تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة القصص

مكيّة وآياتها ثمان وثمانون

بسم اللّه الرحمَن الرحيـم

١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {طسَمَ }.

قال أبو جعفر: قد بـيّنا قبل فـيـما مضى تأويـل قول اللّه عزّ وجل طسم، وذكرنا اختلاف أهل التأويـل فـي تأويـله، وأما قوله: تلكَ آياتُ الكِتابِ الـمُبِـينِ فإنه يعني هذه آيات الكتاب الذي أنزلته إلـيك يا مـحمد، الـمبـين أنه من عند اللّه ، وأنك لـم تتقوّله ولـم تتـخرّصه. وكان قتادة فـيـما ذكر عنه يقول فـي ذلك ما:

٢٠٦٦٨ـ حدثنـي بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله

٢

طسم. تلكَ آياتُ الكِتابِ الـمُبِـينِ يعني مبـين واللّه بركته ورشده وهداه

٣

و قوله: نَتْلُو عَلَـيْكَ يقول: نقرأ علـيك ونقصّ فـي هذا القرآن مِنْ نَبَإِ مُوسَى من خبر موسى وَفِرْعَوْنَ بـالـحَقّ. كما:

٢٠٦٦٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله نَتْلُو عَلَـيْكَ مِنْ نَبإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بـالـحَقّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يقول: فـي هذا القرآن نبؤهم.

و قوله: لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يقول: لقوم يصدّقون بهذا الكتاب، لـيعلـموا أن ما نتلو علـيك من نبئهم فـيه نبؤهم، وتطمئنّ نفوسهم، بأن سنتنا فـيـمن خالفك وعاداك من الـمشركين سنتنا فـيـمن عادى موسى، ومن آمن به من بنـي إسرائيـل من فرعون وقومه، أن نهلكهم كما أهلكناهم، وننـجيهم منهم كما أنـجيناهم.

٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً ...}.

يقول تعالـى ذكره: إن فرعون تـجبر فـي أرض مصر وتكبر، وعلا أهلها وقهرهم، حتـى أقرّوا له بـالعبودة. كما:

٢٠٦٧٠ـ حدثنا مـحمد بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ إنّ فِرْعَوْنَ عَلا فـي الأرْضِ يقول: تـجبر فـي الأرض.

٢٠٦٧١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إنّ فِرْعَوْنَ عَلا فِـي الأرْضِ أي بغى فـي الأرض.

و قوله: وَجَعَلَ أهْلَها شِيَعا يعني بـالشيع: الفِرَق، يقول: وجعل أهلَها فِرقا متفرّقـين. كما:

٢٠٦٧٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَجَعَلَ أهْلَها شِيَعا: أي فرقا يذبح طائفة منهم، ويستـحيـي طائفة، ويعذّب طائفة، ويستعبد طائفة. قال اللّه عزّ وجلّ: يُذَبّحُ أبْناءَهُمْ، وَيَسْتَـحْيِـي نِساءَهُمْ، إنّهُ كانَ مِنَ الـمُفْسِدِينَ.

٢٠٦٧٣ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: كان من شأن فرعون أنه رأى رؤيا فـي منامه، أن نارا أقبلت من بـيت الـمقدس حتـى اشتـملت علـى بـيوت مصر، فأحرقت القبط، وتركت بنـي إسرائيـل، وأحرقت بـيوت مصر، فدعا السحرة والكهنة والقافة والـحازة، فسألهم عن رؤياه، فقالوا له: يخرج من هذا البلد الذي جاء بنو إسرائيـل منه، يعنون بـيت الـمقدس، رجل يكون علـى وجهه هلاك مصر، فأمر ببنـي إسرائيـل أو لا يولد لهم غلام إلاّ ذبحوه، ولا تولد لهم جارية إلاّ تركت، وقال للقبط: انظروا مـملوكيكم الذين يعملون خارجا، فأدخـلوهم، واجعلوا بنـي إسرائيـل يـلون تلك الأعمال القذرة، فجعل بنـي إسرائيـل فـي أعمال غلـمانهم، وأدخـلوا غلـمانهم، فذلك حين يقول: إنّ فِرْعَوْنَ عَلا فِـي الأرْضِ وَجَعَلَ أهْلَها شِيَعا يعني بنـي إسرائيـل حين جعلهم فـي الأعمال القذرة.

٢٠٦٧٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَجَعَلَ أهْلَها شِيَعا قال: فرّق بـينهم.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد : وَجَعَلَ أهْلَها شِيَعا قال: فِرَقا.

٢٠٦٧٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَجَعَلَ أهْلَها شِيَعا قال: الشيع: الفِرَق.

و قوله: يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ ذكر أن استضعافه إياها كان استعبـاده. ذكر من قال ذلك:

٢٠٦٧٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة : يستعبد طائفة منهم، ويذبح طائفة، ويقتل طائفة، ويستـحيـي طائفة.

و قوله: إنّهُ كانَ مِنَ الـمُفْسِدِينَ يقول: إنه كان مـمن يفسد فـي الأرض بقتله من لا يستـحقّ منه القتل، واستعبـاده من لـيس له استعبـاده وتـجبره فـي الأرض علـى أهلها، وتكبره علـى عبـادة ربه.

٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَنُرِيدُ أَن نّمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ }.

قوله: وَنُرِيدُ عطف علـى قوله يَسْتَضْعفُ طائِفَة مِنْهُمْ ومعنى الكلام: أن فرعون علا فـي الأرض وجعل أهلها من بنـي إسرائيـل فِرَقا يستضعِف طائفة منهم وَ نَـحْنُ نُرِيدُ أنْ نَـمُنّ عَلَـى الّذِينَ استضعفهم فرعون من بنـي إسرائيـل وَنَـجْعَلَهُمْ أئِمّةً. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٦٧٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَنُرِيدُ أنْ نَـمُنّ عَلـى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِـي الأرْضِ قال: بنو إسرائيـل.

 قوله: ونَـجْعَلَهُمْ أئمّةً أي ولاة وملوكا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٦٧٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ونَـجْعَلَهُمْ أئمّةً أي ولاة الأمر:

و قوله: ونَـجْعَلَهُمُ الوَارِثـينَ يقول: ونـجعلهم ورّاث آل فرعون يرثون الأرض من بلد مهلكهم. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٦٧٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ونَـجْعَلَهُمُ الوَارِثِـينَ: أي يرثون الأرض بعد فرعون وقومه.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة ونَـجْعَلَهُمُ الوارِثِـينَ يقول: يرثون الأرض بعد فرعون.

٦

و قوله: ونُـمَكّنَ لَهُمْ فِـي الأرْضِ يقول: ونوطيء لهم فـي أرض الشام ومصر. وَنُرِيَ فرْعَوْنَ وهامانَ وَجُنُودَهُمَا كانوا قد أخبروا أن هلاكهم علـى يد رجل من بنـي إسرائيـل، فكانوا من ذلك علـى وجل منهم، ولذلك كان فرعون يذبح أبناءهم، ويستـحيـي نساءهم، فأرى اللّه فرعون وهامان وجنودهما من بنـي إسرائيـل علـى يد موسى بن عمران نبـيه ما كانوا يحذرونه منهم من هلاكهم وخراب منازلهم ودورهم. كما:

٢٠٦٨٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ونُـمَكّنَ لَهُمْ فِـي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ شيئا ما حذّر القوم، قال: وذُكر لنا أن حازيا حزا لعدوّ اللّه فرعون، فقال: يولد فـي هذا العام غلام من بنـي إسرائيـل يسلبك ملكك، فتتبّع أبناءهم ذلك العام، يقتل أبناءهم، ويستـحيـي نساءهم حذرا مـما قال له الـحازي.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة ، قال: كان لفرعون رجل ينظر له ويخبره، يعني أنه كاهن، فقال له: إنه يولد فـي هذا العام غلام يذهب بـملككم، فكان فرعون يذبح أبناءهم، ويستـحيـي نساءهم حذرا، فذلك قوله وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجنودهما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ.

واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وَنرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ فقرأ ذلك عامة قرّاء الـحجاز والبصرة وبعض الكوفـيـين: وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ بـمعنى: ونرى نـحن بـالنون عطفـا بذلك علـى قوله: ونُـمَكّنَ لَهُمْ. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: (وَيَرَى فِرْعَوْنُ) علـى أن الفعل لفرعون، بـمعنى: ويعاين فرعون، بـالـياء من يرى، ورفع فرعون وهامان والـجنود.

والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان معروفتان فـي قرّاء الأمصار، متقاربتا الـمعنى، قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء، فبأيتهما قرأ القارىء فهو مصيب، لأنه معلوم أن فرعون لـم يكن لـيرى من موسى ما رأى، إلاّ بأن يريه اللّه عزّ وجلّ منه، ولـم يكن لـيريه اللّه تعالـى ذكره ذلك منه إلاّ رآه.

٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَوْحَيْنَآ إِلَىَ أُمّ مُوسَىَ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ ...}.

يقول تعالـى ذكره: وأوْحَيْنا إلـى أُمّ مُوسَى حين ولدت موسى أنْ أرْضِعِيهِ.

وكان قتادة يقول، فـي معنى ذلك وأوْحَيْنا إلـى أُمّ مُوسَى: قذفنا فـي قلبها.

٢٠٦٨١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وأوْحَيْنا إلـى أُمّ مُوسَى وحيا جاءها من اللّه ، فقذف فـي قلبها، ولـيس بوحي نبوّة، أن أرضعي موسى فإذَا خِفْتِ عَلَـيْهِ فَأَلْقِـيهِ فِـي الـيَـمّ، وَلا تَـخافِـي وَلا تَـحْزَنِـي... الاَية.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة ، قوله وأوْحَيْنا إلـى أُمّ مُوسَى قال: قذف فـي نفسها.

٢٠٦٨٢ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: أمر فرعون أن يذبح من ولد من بنـي إسرائيـل سنة، ويتركوا سنة فلـما كان فـي السنة التـي يذبحون فـيها حملت بـموسى فلـما أرادت وضعه، حزنت من شأنه، فأوحى اللّه إلـيها أنْ أرْضِعِيهِ فإذَا خِفْتِ عَلَـيْهِ فَألْقِـيهِ فِـي الـيَـمّ.

واختلف أهل التأويـل فـي الـحال التـي أمرت أمّ موسى أن تلقـي موسى فـي الـيـم، فقال بعضهم: أُمرت أن تلقـيه فـي الـيـمّ بعد ميلاده بأربعة أشهر، وذلك حال طلبه من الرضاع أكثر مـما يطلب الصبـيّ بعد حال سقوطه من بطن أمه. ذكر من قال ذلك:

٢٠٦٨٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله: أنْ أرْضِعِيهِ فإذَا خِفْتِ عَلَـيْهِ قال: إذا بلغ أربعة أشهر وصاح وابتغى من الرضاع أكثر من ذلك فأَلْقِـيهِ حينئذٍ فـي الـيَـمّ فذلك قوله: فإذَا خِفْتِ عَلَـيْهِ.

٢٠٦٨٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر بن عبد اللّه ، قال: لـم يقل لها: إذا ولدتـيه فألقـيه فـي الـيـمّ، إنـما قال لها أنْ أرْضِعيهِ، فإذَا خِفْتِ عَلَـيْهِ فَأَلْقـيهِ فِـي الْـيَـمّ بذلك أُمرت، قال: جعلته فـي بستان، فكانت تأتـيه كلّ يوم فترضعه، وتأتـيه كلّ لـيـلة فترضعه، فـيكفـيه ذلك.

وقال آخرون: بل أُمِرت أن تلقـيه فِـي الـيـم بعد ولادها إياه، وبعد رضاعها. ذكر من قال ذلك:

٢٠٦٨٥ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: لـما وضعته أرضعته ثم دعت له نـجارا، فجعل له تابوتا، وجعل مفتاح التابوت من داخـل، وجعلته فـيه، فألقته فـي الـيّـم.

وأولـى قول قـيـل فـي ذلك بـالصواب، أن يقال: إن اللّه تعالـى ذكره أمر أمّ موسى أن ترضعه، فإذا خافت علـيه من عدوّ اللّه فرعون وجنده أن تلقـيه فـي الـيـمّ. وجائز أن تكون خافتهم علـيه بعد أشهر من ولادها إياه وأيّ ذلك كان، فقد فعلت ما أوحى اللّه إلـيها فـيه، ولا خبر قامت به حجة، ولا فطرة فـي العقل لبـيان أيّ ذلك كان من أيَ، فأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصحة أن يُقال كما قال جلّ ثناؤه. والـيـمّ الذي أُمِرَت أن تلقـيه فـيه هو النـيـل. كما:

٢٠٦٨٦ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فَألْقِـيهِ فِـي الْـيَـمِ قال: هو البحر، وهو النـيـل. وقد بـيّنا ذلك بشواهده، وذكر الرواية فـيه فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته.

و قوله: وَلا تَـخافِـي وَلا تَـحْزَنِـي يقول: لا تـخافـي علـى ولدك من فرعون وجنده أن يقتلوه، ولا تـحزنـي لفراقه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٦٨٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وَلا تَـخافِـي وَلا تَـحْزَنِـي قال: لا تـخافـي علـيه البحر، ولا تـحزنـي لفراقه إنّا رَادّوه إلَـيْكِ.

و قوله: إنّا رَادّوهُ إلَـيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الـمُرْسَلِـينَ يقول: إنا رادّو ولدك إلـيك للرضاع لتكونـي أنت ترضعيه، وبـاعثوه رسولاً إلـى من تـخافـينه علـيه أن يقتله، وفعل اللّه ذلك بها وبه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٦٨٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق إنّا رَادّوهُ إلَـيْكِ وبـاعثوه رسولاً إلـى هذه الطاغية، وجاعلو هلاكه ونـجاة بنـي إسرائيـل مـما هم فـيه من البلاء علـى يديه.

٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:

{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: فـالتقطه آل فرعون فأصابوه وأخذوه وأصله من اللقطة، وهو ما وُجد ضالاً فأخذ. والعرب تقول لـما وردت علـيه فجأة من غير طلب له ولا إرادة: أصبته التقاطا، ولقـيت فلانا التقاطا ومنه قول الراجز:

وَمَنْهَلٍ وَرَدْتُهُ الْتِقاطالَـمْ أَلْقَ إذْ وَرَدْتُهُ فُرّاطا

 يعني فجأة.

واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ ب قوله: آلُ فِرْعَوْنَ فـي هذا الـموضع، فقال بعضهم: عنى بذلك: جواري امرأة فرعون. ذكر من قال ذلك:

٢٠٦٨٩ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: أقبل الـموج بـالتابوت يرفعه مرّة ويخفضه أخرى، حتـى أدخـله بـين أشجار عند بـيت فرعون، فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغسلن، فوجدن التابوت، فأدخـلنه إلـى آسية، وظننّ أن فـيه مالاً فلـما نظرت إلـيه آسية، وقعت علـيها رحمته فأحبته فلـما أخبرت به فرعون أراد أن يذبحه، فلـم تزل آسية تكلـمه حتـى تركه لها، قال: إنـي أخاف أن يكون هذا بنـي إسرائيـل، وأن يكون هذا الذي علـى يديه هلاكنا، فذلك قول اللّه : فـالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِـيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّا وَحَزَنا.

وقال آخرون: بل عنى به ابنة فرعون. ذكر من قال ذلك:

٢٠٦٩٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي معشر، عن مـحمد بن قـيس، قال: كانت بنت فرعون برصاء، فجاءت إلـى النـيـل، فإذا التابوت فـي النـيـل تـخفقه الأمواج، فأخذته بنت فرعون، فلـما فتـحت التابوت، فإذا هي بصبـيّ، فلـما اطلعت فـي وجهه برأت من البرص، فجاءت به إلـى أمها، فقالت: إن هذا الصبـيّ مبـارك لـما نظرت إلـيه برئت، فقال فرعون: هذا من صبـيان من بنـي إسرائيـل، هلـمّ حتـى أقتله، فقالت: قُرّةُ عَيْنٍ لِـي وَلَكَ، لا تَقْتُلُوُهُ.

وقال آخرون: عنى به أعوان فرعون. ذكر من قال ذلك:

٢٠٦٩١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: أصبح فرعون فـي مـجلس له كان يجلسه علـى شفـير النـيـل كلّ غداة فبـينـما هو جالس، إذ مرّ النـيـل بـالتابوت يقذف به، وآسية بنت مزاحم امرأته جالسة إلـى جنبه، فقالت: إن هذا لشيء فـي البحر، فأتونـي به، فخرج إلـيه أعوانه، حتـى جاءوا به، ففتـح التابوت فإذا فـيه صبـيّ فـي مهده، فألقـى اللّه علـيه مـحبته، وعطف علـيه نفسه، قالت امرأته آسية: لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا.

ولا قول فـي ذلك عندنا أولـى بـالصواب مـما قال اللّه عزّ وجلّ: فـالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ وقد بـيّنا معنى الاَل فـيـما مضى بـما فـيه الكفـاية من إعادته ههنا.

و قوله: لِـيَكونَ لَهُمْ عَدُوّا وَحَزَنا فـيقول القائل: لـيكون موسى لاَل فرعون عدوّا وحزَنا فـالتقطوه، فـيقال فـالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِـيَكونَ لَهُمْ عَدُوّا وَحَزَنا

قـيـل: إنهم حين التقطوه لـم يـلتقطوه لذلك، بل لـما تقدّم ذكره. ولكنه إن شاء اللّه كما.

٢٠٦٩٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سَلَـمة عن ابن إسحاق، فـي قوله: فـالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِـيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّا وحَزَنا قال: لـيكون فـي عاقبة أمره عدوا وحزنا لـما أراد اللّه به، ولـيس لذلك أخذوه، ولكن امرأة فرعون قالت: قُرّةُ عَيْنٍ لـي ولَكَ فكان قول اللّه : لِـيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّا وحَزَنا لـما هو كائن فـي عاقبة أمره لهم، وهو كقول الاَخر إذا قَرّعه لفعل كان فعله وهو يحسب مـحسنا فـي فعله، فأدّاه فعله ذلك إلـى مساءة مندّما له علـى فعله: فعلت هذا لضرّ نفسك، ولتضرّ به نفسك فعلت. وقد كان الفـاعل فـي حال فعله ذلك عند نفسه يفعله راجيا نفعه، غير أن العاقبة جاءت بخلاف ما كان يرجو. فكذلك قوله: فـالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِـيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّا وَحَزَنا إنـما هو: فـالتقطه آل فرعون ظنا منهم أنهم مـحسنون إلـى أنفسهم، لـيكون قرّة عين لهم، فكانت عاقبة التقاطهم إياه منه هلاكهم علـى يديه.

و قوله: عَدُوّا وَحَزَنا يقول: يكون لهم عدُوّا فـي دينهم، وحزَنا علـى ما ينالهم منه من الـمكروه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٦٩٣ـ حدثنـي بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فـالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِـيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّا وَحَزَنا عدوّا لهم فـي دينهم، وحزنا لـما يأتـيهم.

واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة: وَحَزَنا بفتـح الـحاء والزاي. وقرأته عامة قرّاء الكوفة: (وَحُزْنا) بضم الـحاء وتسكين الزاي. والـحَزَن بفتـح الـحاء والزاي مصدر من حزنت حَزَنا، والـحُزْن بضم الـحاء وتسكين الزاي الاسم: كالعَدَم والعُدْم ونـحوه.

والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان متقاربتا الـمعنى، وهما علـى اختلاف اللفظ فـيهما بـمنزلة العَدَم، والعُدْم، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.

و قوله: إنّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ

يقول تعالـى ذكره: إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا بربهم آثمين، فلذلك كان لهم موسى عَدُوّا وحَزَنا.

٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرّةُ عَيْنٍ لّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىَ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وَقالَتِ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ له هذا قُرةُ عَيْنٍ لـي ولَكَ يا فرعون فقرّة عين مرفوعة بـمضمر هو هذا، أو هو.

و قوله: لا تَقْتُلُوهُ مسألة من امرأة فرعون أن لا يقتله. وذُكِر أن الـمرأة لـما قالت هذا القول لفرعون، قال فرعون: أمّا لك فنعم، وأما لـي فلا، فكان كذلك. ذكر من قال ذلك:

٢٠٦٩٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي مَعْشر، عن مـحمد بن قـيس، قال: قالت امرأة فرعون: قُرةُ عَيْنٍ لـي ولَكَ، لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا قال فرعون: قرّة عين لك، أما لـي فلا. قال مـحمد بن قـيس: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (لَوْ قالَ فِرْعَوْنُ: قُرةُ عَيْنٍ لـي ولَكِ، لَكانَ لَهُما جَمِيعا) .

٢٠٦٩٥ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: اتـخذه فرعونُ ولدا، ودُعِيَ علـى أنه ابن فرعون فلـما تـحرّك الغلام أرته أمه آسية صبـيا، فبـينـما هي ترقصه وتلعب به، إذ ناولته فرعون، وقالت: خذه قرةَ عين لـي ولك، قال فرعون: هو قرّة عين لك، لا لـي. قال عبد اللّه بن عباس : لو أنه قال: وهو لـي قرّة عين إذن لاَمن به، ولكنه أبى.

٢٠٦٩٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قالت امرأة فرعون: قُرّةُ عَيْنٍ لـي ولَكَ تعنـي بذلك موسى.

٢٠٦٩٧ـ حدثنا العباس بن الولـيد، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ بن يزيد، قال: حدثنا القاسم بن أبـي أيوب، قال: ثنـي سعيد بن جُبـير، عن ابن عباس قال: لـما أتت بـموسى امرأة فرعونَ فرعون قالت: قُرّةُ عَيْنٍ لـي ولَكَ قال فرعون: يكون لك، فأما لـي فلا حاجة لـي فـيه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (وَالّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَوْ أقَرّ فِرْعَوْنُ أنْ يَكُونَ لَهُ قُرّةَ عَيْنٍ كمَا أقَرّتْ، لَهَدَاهُ اللّه بِهِ كمَا هَدَى بِهِ امْرأتَهُ، وَلَكِنّ اللّه حَرَمَهُ ذلكَ) .

و قوله: لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا ذُكِر أن امرأة فرعون قالت هذا القول حين همّ بقتله. قال بعضهم: حين أُتـيَ به يوم التقطه من الـيـم. وقال بعضهم: يوم نَتَف من لـحيته أو ضربه بعصا كانت فـي يده. ذكر من قال: قالت ذلك يوم نتف لـحيته:

٢٠٦٩٨ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: لـما أتـى فرعون به صبـيا أخذه إلـيه، فأخذ موسى بلـحيته فنتفها، قال فرعون: علـيّ بـالذبـاحين، هو هذا قالت آسية: لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا إنـما هو صبـيّ لا يعقل، وإنـما صنَع هذا من صبـاه.

٢٠٦٩٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا قال: أُلقِـيَتْ علـيه رحمتها حين أبصرته.

و قوله: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ اختلف أهل التأويـل فـي تأويـله، فقال بعضهم: معنى ذلك: وهم لا يشعرون هلاكهم علـى يده. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٠٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ قال: وهم لا يشعرون أن هلكتهم علـى يديه، وفـي زمانه.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي سفـيان، عن معمر، عن قتادة أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ قال: إن هلاكهم علـى يديه.

٢٠٧٠١ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ قال: آل فرعون إنه لهم عدوّ.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بـما هو كائن من أمرهم وأمره. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٠٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: قالت امرأة فرعون آسية: لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يقول اللّه : وهم لا يشعرون أي بـما هو كائن بـما أراد اللّه به.

وقال آخرون: بل معنى قوله وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بنو إسرائيـل لا يشعرون أنّا التقطناه. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٠٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي معشر، عن مـحمد بن قـيس لا تقتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعنا أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ قال: يقول: لا تدري بنو إسرائيـل أنّا التقطناه.

والصواب من القول فـي ذلك، قول من قال: معنى ذلك: وفرعون وآله لا يشعرون بـما هو كائن من هلاكهم علـى يديه.

وإنـما قلنا ذلك أولـى التأويلات به لأنه عُقَـيب قوله: وَقالَتِ امْرأةُ فِرْعَوْنَ قُرّةُ عَيْنٍ لـي ولَكَ، لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا وإذا كان ذلك عقبه، فهو بأن يكون بـيانا عن القول الذي هو عقبه أحقّ من أن يكون بـيانا عن غيره.

١٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَىَ فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلآ أَن رّبَطْنَا عَلَىَ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }.

اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي عَنَى اللّه أنه أصبح منه فؤاد أمّ موسى فـارغا، فقال بعضهم: الذي عنى جل ثناؤه أنه أصبح منه فؤاد أمّ موسى فـارغا: كل شيء سوى ذكر ابنها موسى. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٠٤ـ حدثنـي مـحمد بن العلاء، قال: حدثنا جابر بن نوح، قال: حدثنا الأعمش، عن مـجاهد ، وحسان أبـي الأشرس عن سعيد بن جُبـير، عن ابن عباس ، فـي قوله: وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا قال: فرغ من كلّ شيء إلاّ من ذكر مُوسى.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن حسان، عن سعيد بن جُبـير، عن ابن عباس وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا قال: فـارغا من كلّ شيء إلاّ من ذكر موسى.

حدثنا مـحمد بن عُمارة، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن رجل، عن ابن عباس وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا قال: فـارغا من كلّ شيء إلاّ من همّ موسى.

حدثنا علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا قال: يقول: لا تذكروا إلاّ موسى.

٢٠٧٠٥ـ حدثنا مـحمد بن عمارة، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي يحيى، عن مـجاهد وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فَـارِغا قالَ: من كل شيء غير ذكر موسى.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا قال: فرغ من كل شيء إلاّ من ذكر موسى.

٢٠٧٠٦ـ حدثنا عبد الـجبـار بن يحيى الرملـيّ، قال: حدثنا ضَمْرة بن ربـيعة، عن ابن شَوذَب، عن مطر، فـي قوله وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا قال: فـارغا من كلّ شيء إلاّ من همّ موسى.

٢٠٧٠٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا: أي لاغيا من كلّ شيء، إلاّ من ذكر موسى.

٢٠٧٠٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا قال: فرغ من كلّ شيء غير ذكر موسى.

وقال آخرون: بل عنى أن فؤادها أصبح فـارغا من الوحي الذي كان اللّه أوحاه إلـيها، إذ أمرها أن تلقـيه فـي الـيـمّ فقال وَلا تَـخافِـي وَلا تَـحْزَنِـي، إنّا رَادّوهُ إلَـيْكِ، وَجاعِلُوهُ مِنَ الـمُرْسَلِـينَ قال: فحزنت ونسيت عهد اللّه إلـيها، فقال اللّه عزّ وجلّ وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا من وحينا الذي أوحيناه إلـيها. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٠٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا قال: فـارغا من الوحي الذي أوحى اللّه إلـيها حين أمرها أن تلقـيه فـي البحر، ولا تـخاف ولا تـحزن. قال: فجاءها الشيطان، فقال: يا أمّ موسى، كرهت أن يقتل فرعون موسى، فـيكون لك أجره وثوابه وتولّـيت قتله، فألقـيتـيه فـي البحر وغرقتـيه، فقال اللّه : وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا من الوحي الذي أوحاه إلـيها.

٢٠٧١٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر بن عبد اللّه ، قال: ثنـي الـحسن، قال: أصبح فـارغا من العهد الذي عهدنا إلـيها، والوعد الذي وعدناها أن نردّ علـيها ابنها، فنسيت ذلك كله، حتـى كادت أن تُبْدِي به لولا أن ربطنا علـى قلبها.

٢٠٧١١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: قال ابن إسحاق: قد كانت أمّ موسى ترفع له حين قذفته فـي البحر، هل تسمع له بذكر، حتـى أتاها الـخبر بأن فرعون أصاب الغداة صبـيا فـي النـيـل فـي التابوت، فعرفت الصفة، ورأت أنه وقع فـي يدي عدوّه الذي فرّت به منه، وأصبح فؤادها فـارغا من عهد اللّه إلـيها فـيه قد أنساها عظيـم البلاء ما كان من العهد عندها من اللّه فـيه. وقال بعض أهل الـمعرفة بكلام العرب: معنى ذلك: وَأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا من الـحزن، لعلـمها بأنه لـم يغرق. قال: وهو من قولهم: دم فرغ: أي لا قود ولا دية وهذا قول لا معنى له لـخلافه قول جميع أهل التأويـل.

قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب عندي قول من قال: معناه: وَأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا من كلّ شيء إلاّ من همّ موسى.

وإنـما قلنا: ذلك أولـى الأقوال فـيه بـالصواب لدلالة قوله: إنْ كادَتْ لَتُبْدِى بِهِ لَوْلا أنْ رَبَطْنا عَلـى قَلْبِها ولو كان عَنَى بذلك: فراغ قلبها من الوحي لـم يعقب ب قوله: إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لأنها إن كانت قاربت أن تبدي الوحي، فلـم تكد أن تبديه إلا لكثرة ذكرها إياه، وولوعها به، ومـحال أن تكون به ولعة إلا وهي ذاكرة. وإذا كان ذلك كذلك بطل القول بأنها كانت فـارغة القلب مـما أوحى إلـيها. وأخرى أن اللّه تعالـى ذكره أخبر عنها أنها أصبحت فـارغة القلب، ولـم يخصص فراغ قلبها من شيء دون شيء، فذلك علـى العموم إلا ما قامت حجته أن قلبها لـم يفرغ منه. وقد ذُكر عن فضالة بن عبـيد أنه كان يقرؤه: (وأصْبَحَ فُؤَادُ أُمّ مُوسَى فـازِعا) من الفزع.

و قوله: إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي عادت علـيه الهاء فـي قوله: بِهِ فقال بعضهم: هي من ذكر موسى، وعلـيه عادت. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧١٢ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا جابر بن نوح، قال: حدثنا الأعمش، عن مـجاهد وحسان أبـي الأشرس، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عباس إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أن تقول: يا ابناه.

قال: ثنـي يحيى بن سعيد، عن سفـيان، عن الأعمش، عن حسان، عن سعيد بن جُبـير، عن ابن عباس إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أن تقول: يا ابناه.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن حسان عن سعيد بن جبـير، عن ابن عباس إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أن تقول: يا ابناه.

٢٠٧١٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أي لتبدي به أنه ابنها من شدّة وجدها.

٢٠٧١٤ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: لـما جاءت أمه أخذ منها، يعني الرضاع، فكادت أن تقول: هو ابنـي، فعصمها اللّه ، فذلك قول اللّه إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أنْ رَبَطْنا عَلـى قَلْبِها.

وقال آخرونبِـمَا أوْحَيْناهُ إلَـيْها: أي تظفر.

والصواب من القول فـي ذلك ما قاله الذين ذكرنا قولهم أنهم قالوا: إن كادت لتقول: يا بنـياه، لإجماع الـحجة من أهل التأويـل علـى ذلك، وأنه عقـيب قوله: وأصْبَحَ فُؤادُ أُمّ مُوسَى فـارِغا فلأن يكون لو لـم يكن مـمن ذكرنا فـي ذلك إجماع علـى ذلك من ذكر موسى، لقربه منه، أشبه من أن يكون من ذكر الوحي.

وقال بعضهم: بل معنى ذلك إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بـموسى فتقول: هو ابنـي. قال: وذلك أن صدرها ضاق إذ نُسب إلـى فرعون، وقـيـل ابن فرعون. وعنى بقوله لِتُبْدِي بِهِ لتظهره وتـخبر به. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧١٥ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله: إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ: لتشعر به.

٢٠٧١٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: إنْ كادَتْ لَتُبْدي بِهِ قال: لتُعلِنِ بأمره لولا أن ربطنا علـى قلبها لتكون من الـمؤمنـين.

و قوله: لَوْلا أنْ رَبَطْنا عَلـى قَلْبِهَا يقول: لولا أن عصمناها من ذلك بتثبـيتناها وتوفـيقناها للسكوت عنه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧١٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: قال اللّه لَوْلا أنْ رَبَطْنا عَلـى قَلْبِها: أي بـالإيـمان لِتَكُونَ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ.

٢٠٧١٨ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: كادت تقول: هو ابنـي، فعصمها اللّه ، فذلك قول اللّه : إنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أنْ رَبَطْنا عَلـى قَلْبِها.

و قوله: لِتَكُونَ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ

يقول تعالـى ذكره: عصمناها من إظهار ذلك وقـيـله بلسانها، وثبتناها للعهد الذي عهدنا إلـيها لِتَكُونَ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ بوعد اللّه ، الـموقِنـين به.

١١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَتْ لاُخْتِهِ قُصّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وَقالَتْ أمّ موسى لأخت موسى حين ألقته فـي الـيـم قُصّيهِ يقول: قصي أثر موسى، اتبعي أثره، تقول: قصصت آثار القوم: إذا اتبعت آثارهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧١٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصام، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: لأِخْتِهِ قُصيّهِ قال: اتبعي أثره كيف يصنع به.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد قُصيّهِ أي قصي أثره.

٢٠٧٢٠ـ حدثنا ابن حميد، حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصيّهِ قال: اتبعي أثره.

٢٠٧٢١ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَقالَتْ لأُخْتِهِ قُصيهِ أي انظري ماذا يفعلون به.

٢٠٧٢٢ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ وَقالَتْ لاِخْتِهِ قُصّيهِ يعني : قصي أثره.

٢٠٧٢٣ـ حدثنـي العباس بن الولـيد، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد، قال: حدثنا القاسم بن أبـي أيوب، قال: ثنـي سعيد بن جُبـير، عن ابن عباس وَقالَتْ لأُخْتِهِ قُصيّهِ أي قصي أثره واطلبـيه هل تسمعين له ذكرا، أحيّ ابنـي أو قد أكلته دوابّ البحر وحيتانه؟ ونَسيتِ الذي كان اللّه وعدها.

و قوله: فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ

يقول تعالـى ذكره: فقصت أخت موسى أثره، فبصرت به عن جُنُب: يقول فبصرت بـموسى عن بُعد لـم تدن منه ولـم تقرب، لئلا يعلـم أنها منه بسبـيـل. يقال منه: بصرت به وأبصرته، لغتان مشهورتان، وأبصرت عن جنب، وعن جنابة، كما قال الشاعر:

أتَـيْتُ حُرَيْثا زَائِرا عَنْ جَنابَةٍفَكانَ حُرَيْثٌ عَنْ عَطائي جاحِدَا

 يعني ب قوله: عن جنابة: عن بُعد. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٢٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسي وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: عَنْ جُنُبٍ قال: بُعد.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد عَنْ جُنُبٍ قال: عن بُعد. قال ابن جُرَيج عَنْ جُنُبٍ قال: هي علـى الـحدّ فـي الأرض، وموسى يجري به النـيـل وهما متـحاذيان كذلك تنظر إلـيه نظرة، وإلـى الناس نظرة، وقد جعل فـي تابوت مقـيّر ظهره وبطنه، وأقـفلته علـيه.

٢٠٧٢٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي سفـيان، عن معمر، عن قتادة : فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ يقول: بصرت به وهي مـحاذيته لـم تأته.

٢٠٧٢٦ـ حدثنـي العباس بن الولـيد، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد، قال: ثنـي القاسم بن أبـي أيوب، قال: ثنـي سعيد بن جُبـير، عن ابن عباس فَبَصُرَتُ بِهِ عَنْ جُنُبٍ والـجنب: أن يسمو بصر الإنسان إلـى الشيء البعيد، وهو إلـى جنبه لا يشعر به.

و قوله: وَهُمْ لا يَشْعَرُونَ يقول: وقوم فرعون لا يشعرون بأخت. موسى أنها أخته. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٢٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ قال: آل فرعون.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله.

٢٠٧٢٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أنها أخته، قال: جعلت تنظر إلـيه كأنها لا تريده.

٢٠٧٢٩ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أنها أخته.

٢٠٧٣٠ـ حدثنا حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أي لا يعرفون أنها منه بسبـيـل.

١٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَحَرّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلّكُمْ عَلَىَ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: ومنعنا موسى الـمراضع أن يرتضع منهنّ من قبل أمه. ذكر أن أختا لـموسى هي التـي قالت لاَل فرعون: هَلْ أدُلكُمْ عَلـى أهْلِ بَـيْتٍ يكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَه ناصِحونَ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٣١ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمور، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: أرادوا له الـمرضعات، فلـم يأخذ من أحد من النساء، وجعل النساء يطلبن ذلك لـينزلن عند فرعون فـي الرضاع، فأبى أن يأخذ، فذلك قوله: وَحَرّمْنا عَلَـيْهِ الـمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ أخته هَلْ أدُلكُمْ عَلـىْ أهْلِ بَـيْتٍ يكْفُلُونه لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ فلـما جاءت أمه أخذ منها.

٢٠٧٣٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: وَحَرّمْنا عَلَـيْهِ الـمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ قال: لا يقبل ثدي امرأة حتـى يرجع إلـى أمه.

٢٠٧٣٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن حسان، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس وَحَرّمْنا عَلَـيْهِ الـمَرَاضعَ مِنْ قَبْلُ قال: كان لا يؤتـى بـمرضع فـيقبلها.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قوله: وَحَرّمْنا عَلَـيْهِ الـمَرَاضِعَ مِنْ قَبْل قال: لا يرضع ثدي امرأة حتـى يرجع إلـى أمه.

٢٠٧٣٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَحَرّمْنا عَلَـيْهِ الـمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ قال: جعل لا يؤتـى بـامرأة إلا لـم يأخذ ثديها، قال: فَقَالَتْ أخته هَلْ أدُلّكُمْ علـى أهْلِ بَـيْتٍ يكْفُلُونَه لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ.

٢٠٧٣٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: جمعوا الـمراضع حين ألقـى اللّه مـحبتهم علـيه، فلا يؤتـى بـامرأة فـيقبل ثديها فـير مضهم ذلك، فـيؤتـي بـمرضع بعد مرضع، فلا يقبل شيئا منهنّ فَقَالَتْ لهم أخته حين رأيت من وجدهم به، وحرصهم علـيه هَلْ أدُلُكُمْ عَلـى أهْلِ بَـيْتٍ يكْفُلُونَهُ لَكُمْ، و يعني بقوله يكْفُلُونَهُ لَكُمْ: يضمونه لكم.

و قوله: وَهُمْ لَهُ ناصِحونَ ذكر أنها أخذت، ف

قـيـل: قد عرفته، فقالت: إنـما عنـيت أنهم للـملك ناصحون. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٣٦ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: لـما قالت أخته هَلْ أدُلّكُمْ عَلـى أهْلِ بَـيْتٍ يكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ أخذوها، وقالوا: إنك قد عَرَفت هذا الغلام، فدلـينا علـى أهله، فقالت: ما أعرفه، ولكنـي إنـما قلت: هم للـملك ناصحون.

٢٠٧٣٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله هَلْ أدُلّكُمْ عَلـى أهْلِ بَـيْتٍ يكْفُلونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحونَ قال: فعِلْقُوها حين قالت: وهم له ناصحون، قالوا: قد عرفته، قالت: إنـما أردت هم للـملك ناصحون.

٢٠٧٣٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق وَهُمْ لَهُ ناصحون أي لـمنزلته عندكم، وحرصكم علـى مسرّة الـملك، قالوا: هاتـي.

١٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَىَ أُمّهِ كَيْ تَقَرّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنّ وَعْدَ اللّه حَقّ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: فَرَدَدْنَا موسى إلَـى أُمّهِ بعد أن التقطه آل فرعون، لتقرّ عينها بـابنها، إذ رجع إلـيها سلـيـما من قَتل فرعون وَلا تَـحْزَنْ علـى فراقه إياها وَلِتَعْلَـمَ أنّ وَعْدَ اللّه الذي وعدها إذ قال لها فإذَا خِفْتِ عَلَـيْهِ فأَلْقِـيهِ فِـي الْـيَـمّ وَلا تَـخافِـي وَلا تَـحْزَنِـي... الاَية، حقّ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٣٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَرَدَدْناهُ إلـى أُمّهِ فقرأ حتـى بلغ لا يَعْلَـمُونَ ووعدها أنه رادّه إلـيها وجاعله من الـمرسلـين، ففعل اللّه ذلك بها.

و قوله: وَلكِنّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَـمُونَ

يقول تعالـى ذكره: ولكن أكثر الـمشركين لا يعلـمون أن وعد اللّه حقّ، لا يصدّقون بأن ذلك كذلك.

١٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَمّا بَلَغَ أَشُدّهُ وَاسْتَوَىَ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: وَلـمّا بَلَغَ موسى أشُدّهُ، يعني حان شدّه بدنه وقواه، وانتهى ذلك منه. وقد بّـينا معنى الأشدّ فـيـما مضى بشواهده، فأغنـي ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع.

و قوله: وَاسْتَوَى يقول: تناهى شبـابه، وتـمّ خـلقه واستـحكم. وقد اختلف فـي مبلغ عدد سنـي الاستواء، فقال بعضهم: يكون ذلك فـي أربعين سنة. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٤٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد ، فـي قوله: وَاسْتَوَى قال: أربعين سنة.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: وَلَـمّا بَلَغَ أشُدّهُ قال: ثلاثا وثلاثـين سنة. قوله: وَاسْتَوَى قال: بلغ أربعين سنة.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله.

٢٠٧٤١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، عن ابن عباس وَلَـما بَلَغَ أشُدّهُ قال: بضعا وثلاثـين سنة.

قال: ثنا سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَلـما بَلَغَ أشُدّهُ قال: ثلاثا وثلاثـين سنة.

٢٠٧٤٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة أشُدّهُ وَاسْتَوَى قال: أربعين سنة، وأشدّه: ثلاثا وثلاثـين سنة.

٢٠٧٤٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلـمّا بَلَغَ أشُدّهُ واسْتَوَى قال: كان أبـي يقول: الأشدّ: الـجلَد، والاستواء: أربعون سنة.

وقال بعضهم: يكون ذلك فـي ثلاثـين سنة.

و قوله: وآتَـيْناهُ حُكْما وَعِلْـما يعني الـحكم: الفهم بـالدين والـمعرفة. كما:

٢٠٧٤٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد آتَـيْناهُ حُكْما وَعِلْـما قال: الفقه والعقل والعمل قبل النبوّة.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد آتَـيْناه حُكْما وَعِلْـما قال: الفقه والعمل قبل النبوّة.

٢٠٧٤٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق وَلـمّا بَلَغَ أشُدّهُ وَاسْتَوَى آتاه اللّه حكما وعلـما وفقها فـي دينه ودين آبـائه، وعلـما بـما فـي دينه وشرائعه وحدوده.

و قوله: وكذلكَ نَـجّزِي الـمُـحْسِنِـينَ

يقول تعالـى ذكره: كما جزينا موسى علـى طاعته إيانا وإحسانه بصبره علـى أمرنا، كذلك نـجزي كلّ من أحسن من رسلنا وعبـادنا، فصبر علـى أمرنا وأطاعنا، وانتهى عما نهيناه عنه.

١٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىَ حِينِ غَفْلَةٍ مّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ ...}.

يقول تعالـى ذكره: وَدَخَـلَ موسى الـمَدِينَةَ مدينة مَنْف من مصر عَلـى حِينَ غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها وذلك عند القائلة نصف النهار.

واختلف أهل العلـم فـي السبب الذي من أجله دخـل موسى هذه الـمدينة فـي هذا الوقت، فقال بعضهم: دخـلها متبعا أثر فرعون، لأن فرعون ركب وموسى غير شاهد فلـما حضر علـم بركوبه فركب واتبع أثره، وأدركه الـمقـيـل فـي هذه الـمدينة. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٤٦ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: كان موسى حين كبر يركب مراكب فرعون، ويـلبس مثل ما يـلبس، وكان إنـما يُدعى موسى بن فرعون، ثم إن فرعون ركب مركبـا ولـيس عنده موسى فلـما جاء موسى

قـيـل له: إن فرعون قد ركب، فركب فـي أثره فأدركه الـمقـيـل بأرض يقال لها منف، فدخـلها نصف النهار، وقد تغلقت أسواقها، ولـيس فـي طرقها أحد، وهي التـي يقول اللّه : وَدَخَـلَ الـمدَينَةَ عَلـى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها.

وقال آخرون: بل دخـلها مستـخفـيا من فرعون وقومه، لأنه كان قد خالفهم فـي دينهم، وعاب ما كانوا علـيه. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٤٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لَـمّا بلغ موسى أشده واستوى، آتاه اللّه حكما وعلـما، فكانت له من بنـي إسرائيـل شيعة يسمعون منه ويطيعونه ويجتـمعون إلـيه، فلـما استد رأيه، وعرف ما هو علـيه من الـحقّ، رأى فراق فرعون وقومه علـى ما هم علـيه حقا فـي دينه، فتكلـم وعادى وأنكر، حتـى ذكر منه، وحتـى أخافوه وخافهم، حتـى كان لا يدخـل قرية فرعون إلا خائفـا مستـخفـيا، فدخـلها يوما علـى حين غفلة من أهلها.

وقال آخرون: بل كان فرعون قد أمر بإخراجه من مدينته حين علاه بـالعصا، فلـم يدخـلها إلا بعد أن كبر وبلغ أشدّه. وقالوا: ومعنى الكلام: ودخـل الـمدينة علـى حين غفلة من أهلها لذكر موسى أي من بعد نسيانهم خبره وأمره. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٤٨ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: عَلـى حِين غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها قال: لـيس غفلة من ساعة، ولكن غفلة من ذكر موسى وأمره. وقال فرعون لامرأته: أخرجيه عنـي، حين ضرب رأسه بـالعصا، هذا الذي قُتِلتْ فـيه بنو إسرائيـل، فقالت: هو صغير، وهو كذا، هات جمرا، فأتـي بجمر، فأخذ جمرة فطرحها فـي فـيه فصارت عقدة فـي لسانه، فكانت تلك العقدة التـي قال اللّه وَاحُلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِـي يَفْقَهُوا قَوْلِـي قال: أخرجيه عنـي، فأخرج، فلـم يدخـل علـيهم حتـى كبر، فدخـل علـى حين غفلة من ذكره.

وأولـى الأقوال فـي الصحة بذلك أن يقال كما قال اللّه جلّ ثناؤه: وَلـمّا أشُدّهُ وَاسْتَوَى وَدَخَـلَ الـمَدِينَةَ عَلَـى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها.

واختلفوا فـي الوقت الذي عُنى ب قوله: عَلـى حِين غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها فقال بعضهم: ذلك نصف النهار. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٤٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـحمد بن الـمنكدر، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس ، قوله: وَدَخَـلَ الـمَدينَةَ عَلـى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها قال: نصف النهار. قال ابن جُرَيج، عن عطاء الـخراسانـي، عن ابن عباس ، قال: يقولون فـي القائلة، قال: وبـين الـمغرب والعشاء.

٢٠٧٥٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَدَخَـل الـمَدِينَةَ عَلـى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها قال: دخـلها بعد ما بلغ أشدّه عند القائلة نصف النهار.

٢٠٧٥١ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: دخـل نصف النهار.

و قوله: فَوَجَدَ فِـيها رَجُلَـيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ يقول: هذا من أهل دين موسى من بنـي إسرائيـل وَهَذَا مِنْ عَدُوهِ من القبط من قوم فرعون فـاسْتَغاثَهُ الّذِي مِنْ شِيعَتِهِ يقول: فـاستغاثه الذي هو من أهل دين موسى علـى الذي من عدوّه من القبط فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَـيْهِ يقول: فلكزه ولهزه فـي صدره بجمع كفه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٥٢ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا حفص، عن الأعمش، عن سعيد بن جُبَـير، قال: أساء موسى من حيث أساء، وهو شديد الغضب شديد القوّة، فمرّ برجل من القبط قد تسخّر رجلاً من الـمسلـمين، قال: فلـما رأى موسى استغاث به، قال: يا موسى، فقال موسى: خـلّ سبـيـله، فقال: قد همـمت أن أحمله علـيك فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضى عَلَـيْهِ قال: حتـى إذا كان الغد نصف النهار خرج ينظر الـخبر قال: فإذا ذاك الرجل قد أخذه آخر فـي مثل حدّه قال: فقال: يا موسى، قال: فـاشتدّ غضب موسى، قال: فأهوى، قال: فخاف أن يكون إياه يريد، قال: فقال: أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كمَا قَتَلْتَ نَفْسا بـالأَمْسِ؟ قال: فقال الرجل: ألا أراك يا موسى أنت الذي قتلت؟.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا عثام بن علـيّ، قال: حدثنا الأعمش، عن سعيد بن جُبـير فَوَجَدَ فِـيها رَجُلَـينِ يَقْتَتِلانِ قال: رجل من بنـي إسرائيـل يقاتل جبـارا لفرعون فـاسْتَغاثَهُ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَـيْهِ فلـما كان من الغد، استصرخ به فوجده يقاتل آخر، فأغاثه، فقال أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كما قَتَلْتَ نَفْسا بـالأمْسِ فعرفوا أنه موسى، فخرج منها خائفـا يترقب، قال عثام: أو نـحو هذا.

٢٠٧٥٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَوَجَدَ فِـيها رَجُلَـيْن يَقْتَتِلانِ، هذَا مِنْ شِيعَتِهِ، وَهَذَا مِنْ عَدُوّهِ أما الذي من شيعته فمن بنـي إسرائيـل، وأما الذي من عدوّه فقبطيّ من آل فرعون.

٢٠٧٥٤ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فَوَجدَ فِـيها رَجُلَـينِ يَقْتَتِلان، هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوّهِ يقول: من القبط فـاسْتَغاثَهُ الّذي مِنْ شِيعَتِهِ عَلـى الّذي مِنْ عَدُوّهِ.

٢٠٧٥٥ـ حدثنا العباس بن الولـيد، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد، قال: حدثنا القاسم ابن أبـي أيوب، قال: ثنـي سعيد بن جُبـير، عن ابن عباس ، قال: لـما بلغ موسى أشدّه، وكان من الرجال، لـم يكن أحد من آل فرعون يخـلص إلـى أحد من بنـي إسرائيـل معه بظلـم ولا سخرة، حتـى امتنعوا كلّ الامتناع، فبـينا هو يـمشي ذات يوم فـي ناحية الـمدينة، إذا هو برجلـين يقتتلان: أحدهما من بنـي إسرائيـل، والاَخر من آل فرعون، فـاستغاثه الإسرائيـلـي علـى الفرعونـي، فغضب موسى واشتدّ غضبه، لأنه تناوله وهو يعلـم منزلة موسى من بنـي إسرائيـل، وحفظه لهم، ولا يعلـم الناس إلا أنـما ذلك من قِبل الرضاعة من أمّ موسى إلا أن يكون اللّه أطلع موسى من ذلك علـى علـم ما لـم يطلع علـيه غيره، فوكز موسى الفرعونـي فقتله، ولـم يرهما أحد إلا اللّه والإسرائيـلـي، فقَالَ موسى حين قتل الرجل هَذَا مِنْ عَمَلِ الشّيْطان... الاَية.

٢٠٧٥٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق فَوَجَدَ فِـيهَا رَجُلَـيْنِ يَقْتَتِلانِ، هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ مسلـم، وهذا من أهل دين فرعون كافر فـاسْتَغَاثَهُ الّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلـى الّذِي مِنْ عَدُوّهِ وكان موسى قد أوتـي بسطة فـي الـخـلق، وشدّة فـي البطش فغضب بعدوّهما فنازعه فَوَكَزَهُ مُوسَى وكزة قتله منها وهو لا يريد قتله، فقال هَذَا مِنْ عَمَلِ الشّيْطانِ إنّهُ عَدُوّ مُضِلّ مُبِـينٌ.

٢٠٧٥٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ قال: من قومه من بنـي إسرائيـل، وكان فرعون من فـارس من إصطخر.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، بنـحوه.

٢٠٧٥٨ـ قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر بن عبد اللّه ، عن أصحابه هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ إسرائيـلـي وَهَذا مِنْ عَدُوّهِ قبطي فـاسْتَغاثَهُ الّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلـى الّذِي مِنْ عَدُوّهِ. وبنـحوه الذي قلنا أيضا قالوا فـي معنى قوله: فَوَكَزَهُ مُوسَى. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٥٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فَوَكَزَهُ مُوسَى قال: بجمع كفه.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله.

٢٠٧٦٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَوَكَزَهُ مُوسَى نبـيّ اللّه ، ولـم يتعمد قتله.

٢٠٧٦١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: قتله وهو لا يريد قتله.

و قوله: فَقَضَى عَلَـيْهِ يقول: ففرغ من قتله. وقد بـيّنت فـيـما مضى أن معنى القضاء: الفراغ بـما أغنـي عن إعادته ههنا. ذكر أنه قتله ثم دفنه فـي الرمل، كما:

٢٠٧٦٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر بن عبد اللّه ، عن أصحابه فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَـيْهِ ثم دفنه فـي الرمل.

و قوله: قالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشّيْطانِ إنّهُ عَدُوّ مُضِلّ مُبِـينٌ

يقول تعالـى ذكره: قال موسى حين قتل القتـيـل: هذا القتل من تسبب الشيطان لـي بأن هيّج غضبـي حتـى ضربت هذا فهلك من ضربتـي، إنّهُ عَدُوّ يقول: إن الشيطان عدوّ لابن آدم مُضِلّ له عن سبـيـل الرشاد بتزيـينه له القبـيح من الأعمال، وتـحسينه ذلك له مُبِـينٌ يعني أنه يبـين عداوته لهم قديـما، وإضلاله إياهم.

١٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ رَبّ إِنّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ }.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن ندم موسى علـى ما كان من قتله النفس التـي قتلها، وتوبته إلـيه منه ومسألته غفرانه من ذلك رَبّ إنّـي ظَلَـمْتُ نَفْسِي بقتل النفس التـي لـم تأمرنـي بقتلها، فـاعف عن ذنبـي ذلك، واستره علـيّ، ولا تؤاخذنـي به فتعاقبنـي علـيه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٦٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، فـي قوله: رَبّ إنّـي ظَلَـمْتُ نَفْسِي قال: بقتلـي من أجل أنه لا ينبغي لنبـيّ أن يقتل حتـى يؤمر، ولـم يُؤمر.

٢٠٧٦٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: عرف الـمخرج، فقال: ظَلَـمْتُ نَفْسِي فـاغْفِرْ لـي، فَغَفَرَ لَهُ.

و قوله: فَغَفَرَ لَهُ

يقول تعالـى ذكره: فعفـا اللّه لـموسى عن ذنبه ولـم يعاقبه به إنّهُ هُوَ الغَفُورُ الرّحِيـمُ يقول: إن اللّه هو الساتر علـى الـمنـيبـين إلـيه من ذنوبهم علـى ذنوبهم، الـمتفضل علـيهم بـالعفو عنها، الرحيـم للناس أن يعاقبهم علـى ذنوبهم بعد ما تابوا منها.

١٧

و قوله: قالَ رَبّ بِـمَا أنْعَمْتَ عَلـيّ

يقول تعالـى ذكره: قال موسى ربّ بـانعامك علـيّ بعفوك عن قتل هذه النفس

فَلَنْ أكُونَ ظَهِيرا للْـمُـجْرِمِينَ يعني الـمشركين، كأنه أقسم بذلك، وقد ذكر أن ذلك فـي قراءة عبد اللّه : (فَلا تَـجْعَلْنِـي ظَهِيرا للْـمُـجْرِمِينَ) كأنه علـى هذه القراءة دعا ربه، فقال: اللّه مّ لن أكون ظهيرا ولـم يستثن علـيه السلام حين قال فَلَنْ أكُونَ ظَهِيرا للْـمُـجْرِمِينَ فـابتلـي. وكان قتادة يقول فـي ذلك ما:

٢٠٧٦٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَلَنْ أكُونَ ظَهِيرا للْـمُـجْرِمِينَ يقول: فلن أعين بعدها ظالِـما علـى فُجره، قال: وقلـما قالها رجل إلا ابتُلـي، قال: فـابتلـي كما تسمعون.

١٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَآئِفاً يَتَرَقّبُ فَإِذَا الّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَىَ إِنّكَ لَغَوِيّ مّبِينٌ }.

يقول تعالـى ذكره: فأصبح موسى فـي مدينة فرعون خائفـا من جنايته التـي جناها، وقتله النفس التـي قتلها أن يُؤخذ فـيقتل بها يَتَرقّبُ يقول: يترقب الأخبـار: أي ينتظر ما الذي يتـحدّث به الناس، مـما هم صانعون فـي أمره وأمر قتـيـله. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٦٦ـ حدثنـي العباس بن الولـيد، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا أصبغ بن زيد، قال: حدثنا القاسم عن أبـي أيوب، قال: حدثنا سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس فأصْبَحَ فِـي الـمَدِينَةِ خائِفـا يَتَرَقّبُ قال: خائفـا من قتله النفس، يترقب أن يؤخذ.

٢٠٧٦٧ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدّي: فأصْبَح فـي الـمَدِينَةِ خائِفـا يَتَرَقّبُ قال: خاتفـا أن يُؤخذ.

و قوله: فإذَا الّذِي اسْتَنْصَرَهُ بـالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ

يقول تعالـى ذكره: فرأى موسى لـما دخـل الـمدينة علـى خوف مترقبـا الأخبـار عن أمره وأمر القتـيـل، فإذا الإسرائيـلـي الذي استنصره بـالأمس علـى الفرعونـيّ يقاتله فرعونـيّ آخر، فرآه الإسرائيـلـي فـاستصرخه علـى الفرعونـيّ. يقول: فـاستغاثه أيضا علـى الفرعونـيّ، وأصله من الصّراخ، كما يقال: قال بنو فلان: يا صبـاحاه، قال له موسى: إنّكَ لَغَوِيّ مُبِـينٌ

يقول جَلّ ثناؤه: قال موسى للإسرائيـلـي الذي استصرخه، وقد صادف موسى نادما علـى ما سلف منه من قتله بـالأمس القتـيـل، وهو يستصرخه الـيوم علـى آخر: إنك أيها الـمستصرخ لغويّ: يقول: إنك لذو غواية، مبـين: يقول: قد تبـيّنت غوايتك بقتلك أمس رجلاً، والـيوم آخر. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٦٨ـ حدثنـي العباس ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا أصبغ بن زيد، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، قال: أتِـي فرعون، ف

قـيـل له: إن بنـي إسرائيـل قد قتلوا رجلاً من آل فرعون، فخذ لنا بحقنا ولا ترخص لهم فـي ذلك، قال: ابغونـي قاتله ومن يشهد علـيه، لا يستقـيـم أن نقضي بغير بـينة ولا ثَبَتَ فـاطّلبوا ذلك، فبـينـما هم يطوفون لا يجدون شيئا، إذ مرّ موسى من الغد، فرأى ذلك الإسرائيـلـي يقاتل فرعونـيا، فـاستغاثه الإسرائيـلـي علـى الفرعونـيّ، فصادف موسى وقد ندم علـى ما كان منه بـالأمس، وكره الذي رأى، فغضب موسى، فمدّ يده وهو يريد أن يبطش بـالفرعونـيّ، فقال للإسرائيـلـي لِـما فعل بـالأمس والـيوم إنّكَ لَغَوِيّ مُبِـينٌ، فنظر الإسرائيـلـي إلـى موسى بعد ما قال هذا، فإذا هو غضبـان كغضبه بـالأمس إذ قتل فـيه الفرعونـيّ، فخاف أن يكون بعد ما قال له: إنّكَ لَغَوِيّ مُبِـينٌ إياه أراد، ولـم يكن أراده، إنـما أراد الفرعونـيّ، فخاف الإسرائيـلـي فحاجه، فقال يا مُوسَى أَتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كمَا قَتَلْتَ نَفْسا بـالأَمْسِ؟ إنّ تُرِيدُ إلا أنْ تكُونَ جَبّـارا فِـي الأرْضِ وإنـما قال ذلك مخافة أن يكون إياه أراد موسى لـيقتله، فتتاركا.

٢٠٧٦٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد عن قتادة : فإذَا الّذِي اسْتَنْصَرَهُ بـالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قال: الاستنصار والاستصراخ واحد.

٢٠٧٧٠ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فإذَا الّذِي اسْتَنْصَرَهُ بـالأمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ يقول: يستغيثه.

٢٠٧٧١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: لـما قتل موسى القتـيـل، خرج فلـحق بـمنزله من مصر، وتـحدّث الناس بشأنه، و

قـيـل: قتل موسى رجلاً حتـى انتهى ذلك إلـى فرعون، فأصبح موسى غاديا الغَدَ، وإذا صاحبه بـالأمس معانق رجلاً آخر من عدوّه، فقال له موسى: إنّكَ لَغَوِيّ مُبِـينٌ أمس رجلاً، والـيوم آخر؟.

٢٠٧٧٢ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا حفص، عن الأعمش، عن سعيد بن جُبَـير والشّيْبـانـي، عن عكرِمة، قال: الذي استنصره: هو الذي استصرخه.

١٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّآ أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالّذِي هُوَ عَدُوّ لّهُمَا قَالَ يَمُوسَىَ ...}.

يقول تعالـى ذكره: فلـما أراد موسى أن يبطش بـالفرعونـيّ الذي هو عدوّ له وللإسرائيـلـي، قال الإسرائيـلـي لـموسى وظنّ أنه إياه يريد أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كما قَتَلْتَ نَفْسا بـالأَمْسِ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٧٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة : فَلَـمّا أنْ أرَادَ أنْ يَبْطِشَ بِـالّذِي هُوَ عَدُوّ لَهُمَا قالَ: خافه الذي من شيعته حين قال له موسى: إنّكَ لَغَوِيّ مُبِـينٌ.

٢٠٧٧٤ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال موسى للإسرائيـلـي: إنّكَ لَغَوِيّ مُبِـينٌ ثم أقبل لـينصره، فلـما نظر إلـى موسى قد أقبل نـحوه لـيبطش بـالرجل الذي يقاتل الإسرائيـلـي، قالَ الإسرائيـلـي، وفَرِق من موسى أن يبطش به من أجل أنه أغلظ له الكلام: يَا مُوسَى أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كمَا قَتَلْتَ نَفْسا بـالأَمْسِ، إنْ تُرِيدُ إلاّ أنْ تَكُونَ جَبّـارا فِـي الأرْضِ وَما تُرِيدُ أنْ تَكُونَ مِنَ الـمُصْلِـحِينَ فتركه موسى.

٢٠٧٧٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر بن عبد اللّه ، عن أصحابه، قال: ندم بعد أن قتل القتـيـل، فقال: هَذَا مِنْ عَمَلِ الشّيْطانِ إنّهُ عَدُوّ مُضِلّ مُبِـينٌ قال: ثم استنصره بعد ذلك الإسرائيـلـي علـى قبطي آخر، فقال له موسى: إنّكَ لَغَوِيّ مُبِـينٌ فلـما أراد أن يبطش بـالقبطي، ظنّ الإسرائيـلـي أنه إياه يريد، فقال: يا موسى أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كمَا قَتَلْتَ نَفْسا بـالأَمْسِ؟. قال: وقال ابن جُرَيج، أو ابن أبـي نـجيح الطبري يشكّ وهو فـي الكتاب ابن أبـي نـجيح أن موسى لـما أصبح، أصبح نادما تائبـا، يودّ أن لـم يبطش بواحد منهما، وقد قال للإسرائيـلـي: إنّكَ لَغَوِيّ مُبِـينٌ فعلـم الإسرائيـلـي أن موسى غير ناصره فلـما أراد الإسرائيـلـي أن يبطش بـالقبطي نهاه موسى، ففرق الإسرائيـلـي من موسى، فقال: أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كمَا قَتَلْتَ نَفْسا بـالأَمْسِ؟ فسعى بها القبطيّ.

و قوله: إنْ تُرِيدُ إلاّ أنْ تَكُونَ جَبّـارا فِـي الأرْضِ

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل الإسرائيـلـيّ لـموسى: إن تريد ما تريد إلاّ أن تكون جبـارا فـي الأرض. وكان من فعل الـجبـابرة: قتل النفوس ظلـما، بغير حقّ. و

قـيـل: إنـما قال ذلك لـموسى الإسرائيـل، لأنه كان عندهم مَن قتل نفسين: من الـجبـابرة. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٧٦ـ حدثنا مـجاهد بن موسى، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا هشيـم بن بشير، عن إسماعيـل بن سالـم، عن الشعبـيّ قال: من قتل رجلـين فهو جبـار قال: ثم قرأ أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كمَا قَتَلْتَ نَفْسا بـالأَمْسِ، إنْ تُرِيدُ إلاّ أنْ تَكُونَ جَبّـارا فِـي الأرْضِ، وَما تُرِيدُ أنْ تَكُونَ مِنَ الـمُصْلِـحِينَ.

٢٠٧٧٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إنْ تُرِيدُ إلاّ أنْ تَكُونَ جَبّـارا فِـي الأرْضِ إن الـجبـابرة هكذا، تقتل النفس بغير النفس.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، إنْ تُرِيدُ إلاّ أنْ تَكُونَ جبّـارا فِـي الأرْضِ قال: تلك سِيرة الـجبـابرة أن تقتل النفس بغير النفس.

و قوله: وَما تُرِيدُ أنْ تَكُونَ منَ الـمُصْلِـحِينَ يقول: ما تريد أن تكون مـمن يعمل فـي الأرض بـما فـيه صلاح أهلها، من طاعة اللّه . وذكر عن ابن إسحاق أنه قال فـي ذلك ما:

٢٠٧٧٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق وَما تُرِيدُ أنْ تَكُونَ مِنَ الـمُصْلِـحِينَ أي ما هكذا يكون الإصلاح.

٢٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَجَآءَ رَجُلٌ مّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىَ قَالَ يَمُوسَىَ ...}.

ذُكِر أن قول الإسرائيـلـيّ سمعه سامع فأفشاه، وأعلـم به أهل القتـيـل، فحينئذٍ طلب فرعون موسى، وأمر بقتله فلـما أمر بقتله، جاء موسى مخبر، وخبره بـما قد أمر به فرعون فـي أمره، وأشار علـيه بـالـخروج من مصر، بلد فرعون وقومه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٧٩ـ حدثنـي العباس ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد، قال: حدثنا القاسم بن أبـي أيوب، قال: ثنـي سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، قال: انطلق الفرعونـيّ الذي كان يقاتل الإسرائيـلـيّ إلـى قومه، فأخبرهم بـما سمع من الإسرائيـلـي من الـخبر حين يقول أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كمَا قَتَلْتَ نَفْسا بـالأَمْسِ؟ فأرسل فرعون الذبّـاحين لقتل موسى، فأخذوا الطريق الأعظم، وهم لا يخافون أن يفوتهم، وكان رجل من شيعة موسى فـي أقصى الـمدينة، فـاختصر طريقا قريبـا، حتـى سبقهم إلـى موسى، فأخبره الـخبر.

٢٠٧٨٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: أعلـمهم القبطيّ الذي هو عدوّ لهما، فأتـمر الـملأ لـيقتلوه، فجاء رجل من أقصى الـمدينة، وقرأ إنّ... إلـى آخر الاَية، قال: كنا نـحدّث أنه مؤمن آل فرعون.

٢٠٧٨١ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: ذهب القبطي، يعني الذي كان يقاتل الإسرائيـلـي، فأفشى علـيه أن موسى هو الذي قتل الرجل، فطلبه فرعون وقال: خذوه فإنه صاحبنا، وقال للذين يطلبونه: اطلبوه فـي بنـيات الطريق، فإن موسى غلام لا يهتدي الطريق، وأخذ موسى فـي بنـيات الطريق، وقد جاءه الرجل فأخبره إنّ الـمَلأَ يأْتَـمرُونَ بِكَ لِـيَقْتُلُوكَ.

٢٠٧٨٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر بن عبد اللّه ، عن أصحابه، قالوا: لـما سمع القبطيّ قول الإسرائيـلـيّ لـموسى أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كمَا قَتَلْت نَفْسا بـالأَمْسِ سعى بها إلـى أهل الـمقتول فقال: إن موسى هو قتل صاحبكم، ولو لـم يسمعه من الإسرائيـلـي لـم يعلـمه أحد فلـما علـم موسى أنهم قد علـموا خرج هاربـا، فطلبه القوم فسبقهم قال: وقال ابن أبـي نـجيح: سعى القبطي.

٢٠٧٨٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، قال: قال الإسرائيـلـي لـموسى: أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كمَا قَتَلْت نَفْسا بـالأَمْسِ وقبطي قريب منهما يسمع، فأفشى علـيهما.

٢٠٧٨٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: سمع ذلك عدوّ، فأفشى علـيهما.

و قوله: وَجاءَ رَجُلٌ ذُكر أنه مؤمن آل فرعون، وكان اسمه فـيـما

قـيـل: سمعان. وقال بعضهم: بـا كان اسمه شمعون. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٨٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، أخبرنـي وهب بن سلـيـمان، عن شعيب الـجبئيّ، قال: اسمه شمعون الذي قال لـموسى: إنّ الـمَلأَ يَأْتَـمِرُونَ بِكَ لِـيَقْتُلُوكَ.

٢٠٧٨٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: أصبح الـملأ من قوم فرعون قد أجمعوا لقتل موسى فـيـما بلغهم عنه، فجاء رجل من أقصى الـمدينة يسعى يقال له سمعان، فقال: يا مُوسَى إنّ الـمَلأَ يأتـمِرُونَ بِكَ لِـيَقْتُلُوكَ، فـاخْرُجْ إنّـي لَكَ مِنَ النّاصحِينَ.

٢٠٧٨٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة ، قال: وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أقْصَى الـمَدِينَةِ يَسْعَى إلـى موسى قالَ يا مُوسَى إنّ الـمَلأَ يأتَـمِرُونَ بِكَ لِـيَقْتُلُوكَ، فـاخْرُجْ إنّـي لَكَ مِنَ النّاصحِينَ.

وقوله مِنْ أقْصَى الـمَدِينَةِ يقول: من آخر مدينة فرعون يَسْعَى يقول: يعجل. كما:

٢٠٧٨٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن حُرَيج وَجاءَ رَجُلٌ مِن أقْصَى الـمَدِينَةِ يَسْعَى قال: يعجل، لـيس بـالشدّ.

و قوله: قالَ يا مُوسَى إنّ الـمَلأَ يأتـمِرُونَ بِكَ لِـيَقْتُلُوكَ

يقول جلّ ثناؤه: قال الرجل الذي جاءه من أقصى الـمدينة يسعى لـموسى: يا موسى إن أشراف قوم فرعون ورؤساءهم يتآمرون بقتلك، ويتشاورون ويرتؤون فـيك ومنه قول الشاعر:

ما تَأْتَـمِرْ فِـينا فَأمْرُكَ فـي يَـمِنِكَ أو شِمالكْ

 يعني : ما ترتئي، وتهمّ به ومنه قول النـمر بن تولب:

أرَى النّاسَ قَدْ أحْدَثُوا شِيـمَةًوفـي كُلّ حادِثَةٍ يُؤْتَـمَرْ

أَيْ يُتَشَاوَرُ وَيُرْتَأَىَ فِـيهَا.

و قوله: فـاخْرُجْ إنّـي لَكَ مِنَ النّاصِحِينَ يقول: فـاخرج من هذه الـمدينة، إنـي لك فـي إشارتـي علـيك بـالـخروج منها من الناصحين.

٢١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقّبُ قَالَ رَبّ نَجّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: فخرج موسى من مدينة فرعون خائفـا من قتله النفس أن يقتل به يترقب يقول: ينتظر الطلب أن يدركه فـيأخذه. كما:

٢٠٧٨٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَخَرَجَ مِنْها خائِفـا يتَرَقّبُ خائفـا من قتله النفس يترقب الطلب قالَ رَبّ نَـجّنِـي مِنَ القَوْمِ الظّالِـمِينَ.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة فَخَرَجَ مِنْها خائِفـا يَتَرقّبُ قال: خائفـا من قتل النفس، يترقب أن يأخذه الطلب.

