل ذلك أو شيئا منه فَقُلْ لهم يا مـحمد هاتُوا بَرْهانَكُمْ: أي حجتكم علـى أن شيئا سوى اللّه يفعل ذلك إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ فـي دعواكم. و(من) التـي فـي (أمّنْ) و(ما) مبتدأ فـي قوله: أما يشركون، والاَيات بعدها إلـى قوله: وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السّماءِ والأرْضِ بـمعنى (الذي) ، لا بـمعنى الاستفهام، وذلك أن الاستفهام لا يدخـل علـى الاستفهام. ٦٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُل لاّ يَعْلَمُ مَن فِي السّمَاواتِ والأرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللّه وَمَا يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : قُلْ يا مـحمد لسائلـيك من الـمشركين عن الساعة متـى هي قائمة لا يَعْلَـمُ مَنْ فِـي السّمَوَاتِ وَالأرْضِ الْغَيْبَ الذي قد استأثر اللّه بعلـمه، وحجب عنه خـلقه غيره والساعة من ذلك وَما يَشْعَرُونَ يقول: وما يدري من فـي السموات والأرض من خـلقه متـى هم مبعوثون من قبورهم لقـيام الساعة. وقد: ٢٠٥٩٨ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، قال: أخبرنا داود بن أبـي هند، عن الشعبـيّ، عن مسروق، قال: قالت عائشة: من زعم أنه يخبر الناس بـما يكون فـي غد، فقد أعظم علـى اللّه الفِرْيَةَ، واللّه يقول: لا يَعْلَـمُ مَنْ فِـي السّمَواتِ والأرْضِ الغَيْبَ إلاّ اللّه . واختلف أهل العربـية فـي وجه رفع اللّه ، فقال بعض البصريـين: هو كما تقول: إلا قلـيـل منهم. وفـي حرف ابن مسعود: قلـيلاً بدلاً من الأوّل، لأنك نفـيته عنه وجعلته للاَخر. وقال بعض الكوفـيـين: إن شئت أن تتوهم فـي (من) الـمـجهول، فتكون معطوفة علـى: قل لا يعلـم أحد الغيب إلا اللّه . قال: ويجوز أن تكون (من) معرفة، ونزل ما بعد (إلا) علـيه، فـيكون عطفـا ولا يكون بدلاً، لأن الأوّل منفـي، والثانـي مثبت، فـيكون فـي النسق كما تقول: قام زيد إلا عمرو، فـيكون الثانـي عطفـا علـى الأوّل، والتأويـل جحد، ولا يكون أن يكون الـخبر جحدا، أو الـجحد خبرا. قال: وكذلك مَا فَعَلُوهُ إلاّ قَلِـيـلٌ وقلـيلاً من نَصَب، فعلـى الاستثناء فـي عبـادتكم إياه، ومن رَفَع فعلـى العطف، ولا يكون بدلاً. ٦٦و قوله: بَلِ ادّارَكَ عِلْـمُهُمْ فِـي الاَخِرَةِ اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة سوى أبـي جعفر وعامة قرّاء أهل الكوفة: بَلِ ادّارَكَ بكسر اللام من (بل) وتشديد الدال من (ادّارك) ، بـمعنى: بل تدارك علـمهم أي تتابع علـمهم بـالاَخرة هل هي كائنة أم لا، ثم أدغمت التاء فـي الدال كما قـيـل: أثّاقَلْتُـمْ إلَـى الأرْضِ وقد بـيّنا ذلك فـيـما مضى بـما فـيه الكفـاية من إعادته. وقرأته عامة قرّاء أهل مكة: (بَلْ أدْرَكَ عِلْـمُهُمْ فِـي الاَخِرَةِ) بسكون الدال وفتـح الألف، بـمعنى هل أدرك علـمهم علـم الاَخرة. وكان أبو عمرو بن العلاء يُنكر فـيـما ذكر عنه قراءة من قرأ: (بَلْ أدْرَكَ) ويقول: إن (بل) إيجاب والاستفهام فـي هذا الـموضع إنكار. ومعنى الكلام: إذا قرىء كذلك (بَلْ أدْرَكَ) لـم يكن ذلك لـم يدرك علـمهم فـي الاَخرة، وبـالاستفهام قرأ ذلك ابن مـحيصن علـى الوجه الذي ذكرت أن أبـا عمرو أنكره. وبنـحو الذي ذكرت عن الـمكيـين أنهم قرءوه ذُكر عن مـجاهد أنه قرأه، غير أنه كان يقرأ فـي موضع بل: أم. ٢٠٥٩٩ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن موسى، قال: حدثنا عثمان بن الأسود، عن مـجاهد ، أنه قرأ (أمْ أدْرَكَ عِلْـمُهُمْ) وكان ابن عباس فـيـما ذُكر عنه يقرأ بإثبـات ياء فـي بل، ثم يبتدىء أدّارك بفتـح ألفها علـى وجه الاستفهام وتشديد الدال. ٢٠٦٠٠ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي حمزة، عن ابن عباس فـي هذه الاَية: (بَلـى أدّارَكَ عِلْـمُهُمْ فِـي الاَخِرَةِ) : أي لـم يدرك. حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي حمزة، قال: سمعت ابن عباس يقرأ بَلـى أدّرَاكَ عِلْـمُهُمِ فِـي الاَخِرَةِ إنـما هو استفهام أنه لـم يدرك. وكأن ابن عباس وجه ذلك إلـى أن مخرجه مخرج الاستهزاء بـالـمكذّبـين بـالبعث. والصواب من القراءات عندنا فـي ذلك القراءتان اللتان ذكرت إحداهما عن قَرأَة أهل مكة والبصرة، وهي (بَلْ أدْرَكَ عِلْـمُهُمْ) بسكون لام بل وفتـح ألف أدرك وتـخفـيف دالها، والأخرى منهما عن قرأة الكوفة، وهي بَلِ ادّرَكَ بكسر اللام وتشديد الدال من أدّارك، لأنهما القراءتان الـمعروفتان فـي قرّاء الأمصار، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب عندنا. فأما القراءة التـي ذُكرت عن ابن عباس ، فإنها وإن كانت صحيحة الـمعنى والإعراب، فخلاف لـما علـيه مصاحف الـمسلـمين، وذلك أن فـي بلـى زيادة ياء فـي قراءاته لـيست فـي الـمصاحف، وهي مع ذلك قراءة لا نعلـمها قرأ بها أحد من قرّاء الأمصار. وأما القراءة التـي ذكرت عن ابن مـحيصن، فإن الذي قال فـيها أبو عمرو قول صحيح، لأن العرب تـحقق ببل ما بعدها لا تنفـيه. والاستفهام فـي هذا الـموضع إنكار لا إثبـات، وذلك أن اللّه قد أخبر عن الـمشركين أنهم من الساعة فـي شكّ، فقال: بَلْ هُمْ فِـي شَكّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ. واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: معناه: بل أدرك علـمهم فـي الاَخرة فأيقنوها إذ عاينوها حين لـم ينفعهم يقـينهم بها، إذ كانوا بها فـي الدنـيا مكذّبـين. ذكر من قال ذلك: ٢٠٦٠١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال عطاء الـخراسانـي، عن ابن عباس (بَلْ أدْرَكَ عِلْـمُهُمْ) قال: بصرهم فـي الاَخرة حين لـم ينفعهم العلـم والبصر. وقال آخرون: بل معناه: بل غاب علـمهم فـي الاَخرة. ذكر من قال ذلك: ٢٠٦٠٢ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: (بَلْ أدْرَكَ عِلْـمُهُمْ فِـي الاَخِرَةِ) يقول: غاب علـمهم. ٢٠٦٠٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: بَلِ ادّرَكَ عِلْـمُهُمْ فِـي الاَخِرَةِ قال: يقول: ضلّ علـمهم فـي الاَخرة فلـيس لهم فـيها علـم، هُمْ مِنْهَا عَمُونَ. وقال آخرون: معنى ذلك: لـم يبلغ لهم فـيها علـم. ذكر من قال ذلك: ٢٠٦٠٤ـ حدثنـي عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثنـي أبـي، عن جدي، قال: حدثنا الـحسين، عن قتادة فـي قوله: بَلِ ادّارَكَ عِلْـمُهُمْ فِـي الاَخِرَةِ قال: كان يقرؤها: (بَلْ أدْرَكَ عِلْـمُهُمْ فِـي الاَخِرَةِ) قال: لـم يبلغ لهم فـيها علـم، ولا يصل إلـيها منهم رغبة. وقال آخرون: معنى ذلك: بل أدْرَكَ: أم أدرك. ذكر من قال ذلك: ٢٠٦٠٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد (بَلْ أدْرَكَ عِلْـمُهُمْ) قال: أم أدرك. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عثمان، عن مـجاهد (بَلْ أدْرَكَ عِلْـمُهُمْ) قال: أم أدرك علـمهم من أين يدرك علـمهم. