تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة الروم

مكية وآياتها ستون

بسم اللّه الرحمَن الرحيـم

١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الَـمَ }.

قال أبو جعفر: قد بـيّنا فـيـما مضى قبلُ معنى قوله الـم وذكرنا ما فـيه من أقوال أهل التأويـل، فأغنى ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع.

٢

 وقوله: غُلِبَتِ الرّومِ اختلفت القرّاء فـي قراءته، فقرأته عامة قرّاء الأمصار: غُلِبَتِ الرّومُ بضمّ الغين، بـمعنى: أن فـارس غَلَبت الروم. وروي عن ابن عمر وأبـي سعيد فـي ذلك ما:

٢١٢١٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: ثنـي أبـي، عن الـحسن الـجفريّ، عن سلـيط، قال: سمعت ابن عمر يقرأ (الـم غَلَبَتِ الرّومُ) ف

قـيـل له: يا أبـا عبد الرحمن، علـى أيّ شيء غَلَبوا؟ قال: علـى ريف الشام.

والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا الذي لا يجوز غيره الـم غُلِبَتِ الرّومُ بضم الغين، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه. فإذ كان ذلك كذلك، فتأويـل الكلام: غلبت فـارس الروم فِـي أدْنَى الأرْضِ من أرض الشام إلـى أرض فـارس وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبهِمْ يقول: والروم من بعد غلبة فـارس إياهم سَيَغْلِبُونَ فـارس فِـي بِضْعِ سنِـينَ للّه الأمْرُ مِنْ قَبْلُ غلبتهم فـارس وَمِنْ بَعْدُ غلبتهم إياها، يقضي فـي خـلقه ما يشاء، ويحكم ما يريد، ويظهر من شاء منهم علـى من أحبّ إظهاره علـيه وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الـمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّه يقول: ويوم يغلِب الروم فـارس يفرح الـمؤمنون بـاللّه ورسوله بنصر اللّه إياهم علـى الـمشركين، ونُصْرة الروم علـى فـارس يَنْصُرُ اللّه تعالـى ذكره مَنْ يَشاءُ من خـلقه، علـى من يشاء، وهو نُصرة الـمؤمنـين علـى الـمشركين ببدر وَهُوَ العَزِيزُ يقول: واللّه الشديد فـي انتقامه من أعدائه، لا يـمنعه من ذلك مانع، ولا يحول بـينه وبـينه حائل الرّحِيـمُ بـمن تاب من خـلقه، وراجع طاعته أن يعذّبه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٢١٧ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن سعيد، أو سعيد الثعلبـي الذي يقال له أبو سعد من أهل طَرَسُوس، قال: حدثنا أبو إسحاق الفزاري، عن سفـيان بن سعيد الثوري، عن حبـيب بن أبـي عَمرة، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، قال: كان الـمسلـمون يُحبون أن تغلب الرومُ أهل الكتاب، وكان الـمشركون يحبون أن يغلب أهل فـارس، لأنهم أهل الأوثان، قال: فذكروا ذلك لأبـي بكر، فذكره أبو بكر للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فقال: (أما إنهُمْ سَيُهْزَمُونَ) ، قال: فذكر ذلك أبو بكر للـمشركين، قال: فقالوا: أفنـجعل بـيننا وبـينكم أجلاً، فإن غلبوا كان لك كذا وكذا، وإن غلبنا كان لنا كذا وكذا قال: فجعلوا بـينهم وبـينه أجلاً خمس سنـين، قال: فمضت فلـم يُغلَبوا قال: فذكر ذلك أبو بكر للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم ، فقال له: (أفَلا جَعَلْتَهُ دُونَ العَشْرِ) ، قال سعيد: والبِضْع ما دون العشر، قال: فَغَلَبَ الروم، ثم غلبت قال: فذلك قوله: الـم غُلِبَت الرّومُ فِـي أدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِـي بِضْعِ سِنِـينَ قال: البضع: ما دون العشر للّه الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الـمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّه قال سفـيان: فبلغنـي أنهم غلبوا يوم بدر.

٢١٢١٨ـ حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـان الـمصري، قال: حدثنا موسى بن هارون البرديّ، قال: حدثنا معن بن عيسى، قال: حدثنا عبد اللّه بن عبد الرحمن، عن ابن شهاب، عن عبـيد اللّه ، عن ابن عباس ، قال: لـما نزلت الـم غُلِبَتِ الرّومُ فِـي أدْنَى الأرْض... الاَية، ناحب أبو بكر قريشا، ثم أتـى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال له: إنـي قد ناحبتهم، فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم : (هَلاّ احْتَطْتّ فإنّ البِضْعَ ما بـينَ الثلاثِ إلـى التّسْع) . قال الـجمـحي: الـمناحبة: الـمراهنة، وذلك قبل أن يكون تـحريـم ذلك.