٢٠٧٩٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ذُكر لـي أنه خرج علـى وجهه خائفـا يترقب ما يدري أيّ وجه يسلك، وهو يقول: رَبّ نَـجّنِـي مِنَ القَوْمِ الظّالِـمِينَ.

٢٠٧٩١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله فَخَرَجَ مِنْها خائِفـا يَترَقّبُ قال: يترقب مخافة الطلب.

و قوله: قالَ رَبّ نَـجّنِـي مِنَ القَوْمِ الظّالِـمِينَ

يقول تعالـى ذكره: قال موسى وهو شاخص عن مدينة فرعون خائفـا: ربّ نـجنـي من هؤلاء القوم الكافرين، الذين ظلـموا أنفسهم بكفرهم بك.

٢٢

و قوله: ولَـمّا تَوَجّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ

يقول تعالـى ذكره: ولِـما جعل موسى وجهه نـحو مدين، ماضيا إلـيها، شاخصا عن مدينة فرعون، وخارجا عن سلطانه، قال:

عَسَى رَبّـي أنْ يَهْدِيَنِـي سَوَاءَ السّبِـيـلِ وعنى ب قوله: (تلقاء) : نـحو مدين ويقال: فعل ذلك من تلقاء نفسه، يعني به: مِن قِبَل نفسه ويقال: داره تلقاءَ دار فلان: إذا كانت مـحاذيتها، ولـم يصرِف اسم مدين لأنها اسم بلدة معروفة، كذلك تفعل العرب بأسماء البلاد الـمعروفة ومنه قول الشاعر:

رُهْبـانُ مَدْيَنَ لَوْ رأوْكِ تَنزّلُواوالعُصْمُ مِنْ شَعَفِ العُقولِ الفـادِرِ

و قوله: عَسَى رَبّـي أنْ يَهْدِيَنِـي سَوَاءَ السّبِـيـلِ يقول: عسى ربـي أن يبـين لـي قصد السبـيـل إلـى مدين، وإنـما قال ذلك لأنه لـم يكن يعرف الطريق إلـيها.

وذُكر أن اللّه قـيّض له إذ قال: رَبّ نَـجّنِـي مِنَ القَوْمِ الظّالِـمِينَ ملَكا سدّده الطريق، وعرفه إياه. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٩٢ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: لـما أخذ موسى فـي بنـيات الطريق جاءه مَلَك علـى فرس بـيده عَنْزة فلـما رآه موسى سجد له من الفَرَق قال: لا تسجد لـي ولكن اتبعنـي، فـاتبعه، فهداه نـحو مدين. وقال موسى وهو متوجه نـحو مدين: عَسَى رَبّـي أنْ يَهْدِيَنِـي سَوَاءَ السّبِـيـلِ فـانطلق به حتـى انتهى به إلـى مَدين.

٢٠٧٩٣ـ حدثنا العباس ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، قال: خرج موسى متوجها نـحو مدين، ولـيس له علـم بـالطريق إلاّ حُسن ظنه بربه، فإنه قال عَسَى رَبـي أنْ يَهْدِينِـي سَوَاءَ السّبِـيـلِ.

٢٠٧٩٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ذُكِرَ لـي أنه خرج وهو يقول: رَبّ نَـجّنِـي منَ القَوْمِ الظّالِـمِينَ فهيأ اللّه الطريق إلـى مدين، فخرج من مصر بلا زاد ولا حذاء ولا ظهر ولا درهم ولا رغيف، خائفـا يترقب، حتـى وقع إلـى أمة من الناس يسقون بـمَدين.

٢٠٧٩٥ـ حدثنا أبو عمار الـحسين بن حريث الـمَرْوِزِيّ، قال: حدثنا الفضل بن موسى، عن الأعمش، عن الـمنهال بن عمرو، عن سعيد بن جُبَـير، قال: خرج موسى من مصر إلـى مَدْين، وبـينها وبـينها مسيرة ثمان، قال: وكان يُقال نـحو من الكوفة إلـى البصرة، ولـم يكن له طعام إلاّ وَرَق الشجر، وخرج حافـيا، فما وصل إلـيها حتـى وقع خفّ قدمه.

٢٠٧٩٦ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا عَثّام، قال: حدثنا الأعمش، عن الـمنهال، عن سعيد، عن ابن عباس ، قال: لـما خرج موسى من مصر إلـى مدين، وبـينه وبـينها ثمان لـيال، كان يقال: نَـحوٌ من البصرة إلـى الكوفة ثم ذكر نـحوه. ومدين كان بها يومئذٍ قوم شعيب علـيه السلام. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٩٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَلـما تَوَجّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ ومدين: ماء كان علـيه قوم شعيب قالَ عَسَى رَبّـي أنْ يَهْدِيَنِـي سَوَاءَ السّبِـيـلِ.

وأما قوله: سَوَاءَ السّبِـيـلِ فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله نـحو قولنا فـيه. ذكر من قال ذلك:

٢٠٧٩٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد سَوَاءَ السّبِـيـلِ قال: الطريق إلـى مدين.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله.

٢٠٧٩٩ـ قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة قالَ عَسَى رَبّـي أنْ يَهْدِيَنِـي سَوَاءَ السّبِـيـلِ قال: قصد السبـيـل.

٢٠٨٠٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا عَبّـاد بن راشد، عن الـحسن عَسَى رَبّـي أنْ يَهْدِيَنِـي سَوَاءَ السّبِـيـلِ قال: الطريق الـمستقـيـم.

٢٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَمّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمّةً مّنَ النّاسِ يَسْقُونَ ...}.

يقول تعالـى ذكره: ولَـمّا وَرَدَ موسى مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَـيْهِ أُمّةً يعني جماعة مِنَ النّاسِ يَسْقُونَ نَعَمهم ومواشيهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٨٠١ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ وَجَدَ عَلَـيْهِ أُمّةً مِنَ النّاسِ يَسْقونَ يقول: كثرة من الناس يسقون.

٢٠٨٠٢ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله أُمّةً مِنَ النّاسِ قال: أناسا.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله.

٢٠٨٠٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: وقع إلـى أمة من الناس يسقون بـمدين أهل نَعَم وشاء.

٢٠٨٠٤ـ حدثنا علـيّ بن موسى وابن بشّار، قالا: حدثنا أبو داود، قال: أخبرنا عمران القطان، قال: حدثنا أبو حمزة عن ابن عباس ، فـي قوله: وَلـمّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ قال علـيّ بن موسى: قال: مثل ماء جوبكم هذا، يعني الـمـحدثة. وقال ابن بشار: مثل مـحدثتكم هذه، يعني جوابكم هذا.

و قوله: وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرأتَـيْنِ تَذُودَانِ يقول: ووجد من دون أمة الناس الذين هم علـى الـماء، امرأتـين تذودان، يعني ب قوله: تَذُودَان تَـحبِسان غنـمهما يقال منه: ذاد فلان غنـمه وماشيته: إذا أراد شيء من ذلك يَشِذّ ويذهب، فردّه ومنعه يذودها ذَوْدا. وقال بعض أهل العربـية من الكوفـيـين: لا يجوز أن يقال: ذدت الرجل بـمعنى: حبسته، إنـما يقال ذلك للغنـم والإبل. وقد رُوي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم : (إنـي لبِعُقْرِ حَوْضِي أذُودُ النّاسَ عَنْهُ بَعَصَايَ) فقد جعل الذّود صلى اللّه عليه وسلم فـي الناس ومن الذّود قول سُوَيد بن كُراع:

أبِـيتُ عَلـى بـابِ القَوَافِـي كأنّـمَاأذُودُ بِها سِرْبـا مِنَ الوَحْشِ نُزّعا

وقول الاَخر:

وَقَدْ سَلَبَتْ عَصَاكَ بَنُو تَـمِيـمٍفَمَا تَدْرِي بأيّ عَصا تَذُودُ )

وبنو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٨٠٥ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: تَذُودانِ يقول: تـحبسان.

حدثنـي العباس ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ، قال: حدثنا القاسم، قال: ثنـي سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس وَوَجَدَ مِنْ دونِهِمُ امْرأتَـيْنِ تَذُودانِ يعني بذلك أنهما حابستان.

٢٠٨٠٦ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي الهيثم، عن سعيد بن جُبَـير، فـي قوله: امْرأتَـيْنِ تَذُودَانِ قال: حابستـين.

٢٠٨٠٧ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ وَوَجَدَ مِنْ دونِهِمْ امْرأتَـيْنِ تَذُودَانِ يقول: تـحبِـان غنـمهما.

واختلف أهل التأويـل فـي الذي كانت عنه تذود هاتان الـمرأتان، فقال بعضهم: كانتا تذودان غنـمهما عن الـماء، حتـى يَصْدُر عنه مواشي الناس، ثم تسقـيان ماشيتهما لضعفهما. ذكر من قال ذلك:

٢٠٨٠٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا حصين، عن أبـي مالك قوله: امْرأتَـيْنِ تَذُودانِ قال: تـحبسان غنـمهما عن الناس حتـى يفرغوا وتـخـلو لهما البئر.

٢٠٨٠٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرأتَـيْنِ يعني دون القوم تذودان غنـمهما عن الـماء، وهو ماء مدين.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: تذودان الناس عن غنـمهما. ذكر من قال ذلك:

٢٠٨١٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَلَـما وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَـيْهِ أُمّةً مِنَ النّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرأتَـيْنِ تَذُودانِ قال: أي حابستـين شاءهما تذودان الناس عن شأنهما.

٢٠٨١١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن أصحابه تَذُودانِ قال: تذودان الناس عن غنـمهما.

وأولـى التأويـلـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال معناه: تـحبسان غنـمهما عن الناس حتـى يفرغوا من سقـي مواشيهم.

وإنـما قلنا ذلك أولـى بـالصواب لدلالة قوله: ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقـي حتـى يُصْدِرَ الرّعاءُ علـى أن ذلك كذلك، وذلك أنهما شكتا أنهما لا تسقـيان حتـى يصدر الرعاء، إذ سألهما موسى عن ذَوْدِهما، ولو كانتا تذودان عن غنـمهما الناس، كان لا شكّ أنهما كانتا تـخبران عن سبب ذودهما عنها الناس، لا عن سبب تأخر سقـيهما إلـى أن يُصْدِر الرعاء.

و قوله: قالَ ما خَطْبُكُما

يقول تعالـى ذكره: قال موسى للـمرأتـين ما شأنكما وأمركما تذودان ماشيتكما عن الناس، هلا تسقونها مع مواشي الناس والعرب، تقول للرجل: ما خَطْبُك: بـمعنى ما أمرك وحالك، كما قال الراجز:

(يا عَجَبـا ما خَطْبُهُ وَخَطْبـي )

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٨١٢ـ حدثنا العباس ، قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ، قال: أخبرنا القاسم، قال: ثنـي سعيد بن جُبَـيْر، عن ابن عباس ، قال: قال لهما: ما خطْبُكُما معتزلتـين لا تسقـيان مع الناس؟.

٢٠٨١٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: وجد لهما رحمة، ودخـلته فـيهما خشية، لـما رأى من ضعفهما، وغَلَبةِ الناس علـى الـماء دونهما، فقال لهما: ما خطبكما: أي ما شأنكما؟.

و قوله: قالَتا لا نَسْقـي حتـى يُصْدِرَ الرّعاءُ

يقول جلّ ثناؤه: قالت الـمرأتان لـموسى: لا نسقـي ماشيتنا حتـى يصدر الرعاء مواشِيَهم، لأنا لا نطيق أن نسقـي، وإنـما نسقـي مواشينا ما أفضلَتْ مواشي الرعاء فـي الـحوض، والرّعاء: جمع راع، والراعي جمعه رعاء ورُعاة ورعيان. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٨١٤ـ حدثنـي العباس ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ، قال: حدثنا القاسم، قال: ثنـي سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، قال: لـما قال موسى للـمرأتـين: ما خَطْبُكُما؟ قالَتا لا نَسْقِـي حتـى يُصْدِرَ الرّعاءُ وأبُونا شَيْخٌ كَبِـيرٌ: أي لا نستطيع أن نسقـي حتـى يسقـي الناس، ثم نَتّبع فضلاتهم.

٢٠٨١٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُريج، قوله: حتـى يُصْدِرَ الرّعاءُ قال: تنتظران تسقـيان من فضول ما فـي الـحياض حياض الرعاء.

٢٠٨١٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق قالَتا لا نَسْقِـي حتـى يُصْدرَ الرّعاءُ امرأتان لا نستطيع أن نزاحم الرجال وأبُونا شَيْخٌ كَبِـيرٌ لا يقدر أن يـمسّ ذلك من نفسه، ولا يسِقـي ماشيته، فنـحن ننتظر الناس حتـى إذا فرغوا أسقـينا ثم انصرفنا.

واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: حتـى يُصْدِرَ الرّعاءُ فقرأ ذلك عامة قرّاء الـحجاز سوى أبـي جعفر القارىء وعامة قرّاء العراق سوى أبـي عمرو: يُصْدِر الرّعاءُ بضم الـياء، وقرأ ذلك أبو جعفر وأبو عمرو بفتـح الـياء من يصدر الرعاء عن الـحوض. وأما الاَخرون فإنهم ضموا الـياء، بـمعنى: أصدر الرعاءُ مواشيهم، وهما عندي قراءتان متقاربتا الـمعنى، قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.

و قوله: وأبُونا شَيْخٌ كَبِـيرٌ يقولان: لا يستطيع من الكبر والضعف أن يسقَـى ماشيته.

و قوله: فَسَقـى لَهُما ذُكِرَ أنه علـيه السلام فتـح لهما عن رأس بئر كان علـيها حَجَر لا يطيق رفعه إلا جماعة من الناس، ثم استسقـى فسقـى لهما ماشيتهما منه. ذكر من قال ذلك:

٢٠٨١٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قال: فتـح لهما عن بئر حجرا علـى فـيها، فسقـى لهما منها.

٢٠٨١٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج بنـحوه، وزاد فـيه: قال ابن جريج: حجرا كان لا يطيقه إلاّ عشرة رَهْط.

٢٠٨١٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الـحجّاج، عن الـحكم، عن شريح، قال: انتهى إلـى حجر لا يرفعه إلا عشرة رجال، فرفعه وحده.

٢٠٨٢٠ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: رحمهما موسى حين قالَتا لا نَسْقـي حتـى يُصْدِرَ الرّعاءُ وأبُونا شَيْخٌ كَبِـيرٌ فأتـى إلـى البئر فـاقتلع صخرة علـى البئر كان النفر من أهل مَدْيَنَ يجتـمعون علـيها، حتـى يرفعوها، فسقـى لهما موسى دلوا فأروتا غنـمهما، فرجعتا سريعا، وكانتا إنـما تسقـيان من فُضول الـحياض.

٢٠٨٢١ـ حدثنـي العباس ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس فَسَقَـى لَهُما فجعل يغرف فـي الدلو ماء كثـيرا حتـى كانت أوّل الرعاء رِيا، فـانصرفتا إلـى أبـيهما بغنـمهما.

٢٠٨٢٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: تصدّق علـيهما نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فسقـى لهما، فلـم يـلبث أن أروى غنـمهما.

٢٠٨٢٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: أخذ دلوهُما موسى، ثم تقدّم إلـى السقاء بفضل قوّته، فزاحم القوم علـى الـماء حتـى أخّرهم عنه، ثم سقـى لهما.

٢٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَسَقَىَ لَهُمَا ثُمّ تَوَلّىَ إِلَى الظّلّ فَقَالَ رَبّ إِنّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ }.

يقول تعالـى ذكره: فسقـى موسى للـمرأتـين ماشيتهما، ثم تولـى إلـى ظلّ شجرة ذُكِر أنها سَمُرة. ذكر من قال ذلك:

٢٠٨٢٤ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ ثُمّ تَوّلـى موسى إلـى ظلّ شجرة سَمُرة، فقال: رَبّ إنّـي لِـمَا أنْزَلْتَ إلـيّ مِنْ خَيْرٍ فَقِـيرٌ.

٢٠٨٢٥ـ حدثنـي العباس ، قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ، قال: حدثنا القاسم، قال: ثنـي سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، قال: انصرف موسى إلـى شجرة، فـاستظلّ بظلّها، فقالَ: رَبّ إنّـي لِـمَا أنْزَلّتَ إلـيّ مِنْ خَيْرٍ فَقِـيرٌ.

٢٠٨٢٦ـ حدثنـي الـحسين بن عمرو العنقزي، قال: حدثنا أبـي، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن عمرو بن ميـمون، عن عبد اللّه ، قال: حثثت علـى جَمَلَ لـي لـيـلتـين حتـى صبحت مدين، فسألت عن الشجرة التـي أوى إلـيها موسى، فإذا شجرة خضراء تَرِفّ، فأهوى إلـيها جملـي وكان جائعا، فأخذها جملـي، فعالـجها ساعة، ثم لفظها، فدعوت اللّه لـموسى علـيه السلام، ثم انصرفت.

و قوله: فقالَ رَبّ إنّـي لِـمَا أنْزَلْتَ إلـيّ مِنْ خَيْرٍ فَقِـيرٌ مـحتاج. وذُكر أن نبـيّ اللّه موسى علـيه السلام قال هذا القول، وهو بجهد شديد، وعَرّض ذلك للـمرأتـين تعريضا لهما، لعلهما أن تُطعماه مـما به من شدّة الـجوع.

و

قـيـل: إن الـخير الذي قال نبـيّ اللّه إنّـي لِـما أنْزَلْتَ إلـيّ مِنْ خَيْرٍ فَقِـيرٌ مـحتاج، إنّـمَا عنى به: شَبْعَةً من طعام. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٨٢٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، عن ابن عباس ، قال: لـما هرب موسى من فرعون أصابه جوع شديد، حتـى كانت تُرَى أمعاؤه من ظاهر الصّفـاق فلـما سقـى للـمرأتـين، وأوى إلـى الظلّ، قال: رَبّ إنّـي لِـمَا أنْزَلْتَ إلـيّ مِنْ خَيْرٍ فَقِـيرٌ.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، قال: حدثنا عنبسة، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عباس ، فـي قوله: وَلـمّا وَرَد ماءَ مَدْيَنَ قال: ورد الـماء وإنه لـيتراءَى خُضرةُ البقل فـي بطنه من الهُزال، فقال رَبّ إنّـي لِـمَا أنْزَلْتَ إلـيّ مِنْ خَيْرٍ فَقِـيرٌ قال: شَبْعة.

حدثنـي نصر بن عبد الرحمن الأَوْدِيّ، قال: حدثنا حَكّام بن سلـم، عن عنبسة، عن أبـي حُصَين، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، فـي قوله: وَلـمّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ قال: ورد الـماء، وإنّ خُضرة البقل لُترى فـي بطنه من الهُزال.

٢٠٨٢٨ـ حدثنـي نصر بن عبد الرحمن، قال: حدثنا حكام بن سَلْـم، عن عنبسة، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جُبَـير إنّـي لِـمَا أنْزَلْتَ إلـى مِنْ خَيْرٍ فَقِـيرٌ قال: شَبْعَة يومئذٍ.

٢٠٨٢٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان عن منصور، عن إبراهيـم، فـي قوله، فقال: رَبّ إنّـي لِـمَا أنْزَلْتَ إلـيّ مِنْ خَيْرٍ فَقِـيرٌ قال: قال هذا وما معه درهم ولا دينار.

٢٠٨٣٠ـ قال: ثنا سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد إنّـي لِـمَا أنْزَلْتَ إلـيّ مِنْ خَيْرٍ فَقِـيرٌ قال: ما سأل إلا الطّعام.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سَلَـمة بن الفضل، عن سفـيان الثوريّ، عن لـيث، عن مـجاهد ، فـي قوله فقال: رَبّ إنّـي لِـمَا أنْزَلْتَ إلـيّ مِنْ خَيْرٍ فَقِـيرٌ قال: ما سأل ربه إلا الطعام.

حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ قالَ رَبّ إنـيّ لِـمَا أنْزَلْتَ إلـيّ مِنْ خَيْرٍ فَقِـيرٌ قال: قال ابن عباس : لقد قال موسى: ولو شاء إنسان أن ينظر إلـى خُضرة أمعائه من شدة الـجوع، وما يسأل اللّه إلا أَكْلة.

٢٠٨٣١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: رَبّ إنّـي لِـمَا أنْزَلْتَ إلـيّ مِنْ خَيْرٍ فَقِـيرٌ قال: كان نبـيّ اللّه بجهد.

٢٠٨٣٢ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَـية، عن عطاء بن السائب فـي قوله: إنّـي لِـمَا أنْزَلْتَ إلـيّ مِنْ خَيْرٍ فَقِـيرٌ قال: بلغنـي أن موسى قالها وأسمع الـمرأة.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنـي أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: مِنْ خَيْرٍ فَقِـيرٌ قال: طعام.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد مِنْ خَيْرٍ فَقِـيرٌ قال: طعام.

٢٠٨٣٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: إنّـي لِـمَا أنْزَلْتَ إلـيّ مِنْ خَيْرٍ فَقِـيرٌ قال: الطعامَ يَسْتَطْعِم، لـم يكن معه طعام، وإنـما سأل الطعام.

٢٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَآءٍ ...}.

يقول تعالـى ذكره: فجاءت موسى إحدى الـمرأتـين اللتـين سَقَـى لهما تـمشي علـى استـحياء من موسى، قد سترت وجهها بثوبها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٨٣٤ـ حدثنا أبو السائب والفضل بن الصبـاح، قالا: حدثنا ابن فضيـل، عن ضرار بن عبد اللّه بن أبـي الهُذَيـل، عن عمر بن الـخطاب رضي اللّه عنه، فـي قوله: فَجاءَتْهُ إحْدَاهُما تَـمْشِي عَلـى اسْتِـحْياءٍ قال: مستترة بكمّ درعها، أو بكمّ قميصها.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن حماد بن عمرو الأسدي، عن أبـي سِنان، عن ابن أبـي الهُذَيـل عن عمر رضي اللّه عنه، قال: واضعة يدها علـى وجهها مستترة.

٢٠٨٣٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن نَوْف فَجاءَتْهُ إحْداهُما تَـمْشِي عَلـى اسْتِـحْياءٍ قال: قد سترت وجهها بـيديها.

قال: ثنا يحيى، عن سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن نَوف بنـحوه.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن نَوْف فَجاءَتْهُ إحْدَاهُما تَـمْشِي عَلـى اسْتِـحْياءٍ قال: قائلة بـيديها علـى وجهها، ووضع أبـي يده علـى وجهه.

٢٠٨٣٦ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن عَمرو بن ميـمون فَجاءَتْهُ إحْدَاهُما تَـمْشِي عَلـى اسْتِـحْياءٍ قال: لـيست بِسَلْفَع من النساء خرّاجة ولاجة واضعة ثوبها علـى وجهها. تقول إنّ أبـي يَدْعُوكَ لِـيَجْزِيَكَ أجْرَ ما سَقِـيتَ لَنا.

٢٠٨٣٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن عمرو بن ميـمون، عن عمر بن الـخطّاب رضي اللّه عنه فَجاءَتْهُ إحْدَاهُما تَـمْشِي عَلـى اسْتِـحْياءٍ قال: لـم تكن سلفعا من النساء خَرّاجة ولاجّة، قائلة بـيدها علـى وجهها إنّ أبـي يَدْعُوكَ لِـيَجْزِيَكَ أجّرَ ما سَقَـيْتَ لنَا.

٢٠٨٣٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، قال: حدثنا قُرّة بن خالد، قال: سمعت الـحسن يقول، فـي قوله: فَجاءَتْهُ إحْداهُما تَـمْشِي عَلـى اسْتِـحْياءٍ قال: بعيدة من البَذَاء.

٢٠٨٣٩ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ تَـمْشِي عَلـى اسْتِـحْياءٍ قال: أتته تـمشي علـى استـحياء منه.

٢٠٨٤٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق فَجاءَتْهُ إحْداهُما تَـمْشِي عَلـى اسْتِـحْياءٍ قال: واضعة يدها علـى جبـينها.

و قوله: قالَتْ إن أبـي يَدْعُوكَ لِـيَجْزِيكَ أجْرَ ما سَقَـيْتَ لنَا

يقول تعالـى ذكره: قالت الـمرأة التـي جاءت موسى تـمشي علـى استـحياء: إن أبـي يدعوك لـيجزيك: تقول: يثـيبَك أجر ما سقـيت لنا.

و قوله: فَلَـمّا جاءَهُ وَقَصّ عَلَـيْهِ القَصَصَ يقول: فمضى موسى معها إلـى أبـيها، فلـما جاء أبـاها وقصّ علـيه قصصه مع فرعون وقومه من القبط، قال له أبوها: لا تَـخَفْ فقد نَـجَوْتَ مِنَ القَوْمِ الظالِـمِينَ يعني : من فرعون وقومه، لأنه لا سلطان له بأرضنا التـي أتو بها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٨٤١ـ حدثنـي العباس ، قال: أخبرنا يزيد، قال: حدثنا الأصبغ، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا سعيد بن جُبَـير عن ابن عباس ، قال: استنكر أبو الـجاريتـين سُرعة صدورهما بغنـمهما حُفّلاً بطانا، فقال: إن لكما الـيوم لشأنا.

قال أبو جعفر: أحسبه قال: فأخبرتاه الـخبر فلـما أتاه موسى كلّـمه، قالَ لا تَـخَفْ نَـجَوْتَ مِن القَوْمِ الظّالِـمِينَ لـيس لفرعون ولا لقومه علـينا سلطان، ولسنا فـي مـملكته.

٢٠٨٤٢ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: لـما رجعت الـجاريتان إلـى أبـيهما سريعا سألهما، فأخبرتاه خبر موسى، فأرسل إلـيه إحداهما، فأتته تـمشي علـى استـحياء، وهو يستـحي منه قالَتْ إنّ أبـي يَدْعُوكَ لِـيَجْزِيكَ أجْرَ ما سَقَـيْتَ لنَا فقام معها وقال لها: امضي، فمشت بـين يديه، فضربتها الريح، فنظر إلـى عجيزتها، فقال لها موسى: امشي خـلفـي، ودُلـينـي علـى الطريق إن أخطأت. فلـما جاء الشيخ وقصّ علـيه القصص قالَ لا تَـخَفْ نَـجَوْتَ مِنَ القَوْم الظّالِـمِينَ.

٢٠٨٤٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَجاءَتْهُ إحْدَاهُما تَـمْشِي عَلـى اسْتِـحْياءٍ قالَتْ إنّ أبـي يَدْعُوكَ لِـيَجْزِيكَ أجْرَ مَا سَقَـيْتَ لنَا قال: قال مُطَرّف: أما واللّه لو كان عند نبـيّ اللّه شيء ما تتبع مذقـيهما، ولكن إنـما حمله علـى ذلك الـجَهْد فَلَـمّا جاءَهُ وَقَصّ عَلَـيْهِ القَصَصَ قالَ لاَ تَـخْفْ نَـجَوْتَ مِنَ القَوْمِ الظّالِـمِينَ.

٢٠٨٤٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: رجعتا إلـى أبـيهما فـي ساعة كانتا لا ترجعان فـيها، فأنكر شأنهما، فسألهما فأخبرتاه الـخبر، فقال لإحداهما: عَجّلـي علـيّ به، فأتته علـى استـحياء فجاءته، فقالت إنّ أبـي يَدْعُوكَ لِـيَجْزِيكَ أجْرَ ما سَقَـيْتَ لنَا فقام معها كما ذُكِرَ لـي، فقال لها: امشي خـلفـي، وانعتـي لـي الطريق، وأنا أمشي أمامك، فإنا لا ننظر إلـى أدبـار النساء فلـما جاءه أخبره الـخبر، وما أخرجه من بلاده فَلَـمّا قَص عَلَـيْهِ القَصَصَ قالَ لا تَـخَفّ نَـجَوْتَ مِنَ القَومِ الظّالِـمِينَ وقد أخبرت أبـاها بقوله إنّا لا ننظر إلـى أدبـار النساء.

٢٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيّ الأمِينُ }.

يقول تعالـى ذكره: قالت إحدى الـمرأتـين اللتـين سقـى لهما موسى لأبـيها حين أتاهُ موسى، وكان اسم إحداهما صَفّورا، واسم الأخرى لَـيّا، و

قـيـل: شَرْفـا كذلك.

٢٠٨٤٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاجِ، عن ابن جُرَيج، قال: أخبرنـي وهب بن سلـيـمان الرمادي، عن شعيب الـجَبَئِي، قال: اسم الـجاريتـين لَـيّا، وصَفّورا، وامرأة موسى صفورا ابنة يثرون كاهن مدين، والكاهن: حبر.

٢٠٨٤٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: إحداهما صَفّورا ابنة يثرون وأختها شرفـا، ويقال: لـيا، وهما اللتان كانتا تذودان.

وأما أبوهما ففـي اسمه اختلاف، فقال بعضهم: كان اسمه يثرون. ذكر من قال ذلك:

٢٠٨٤٧ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمر بن مرّة، عن أبـي عُبـيدة، قال: كان الذي استأجر موسى ابنُ أخي شعيب يثرون.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبـي عُبـيدة، قال: الذي استأجر موسى يثرون ابنُ أخي شعيب علـيه السلام.

وقال آخرون: بل اسمه: يَثَرى. ذكر من قال ذلك:

٢٠٨٤٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا العلاء بن عبد الـجبـار، عن حماد بن سلـمة، عن أبـي حمزة، عن ابن عباس قال: الذي استأجر موسى: يثرى صاحب مدين.

حدثنـي أبو العالـية العبديّ إسماعيـل بن الهيثم، قال: حدثنا أبو قُتـيبة، عن حماد بن سلـمة، عن أبـي حمزة، عن ابن عباس ، قال: الذي استأجر موسى: يثرى صاحب مدين.

حدثنـي أبو العالـية العبديّ إسماعيـل بن الهيثم، قال: حدثنا أبو قُتـيبة، عن حماد بن سلـمة، عن أبـي حمزة، عن ابن عباس ، قال: اسم أبـي الـمرأة: يثرى.

وقال آخرون: بل اسمه شعيب، وقالوا: هو شعيب النبي صلى اللّه عليه وسلم . ذكر من قال ذلك:

٢٠٨٤٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا قرّة بن خالد، قال: سمعت الـحسن يقول: يقولون شعيب صاحب موسى، ولكنه سيد أهل الـماء يومئذٍ.

قال أبو جعفر: وهذا مـما لا يُدرك علـمه إلا بخبر، ولا خبر بذلك تـجب حجته، فلا قول فـي ذلك أولـى بـالصواب مـما قاله اللّه جل ثناؤه وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرأتَـيْنِ تَذُودَانِ... قالَتْ إحْداهُما: يا أبَتِ اسْتَأَجِرْهُ تعنـي بقوله ا: استأجره لـيرعى علـيك ماشيتك إنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيّ الأمِينٌ تقول: إن خير من تستأجره للرعي القويّ علـى حفظ ماشيتك والقـيام علـيها فـي إصلاحها وصلاحها، الأمين الذي لا تـخاف خيانته، فـيـما تأمنه علـيه. و

قـيـل: إنها لـما قالت ذلك لأبـيها، استنكر أبوها ذلك من وصفها إياه فقال لها: وما علـمك بذلك، فقالت: أما قوّته فما رأيت من علاجه ما عالـج عند السقـي علـى البئر، وأما الأمانة فما رأيت من غضّ البصر عنـي. وبنـحو ذلك جاءت الأخبـار عن أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٨٥٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد، عن القاسم بن أبـي أيوب، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، قال: قالَتْ إحْداهُما يا أبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيّ الأَمِينُ قال: فأحفظته الغَيْرة أن قال: وما يدريك ما قوّته وأمانته؟ قالت: أما قوّته، فما رأيت منه حين سقـى لنا، لـم أر رجلاً قطّ أقوى فـي ذلك السقـي منه وأما أمانته، فإنه نظر حين أقبلت إلـيه وشخصت له، فلـما علـم أنـي امرأة صوّب رأسه فلـم يرفعه، ولـم ينظر إلـيّ حتـى بلغته رسالتك، ثم قال: امشي خـلفـي وانعتـي لـي الطريق، ولـم يفعل ذلك إلا وهو أمين، فَسُرّيَ عن أبـيها وصدّقها وظنّ به الذي قالت.

٢٠٨٥١ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله لـموسى إنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيّ الأمِينُ يقول: أمين فـيـما وَلِـيَ، أمين علـى ما استُودع.

٢٠٨٥٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: قالَتْ إحْدَاهُما يا أبَتِ اسْتَأَجِرْهُ إنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأجرْتَ القَويّ الأمِينُ قال: إن موسى لـمّا سَقَـى لَهما، ورأت قوّته، وحرّك حجَرا علـى الركِيّة، لـم يستطعه ثلاثون رجلاً، فأزاله عن الركية، وانطلق مع الـجارية حين دعته، فقال لها: امشي خـلفـي وأنا أمامك، كراهية أن يرى شيئا من خـلفها مـما حرّم اللّه أن ينظر إلـيه، وكان يوما فـيه ريح.

٢٠٨٥٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن عبد الرحمن بن أبـي نعم، فـي قوله: يا أبَتِ اسْتأجِرْهُ إنّ خَيْرَ مَنِ اسْتأجَرْتَ القَوِيّ الأمِينُ قال لها أبوها: ما رأيت من أمانته؟ قالت: لـما دعوته مشيت بـين يديه، فجعلت الريح تضرب ثـيابـي، فتلزق بجسدي، فقال: كونـي خـلفـي، فإذا بلغت الطريق فـاذهبـي، قالت: ورأيته يـملأ الـحوض بسَجْلٍ واحد.

٢٠٨٥٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: القَوِيّ الأمِينُ قال: غضّ طرفه عنهما. قال مـحمد بن عمرو فـي حديثه: حين، أو حتـى سقـى لهما فصدرتا. وقال الـحارث فـي حديثه: حتـى سقـى بغير شك.

٢٠٨٥٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قال: فتـح عن بئر حجرا علـى فـيها، فسقـى لهما بها، والأمين: أنه غضّ بصره عنهما حين سقـى لهما فصدرتا.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر وهانىء بن سعيد، عن الـحجاج، عن القاسم، عن مـجاهد إنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجْرَتَ القَوِيّ الأمِينُ قال: رفع حجرا لا يرفعه إلا فِئام من الناس.

٢٠٨٥٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، قال عمرو بن ميـمون، فـي قوله القَوِيّ الأمِينُ قال: كان يوم ريح، فقال: لا تـمشي أمامي، فـيصفك الريح لـي، ولكن امشي خـلفـي ودلّـينـي علـى الطريق قال: فقال لها: كيف عرفت قوّته؟ قالت: كان الـحجر لا يطيقه إلا عشرة فرفعه وحده.

٢٠٨٥٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي أبو معاوية، عن الـحجاج بن أرطاة، عن الـحكم، عن شريح فـي قوله: القَوِيّ الأَمِينُ قال: أما قوّته: فـانتهى إلـى حجر لا يرفعه إلا عشرة، فرفعه وحده. وأما أمانته: فإنها مشت أمامه فوصفها الريح، فقال لها: امشي خـلفـي وصفـي لـي الطريق.

٢٠٨٥٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو معاوية، عن عمرو، عن زائدة، عن الأعمش، قال: سألت تـميـم بن إبراهيـم: بـم عرفت أمانته؟ قال: فـي طرفه، بغضّ طرفه عنها.

٢٠٨٥٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إنّ خَيْرَ مَنِ اسْتأْجَرْتَ القَوِيّ الأَمِينُ قال: القويّ فـي الصنعة، الأمين فـيـما وَلِـي. قال: وذُكر لنا أن الذي رأت من قوّته: أنه لـم تلبث ماشيتها حتـى أرْواها وأن الأمانة التـي رأت منه أنها حِين جاءت تدعوه، قال لها: كونـي ورائي، وكره أن يستدبرها، فذلك ما رأت من قوّته وأمانته.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة ، قوله: يا أبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنّ خَيْرَ مَنِ اسْتأْجَرْتَ القَوِيّ الأَمِينُ قال: بلغنا أن قوته كانت سرعة ما أروى غنـمهما. وبلغنا أنه ملأ الـحوض بدلو واحد. وأما أمانته فإنه أمرها أن تـمشي خـلفه.