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، بنـحوه. قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي تأويـل ذلك بـالصواب علـى قراءة من قرأ (بَلْ أدْرَكَ) القول الذي ذكرناه عن عطاء الـخراسانـي، عن ابن عباس ، وهو أن معناه: إذا قرىء كذلك وَما يَشْعُرُونَ أيّانَ يُبْعَثُونَ بل أدرك علـمهم نفس وقت ذلك فـي الاَخرة حين يبعثون، فلا ينفعهم علـمهم به حينئذٍ، فأما فـي الدنـيا فإنهم منها فـي شكّ، بل هم منها عمون. وإنـما قلت: هذا القول أولـى الأقوال فـي تأويـل ذلك بـالصواب علـى القراءة التـي ذُكِرَتْ، لأن ذلك أظهر معانـيه. وإذ كان ذلك معناه كان فـي الكلام مـحذوف قد استُغنـي بدلالة ما ظهر منه عنه. وذلك أن معنى الكلام: وما يشعرون أيان يُبعثون، بل يشعرون ذلك فـي الاَخرة، فـالكلام إذا كان ذلك معناه، وما يشعرون أبـان يبعثون، بل أدرك علـمهم بذلك فـي الاَخرة، بل هم فـي الدنـيا فـي شكّ منها. وأما علـى قراءة من قرأه بَلِ ادّارَكَ بكسر اللام وتشديد الدال، فـالقول الذي ذكرنا عن مـجاهد ، وهو أن يكون معنى بل: أم، والعرب تضع أم موضع بل، وموضع بل: أم، إذا كان فـي أوّل الكلام استفهام، كما قال الشاعر: فَوَاللّه ما أدْرِي أسَلْـمَى تَغَوّلَتأمِ النّوْمُ أمْ كُلّ إلـيّ حَبِـيبُ يعني بذلك بل كلّ إلـيّ حبـيب، فـيكون تأويـل الكلام: وما يشعرون أيان يبعثون، بل تدارك علـمهم فـي الاَخرة: يعني تتابع علـمهم فـي الاَخرة: أي بعلـم الاَخرة: أي لـم يتتابع بذلك ولـم يعلـموه، بل غاب علـمهم عنه، وضلّ فلـم يبلغوه ولـم يدركوه. و قوله: بَلْ هُمْ فِـي شَكّ مِنْها يقول: بل هؤلاء الـمشركون الذين يسألونك عن الساعة فـي شك من قـيامها لا يوقنون بها ولا يصدّقون بأنهم مبعوثون من بعد الـموت، بَلْ هُمْ مِنْهمَا عمُونَ يقول: بل هم من العلـم بقـيامها عمون. ٦٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ أَإِذَا كُنّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ أَإِنّا لَمُخْرَجُونَ }. يقول تعالـى ذكره: قال: الذين كفروا بـاللّه ........... أئنا لـمخرجون من قبورنا أحياء، كهيئتنا من بعد مـماتنا بعد أن كنا فـيها ترابـا قد بلـينا ٦٨لَقَدْ وُعِدْنا هَذَا نَـحْنُ وآبـاؤُنا مِنْ قَبْلُ يقول: لقد وعدنا هذا من قبل مـحمد واعدون وعدوا ذلك آبـاءنا، فلـم نر لذلك حقـيقة، ولـم نتبـين له صحة إنْ هذَا إلاّ أساطِيرُ الأوّلِـينَ يقول: قالوا: ما هذا الوعد إلا ما سطّر الأوّلون من الأكاذيب فـي كتبهم، فأثبتوه فـيها وتـحدّثوا به من غير أن يكون له صحة. ٦٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ سِيرُواْ فِي الأرْضِ فَاْنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : قُلْ يا مـحمد لهؤلاء الـمكذّبـين ما جئتهم به من الأنبـاء من عند ربك: سِيرُوا فِـي الأَرْضِ فَـانْظُرُوا إلـى ديار من كان قبلكم من الـمكذّبـين رسلَ اللّه ومساكنهم كيف هي، ألـم يخرّبها اللّه ، ويهلك أهلها بتكذيبهم رسلهم، وردّهم علـيهم نصائحهم فخـلت منهم الديار وتعّفت منهم الرسوم والاَثار، فإن ذلك كان عاقبة إجرامهم، وذلك سنة ربكم فـي كلّ من سلك سبـيـلهم فـي تكذيب رسل ربهم، واللّه فـاعل ذلك بكم إن أنتـم لـم تبـادروا الإنابة من كفركم وتكذيبكم رسول ربكم. ٧٠و قوله: وَلا تَـحْزَنْ عَلَـيْهِمْ يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : ولا تـحزن علـى إدبـار هؤلاء الـمشركين عنك وتكذيبهم لك وَلا تَكُنْ فِـي ضَيْقٍ مِـمّا يَـمْكُرُونَ يقول: ولا يضق صدرك من مكرهم بك، فإن اللّه ناصرك علـيهم، ومهلكهم قتلاً بـالسيف. ٧١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَقُولُونَ مَتَىَ هَـَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }. يقول تعالـى ذكره: ويقول مشركو قومك يا مـحمد، الـمكذّبوك فـيـما أتـيتهم به من عند ربك. مَتـى يكون هَذَا الوَعْدُ الذي تعدُناه من العذاب، الذي هو بنا فـيـما تقول حالّ إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ فـيـما تعدوننا به ٧٢قُلْ عَسَى أنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ يقول جلّ جلاله: قل لهم يا مـحمد: عسى أن يكون اقترب لكم ودنا بَعْضُ الّذِي تَسْتَعْجِلُونَ من عذاب اللّه . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٦٠٦ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: قُلْ عَسَى أنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ يقول: اقترب لكم. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: قُلْ عَسَى أنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الّذِي تَسْتَعْجِلُونَ يقول: اقترب لكم بعض الذي تستعجلون. ٢٠٦٠٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: عَسَى أنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ قال: ردف: أعجل لكم. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قوله: قُلْ عَسَى أنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الّذِي تَسْتَعْجِلُونَ قال: أزِف. ٢٠٦٠٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: رَدِفَ لَكُمْ اقترب لكم. واختلف أهل العربـية فـي وجه دخول اللام فـي قوله: رَدفَ لَكُمْ وكلام العرب الـمعروف: ردفه أمرٌ، وأردفه، كما يقال: تبعه وأتبعه، فقال بعض نـحويـي البصرة: أدخـل اللام فـي ذلك فأضاف بها الفعل كما يقال: للرّؤْيا تَعْبُرُون ولِرَبّهِمْ يَرْهَبُونَ. وقال بعض نـحويـي الكوفة: أدخـل اللام فـي ذلك للـمعنى، لأن معناه: دنا لهم، كما قال الشاعر: (فَقُلْتُ لَها الـحاجاتُ يَطْرَحْنَ بـالفَتـى ) فأدخـل الـياء فـي يطرحن، وإنـما يقال طرحته، لأن معنى الطرح: الرمى، فأدخـل البـاء للـمعنى، إذ كان معنى ذلك يرمين بـالفتـى، وهذا القول الثانـي هو أولاهما عندي بـالصواب، وقد مضى البـيان عن نظائره فـي غير موضع من الكتاب بـما أغنى عن تكراره فـي هذا الـموضع. وبنـحو الذي قلنا فـي معنى قوله: تَسْتَعْجِلُونَ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٦٠٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الّذِي تَسْتَعْجِلُونَ قال: من العذاب. ٧٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّ رَبّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النّاسِ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وَإنّ رَبكَ يا مـحمد لَذُو فَضْلٍ عَلَـى النّاسِ بتركه معاجلتهم بـالعقوبة علـى معصيتهم إياه، وكفرهم به، وذو إحسان إلـيهم فـي ذلك وفـي غيره من نعمه عندهم وَلَكِنّ أكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَهُ علـى ذلك من إحسانه وفضله علـيهم، فـيخـلصوا له العبـادة، ولكنهم يشركون معه فـي العبـادة ما يضرّهم ولا ينفعهم ومن لا فضل له عندهم ولا إحسان. ٧٤و قوله: وَإنّ رَبّكَ لَـيَعْلَـمُ ما تُكِنّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ يقول: وإن ربك لـيعلـم