٢١٢١٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله آلـم غُلِبَتِ الرّومُ... إلـى قوله وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الـمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّه قال: قد مضى كان ذلك فـي أهل فـارس والروم، وكانت فـارس قد غلبتهم، ثم غلبت الروم بعد ذلك، ولقـي نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم مشركي العرب، يوم التقت الروم وفـارس، فنصر اللّه النبي صلى اللّه عليه وسلم ومن معه من الـمسلـمين علـى مشركي العرب، ونصر أهل الكتاب علـى مشركي العجم، ففرح الـمؤمنون بنصر اللّه إياهم ونصر أهل الكتاب علـى العجم. قال عطية: فسألت أبـا سعيد الـخدريّ عن ذلك، فقال: التقـينا مع مـحمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومشركي العرب، والتقت الروم وفـارس، فنصرنا اللّه علـى مشركي العرب، ونصر اللّه أهل الكتاب علـى الـمـجوس، ففرحنا بنصر اللّه إيانا علـى الـمشركين، وفرحنا بنصر اللّه أهل الكتاب علـى الـمـجوس، فذلك قوله وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الـمُؤْمِنُونَ بِنَصْر اللّه .

حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، فـي قوله آلـم. غُلِبَتِ الرّومُ فِـي أدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهمْ سَيَغْلِبُونَ غلبتهم فـارس، ثم غلبت الروم.

٢١٢٢٠ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلـم، عن مسروق، قال: قال عبد اللّه : خمس قد مضين: الدخان، واللزام، والبطشة، والقمر، والروم.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن عامر، عن ابن مسعود، قال: قد مضى آلـم غُلِبَت الرّومُ.

٢١٢٢١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد آلـم غُلِبَتِ الرّومُ... إلـى قوله أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَـمُونَ قال: ذَكَر غَلَبة فـارس إياهم، وإدالة الروم علـى فـارس، وفرح الـمؤمنون بنصر الروم أهل الكتاب علـى فـارس من أهل الأوثان.

٢١٢٢٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر بن عبد اللّه ، عن عكرِمة، أن الروم وفـارس اقتتلوا فـي أدنى الأرض، قالوا: وأدنى الأرض يومئذٍ أَذْرعات، بها التقَوا، فهُزِمت الروم فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه وهم بـمكة، فشقّ ذلك علـيهم وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم يكره أن يظهر الأميّون من الـمـجوس علـى أهل الكتاب من الروم، ففرح الكفـار بـمكة وشمتوا، فلقوا أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقالوا: إنكم أهل الكتاب، والنصارى أهل كتاب، ونـحن أُمّيّون، وقد ظهر إخواننا من أهل فـارس علـى إخوانكم من أهل الكتاب، وإنكم إن قاتلتـمونا لنظهرنّ علـيكم، فأنزل اللّه آلـم غُلِبَتِ الرّومُ فِـي أدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِـي بِضْعِ سِنِـينَ للّه الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الـمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّه ... الاَيات، فخرج أبو بكر الصدّيق إلـى الكفّـار، فقال: أفرحتـم بظهور إخوانكم علـى إخواننا؟ فلا تفرحوا، ولا يقرّنّ اللّه أعينكم، فواللّه لـيظهرنّ الروم علـى فـارس، أخبرنا بذلك نبـينا صلى اللّه عليه وسلم ، فقام إلـيه أُبـيّ بن خـلف، فقال: كذبت يا أبـا فضيـل، فقال له أبو بكر رضي اللّه عنه: أنت أكذب يا عدوّ اللّه ، فقال: أناحبك عشر قلائص منـي، وعشر قلائص منك، فإن ظهرت الروم علـى فـارس غرمتُ، وإن ظهرت فـارس علـى الروم غرمتَ إلـى ثلاث سنـين ثم جاء أبو بكر إلـى النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبره، فقال: (ما هَكَذَا ذَكَرْتُ، إنّـمَا البِضْعُ ما بـينَ الثّلاثِ إلـى التّسْعِ، فَزَايِدْهُ فِـي الـخَطَرِ، ومادّه فِـي الأجَلِ) . فخرج أبو بكر فلقـي أُبَـيّا، فقال: لعلك ندمت، فقال: لا، فقال: أزايدك فـي الـخطر، وأمادّك فـي الأجل، فـاجعلها مئة قلوص لـمئة قلوص إلـى تسع سنـين، قال: قد فعلت.

٢١٢٢٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال ثنـي حجاج، عن أبـي بكر، عن عكرِمة، قال: كانت فـي فـارس امرأة لا تلد إلاّ الـملوك الأبطال، فدعاها كسرى، فقال: إنـي أريد أن أبعث إلـى الروم جيشا وأستعمل علـيهم رجلاً من بنـيك، فأشيري علـيّ أيهم أستعمل، فقالت: هذا فلان، وهو أروغ من ثعلب، وأحذر من صرد، وهذا فرخان، وهو أنفذ من سنان، وهذا شهربراز، وهو أحلـم من كذا، فـاستعمل أيهم شئت قال: إنـي قد استعملت الـحلـيـم، فـاستعمل شهربراز، فسار إلـى الروم بأهل فـارس، وظهر علـيهم، فقتلهم، وخرّب مدائنهم، وقطع زيتونهم قال أبو بكر: فحدّثت بهذا الـحديث عطاء الـخراسانـي فقال: أما رأيت بلاد الشام؟ قلت: لا، قال: أما إنك لو رأيتها، لرأيت الـمدائن التـي خرّبت، والزيتون الذي قُطع، فأتـيت الشام بعد ذلك فرأيته.