٢٠٨٦٠ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: قالَتْ إحْداهُما: يا أبَتِ اسْتَأْجْرِهُ إنّ خَيْرَ مَنِ اسْتأْجَرْتَ القَوِيّ الأمِينُ وهي الـجارية التـي دعته، قال الشيخ: هذه القوّة قد رأيت حين اقتلع الصخرة، أرأيت أمانته، ما يدريك ما هي؟ قالت: مشيت قدّامه فلـم يحبّ أن يخوننـي فـي نفسي، فأمرنـي أن أمشي خـلفه.

٢٠٨٦١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: قالَتْ إحْدَاهُما: يا أبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنّ خَيْرَ مَنِ اسْتأْجَرْتَ القَوِي الأميِنُ فقال لها: وما عِلْـمك بقوته وأمانته، فقالت: أما قوّته فإنه كشف الصخرة التـي علـى بئر آل فلان، وكان لا يكشفها دون سبعة نفر. وأما أمانته فإنـي لـما جئت أدعوه قال: كونـي خَـلْفَ ظهري، وأشيري لـي إلـى منزلك، فعرفت أن ذلك منه أمانة.

٢٠٨٦٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق قالَتْ يا أبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيّ الأمِينُ لـما رأت من قوّته وقوله لها ما قال: أَنِ امشي خـلفـي، لئلا يرى منها شيئا مـما يكره، فزاده ذلك فـيه رغبة.

٢٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ إِنّيَ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيّ هَاتَيْنِ عَلَىَ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ...}.

يقول تعالـى ذكره: قالَ أبو الـمرأتـين اللتـين سقـى لهما موسى لـموسى: إنّـي أُرِيدُ أنْ أُنْكِحَكَ إحْدَى ابْنَتـيّ هاتَـيْنِ عَلـى أنْ تَأْجُرَنِـي ثَمَانِـيَ حِجَجٍ يعني ب قوله: عَلـى أن تَأْجُرَنِـي: علـى أن تثـيبنـي من تزويجها رعي ماشيتـي ثمانـي حِجَج، من قول الناس: آجرك اللّه فهو يَأجُرُك، بـمعنى: أثابك اللّه والعرب تقول: أَجَرت الأجير آجُره، بـمعنى: أعطيته ذلك، كما يقال: أخذته فأنا آخذه. وحكى بعض أهل العربـية من أهل البصرة أن لغة العرب: أجَرْت غلامي فهو مأجور، وآجرته فهو مُؤْجَر، يريد: أفعلته. قال: وقال بعضهم: آجره فهو مؤاجِرِ، أراد فـاعلته وكأن أبـاها عندي جعل صداق ابنته التـي زوّجها موسى رَعْي موسى علـيه ماشيته ثمانـيَ حجج، والـحِجَج: السنون.

و قوله: فإنْ أتـمَـمْتَ عَشْرا فَمِنْ عِنْدِكَ يقول: فإن أتـمـمت الثمانـي الـحجج عشرا التـي شرطتها علـيك بإنكاحي إياك أحدى ابنتـيّ، فجعلتها عشر حجج، فإحسان من عندك، ولـيس مـما اشترطته علـيك بسبب تزويجك ابنتـي وَما أُرِيدُ أنْ أشُقّ عَلَـيْكَ بـاشتراط الثمانـي الـحِجَج عَشْرا علـيك سَتَـجِدُنِـي إنْ شاءَ اللّه مِنَ الصّالِـحِينَ فـي الوفـاء بـما قلت لك. كما:

٢٠٨٦٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق سَتَـجِدُنِـي إنْ شاءَ اللّه مِنَ الصّالِـحِينَ أي فـي حُسن الصحبة والوفـاء بـما قلت.

٢٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيّمَا الأجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيّ وَاللّه عَلَىَ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }.

يقول تعالـى ذكره: قالَ وموسى لأبـي الـمرأتـين ذلكَ بَـيْنِـي وَبَـيْنَكَ أي هذا الذي قلت من أنك تزوّجنـي أحدى ابنتـيك علـى أن آجرك ثمانـي حِجَج، واجب بـينـي وبـينك، علـى كل واحد منا الوفـاء لصاحبه بـما أوجب له علـى نفسه.

و قوله: أيّـمَا الأجَلَـيْنِ قَضَيْتُ يقول: أيّ الأجلـين من الثمانـي الـحجج والعشر الـحجج قضيت، يقول: فرغت منها فوفـيتكها رعى غنـمك وماشيتك فَلا عُدْوَانَ عَلـيّ يقول: فلـيس لك أن تعتدي علـيّ، فتطالبنـي بأكثر منه، و(ما) فـي قوله: أيّـمَا الأجَلَـيْنِ صلة يوصل بها أيّ علـى الدوام، وزعم أهل العربـية أن هذا أكثر فـي كلام العرب من أيّ، وأنشد قول الشاعر:

وأيّهُما ما أتْبَعَنّ فإنّنِـيحَرِيصٌ عَلـى أثْرِ الّذِي أنا تابِعُ

وقال عباس بن مِرداس:

فَأَيّـي ما وأيّكَ كانَ شَرّافَقِـيدَ إلـى الـمَقامَةِ لا يَرَاها

و قوله: وَاللّه عَلـى ما نَقُولُ وَكِيـلٌ كان ابن إسحاق يرى هذا القول من أبـي الـمرأتـين.

٢٠٨٦٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: قال موسى ذلكَ بَـيْنـي وبَـيْنَكَ أيّـمَا الأَجَلَـيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلـيّ قال: نعم. واللّه عَلـى ما نَقُولُ وَكِيـلٌ فزوّجه، وأقام معه يكفـيه، ويعمل له فـي رعاية غنـمه، وما يحتاج إلـيه منه، وزوجة موسى صفورا أو أختها: شرفـا أو لَـيّا.

٢٠٨٦٥ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: قال ابن عباس الـجارية التـي دعته هي التـي تزوّج.

٢٠٨٦٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قال له إنّـي أُرِيدُ أنْ أُنْكِحَكَ إحْدَى ابْنَتـيّ هاتَـيْنِ عَلـى أنْ تَأْجُرَنِـي... إلـى آخر الاَية، قال: وأيتهما تريدأن تنكحنـي؟ قال: التـي دعتك، قال: لا. ألا وهي بريئة مـما دخـل نفسك علـيها، فقال: هي عندك كذلك، فزوّجه. وبنـحو الذي قلنا فـي قوله: أيّـمَا الأَجَلَـيْنِ قَضَيْتُ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٨٦٧ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: قالَ ذلكَ بَـيْنِـي وَبَـيْنَكَ أيّـمَا الأجَلَـيْنِ قَضَيْتُ إما ثمانـيا، وإما عشرا.

٢٠٨٦٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي ابن لهيعة، عن عمارة بن غزية، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن مـحمد، وسأله رجل قال أيّـمَا الأَجَلَـيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلـيّ قال: فقال القاسم: ما أبـالـي أيّ ذلك كان، إنـما هو موعد وقضاء.

و قوله: وَاللّه عَلـى ما نَقُولُ وَكِيـلٌ يقول: واللّه علـى ما أوجب كلّ واحد منا لصاحبه علـى نفسه بهذا القول، شهيد وحفـيظ. كالذي.

٢٠٨٦٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد وَاللّه عَلـى ما نَقُولُ وَكِيـلٌ قال: شهيد علـى قول موسى وخَتَنه. وذكر أن موسى وصاحبه لـما تعاقدا بـينهما هذا العقد، أمر إحدى ابنتـيه أن تعطِيَ موسى عصا من العصيّ التـي تكون مع الرعاة، فأعطته إياه، فذكر بعضهم أنها العصا التـي جعلها اللّه له آية. وقال بعضهم تلك عصا أعطاه إياها جبريـل علـيه السلام. ذكر من قال ذلك:

٢٠٨٧٠ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: أمر يعني أبـا الـمرأتـين إحدى ابنتـيه أن تأتـيه، يعني أن تأتـيَ موسى بعصا، فأتته بعصا، وكانت تلك العصا عصا استودعها إياه مَلَك فـي صورة رجل، فدفعها إلـيه، فدخـلت الـجارية، فأخذت العصا، فأتته بها فلـما رآها الشيخ قال: لا، ائتـيه بغيرها، فألقتها تريد أن تأخذ غيرها، فلا يقع فـي يدها إلاّ هي، وجعل يردّدها، وكل ذلك لا يخرج فـي يدها غيرها فلـما رأى ذلك عمد إلـيها، فأخرجها معه، فَرعَى بها. ثم إن الشيخ ندم وقال: كانت وديعة، فخرج يتلقـى موسى، فلـما لقـيه قال: أعطنـي العصا، فقال موسى: هي عَصَاي، فأبى أن يعطيه، فـاختصما، فرضيا أن يجعلا بـينهما أوّل رجل يـلقاهما، فأتاهما ملك يـمشي، فقال: ضعوها فـي الأرض، فمن حملها فهي له، فعالـجها الشيخ فلـم يطقها، وأخذ موسى بـيده فرفعها، فتركها له الشيخ، فرعَى له عشر سنـين. قال عبد اللّه بن عباس . كان موسى أحقّ بـالوفـاء.

٢٠٨٧١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: قال يعني أبـا الـجارية لـما زوّجها لـموسى: أدخـل ذلك البـيت فخذ عصا، فتوكأ علـيها، فدخـل، فلـما وقـف علـى بـاب البـيت، طارت إلـيه تلك العصا، فأخذها، فقال: اردُدها وخذ أخرى مكانها، قال: فردّها، ثم ذهب لـيأخذ أخرى، فطارت إلـيه كما هي، فقال: لا أردها، فعل ذلك ثلاثا، فقال: ارددها، فقال: لا أجد غيرها الـيوم، فـالتفت إلـى ابنته، فقال لابنته: إن زوجك لنبـيّ. ذكر من قال التـي كانت آيةً عصا أعطاها موسى جبرائيـل علـيه السلام:

٢٠٨٧٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر، قال: سألت عكرِمة قال: أما عصا موسى، فإنها خرج بها آدم من الـجنة، ثم قبضها بعد ذلك جبرائيـل علـيه السلام، فلقـي موسى بها لـيلاً، فدفعها إلـيه.

٢٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا قَضَىَ مُوسَى الأجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطّورِ نَاراً ...}.

يقول تعالـى ذكره: فلـما وفّـى موسى صاحبه الأجل الذي فـارقه علـيه، عند إنكاحه إياه ابنته، وذكر أن الذي وفّـاه من الأجلـين، أتـمهما وأكملهما، وذلك العشر الـحجج، علـى أن بعض أهل العلـم قد روى عنه أنه قال: زاد مع العشر عَشْرا أخرى. ذكر من قال: الذي قضى من ذلك هو الـحِجَج العَشْر:

٢٠٨٧٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، قال: سألت ابن عباس : أيّ الأجلـين قضى موسى؟ قال: خيرهما وأوفـاهما.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس سئل: أيّ الأجلـين قضى موسى؟ قال: أتـمهما وأخيَرَهما.

حدثنـي مـحمد بن عمارة، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، قال: حدثنا موسى بن عُبـيدة، عن أخيه، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، قال: قضى موسى آخر الأجلـين.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عبـيدة، عن الـحكم بن أبـان، عن عكرِمة، سئل ابن عباس : أيّ الأجلـين قضى موسى؟ قال: أتـمهما وأوفـاهما.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: ثنـي ابن إسحاق، عن حكيـم بن جُبَـير، عن سعيد بن جبـير، قال: قال يهودي بـالكوفة وأنا أتـجهّز للـحجّ: إنـي أراك رجلاً تتتبع العلـم، أخبرنـي أيّ الأجلـين قضى موسى؟ قلت: لا أعلـم، وأنا الاَن قادم علـى حَبْر العرب، يعني ابن عباس ، فسائله عن ذلك فلـما قدِمت مكة سألت ابن عباس عن ذلك وأخبرته بقول الـيهوديّ، فقال ابن عباس : قضى أكثرهما وأطيبهما، إن النبي إذا وعد لـم يخـلِف، قال سعيد: فقدمت العراق فلقـيت الـيهودي، فأخبرته، فقال: صدق، وما أنزل علـى موسى هذا، واللّه العالـم.

قال: ثنا يزيد، قال: حدثنا الأصبغ بن زيد، عن القاسم بن أبـي أيوب، عن سعيد بن جُبَـير، قال: سألنـي رجل من أهل النصرانـية: أيّ الأجلـين قضى موسى؟ قلت: لا أعلـم، وأنا يومئذٍ لا أعلـم، فلقـيت ابن عباس ، فذكرت له الذي سألنـي عنه النصرانـي، فقال: أما كنت تعلـم أن ثمانـيا واجب علـيه، لـم يكن نبـيّ اللّه نقص منها شيئا، وتعلـم أن اللّه كان قاضيا عن موسى عِدَته التـي وعده، فإنه قضى عشر سنـين.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَلَـمّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ قال: حدّث ابن عباس ، قال: رعى علـيه نبـيّ اللّه أكثرها وأطيبها.

٢٠٨٧٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أبـي معشر، عن مـحمد بن كعب القُرَظيّ، قال: سُئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : أيّ الأجلـين قضى موسى؟ قال: (أوْفـاهُما وأتَـمّهُما) .

٢٠٨٧٥ـ حدثنا أحمد بن مـحمد الطوسي، قال: حدثنا الـحميدي أبو بكر بن عبد اللّه بن الزّبـير، قال: حدثنا سفـيان، قال: ثنـي إبراهيـم بن يحيى بن أبـي يعقوب، عن الـحكم بن أبـان، عن عكرِمة، عن ابن عباس ، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (سألْتُ جَبْرَائِيـلَ: أيّ الأَجَلَـيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قال: أتَـمّهُما وأكمَلَهُما) .

٢٠٨٧٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال مـجاهد : إن النبي صلى اللّه عليه وسلم سأل جبرائيـل: (أيّ الأَجَلَـيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قال سَوْفَ أسأَلُ إسْرَافِـيـلَ، فَسألَهُ فَقالَ: سَوْفَ أسأَلُ اللّه تَبـارَكَ وَتَعالـى، فَسأَلَهُ، فَقالَ: أبَرّهُما وأوْفـاهُما) . ذكر من قال: قضى العَشْر الـحِجَج وزاد علـى العشْر عشرا أخرى:

٢٠٨٧٧ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: فَلَـمّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ قال: عشر سنـين، ثم مكث بعد ذلك عشرا أخرى.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد قَضَى موسَى الأجَلَ عشر سنـين، ثم مكث بعد ذلك عشرا أخرى.

٢٠٨٧٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا معاذ بن هشام، قال: حدثنا أبـي، عن قتادة ، قال: حدثنا أنس، قال: لـما دعا نبـيّ اللّه موسى صاحبه إلـى الأجل الذي كان بـينهما، قال له صاحبه: كلّ شاة ولدت علـى غير لونها فلك ولد، فعمد، فرفع خيالاً علـى الـماء، فلـما رأت الـخيال، فزعت، فجالت جولة فولدن كلهنّ بُلقا، إلاّ شاة واحدة، فذهب بأولادهنّ ذلك العام.

و قوله: وَسارَ بأهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطورِ نارا

يقول تعالـى ذكره: فَلَـمّا قَضَى موسَى الأجَلَ وَسَارَ بِأهْلِهِ شاخصا بهم إلـى منزله من مصر آنَسَ مِنْ جانِبِ الطّورِ يعني ب قوله: آنس: أبصر وأحسّ كما قال العجّاج:

آنَسَ خِرْبـانَ فَضَاءٍ فـانْكَدَرْدَانَى جَناحَيْهِ مِنَ الطّورِ فَمَرّ

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. وقد ذكرناالرواية بذلك فـيـما مضى قبل، غير أنا نذكر ههنا بعض ما لـم نذكر قبل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٨٧٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة آنَسَ مِنْ جانِبِ الطّورِ نارا قالَ لأَهْلِهِ: امْكُثُوا إنّـي آنَسْتُ نارا: أي أحسست نارا.

وقد بـيّنا معنى الطور فـيـما مضى بشواهده، وما فـيه من الرواية عن أهل التأويـل.

و قوله: لأَهْلِهِ امْكُثُوا إنّـي آنَسْتُ نارا يقول: قال موسى لأهله: تـمهّلوا وانتظروا: إنّـي أبصرت نارا لَعَلّـي آتِـيكُمْ مِنْها يعني من النار بِخَبرٍ أو جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ يقول: أو آتـيكم بقطعة غلـيظة من الـحطب فـيها النار، وهي مثل الـجِذْمة من أصل الشجرة ومنه قول ابن مقبل:

بـاتَتْ حَوَاطِبُ لَـيْـلَـى يَـلْتَـمِسْنَ لَهَاجَزْلَ الـجِذَا غيرَ خَوّارٍ وَلا دَعِرِ

وفـي الـجِذوة لغات للعرب ثلاث: جِذوة بكسر الـجيـم، وبها قرأت قرّاء الـحجاز والبصرة وبعض أهل الكوفة، وهي أشهر اللغات الثلاث فـيها: وجَذوة بفتـج الـجيـم، وبها قرأ أيضا بعض قرّاء الكوفة. وهذه اللغات الثلاث وإن كنّ مشهورات فـي كلام العرب، فـالقراءة بأشهرها أعجب إلـيّ، وإن لـم أنكر قراءة من قرأ بغير الأشهر منهنّ. وبنـحو الذي قلنا فـي معنى الـجَذوة قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٨٨٠ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية عن علـي، عن ابن عباس ، قوله أوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ يقول شهاب.

٢٠٨٨١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة أوْ جَذْوَةٍ والـجذوة: أصل شجرة فـيها نار.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة ، قوله إنّـي آنَسْتُ نارا لَعَلّـي آتِـيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ قال: أصل الشجرة فـي طَرَفها النار، فذلك قوله أوْ جَذْوَةٍ قال: السّعف فـيه النار. قال مَعْمر، وقال قتادة أوْ جَذْوَةٍ: أو شُعلة من النار.

٢٠٨٨٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله أوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ قال: أصل شجرة.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد أوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ قال: أصل شجرة.

٢٠٨٨٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله أوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ قال: الـجَذوة: العود من الـحطب الذي فـيه النار، ذلك الـجذوة.

و قوله: لَعَلّكُمْ تَصْطَلُونَ يقول: لعلكم تسخَنون بها من البرد، وكان فـي شتاء.

٣٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ الْوَادِي الأيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشّجَرَةِ أَن يَمُوسَىَ إِنّيَ أَنَا اللّه رَبّ الْعَالَمِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: فلـما أتـى موسى النارَ التـي آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطّورِ نُودِيَ مِنْ شَاطِىء الْوَادِ الأَيـمَنِ يعني بـالشاطىء: الشطّ، وهو جانب الوادي وعدوته، والشاطىء يجمع شواطىء وشطآن. والشطّ: الشُطوطَ. والأيـمن: نعت من الشاطىء عن يـمين موسى. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٨٨٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله مِنْ شاطِىءِ الوَادِ الأيـمَنِ قال ابن عمرو فـي حديثه عند الطور. وقال الـحارث فـي حديثه من شاطىء الوادي الأيـمن عند الطور عن يـمين موسى.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد فَلَـمّا أتاها نُودِيَ مِنْ شاطِىءِ الوَادِ الأيـمَنِ قال: شِقّ الوادي عن يـمين موسى عند الطور.

و قوله: فـي البُقْعة الـمبـاركة من صلة الشاطىء.

وتأويـل الكلام: فلـما أتاها نادى اللّه موسى من شاطىءِ الوادي الأيـمن فـي البقعة الـمبـاركة منه من الشجرة: أنْ يا مُوسَى إنّـي أنا اللّه رَبّ العالَـمِينَ.

و

قـيـل: إن معنى قوله مِنَ الشّجَرَةِ: عند الشجرة. ذكر من قال ذلك:

٢٠٨٨٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله فَلَـمّا أتاها نُودِيَ مِنْ شاطىءِ الوَادِ الأيـمَنِ فِـي البُقْعَةِ الـمُبـارَكَةِ مِنَ الشّجَرَةِ قال: نودي من عند الشجرة أنْ يا مُوسَى إنـي أنا اللّه رَبّ العالَـمِينَ.

و

قـيـل: إن الشجرة التـي نادى موسى منها ربه: شجرة عَوْسَج. وقال بعضهم: بل كانت شجرة العُلّـيق. ذكر من قال ذلك:

٢٠٨٨٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة ، فـي قوله الْبُقْعَة الـمبـارَكَةِ مِنَ الشّجَرَةِ قال: الشجرة عوسج. قال معمر، عن قتادة : عصا موسى من العَوْسج والشجرة من العَوْسَج.

٢٠٨٨٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن بعض من لايتهم، عن بعض أهل العلـم إنّـي آنَسْتُ نارا قال: خرج نـحوها، فإذا هي شجرة من العُلّـيق، وبعض أهل الكتاب يقول: هي عَوْسجة.

٢٠٨٨٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبـي عبـيدة، عن عبد اللّه قال: رأيت الشجرة التـي نودي منها موسى علـيه السلام، شجرة سَمْراء خضراء ترفّ.

٣١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمّا رَآهَا تَهْتَزّ كَأَنّهَا جَآنّ وَلّىَ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقّبْ يَمُوسَىَ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنّكَ مِنَ الاَمِنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: نُودي موسى: أن يا موسى إنّـي أنا اللّه ربّ العَالَـمِين. وأنْ ألْقِ عَصَاكَ فألقاها موسى، فصارت حية تسعى فَلَـمّا رآها موسى تَهْتَزّ يقول: تتـحرّك وتضطرب كأنّها جانّ والـجانّ: واحد الـجِنّان، وهي نوع معروف من أنواع الـحيات، وهي منها عظام. ومعنى الكلام: كأنها جانّ من الـحيات وَلّـى مُدْبِرا يقول: ولـى موسى هاربـا منها. كما:

٢٠٨٨٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَلّـى مُدْبِرا فـارا منهَا، ولَـمْ يُعَقّبْ يقول: ولـم يرجع علـى عقبه.

وقد ذكرنا الرواية فـي ذلك، وما قاله أهل التأويـل فـيـما مضى، فكرهنا إعادته، غير أنا نذكر فـي ذلك بعض ما لـم نذكره هنالك.

٢٠٨٩٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ولَـمْ يُعَقّبْ يقول: ولـم يعقب، أي لـم يـلتفت من الفرق.

٢٠٨٩١ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ ولَـم يُعَقّبْ يقول: لـم ينتظر.

و قوله: يا مُوسَى أقْبِلْ وَلا تَـخَفْ

يقول تعالـى ذكره: فنودي موسى: يا موسى أقبل إلـيّ ولا تـخف من الذي تهرب منه إنّكَ مِنَ الاَمِنِـينَ من أن يضرّك، إنـما هو عصاك.

٣٢

و قوله: اسْلُكْ يَدَكَ فِـي جَيْبِكَ يقول: أدخـل يدك. وفـيه لغتان: سلكته، وأسلكته فِـي جَيْبِكَ يقول: فـي جيب قميصك. كما:

٢٠٨٩٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة اسْلُكْ يَدَكَ فِـي جَيْبِكَ: أي فـي جيب قميصك.

وقد بـيّنا فـيـما مضى السبب الذي من أجله أُمر أن يدخـل يده فـي الـجيب دون الكمّ.

و قوله: تَـخْرُجْ بَـيْضَاءَ مِنْ غيرِ سُوءٍ يقول: تـخرج بـيضاء من غير برص. كما:

٢٠٨٩٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا ابن الـمفضل، قال: حدثنا قرة بن خالد، عن الـحسن، فـي قوله: اسْلُكْ يَدَكَ فِـي جَيْبِكَ تَـخْرُجْ بَـيْضَاءَ مِنْ غيرِ سُوءٍ قال: فخرجت كأنها الـمصبـاح، فأيقن موسى أنه لقـي ربه.

و قوله: وَاضْمُـمْ إلَـيْكَ جَناحَكَ يقول: واضمـم إلـيك يدك. كما:

٢٠٨٩٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس وَاضْمُـمْ إلَـيْكَ جَناحَكَ قال: يدك.

٢٠٨٩٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن لـيث، عن مـجاهد وَاضْمُـمْ إلَـيْكَ جَناحَكَ قال: وجناحاه: الذراع. والعضد: هو الـجناح. والكفّ: الـيد، اضْمُـمْ يَدَكَ إلَـى جَنَاحِك تَـخْرُجْ بَـيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ.

و قوله: مِنَ الرّهْبِ يقول: من الـخوف والفرَق الذي قد نالك من معاينتك ما عاينت من هول الـحية. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٨٩٦ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله مِنَ الرّهْبِ قال: الفَرَق.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله.

٢٠٨٩٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَاضْمُـمْ إلَـيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرّهْبِ: أي من الرعب.

٢٠٨٩٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله مِنَ الرّهْبِ قال: مـما دخـله من الفَرَق من الـحية والـخوف، وقال: ذلك الرهب، وقرأ قول اللّه يَدْعُونَنا رَغَبـا وَرَهَبـا قال: خوفـا وطمعا.

واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء أهل الـحجاز والبصرة: (مِنَ الرّهَب) بفتـح الراء والهاء. وقرأته عامة قرّاء الكوفة: (مِنَ الرّهْبِ) بضم الراء وتسكين الهاء، والقول فـي ذلك أنهما قراءتان متفقتا الـمعنى مشهورتان فـي قرّاء الأمصار، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.

و قوله: فَذَانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبّكَ

يقول تعالـى ذكره: فهذان اللذان أريتكهما يا موسى من تـحوّل العصا حية، ويدك وهي سمراء، بـيضاء تلـمع من غير برص، برهانان: يقول: آيتان وحجتان وأصل البرهان: البـيان، ويقال للرجل يقول القول إذا سئل الـحجة علـيه: هات برهانك علـى ما تقول: أي هات تبـيان ذلك ومصداقه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٨٩٩ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فَذَانِكَ برهانانِ مِنْ رَبّكَ العصا والـيد آيتان.

٢٠٩٠٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه فَذَانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبّكَ تبـيانان من ربك.

٢٠٩٠١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق فَذَانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبّكَ هذان برهانان.

٢٠٩٠٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله فَذَانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبكَ فقرأ: هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ علـى ذلك آية نعرفها، وقال: برهانان آيتان من اللّه .

واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: فَذَانِكَ فقرأته عامة قرّاء الأمصار، سوى ابن كثـير وأبـي عمرو: فَذَانِكَ بتـخفـيف النون، لأنها نون الاثنـين، وقرأه ابن كثـير وأبو عمرو: (فَذَانّكَ) بتشديد النون.

واختلف أهل العربـية فـي وجه تشديدها، فقال بعض نـحويّـي البصرة: ثقل النون من ثقلها للتوكيد، كما أدخـلوا اللام فـي ذلك. وقال بعض نـحويّـي الكوفة: شددت فرقا بـينها وبـين النون التـي تسقط للإضافة، لأن هاتان وهذان لا تضاف. وقال آخر منهم: هو من لغة من قال: هذا قال ذلك، فزاد علـى الألف ألفـا، كذا زاد علـى النون نونا لـيفصل بـينهما وبـين الأسماء الـمتـمكنة، وقال فـي ذانك إنـما كانت ذلك فـيـمن قال: هذان يا هذا، فكرهوا تثنـية الإضافة فأعقبوها بـاللام، لأن الإضافة تعقب بـاللام. وكان أبو عمرو يقول: التشديد فـي النون فـي ذَانِكَ من لغة قريش إلـى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ يقول: إلـى فرعون وأشراف قومه، حجة علـيهم، ودلالة علـى حقـيقة نبوّتك يا موسى إنّهُمْ كانُوا قَوْما فـاسِقِـينَ يقول: إن فرعون وملأه كانوا قوما كافرين.

٣٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ رَبّ إِنّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ }.

يقول تعالـى ذكره: قال موسى: ربّ إنـي قتلت من قوم فرعون نفسا، فأخاف إن أتـيتهم فلـم أبن عن نفسي بحجة أن يقتلون، لأن فـي لسانـي عقدة، ولا أبـين معها ما أريد من الكلام. وأخي هارون هو أفصح منـي لسانا، يقول: أحسن بـيانا عما يريد أن يبـينه فَأرْسِلْهُ مَعِيَ رَدْءا يقول: عونا. يصدّقنـي: أي يبـين لهم عنـي ما أخاطبهم به. كما:

٣٤

٢٠٩٠٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق وأخِي هارُونُ هُوَ أفْصَحُ مِنّـي لِسانا، فَأرْسِلْهُ مَعِي رِدْءا يُصَدّقُنِـي: أي يبـين لهم عنـي ما أكلـمهم به، فإنه يفهم ما لا يفهمون. و

قـيـل: إنـما سأل موسى ربه يؤيده بأخيه، لأن الاثنـين إذا اجتـمعا علـى الـخبر، كانت النفس إلـى تصديقهما، أسكن منها إلـى تصديق خبر الواحد. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٠٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله فَأرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءا يُصَدقُنِـيّ لأن الاثنـين أحرى أن يصدّقا من واحد. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٠٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله فَأرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءا يُصَدّقُنِـي قال عونا.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد ، مثله.

٢٠٩٠٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله رِدْءا يُصَدّقُنِـي: أي عونا.

وقال آخرون: معنى ذلك: كيـما يصدقنـي. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٠٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس رِدْءا يُصَدّقُنِـي يقول: كي يصدّقنـي.

٢٠٩٠٨ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءا يُصَدّقُنِـي يقول: كيـما يصدّقنـي.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس : رِدْءا يُصَدّقُنِـي يقول: كيـما يصدّقنـي. والردء فـي كلام العرب: هو العون، يقال منه: قد أردأت فلانا علـى أمره: أي أكفـيته وأعنته.

واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: يُصَدّقُنِـي فقرأته عامة قرّاء الـحجاز والبصرة: (رِدْءا يُصَدّقْنِـي) بجزم يصدقنـي. وقرأ عاصم وحمزة: (يَصْدُقُنِـي) برفعه، فمن رفعه جعله صلة للردء، بـمعنى: فأرسله معي ردءا من صفته يصدّقنـي ومن جزمه جعله جوابـا لقوله فأرسله، فإنك إذا أرسلته صدّقنـي، علـى وجه الـخبر. والرفع فـي ذلك أحبّ القراءتـين إلـيّ، لأنه مسألة من موسى ربه أن يرسل أخاه عونا له بهذه الصفة.

و قوله: إنّـي أخافُ أنْ يُكَذّبُونِ يقول: إنـي أخاف أن لا يصدقون علـى قولـي لهم إنـي أرسلت إلـيكم.

٣٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ سَنَشُدّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ اتّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال اللّه لـموسى سَنَشُدّ عَضُدَكَ أي نقوّيك ونُعينك بأخيك. تقول العرب إذا أعزّ رجل رجلاً، وأعانه ومنعه مـمن أراده بظلـم: قد شَدّ فلان علـى عَضُد فلان، وهو مِن عاضده علـى أمره: إذا أعانه، ومنه قول ابن مقبل:

عاضَدْتُها بِعَتُودٍ غيرِ مُعْتَلَثٍكأنّهُ وَقْـفُ عاجٍ بـاتَ مَكْنُونا

 يعني بذلك: قوسا عاضدها بسهم. وفـي العضُد لغات أربع: أجودها: العَضُد، ثم العَضْدُ، ثم العُضُد، والعُضْد. يجمع جميع ذلك علـى أعضاد.

و قوله: ونَـجْعَلُ لَكما سُلْطانا يقول: ونـجعل لكما حجة. كما:

٢٠٩٠٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله لَكُما سُلْطانا حجة.

حدثنا القاسم قال: قال: حدثنا الـحسين قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد ، مثله.

٢٠٩١٠ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ ونَـجْعَلُ لَكُما سُلْطانا والسلطان: الـحجة.

و قوله: فَلا يَصِلُونَ إلَـيْكُما

يقول تعالـى ذكره: فلا يصل إلـيكما فرعون وقومه بسوء.

و قوله: بِآياتِنا

يقول تعالـى ذكره: فَلاَ يَصِلُونَ إلَـيْكُمَا فرعون وقومه بِآياتِنا أنْتُـما وَمَنِ اتّبَعَكُما الغالِبُونَ فـالبـاء فِـي قوله بآياتنا من صلة غالبون. ومعنى الكلام: أنتـما ومن اتبعكما الغالبون فرعون وملأه بآياتنا أي بحجتنا وسلطاننا الذي نـجعله لكما.

٣٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا جَآءَهُم مّوسَىَ بِآيَاتِنَا بَيّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـَذَآ إِلاّ سِحْرٌ مّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَـَذَا فِيَ آبَآئِنَا الأوّلِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: فلـما جاء موسى فرعون وملأه بأدلتنا وحججنا بـينات أنها حجج شاهدة بحقـيقة ما جاء به موسى من عند ربه، قالوا لـموسى: ما هذا الذي جئتنا به إلاّ سحرا افتريته من قبلك وتـخرّصته كذبـا وبـاطلاً وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا الذي تدعونا إلـيه من عبـادة من تدعونا إلـى عبـادته فـي أسلافنا وآبـائنا الأوّلـين الذين مضوا قبلنا.

٣٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ مُوسَىَ رَبّيَ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِالْهُدَىَ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدّارِ إِنّهُ لاَ يُفْلِحُ الظّالِمُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وَقالَ مُوسَى مـجيبـا لفرعون: رَبّـي أعْلَـمُ بـالـمـحق منا يا فرعون من الـمبطل، ومن الذي جاء بـالرشاد إلـى سبـيـل الصواب والبـيان عن واضح الـحجة من عنده، ومن الذي له العقبى الـمـحمودة فـي الدار الاَخرة منا. وهذه معارضة من نبـيّ اللّه موسى علـيه السلام لفرعون، وجميـل مخاطبة، إذ ترك أن يقول له: بل الذي غرّ قومه وأهلك جنوده، وأضلّ أتبـاعه أنت لا أنا، ولكنه قال: رَبّـي أعْلَـم بِـمَنْ جاءَ بـالهُدَى مِنْ عِنْدِهِ، وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدّارِ ثم بـالغ فـي ذمّ عدوّ اللّه بأجمل من الـخطاب فقال: إنّهُ لا يُفْلِـحُ الظّالِـمُونَ يقول: إنه لا ينـجح ولا يدرك طلبتهم الكافرون بـاللّه تعالـى، يعني بذلك فرعون إنه لا يفلـح ولا ينـجح لكفره به.

٣٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَأَيّهَا الْملاُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إِلَـَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي...}.

يقول تعالـى ذكره: وقال فرعون لأشراف قومه وسادتهم: يا أيّها الـمَلأُ ما عَلِـمْتُ لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرِي فتعبدوه، وتصدّقوا قول موسى فـيـما جاءكم به من أن لكم وله ربـا غيري ومعبودا سواي، فَأوْقِدْ لـي يا هامانُ عَلـى الطّينِ يقول: فـاعمل لـي آجرا، وذُكر أنه أوّل من طبخ الاَجر وبنى به. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩١١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد فَأَوْقِدْ لـي يا هامانُ عَلـى الطّينِ قال: علـى الـمدَر يكون لَبِنا مطبوخا.

قال ابن جُرَيج: أوّل من أمر بصنعة الاَجرّ وبنى به فرعون.

٢٠٩١٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَأوْقِدْ لـي يا هامانُ عَلـى الطّينِ قال: فكان أوّل من طبخ الاَجرّ يبنـي به الصرح.

٢٠٩١٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قول اللّه فَأَوْقِدْ لـي يا هامانُ عَلـى الطينِ قال: الـمطبوخ الذي يوقد علـيه هو من طين يبنون به البنـيان.

و قوله: فـاجْعَلْ لـي صَرْحا يقول: ابن لـي بـالاَجرّ بناء، وكل بناء مسطح فهو صرح كالقصر. ومنه قول الشاعر:

بِهِنّ نَعامٌ بَناها الرّجالُ يَحْسَبُ أعْلامَهُنّ الصّرُوحا

 يعني بـالصروح: جمع صرح.