ضمائر صدور خـلقه، ومكنون أنفسهم، وخفـيّ أسرارهم، وعلانـية أمورهم الظاهرة، لا يخفـى علـيه شيء من ذلك، وهو مـحصيها علـيهم حتـى يجازي جميعهم بـالإحسان إحسانا وبـالإساءة جزاءها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٦١٠ـ حدثنا القاسم، قال: ثنـي الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج وَإنّ رَبّكَ لَـيَعْلَـمُ ما تُكِنّ صُدُورُهُمْ قال: السرّ. ٧٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ فِي السّمَآءِ وَالأرْضِ إِلاّ فِي كِتَابٍ مّبِينٍ}. يقول تعالـى ذكره: وَمَا مِنْ مكتوم سرّ وخفـيّ أمر يغيب عن أبصار الناظرين فِـي السَمَاءِ وَالأرْضِ إلاّ فِـي كِتَابٍ وهو أمّ الكتاب الذي أثبت ربنا فـيه كلّ ما هو كائن من لدن ابتدأ خـلق خـلقه إلـى يوم القـيامة. و يعني ب قوله: مُبِـينٌ أنه يبـين لـمن نظر إلـيه، وقرأ ما فـيه مـما أثبت فـيه ربنا جلّ ثناؤه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٦١١ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَما مِنْ غائِبَةٍ فِـي السّماءِ والأرْضِ إلاّ فِـي كِتابٍ مُبِـينٍ يقول: ما من شيء فـي السماء والأرض سرّ ولا علانـية إلا يعلـمه. ٧٦و قوله: إنّ هَذَا القُرآنَ يَقُصّ عَلـى بَنِـي إسْرَائِيـلَ أكْثَرَ الّذِي هُمْ فِـيهِ يَخْتَلِفُونَ يقول تعالـى ذكره: إن هذا القرآن الذي أنزلته إلـيك يا مـحمد يقصّ علـى بنـي إسرائيـل الـحقّ فـي أكثر الأشياء التـي اختلفوا فـيها، وذلك كالذي اختلفوا فـيه من أمر عيسى، فقالت الـيهود فـيه ما قالت، وقالت النصارى فـيه ما قالت، وتبرأ لاختلافهم فـيه هؤلاء من هؤلاء، وهؤلاء من هؤلاء، وغير ذلك من الأمور التـي اختلفوا فـيها، فقال جل ثناؤه لهم: إن هذا القرآن يقصّ علـيكم الـحقّ فـيـما اختلفتـم فـيه فـاتبعوه، وأقرّوا لـما فـيه، فإنه يقصّ علـيكم بـالـحقّ، ويهديكم إلـى سبـيـل الرشاد. ٧٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤمِنِينَ }. يقول تعالـى ذكره: إن هذا القرآن لهدى، يقول: لبـيان من اللّه ، بـين به الـحقّ فـيـما اختُلف فـيه خـلقه من أمور دينهم وَرَحْمَةٌ للْـمُؤْمِنِـينَ يقول: ورحمة لـمن صدق به وعمل بـما فـيه ٧٨إنّ رَبّكَ يَقْضِي بَـيْنَهُمْ يقول: إن ربك يقضي بـين الـمختلفـين من بـين إسرائيـل بحكمه فـيهم، فـينتقم من الـمبطل منهم، ويجازي الـمـحسن منهم الـمـحقّ بجزائه وَهُوَ العَزِيزُ العَلِـيـمُ يقول: وربك العزيز فـي انتقامه من الـمبطل منهم ومن غيرهم، لا يقدر أحد علـى منعه من الانتقام منه إذا انتقم العلـيـم بـالـمـحقّ الـمـحسن من هؤلاء الـمختلفـين من بنـي إسرائيـل فـيـما اختلفوا فـيه، ومن غيرهم من الـمبطل الضالّ عن الهدى. ٧٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَتَوَكّلْ عَلَى اللّه إِنّكَ عَلَى الْحَقّ الْمُبِينِ }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : ففوّض إلـى اللّه يا مـحمد أمورك، وثق به فـيها، فإنه كافـيك إنّكَ عَلـى الـحَقّ الـمُبِـين لـمن تأمّله، وفكر ما فـيه بعقل، وتدبره بفهم، أنه الـحقّ، دون ما علـيه الـيهود والنصارى الـمختلفون من بنـي إسرائيـل، ودون ما علـيه أهل الأوثان الـمكذّبوك فـيـما أتـيتهم به من الـحقّ، يقول: فلا يحزنك تكذيب من كذّبك، وخلاف من خالفك، وامض لأمر ربك الذي بعثك به. ٨٠و قوله: إنّكَ لا تُسْمِعُ الـمَوْتَـى يقول: إنك يا مـحمد لا تقدر أن تُفهِم الـحقّ من طبع اللّه علـى قلبه فأماته، لأن اللّه قد ختـم علـيه أن لا يفهمه ولاَ تُسْمِعَ الصّمّ الدّعاءَ يقول: ولا تقدر أن تسمع ذلك من أصمّ اللّه عن سماعه سمعه إذَا وَلّوْا مُدْبِرِينَ يقول: إذا هم أدبروا معرضين عنه، لا يسمعون له لغلبة دين الكفر علـى قلوبهم، ولا يُصغون للـحقّ، ولا يتدبرونه، ولا ينصتون لقائله، ولكنهم يعرضون عنه، وينكرون القول به، والاستـماع له. ٨١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَآ أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مّسْلِمُونَ }. اختلف القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض الكوفـيـين: وما أنْتَ بِهادِي بـالـياء والألف وإضافته إلـى العمي بـمعنى: لست يا مـحمد بهادي من عمي عن الـحقّ عَنْ ضَلالَتِهِ. وقراءة عامة قرّاء الكوفة (وَما أنْتَ تَهْدِي العُمْىَ) بـالتاء ونصب العمي، بـمعنى: ولست تهديهم عَنْ ضَلالَتهِمْ ولكن اللّه يهديهم إن شاء. والقول فـي ذلك عندي أنهما قراءتان متقاربتا الـمعنى مشهورتان فـي قرّاء الأمصار، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وتأويـل الكلام ما وصفت وَما أنتَ يا مـحمد بِهادِي من أعماه اللّه عن الهدى والرشاد فجعل علـى بصره غشاوة أن يتبـين سبـيـل الرشاد عن ضلالته التـي هو فـيها إلـى طريق الرشاد وسبـيـل الرشاد. و قوله: إنْ تُسْمِعُ إلاّ مَنْ يُؤْمِنُ بآياتِنا يقول: ما تقدر أن تُفهم الـحقّ وتوعيه أحدا إلا سمع من يصدّق بآياتنا، يعني بأدلته وحججه وآي تنزيـله فَهُمْ مُسْلـمُونَ فإن أولئك يسمعون منك ما تقول ويتدبرونه، ويفكرون فـيه، ويعملون به، فهم الذين يسمعون. ذكر من قال مثل الذي قلنا فـي قوله تعالـى: وَقَع: ٢٠٦١٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَـيْهِمْ قال: حقّ علـيهم. ٢٠٦١٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَـيْهُمْ يقول: إذا وجب القول علـيهم. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد وَقَعَ القَوْلُ عَلَـيْهِمْ قال: حقّ العذاب. قال ابن جُرَيج: القول: العذاب. ذكر من قال قولنا فـي معنى القول: ٢٠٦١٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَـيْهِمْ والقول: الغضب. ٢٠٦١٥ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن هشام، عن حفصة، قالت: سألت أبـا العالـية، عن قوله: وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَـيْهِمْ فقال: أوحى اللّه إلـى نوح إنّهُ لَنْ يُؤْمِنُ مِنَ قَوْمِكَ إلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ قالت: فكأنـما كان علـى وجهي غطاء فكشف. وقال جماعة من أهل العلـم: خروج هذه الدابة التـي ذكرها حين لا يأمر الناس بـمعروف ولا ينهون عن منكر. ذكر من قال ذلك: ٢٠٦١٦ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا الأشجعي، عن سفـيان، عن عمرو بن قـيس، عن عطية العوفـي، عن ابن عمر فـي قوله: وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَـيْهِمْ أخْرَجْنا لَهُمْ دَابّةً مِنَ الأرْضِ قال: هو حين لا يأمرون بـمعروف ولا ينهون عن منكر. حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا مـحمد بن الـحسن أبو الـحسن، قال: حدثنا عمرو بن قـيس الـملائي، عن عطية، عن ابن عمر، فـي قوله: وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَـيْهِمْ أخْرَجْنا لَهُمْ دَابّةً مِنَ الأرْضِ قال: ذاك إذا ترك الأمر بـالـمعروف والنهي عن الـمنكر. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن عمرو بن قـيس، عن عطية، عن ابن عمر، فـي قوله: أخْرَجْنا لَهُمْ دَابّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلّـمُهُمْ قال: حين لا يأمرون بـالـمعروف، ولا ينهون عن الـمنكر. ٢٠٦١٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو الـمقدسي، قال: حدثنا أشعث بن عبد اللّه السجستانـي، قال: حدثنا شعبة، عن عطية، فـي قوله: وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَـيْهِمْ أخْرَجْنا لَهُمْ دَابّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلّـمُهُمْ قال: إذا لـم يعرفوا معروفـا، ولـم ينكروا منكرا. وذُكر أن الأرض التـي تـخرج منها الدابة مكة. ذكر من قال ذلك: ٢٠٦١٨ـ حدثنا أبو كُريب، قال: ثنـي الأشجعي، عن فضيـل بن مرزوق، عن عطية، عن ابن عمر، قال: تـخرج الدابة من صَدع فـي الصفـا كجري الفرس ثلاثة أيام وما خرج ثلثها. ٢٠٦١٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الـحكم بن بشير، قال: حدثنا عمرو بن قـيس، عن الفرات القزاز، عن عامر بن واثلة أبـي الطفـيـل، عن حُذيفة بن أسيد الغفـاري، قال: إن الدابة حين تـخرج يراها بعض الناس فـيقولون: واللّه لقد رأينا الدابة، حتـى يبلغ ذلك الإمام، فـيطلب فلا يقدر علـى شيء. قال: ثم تـخرج فـيراها الناس، فـيقولون: واللّه لقد رأيناها، فـيبلغ ذلك الإمام فـيطلب فلا يرى شيئا، فـيقول: أما إنـي إذا حدث الذي يذكرها قال: حتـى يعدّ فـيها القتل، قال: فتـخرج، فإذا رآها الناس دخـلوا الـمسجد يصلون، فتـجيء إلـيهم فتقول: الاَن تصلون، فتـخطم الكافر، وتـمسح علـى جبـين الـمسلـم غرّة، قال: فـيعيش الناس زمانا يقول هذا: يا مؤمن، وهذا: يا كافر. ٢٠٦٢٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا عثمان بن مطر، عن واصل مولـى أبـي عيـينة، عن أبـي الطفـيـل عن حُذيفة، وأبـي سفـيان، حدثنا عن معمر، عن قـيس بن سعد، عن أبـي الطفـيـل، عن حُذيفة بن أسيد، فـي قوله: أخْرَجْنا لَهُمْ دَابّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلّـمُهُمْ قال: للدابة ثلاث خرجات: خرجة فـي بعض البوادي ثم تكمن، وخرجة فـي بعض القُرى حين يرَيق فـيها الأمراء الدماء، ثم تكمن، فبـينا الناس عند أشرف الـمساجد وأعظمها وأفضلها، إذ ارتفعت بهم الأرض، فـانطلق الناس هرابـا، وتبقـى طائفة من الـمؤمنـين، ويقولون: إنه لا ينـجينا من اللّه شيء، فتـخرج علـيهم الدابة تـجلو وجوههم مثل الكوكب الدرّيّ ثم تنطلق فلا يدركها طالب ولا يفوتها هارب، وتأتـي الرجل يصلـيّ، فـيقول: واللّه ما كنت من أهل الصلاة، فـيـلتفت إلـيها فتـخطمه، قال: تـجلو وجه الـمؤمن، وتـخطم الكافر، قلنا: فما الناس يومئذٍ؟ قال: جيران فـي الربـاع، وشركاء فـي الأموال، وأصحاب فـي الأسفـار. ٢٠٦٢١ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن الولـيد بن جميع، عن عبد الـملك بن الـمُغيرة، عن عبد الرحمن بن البـيـلـمانـي، عن ابن عمر: يبـيت الناس يسيرون إلـى جمع، وتبـيت دابة الأرض تسايرهم، فـيصبحون وقد خطمتهم من رأسها وذنبها، فما من مؤمن إلا مسحته، ولا من كافر ولا منافق إلا تـخبطه. ٢٠٦٢٢ـ حدثنا مـجاهد بن موسى، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا الـخيبري، عن حيان بن عمير، عن حسان بن حمصة، قال: سمعت عبد اللّه بن عمرو يقول: لو شئت لانتعلت بنعلـيّ هاتـين، فلـم أمسّ الأرض قاعدا حتـى أقـف علـى الأحجار التـي تـخرج الدابة من بـينها، ولكأنـي بها قد خرجت فـي عقب ركَب من الـحاجّ، قال: فما حججت قطّ إلا خفت تـخرج بعقبنا. حدثنا عمرو بن عبد الـحميد الاَمَلـي، قال: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن قـيس بن سعد، عن عطاء، قال: رأيت عبد اللّه بن عمرو، وكان منزله قريبـا من الصفـا، رفع قدمه وهو قائم، وقال: لو شئت لـم أضعها حتـى أضعها علـى الـمكان الذي تـخرج منه الدابة. ٢٠٦٢٣ـ حدثنا عصام بن روّاد بن الـجراح، قال: حدثنا أبـي، قال: حدثنا سفـيان بن سعيد الثوريّ، قال: حدثنا منصور بن الـمعتـمر، عن ربعي بن حراش، قال: سمعت حُذيفة بن الـيـمان يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: وذكر الدابة، فقال حُذيفة: قلت يا رسول اللّه ، من أين تـخرج؟ قال: (مِنْ أعْظَمِ الـمَساجِدِ حُرْمَةً عَلـى اللّه ، بَـيْنَـما عِيَسى يَطُوفُ بـالبَـيْتِ وَمَعَهُ الـمُسْلِـمُونَ، إذْ تَضْطَربُ الأرْضُ تَـحْتَهُمْ، تَـحَرّكَ القِنْدِيـلِ، وَيَنْشَق الصّفـا مِـمّا يَـلـي الـمَسْعَى، وَتـخْرُجُ الدّابّةُ مِنَ الصّفـا أوّلُ ما يَبْدُو رأسُها مُلَـمّعَةٌ ذَاتُ وّبَرٍ وَرِيشٍ، لَـمْ يُدْرِكْها طالِبٌ، وَلَنْ يَفُوَتها هارِبٌ، تَسِمُ النّاسَ مُؤْمِنٌ وكافِرٌ، أمّا الـمُؤْمِنُ فَتَتْرُكَ وَجْهَهُ كأنّهُ كَوْكَبٌ دُرّيّ، وتَكْتُبُ بـينَ عَيْنَـيْهِ مُؤْمِنٌ، وأمّا الكافِرُ فَتَنْكُتُ بـينَ عَيْنَـيْهِ نُكْتَةً سَوْدَاءَ كافِرٌ) . ٢٠٦٢٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو الـحسين، عن حماد بن سلـمة، عن علـيّ بن زيد بن جدعان، عن أوس بن خالد، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (تَـخْرُجُ الدّابّةُ مَعَها خاتَـمُ سَلَـيْـمانَ وَعَصا مُوسَى، فَتَـجْلُو وَجْهَ الـمُؤْمِنِ بـالْعَصَا، وَتـخْتِـمُ أنْفَ الكافِرِ بـالـخاتِـمِ، حتـى إنّ أهْلَ البَـيْتِ لَـيَجْتَـمِعُونَ فَـيَقُولُ هَذَا. يا مُؤْمِنُ، وَيَقُولُ هَذَا: يا كاِفُر) . ٢٠٦٢٥ـ قال: ثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة ، قال: هي دابة ذات زغب وريش، ولها أربع قوائم تـخرج من بعض أودية تهامة، قال: قال عبد اللّه بن عمر: إنها تنكت فـي وجه الكافر نكتة سوداء، فتفشو فـي وجهه، فـيسودّ وجهه، وتنكت فـي وجه الـمؤمن نكتة بـيضاء فتفشو فـي وجه، حتـى يبـيضّ وجهه، فـيجلس أهل البـيت علـى الـمائدة، فـيعرفون الـمؤمن من الكافر، ويتبـايعون فـي الأسواق، فـيعرفون الـمؤمن من الكافر. ٢٠٦٢٦ـ حدثنـي ابن عبد الرحيـم البرقـي، قال: حدثنا ابن أبـي مريـم، قال: حدثنا ابن لهيعة ويحيى بن أيوب، قالا: حدثنا ابن الهاد، عن عمر بن الـحكم، أنه سمع عبد اللّه بن عمرو يقول: تـخرج الدابة من شعب، فـيـمسّ رأسها السحاب، ورجلاها فـي الأرض ما خرجتا، فتـمرّ بـالإنسان يصلـي، فتقول: ما الصلاة من حاجتك فتـخطمه. ٢٠٦٢٧ـ حدثنا صالـح بن مسمار، قال: حدثنا ابن أبـي فديك، قال: حدثنا يزيد بن عياض، عن مـحمد بن إسحاق، أنه بلغه عن عبد اللّه بن عمرو، قال: تـخرج دابة الأرض ومعها خاتـم سلـيـمان وعصا موسى، فأما الكافر فتـختـم بـين عينـيه بخاتـم سلـيـمان، وأما الـمؤمن فتـمسح وجهه بعصا موسى فـيبـيضّ. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: تُكَلّـمُهُمْ فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار: تُكلّـمُهُمْ بضمُ التاء وتشديد اللام، بـمعنى تـخبرهم وتـحدثهم، وقرأه أبو زرعة بن عمرو: (تَكْلِـمُهُمْ) بفتـح التاء وتـخفـيف اللام بـمعنى: تسمهم. والقراءة التـي لا أستـجيز غيرها فـي ذلك ما علـيه قرّاء الأمصار. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٦٢٨ـ حدثنا علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: أخْرَجْنا لَهُمْ دَابّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلّـمُهُمْ قال: تـحدثهم. ٢٠٦٢٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: أخْرَجْنا لَهُمْ دَابّةً مِنْ الأَرْضِ تُكَلّـمُهُمْ وهي فـي بعض القراءة (تـحدثهم) تقول لهم: أَنّ النّاس كَانُوا بِآياتِنَا لاَ يُوقِنُونَ. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عطاء الـخراسانـي، عن ابن عباس ، فـي قوله: تُكَلّـمُهُمْ قال: كلامها تنبئهم أنّ النّاس كانُوا بِآياتِنَا لاَ يُوقِنُونَ. و قوله: أنّ النّاسَ كانُوا بآياتِنا لا يُوقِنُونَ اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـحجاز والبصرة والشام: (إنّ النّاسَ) بكسر الألف من (إن) علـى وجه الابتداء بـالـخبر عن الناس أنهم كانوا بآيات اللّه لا يوقنون وهي وإن كسرت فـي قراءة هؤلاء فإن الكلام لها متناول. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة وبعض أهل البصرة: أنّ النّاسَ كانُوا بفتـح أن بـمعنى: تكلـمهم بأن الناس، فـيكون حينئذٍ نصب بوقوع الكلام علـيها. والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان متقاربتا الـمعنى مستفـيضتان فـي قراءة الأمصار، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. ٨٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلّ أُمّةٍ فَوْجاً مّمّن يُكَذّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ }. يقول تعالـى ذكره: ويوم نـجمع من كلّ قرن وملة فوجا، يعني جماعة منهم، وزمرة مِـمّنْ يُكَذّبُ بآياتِنا يقول: مـمن يكذّب بأدلتنا وحججنا، فهو يحبس أوّلهم علـى آخرهم، لـيجتـمع جميعهم، ثم يساقون إلـى النار. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٦٣٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَيَوْمَ نَـحْشُرُ مِنْ كُلّ أُمّةٍ فَوْجا مِـمّنْ يُكَذّبُ بآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ يعني : الشيعة عند الـحشر. ٢٠٦٣١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد مِنْ كُلّ أُمّةٍ فَوْجا قال: زمرة. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قوله: نَـحْشُرُ مِنْ كُلّ أُمّةٍ فَوْجا قال: زمرة زمرة فَهُمْ يُوزَعُونَ. ٢٠٦٣٢ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: مِـمّنْ يُكَذّبُ بآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ قال: يقول: فهم يدفعون. ٢٠٦٣٣ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد ، فـي قوله: فَهُمْ يُوزَعُونَ قال: يحبس أوّلهم علـى آخرهم. ٢٠٦٣٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَهُمْ يُوزَعُونَ قال: وزعة تردّ أولاهم علـى أخرهم. وقد بـيّنت معنى قوله: يُوزَعُونَ فـيـما مضى قبل بشواهده، فأغنـي ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع. ٨٤و قوله: حتـى إذَا جاءُوا قالَ أكَذّبْتُـمْ بآياتِـي يقول تعالـى ذكره: حتـى إذا جاء من كلّ أمة فوج مـمن يكذّب بآياتنا فـاجتـمعوا قال اللّه : أكذّبتـم بآياتـي: أي بحججي وأدلتـي وَلَـمْ تُـحِيطُوا بِهَا عِلْـما يقول ولـم تعرفوها حقّ معرفتها؟ أمْ مَاذَا كُنْتُـمْ تَعْمَلُونَ فـيها من تكذيب أو تصديق. ٨٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَوَقَعَ الْقَوْلُ بِمَا ظَلَمُواْ فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ }. يقول تعالـى ذكره: ووجب السخط والغضب من اللّه علـى الـمكذّبـين بآياته بِـمَا ظَلَـمُوا يعني بتكذيبهم بآيات اللّه ، يوم يحشرون فَهُمْ لاَ يَنَطِقُونَ يقول: فهم لا ينطقون بحجة يدفعون بها عن أنفسهم عظيـم ما حلّ بهم ووقع علـيهم من القول. ٨٦و قوله: أَلْـم يَرَوْا أنّا جَعَلَنْا اللّـيْـلَ لِـيَسْكُنُوا فِـيهِ يقول تعالـى ذكره: ألـم ير هؤلاء الـمكذّبون بآياتنا تصريفنا اللـيـل والنهار، ومخالفتنا بـينهما بتصيـيرنا هذا سكنا لهم يسكنون فـيه، ويهدءون راحة أبدانهم من تعب التصرّف والتقلب نهارا، وهذا مضيئا يبصرون فـيه الأشياء ويعاينونها فـيتقلبون فـيه لـمعايشهم، فـيتفكروا فـي ذلك، ويتدبروا، ويعلـموا أن مصرّف ذلك كذلك هو الإله الذي لا يُعجزه شيء، ولا يتعذّر علـيه إماتة الأحياء، وإحياء الأموات بعد الـمـمات، كما لـم يتعذّر علـيه الذهاب بـالنهار والـمـجيء بـاللـيـل، والـمـجيء بـالنهار والذهاب بـاللـيـل مع اختلاف أحوالهما إنّ فـي ذلكَ لاَياتٍ لقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يقول تعالـى ذكره: إن فـي تصيـيرنا اللـيـل سكنا، والنهار مبصرا لدلالة لقوم يؤمنون بـاللّه علـى قدرته علـى ما آمنوا به من البعث بعد الـموت، وحجة لهم علـى توحيد اللّه . ٨٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأرْضِ إِلاّ مَن شَآءَ اللّه وَكُلّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ }. اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله تعالـى: وَيَوْمَ يُنْفَخ فِـي الصورِ وقد ذكرنا اختلافهم فـيـما مضى، وبـيّنا الصواب من القول فـي ذلك عندنا بشواهده، غير أنا نذكر فـي هذا الـموضع بعض ما لـم يذكر هناك من الأخبـار، فقال بعضهم: هو قرن يُنفخ فـيه. ذكر بعض من لـم يُذكر فـيـما مضى قبل من الـخبر عن ذلك: ٢٠٦٣٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جمِيعا، عَن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد قوله: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فـي الصُورِ قال كهيئة البوق. ٢٠٦٣٦ـ حدثنا القاسم قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قال: الصور: البوق قال: هو البوق صاحبه آخذ به يقبض قبضتـين بكفـيه علـى طرف القرن بـين طرفه، وبـين فـيه قدر قبضة أو نـحوها، قد برك علـى ركبة إحدى رجلـيه، فأشار، فبرك علـى ركبة يساره مقعيا علـى قدمها عقبها تـحت فخذه وألـيته وأطراف أصابعها فـي التراب. ٢٠٦٣٧ـ قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر بن عبد اللّه ، قال: الصور كهيئة القرن قد رفع إحدى ركبتـيه إلـى السماء، وخفض الأخرى، لـم يـلق جفون عينه علـى غمض منذ خـلق اللّه السموات مستعدّا مستـجدّا، قد وضع الصور علـى فـيه ينتظر متـى يؤمر أن ينفخ فـيه. ٢٠٦٣٨ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مـحمد الـمـحاربـي، عن إسماعيـل بن رافع الـمدنـي، عن يزيد بن زياد قال أبو جعفر: والصواب: يزيد بن أبـي زياد عن مـحمد بن كعب القرظي، عن رجل من الأنصار عن أبـي هُريرة: أنه قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يا رسول اللّه ، ما الصّور؟ قال: (قَرْنٌ) ، قال: وكيف هو؟ قال: (قَرْنٌ عَظِيـمٌ يُنْفَخُ فِـيهِ ثَلاثُ نَفخاتٍ: الأُولـى: نَفْخَةُ الفَزَعِ، والثّانِـيَةُ: نَفْخَةُ الصّعْقِ، والثّالِثَةُ: نَفْخَةُ القِـيامِ للّه رَبّ العَالَـمِينَ، يأْمُرُ اللّه إسْرَافِـيـلَ بـالنّفْخَةِ الأُولـى، فَـيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الفَزَعِ، فَـيَنْفُخُ نَفْخَةَ الفَزَعِ، فَـيَفْزَعُ أهْلُ السّمَواتِ وأهْلُ الأرْضِ، إلاّ مَنْ شاءَ اللّه ، وَيَأْمُرُهُ اللّه فَـيَـمُدّ بِها ويطوّلهَا، فَلا يَفْتُرُ، وَهِيَ التـي يَقُولُ اللّه : ما يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ما لَهَا مِنْ فَوَاقٍ فَـيُسَيّرُ اللّه الـجِبـالَ، فَتَكُونُ سَرَبـا، وَتُرَجّ الأرْضُ بأهْلِها رَجّا، وهي التـي يَقُولُ اللّه : يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ تَتْبَعُها الرّادِفَةُ، قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ فَتَكُونُ الأرْضُ كالسّفِـينَةِ الـمُوثَقَةِ فِـي البَحْرِ، تَضْرُبها الأَمْوَاجُ، تُكْفأُ بأْهْلِها، أوْ كالقِنْدِيـلِ الـمُعَلّقِ بـالوَتَرِ، تُرَجّحُهُ الأرْياحُ، فَتَـمِيدُ النّاسُ علـىَ ظَهْرِها، فَتَذْهَلُ الـمَرَاضِعُ، وَتَضَعُ الـحَوَامِلُ، وَتَشِيبُ الوِلْدَانُ، وَتَطِيرُ الشّياطِينُ هارِبَةً، حتـى تَأتِـيَ الأقْطارَ، فَتَتَلَقّاها الـمَلائِكَةُ، فَتَضْرِبُ وُجُوهَها، فَترْجِعُ، وَيُوَلّـي النّاسُ مُدْبِرِينَ يُنادي بَعْضُهُمْ بَعْضا، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ اللّه : يَوْمَ التّنادِ، يَوْمَ تُوَلّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللّه مِنْ عاصِمٍ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللّه فَمَا لَهُ مِنْ هادٍ. فَبَـيْنَـما هُمْ عَلـى ذلكَ إذْ تَصَدّعَت الأرْضُ مِنْ قُطْرٍ إلـى قُطْرٍ، فَرَأَوْا أمْرا عَظِيـما، فأخَذَهُمْ لِذَلَكَ مِنَ الكَرْبِ ما اللّه أعْلَـمُ بِهِ، ثم نَظَرُوا إلـى السّماءِ، فإذَا هِي كالـمُهْلِ، ثمّ خُسِفَ شَمْسُها وَقَمَرُها، وانْتَثَرتْ نُـجُومُها، ثُمّ كُشِطَتْ عَنْهُمْ) . قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (والأَمْوَاتُ لا يعْلَـمُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذلكَ) ، فقال أبو هريرة: يا رسول اللّه ، فمن استثنى اللّه حين يقول: فَفَزِعَ مَنْ فِـي السّمَوَاتِ ومَنْ فـي الأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّه قال: (أُولَئِكَ الشّهَدَاءُ، وإنّـمَا يَصِلُ الفَزَعُ إلـى الأحْياءِ، أُولَئِكَ أحيْاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ، وَقاهُمُ اللّه فَزَعَ ذلكَ الـيَوْمِ وآمَنَهُمْ، وَهُوَ عَذَابُ اللّه يَبْعثُهُ علـى شِرَارِ خَـلْقِهِ) . حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا إسماعيـل بن رافع، عن مـحمد بن كعب القُرَظيّ، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إنّ اللّه تَبـارَكَ وَتَعالـى لَـمّا فَرَغَ مِنَ السّمَوَاتِ والأرْضِ، خَـلَقَ الصّورَ، فأعْطَاهُ مَلَكا، فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلـى فِـيهِ، شاخِصٌ بِبَصَرِه العَرْشِ، يَنْتَظِرُ مَتـى يُؤْمَرُ) . قال: قُلْتُ: يا رسول اللّه ، وما الصّورُ؟ قال: (قُرْنٌ) ، قلت: فكيف هو؟ قال: (عَظِيـمٌ، وَالّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ، إنّ عَظَمِ دائِرَةٍ فِـيهِ، لَكَعَرْضِ السّمَوَاتِ والأرْضِ، يَأْمُرُهُ فَـيَنْفُخُ نَفْخَةَ الفَزَعِ، فَـيَفْزَعُ أهْلُ السّمَوَاتِ والأرضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّه ) ، ثم ذكر بـاقـي الـحديث نـحو حديث أبـي كُرَيب عن الـمـحاربـيّ، غير أنه قال فـي حديثه (كالسّفِـينَةِ الـمُرْفأَةِ فِـي البَحْرِ) . وقال آخرون: بل معنى ذلك: ونُفخ فـي صُوَر الـخـلق. ذكر من قال ذلك: ٢٠٦٣٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِـي الصّورِ: أي فـي الـخـلق، قوله: فَفَزِعَ مَنْ فِـي السّمَوَاتِ وَمَنْ فِـي الأرْضِ يقول: ففزع من فـي السموات من الـملائكة ومن فـي الأرض من الـجنّ والإنس والشياطين، من هول ما يعاينون ذلك الـيوم. فإن قال قائل: وكيف قـيـل: ففزع، فجعل فزع وهي فعل مردودة علـى ينفخ، وهي يَفْعُلُ؟ قـيـل: العرب تفعل ذلك فـي الـمواضع التـي تصلـح فـيها إذا، لأن إذا يصلـح معها فعل ويفعل، كقولك: أزورك إذا زرتنـي، وأزورك إذا تزورنـي، فإذا وضع مكان إذايوم أجرى مـجرى إذا. فإن قـيـل: فأين جواب قوله: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِـي الصورِ فَفَزِعَ قـيـل: جائز أن يكون مضمرا مع الواو، كأنه قـيـل: ووقع القول علـيهم بـما ظلـموا فهم لا ينطقون، وذلك يوم ينفخ فـي الصور. وجائز أن يكون متروكا اكتفـي بدلالة الكلام علـيه منه، كما قـيـل: وَلَوْ يَرَى الّذِينَ ظَلَـمُوا فترك جوابه. و قوله: إلا مَنْ شاءَ اللّه قـيـل: إن الذين استثناهم اللّه فـي هذا الـموضع من أن ينالهم الفزع يومئذٍ الشهداء، وذلك أنهم أحياء عند ربهم يُرزقون، وإن كانوا فـي عداد الـموتـى عند أهل الدنـيا، وبذلك جاء الأثر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وقد ذكرناه فـي الـخبر الـماضي. ٢٠٦٤٠ـ وحدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا العوّام عمن حدثه، عن أبـي هريرة، أنه قرأ هذه الاَية: فَفَزِعَ مَنْ فِـي السّمَواتِ وَمَنْ فِـي الأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّه قال: هم الشهداء. و قوله: وكُلّ أتَوْهُ داخرِينَ يقول: وكلّ أتوه صاغرين. وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٦٤١ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: وكُلّ أتَوْهُ دَاخِرِينَ يقول: صاغرين. ٢٠٦٤٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وكُلّ أتَوْهُ داخِرِينَ قال: صاغرين. ٢٠٦٤٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وكلّ أتَوْهُ دَاخرِينَ قال: الداخر: الصاغر الراغم، قال: لأن الـمرء الذي يفزع إذا فزع إنـما همته الهرب من الأمر الذي فزع منه، قال: فلـما نُفخ فـي الصور فزعوا، فلـم يكن لهم من اللّه منـجى. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وكُلّ أتَوْهُ داخِرِينَ فقرأته عامة قرّاء الأمصار: (وكُلّ آتَوهُ) بـمدّ الألف من أتوه علـى مثال فـاعلوه، سوى ابن مسعود، فإنه قرأه: (وكُلّ أَتُوهُ) علـى مثال فعلوه، واتبعه علـى القراءة به الـمتأخرون الأعمش وحمزة، واعتلّ الذين قرءوا ذلك علـى مثال فـاعلوه بإجماع القرّاء علـى قوله: وكُلّهُمْ آتِـيهِ قالوا: فكذلك قوله: (آتُوهُ) فـي الـجمع. وأما الذين قرءوا علـى قراءة عبد اللّه ، فإنهم ردّوه علـى قوله: فَفَزِع كأنهم وجّهوا معنى الكلام إلـى: ويوم ينفخ فـي الصور ففزع من فـي السموات ومن فـي الأرض، وأتوه كلهم داخرين، كما يقال فـي الكلام: رأى وفر وعاد وهو صاغر. والصواب من القول فـي ذلك عندي أنهما قراءتان مستفـيضتان فـي قرأة الأمصار، ومتقاربتا الـمعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. ٨٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرّ مَرّ السّحَابِ صُنْعَ اللّه الّذِيَ أَتْقَنَ كُلّ شَيْءٍ إِنّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ }. يقول تعالـى ذكره: وَتَرى الـجِبَـالَ يا مـحمد تَـحْسَبُها قائمة وَهِيَ تَـمُرُ. كالذي. ٢٠٦٤٤ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: وَتَرَى الـجبـالَ تَـحْسَبُها جامِدَةً يقول: قائمة، وإنـما قـيـل: وَهِيَ تَـمُرّ مَرّ السّحابِ لأنها تـجمع ثم تسير، فـيحسب رائيها لكثرتها أنها واقـفة، وهي تسير سيرا حثـيثا، كما قال الـجعدي: بأرْعَنَ مِثْلِ الطّوْدِ تَـحْسِبُ أنّهُمْوُقُوفٌ لِـحاجٍ والرّكابُ تُهَمْلـجُ قوله: صُنْعَ اللّه الّذِي أتْقَنَ كُلّ شَيْءٍ وأوثق خـلقه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٦٤٥ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: صُنْعَ اللّه الّذِي أتْقَنَ كُلّ شَيْءٍ يقول: أحكم كلّ شيء. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: صُنعَ اللّه الّذِي أتْقَنَ كُلّ شَيْءٍ يقول: أحسن كلّ شيء خـلقه وأوثقه. ٢٠٦٤٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: الّذِين أتْقَنَ كُلّ شَيْءٍ قال: أوثق كلّ شيء وسوّى. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد أتْقَنَ أوثق. ٢٠٦٤٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إنّهُ خَبِـيرٌ بِـمَا يَفْعَلونَ يقول تعالـى ذكره: إن اللّه ذو علـم وخبرة بـما يفعل عبـاده من خير وشرّ وطاعة له ومعصية، وهو مـجازي جميعهم علـى جميع ذلك علـى الـخير الـخيرَ، وعلـى الشرّ الشرّ نظيره. ٨٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا وَهُمْ مّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ }. يقول تعالـى ذكره: مَنْ جَاءَ اللّه بتوحيده والإيـمان به، وقول لا إله إلا اللّه موقنا به قلبه، فَلَهُ من هذه الـحسنة عند اللّه خَيرٌ يوم القـيامة، وذلك الـخير أن يثـيبه اللّه مِنْهَا الـجنة، ويؤمّنه مِنْ فَزَعِ الصيحة الكبرى وهي النفخ فـي الصور وَمَنْ جاءَ بـالسّيّئَةِ يقول: ومن جاء بـالشرك به يوم يـلقاه، وجحود وحدانـيته فَكُبّتْ وُجُوهُهُمْ فـي نار جهنـم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٦٤٨ـ حدثنـي مـحمد بن خـلف العسقلانـي، قال: ثنـي الفضل بن دكين، قال: حدثنا يحيى بن أيوب البجلـي، قال: سمعت أبـا زرعة، قال: قال أبو هُريرة، قال يحيى: أحسبه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (مَنْ جاءَ بـالـحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ قال: وَهِيَ لا إلَهَ إلاّ اللّه وَمَنْ جاءَ بـالسّيّئَةِ فَكُبّتْ وُجُوهُهُمْ فِـي النّارِ قال: وهِيَ الشّرْكُ) . ٢٠٦٤٩ـ حدثنا موسى بن عبد الرحمن الـمسروقـي، قال: حدثنا أبو يحيى الـحمانـي، عن النضر بن عربـيّ، عن عكرمة، عن ابن عباس ، فـي قوله: مَنْ جاءَ بـالـحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ قال: من جاء بلا إله إلا اللّه ، وَمَنْ جَاءَ بـالسّيّئَةِ فَكُبّتْ وُجُوهُهُمْ فـي النّارِ، قال: بـالشرك. حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: مَنْ جاءَ بـالـحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها يقول: من جاء بلا إله إلا اللّه وَمَنْ جاءَ بـالسّيّئَةِ وهو الشرك. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَمَنْ جاءَ بـالسّيّئةِ قال: بـالشرك. ٢٠٦٥٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: مَنْ جاءَ بـالـحَسَنَةِ قال: كلـمة الإخلاص وَمَنْ جاءَ بـالسّيّئَةِ قال: الشرك. ٩٠حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد بنـحوه. قال ابن جُرَيج: وسمعت عطاء يقول فـيها الشرك، يعني فـي قوله: وَمَنْ جاءَ بـالسّيّئَةِ. ٢٠٦٥١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن أبـي الـمـحجل، عن أبـي معشر، عن إبراهيـم، قال: كان يحلف ما يستثنـي، أن مَنْ جاءَ بـالـحَسَنَةِ قال: لا إله إلا اللّه ، وَمَنْ جاءَ بـالسّيّئَةِ قال: الشرك. ٢٠٦٥٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عبد الـملك، عن عطاء مثله. ٢٠٦٥٣ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا جابر بن نوح، قال: حدثنا موسى بن عُبـيدة، عن مـحمد بن كعب وَمَنْ جاءَ بـالسّيّئَةِ فَكُبّتْ وُجُوهُهُمْ فِـي النارِ قال: الشرك. ٢٠٦٥٤ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا حفص، قال: حدثنا سعيد بن سعيد، عن علـيّ بن الـحسين، وكان رجلاً غزّاء، قال: بـينا هو فـي بعض خـلواته حتـى رفع صوته: لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، له الـمُلك وله الـحمد يحيـي ويـميت، بـيده الـخير، وهو علـى كلّ شيء قدير قال: فردّ علـيه رجل: ما تقول يا عبد اللّه ؟ قال: أقول ما تسمع، قال: أما إنها الكلـمة التـي قال اللّه : مَنْ جاءَ بـالـحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ. ٢٠٦٥٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة مَنْ جاءَ بـالـحَسَنَةِ قال: الإخلاص وَمَنْ جاءَ بـالسّيّئَةِ قال: الشرك. ٢٠٦٥٦ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله: وَمَنْ جاءَ بـالسّيّئَةِ يعني : الشرك. ٢٠٦٥٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن الـحسن وَمَنْ جاءَ بـالسّيّئَةِ: يقول: الشرك. ٢٠٦٥٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وَمَنْ جاءَ بـالسّيّئَةِ فَكُبّتْ وُجُوهُهُمْ فِـي النّارِ قال: السيئة: الشرك الكفر. ٢٠٦٥٩ـ حدثنـي سعد بن عبد اللّه بن عبد الـحكم قال: حدثنا حفص بن عمر العدنـي، قال: حدثنا الـحكم بن أبـان، عن عكرمة، قوله: مَنْ جاءَ بـالـحَسَنَةِ قال: شهادة أن لا إله إلا اللّه وَمَنْ جاءَ بـالسّيّئَةِ قال: السيئة: الشرك. قال الـحكم: قال عكرِمة: كل شيء فـي القرآن السيئة فهو الشرك. وبنـحو الذي قلنا فـي معنى قوله: فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٦٦٠ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها فمنها وصل إلـيه الـخير، يعني ابن عباس بذلك: من الـحسنة وصل إلـى الذي جاء بها الـخير. ٢٠٦٦١ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا روح بن عبـادة، قال: حدثنا حسين الشهيد، عن الـحسن مَنْ جاءَ بـالـحَسَنة فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها قال: له منها. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن الـحسن، قال: من جاء بلا إله إلا اللّه ، فله خير منها خيرا. ٢٠٦٦٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها يقول: له منها حظّ. ٢٠٦٦٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج مَنْ جاءَ بـالـحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها قال: له منها خير فأما أن يكون خيرا من الإيـمان فلا، ولكن منها خير يصيب منها خيرا. ٢٠٦٦٤ـ حدثنا سعد بن عبد اللّه بن عبد الـحكم، قال: حدثنا حفص بن عمر، قال: حدثنا الـحكم، عن عكرمة، قوله: مَنْ جاءَ بـالـحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها قال: لـيس شيء خيرا من لا إله إلا اللّه ، ولكن له منها خير. وكان ابن زيد يقول فـي ذلك ما: ٢٠٦٦٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: مَنْ جاءَ بـالـحَسَنَةِ فَلهُ خَيْرٌ مِنْها قال: أعطاه اللّه بـالواحدة عشرا، فهذا خير منها. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ فقرأ ذلك بعض قرّاء البصرة: (وَهُمْ مِنْ فَزَعِ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) بِإضافة فزع إلـى الـيوم. وقرأ ذلك جماعة قرّاء أهل الكوفة: مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ بتنوين فزع. والصواب من القول فـي ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان فـي قَرَأَة الأمصار متقاربتا الـمعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب، غير أن الإضافة أعجب إلـيّ، لأنه فزع معلوم. وإذا كان ذلك كذلك كان معرفة علـى أن ذلك فـي سياق قوله: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِـي الصّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِـي السّمَوَاتِ وَمَنْ فِـي الأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّه فإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أنه عُنـي ب قوله: وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ من الفزع الذي قد جرى ذكره قبله. وإذا كان ذلك كذلك، كان لا شكّ أنه معرفة، وأن الإضافة إذا كان معرفة به أولـى من ترك الإضافة وأخرى أن ذلك إذا أضيف فهو أبـين أنه خبر عن أمانه من كلّ أهوال ذلك الـيوم منه إذا لـم يضف ذلك، وذلك أنه إذا لـم يضف كان الأغلب علـيه أنه جعل الأمان من فزع بعض أهواله. و قوله: هَلْ تُـجْزَوْنَ إلاّ ما كُنْتُـمْ تَعْمَلُونَ يقول تعالـى ذكره: يقال لهم: هل تـجزون أيها الـمشركون إلا ما كنتـم تعملون، إذ كبكم اللّه لوجوهكم فـي النار، وإلا جزاء ما كنتـم تعملون فـي الدنـيا بـما يسخط ربكم وترك (يقال لهم) اكتفـاءً بدلالة الكلام علـيه. ٩١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الّذِي حَرّمَهَا وَلَهُ كُلّ شَيءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : يا مـحمد قُلِ إنّـمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعُبُدَ رَبّ هِذِهِ الْبَلْدَةِ وهي مكة الّذِي حَرّمَهَا علـى خـلقه أن يسفكوا فـيها دما حراما، أو يظلـموا فـيها أحدا، أو يُصادَ صَيدُها، أو يتـخـلـى خلاها دون الأوثان التـي تعبدونها أيها الـمشركون. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٦٦٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إنّـمَا أُمِرْتُ أنْ أعْبُدَ رَبّ هَذِهِ البَلْدَةِ الّذِي حَرّمَها يعني : مكة. و قوله: وَلَهُ كُلّ شَيْءٍ يقول: ولربّ هذه البلدة الأشياء كلها ملكا، فإياه أمرت أن أعبد، لا من لا يـملك شيئا. وإنـما قال جلّ ثناؤه: رَبّ هَذِهِ البَلْدَةِ الّذِي حَرّمَها فخصها بـالذكر دون سائر البلدان، وهو ربّ البلاد كلها، لأنه أراد تعريف الـمشركين من قوم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، الذين هم أهل مكة، بذلك نعمته علـيهم، وإحسانه إلـيهم، وأن الذي ينبغي لهم أن يعبدوه هو الذي حرّم بلدهم، فمنع الناس منهم، وهم فـي سائر البلاد يأكل بعضهم بعضا، ويقتل بعضهم بعضا، لا من لـم تـجر له علـيهم نعمة، ولا يقدر لهم علـى نفع ولا ضرّ. و قوله: وأُمِرْتُ أنْ أكُونَ مِنَ الـمُسْلِـمِينَ يقول: وأمرنـي ربـي أن أسلـم وجهي له حنـيفـا، فأكون من الـمسلـمين الذين دانوا بدين خـلـيـله إبراهيـم وجدكم أيها الـمشركون، لا من خالف دين جدّه الـمـحقّ، ودان دين إبلـيس عدوّ اللّه . ٩٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَىَ ...}. يقول تعالـى ذكره: قُلِ إنّـما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبّ هذِه البَلْدَةِ و أَنْ أَكُونَ مِنَ الـمُسْلِـمِين وأنْ أتْلُوَا القُرآنَ، فَمَنِ اهْتَدَى يقول: فمن تبعنـي وآمن بـي وبـما جئت به، فسلك طريق الرشاد فإنّـمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ يقول: فإنـما يسلك سبـيـل الصواب بـاتبـاعه إياي، وإيـمانه بـي، وبـما جئت به لنفسه، لأنه بإيـمانه بـي، وبـما جئت به يأمن نقمته فـي الدنـيا وعذابه فـي الاَخرة. و قوله: وَمَنْ ضَلّ يقول: ومن جار عن قصد السبـيـل بتكذيبه بـي وبـما جئت به من عند اللّه فَقُل إنّـمَا أنا مِنَ الـمُنْذِرِينَ يقول تعالـى ذكره: فقل يا مـحمد لـمن ضلّ عن قصد السبـيـل، وكذبك، ولـم يصدّق بـما جئت به من عندي، إنـما أنا مـمن ينذر قومه عذاب اللّه وسخطه علـى معصيتهم إياه، وقد أنذرتكم ذلك معشر كفـار قُريش، فإن قبلتـم وانتهيتـم عما يكرهه اللّه منكم من الشرك به، فحظوظَ أنفسكم تصيبون، وإن رددتـم وكذبتـم فعلـى أنفسكم جنـيتـم، وقد بلّغتكم ما أمرت بإبلاغه إياكم، ونصحت لكم. ٩٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقُلِ الْحَمْدُ للّه سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبّكَ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : قُلْ يا مـحمد لهؤلاء القائلـين لك من مشركي قومك: مَتـى هَذَا الوَعْدُ إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ: الـحَمْدُ للّه علـى نعمته علـينا بتوفـيقه إيانا للـحقّ الذي أنتـم عنه عمون، سيريكم ربكم آيات عذابه وسخطه، فتعرفون بها حقـيقة نصحى كان لكم، ويتبـين صدق ما دعوتكم إلـيه من الرشاد. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٠٦٦٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها قال: فـي أنفسكم، وفـي السماء والأرض والرزق. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قوله سَيُرِيكُم آياتِهِ فَتَعْرِفونَها قال: فـي أنفسكم والسماء والأرص والرزق. و قوله: وَما رَبّكَ بغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ يقول تعالـى ذكره: وما ربك يا مـحمد بغافل عما يعمل هؤلاء الـمشركون، ولكن لهم أجل هم بـالغوه، فإذا بلغوه فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. يقول تعالـى ذكره لنبـيه صلى اللّه عليه وسلم : فلا يحزنك تكذيبهم إياك، فإنـي من وراء إهلاكهم، وإنـي لهم بـالـمرصاد، فأيقن لنفسك بـالنصر، ولعدوّك بـالذلّ والـخزي. آخر تفسير سورة النـمل وللّه الـحمد والـمنة، وبه الثقة والعصمة |
﴿ ٠ ﴾