قال عطاء الـخراسانـي: ثنـي يحيى بن يعمر، أن قـيصر بعث رجلاً يُدعى قطمة بجيش من الروم، وبعث كسرى شهربراز، فـالتقـيا بأذرعات وبصرى، وهي أدنى الشام إلـيكم، فلقـيت فـارس الروم، فغلبتهم فـارس، ففرح بذلك كفـار قريش، وكرهه الـمسلـمون، فأنزل اللّه آلـم غُلِبَتِ الرّومُ فِـي أدْنَى الأرْضِ... الاَيات، ثم ذكر مثل حديث عكرمة، وزاد: فلـم يزل شهربراز يطؤهم، ويخرب مدائنهم حتـى بلغ الـخـلـيج ثم مات كسرى، فبلغهم موته، فـانهزم شهربراز وأصحابه، وأوعبت علـيهم الروم عند ذلك، فأتبعوهم يقتلونهم قال: وقال عكرمة فـي حديثه: لـما ظهرت فـارس علـى الروم جلس فرخان يشرب، فقال لأصحابه: لقد رأيت كأنـي جالس علـى سرير كسرى، فبلغت كسرى، فكتب إلـى شهربُراز: إذا أتاك كتابـي فـابعث إلـيّ برأس فَرّخان، فكتب إلـيه: أيها الـملك، إنك لن تـجد مثل فَرّخان، إن له نكاية وضربـا فـي العدوّ، فلا تفعل. فكتب إلـيه: إن فـي رجال فـارسَ خَـلَفـا منه، فعَجّل إلـيّ برأسه. فراجعه، فغضب كسرى فلـم يجبه، وبعث بريدا إلـى أهل فـارس: إنـي قد نزعت عنكم شَهْربُرَاز، واستعملت علـيكم فَرّخان ثم دفع إلـى البريد صحيفة صغيرة: إذا وَلِـيَ فَرّخان الـمُلك، وانقاد له أخوه، فأعطه هذه فلـما قرأ شَهْربُرَاز الكتاب، قال: سمعا وطاعة، ونزل عن سريره، وجلس فَرّخان، ودفع الصحيفة إلـيه، قال: ائتونـي بشهربُرَاز، فقدّمه لـيضرب عنقه، قال: لا تعجل حتـى أكتب وصيتـي، قال: نعم، فدعا بـالسّفَط، فأعطاه ثلاث صحائف، وقال: كل هذا راجعت فـيك كسرى، وأنت أردت أن تقتلنـي بكتاب واحد، فردّ الـملك، وكتب شهربُراز إلـى قـيصر ملك الروم: إن لـي إلـيك حاجة لا يحملها البريد، ولا تبلّغها الصحف، فـالْقِنـي، ولا تَلْقَنـي إلاّ فـي خمسين رُوميا، فإنـي ألقاك فـي خمسين فـارسيا فأقبل قـيصر فـي خَمْسِ مئة ألف روميّ، وجعل يضع العيون بـين يديه فـي الطريق، وخاف أن يكون قد مكر به، حتـى أتته عيونه أن لـيس معه إلاّ خمسون رجلاً، ثم بُسِط لهما، والتقـيا فـي قبة ديبـاج ضُربت لهما، مع كل واحد منهما سِكّين، فدعيا ترجمانا بـينهما، فقال شَهْرْبُرَاز: إن الذين خرّبوا مدائنك أنا وأخي، بكيدنا وشجاعتنا، وإن كسرى حسدنا، فأراد أن أقتل أخي، فأبـيت، ثم أمر أخي أن يقتلنـي، فقد خـلعناه جميعا، فنـحن نقاتله معك، فقال: قد أصبتـما، ثم أشار أحدهما إلـى صاحبه أن السرّ بـين اثنـين، فإذا جاوز اثنـين فشا. قال: أجل، فقتلا الترجمان جميعا بسكينـيهما، فأهلك اللّه كسرى، وجاء الـخبر إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم الـحُدَيبَـية، ففرح ومن معه.