و قوله: لَعَلّـي أطّلِعُ إلـى إلَهِ مُوسَى يقول: انظر إلـى معبود موسى، الذي يعبده، ويدعو إلـى عبـادته وإنّـي لاَءَظُنّهُ فـيـما يقول من أن له معبودا يعبده فـي السماء، وأنه هو الذي يؤيده وينصره، وهو الذي أرسله إلـينا، من الكاذبـين فذكر لنا أن هامان بنى له الصرح، فـارتقـى فوقه. فكان من قصته وقصة ارتقائه ما:

٢٠٩١٤ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: قال فرعون لقومه: يا أيّها الـمَلأُ ما عَلِـمْتُ لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرِي، فَأوْقِدْ لـي يا هامانُ عَلـى الطّينِ، فـاجْعَلْ لـي صَرْحا لعلـي أذهب فـي السماء، فأنظر إلـى إله موسى فلـما بُنِـي له الصرح، ارتقـى فوقه، فأمر بُنّشابة فرمى بها نـحو السماء، فردّت إلـيه وهي متلطخة دما، فقال: قد قتلت إله موسى، تعالـى اللّه عما يقولون.

٣٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ وَظَنّوَاْ أَنّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: واستكبر فرعون وجنوده فـي أرض مصر عن تصديق موسى، واتبـاعه علـى ما دعاهم إلـيه من توحيد اللّه ، والإقرار بـالعبودية له بغير الـحقّ يعني تعدّيا وعتوّا علـى ربهم وَظَنّوا أنّهُمْ إلَـيْنا لا يُرْجَعُونَ يقول: وحسبوا أنهم بعد مـماتهم لا يبعثون، ولا ثواب، ولا عقاب، فركبوا أهواءهم، ولـم يعلـموا أن اللّه لهم بـالـمرصاد، وأنه لهم مـجاز علـى أعمالهم الـخبـيثة.

٤٠

و قوله: فَأخَذْناهُ وَجُنُودَهُ

يقول تعالـى ذكره: فجمعنا فرعون وجنوده من القبط فَنَبَذْناهُمْ فِـي الْـيَـمّ يقول: فألقـيناهم جميعهم فـي البحر، فغرقناهم فـيه، كما قال أبو الأسود الدّؤَلِـيّ:

نَظَرْتُ إلـى عُنْوَانِهِ فَنَبَذْتُه كَنَبْذِكَ نَعْلاً أخْـلَقَتْ مِنْ نِعالِكا

وذُكر أن ذلك بحر من وراء مصر، كما:

٢٠٩١٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة : فَنَبَذْناهُمْ فِـي الْـيَـمّ قال: كان الـيـم بحرا يقال له إساف، من وراء مصر، غرّقهم اللّه فـيه.

و قوله: فـانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبُةُ الظّالِـمِينَ

يقول تعالـى ذكره: فـانظر يا مـحمد بعين قلبك: كيف كان أمر هؤلاء الذين ظلـموا أنفسهم، فكفروا بربهم وردّوا علـى رسوله نصيحته، ألـم نهلكهم فنُوَرّث ديارهم وأموالهم أولـياءنا، ونـخوّلهم ما كان لهم من جنات وعيون وكنوز، ومَقام كريـم، بعد أن كانوا مستضعفـين، تقتل أبناؤهم، وتُستـحيا نساؤهم، فإنا كذلك بك وبـمن آمن بك وصدّقك فـاعلون مخوّلوك وإياهم ديار مَنْ كذّبك، وردّ علـيك ما أتـيتهم به من الـحقّ وأموالهم، ومهلكوهم قتلاً بـالسيف، سنة اللّه فـي الذين خَـلَوا من قبل.

٤١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لاَ يُنصَرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وجعلنا فرعون وقومه أئمة يأتـمّ بهم أهل العتوّ علـى اللّه ، والكفر به، يدعون الناس إلـى أعمال أهل النار وَيَوْمَ القِـيامَةِ لا يُنْصَرُونَ

يقول جلّ ثناؤه: ويوم القـيامة لا ينصرهم إذا عذّبهم اللّه ناصرٌ، وقد كانوا فـي الدنـيا يتناصرون، فـاضمـحلت تلك النصرة يومئذٍ.

٤٢

و قوله: وأتْبَعْناهُمْ فِـي هَذِهِ الدّنْـيا لَعْنَةً، وَيَوْمَ القـيامَةِ

يقول تعالـى ذكره: وألزمنا فرعون وقومه فـي هذه الدنـيا خِزيا وغضبـا منا علـيهم، فحتـمنا لهم فـيها بـالهلاك والبوار والثناء السيّىء، ونـحن متبعوهم لعنة أخرى يوم القـيامة، فمخزوهم بها الـخزي الدائم، ومهينوهم الهوان اللازم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩١٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وأتْبَعْناهُمْ فِـي هَذِهِ الدّنْـيا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِـيامَةِ قال: لعنوا فـي الدنـيا والاَخرة، قال: هو كقوله وأُتْبِعُوا فِـي هَذِهِ لَعْنَةً، وَيَوْمَ القِـيامَةِ بِئْسَ الرّفْدُ الـمَرْفُودِ.

٢٠٩١٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله: وأتْبَعْناهُمْ فِـي هَذِهِ الدّنـيْا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِـيامَةِ لعنة أخرى، ثم استقبل فقال: هُمْ مِنَ الـمَقْبُوحِينَ

و قوله: هُمْ مِنَ الـمَقْبُوحِينَ

يقول تعالـى ذكره: هم من القوم الذين قبحهم اللّه ، فأهلكهم بكفرهم بربهم، وتكذيبهم رسوله موسى علـيه السلام، فجعلهم عبرة للـمعتبرين، وعظة للـمتعظين.

٤٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الاُولَىَ بَصَآئِرَ لِلنّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لّعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: ولقد آتـينا موسى التوراة من بعد ما أهلكنا الأمـم التـي كانت قبله، كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مَدين بَصَائِرَ للنّاسِ يقول: ضياء لبنـي إسرائيـل فـيـما بهم إلـيه الـحاجة من أمر دينهم وَهُدًى يقول: وبـيانا لهم ورحمة لـمن عمل به منهم لَعَلّهُمْ يَتَذّكّرُونَ يقول: لـيتذكروا نِعْم اللّه بذلك علـيهم، فـيشكروه علـيها ولا يكفروا.

وبنـحو الذي قلنا فـي معنى قوله: وَلَقَدْ آتَـيْنا مُوسَى الكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أهْلَكْنا القُرُونَ الأُولـى قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩١٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مـحمد وعبد الوهاب، قالا: حدثنا عوف، عن أبـي نضرة، عن أبـي سعيد الـخدريّ، قال: ما أهلك اللّه قوما بعذاب من السماء ولا من الأرض بعد ما أنزلت التوراة علـى وجه الأرض غير القرية التـي مسخوا قردة، ألـم تر أن اللّه يقول: وَلَقَدْ آتَـيْنا مُوسَى الكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أهْلَكْنا القُرُونَ الأُولـى بَصَائِرَ للنّاسِ وَهُدًى وَرَحمْةً لَعلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ.

٤٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىَ مُوسَى الأمْرَ وَمَا كنتَ مِنَ الشّاهِدِينَ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : وَمَا كُنْتَ يا مـحمد بِجَانِب غربـيّ الـجبل إذْ قَضَيْنا إلـى مُوسَى الأمْرَ يقول: إذ فرضنا إلـى موسى الأمر فـيـما ألزمناه وقومه، وعهدنا إلـيه من عهد وَما كُنْتَ مِنَ الشّاهِدِينَ يقول: وما كنت لذلك من الشاهدين. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩١٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَما كُنْتَ يا مـحمد بِجانِبِ الغَرْبِـيّ يقول: بجانب غربـي الـجبل إذْ قَضَيْنا إلـى مُوسَى الأَمْرَ.

٢٠٩٢٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: غربـيّ الـجبل.

٢٠٩٢١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا الضحاك بن مخـلد، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن علـيّ بن مدرك، عن أبـي زرعة بن عمرو، قال: إنكم أمة مـحمد صلى اللّه عليه وسلم قد أجبتـم قبل أن تسألوا، وقرأ: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الغَرْبِـيّ إذْ قَضَيْنا إلـى مُوسَى الأَمْرَ.

٤٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَكِنّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ...}.

 يعني تعالـى ذكره ب قوله: وَلَكِنّا أنْشأنا قُرُونا ولكنا خـلقنا أمـما فأحدثناها من بعد ذلك فَتَطاوَلَ عَلَـيْهِمُ العُمُرُ.

و قوله: وَما كُنْتَ ثاوِيا فِـي أهْلِ مَدْيَنَ يقول: وما كنت مقـيـما فـي أهل مدين، يقال: ثويت بـالـمكان أثْوِي به ثَواء، قال أعشي ثعلبة:

أثْوَى وَقَصّرَ لَـيْـلَهُ لِـيُزَوّدا فَمَضَى وأخْـلَفَ مِنْ قُتَـيْـلَةَ مَوْعِدَا

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٢٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَما كُنْتَ ثاوِيا فِـي أهْلِ مَدْيَنَ قال: الثاوي: الـمقـيـم تَتْلُوا عَلَـيْهِمْ آياتِنا يقول: تقرأ علـيهم كتابنا وَلَكِنّا كُنّا مُرْسِلِـينَ يقول: لـم تشهد شيئا من ذلك يا مـحمد، ولكنا كنا نـحن نفعل ذلك ونرسل الرسل.

٤٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَـَكِن رّحْمَةً مّن رّبّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مّآ أَتَاهُم مّن نّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وما كنت يا مـحمد بجانب الـجبل إذ نادينا موسى بأن سأَكْتُبُها لِلّذِينَ يَتّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزّكاةَ، وَالّذِينَ هُمْ بآياتِنا يُؤْمِنُونَ. الّذِينَ يَتّبِعُونَ الرّسُولَ النبي الأُمّيّ... الاَية، كما:

٢٠٩٢٣ـ حدثنا عيسى بن عثمان بن عيسى الرملـي، قال: حدثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن علـيّ بن مدرك، عن أبـي زُرعة، فـي قول اللّه : وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطورِ إذْ نادَيْنا قال: نادى يا أمة مـحمد أعطيتكم قبل أن تسألونـي، وأجبتكم قبل أن تدعونـي.

٢٠٩٢٤ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطورِ إذْ نادَيْنا قال: نُودوا: يا أمة مـحمد أعطيتكم قبل أن تسألونـي، واستـجبت لكم قبل أن تَدْعُونـي.

٢٠٩٢٥ـ حدثنـي ابن وكيع، قال: حدثنا حرملة بن قـيس النـخعيّ، قال: سمعت هذا الـحديث من أبـي زُرْعة بن عمرو بن جرير، عن أبـي هريرةوَما كُنْتَ بِجانِبِ الطّورِ إذْ نادَيْنا قال: نودوا يا أمة مـحمد أعطيتكم قبل أن تسألونـي، واستـجبت لكم قبل أن تدعونـي.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا معتـمر عن سلـيـمان، وسفـيان عن سلـيـمان، وحجاج، عن حمزة الزيات، عن الأعمش، عن علـيّ بن مدرك، عن أبـي زرعة بن عمرو، عن أبـي هريرة، فـي قوله: وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطورِ إذْ نادَيْنا قال: نُودوا يا أمة مـحمد أعطيتكم قبل أن تسألونـي، واستـجبت لكم قبل أن تدعونـي، قال: وهو قوله حين قال موسى وَاكْتُبْ لَنا فِـي هَذِهِ الدّنـيْا حَسَنَةً، وفِـي الاَخِرَةٍ... الاَية.

٢٠٩٢٦ـ قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج مثل ذلك.

و قوله: وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبّكَ

يقول تعالـى ذكره: لـم تشهد شيئا من ذلك يا مـحمد فتعلـمه، ولكنا عرفناكه، وأنزلنا إلـيك، فـاقتصصنا ذلك كله علـيك فـي كتابنا، وابتعثناك بـما أنزلنا إلـيك من ذلك رسولاً إلـى من ابتعثناك إلـيه من الـخـلق رحمة منا لك ولهم، كما:

٢٠٩٢٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبّكَ ما قصصنا علـيك لِتُنْذِرَ قَوْما... الاَية.

٢٠٩٢٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبّكَ قال: كان رحمة من ربك النبوّة.

و قوله: لِتُنْذِرَ قَوْما ما أتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ

يقول تعالـى ذكره: ولكن أرسلناك بهذا الكتاب وهذا الدين لتنذر قوما لـم يأتهم من قبلك نذير، وهم العرب الذين بُعث إلـيهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، بعثه اللّه إلـيهم رحمة لـينذرهم بأسه علـى عبـادتهم الأصنام، وإشراكهم به الأوثان والأنداد.

و قوله: لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ يقول: لـيتذكروا خَطأ ما هم علـيه مقـيـمون من كفرهم بربهم، فـينـيبوا إلـى الإقرار للّه بـالوحدانـية، وإفراده بـالعبـادة دون كلّ ما سواه من الاَلهة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٢٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبّكَ قال: الذي أنزلنا علـيك من القرآن لِتُنْذِرَ قَوْما ما أتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ.

٤٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْلآ أَن تُصِيبَهُم مّصِيبَةٌ بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُواْ رَبّنَا لَوْلآ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: ولولا أن يقول هؤلاء الذين أرسلتك يا مـحمد إلـيهم، لو حلّ بهم بأسنا، أو أتاهم عذابنا من قبل أن نرسلك إلـيهم علـى كفرهم بربهم، واكتسابهم الاَثام، واجترامهم الـمعاصي: ربنا هلا أرسلت إلـينا رسولاً من قبل أن يحلّ بنا سخطك، وينزل بنا عذابك فنتبع أدلتك، وآي كتابك الذي تنزله علـى رسولك ونكون من الـمؤمنـين بألوهيتك، الـمصدّقـين رسولك فـيـما أمرتنا ونهيتنا، لعاجلناهم العقوبة علـى شركهم من قبل ما أرسلناك إلـيهم، ولكنا بعثناك إلـيهم نذيرا بأسنا علـى كفرهم، لئلا يكون للناس علـى اللّه حجة بعد الرسل. والـمصيبة فـي هذا الـموضع: العذاب والنقمة. و يعني ب قوله: بِـمَا قَدّمَتْ أيْدِيهِمْ بـما اكتسبوا.

٤٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا جَآءَهُمُ الْحَقّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ لَوْلآ أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىَ ...}.

يقول تعالـى ذكره: فلـما جاء هؤلاء الذين لـم يأتهم من قبلك يا مـحمد نذير فبعثناك إلـيهم نذيرا الـحقّ من عِنْدِنَا، وهو مـحمد صلى اللّه عليه وسلم بـالرسالة من اللّه إلـيهم، قالوا تـمْردا علـى اللّه ، وتـماديا فـي الغيّ: هلا أوتـي هذا الذي أرسل إلـينا، وهو مـحمد صلى اللّه عليه وسلم مثل ما أوتـي موسى بن عمران من الكتاب؟ يقول اللّه تبـارك وتعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : قل يا مـحمد لقومك من قريش، القائلـين لك لَوْلاَ أُوتِـيَ مِثْلَ ما أُوتِـيَ مُوسَى: أو لـم يكفر الذين علـموا هذه الـحجة من الـيهود بـما أوتـي موسى من قبلك؟. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٣٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قال: الـيهود تأمر قريشا أن تسأل مـحمدا مثل ما أوتـي موسى، يقول اللّه لـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم : قل لقريش يقولوا لهم: أو لـم يكفروا بـما أوتـي موسى من قبل؟.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد قالُوا لَوْلا أُوتِـيَ مِثْلَ ما أُوتِـيَ مُوسَى قال: الـيهود تأمر قريشا، ثم ذكر نـحوه قالوا ساحِرَانِ تَظاهَرَا.

واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة: (قالُوا ساحِرَانِ تَظاهَرَا) بـمعنى: أو لـم يكفروا بـما أوتـي موسى من قبل، وقالوا له ولـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم فـي قول بعض الـمفسرين، وفـي قول بعضهم لـموسى وهارون علـيهما السلام، وفـي قول بعضهم: لعيسى ومـحمد ساحران تعاونا. وقرأ عامة قرّاء الكوفة: قالُوا سِحْرَانِ تَظاهَرَا بـمعنى: وقالوا للتوراة والفرقان فـي قول بعض أهل التأويـل، وفـي قول بعضهم للإنـجيـل والفُرقان.

واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك علـى قدر اختلاف القرّاء فـي قراءته. ذكر من قال: عُنِـيَ بـالساحرين اللذين تظاهرا مـحمد وموسى صلـى اللّه علـيهما:

٢٠٩٣١ـ حدثنا سلـيـمان بن مـحمد بن معدي كرب الرعينـي، قال: حدثنا بقـية بن الولـيد، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي حمزة قال: سمعت مسلـم بن يسار، يحدّث عن ابن عباس ، فـي قول اللّه ساحِرانِ تَظاهَرَا قال: موسى ومـحمد.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي حمزة، قال: سمعت مسلـم ابن يسار، قال: سألت ابن عباس ، عن هذه الاَية ساحِرَانِ تَظاهَرَا قال: موسى ومـحمد.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن أبـي حمزة، عن مسلـم بن يسار، أن ابن عباس ، قرأ ساحِرَانِ قال موسى ومـحمد علـيهما السلام.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن شعبة، عن كيسان أبـي حمزة، عن مسلـم بن يسار، عن ابن عباس ، مثله.

ومن قال: موسى وهارون علـيهما السلام:

٢٠٩٣٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه ساحِرانِ تَظاهَرَا قال: الـيهودُ لـموسى وهارون.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد قالُوا ساحِرَانِ تَظاهَرَا قول يهودَ لـموسى وهارون علـيهما السلام.

٢٠٩٣٣ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا إسماعيـل بن أبـي خالد، عن سعيد بن جُبَـير وأبـي رزين أن أحدهما قرأ: (ساحِرَانِ تَظاهَرَا) ، والاَخر: سِحْرَانِ، قال: الذي قرأ سِحْرَانِ قال: التوراة والإنـجيـل. وقال: الذي قرأ: (ساحِرَانِ) قال: موسى وهارون.

وقال آخرون: عنوا بـالساحرين: عيسى ومـحمدا صلى اللّه عليه وسلم . ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٣٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن الـحسن، قوله: ساحِرَانِ تَظاهَرَا قال: عيسى ومـحمد، أو قال موسى صلى اللّه عليه وسلم . ذكر من قال: عنوا بذلك التوراة والفرقان، ووجه تأويـله إلـى قراءة من قرأ سِحْرَانِ تَظاهَرَا:

٢٠٩٣٥ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: سِحْرانِ تَظاهَرَا يقول: التوراة والقرآن.

٢٠٩٣٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس قالُوا سِحْرَانِ تَظاهَرَا يعني : التوراة والفرقان.

٢٠٩٣٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: قالُوا سِحْرَانِ تَظاهَرَا قال: كتاب موسى، وكتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . ذكر من قال: عنوا به التوراة والإنـجيـل:

٢٠٩٣٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عُلَـية، عن حميد الأعرج، عن مـجاهد ، قال: كنت إلـى جنب ابن عباس وهو يتعوّذ بـين الركن والـمقام، فقلت: كيف تقرأ سِحْران، أو ساحران؟ فلـم يردّ علـيّ شيئا، فقال عكرِمة: ساحران، وظننت أنه لو كره ذلك أنكره علـيّ. قال حميد: فلقـيت عكرِمة بعد ذلك فذكرت ذلك له، وقلت: كيف كان يقرؤها؟ قال: كان يقرأ سِحْرانِ تَظاهَرَا أي التوراة والإنـجيـل. ذكر من قال: عنوا به الفرقان والإنـجيـل:

٢٠٩٣٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عبـيد، عن الضحاك ، أنه قرأ سِحْرانِ تظَاهَرا يعنون الإنـجيـل والفرقان.

٢٠٩٤٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله قالُوا سِحْرَانِ تَظاهَرَا قالت ذلك أعداء اللّه الـيهود للإنـجيـل والفرقان، فمن قال ساحِرَانِ فـيقول: مـحمد، وعيسى ابن مريـم.

قال أبو جعفر: وأولـى القراءتـين فـي ذلك عندك بـالصواب، قراءة من قرأه قالُوا سِحْرَانِ تَظاهَرَا بـمعنى: كتاب موسى وهو التوراة، وكتاب عيسى وهو الإنـجيـل.

وإنـما قلنا: ذلك أولـى القراءتـين بـالصواب، لأن الكلام من قبله جرى بذكر الكتاب، وه

و قوله: وَقالُوا لَوْلا أُوتِـيَ مثْلَ ما أُوتِـيَ مُوسَى والذي يـلـيه من بعده ذكر الكتاب، وه

و قوله: فَأْتُوا بكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللّه هُوَ أهْدَى مِنْهُما أتّبِعْهُ فـالذي بـينهما بأن يكون من ذكره أولـى وأشبه بأن يكون من ذكر غيره. وإذ كان ذلك هو الأولـى بـالقراءة، فمعلوم أن معنى الكلام: قل يا مـحمد: أَوَ لـم يكفر هؤلاء الـيهود بـما أوتـي موسى من قبل، وقالوا لـما أوتـي موسى من الكتاب وما أوتـيته أنت، سحران تعاونا.

و قوله: وَقالُوا إنّا بِكُلّ كافِرُونَ

يقول تعالـى ذكره: وقالت الـيهود: إنا بكلّ كتاب فـي الأرض من توراة وإنـجيـل، وزبور وفرقان كافرون. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال بعض أهل التأويـل، وخالفه فـيه مخالفون. ذكر من قال مثل الذي قلنا فـي ذلك:

٢٠٩٤١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: إنّا بكُلّ كافِرُونَ قالوا: نكفر أيضا بـما أوتـي مـحمد.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد وَقالُوا إنّا بكُلَ كافِرُونَ قال الـيهود أيضا: نكفر بـما أوتـي مـحمد أيضا.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وقالوا إنا بكلّ الكتابـين الفرقان والإنـجيـل كافرون. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٤٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عبـيد، عن الضحاك وَقالُوا إنّا بكُلّ كافِرونَ يقول: بـالإنـجيـل والقرآن.

حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله وَقالُوا إنّا بِكُلَ كافِرُونَ: يعنون الإنـجيـل والفرقان.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس وَقالُوا إنّا بِكُلَ كافِرُونَ قال: هم أهل الكتاب، يقول: بـالكتابـين: التوراة والفُرقان.

٢٠٩٤٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَقالُوا إنّا بِكُلَ كافِرُونَ الذي جاء به موسى، والذي جاء به مـحمد صلى اللّه عليه وسلم .

٤٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مّنْ عِندِ اللّه هُوَ أَهْدَىَ مِنْهُمَآ أَتّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : قل يا مـحمد للقائِلـين للتوراة والإنـجيـل: هما سحران تظاهرا: ائتوا بكتاب من عند اللّه ، هو أهدى منهما لطريق الـحقّ، ولسبـيـل الرشاد أتّبِعْهُ إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ فِـي زعمكم أن هذين الكتابـين سحران، وأن الـحقّ فـي غيرهما. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٤٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قال: فقال اللّه تعالـى قُلْ فَأْتُوا بكِتابِ مِنْ عِنْدِ اللّه هُوَ أهْدَى مِنْهُما... الاَية.

٢٠٩٤٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فقال اللّه ائْتُونِـي بكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللّه هُوَ أهْدَى مِنْهُما من هذين الكتابـين الذي بعث به موسى، والذي بعث به مـحمد صلى اللّه عليه وسلم .

٥٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَإِن لّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَاعْلَمْ أَنّمَا يَتّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ ...}.

يقول تعالـى ذكره: فإن لـم يجبك هؤلاء القائلون للتوراة والإنـجيـل: سحران تظاهرا، الزاعمون أن الـحقّ فـي غيرهما، من الـيهود يا مـحمد، إلـى أن يأتوك بكتاب من عند اللّه ، هو أهدى منهما، فـاعلـم أنـما يتبعون أهواءهم، وأن الذي ينطقون به، ويقولون فـي الكتابـين، قول كذب وبـاطل، لا حقـيقة له، ولعل قائلاً أن يقول: أو لـم يكن النبي صلى اللّه عليه وسلم يعلـم أن ما قال القائلون من الـيهود وغيرهم فـي التوراة والإنـجيـل من الإفك والزور، الـمسموهما سحرين: بـاطل من القول، إلاّ بأن لا يجيبوه إلـى إتـيانهم بكتاب هو أهدى منهما؟

قـيـل: هذا كلام خرج مخرج الـخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، والـمراد به الـمقول لهم أو لـم يكفروا بـما أوتـي موسى من قبل من كفـار قريش، وذلك أنه قـيـل للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم : قل يا مـحمد لـمشركي قريش: أو لـم يكفر هؤلاء الذين أمروكم أن تقولوا: هلا أوتـي مـحمد مثل ما أوتـي موسى، بـالذي أوتـي موسى من قبل هذا القرآن، ويقولوا للذي أنزل علـيه وعلـى عيسى سِحْرَانِ تَظاهَرَا فقولوا لهم إن كنتـم صادقـين أن ما أوتـي موسى وعيسى سحر، فأتونـي بكتاب من عند اللّه ، هو أهدى من كتابـيهما، فإن هم لـم يجيبوكم إلـى ذلك فـاعلـموا أنهم كذبة، وأنهم إنـما يتبعون فـي تكذيبهم مـحمدا، وما جاءهم به من عند اللّه أهواء أنفسهم، ويتركون الـحقّ وهم يعلـمون.

يقول تعالـى ذكره: ومن أضلّ عن طريق الرشاد، وسبـيـل السداد مـمن اتبع هوى نفسه بغير بـيان من عند اللّه ، وعهد من اللّه ، ويترك عهد اللّه الذي عهده إلـى خـلقه فـي وحيه وتنزيـله إنّ اللّه لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالـمِينَ

يقول تعالـى ذكره: إن اللّه لا يوفق لإصابة الـحقّ وسبـيـل الرشد القوم الذين خالفوا أمر اللّه وتركوا طاعته، وكذّبوا رسوله، وبدّلوا عهده، واتبعوا أهواء أنفسهم إيثارا منهم لطاعة الشيطان علـى طاعة ربهم.

٥١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ وَصّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: ولقد وصلنا يا مـحمد لقومك من قريش وللـيهود من بنـي إسرائيـل القول بأخبـار الـماضين والنبأ عما أحللنا بهم من بأسنا، إذ كذّبوا رسلنا، وعما نـحن فـاعلون بـمن اقتفـى آثارهم، واحتذى فـي الكفر بـاللّه ، وتكذيب رسله مثالهم، لـيتذكروا فـيعتبروا ويتعظوا. وأصله من: وصل الـحبـال بعضها ببعض ومنه قول الشاعر:

فَقُلْ لِبَنِـي مَرْوَانَ ما بـالُ ذِمّةٍوَحَبْلٍ ضَعِيفٍ ما يَزَالُ يُوَصّلُ

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل وإن اختلفت ألفـاظهم ببـيانهم عن تأويـله، فقال بعضهم: معناه بـيّنا. وقال بعضهم معناه: فصلنا. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٤٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أبـيه، عن لـيث، عن مـجاهد ، قوله وَلَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ القَوْلَ قال: فصلنا لهم القول.

٢٠٩٤٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَلَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ القَوْلَ قال: وصل اللّه لهم القول فـي هذا القرآن، يخبرهم كيف صنع بـمن مضى، وكيف هو صانع لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ.

٢٠٩٤٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا مـحمد بن عيسى أبو جعفر، عن سفـيان بن عيـينة: وصلنا: بـيّنا.

٢٠٩٤٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَلَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ الـخبر، خبر الدنـيا بخبر الاَخرة، حتـى كأنهم عاينوا الاَخرة، وشهدوها فـي الدنـيا، بـما نريهم من الاَيات فـي الدنـيا وأشبـاهها. وقرأ إنّ فِـي ذلكَ لاَيَةً لِـمَنْ خافَ عَذَابَ الاَخِرَةِ وقال: إنا سوف ننـجزهم ما وعدناهم فـي الاَخرة، كما أنـجزنا للأنبـياء ما وعدناهم، نقضي بـينهم وبـين قومهم.

واختلف أهل التأويـل، فـيـمن عنى بـالهاء والـميـم من قوله وَلَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ فقال بعضهم: عنى بهما قريشا. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٥٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: وَلَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ القَوْلَ قال: قريش.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد وَلَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ القَوْلَ قال: لقريش.

٢٠٩٥١ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله ولَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ القَوْلَ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ قال: يعني مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم .

وقال آخرون: عُنِـي بهما الـيهود. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٥٢ـ حدثنـي بشر بن آدم، قال: حدثنا عفـان بن مسلـم، قال: حدثنا حماد بن سلـمة، قال: حدثنا عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، عن رفعة القرظي، قال: نزلت هذه الاَية فـي عشرة أنا أحدهم وَلَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ القَوْلَ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ.

٢٠٩٥٣حدثنا ابن سنان، قال: حدثنا حيان، قال: حدثنا حماد، عن عمرو، عن يحيى بن جعدة، عن عطية القُرَظِيّ قال: نزلت هذه الاَية وَلَقَدْ وَصّلْنا لَهُمُ القَوْلَ لَعلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ حتـى بلغ إنّا كُنّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِـمِينَ فـي عشرة أنا أحدهم، فكأن ابن عباس أراد ب قوله: يعني مـحمدا: لعلهم يتذكرون عهد اللّه فـي مـحمد إلـيهم، فـيقرّون بنبوّته ويصدّقونه.

٥٢

و قوله: الّذِينَ آتَـيْناهُمُ الكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ يعني بذلك تعالـى ذكره قوما من أهل الكتاب آمنوا برسوله وصدّقوه، فقال الذين آتـيناهم الكتاب من قبل هذا القرآن، هم بهذا القرآن يؤمنون، فـيقرّون أنه حقّ من عند اللّه ، ويكذّب جهلة الأميـين، الذين لـم يأتهم من اللّه كتاب. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٥٣ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله تعالـى الّذِينَ آتَـيْناهُمُ الكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ قال: يعني من آمن بـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم من أهل الكتاب.

٢٠٩٥٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد الّذِينَ آتَـيْناهُمُ الكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ... إلـى قوله لا نَبْتَغي الـجاهِلِـينَ فـي مسلـمة أهل الكتاب.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد ، قوله الّذِينَ آتَـيْناهُمُ الكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ... إلـى قوله الـجاهِلِـينَ قال: هم مُسْلِـمة أهل الكتاب. قال ابن جُرَيج: أحبرنـي عمرو بن دينار: أن يحيى بن جعدة أخبره، عن علـيّ بن رفـاعة، قال: خرج عشرة رَهْط من أهل الكتاب، منهم أبو رِفـاعة، يعني أبـاه، إلـى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فآمنوا، فأُوذوا، فنزلت: الّذِينَ آتَـيْناهُمُ الكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ قبل القرآن.

٢٠٩٥٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله الّذِينَ آتَـيْناهُمُ الكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ قال: كنا نـحدّث أنها نزلت فـي أناس من أهل الكتاب كانوا علـى شريعة من الـحقّ، يأخذون بها، وينتهون إلـيها، حتـى بعث اللّه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم ، فآمنوا به، وصدّقوا به، فأعطاهم اللّه أجرهم مرتـين، بصبرهم علـى الكتاب الأوّل، واتبـاعهم مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم ، وصبرهم علـى ذلك، وذكر أن منهم سَلْـمان، وعبد اللّه بن سَلاَم.

٢٠٩٥٦ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله: الّذِينَ آتَـيْناهُمُ الكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ... إلـى قوله مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِـمِينَ: ناس من أهل الكتاب آمنوا بـالتوراة والإنـجيـل ثم أدركوا مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم ، فَآمنوا به، فَأَتاهم اللّه أجرهم مرّتـين بـما صبروا: بإيـمانهم بـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم قبل أن يبعث، وبـاتبـاعهم إياه حين بعث، فذلك قوله: إنّا كُنّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِـمِينَ.

٥٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا يُتْلَىَ عَلَيْهِمْ قَالُوَاْ آمَنّا بِهِ إِنّهُ الْحَقّ مِن رّبّنَآ إنّا كُنّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: وإذا يُتلـى هذا القرآن علـى الذين آتـيناهم الكتاب من قبل نزول هذا القرآن قالُوا آمَنّا بِهِ يقول: يقولون: صدّقنا به إنّهُ الـحَقّ مِنْ رَبّنا يعني من عند ربنا نزل، إنا كنا من قبل نزول هذا القرآن مسلـمين، وذلك أنهم كانوا مؤمنـين بـما جاء به الأنبـياء قبل مـجيء نبـينا مـحمد صلى اللّه عليه وسلم ، وعلـيهم من الكتب، وفـي كتبهم صفة مـحمد ونعته، فكانوا به وبـمبعثه وبكتابه مصدّقـين قبل نزول القرآن، فلذلك قالوا: إنّا كُنّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِـمِينَ.

٥٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أُوْلَـَئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مّرّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السّيّئَةَ وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الذين وصفت صفتهم، يُؤْتَوْن ثواب عملهم مرّتـين بـما صبروا.

واختلف أهل التأويـل فـي معنى الصبر الذي وعد اللّه ما وعد علـيه، فقال بعضهم: وعدهم ما وعد جلّ ثناؤه، بصبرهم علـى الكتاب الأوّل، واتبـاعهم مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم ، وصبرهم علـى ذلك. وذلك قول قتادة ، وقد ذكرناه قبل.

وقال آخرون: بل وعدهم بصبرهم بإيـمانهم بـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم قبل أن يبعث، وبـاتبـاعهم إياه حين بعث. وذلك قول الضحاك بن مزاحم، وقد ذكرناه أيضا قبل، ومـمن وافق قتادة علـى قوله عبد الرحمن بن زيد.

٢٠٩٥٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: إنّا كُنّا من قَبْلِهِ مُسْلِـمِينَ علـى دين عيسى، فلـما جاء النبي صلى اللّه عليه وسلم أسلـموا، فكان لهم أجرهم مرّتـين: بـما صبروا أوّل مرّة، ودخـلوا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم فـي الإسلام. وقال قوم فـي ذلك بـما:

٢٠٩٥٨ـ حدثنا به ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد ، قال: إن قوما كانوا مشركين أسلـموا، فكان قومهم يؤذونهم، فنزلت أوْلئِكَ يُؤْتَوْنَ أجْرَهُمْ مَرّتَـيْنِ بِـمَا صَبرُوا وقوله وَيَدْرَءُونَ بـالـحَسَنَةِ السّيّئَةَ يقول: ويدفعون بحسنات أفعالهم التـي يفعلونها سيئاتهم ومِـمّا رَزَقْناهُمْ من الأموال يُنْفِقُونَ فـي طاعة اللّه ، إما فـي جهاد فـي سبـيـل اللّه ، وإما فـي صدقة علـى مـحتاج، أو فـي صلة رَحِم.

٢٠٩٥٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَإذَا يُتْلَـى عَلَـيْهِمْ قالُوا آمَنّا بِهِ إنّهُ الـحَقّ مِنْ رَبّنا، إنّا كُنّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِـمِينَ قال اللّه : أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أجْرَهُمْ مَرّتَـيْن بِـمَا صَبرُوا وأحسن اللّه علـيهم الثناء كما تسمعون، فقال: وَيَدْرَءُونَ بـالـحَسَنَةِ السّيّئَةَ.

٥٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا سَمِعُواْ اللّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: وإذا سمع هؤلاء القوم الذين آتـيناهم الكتاب اللغو، وهو البـاطل من القول، كما:

٢٠٩٦٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَإذَا سَمِعُوا اللّغْوَ أعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أعمالُنا وَلَكُمْ أعمالُكُمْ، سَلامٌ عَلَـيْكُمْ لا نَبْتَغِي الـجاهِلِـينَ لا يجارون أهل الـجهل والبـاطل فـي بـاطلهم، أتاهم من أمر اللّه ما وقذهم عن ذلك.

وقال آخرون: عُنِـي بـاللغو فـي هذا الـموضع: ما كان أهل الكتاب ألـحقوه فـي كتاب اللّه ، مـما لـيس هو منه. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٦١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَإذَا سَمِعُوا اللّغْوَ أعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا... إلـى آخر الاَية، قال: هذه لأهل الكتاب، إذا سمعوا اللغو الذي كتب القوم بأيديهم مع كتاب اللّه ، وقالوا: هو من عند اللّه ، إذا سمعه الذين أسلـموا، ومرّوا به يتلونه، أعرضوا عنه، وكأنهم لـم يسمعوا ذلك قبل أن يؤمنوا بـالنبي صلى اللّه عليه وسلم ، لأنهم كانوا مسلـمين علـى دين عيسى، ألا ترى أنهم يقولون: إنّا كُنّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِـمِينَ. وقال آخرون فـي ذلك بـما:

٢٠٩٦٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن منصور، عن مـجاهد وَإذَا سَمِعُوا اللّغْوَ أعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أعمالُنا وَلَكُمْ أعمالُكُمْ، سَلامٌ عَلَـيْكُمْ قال: نزلت فـي قوم كانوا مشركين فأسلـموا، فكان قومهم يُؤْذونهم.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جويرية، عن منصور، عن مـجاهد ، قوله وَإذَا سَمِعُوا اللّغْوَ أعْرَضُوا عَنْهُ، وَقالُوا لَنا أعمالُنا وَلَكُمْ أعمالُكُمْ قال: كان ناس من أهل الكتاب أَسْلَـموا، فكان الـمشركون يؤذونهم، فكانوا يصفحون عنهم، يقولون: سَلامٌ عَلَـيْكُمْ لا نَبْتَغِي الـجاهِلِـينَ.

و قوله: أعْرَضُوا عَنْهُ يقول: لـم يصغوا إلـيه ولـم يستـمعوه وَقالُوا لَنا أعمالُنا وَلَكُمْ أعمالُكُمْ وهذا يدلّ علـى أن اللغو الذي ذكره اللّه فـي هذا الـموضع، إنـما هو ما قاله مـجاهد ، من أنه سماع القوم مـمن يؤذيهم بـالقول ما يكرهون منه فـي أنفسهم، وأنهم أجابوهم بـالـجميـل من القول لَنا أعمالُنا قد رضينا بها لأنفسنا، وَلَكُمْ أعمالُكُمْ قد رضيتـم بها لأنفسكم.

و قوله: سَلامٌ عَلَـيْكُمْ يقول: أَمَنة لكم منا أن نُسابّكم، أو تسمعوا منا ما لا تـحبون لا نَبْتَغي الـجاهِلِـينَ يقول: لا نريد مـحاورة أهل الـجهل ومسابتهم.

٥٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـَكِنّ اللّه يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : إنّكَ يا مـحمد لا تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ هدايته، وَلَكِنّ اللّه يَهْدِي مَنْ يَشاءُ أن يهديه من خـلقه، بتوفـيقه للإيـمان به وبرسوله. ولو

قـيـل: معناه: إنك لا تهدي من أحببته، لقرابته منك، ولكن اللّه يهدي من يشاء، كان مذهبـا. وَهُوَ أعْلَـمُ بـالـمُهْتَدِينَ:

يقول جلّ ثناؤه: واللّه أعلـم من سبق له فـي علـمه أنه يهتدي للرشاد، ذلك الذي يهديه اللّه فـيسدّده ويوفّقه.

وذُكر أن هذه الاَية نزلت علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أجل امتناع أبـي طالب عمه من إجابته، إذ دعاه إلـى الإيـمان بـاللّه ، إلـى ما دعاه إلـيه من ذلك. ذكر الرواية بذلك:

٢٠٩٦٣ـ حدثنا أبو كريب والـحسين بن علـيّ الصّدائي، قالا: حدثنا الولـيد بن القاسم، عن يزيد بن كيسان، عن أبـي حازم، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعمه عند الـموت: (قُلْ لا إلَهَ إلاّ اللّه أشْهَدْ لَكَ بِها يَوْمَ القِـيامَةِ) قال: لولا أن تعيرنـي قريش لأقررت عينك، فأنزل اللّه : إنّكَ لا تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ... الاَية.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن يزيد بن كيسان، قال: ثنـي أبو حازم الأشجعي، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لعمه: (قُلْ لا إله إلاّ اللّه ) ثم ذكر مثله.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا أبو أسامة، عن يزيد بن كيسان سمع أبـا حازم الأشجعي، يذكر عن أبـي هريرة قال: لـما حضرتْ وفـاة أبـي طالب، أتاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: (يا عَمّاهُ قُلْ لا إلَهَ إلاّ اللّه ) فذكر مثله، إلاّ أنه قال: لولا أن تعيرنـي قريش، يقولون: ما حمله علـيه إلاّ جزع الـموت.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد، عن يزيد بن كيسان، عن أبـي حازم، عن أبـي هريرة، قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فذكر نـحو حديث أبـي كُرَيب الصدائي.

٢٠٩٦٤ـ حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: ثنـي عمي عبد اللّه بن وهب، قال: ثنـي يونس، عن الزهري قال: ثنـي سعيد بن الـمسيب، عن أبـيه، قال: لـما حضرت أبـا طالب الوفـاة، جاءه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فوجد عنده أبـا جهل بن هشام، وعبد اللّه بن أبـي أُمّية بن الـمُغيرة، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (يا عَمّ قلْ لا إلَهَ إلاّ اللّه كَلِـمَةً أشْهَدُ لَكَ بِها عِنْدَ اللّه ) فقال أبو جهل وعبد اللّه بن أبـي أُمَيّة: يا أبـا طالب: أترغب عن ملّة عبد الـمطّلب؟ فلـم يزل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعرضها علـيه، ويعيد له تلك الـمقالة، حتـى قال أبو طالب آخر ما كلـمهم: هو علـى ملة عبد الـمطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلاّ اللّه ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (أما وَاللّه لاَءَسْتَغْفرَنّ لَكَ ما لَـمْ أُنْهَ عَنْكَ) ، فأنزل اللّه ما كانَ للنّبِـيّ وَالّذِينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفرُوا للْـمُشْرِكينَ وَلَوْ كانُوا أُولـى قُرْبَى، وأنزل اللّه فـي أبـي طالب، فقال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : إنّك لا تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ وَلَكِنّ اللّه يَهْدِي... الاَية.

حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن الـمسيب، عن أبـيه، بنـحوه.

٢٠٩٦٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن عمرو، عن أبـي سعيد بن رافع، قال: قلت لابن عمر: إنّكَ لا تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ نزلت فـي أبـي طالب؟ قال: نعم.

٢٠٩٦٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد قوله إنّكَ لا تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ قال: قول مـحمد لأبـي طالب: (قُلْ كَلِـمةَ الإخْلاصِ أُجادِلُ عَنْكَ بِهَا يَوْمَ الْقِـيَامَةِ) قال مـحمد بن عمرو فـي حديثه: قال: يا ابن أخي ملة الأشياخ، أو سنة الأشياخ. وقال الـحارث فـي حديثه: قال يا ابن أخي ملة الأشياخ.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد إنّكَ لا تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ قال: قال مـحمد لأبـي طالب: (اشْهَدْ بكَلـمَةِ الإخْلاصِ أُجادِلْ عَنْكَ بِها يَوْمَ القِـيامَةِ) قال: أي ابن أخي ملة الأشياخ، فأنزل اللّه إنّكَ لا تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ قال: نزلت هذه الاَية فـي أبـي طالب.

٢٠٩٦٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله إنّكَ لا تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ ذُكر لنا أنها نزلت فـي أبـي طالب قال الأصم عند موته يقول لا إله إلاّ اللّه لكيـما تـحلّ له بها الشفـاعة، فأبى علـيه.

٢٠٩٦٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن عامر: لـما حضر أبـا طالب الـموت، قال له النبي صلى اللّه عليه وسلم : (يا عَمّاهُ قُلْ لا إلَهَ إلاّ اللّه أشْهَدُ لَكَ بِها يَوْمَ القِـيامَةِ) ، فقال له: يا ابن أخي، إنه لولا أن يكون علـيك عار لـم أبـال أن أفعل فقال له ذلك مرارا. فلـما مات اشتدّ ذلك علـى النبي صلى اللّه عليه وسلم وقالوا: ما تنفع قرابة أبـي طالب منك، فقال: (بَلـى والّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ إنّه السّاعَةَ لَفِـي ضَحْضَاحٍ مِنَ النّارِ عَلَـيْهِ نَعْلان مِنْ نارٍ تَغْلِـي مِنْهُما أُمّ رأسه، وما مِنْ أهْلِ النّارِ مِنْ إنْسانٍ هُوَ أهْوَنُ عَذَابـا مِنْهُ، وَهُوَ الّذِي أنْزَلَ اللّه فِـيهِ إنّكَ لا تَهْدِي مَنْ أحْبَبْتَ، وَلَكِنّ اللّه يَهْدِي مَنْ يَشاءُ، وَهُوَ أعْلَـمُ بـالـمُهْتَدِينَ) .

و قوله: وَهُوَ أعْلَـمُ بـالـمُهْتَدِينَ يقول: وهو أعلـم بـمن قضى له الهدى. كالذي:

٢٠٩٦٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله وَهُوَ أعْلَـمُ بـالـمُهْتَدِينَ قال بـمن قدّر له الهدى والضلالة.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله.

٥٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالُوَاْ إِن نّتّبِعِ الْهُدَىَ مَعَكَ نُتَخَطّفْ مِنْ أَرْضِنَآ أَوَلَمْ نُمَكّن لّهُمْ حَرَماً آمِناً ...}.

يقول تعالـى ذكره: وقالت كفـار قريش: إن نتبع الـحقّ الذي جئتنا به معك، ونتبرأ من الأنداد والاَلهة، يتـخطفنا الناس من أرضنا بإجماع جميعهم علـى خلافنا وحربنا، يقول اللّه لنبـيه: فقل أوَ لَـمْ نُـمَكّنْ لَهُمْ حَرَما يقول: أو لـم نوطىء لهم بلدا حرّمنا علـى الناس سفك الدماء فـيه، ومنعناهم من أن يتناولوا سكانه فـيه بسوء، وأمنا علـى أهله من أن يصيبهم بها غارة، أو قتل، أو سبـاء. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٧٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عبد اللّه بن أبـي ملـيكة، عن ابن عباس ، أن الـحارث بن نوفل، الذي قال: إنْ نَتّبِعِ الهُدَى مَعكَ نُتَـخَطّفْ مِنْ أرْضِنا وزعموا أنهم قالوا: قد علـمنا أنك رسول اللّه ، ولكنا نـخاف أن نُتَـخطف من أرضنا، أوَ لَـمْ نُـمَكّنْ لَهُمْ الاَية.

٢٠٩٧١ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله وَقالُوا إنْ نَتّبِعِ الهُدَى مَعَكَ نُتَـخَطّفْ مِنْ أرْضِنا قال: هم أناس من قريش قالوا لـمـحمد: إن نتبعك يتـخطفْنا الناس، فقال اللّه أوْ لَـمْ نُـمَكّنْ لَهُمْ حَرَما آمِنا يُجْبَى إلَـيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شَيْءٍ.

٢٠٩٧٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله ويُتَـخَطف الناس من حولهم: قال: كان يغير بعضهم علـى بعض.

وبنـحو الذي قلنا فـي معنى قوله أوْلَـمْ نُـمَكّنْ لَهُمْ حَرَما آمنا قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٧٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله وَقالُوا إنْ نَتّبِعِ الهُدَى مَعَكَ نُتَـخَطّفْ مِنْ أرْضِنا قال اللّه أوْ لَـمْ نُـمَكّنْ لَهُمْ حَرَما آمِنا يُجْبَى إلَـيْهِ ثَمَرَاتُ كلّ شَيْءٍ يقول: أو لـم يكونوا آمنـين فـي حرمهم لا يغزون فـيه ولا يخافون، يجبى إلـيه ثمرات كلّ شيء.

٢٠٩٧٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة أوَ لَـمْ نُـمَكّنْ لَهُمْ حَرَما آمِنا قال: كان أهل الـحرم آمنـين يذهبون حيث شاءوا، إذا خرج أحدهم فقال: إنـي من أهل الـحرم لـم يُتَعرّض له، وكان غيرهم من الناس إذا خرج أحدهم قُتل.

٢٠٩٧٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله أوَ لَـمْ نُـمَكّنْ لَهُمْ حَرَما آمِنا قال: آمناكم به، قال: هي مكة، وهم قريش.

و قوله: يُجْبَى إلَـيْهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شَيْءٍ يقول يجمع إلـيه، وهو من قولهم: جبـيت الـماء فـي الـحوض: إذا جمعته فـيه، وإنـما أريد بذلك: يحمل إلـيه ثمرات كلّ بلد. كما:

٢٠٩٧٦ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن عطية، عن شريك، عن عثمان بن أبـي زرعة، عن مـجاهد ، عن ابن عباس فـي يُجْبَى إلْـيهِ ثَمَرَاتُ كُلّ شَيْءٍ قال: ثمرات الأرض.

و قوله: رِزْقا مَنْ لَدنّا يقول: ورزقا رزقناهم من لدنا، يعني : من عندنا وَلَكِنّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَـمُونَ

يقول تعالـى ذكره: ولكن أكثر هؤلاء الـمشركين القائلـين لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : إنْ نَتّبِعِ الهُدَى مَعكَ نُتَـخَطّفْ مِنْ أرْضِنا لا يعلـمون أنا نـحن الذين مكّنا لهم حرما آمنا، ورزقناهم فـيه، وجعلنا الثمرات من كلّ أرض تـجبى إلـيهم، فهم بجهلهم بـمن فعل ذلك بهم يكفرون، لا يشكرون من أنعم علـيهم بذلك.

٥٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مّن بَعْدِهِمْ إِلاّ قَلِيلاً وَكُنّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: وكم أهلكنا من قرية أبطرتها معيشتها، فبَطِرت، وأَشِرت، وطَغَت، فكفرت ربها. و

قـيـل: بطرت معيشتها، فجعل الفعل للقرية، وهو فـي الأصل للـمعيشة، كما يقال: أَسْفَهَك رأيك فسَفِهته، وأبطرك مالك فبطِرته، والـمعيشة منصوبة علـى التفسير.

وقد بـيّنا نظائر ذلك فـي غير موضع من كتابنا هذا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٧٧ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وكَمْ أهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها قال: البطر: أَشَرّ أهل الغفلة وأهل البـاطل والركوب لـمعاصي اللّه ، وقال: ذلك البطر فـي النعمة فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَـمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إلاّ قَلِـيلاً يقول: فتلك دور القوم الذين أهلكناهم بكفرهم بربهم ومنازلهم، لـم تسكن من بعدهم إلاّ قلـيلاً، يقول: خربت من بعدهم، فلـم يعمر منها إلاّ أقلها، وأكثرها خراب. ولفظ الكلام وإن كان خارجا علـى أن مساكنهم قد سُكِنت قلـيلاً، فإن معناه: فتلك مساكنهم لـم تسكن من بعدهم إلاّ قلـيلاً منها، كما يقال: قضيت حقك إلاّ قلـيلاً منه.

و قوله: وكُنّا نَـحْنُ الوَارِثِـينَ يقول: ولـم يكن لـما خرّبنا من مساكنهم منهم وارث، وعادت كما كانت قبل سُكناهم فـيها، لا مالك لها إلاّ اللّه ، الذي له مِيراث السموات والأرض.

٥٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا كَانَ رَبّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىَ حَتّىَ يَبْعَثَ فِيَ أُمّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنّا مُهْلِكِي الْقُرَىَ إِلاّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وَما كانَ رَبّكَ يا مـحمد مُهْلِكَ القُرَى التـي حوالـي مكة فـي زمانك وعصرك. حتـى يَبْعَثَ فِـي أُمّها رَسُولاً يقول: حتـى يبعث فـي مكة رسولاً، وهي أمّ القرى، يتلو علـيهم آيات كتابنا، والرسول: مـحمد صلى اللّه عليه وسلم . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٧٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة حتـى يَبْعَثَ فـي أُمّها رَسُولاً وأمّ القرى مكة، وبعث اللّه إلـيهم رسولاً: مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم .

و قوله: وَما كُنّا مُهْلِكِي القُرَى إلاّ وأهْلُها ظالِـمُونَ يقول: ولـم نكن لنهلك قرية وهي بـاللّه مؤمنة إنـما نهلكها بظلـمها أنفسها بكفرها بـاللّه ، وإنـما أهلكنا أهل مكة بكفرهم بربهم وظلـم أنفسهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٨٠حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: حدثنا أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَما كُنّا مُهْلِكي القُرَى إلاّ وأهْلُها ظالِـمُونَ قال اللّه : لـم يهلك قرية بإيـمان، ولكنه يهلك القرى بظلـم إذا ظلـم أهلها، ولو كانت قرية آمنت لـم يهلكوا مع من هلك، ولكنهم كذّبوا وظلـموا، فبذلك أُهلكهوا.

٦٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَآ أُوتِيتُم مّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللّه خَيْرٌ وَأَبْقَىَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وما أُعطيتـم أيها الناس من شيء من الأموال والأولاد، فإنـما هو متاع تتـمتعون به فـي هذه الـحياة الدنـيا، وهو من زينتها التـي يترين به فـيها، لا يغنى عنكم عند اللّه شيئا، ولا ينفعكم شيء منه فـي معادكم، وما عند اللّه لأهل طاعته وولايته خير مـما أوتـيتـموه أنتـم فـي هذه الدنـيا من متاعها وزينتها وأبقـى، يقول: وأبقـى لأهله، لأنه دائم لا نفـاد له. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٨١حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، فـي قوله وَما عِنْدَ اللّه خَيْرٌ وأبْقَـى قال: خير ثوابـا، وأبقـى عندنا أفَلاَ تَعْقِلُونَ

يقول تعالـى ذكره: أفلا عقول لكم أيها القوم تتدبرون بها فتعرفون بها الـخير من الشرّ، وتـختارون لأنفسكم خير الـمنزلتـين علـى شرّهما، وتؤثرون الدائم الذي لا نفـاد له من النعيـم، علـى الفـانـي الذي لا بقاء له.

٦١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاَقِيهِ كَمَن مّتّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا ثُمّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: أفمن وعدناه من خـلقنا علـى طاعته إيانا الـجنة، فآمن بـما وعدناه وصدّق وأطاعنا، فـاستـحقّ بطاعته إيانا أن ننـجز له ما وعدناه، فهو لاق ما وعد، وصائر إلـيه كمن متّعناه فـي الـحياة الدنـيا متاعها، فتـمتع به، ونسي العمل بـما وعدنا أهل الطاعة، وترك طلبه، وآثر لذّة عاجلة علـى آجله، ثم هو يوم القـيامة إذا ورد علـى اللّه من الـمـحضرين، يعني من الـمُشْهَدِين عذابَ اللّه ، وألـيـمَ عقابه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٧٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله أفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْدا حَسَنا فَهُوَ لاقِـيهِ قال: هو الـمؤمن سمع كتاب اللّه فصدّق به وآمن بـما وعد اللّه فـيه كمَنْ مَتّعْناهُ مَتاعَ الْـحَياةِ الدّنْـيا هو هذا الكافر، لـيس واللّه كالـمؤمن ثُمّ هُوَ يَوْمَ القِـيامَةِ مِنَ الـمُـحْضَرِينَ: أي فـي عذاب اللّه .

٢٠٩٨٠ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قال ابن عمرو فـي حديثه: قوله مِنَ الـمُـحْضَرِينَ قال: أحضروها. وقال الـحارث فـي حديثه ثُمّ هُوَ يَوْمَ القِـيَامَةِ مِنَ الـمُـحْضرِين أهلَ النار، أُحْضِروها.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ثُمّ هُوَ يَوْمَ القِـيامَةِ مِنَ الـمُـحْضَرِينَ قال: أهل النار، أُحْضِروها.

واختلف أهل التأويـل فـيـمن نزلت فـيه هذه الاَية، فقال بعضهم: نزلت فـي النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وفـي أبـي جهل بن هشام. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٨١ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا أبو النعمان الـحكم بن عبد اللّه العجلـي، قال: حدثنا شعبة، عن أبـان بن تغلب عن مـجاهد أفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْدا حَسَنا فَهُوَ لاقِـيهِ، كمَنْ مَتّعْناهُ مَتاعَ الـحَياةِ الدّنْـيا، ثُمّ هُوَ يَوْمَ القِـيامَةِ مِنَ الـمُـحْضَرِينَ قال: نزلت فـي النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وفـي أبـي جهل بن هشام.

٢٠٩٨٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج أفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْدا حَسَنا فَهُوَ لاقِـيهِ قال: النبي صلى اللّه عليه وسلم .

وقال آخرون: نزلت فـي حمزة وعلـيّ رضي اللّه عنهما، وأبـي جهل لعنه اللّه . ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٨٣ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا بَدَل بن الـمُـحَبّر التغلَبـيّ، قال: حدثنا شعبة، عن أبـان بن تغلب، عن مـجاهد أفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْدا حَسَنا فَهُوَ لاقِـيهِ كمَنْ مَتّعْناهُ مَتاعَ الْـحَياةِ الدّنْـيا، ثمّ هُوَ يَوْمَ القِـيامَةِ مِنَ الـمُـحْضَرِينَ قال: نزلت فـي حمزة وعلـيّ بن أبـي طالب، وأبـي جهل.

٢٠٩٨٤ـ قال: حدثنا عبد الصمد، قال: حدثنا شعبة عن أبـان بن تغلب، عن مـجاهد ، قال: نزلت فـي حمزة وأبـي جهل.

٦٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ}.

يقول تعالـى ذكره: ويوم ينادي ربّ العزّة الذين أشركوا به الأنداد والأوثان فـي الدنـيا، فـيقول لهم: أيْنَ شُرَكائِيَ الّذِينَ كُنْتُـمْ تَزْعُمُونَ أنهم لـي فـي الدنـيا شركاء؟

٦٣

قالَ الّذِينَ حَقّ عَلَـيْهِمُ الْقَوْلُ يقول: قال الذين وجب علـيهم غضب اللّه ولعنته، وهم الشياطين الذين كانوا يُغْوُون بنـي آدم: رَبّنا هَؤلاءِ الّذِينَ أغْوَيْنا، أغْوَيْناهُمْ كمَا غَوَيْنا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٨٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة ، فـي قوله هَؤُلاءِ الّذِينَ أغْوَيْنا، أغْوَيْناهُمْ كمَا غَوَيْنا قال: هم الشياطين.

و قوله: تَبرّأنا إلَـيْكَ يقول: تبرأنا من وَلايتهم ونُصْرتهم إلـيك ما كانُوا إِيّانَا يَعْبُدُونَ: يقول: لـم يكونوا يعبدوننا.

٦٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقِيلَ ادْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ لَوْ أَنّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وقـيـل للـمشركين بـاللّه الاَلهة والأنداد فـي الدنـيا ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ الذين كنتـم تدعون من دون اللّه فَدَعَوْهُمْ فَلَـمْ يَسْتَـجِيبُوا لَهُمْ يقول: فلـم يُجيبوهم. ورأَوُا العَذَابَ: يقول: وعاينوا العذاب لَوْ أنّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ يقول: فودّوا حين رأوا العذاب لو أنهم كانوا فـي الدنـيا مُهتدين للـحقّ.

٦٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: ويوم ينادي اللّه هؤلاء الـمشركين، فـيقول لهم ماذَا أجَبْتُـمُ الـمُرْسَلِـينَ فـيـما أرسلناهم به إلـيكم، من دعائكم إلـى توحيدنا، والبراءة من الأوثان والأصنام فَعَمِيَتْ عَلَـيْهِمُ الأنْبـاءُ يَوْمَئِذٍ يقول: فخفـيت علـيهم الأخبـار، من قولهم: قد عَمِي عنـي خبر القوم: إذا خفـي. وإنـما عُنِـي بذلك أنهم عميت علـيهم الـحجة، فلـم يدرُوا ما يحتـجون، لأن اللّه تعالـى قد كان أبلغ إلـيهم فـي الـمعذرة، وتابع علـيهم الـحجة، فلـم تكن لهم حجة يحتـجون بها، ولا خبر يُخْبرون به، مـما تكون لهم به نـجاة ومَخْـلَص. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٨٧ـ قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، فـي قوله وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَـيَقُولُ ماذَا أجَبْتُـمُ الـمُرْسَلِـينَ قال: بلا إله إلاّ اللّه ، التوحيد.

٦٦

٢٠٩٨٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فَعَمِيَتْ عَلَـيْهِمُ الأنْبـاءُ قال: الـحجج، يعني الـحجة.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد فَعَمِيَتْ عَلَـيْهِمُ الأنْبـاءُ قال: الـحجج.

و قوله: فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ بـالأنساب والقرابة. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٨٨ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فهُمْ لا يَتَساءَلُونَ قال: لا يتساءلون بـالأنساب، ولا يتـماتّون بـالقرابـات، إنهم كانوا فـي الدنـيا إذا التقوا تساءلوا وتـماتّوا.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد فَهُمْ لا يتَساءَلونَ قال: بـالأنساب. وقـيـل معنى ذلك: فعَمِيت علـيهم الـحجج يومئذٍ، فسكتوا، فهم لا يتساءلون فـي حال سكوتهم.

٦٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَأَمّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَىَ أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: فأمّا مَنْ تابَ من الـمشركين، فأناب وراجع الـحقّ، وأخـلص للّه الألوهة، وأفرد له العبـادة، فلـم يشرك فـي عبـادته شيئا وآمَنَ يقول: وصدّق بنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم . وعَمِلَ صَالِـحا يقول: وعمل بـما أمره اللّه بعمله فـي كتابه، وعلـى لسان رسوله صلى اللّه عليه وسلم ، فَعَسَى أن يكُونَ مِنَ الـمُفْلِـحِينَ. يقول: فهو من الـمُنْـجِحِين الـمُدْرِكِين طَلِبتهم عند اللّه ، الـخالدين فـي جِنانه، وعسى من اللّه واجب.

٦٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَرَبّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللّه وَتَعَالَىَ عَمّا يُشْرِكُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وَرَبّكَ يا مـحمد يَخْـلُقُ ما يَشاءُ أن يخـلقه، ويَخْتارُ لولايته الـخِيَرة من خـلقه، ومن سبقت له منه السعادة. وإنـما قال جل ثناؤه ويَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الـخِيرَةُ والـمعنى: ما وصفت، لأن الـمشركين كانوا فـيـما ذُكِر عنهم يختارون أموالَهم، فـيجعلونها لاَلهتهم، فقال اللّه لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : وربك يا مـحمد يخـلق ما يشاء أن يخـلقه، ويختار للّهداية والإيـمان والعمل الصالـح من خـلقه، ما هو فـي سابق علـمه أنه خِيَرَتهم، نظير ما كان من هؤلاء الـمشركين لاَلهتهم خيار أموالهم، فكذلك اختـياري لنفسي. واجتبـائي لولايتـي، واصطفـائي لـخدمتـي وطاعتـي، خيارَ مـملكتـي وخـلقـي. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٨٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنِـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَرَبّكَ يَخْـلُقُ ما يَشاءُ ويَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الـخِيرَةُ قال: كانوا يجعلون خَيْر أموالهم لاَلهتهم فـي الـجاهلـية.

فإذا كان معنى ذلك كذلك، فلا شكّ أن (ما) من قوله: ويَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الـخِيرَةُ فـي موضع نصب، بوقوع يختار علـيها، وأنها بـمعنى الذي.

فإن قال قائل: فإن كان الأمر كما وصفت، من أن (ما) اسم منصوب بوقوع قوله يَخْتارُ علـيها، فأين خبر كان؟ فقد علـمت أن ذلك إذا كان كما قلت، أن فـي كان ذِكْرا من ما، ولا بدّ لكان إذا كان كذلك من تـمام، وأين التـمام؟

قـيـل: إن العرب تـجعل لـحروف الصفـات إذا جاءت الأخبـار بعدها أحيانا، أخبـارا، كفعلها بـالأسماء إذا جاءت بعدها أخبـارها. ذَكر الفرّاء أن القاسمَ بن مَعْن أنشده قول عنترة:

أمِنْ سُمَيّةَ دَمْعُ العَيْنِ تَذْرِيفُلَوْ كانَ ذا مِنْكِ قبلَ الـيوْمِ مَعْرُوفُ

فرفع معروفـا بحرف الصفة، وهو لا شكّ خبر لذا، وذُكر أن الـمفَضّل أنشده ذلك:

(لوْ أنّ ذا مِنْكِ قبلَ الـيَوْمِ مَعْرُوفُ )

ومنه أيضا قول عمر بن أبـي ربـيعة:

قُلْتُ أجِيبِـي عاشِقابِحُبّكُمْ مُكَلّفُ

فِـيها ثَلاث كالدّمَىوكاعِبٌ ومُسْلِفُ

فمكلّف من نعت عاشق، وقد رفعه بحرف الصفة، وهو البـاء، فـي أشبـاه لـما ذكرنا بكثـير من الشواهد، فكذلك قوله: ويَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الـخِيرَةُ رُفعت الـخِيَرة بـالصفة، وهي لهم، وإن كانت خبرا لـما، لـما جاءت بعد الصفة، ووقعت الصفة موقع الـخبر، فصار كقول القائل: كان عمرو أبوه قائم، لا شكّ أن قائما لو كان مكان الأب، وكان الأب هو الـمتأخر بعده، كان منصوبـا، فكذلك وجه رفع الـخِيَرة، وهو خبر لـما.

فإن قال قائل: فهل يجوز أن تكون (ما) فـي هذا الـموضع جَحْدا، ويكون معنى الكلام: وربك يخـلق ما يشاء أن يخـلقه، ويختار ما يشاء أن يختاره، فـيكون قوله ويخْتارُ نهاية الـخبر عن الـخـلق والاختـيار، ثم يكون الكلام بعد ذلك مبتدأ بـمعنى: لـم تكن لهم الـخيرة: أي لـم يكن للـخـلق الـخِيَرة، وإنـما الـخِيَرة للّه وحده؟

قـيـل: هذا قول لا يخفـى فساده علـى ذي حِجا، من وجوه، لو لـم يكن بخلافه لأهل التأويـل قول، فكيف والتأويـل عمن ذكرنا بخلافه فأما أحد وجوه فَساده، فهو أن قوله: ما كانَ لَهُمُ الـخيرَةُ لو كان كما ظنه من ظنه، من أن (ما) بـمعنى الـجحد، علـى نـحو التأويـل الذي ذكرت، كان إنـما جحد تعالـى ذكره، أن تكون لهم الـخِيَرة فـيـما مضى قبل نزول هذه الاَية، فأما فـيـما يستقبلونه فلهم الـخِيَرة، لأن قول القائل: ما كان لك هذا، لا شكّ إنـما هو خبر عن أنه لـم يكن له ذلك فـيـما مضى. وقد يجوز أن يكون له فـيـما يستقبل، وذلك من الكلام لا شكّ خُـلْف. لأن ما لـم يكن للـخـلق من ذلك قديـما، فلـيس ذلك لهم أبدا. وبعد، لو أريد ذلك الـمعنى، لكان الكلام: فلـيس. و

قـيـل: وربك يخـلق ما يشاء ويختار، لـيس لهم الـخيرة، لـيكون نفـيا عن أن يكون ذلك لهم فـيـما قبلُ وفـيـما بعد.

والثانـي: أن كتاب اللّه أبـين البـيان، وأوضح الكلام، ومـحال أن يوجد فـيه شيء غير مفهوم الـمعنى، وغير جائز فـي الكلام أن يقال ابتداء: ما كان لفلان الـخِيَرة، ولـما يتقدم قبل ذلك كلام يقتضي ذلك فكذلك قوله: (ويَخْتارُ، ما كانَ لَهُمُ الـخِيَرةُ) ولـم يتقدم قبله من اللّه تعالـى ذكره خبر عن أحد، أنه ادّعى أنه كان له الـخِيَرة، فـيقال له: ما كان لك الـخِيَرة، وإنـما جرى قبله الـخبر عما هو صائر إلـيه أمر من تاب من شركه، وآمن وعمل صالـحا، وأتبع ذلك جل ثناؤه الـخبر عن سبب إيـمان من آمن وعمل صالـحا منهم، وأن ذلك إنـما هو لاختـياره إياه للإيـمان، وللسابق من علـمه فـيه اهتدى. ويزيد ما قلنا من ذلك إبـانة قوله: وَرَبّكَ يَعْلَـمُ ما تُكِنّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ فأخبر أنه يعلـم من عبـاده السرائر والظواهر، ويصطفـي لنفسه ويختار لطاعته من قد علـم منه السريرة الصالـحة، والعلانـية الرضية.

والثالث: أن معنى الـخيرة فـي هذا الـموضع: إنـما هو الـخيرة، وهو الشيء الذي يختار من البهائم والأنعام والرجال والنساء، يقال منه: أُعطي الـخيرة والـخِيرَة، مثل الطّيرة والطّيْرَة، ولـيس بـالاختـيار، وإذا كانت الـخيرة ما وصفنا، فمعلوم أن من أجود الكلام أن يقال: وربك يخـلق ما يشاء، ويختار ما يشاء، لـم يكن لهم خير بهيـمة أو خير طعام، أو خير رجل أو امرأة.

فإن قال: فهل يجوز أن تكون بـمعنى الـمصدر؟

قـيـل: لا، وذلك أنها إذا كانت مصدرا كان معنى الكلام: وربك يخـلق ما يشاء ويختار كون الـخيرة لهم. وإذا كان ذلك معناه، وجب أن لا تكون الشرار لهم من البهائم والأنعام وإذا لـم يكن لهم شرار ذلك وجب أن لا يكون لها مالك، وذلك ما لا يخفـى خطؤه، لأن لـخيارها ولشرارها أربـابـا يـملكونها بتـملـيك اللّه إياهم ذلك، وفـي كون ذلك كذلك فساد توجيه ذلك إلـى معنى الـمصدر.

وقوله سبحانه وتعالـى: عَمّا يُشْرِكُونَ

يقول تعالـى ذكره تنزيها للّه وتبرئة له، وعلوّا عما أضاف إلـيه الـمشركون من الشرك، وما تـخرّصوه من الكذب والبـاطل علـيه. وتأويـل الكلام: سبحان اللّه وتعالـى عن شركهم. وقد كان بعض أهل العربـية يوجهه إلـى أنه بـمعنى: وتعالـى عن الذي يشركون به.

٦٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: حسر سورة القصص) {وَرَبّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وربك يا مـحمد يعلـم ما تـخفـى صدور خـلقه وهو من: أكننت الشيء فـي صدري: إذا أضمرته فـيه، وكننت الشيء: إذا صنته، وما يعلنون: يقول: وما يبدونه بألسنتهم وجوارحهم، وإنـما يعني بذلك أن اختـيار من يختار منهم للإيـمان به علـى علـم منه بسرائر أمورهم وبواديها، وإنه يختار للـخير أهله، فـيوفقهم له، ويولـي الشرّ أهله، ويخـلـيهم وإياه.

٧٠

و قوله: وَهُوَ اللّه لا إلَهَ إلاّ هُوَ

يقول تعالـى ذكره: وربك يا مـحمد الـمعبود الذي لا تصلـح العبـادة إلاّ له، ولا معبود تـجوز عبـادته غيره لَهُ الـحَمْدُ فِـي الأُولـى يعني فـي الدنـيا والاَخرة وَلَهُ الـحُكْمُ يقول: وله القضاء بـين خـلقه وَإلَـيْهِ تُرْجَعُونَ يقول: وإلـيه تردّون من بعد مـماتكم، فـيقضي بـينكم بـالـحقّ.

٧١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللّه عَلَيْكُمُ الْلّيْلَ سَرْمَداً إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـَهٌ غَيْرُ اللّه يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: قل يا مـحمد لهؤلاء الـمشركين بـاللّه : أيها القوم أرأيتـم إن جعل اللّه علـيكم اللـيـل دائما لا نهار إلـى يوم القـيامة يعقبه. والعرب تقول لكلّ ما كان متصلاً لا ينقطع من رخاء أو بلاء أو نعمة هو سرمد. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٩٠ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد قوله: سَرْمَدا: دائما لا ينقطع.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله.