٢١٢٢٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة آلـم غُلِبَتِ الرّومُ قال: غَلَبتهم فـارسُ علـى أدنى الشام وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سيَغْلِبُونَ... الاَية، قال: لـما أنزل اللّه هؤلاء الاَيات صَدّق الـمسلـمون ربهم، وعلـموا أن الروم سيظهرون علـى فـارس، فـاقتـمروا هم والـمشركون خمسَ قلائص، خمَس قلائص، وأَجّلوا بـينهم خمس سنـين، فولـيَ قِمار الـمسلـمين أبو بكر رضي اللّه عنه، وولـيَ قِمار الـمشركين أُبـيّ بن خـلف، وذلك قبل أن يُنْهَى عن القمار، فحلّ الأجل، ولـم يظهر الروم علـى فـارس، وسأل الـمشركون قِمارهم، فذَكَر ذلك أصحاب النبي للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: (لَـمْ تَكُونُوا أحِقّاءَ أنْ تُؤَجّلُوا دُونَ العَشْرِ، فإنّ البِضْعَ ما بـينَ الثّلاثِ إلـى العَشْرِ، وَزَايِدُوهُمْ فِـي القِمار، وَمادّوهُمْ فِـي الأجَلِ) ، ففعلوا ذلك، فأظهر اللّه الروم علـى فـارس عند رأس البِضْع سنـينَ من قمارهم الأوّل، وكان ذلك مرجعَه من الـحديبـية، ففرح الـمسلـمون بصلـحهم الذي كان، وبظهور أهل الكتاب علـى الـمـجوس، وكان ذلك مـما شدّد اللّه به الإسلام وهو قوله وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الـمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّه ... الاَية.

٢١٢٢٥ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَـية، عن داود بن أبـي هند، عن الشعبـيّ، فـي قوله آلـم غُلِبَتِ الرّومُ... إلـى قوله وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الـمُؤْمِنُونَ قال: كان النبي صلى اللّه عليه وسلم أخبر الناس بـمكة أن الروم ستُغْلَب، قال: فنزل القرآن بذلك، قال: وكان الـمسلـمون يُحِبون ظهور الروم علـى فـارس، لأنهم أهل الكتاب.

٢١٢٢٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا الـمـحاربـيّ، عن داود بن أبـي هند، عن عامر، عن عبد اللّه ، قال: كانت فـارس ظاهرة علـى الروم، وكان الـمشركون يحبون أن تظهر فـارسُ علـى الروم، وكان الـمسلـمون يحبون أن تظهر الروم علـى فـارس، لأنهم أهل كتاب، وهم أقرب إلـى دينهم: فلـما نزلت آلـم غُلِبَتِ الرّومُ... إلـى فِـي بِضْعِ سِنِـينَ قالوا: يا أبـا بكر: إنّ صاحبك يقول: إن الروم تظهر علـى فـارس فـي بضع سنـين، قال: صدق، قالوا: هل لك أن نقامرك؟ فبـايعوه علـى أربع قلائص، إلـى سبع سنـين، فمضت السبع، ولـم يكن شيء، ففرح الـمشركون بذلك، وشَقّ علـى الـمسلـمين، فذكروا ذلك للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم : فقال: (ما بِضْعُ سِنِـينَ عِنْدَكُمْ؟) قالوا: دون العشر، قال: (اذْهَبْ فزَايِدْهُمْ وَازْدَدْ سنَتَـيْنِ) قال: فما مضت السنتان، حتـى جاءت الركبـان بظهور الرّوم علـى فـارس، ففرح الـمسلـمون بذلك، فأنزل اللّه : آلـم غُلِبَتِ الرّومُ... إلـى قوله وَعْدَ اللّه لا يُخْـلِفُ اللّه وَعْدَهُ.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن الأعمش، ومطر عن أبـي الضحى، عن مسروق، عن عبد اللّه قال: مضت الروم.

٢١٢٢٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله آلـم غُلِبَتِ الرّومُ فِـي أدْنَى الأرْضِ قال: أدنى الأرض: الشأم وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ قال: كانت فـارس قد غَلَبت الروم، ثم أديـلَ الرومُ علـى فـارس، وذُكر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إنّ الرّومَ سَتَغْلِبُ فـارِسا) ، فقال الـمشركون: هذا مـما يَتَـخَرّص مـحمد، فقال أبو بكر: تُنَاحبوننـي؟ والـمناحبة: الـمـجاعلة، قالوا: نعم، فناحبهم أبو بكر، فجعل السنـين أربعا أو خمسا، ثم جاء إلـى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إنّ البِضْعَ فِـيـما بـينَ الثّلاثِ إلـى التّسْعِ، فـارْجِعْ إلـى القَوْمِ، فَزِدْ فِـي الـمُناحَبَةِ) ، فرجع إلـيهم. قالوا: فناحَبَهم فزاد. قال: فغَلبت الروم فـارسا، فذلك قول اللّه : وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الـمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّه يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ يوم أُديـلت الرومُ علـى فـارس.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا معاوية بن عمرو، عن أبـي إسحاق الفَزاريّ، عن سفـيان، عن حبـيب بن أبـي عمرة، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس آلـم غُلِبَتِ الرومُ قال: غُلِبت وغَلَبت.

فأما الذين قرءوا ذلك: (غَلَبَتِ الرّومُ) بفتـح الغين، فإنهم قالوا: نزلت هذه الاَية خبرا من اللّه نبـيه صلى اللّه عليه وسلم عن غَلَبة الروم. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٢٨ـ حدثنا نصر بن علـيّ، قال: حدثنا الـمعتـمِر بن سلـيـمان، عن أبـيه، عن سلـيـمان، يعني الأعمش، عن عطية، عن أبـي سعيد، قال: لـما كان يومُ ظهر الروم علـى فـارس، فأعجبَ ذلك الـمؤمنـين، فنزلت آلـم غُلِبَتِ الرّومُ علـى فـارس.

حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا يحيى بن حماد، قال: حدثنا أبو عوانة، عن سلـيـمان، عن عطية، عن أبـي سعيد، قال: لـما كان يوم بدر، غلبت الروم علـى فـارس، ففرح الـمسلـمون بذلك، فأنزل اللّه آلـم غُلِبَتِ الرّومُ... إلـى آخر الاَية.

حدثنا يحيى بن إبراهيـم الـمسعودي، قال: حدثنا أبـي، عن أبـيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن عطية، عن أبـي سعيد، قال: لـما كان يوم بدر، ظهرت الروم علـى فـارس، فأعجب ذلك الـمؤمنـين، لأنهم أهل كتاب، فأنزل اللّه آلـم غُلِبَتِ الرّومُ فِـي أدْنَى الأرْضِ قال: كانوا قد غلبوا قبل ذلك، ثم قرأ حتـى بلغ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الـمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّه .

٣

 وقوله: فِـي أدْنَى الأرْضِ قد ذكرت قول بعضهم فـيـما تقدّم قبل، وأذكر قول من لـم يذكر قوله.

٢١٢٢٩ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله فـي أدنى الأرْضِ يقول: فـي طرف الشام.

ومعنى قوله أدنى: أقرب، وهو أفعل من الدنوّ والقرب. وإنـما معناه: فـي أدنى الأرض من فـارس، فترك ذكر فـارس استغناء بدلالة ما ظهر من قوله فِـي أدْنَى الأرْضِ علـيه منه.

و قوله: وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ يقول: والروم من بعد غلبة فـارس إياهم سيغلبون فـارس.

و قوله: منْ بَعْدِ غَلَبهمْ مصدر من قول القائل: غلبته غلبة، فحذفت الهاء من الغلبة.

 وقـيـل: من بعد غلبهم، ولـم يقل: من بعد غلبتهم للإضافة، كما حذفت من قوله: وَإقامِ الصّلاةِ للإضافة. وإنـما الكلام: وإقامة الصلاة.

وأما قوله: سَيَغْلِبُونَ فإن القرّاء أجمعين علـى فتـح الـياء فـيها، والواجب علـى قراءة من قرأ: (الـم غَلَبَنِ الرّومُ) بفتـح الغين، أن يقرأ قوله: (سَيُغْلَبُونَ) بضم الـياء، فـيكون معناه: وهم من بعد غلبتهم فـارس سيغلبهم الـمسلـمون، حتـى يصحّ معنى الكلام، وإلاّ لـم يكن للكلام كبـير معنى إن فتـحت الـياء، لأن الـخبر عما قد كان يصير إلـى الـخبر عن أنه سيكون، وذلك إفساد أحد الـخبرين بـالاَخر.

٤

و قوله: فِـي بضْعِ سِنِـينَ قد ذكرنا اختلاف أهل التأويـل فـي معنى البضع فـيـما مضى، وأتـينا علـى الصحيح من أقوالهم، بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. وقد:

٢١٢٣٠ـ حدثنا، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، قوله: للّه الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ دولة فـارس علـى الروم وَمِنْ بَعْدُ دولة الروم علـى فـارس.

٥

وأما قوله: بِنَصْرِ اللّه يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ فقد ذكرنا الرواية فـي تأويـله قبل، وبـيّنا معناه.

٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَعْدَ اللّه لاَ يُخْلِفُ اللّه وَعْدَهُ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وعد اللّه جلّ ثناؤه، وعد أن الروم ستغلب فـارس من بعد غلبة فـارس لهم. ونصب وَعْدَ اللّه علـى الـمصدر من قوله وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ لأن ذلك وعد من اللّه لهم أنهم سيغلبون، فكأنه قال: وعد اللّه ذلك الـمؤمنـين وعدا. لا يُخْـلفُ اللّه وَعْدَهُ

يقول تعالـى ذكره: إن اللّه يفـي بوعده للـمؤمنـين أن الروم سيغلبون فـارس، لا يخـلفهم وعده ذلك، لأنه لـيس فـي مواعيده خـلف. ولكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يعْلَـمُونَ يقول: ولكنّ أكثر قريش الذين يكذّبون بأن اللّه منـجز وعده الـمؤمنـين، من أن الروم تغلب فـارس، لا يعلـمون أن ذلك كذلك، وأنه لا يجوز أن يكون فـي وعد اللّه إخلاف.

٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مّنَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَهُمْ عَنِ الاَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: يعلـم هؤلاء الـمكذّبون بحقـيقة خبر اللّه أن الروم ستغلب فـارس ظاهرا من حياتهم الدنـيا، وتدبـير معايشهم فـيها، وما يصلـحهم، وهم عن أمر آخرتهم، وما لهم فـيه النـجاة من عقاب اللّه هنالك غافلون، لا يفكرون فـيه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٣١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا أبو تُـمَيْـلة يحيى بن واضح الأنصاري، قال: حدثنا الـحسين بن واقد، قال: حدثنا يزيد النـحوي عن عكرمة، عن ابن عباس ، فـي قوله يَعْلَـمُونَ ظاهِرا مِنَ الـحَياةِ الدّنْـيا يعني معايشهم، متـى يحصدون ومتـى يغرسون.

حدثنـي أحمد بن الولـيد الرملـيّ، قال ثنا: عمرو بن عثمان بن عمر، عن عاصم بن علـيّ، قال: حدثنا أبو تُـمَيْـلة، قال: حدثنا ابن واقد، عن يزيد النـحويّ، عن عكرمة، عن ابن عباس ، فـي قوله يعْلَـمونَ ظاهِرا من الـحَياةِ الدّنْـيا قال: متـى يَزْرَعون، متـى يَغْرِسون.

٢١٢٣٢ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: ثنـي شرقـي، عن عكرمة، فـي قوله يَعْلَـمُونَ ظاهِرا مِنَ الـحَياةِ الدّنْـيا قال: هو السراج أو نـحوه.

حدثنا أبو هريرة مـحمد بن فراس الضبعي، قال: حدثنا أبو قُتَـيبة، قال: حدثنا شعبة، عن شرقـي، عن عكرِمة، فـي قوله يَعْلَـمُونَ ظاهِرا مِنَ الـحَياةِ الدّنْـيا: قال السراجون.

حدثنا أحمد بن الولـيد الرملـي، قال: حدثنا سلـيـمان بن حرب، قال: حدثنا شعبة، عن شرقـي، عن عكرمة، فـي قوله يَعْلَـمُونَ ظاهِرا مِنَ الـحَياةِ الدنْـيا قال: الـخرازون والسراجون.

٢١٢٣٣ـ حدثنا بشر بن آدم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهديّ، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم يَعْلَـمُونَ ظاهِرا منَ الـحَياةِ الدّنْـيا قال: معايشهم وما يصلـحهم.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهديّ، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم مثله.

حدثنـي بشر بن آدم، قال: حدثنا الضحاك بن مخـلد، عن سفـيان، عن أبـيه، عن عكرِمة، وعن منصور عن إبراهيـم يَعْلَـمُونَ ظاهرا مِنَ الـحَياةِ الدّنْـيا قال: معايشَهم.

٢١٢٣٤ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: ظاهِرا مِنَ الـحَياةِ الدّنْـيا يعني الكفـار، يعرفون عُمران الدنـيا، وهم فـي أمر الدين جهال.

٢١٢٣٥ـ حدثنـي ابن وكيع، قال: ثنـي أبـي، عن سفـيان، عن أبـيه، عن عكرِمة يَعْلَـمُونَ ظاهِرا مِنَ الـحَياةِ الدّنْـيا قال: معايشَهم، وما يصلـحهم.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن منصور، عن إبرهيـم، مثله.

٢١٢٣٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله يَعْلَـمُونَ ظاهِرا مِنَ الـحَياةِ الدّنْـيا من حِرْفتها وتصرّفها وبغيتها وَهُمْ عَنِ الاَخِرَةِ هُمْ غافِلونَ.

٢١٢٣٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن رجل، عن الـحسن، قال: يعلـمون متـى زَرْعُهم، ومتـى حَصادهم.

قال: ثنا حفص بن راشد الهلالـيّ، عن شعبة، عن شَرْقـيّ، عن عكرِمة يَعْلَـمُونَ ظاهِرا مِنَ الـحَياةِ الدّنْـيا قال: السرّاج ونـحوه.

٢١٢٣٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية، قال: صرفها فـي معيشتها.

٢١٢٣٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله يَعْلَـمُونَ ظاهِرا منَ الـحَياةِ الدّنْـيا، وَهُمْ عَنِ الاَخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ.

وقال آخرون فـي ذلك ما:

٢١٢٤٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب القُمّي، عن جعفر، عن سعيد، فـي قوله يَعْلَـمُونَ ظاهِرا مِنَ الـحَياةِ الدّنْـيا قال: تسترق الشياطين السمع، فـيسمعون الكلـمة التـي قد نزلت، ينبغي لها أن تكون فـي الأرض، قال: ويُرْمَوْن بـالشّهب، فلا ينـجو أن يحترق، أو يصيبه شرر منه قال: فـيسقط فلا يعود أبدا قال: ويرمى بذلك الذي سمع إلـى أولـيائه من الإنس، قال: فـيحملون علـيه ألف كذبة، قال: فما رأيت الناس يقولون: يكون كذا وكذا، قال: فـيجيء الصحيح منه كما يقولون، الذي سمعوه من السماء، ويعقبه من الكذب الذي يخوضون فـيه.

٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَوَلَمْ يَتَفَكّرُواْ فِيَ أَنفُسِهِمْ مّا خَلَقَ اللّه السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ ... }.