٢٠٩٩١ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله إنْ جَعَلَ اللّه عَلَـيْكُمُ اللّـيْـلَ سَرْمَدا يقول: دائما.

و قوله: مَنْ إلَهٌ غيرُ اللّه يَأْتِـيكُمْ بِضِياءٍ يقول: من معبود غير الـمعبود الذي له عبـادة كل شيء يأتـيكم بضياء النهار، فتستضيئون به أفَلا تَسْمَعُونَ يقول: أفلا تُرْعُون ذلك سمعكم، وتفكرون فـيه فتتعظون، وتعلـمون أن ربكم هو الذي يأتـي بـاللـيـل ويذهب بـالنهار إذا شاء، وإذا شاء أتـى بـالنهار وذهب بـاللـيـل، فـينعم بـاختلافهما كذلك علـيكم.

٧٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللّه عَلَيْكُمُ النّهَارَ سَرْمَداً إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـَهٌ غَيْرُ اللّه يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : قُلْ يا مـحمد لـمشركي قومك أرأيْتُـمْ أيها القوم إنْ جَعَلَ اللّه عَلَـيْكُمُ النّهارَ سَرْمَدا دائما لا لـيـل معه أبدا إلـى يَوْمِ القِـيامَةِ مَنْ إلَهٌ غيرُ اللّه من معبود غير الـمعبود الذي له عبـادة كلّ شيء يَأْتِـيكُمْ بِلَـيْـلٍ تَسْكُنُونَ فِـيهِ فتستقرّون وتهدءون فـيه أفَلا تُبْصِرُونَ يقول: أفلا ترون بأبصاركم اختلاف اللـيـل والنهار علـيكم، رحمة من اللّه لكم، وحجة منه علـيكم، فتعلـموا بذلك أن العبـادة لا تصلـح إلاّ لـمن أنعم علـيكم بذلك دون غيره، ولـمن له القُدرة التـي خالف بها بـين ذلك.

٧٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمِن رّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الْلّيْلَ وَالنّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وَمِنْ رَحْمَتِهِ بكم أيها الناس جَعَلَ لَكُمُ اللّـيْـلَ والنّهارَ فخالف بـينهما، فجعل هذا اللـيـل ظلاما لِتَسْكُنُوا فِـيهِ وتهدءوا وتستقرّوا لراحة أبدانكم فـيه من تعب التصرّف الذي تتصرّفون نهارا لـمعايشكم. وفـي الهاء التـي فـي قوله: لِتَسْكُنُوا فـيه وجهان: أحدهما: أن تكون من ذكر اللـيـل خاصة، ويضمر للنهار مع الابتغاء هاء أخرى. والثانـي: أن تكون من ذكر اللـيـل والنهار، فـيكون وجه توحيدها وهي لهما وجه توحيد العرب فـي قولهم: إقبـالك وإدبـارك يؤذينـي، لأن الإقبـال والإدبـار فعل، والفعل يوحّدُ كثـيره وقلـيـله. وجعل هذا النهار ضياء تبصرون فـيه، فتتصرّفون بأبصاركم فـيه لـمعايشكم، وابتغاء رزقه الذي قسمه بـينكم بفضله الذي تفضل علـيكم.

و قوله: وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ

يقول تعالـى ذكره: ولتشكروه علـى إنعامه علـيكم بذلك، فعل ذلك بكم لتفردوه بـالشكر، وتـخـلصوا له الـحمد، لأنه لـم يشركه فـي إنعامه علـيكم بذلك شريك، فلذلك ينبغي أن لا يكون له شريك فـي الـحمد علـيه.

٧٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }.

 يعني تعالـى ذكره: ويوم ينادي ربك يا مـحمد هؤلاء الـمشركين فـيقول لهم: أيْنَ شُرَكائيَ الّذِينَ كُنْتُـمْ تَزْعُمُونَ أيها القوم فـي الدنـيا أنهم شركائي.

٧٥

و قوله: وَنَزَعْنا مِنْ كُلّ أُمّةٍ شَهِيدا وأحضرنا من كلّ جماعة شهيدها وهو نبـيها الذي يشهد علـيها بـما أجابته أمته فـيـما أتاهم به عن اللّه من الرسالة. و

قـيـل: ونزعنا من قوله: نزع فلان بحجة كذا، بـمعنى: أحضرها وأخرجها.وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٩٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَنَزَعْنا مِنْ كُل أُمّةٍ شَهيدا وشهيدُها: نبـيها، يشهد علـيها أنه قد بَلّغ رسالة ربه.

٢٠٩٩٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد قوله: وَنَزَعْنا مِنْ كُلّ أُمّةِ شَهِيدا قال: رسولاً.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، بنـحوه.

و قوله: فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ يقول: فقلنا لأمة كلّ نبـيّ منهم التـي ردّت نصيحته، وكذّبت بـما جاءها به من عند ربهم، إذ شهد نبـيها علـيها بإبلاغه إياها رسالة اللّه : هاتُوا بِرْهانَكُمْ يقول: فقال لهم: هاتوا حجتكم علـى إشراككم بـاللّه ما كنتـم تشركون مع إعذار اللّه إلـيكم بـالرسل وإقامته علـيكم بـالـحجج. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٩٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ أي بـينتكم.

٢٠٩٩٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ قال: حجتكم لـما كنتـم تعبدون وتقولون.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ قال: حجتكم بـما كنتـم تعبدون.

و قوله: فَعَلِـمُوا أنّ الـحَقّ للّه يقول: فعلـموا حينئذٍ أن الـحجة البـالغة للّه علـيهم، وأن الـحقّ للّه، والصدق خبره، فأيقنوا بعذاب من اللّه لهم دائم وَضَلّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ يقول: واضمـحلّ فذهب الذي كانوا يُشركون بـاللّه فـي الدنـيا، وما كانوا يتـخرّصون، ويكذبون علـى ربّهم، فلـم ينفعهم هنالك بل ضرّهم وأصلاهم نار جهنـم.

٧٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىَ فَبَغَىَ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَآ إِنّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ ... }.

يقول تعالـى ذكره: إنّ قارُونَ وهو قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى يقول: كان من عشيرة موسى بن عمران النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وهو ابن عمه لأبـيه وأمه، وذلك أن قارون هو قارون بن يصهر بن قاهث، وموسى: هو موسى بن عمران بن قاهث، كذا نسبه ابن جُرَيج.

٢٠٩٩٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله: إنّ قارُونَ كانَ مِنْ قَومِ مُوسَى قال: ابن عمه ابن أخي أبـيه، فإن قارون بن يصفر، هكذا قال القاسم، وإنـما هو يصهر بن قاهث، وموسى بن عومر بن قاهث، وعومر بـالعربـية: عمران. وأما ابن إسحاق فإن ابن حميد.

٢٠٩٩٧ـ حدثنا، قال: حدثنا سلـمة عنه، أن يصهر بن قاهث تزوّج سميت بنت بتاويت بن بركنا بن بقشان بن إبراهيـم، فولدت له عمران بن يصهر، وقارون بن يصهر، فنكح عمران بخنت بنت شمويـل بن بركنا بن بقشان بن بركنا، فولدت له هارون بن عمران، وموسى بن عمران صفـيّ اللّه ونبـيه فموسى علـى ما ذكر ابن إسحاق ابن أخي قارون، وقارون هو عمه أخو أبـيه لأبـيه ولأمه. وأكثر أهل العلـم فـي ذلك علـى ما قاله ابن جُرَيج. ذكر من قال ذلك:

٢٠٩٩٨ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا جابر بن نوح، قال: أخبرنا إسماعيـل بن أبـي خالد، عن إبراهيـم، فـي قوله: إنّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى قال: كان ابن عمّ موسى.

٢٠٩٩٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن سماك بن حرب، قال: حدثنا سعيد عن قتادة إنّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى: كنا نـحدّث أنه كان ابن عمه أخي أبـيه، وكان يسمى الـمنوّر من حُسن صوته بـالتوراة، ولكن عدوّ اللّه نافق، كما نافق السامريّ، فأهلكه البغي.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن سماك، عن إبراهيـم إنّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى قال كان ابن عمه فبغى علـيه.

قال: ثنا يحيى القطان، عن سفـيان، عن سماك، عن إبراهيـم، قال: كان قارون ابن عمّ موسى.

قال: ثنا أبو معاوية، عن ابن أبـي خالد، عن إبراهيـم إنّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى قال: كان ابن عمه.

٢١٠٠٠ـ حدثنـي بشر بن هلال الصوّاف، قال: حدثنا جعفر بن سلـيـمان الضّبَعِيّ، عن مالك بن دينار، قال: بلغنـي أن موسى بن عمران كان ابن عمّ قارون.

و قوله: فَبَغَى عَلَـيْهِمْ يقول: فتـجاوز حدّه فـي الكبر والتـجبر علـيهم.

وكان بعضهم يقول: كان بغيه علـيهم زيادة شبر أخذها فـي طول ثـيابه. ذكر من قال ذلك:

٢١٠٠١ـ حدثنـي علـيّ بن سعيد الكنديّ وأبو السائب وابن وكيع قالوا: حدثنا حفص بن غياث، عن لـيث، عن شَهِر بن حَوْشب إنّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَـيْهِمْ قال: زاد علـيهم فـي الثـياب شبرا.

وقال آخرون: كان بغيه علـيهم بكثرة ماله. ذكر من قال ذلك:

٢١٠٠٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: إنـما بغى علـيهم بكثرة ماله.

و قوله: وآتَـيْناهُ مِنَ الكُنُوزِ ما إنّ مَفـاتِـحَهُ لَتَنُوءُ بـالعُصْبَةِ أُولـى القُوّةِ

يقول تعالـى ذكره: وآتـينا قارون من كنوز الأموال ما إن مفـاتـحه، وهي جمع مفتـح، وهو الذي يفتـح به الأبواب.

وقال بعضهم: عنى بـالـمفـاتـح فـي هذا الـموضع: الـخزائن لتُثْقِل العصبة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ما قلنا فـي معنى مفـاتـح:

٢١٠٠٣ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا جابر بن نوح، قال: أخبرنا الأعمش، عن خيثمة، قال: كانت مفـاتـح قارون تـحمل علـى ستـين بغلاً، كلّ مفتاح منها بـاب كنز معلوم مثل الأُصبُع من جلود.

٢١٠٠٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: كانت مفـاتـح كنوز قارون من جلود كل مفتاح مثل الأصبع، كل مفتاح علـى خزانة علـى حدة، فإذا ركب حملت الـمفـاتـيح علـى ستـين بغلاً أغرّ مـحّجل.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن خيثمة، فـي قوله ما إنّ مَفـاتِـحَهُ لَتَنُوء بـالعُصْبَةِ أُولـى القُوّةِ قال: نـجد مكتوبـا فـي الإنـجيـل مفـاتـح قارون وِقر ستـين بغلاً غرّا مـحجلة، ما يزيد كل مفتاح منها علـى أصبع، لكل مفتاح منها كنز.

٢١٠٠٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عيـينة، عن حميد، عن مـجاهد ، قال: كانت الـمفـاتـح من جلود الإبل.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد وآتَـيْناهُ مِن الكُنُوزِ ما إنّ مَفـاتِـحَهُ لَتَنُوءُ بـالعُصْبَةِ قال: مفـاتـح من جلود كمفـاتـح العيدان.

وقال قوم: عنى بـالـمفـاتـح فـي هذا الـموضع: خزائنه. ذكر من قال ذلك:

٢١٠٠٦ـ حدثنا أبو كُرَيت، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا إسماعيـل بن سالـم، عن أبـي صالـح، فـي قوله: ما إنّ مَفـاتِـحَهُ لَتَنُوءُ بـالعُصْبَةِ قال: كانت خزائنه تـحمل علـى أربعين بغلاً.

٢١٠٠٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أبـي حجيرَ، عن الضحاك ما إنّ مَفـاتِـحَهُ قال: أوعيته.

وبنـحو الذي قلنا فـي معنى قوله: لَتَنُوءُ بـالعُصْبَةِ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٠٠٨ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا جابر بن نوح، قال: حدثنا أبو رَوْق، عن الضحاك عن ابن عباس ، فـي قوله: لَتَنُوء بـالعُصْبَةِ قال: لتثقل بـالعصبة.

حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله لَتَنُوءُ بـالعُصْبَةِ يقول: تَثْقُل. وأما العُصبة فإنها الـجماعة.

واختلف أهل التأويـل فـي مبلغ عددها الذي أريد فـي هذا الـموضع فأما مبلغ عدد العصبة فـي كلام العرب فقد ذكرناه فـيـما مضى بـاختلاف الـمختلفـين فـيه، والرواية فـي ذلك، والشواهد علـى الصحيح من قولهم فـي ذلك بـما أغنـي عن إعادته فـي هذا الـموضع، فقال بعضهم: كانت مفـاتـحه تنوء بعصبة مبلغ عددها أربعون رجلاً. ذكر من قال ذلك:

٢١٠٠٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا هشيـم، عن إسماعيـل بن سالـم، عن أبـي صالـح، قوله: لَتَنُوءُ بـالعُصْبَةِ قال: أربعون رجلاً.

٢١٠١٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد عن قتادة لَتَنُوءُ بـالعُصْبَةِ قال: ذكر لنا أن العصبة ما بـين العشرة إلـى الأربعين.

٢١٠١١ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: لَتَنُوءُ بـالعُصْبَةِ أُولـى القُوّةِ: يزعمون أن العصبة أربعون رجلاً، ينقلون مفـاتـحه من كثرة عددها.

٢١٠١٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وآتَـيْناهُ مِنَ الكُنُوزِ ما إنّ مَفـاتِـحَهُ لَتَنُوءُ بـالعُصْبَةِ أُولـى القُوّةِ قال: أربعون رجلاً.

وقال آخرون: ستون، وقال: كانت مفـاتـحه تـحمل علـى ستـين بغلاً.

٢١٠١٣ـ حدثنا كذلك ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن الأعمش، عن خيثمة.

وقال آخرون: كانت تـحمل علـى ما بـين ثلاثة إلـى عشرة. ذكر من قال ذلك:

٢١٠١٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جابر بن نوح، عن أبـي روق، عن الضحاك ، عن ابن عباس لَتَنُوءُ بـالعُصْبَةِ قال: العصبة: ثلاثة.

٢١٠١٥ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا جابر بن نوح، قال: حدثنا أبو روق، عن الضحاك ، عن ابن عباس لَتَنُوءُ بـالعُصْبَةِ قال: العصبة: ما بـين الثلاثة إلـى العشرة.

وقال آخرون: كانت تـحمل ما بـين عشرة إلـى خمسة عشرة. ذكر من قال ذلك:

٢١٠١٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه : ما إنّ مَفـاتِـحَهُ لَتَنُوءُ بـالعُصْبَةِ قال: العُصْبة: ما بـين العشرة إلـى الـخمسة عشر.

٢١٠١٧ـ حدثنا القاسم قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد لَتَنُوءُ بـالعُصْبَة قال: العصبة: خمسة عشر رجلاً.

و قوله: أُولـى القُوّةِ يعني : أولـى الشدّة. وقال مـجاهد فـي ذلك ما:

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد أُولـى القُوّةِ قال: خمسةَ عَشَر.

فإن قال قائل: وكيف قـيـل وآتَـيْناهُ مِنَ الكُنُوزِ ما إنّ مَفـاتِـحَهُ لَتَنُوءُ بـالعُصْبَةِ وكيف تنوء الـمفـاتـح بـالعصبة، وإنـما العصبة هي التـي تنوء بها؟

قـيـل: اختلف فـي ذلك أهل العلـم بكلام العرب، فقال بعض أهل البصرة: مـجاز ذلك: ما إن العصبة ذوي القوّة لتنوء بـمفـاتـح نعمه. قال: ويقال فـي الكلام: إنها لتنوء بها عجيزتها، وإنـما هو: تنوء بعجيزتها كما ينوء البعير بحمله، قال: والعرب قد تفعل مثل هذا. قال الشاعر:

فَدَيْتُ بِنَفْسِهِ نَفْسِي وَمالـيوما آلُوكَ إلاّ ما أُطِيقُ

والـمعنى: فديت بنفسي وبـمالـي نفسه.

وقال آخر:

وَتَرْكَبُ خَيْلاً لا هَوَادَةَ بَـيْنَهاوَتَشْقَـى الرّماحُ بـالضّياطِرَةِ الـحُمْرِ

وإنـما تشقـى الضياطرة بـالرماح. قال: والـخيـل هاهنا: الرجال.

وقال آخر منهم ما إنّ مَفـاتِـحَهُ قال: وهذا موضع لا يكاد يبتدأ فـيه (إن) ، وقد قال: إن الـموت الذي تفرّون منه فإنه ملاقـيكم.

و قوله: لَتَنُوءُ بـالعُصْبَةِ إنـما العصبة تنوء بها وفـي الشعر:

(تَنُوءُ بِها فَتُثْقِلُها عَجِيزَتُها )

ولـيست العجيزة تنوء بها، ولكنها هي تنوء بـالعجيزة وقال الأعشى:

ما كُنْتَ فِـي الـحَرْبِ العَوَانِ مُغَمّرَاإذْ شَبّ حَرّ وَقُودِها أجْذَالَهَا

وكان بعض أهل العربـية من الكوفـيـين يُنكر هذا الذي قاله هذا القائل، وابتداء إن بعد ما، ويقول: ذلك جائز مع وما من، وهو مع ما ومَنْ أجود منه مع الذي، لأن الذي لا يعمل فـي صلته، ولا تعمل صلته فـيه، فلذلك جاز، وصارت الـجملة عائد (ما) ، إذ كانت لا تعمل فـي (ما) ، ولا تعمل (ما) فـيها قال: وحَسُن مع (ما) و (من) ، لأنهما يكونان بتأويـل النكرة إن شئت، والـمعرفة إن شئت، فتقول: ضربت رجلاً لـيقومنّ، وضربت رجلاً إنه لـمـحسن، فتكون (مَنْ و ما) تأويـل هذا، ومع (الذي) أقبح، لأنه لا يكون بتأويـل النكرة.

وقال آخر منهم فـي قوله: لَتَنُوءُ بـالعُصْبَةِ: نَوْءُها بـالعصبة: أن تُثْقلهم وقال: الـمعنى: إن مفـاتـحه لتنـيءُ العصبة: تـميـلهن من ثقلها، فإذا أدخـلت البـاء قلت: تَنُوء بهم، كما قال: آتُونِـي أُفْرِغْ عَلَـيْهِ قِطْرَا قال والـمعنى: آتونـي بقطر أفرغ علـيه فإذا حُذفت البـاء، زدت علـى الفعل ألفـا فـي أوّله ومثله: فأجاءَها الـمَخاضُ معناه: فجاء بها الـمخاض وقال: قد قال رجل من أهل العربـية: ما إن العصبة تَنُوء بـمفـاتـحه، فحوّل الفعل إلـى الـمفـاتـح، كما قال الشاعر:

إنّ سِرَاجا لَكَرِيـمٌ مَفْخَرُهْتَـحْلَـى بهِ العَيْنُ إذَا ما تَـجْهَرُهْ

وهو الذي يحلَـى بـالعين، قال: فإن كان سمع أثرا بهذا، فهو وجه، وإلاّ فإن الرجل جهل الـمعنى. قال: وأنشدنـي بعض العرب:

حتـى إذَا ما الْتَأَمَتْ مَوَاصِلُهْونَاءَ فِـي شِقّ الشّمالِ كاهِلُهْ

 يعني : الرامي لِـما أخذ القوس، ونزع مال علـيها. قال: ونرى أن قول العرب: ما ساءك، وناءك من ذلك، ومعناه: ما ساءك وأناءك من ذلك، إلاّ أنه ألقـى الألف لأنه متبع لساءك، كما قالت العرب: أكلت طعاما فهنأنـي ومرأنـي، ومعناه: إذا أفردت: وأمرأنـي فحذفت منه الألف لـما أتبع ما لـيس فـيه ألف.

وهذا القول الاَخر فـي تأويـل قوله: لَتَنُوءُ بـالعُصْبَةِ: أولـى بـالصواب من الأقوال الأُخَر، لـمعنـيـين: أحدهما: أنه تأويـل موافق لظاهر التنزيـل. والثانـي: أن الاَثار التـي ذكرنا عن أهل التأويـل بنـحو هذا الـمعنى جاءت، وأن قول من قال: معنى ذلك: ما إن العصبة لتنوء بـمفـاتـحه، إنـما هو توجيه منهم إلـى أن معناه: ما إن العصبة لتنهض بـمفـاتـحه وإذا وجه إلـى ذلك لـم يكن فـيه من الدلالة علـى أنه أريد به الـخبر عن كثرة كنوزه، علـى نـحو ما فـيه، إذا وجه إلـى أن معناه: إن مفـاتـحه تثقل العصبة وتـميـلها، لأنه قد تنهض العصبة بـالقلـيـل من الـمفـاتـح وبـالكثـير. وإنـما قصد جل ثناؤه الـخبر عن كثرة ذلك، وإذا أريد به الـخبر عن كثرته، كان لا شكّ أن الذي قاله من ذكرنا قوله، من أن معناه: لتنوء العصبة بـمفـاتـحه، قول لا معنى له، هذا مع خلافه تأويـل السلف فـي ذلك.

و قوله: إذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ، إنّ اللّه لا يُحِبّ الفَرِحِينَ يقول: إذ قال قومه: لا تبغ ولا تَبْطَر فرحا، إن اللّه لا يحبّ من خـلقه الأَشِرِين البَطِرِين. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٠١٨ـ حدثنـي علـي، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله إنّ اللّه لا يُحِبّ الفَرِحِينَ يقول: الـمَرِحِين.

٢١٠١٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن مـحمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبـي بَزّة، عن مـجاهد ، فـي قوله: لا تَفْرَحْ إنّ اللّه لاَ يُحِبّ الفَرِحِينَ قال: الـمتبذّخين الأَشِرين البَطِرين، الذين لا يشكرون اللّه علـى ما أعطاهم.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن جابر، قال: سمعت مـجاهد ا يقول فـي هذه الاَية إن اللّه لا يُحِبّ الفَرِحِينَ قال: الأَشِرين البَطِرِين البَذِخين.

٢١٠٢٠ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا العوّام، عن مـجاهد ، فـي قوله لا تَفْرَحْ إنّ اللّه لا يُحِبّ الفَرِحِينَ قال: يعني به البغي.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه : لا تَفْرَحْ إنّ اللّه لا يُحِبّ الفَرِحِينَ قال: الـمتبذّخين الأشرين، الذين لا يشكرون اللّه فـيـما أعطاهم.

حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، مثله إلاّ أنه قال: الـمتبذّخين.

حدثنا مـحمد بن عبد اللّه الـمُخَرّميّ، قال: ثنـي شَبَـابة، قال: ثنـي ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد لا تَفْرَحْ إنّ اللّه لا يُحِبّ الفَرِحِينَ قال: الأشِرينَ البَطِرِين.

٢١٠٢١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، إذ قال له قومه لا تَفْرَحْ: أي لا تـمرح إنّ اللّه لا يُحِبّ الفَرِحِينَ: أي إن اللّه لا يحبّ الـمَرِحين.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد لا تَفْرَحْ إنّ لا يُحِبّ الفَرِحِينَ قال: الأَشِرِين البطرين، الذين لا يشكرون اللّه فـيـما أعطاهم.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا العوّام، عن مـجاهد ، فـي قوله إذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ، إنّ اللّه لا يُحِبّ الفَرِحِينَ قال: هو فَرَح البَغْي.

٧٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَابْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ اللّه الدّارَ الاَخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدّنْيَا}.

يقول تعالـى ذكره، مخبرا عن قـيـل قوم قارون له: لا تبغ يا قارون علـى قومك، بكثرة مالك، والتـمس فـيـما آتاك اللّه من الأموال خيرات الاَخرة، بـالعمل فـيها بطاعة اللّه فـي الدنـيا.

و قوله: وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدّنْـيا يقول: ولا تترك نصيبك وحظك من الدنـيا، أن تأخذ فـيها بنصيبك من الاَخرة، فتعمل فـيه بـما ينـجيك غدا من عقاب اللّه . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٠٢٢ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدّنْـيا، وأحْسِنْ كمَا أحْسَنَ اللّه إلَـيْكَ يقول: لا تترك أن تعمل للّه فـي الدنـيا.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن سفـيان، عن الأعمش، عن ابن عباس وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدّنْـيا قال: أن تعمل فـيها لاَخرتك.

٢١٠٢٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا قرة بن خالد، عن عون بن عبد اللّه وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدّنْـيا قال: إن قوما يضعونها علـى غير موضعها. ولا تنس نصيبك من الدنـيا: تعمل فـيها بطاعة اللّه .

٢١٠٢٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا عبد اللّه بن الـمبـارك، عن معمر، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدّنْـيا قال: العمل بطاعته.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن يـمان، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قال: تعمل فـي دنـياك لاَخرتك.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدّنْـيا قال: العمل فـيها بطاعة اللّه .

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، مثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن عيسى الـجُرَشِيّ، عن مـجاهد وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدّنْـيا قال: أن تعمل فـي دنـياك لاَخرتك.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن مـجاهد ، قال: العمل بطاعة اللّه : نصيبه من الدنـيا، الذي يُثاب علـيه فـي الاَخرة.

٢١٠٢٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدّنْـيا قال: لا تنس أن تقدّم من دنـياك لاَخرتك، فإِنـما تـجد فـي آخرتك ما قدّمت فـي الدنـيا، فـيـما رزقك اللّه .

وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تترك أن تطلب فـيها حَظّك من الرزق. ذكر من قال ذلك:

٢١٠٢٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدّنْـيا: قال الـحسن: ما أحلّ اللّه لك منها، فإن لك فـيه غِنًى وكفـاية.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا مـحمد بن حميد الـمَعْمَريّ، عن مَعْمر، عن قتادة : وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدّنْـيا قال: طَلَب الـحَلال.

٢١٠٢٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حفص، عن أشعث، عن الـحسن وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدّنْـيا: قال: قدّم الفضل، وأمسك ما يبلغك.

٢١٠٢٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: الـحلال فـيها.

و قوله: وأحْسِنْ كمَا أحْسَنَ اللّه إلَـيْكَ يقول: وأحسن فـي الدنـيا إنفـاق مالك الذي آتاكه اللّه ، فـي وجوهه وسبُله، كما أحسن اللّه إلـيك، فوسع علـيك منه، وبسط لك فـيها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٠٢٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وأحْسِنْ كمَا أحْسَنَ اللّه إلَـيْكَ قال: أحسن فـيـما رزقك اللّه وَلا تَبْغِ الفَسادَ فِـي الأرْضِ يقول: ولا تلتـمس ما حرّم اللّه علـيك من البغي علـى قومك إنّ اللّه لا يُحِبّ الـمُفْسِدِينَ يقول: إن اللّه لا يحبّ بُغاة البغي والـمعاصي.

٧٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ إِنّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىَ عِلْمٍ عِندِيَ أَوَلَمْ يَعْلَمْ ...}.

يقول تعالـى ذكره: قال قارون لقومه الذين وعظوه: إنـما أوتـيتُ هذه الكنوز علـى فضل علـم عندي، علـمه اللّه منـي، فرضي بذلك عنـي، وفَضلنـي بهذا الـمال علـيكم، لعلـمه بفضلـي علـيكم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٠٣٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة قالَ إنّـمَا أُوتِـيتُهُ عَلـى عِلْـمٍ عِنْدِي قال: علـى خبر عندي.

٢١٠٣١ـ قال: حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله إنّـمَا أُوتـيتُهُ عَلـى عِلْـمٍ عِنْدِي قال: لولا رضا اللّه عنـي ومعرفته بفضلـي ما أعطانـي هذا، وقرأ: أوَ لَـمْ يَعْلَـمْ أنّ اللّه قَدْ أهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أشَدّ مِنْهُ قُوّةً وأكْثَرُ جَمْعا... الاَية.

وقد

قـيـل: إن معنى قوله: عِنْدِي بـمعنى: أرَى، كأنه قال: إنـما أوتـيته لفضل علـمي، فـيـما أرَى.

و قوله: أوَ لَـمْ يَعْلَـمْ أنّ اللّه قَدْ أهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أشَدّ مِنْهُ قُوّةً وأكْثَرُ جَمْعا

يقول جلّ ثناؤه: أو لـم يعلـم قارون حين زعم أنه أوتـي الكنوز لفضل علـم عنده علـمته أنا منه، فـاستـحقّ بذلك أن يُؤتـى ما أُوتـي من الكنوز، أن اللّه قد أهلك من قبله من الأمـم من هو أشدّ منه بطشا، وأكثر جمعا للأموال ولو كان اللّه يؤتـي الأموال من يؤتـيه لفضل فـيه وخير عنده، ولرضاه عنه، لـم يكن يهلك من أهلك من أربـاب الأموال الذين كانوا أكثر منه مالاً، لأن من كان اللّه عنه راضيا، فمـحال أن يهلكه اللّه ، وهو عنه راض، وإنـما يهلك من كان علـيه ساخطا.

و قوله: وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الـمُـجْرِمُونَ

قـيـل: إن معنى ذلك أنهم يدخـلون النار بغير حساب. ذكر من قال ذلك:

٢١٠٣٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا سفـيان، عن عمر، عن قتادة وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الـمُـجْرِمُونَ قال: يُدْخَـلون النار بغير حساب.

و

قـيـل: معنى ذلك: أن الـملائكة لا تسأل عنهم، لأنهم يعرفونهم بسيـماهم. ذكر من قال ذلك:

٢١٠٣٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الـمُـجْرِمُونَ ك قوله: يُعْرَفُ الـمُـجْرِمُونَ بِسِيـماهُمْ زرقا سود الوجوه، والـملائكة لا تسأل عنهم قد عرفتهم.

وقـيـل معنى ذلك: ولا يُسأل عن ذنوب هؤلاء الذين أهلكهم اللّه من الأمـم الـماضية الـمـجرمون فـيـم أهلكوا. ذكر من قال ذلك:

٢١٠٣٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا موسى بن عبـيدة، عن مـحمد بن كعب وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الـمُـجْرِمُونَ قال: عن ذنوب الذين مضوا فـيـم أهلكوا، فـالهاء والـميـم فـي قوله عَنْ ذُنُوبِهِم علـى هذا التأويـل لـمن الذي فـي قوله: أوَ لَـمْ يَعْلَـمْ أنّ اللّه قَدْ أهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أشَدّ مِنْهُ قُوّةً. وعلـى التأويـل الأوّل الذي قاله مـجاهد وقتادة للـمـجرمين، وهي بأن تكون من ذكر الـمـجرمين أولـى، لأن اللّه تعالـى ذكره غير سائل عن ذنوب مذنب غير من أذنب، لا مؤمن ولا كافر. فإذ كان ذلك كذلك، فمعلوم أنه لا معنى لـخصوص الـمـجرمين، لو كانت الهاء والـميـم اللتان فـي قوله عَنْ ذُنُوبِهم لـمن الذي فـي قوله مَنْ هُوَ أشَدّ مِنْهُ قُوّةً من دون الـمؤمنـين، يعني لأنه غير مسؤول عن ذلك مؤمن ولا كافر، إلاّ الذين ركبوه واكتسبوه.

٧٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَخَرَجَ عَلَىَ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا يَلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ قَارُونُ إِنّهُ لَذُو حَظّ عَظِيمٍ }.

يقول تعالـى ذكره: فخرج قارون علـى قومه فـي زينته، وهي فـيـما ذكر ثـياب الأُرْجُوان. ذكر من قال ذلك:

٢١٠٣٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا طلـحة بن عمرو، عن أبـي الزبـير، عن جابر فخَرَجَ عَلـى قَوْمِهِ فِـي زِينَتِهِ قال: فـي القِرْمز.

٢١٠٣٦ـ قال: ثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن عثمان بن الأسود، عن مـجاهد فَخَرَجَ عَلـى قَوْمِهِ فِـي زِينَتِهِ قال: فـي ثـياب حُمْر.

٢١٠٣٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن عثمان بن الأسود، عن مـجاهد فخَرَجَ عَلـى قَوْمِهِ فِـي زِينَتِهِ قال: علـى بَراذين بِـيض، علـيها سروج الأُرْجُوان، علـيهم الـمعصفرات.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد فخَرَجَ عَلـى قَوْمِهِ فِـي زِينَتِهِ قال: علـيه ثوبـان مُعَصْفران.

وقال ابن جُرَيج: علـى بغلة شهبـاء علـيها الأُرجوان، وثلاث مِئة جارية علـى البغال الشّهْب، علـيهنّ ثـياب حمر.

٢١٠٣٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: ثنـي أبـي ويحيى بن يـمان، عن مبـارك، عن الـحسن فَخَرَجَ عَلـى قَوْمِهِ فِـي زِينَتِهِ قال: فـي ثـياب حُمر وصُفر.

٢١٠٣٩ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن سماك، أنه سمع إبراهيـم النـخَعِيّ، قال فـي هذه الاَية فَخَرَجَ عَلـى قَوْمِهِ فِـي زِينَتِهِ قال: فـي ثـياب حمر.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا شعبة، عن سماك، عن إبراهيـم النـخعيّ، مثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا غندر، قال: حدثنا شعبة، عن سماك، عن إبراهيـم مثله.

٢١٠٤٠ـ حدثنا مـحمد بن عمرو بن علـيّ الـمقدمي، قال: حدثنا إسماعيـل بن حكيـم، قال: دخـلنا علـى مالك بن دينار عشية، وإذا هو فـي ذكر قارون، قال: وإذا رجل من جيرانه علـيه ثـياب مُعَصفرة، قال: فقال مالك: فَخَرَجَ عَلـى قَوْمِهِ فِـي زِينَتِهِ قال: فـي ثـياب مثل ثـياب هذا.

٢١٠٤١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَخَرَجَ عَلـى قَوْمِهِ فِـي زِينَتِهِ: ذُكر لنا أنهم خرجوا علـى أربعة آلاف دابة، علـيهم وعلـى دوابهم الأُرجُوان.

٢١٠٤٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله فَخَرَجَ عَلـى قَوْمِهِ فِـي زِينَتِهِ قال: خرج فـي سبعين ألفـا، علـيهمُ الـمعصفرات، فـيـما كان أبـي يذكر لنا.

قالَ الّذِينَ يُرِيدُونَ الـحَياةَ الدّنْـيا: يا لَـيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِـيَ قارُونُ يقول تعفالـى ذكره: قال الذين يريدون زينة الـحياة الدنـيا من قوم قارون: يا لـيتنا أُعطينا مثل ما أعطى قارون من زينتها إنّهُ لَذُو حَظَ عَظِيـمٍ يقول: إن قارون لذو نصيب من الدنـيا.

٨٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ الّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللّه خَيْرٌ لّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلاَ يُلَقّاهَآ إِلاّ الصّابِرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وقال الذين أوتوا العلـم بـاللّه ، حين رأوا قارون خارجا علـيهم فـي زينته، للذين قالوا يا لـيت لنا مثل ما أوتـي قارون: ويـلكم اتقوا اللّه وأطيعوه، فثواب اللّه وجزاؤه لـمن آمن به وبرسله، وعمل بـما جاءت به رسله من صالـحات الأعمال فـي الاَخرة، خير مـما أوتـي قارون من زينته وماله لقارون.

و قوله: وَلا يُـلَقّاها إلاّ الصّابِرُونَ يقول: ولا يـلقاها: أي ولا يوفّق لقـيـل هذه الكلـمة، وهي قوله: ثَوَابُ اللّه خَيْرٌ لِـمَنْ آمَنَ وعَمِلَ صَالِـحا والهاء والألف كناية عن الكلـمة. وقال: إلاّ الصّابِرُونَ يعني بذلك: الذين صبروا عن طلب زينة الـحياة الدنـيا، وآثروا ما عند اللّه من جزيـل ثوابه علـى صالـحات الأعمال علـى لذّات الدنـيا وشهواتها، فجدّوا فـي طاعة اللّه ، ورفضوا الـحياة الدنـيا.

٨١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللّه وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: فخسفنا بقارون وأهل داره. و

قـيـل: وبداره، لأنه ذكر أن موسى إذ أمر الأرض أن تأخذه أمرها بأخذه، وأخذ من كان معه من جلسائه فـي داره، وكانوا جماعة جلوسا معه، وهم علـى مثل الذي هو علـيه من النفـاق والـمؤازرة علـى أذى موسى. ذكر من قال ذلك:

٢١٠٤٣ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا جابر بن نوح، قال: أخبرنا الأعمش، عن الـمنهال بن عمرو، عن عبد اللّه بن الـحارث، عن ابن عباس ، قال: لـما نزلت الزكاة أتـى قارون موسى، فصالـحه علـى كلّ ألف دينار دينارا، وكلّ ألف شيء شيئا، أو قال: وكلّ ألف شاة شاة (الطبريّ يشكّ) ، قال: ثم أتـى بـيته فحسبه فوجده كثـيرا، فجمع بنـي إسرائيـل، فقال: يا بنـي إسرائيـل إن موسى قد أمركم بكلّ شيء فأطعتـموه، وهو الاَن يريد أن يأخذ من أموالكم، فقالوا: أنت كبـيرنا وأنت سيدنا، فمرنا بـما شئت، فقال: آمركم أن تـجيئوا بفلانة البغيّ، فتـجعلوا لها جُعلاً، فتقذفه بنفسها، فدعوها فجعل لها جُعلاً علـى أن تقذفه بنفسها، ثم أتـى موسى، فقال لـموسى: إن بنـي إسرائيـل قد اجتـمعوا لتأمرهم ولتنهاهم، فخرج إلـيهم وهم فـي براح من الأرض، فقال: يا بنـي إسرائيـل من سرق قطعنا يده، ومن افترى جلدناه، ومن زنى ولـيس له امرأة جلدناه مئة، ومن زنى وله امرأة جلدناه حتـى يـموت، أو رجمناه حتـى يـموت (الطبري يشكّ) ، فقال له قارون: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا قال: فإن بنـي إسرائيـل يزعمون أنك فجرت بفلانة. قال: ادعوها، فإن قالت، فهو كما قالت فلـما جاءت قال لها موسى: يا فلانة، قالت: يا لَبّـيك، قال: أنا فعلت بك ما يقول هؤلاء؟ قالت: لا، وكذبوا، ولكن جعلوا لـي جُعْلاً علـى أن أقذفك بنفسي فوثب، فسجد وهو بـينهم، فأوحى اللّه إلـيه: مُرِ الأرض بـما شئت، قال: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلـى أقدامهم. ثم قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلـى ركبهم. ثم قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلـى حِقِـيّهم، ثم قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلـى أعناقهم قال: فجعلوا يقولون: يا موسى يا موسى، ويتضرّعون إلـيه. قال: يا أرض خذيهم، فـانطبقت علـيهم، فأوحى اللّه إلـيه: يا موسى، يقول لك عبـادي: يا موسى، يا موسى، فلا ترحمهم؟ أما لو إياي دَعَوا، لوجدونـي قريبـا مـجيبـا قال: فذلك قول اللّه : فَخَرَجَ عَلـى قَوْمِهِ فِـي زِينَتِهِ وكانت زينته أنه خرج علـى دوابّ شُقْر علـيها سُروج حُمْر، علـيهم ثـياب مُصَبّغة بـالبَهْرَمان. قالَ الّذِينَ يُرِيدُونَ الـحَياةَ الدّنْـيا: يا لَـيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِـيَ قارُونُ... إلـى قوله إنّه لا يُفْلِـحُ الكافِرُونَ يا مـحمد تِلْكَ الدّارُ الاَخِرَةُ نَـجْعَلُها للّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِـي الأرْضِ وَلا فَسادا، والعاقِبَةُ لِلْـمُتّقِـينَ.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن الـمنهال، عن رجل، عن ابن عباس قال: لـما أمر اللّه موسى بـالزكاة، قال: رَمَوه بـالزنا، فجزع من ذلك، فأرسلوا إلـى امرأة كانت قد أعطوها حكمها، علـى أن ترميه بنفسها فلـما جاءت عظم علـيها، وسألها بـالذي فلق البحر لبنـي إسرائيـل، وأنزل التوراة علـى موسى إلاّ صَدَقت. قالت: إذ قد استـحلفتَنـي، فإنـي أشهد أنك بريء، وأنك رسول اللّه ، فخرّ ساجدا يبكي، فأوحى اللّه تبـارك وتعالـى: ما يبكيك؟ قد سلطناك علـى الأرض، فمرها بـما شئت، فقال: خذيهم، فأخذتهم إلـى ما شاء اللّه ، فقالوا: يا موسى، يا موسى فقال: خذيهم، فأخذتهم إلـى ما شاء اللّه ، فقالوا: يا موسى، يا موسى فخسفتهم. قال: وأصاب بنـي إسرائيـل بعد ذلك شدّة وجوع شديد، فأتَوا موسى، فقالوا: ادع لنا ربك قال: فدعا لهم، فأوحى اللّه إلـيه: يا موسى، أتكلـمنـي فـي قوم قد أظلـم ما بـينـي وبـينهم خطاياهم، وقد دعوك فلـم تـجبهم، أما إيّاي لو دَعَوا لأجبتهم.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن الأعمش، عن الـمنهال، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الأرْضَ قال: قـيـل للأرض خذيهم، فأخذتهم إلـى أعقابهم ثم قـيـل لها: خذيهم، فأخذتهم إلـى ركبهم ثم قـيـل لها: خذيهم، فأخذتهم إلـى أحْقائهم ثم قـيـل لها: خذيهم، فأخذتهم إلـى أعناقهم ثم قـيـل لها: خذيهم، فَخُسِف بهم، فذلك قوله: فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا علـيّ بن هاشم بن البريد، عن الأعمش، عن الـمنهال، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، فـي قوله إنّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى قال: كان ابن عمه، وكان موسى يقضي فـي ناحية بنـي إسرائيـل، وقارون فـي ناحية، قال: فدعا بَغِيّة كانت فـي بنـي إسرائيـل، فجعل لها جُعْلاً علـى أن ترمي موسى بنفسها، فتركته إذا كان يوم تـجتـمع فـيه بنو إسرائيـل إلـى موسى، أتاه قارون فقال: يا موسى ما حدّ من سرق؟ قال: أن تنقطع يده، قال: وإن كنتَ أنت؟ قال: نعم قال: فما حَدّ مَن زنى؟ قال: أن يُرجم، قال: وإن كنت أنت؟ قال: نعم قال: فإنك قد فعلت، قال: وَيْـلَك بـمن؟ قال: بفلانة فدعاها موسى، فقال: أنْشُدك بـالذي أنزل التوراة، أَصَدقَ قارون؟ قالت: اللّه مّ إذ نَشَدْتنـي، فإنـي أشهد أنك برىء، وأنك رسول اللّه ، وأن عدوّ اللّه قارون جعل لـي جُعْلاً علـى أن أرميَك بنفسي قال: فوثب موسى، فخرّ ساجدا للّه، فأوحى اللّه إلـيه أنِ ارفعْ رأسك، فقد أمرت الأرض أن تطيعك، فقال موسى: يا أرضُ خذيهم، فأخذتهم حتـى بلغوا الـحِقْو، قال: يا موسى قال: خذيهم، فأخذتهم حتـى بلغوا الصدور، قال: يا موسى، قال: خذيهم، قال: فذهبوا. قال: فأوحى اللّه إلـيه يا موسى: استغاث بك فلـم تغثه، أما لو استغاث بـي لأجبته ولأغثته.

٢١٠٤٤ـ حدثنا بشر بن هلال الصوّاف، قال: حدثنا جعفر بن سلـيـمان الضبعيّ، قال: حدثنا علـيّ بن زيد بن جدعان، قال: خرج عبد اللّه بن الـحارث من الدار، ودخـل الـمقصورة فلـما خرج منها، جلس وتساند علـيها، وجلسنا إلـيه، فذكر سلـيـمانَ بنِ داود وَقالَ يا أيّها الـمَلأُ أيّكُمْ يَأْتِـينِـي بعَرْشِها قَبْلَ أنْ يَأْتُونِـي مُسْلِـمِينَ... إلـى قوله إنّ رَبّـي غَنِـيّ كَرِيـمٌ ثم سكت عن ذكر سلـيـمان، فقال: إنّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَـيْهِمْ وكان قد أوتـي من الكنوز ما ذكر اللّه فـي كتابه ما إنّ مَفـاتِـحَهُ لَتَنُوءُ بـالْعُصْبَةِ أُولـى القُوّةِ، قالَ إنّـما أُوتِـيتُهُ عَلـى عِلْـمٍ عِنْدِي قال: وعادى موسى، وكان مؤذيا له، وكان موسى يصفح عنه ويعفو، للقرابة، حتـى بنى دارا، وجعل بـاب داره من ذهب، وضرب علـى جدرانه صفـائح الذهب، وكان الـملأ من بنـي إسرائيـل يَغْدُون علـيه ويروحون، فـيطعمهم الطعام، ويحدّثونه ويضحكونه، فلـم تدعْه شِقوته والبلاء، حتـى أرسل إلـى امرأة من بنـي إسرائيـل مشهورة بـالـخَنَا، مشهورة بـالسّبّ، فأرسل إلـيها فجاءته، فقال لها: هل لك أن أُموّلك وأعطيَك، وأخـلطَك فـي نسائي، علـى أن تأتـينـي والـملأ من بنـي إسرائيـل عندي، فتقولـي: يا قارون، ألا تنهى عَنّـي موسى قالت: بلـى. فلـما جلس قارون، وجاء الـملأ من بنـي إسرائيـل، أرسل إلـيها، فجاءت فقامت بـين يديه، فقلب اللّه قلبها، وأحدث لها توبة، فقالت فـي نفسها: لاَءَن أُحْدِث الـيوم توبة، أفضل من أن أوذي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأكذّب عدوّ اللّه له. فقالت: إن قارون قال لـي: هل لك أن أمَوّلك وأعطيَك، وأخـلِطك بنسائي، علـى أن تأتِـينـي والـملأ من بنـي إسرائيـل عندي، فتقولـي: يا قارون ألاَ تنهى عنـي موسى، فلـم أجد توبة أفضل من أن لا أُوذِي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأكذّب عدوّ اللّه فلـما تكلـمت بهذا الكلام، سُقِط فـي يدي قارون، ونكّس رأسه، وسكت الـملأ، وعرف أنه قد وَقَع فـي هَلَكة، وشاع كلامها فـي الناس، حتـى بلغ موسى فلـما بلغ موسى اشتدّ غضبه، فتوضأ من الـماء، وصلّـى وبكى، وقال: يا ربّ عدوّك لـي مؤذ، أراد فضيحتـي وشَيْنـي، يا ربّ سلطنـي علـيه. فأوحى اللّه إلـيه أن مُرِ الأرض بـما شئت تطعك. فجاء موسى إلـى قارون فلـما دخـل علـيه، عرف الشرّ فـي وجه موسى له، فقال: يا موسى ارحمنـي قال: يا أرض خذيهم، قال: فـاضطربت داره، وساخت بقارون وأصحابه إلـى الكعبـين، وجعل يقول: يا موسى، فأخذتهم إلـى رُكَبهم، وهو يتضرّع إلـى موسى: يا موسى ارحمنـي قال: يا أرض خذيهم، قال: فـاضطربت داره وساخت، وخُسف بقارون وأصحابه إلـى سُرَرِهم، وهو يتضرّع إلـى موسى: يا موسى ارحمنـي قال: يا أرض خذيهم، فخُسِف به وبداره وأصحابه. قال: وقـيـل لـموسى صلى اللّه عليه وسلم : يا موسى ما أفظّك. أما وعزّتـي لو إيايَ نادى لأجبته.

٢١٠٤٥ـ حدثنـي بشر بن هلال، قال: حدثنا جعفر بن سلـيـمان، عن أبـي عِمران الـجَوْنـيّ، قال: بلغنـي أنه قـيـل لـموسى: لا أُعَبّدُ الأرض لأحد بعدك أبدا.

٢١٠٤٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهديّ، وعبد الـحميد الـحِمّانـي، عن سفـيان، عن الأغرّ بن الصبـاح، عن خـلـيفة بن حُصين، قال: عبد الـحميد، عن أبـي نصر، عن ابن عباس ، ولـم يذكر ابن مهدي أبـا نصر فَخَسَفنا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ قال: الأرض السابعة.

٢١٠٤٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: بلغنا أنه يخسف به كلّ يوم مِئَة قامة، ولا يبلغ أسفل الأرض إلـى يوم القـيامة، فهو يتـجَلْـجَل فـيها إلـى يوم القـيامة.

٢١٠٤٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا زيد بن حبـان، عن جعفر بن سلـيـمان، قال: سمعت مالك بن دينار، قال: بلغنـي أن قارون يُخْسَف به كلّ يوم مِئَة قامة.

٢١٠٤٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ ذُكر لنا أنه يُخسَف به كلّ يوم قامة، وأنه يتـجلـجل فـيها، لا يبلغ قعرها إلـى يوم القـيامة.

و قوله: فَمَا كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللّه يقول: فلـم يكن له جند يرجع إلـيهم، ولا فئة ينصرونه لـما نزل به من سخطه، بل تبرّءوا منه وَما كانَ مِنَ الـمُنْتَصِرِينَ يقول: ولا كان هو مـمن ينتصر من اللّه إذا أحلّ به نقمته، فـيـمتنع لقوّته منها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٠٥٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَمَا كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ أي جند ينصرونه، وما عنده منعة يـمتنع بها من اللّه .

وقد بـيّنا معنى الفئة فـيـما مضى، وأنها الـجماعة من الناس، وأصلها الـجماعة التـي يفـيء إلـيها الرجل عند الـحاجة إلـيهم، للعون علـى العدوّ، ثم تستعمل ذلك العرب فـي كلّ جماعة كانت عونا للرجل، وظَهْرا له ومنه قول خفـاف:

فَلَـمْ أرَ مِثْلَهُمْ حَيّا لَقاحا وَجَدّكَ بـينَ نَاضِحَةٍ وحَجْرِ

أشَدّ علـى صُرُوفِ الدّهْرِ آداو أكبرَ منهُمُ فِئَةً بِصَبْرِ

٨٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَصْبَحَ الّذِينَ تَمَنّوْاْ مَكَانَهُ بِالأمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنّ اللّه يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَآءُ ...}.

يقول تعالـى ذكره: وأصبح الذين تـمنّوا مكانه بـالأمس من الدنـيا، وغناه وكثرة ماله، وما بسط له منها بـالأمس، يعني قبل أن ينزل به ما نزل من سخط اللّه وعقابه، يقولون: ويْكأنّ اللّه

اختلف فـي معنى وَيْكَأنّ اللّه فأما قتادة ، فإنه رُوي عنه فـي ذلك قولان: أحدهما ما:

٢١٠٥١ـ حدثنا به ابن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن خالد بن عَثْمة، قال: حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة ، قال فـي قوله وَيْكأنّهُ قال: ألـم تر أنه.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَيْكأَنّهُ: أوَ لاَ تَرى أنه.

وحدثنـي إسماعيـل بن الـمتوكل الأشجعي، قال: حدثنا مـحمد بن كثـير، قال: ثنـي معمر، عن قتادة : وَيْكأنّهُ قال: ألـم تَرَ أنه. والقول الاَخر، ما:

٢١٠٥٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة ، فـي قوله: وَيْكأَنّ اللّه يَبْسُطُ الرّزْقَ قال: أو لـم يعلـم أن اللّه وَيْكأنّهُ: أوَ لا يَعلـمُ أنه.

وتأوّل هذا التأويـل الذي ذكرناه عن قتادة فـي ذلك أيضا بعض أهل الـمعرفة بكلام العرب من أهل البصرة، واستشهد لصحة تأويـله ذلك كذلك، بقول الشاعر:

سألَتانِـي الطّلاقَ أنْ رَأَتانِـيقَلّ مالـي، قَدْ جِئْتُـما بِنُكْرِ

وَيْكأنْ مَنْ يَكُنْ لَهُ نَشَب يُحْبَبْ ومَن يفْتَقِرْ يعِشْ عَيْشَ ضُرّ

وقال بعض نـحويّـي الكوفة: (ويكأنّ) فـي كلام العرب: تقرير، كقول الرجل: أما ترى إلـى صُنع اللّه وإحسانه وذكر أنه أخبره من سمع أعرابـية تقول لزوجها: أين ابننا؟ فقال: ويكأنه وراء البـيت. معناه: أما ترينه وراء البـيت قال: وقد يَذْهَب بها بعض النـحويـين إلـى أنها كلـمتان، يريد: وَيْكَ أَنه، كأنه أراد: ويْـلَك، فحذف اللام، فتـجعل (أَنّ) مفتوحة بفعل مضمر، كأنه قال: ويْـلَك اعلـمْ أنه وراء البـيت، فأضمر (اعلـم) . قال: ولـم نـجد العرب تُعْمِل الظنّ مضمرا، ولا العلـم وأشبـاهه فـي (أَنّ) ، وذلك أنه يبطل إذا كان بـين الكلـمتـين، أو فـي آخر الكلـمة، فلـما أضمر جرى مـجرى الـمتأخر ألا ترى أنه لا يجوز فـي الابتداء أن يقول: يا هذا، أنك قائم، ويا هذا أَنْ قمت، يريد: علـمت، أو اعلـم، أو ظننت، أو أظنّ. وأما حذف اللام من قولك: ويْـلَك حتـى تصير: ويْك، فقد تقوله العرب، لكثرتها فـي الكلام، قال عنترة:

وَلَقَدْ شَفَـى نَفْسي وأبْرأَ سُقْمَهاقَوْلُ الفَوَارِسِ وَيْكَ عَنْتَرَ أقْدِم

قال: وقال آخرون: إن معنى قوله وَيْكأَنّ: (وي) منفصلة من كأنّ، كقولك للرجل: وَيْ أما ترى ما بـين يديك؟ فقال: (وي) ثم استأنف، كأن اللّه يبسط الرزق، وهي تعجب، وكأنّ فـي معنى الظنّ والعلـم، فهذا وجه يستقـيـم. قال: ولـم تكتبها العرب منفصلة، ولو كانت علـى هذا لكتبوها منفصلة، وقد يجوز أن تكون كُثّر بها الكلام، فوُصِلت بـما لـيست منه.

وقال آخر منهم: إن (وَيْ) : تنبـيه، وكأن حرف آخر غيره، بـمعنى: لعلّ الأمر كذا، وأظنّ الأمر كذا، لأن كأنّ بـمنزلة أظنّ وأحسب وأعلـم.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصحة: القول الذي ذكرنا عن قتادة ، من أن معناه: ألـم تَرَ، ألـم تعلَـمْ، للشاهد الذي ذكرنا فـيه من قول الشاعر، والرواية عن العرب وأنّ (ويكأنّ) فـي خطّ الـمصحف حرف واحد. ومتـى وجه ذلك إلـى غير التأويـل الذي ذكرنا عن قتادة ، فإِنه يصير حرفـين، وذلك أنه إن وجه إلـى قول من تأوّله بـمعنى: وَيْـلَك اعلـم أن اللّه ، وجب أن يفصل (وَيْكَ) من (أَنّ) ، وذلك خلاف خطّ جميع الـمصاحف، مع فساده فـي العربـية، لـما ذكرنا. وإن وُجّه إلـى قول من يقول: (وَيْ) بـمعنى التنبـيه، ثم استأنف الكلام بكأن، وجب أن يُفْصَل (وَيْ) من (كأن) ، وذلك أيضا خلاف خطوط الـمصاحف كلها.

فإذا كان ذلك حرفـا واحدا، فـالصواب من التأويـل: ما قاله قتادة ، وإذ كان ذلك هو الصواب، فتأويـل الكلام: وأصبح الذين تـمنوا مكان قارون وموضعه من الدنـيا بـالأمس، يقولون لَـمّا عاينوا ما أحلّ اللّه به من نقمته، ألـم تر يا هذا أن اللّه يبسط الرزق لـمن يشاء من عبـاده، فـيُوسّع علـيه، لا لفضل منزلته عنده، ولا لكرامته علـيه، كما كان بسط من ذلك لقارون، لا لفضله ولا لكرامته علـيه وَيَقُدِرُ يقول: ويضيق علـى من يشاء من خـلقه ذلك، ويقتّر علـيه، لا لهوانه، ولا لسُخْطه عمله.

و قوله: لَوْلا أنْ مَنّ اللّه عَلَـيْنا يقول: لولا أن تفضل علـينا، فصرف عنا ما كنا نتـمناه بـالأمس، لَـخَسَفَ بِنا.

واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار سوى شيبة: (لَـخُسِفَ بِنا) بضم الـخاء، وكسر السين وذُكر عن شيبة والـحسن: لـخَسَفَ بِنَا بفتـح الـخاء والسين، بـمعنى: لـخسف اللّه بنا.

و قوله: وَيْكأنّهُ لا يُفْلِـحُ الكافِرُونَ يقول: ألـم تعلـم أنه لا يفلـح الكافرون، فتُنْـجِح طَلِبـاتهم.

٨٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {تِلْكَ الدّارُ الاَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: تلك الدار الاَخرة نـجعل نعيـمها للذين لا يريدون تكبرا عن الـحقّ فـي الأرض وتـجبرا عنه ولا فسادا. يقول: ولا ظلـم الناس بغير حقّ، وعملاً بـمعاصي اللّه فـيها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٠٥٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا عبد اللّه بن الـمبـارك، عن زياد بن أبـي زياد، قال: سمعت عكرِمة يقول لا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِـي الأرْض وَلا فَسادا قال: العلوّ: التـجّبر.

٢١٠٥٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن مسلـم البطين تِلكَ الدّارُ الاَخِرَةُ نَـجْعَلُها لِلّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِـي الأرْضِ وَلا فَسادا قال: العلوّ: التكبر فـي الـحقّ، والفساد: الأخذ بغير الـحقّ.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن منصور، عن مسلـم البطين لِلّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِـي الأرْضِ قال: التكبر فـي الأرض بغير الـحقّ وَلا فَسادا أخذ الـمال بغير حقّ.

٢١٠٥٥ـ قال: ثنا ابن يـمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبَـير لِلّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِـي الأرْضِ قال: البغي.

٢١٠٥٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله لِلّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِـي الأرْضِ قال: تعظّما وتـجبرا، ولا فسادا: عملاً بـالـمعاصي.

٢١٠٥٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أشعث السمان، عن أبـي سلـمان الأعرج، عن علـيّ رضي اللّه عنه قال: إن الرجل لـيعجبه من شراك نعله أن يكون أجود من شراك صاحبه، فـيدخـل فـي قول تِلكَ الدّارُ الاَخِرَةُ نَـجْعَلُها لِلّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِـي الأرْضِ وَلا فَسادا، والعاقِبَةُ للْـمُتّقِـينَ.

و قوله: وَالعاقِبَةُ للْـمُتّقِـينَ

يقول تعالـى ذكره: والـجنة للـمتقـين، وهم الذين اتقوا معاصي اللّه ، وأدّوا فرائضه. وبنـحو الذي قلنا فـي معنى العاقبة قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٠٥٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة والعاقِبَةُ للْـمُتّقِـينَ أي الـجنة للـمتقـين.

٨٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مّنْهَا وَمَن جَآءَ بِالسّيّئَةِ فَلاَ يُجْزَى الّذِينَ عَمِلُواْ السّيّئَاتِ إِلاّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: من جاء اللّه يوم القـيامة بإخلاص التوحيد، فله خير، وذلك الـخير هو الـجنة والنعيـم الدائم، ومن جاء بـالسيئة، وهي الشرك بـاللّه . كما:

٢١٠٥٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله مَنْ جاءَ بـالـحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها: أي له منها حظّ خير، والـحسنة: الإخلاص، والسيئة: الشرك.

وقد بـيّنا ذلك بـاختلاف الـمختلفـين، ودللنا علـى الصواب من القول فـيه.

و قوله: فَلا يُجْزَى الّذِين عَمِلُوا السّيّئاتِ يقول: فلا يثاب الذين عملوا السيئات علـى أعمالهم السيئة إلاّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ يقول: إلاّ جزاء ما كانوا يعملون.

٨٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ الّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَآدّكَ إِلَىَ مَعَادٍ قُل رّبّيَ أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِالْهُدَىَ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ }.

يقول تعالـى ذكره: إن الذي أنزل علـيك يا مـحمد القرآن. كما:

٢١٠٦٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، فـي قوله إنّ الّذِي فَرَضَ عَلَـيْكَ القُرآنَ قال: الذي أعطاك القرآن.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه إنّ الّذِي فَرَضَ عَلَـيْكَ القُرآنَ قال: الذي أعطاكه.

واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ فقال بعضهم: معناه: لـمصيرك إلـى الـجنة. ذكر من قال ذلك:

٢١٠٦١ـ حدثنـي إسحاق بن إبراهيـم بن حبـيب بن الشهيد، قال: حدثنا عتاب بن بشر، عن خَصِيف، عن عكرِمة، عن ابن عباس لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: إلـى معدِنِك من الـجنة.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن مهدي، عن سفـيان، عن الأعمش، عن رجل، عن سعيد بن جُبَـير عن ابن عباس ، قال: إلـى الـجنة.

٢١٠٦٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: ثنـي أبـي، عن إبراهيـم بن حبـان، سمعت أبـا جعفر، عن ابن عباس ، عن أبـي سعيد الـخدريّ لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: معاده آخرته الـجنة.

٢١٠٦٣ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن السديّ، عن أبـي مالك، فـي إِنّ الّذي فَرَضَ عَلَـيْكَ الْقُرآن لرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: إلـى الـجنة لـيسألك عن القرآن.

٢١٠٦٤ـ حدثنا أبو كُرَيب وابن وكيع، قالا: حدثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن السديّ، عن أبـي صالـح، قال: الـجنة.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن مهدي، عن سفـيان، عن السديّ، عن أبـي صالـح لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: إلـى الـجنة.

حدثنا يحيى بن يـمان، عن سفـيان، عن السديّ، عن أبـي مالك، قال: يردّك إلـى الـجنة، ثم يسألك عن القرآن.

٢١٠٦٥ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا يحيى بن يـمان، عن سفـيان، عن جابر، عن عكرمة ومـجاهد ، قالا: إلـى الـجنة.

٢١٠٦٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو تُـمَيـلة، عن أبـي حمزة، عن جابر، عن عكرِمة وعطاء ومـجاهد وأبـي قَزعة والـحسن، قالوا: يوم القـيامة.

٢١٠٦٧ـ قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: يجيء بك يوم القـيامة.

٢١٠٦٨ـ قال: ثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن الـحسن والزهري، قالا: معاده يوم القـيامة.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد قوله لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: يجيء بك يوم القـيامة.

٢١٠٦٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا هوذة، قال: حدثنا عون، عن الـحسن، فـي قوله لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: معادُك من الاَخرة.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، فـي قوله لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: كان الـحسن يقول: إيْ واللّه ، إن له لـمعادا يبعثه اللّه يوم القـيامة، ويدخـله الـجنة.

وقال آخرون: معنى ذلك: لرادّك إلـى الـموت. ذكر من قال ذلك:

٢١٠٧٠ـ حدثنـي إسحاق بن وهب الواسطي، قال: حدثنا مـحمد بن عبد اللّه الزبـيري، قال: حدثنا سفـيان بن سعيد الثوري، عن الأعمش، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: الـموت.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن يـمان، عن سفـيان، عن السديّ، عن رجل، عن ابن عباس ، قال: إلـى الـموت.

٢١٠٧١ـ قال: ثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن جابر، عن أبـي جعفر، عن سعيد لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: إلـى الـموت.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن السديّ عمن سمع ابن عباس ، قال إلـى الـموت.

حدثنا أبو كُرَيب وابن وكيع، قالا: حدثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن الأعمش، عن سعيد بن جُبَـير، قال: إلـى الـموت.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن رجل، عن سعيد بن جُبَـير فـي قوله لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: الـموت.

٢١٠٧٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا أبو تُـمَيـلة، عن أبـي حمزة، عن جابر، عن عديّ بن ثابت، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، قال: إلـى الـموت، أو إلـى مكة.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: لرَادّك إلـى الـموضع الذي خرجت منه، وهو مكة. ذكر من قال ذلك:

٢١٠٧٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يعلـى بن عبـيد، عن سفـيان العصفريّ، عن عكرمة، عن ابن عباس لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: إلـى مكة.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس لَرَادّكَ إلـى مَعَادٍ قال: يقول: لرادّك إلـى مكة، كما أخرجك منها.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يـمان، قال: أخبرنا موسى بن أبـي إسحاق، عن مـجاهد ، قال: مولده بـمكة.

٢١٠٧٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي عن يونس ابن أبـي إسحاق، قال: سمعت مـجاهد ا يقول: لَرَادّكَ إلَـى مَعَادٍ قال: إلـى مولدك بـمكة.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا يونس بن عمرو، وهو ابن أبـي إسحاق، عن مـجاهد ، فـي قوله: إنّ الّذِي فَرَضَ عَلَـيْكَ القُرآنَ لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: إلـى مولدك بـمكة.

حدثنـي الـحسين بن علـيّ الصدائي، قال: حدثنا أبـي، عن الفضيـل بن مرزوق، عن مـجاهد أبـي الـحجاج، فـي قوله: إنّ الّذِي فَرَضَ عَلَـيْكَ القُرآنَ لَرَادّكَ إلـى مَعادٍ قال: إلـى مولده بـمكة.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي عيسى بن يونس، عن أبـيه، عن مـجاهد قال: إلـى مولدك بـمكة.

والصواب من القول فـي ذلك عندي: قول من قال: لرادّك إلـى عادتك من الـموت، أو إلـى عادتك حيث وُلدت، وذلك أن الـمعاد فـي هذا الـموضع: الـمَفْعَل من العادة، لـيس من العَوْد، إلاّ أن يوجّه مُوَجّه تأويـل قوله: لَرَادّكَ لـمصيرك، فـيتوجه حينئذٍ قوله إلـى مَعادٍ إلـى معنى العود، ويكون تأويـله: إن الذي فرض علـيك القرآن لـمُصَيّرك إلـى أن تعود إلـى مكة مفتوحة لك.

فإن قال قائل: فهذه الوجوه التـي وصفت فـي ذلك قد فهمناها، فما وجه تأويـل من تأوّله بـمعنى: لرادّك إلـى الـجنة؟

قـيـل: ينبغي أن يكون وجه تأويـله ذلك كذلك علـى هذا الوجه الاَخر، وهو لـمصيرك إلـى أن تعود إلـى الـجنة.

فإن قال قائل: أوَ كان أُخرج من الـجنة، فـيقالَ له: نـحن نعيدك إلـيها؟

قـيـل: لذلك وجهان: أحدهما: أنه إن كان أبوه آدم صلّـى اللّه علـيهما أخرج منها، فكأن ولده بإخراج اللّه إياه منها، قد أخرجوا منها، فمن دخـلها فكأنـما يُرد إلـيها بعد الـخروج. والثانـي أن يُقال: إنه كان صلى اللّه عليه وسلم دخـلها لـيـلة أُسرِي به، كما رُوي عنه أنه قال: (دَخَـلْتُ الـجَنّةَ، فَرأيْتُ فِـيها قَصْرا، فَقُلْتُ لِـمَنْ هَذَا؟ فَقالُوا لعُمَرَ بنِ الـخطّابِ) ، ونـحو ذلك من الأخبـار التـي رُويت عنه بذلك، ثم رُدّ إلـى الأرض، فـيقال له: إن الذي فرض علـيك القرآن لرادّك لـمصيرك إلـى الـموضع الذي خرجت منه من الـجنة، إلـى أن تعود إلـيه، فذلك إن شاء اللّه قول من قال ذلك.

و قوله: قُلْ رَبّـي أعْلَـمُ مَنْ جاءَ بـالهُدَى وَمَنْ هُوَ فِـي ضَلالٍ مُبـين

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : قل يا مـحمد لهؤلاء الـمشركين: ربـي أعلـم مَن جاء بـالهُدى الذي من سلكه نـجا، ومن هو فـي جور عن قصد السبـيـل منا ومنكم.

و قوله: مُبِـينٌ يعني أنه يُبِـين للـمفكر الفهم إذا تأمّله وتدبّره، أنه ضلال وجور عن الهدى.

٨٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا كُنتَ تَرْجُوَ أَن يُلْقَىَ إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاّ رَحْمَةً مّن رّبّكَ فَلاَ تَكُونَنّ ظَهيراً لّلْكَافِرِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: وما كنت ترجو يا مـحمد أن ينزل علـيك هذا القرآن، فتعلـم الأنبـاء والأخبـار عن الـماضين قبلك، والـحادثة بعدك، مـما لـم يكن بعدُ، مـما لـم تشهده ولا تشهده، ثم تتلو ذلك علـى قومك من قريش، إلاّ أن ربك رحمك، فأنزله علـيك، ف قوله: إلاّ رَحْمَةً مِنْ رَبّكَ استثناء منقطع.

و قوله: فَلا تَكُونَنّ ظَهِيرا للْكافِرِينَ يقول: فـاحمَدْ ربك علـى ما أنعم به علـيك من رحمته إياك، بإنزاله علـيك هذا الكتاب، ولا تكوننّ عونا لـمن كفر بربك علـى كفره به. و

قـيـل: إن ذلك من الـمؤخر الذي معناه التقديـم، وإن معنى اللام: إن الذي فرض علـيك القرآن، فأنزله علـيك، وما كنت ترجو أن ينزل علـيك، فتكون نبـيا قبلَ ذلك، لرادّك إلـى مَعاد.

٨٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ يَصُدّنّكَ عَنْ آيَاتِ اللّه بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَىَ رَبّكَ وَلاَ تَكُونَنّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: ولا يصرفنّك عن تبلـيغ آيات اللّه وحججه بعد أن أنزلها إلـيك ربك يا مـحمد هؤلاء الـمشركون بقوله م: لَوْلا أُوتِـيَ مِثْلَ ما أُوتِـيَ مُوسَى وادع إلـى ربك وبلغ رسالته إلـى من أرسلك إلـيه بها وَلا تَكُونَنّ مِنَ الـمُشْرِكِينَ يقول: ولا تتركنّ الدعاء إلـى ربك، وتبلـيغ الـمشركين رسالته، فتكون مـمن فعل فِعل الـمشركين بـمعصيته ربه، وخلافه أمره.

٨٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ تَدْعُ مَعَ اللّه إِلَـَهاً آخَرَ لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ كُلّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: ولا تعبد يا مـحمد مع معبودك الذي له عبـادة كلّ شيء معبودا آخر سواه.

و قوله: لا إلَهَ إلاّ هُوَ يقول: لا معبود تصلـح له العبـادة إلاّ اللّه الذي كلّ شيء هالك إلاّ وجهه.

واختلف فـي معنى قوله: إلاّ وَجْهَهُ فقال بعضهم: معناه: كلّ شيء هالك إلاّ هو.

وقال آخرون: معنى ذلك: إلاّ ما أريد به وجهه، واستشهدوا لتأويـلهم ذلك كذلك بقولالشاعر:

أسْتَغْفِرُ اللّه ذَنْبـا لَسْتُ مُـحْصِيَهُرَبّ العِبـادِ إلَـيْهِ الوَجْهُ والعَمَلُ

و قوله: لَهُ الـحُكْمُ يقول: له الـحكم بـين خـلقه دون غيره، لـيس لأحد غيره معه فـيهم حكم وَإلَـيْهِ تُرْجَعُونَ يقول: وإلـيه تردّون من بعد مـماتكم، فـيقضي بـينكم بـالعدل، فـيجازي مؤمنـيكم جزاءهم، وكفـاركم ما وعدهم.

﴿ ٠