يقول تعالـى ذكره: أو لـم يتفكّر هؤلاء الـمكذّبون بـالبعث يا مـحمد من قومك فـي خـلق اللّه إياهم، وأنه خـلقهم ولـم يكونوا شيئا، ثم صرفهم أحوالاً وتارات حتـى صاروا رجالاً، فـيعلـموا أن الذي فعل ذلك قادر أن يعيدهم بعد فنائهم خـلقا جديدا، ثم يجازي الـمـحسن منهم بإحسانه، والـمسيء بإساءته، لا يظلـم أحدا منهم فـيعاقبه بجرم غيره، ولا يحرم أحدا منهم جزاء عمله، لأنه العدل الذي لا يجور ما خـلق اللّه السموات والأرض وما بـينهما إلاّ بـالعدل، وإقامة الـحقّ، وأجل مسمى يقول: وبأجل مؤقت مسمى، إذا بلغت ذلك الوقت أفنى ذلك كله، وبدّل الأرض غير الأرض والسموات، وبرزوا للّه الواحد القهّار، وإن كثـيرا من الناس بلقاء ربهم جاحدون منكرون، جهلاً منهم بأن معادهم إلـى اللّه بعد فنائهم، وغفلة منهم عن الاَخرة.

٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي الأرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ...}.

يقول تعالـى ذكره: أَوَ لـم يسر هؤلاء الـمكذّبون بـاللّه ، الغافلون عن الاَخرة من قريش فـي البلاد التـي يسلكونها تـجرا، فـينظروا إلـى آثار اللّه فـيـمن كان قبلهم من الأمـم الـمكذّبة، كيف كان عاقبة أمرها فـي تكذيبها رسلها، فقد كانوا أشدّ منهم قوّة، وأثاروا الأرض يقول: واستـخرجوا الأرض، وحرثوها وعمروها أكثر مـما عمر هؤلاء، فأهلكهم اللّه بكفرهم وتكذيبهم رسلهم، فلـم يقدروا علـى الامتناع، مع شدّة قواهم مـما نزل بهم من عقاب اللّه ، ولا نفعتهم عمارتهم ما عمروا من الأرض، إذ جاءتهم رسلهم بـالبـينات من الاَيات، فكذّبوهم، فأحلّ اللّه بهم بأسه، فما كان اللّه لـيظلـمهم بعقابه إياهم علـى تكذيبهم رسله وجحودهم آياته، ولكن كانوا أنفسهم يظلـمون بـمعصيتهم ربهم. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله وأثارُوا الأرْضَ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٤١ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: أوَ لَـمْ يَسِيرُوا فِـي الأرْضِ فَـيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أشَدّ مِنْهُمْ قُوّةً، وأثارُوا الأرْضَ وَعَمرُوها أكْثَرَ مِـمّا عَمَرُوها قال: ملكوا الأرض وعمروها.

٢١٢٤٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وأثارُوا الأرْضَ قال: حرثوها.

٢١٢٤٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة أو لَـمْ يَسِيرُوا فِـي الأرْضِ... إلـى قوله وأثارُوا الأرْضَ وَعمَرُوها ك قوله: وآثارا فِـي الأرْضِ، قوله: وَعمَرُوها أكثر مـما عمر هؤلاء وَجاءَتهُمْ رُسُلُهُمْ بـالْبَـيّناتِ.

١٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: حسر سورة الروم {ثُمّ كَانَ عَاقِبَةَ الّذِينَ أَسَاءُواْ السّوَءَىَ أَن كَذّبُواْ بِآيَاتِ اللّه وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: ثم كان آخر أمر من كفر من هؤلاء الذين أثاروا الأرض وعمروها، وجاءتهم رسلهم بـالبـينات بـاللّه ، وكذّبوا رسلهم، فأساءوا بذلك فـي فعلهم. السوأى: يعني الـخـلة التـي هي أسوأ من فعلهم أما فـي الدنـيا، فـالبوار والهلاك، وأما فـي الاَخرة فـالنار لا يخرجون منها.

حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله ثُمّ كانَ عاقِبَةَ الّذِينَ أساءُوا السّوأَى يقول: الذين كفروا جزاؤهم العذاب.

وكان بعض أهل العربـية يقول: السوأى فـي هذا الـموضع: مصدر، مثل البُقوى، وخالفه فـي ذلك غيره فقال: هي اسم.

و قوله: أنْ كَذّبُوا بآياتِ اللّه يقول: كانت لهم السوأى، لأنهم كذّبوا فـي الدنـيا بآيات اللّه ، وكانوا بها يستهزءون: يقول: وكانوا بحجج اللّه وهم أنبـياؤه ورسله يسخرون.

١١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اللّه يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ ثُمّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: اللّه تعالـى يبدأ إنشاء جميع الـخـلق منفردا بإنشائه من غير شريك ولا ظهير، فـيحدثه من غير شيء، بل بقدرته عزّ وجل، ثم يعيد خـلقا جديدا بعد إفنائه وإعدامه، كما بدأه خـلقا سويا، ولـم يك شيئا ثُمّ إلَـيْهِ تُرْجَعُونَ يقول: ثم إلـيه من بعد إعادتهم خـلقا جديدا يردّون، فـيحشرون لفصل القضاء بـينهم و لِـيَجْزِيَ الّذِينَ أسَاءُوا بِـمَا عَمِلُوا، وَيَجْزِيَ الّذِينَ أحْسَنُوا بـالـحُسْنَى.

١٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: ويوم تـجِيء الساعة التـي فـيها يفصل اللّه بـين خـلقه، وينشر فـيها الـموتـى من قبورهم، فـيحشرهم إلـى موقـف الـحساب يُبْلِسُ الـمُـجْرِمُونَ يقول: يـيأس الذين أشركوا بـاللّه ، واكتسبوا فـي الدنـيا مساوىء الأعمال من كلّ شرّ، ويكتئبون ويتندمون، كما قال العجاج:

يا صَاحِ هلْ تعْرِفُ رَسما مُكْرَساقالَ نَعَمْ أعْرِفُهُ وأبْلَسا

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٤٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله يُبْلِسُ قال: يكتئب.

٢١٢٤٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عَن قتادة ، قوله يُبْلِسُ الـمُـجْرِمُونَ أي فـي النار.

٢١٢٤٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قول اللّه وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُبْلِسُ الـمُـجْرِمُونَ قال: الـمبلس: الذي قد نزل به الشرّ، إذا أبلس الرجل، فقد نزل به بلاء.

١٣

و قوله: ولَـمْ يكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائهِمْ شُفَعاءُ

يقول تعالـى ذكره: ويوم تقوم الساعة لـم يكن لهؤلاء الـمـجرمين الذين وصف جل ثناؤه صفتهم من شركائهم الذين كانوا يتبعونهم، علـى ما دعوهم إلـيه من الضلالة، فـيشاركونهم فـي الكفر بـاللّه ، والـمعاونة علـى أذى رسله، شفعاء يشفعون لهم عند اللّه ، فـيستنقذوهم من عذابه. وكانُوا بِشُرَكائهِمْ كافِرِينَ يقول: وكانوا بشركائهم فـي الضلالة والـمعاونة فـي الدنـيا علـى أولـياء اللّه كافرين، يجحدون ولايتهم، ويتبرّءون منهم، كما قال جلّ ثناؤه: إذْ تَبرّأَ الّذِينَ اتّبِعُوا مِنَ الّذِينَ اتّبَعُوا، ورأَوُا العَذَابَ وَتَقَطّعَتْ بِهِمُ الأسْبـابُ. وَقالَ الّذِينَ اتّبَعُوا لَوْ أنّ لَنا كَرّةً فَنَتَبرّأَ مِنْهُمْ كما تَبرّءُوا مِنّا.

١٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرّقُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: ويوم تـجيء الساعة التـي يحشر فـيها الـخـلق إلـى اللّه يومئذٍ، يقول فـي ذلك الـيوم يتفرّقون يعني : يتفرّق أهل الإيـمان بـاللّه ، وأهل الكفر به فأما أهل الإيـمان، فـيؤخذ بهم ذات الـيـمين إلـى الـجنة، وأما أهل الكفر فـيؤخذ بهم ذات الشمال إلـى النار، فهنالك يـميز اللّه الـخبـيث من الطيّب. كما:

٢١٢٤٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، فـي قوله: وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرّقُونَ قال: فرقة واللّه لا اجتـماع بعدها.

١٥

فأمّا الّذِينَ آمَنُوا بـاللّه ورسوله وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ يقول: وعملوا بـما أمرهم اللّه به، وانتهوا عما نهاهم عنه فَهُمْ فِـي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ يقول: فهم فـي الرياحين والنبـاتات الـملتفة، وبـين أنواع الزهر فـي الـجنان يسرون، ويـلذّذون بـالسماع وطيب العيش الهنـيّ. وإنـما خصّ جلّ ثناؤه ذكر الروضة فـي هذا الـموضع، لأنه لـم يكن عند الطرفـين أحسن منظرا، ولا أطيب نشرا من الرياض، ويدل علـى أن ذلك كذلك قول أعشى بنـي ثعلبة:

ما رَوْضَةٌ مِن رِياضِ الـحُسْن مُعْشِبَةٌ خَضْرَاءُ جادَ عَلَـيْها مُسْبِلٌ هَطِلُ

يُضَاحكُ الشّمسَ منها كَوْكَبٌ شَرِقٌ مُؤَزّرٌ بعَمِيـمِ النّبْتِ مُكْتَهِلُ

يَوْما بأطْيَبَ مِنْها نَشْرَ رائحَةٍ وَلا بأحْسَنَ مِنْها إذ دنَا الأُصُلُ

فأعلـمهم بذلك تعالـى، أن الذين آمنوا وعملوا الصالـحات من الـمنظر الأنـيق، واللذيذ من الأرايـيح، والعيش الهنـيّ فـيـما يحبون، ويسرّون به، ويغبطون علـيه. والـحبرة عند العرب: السرور والغبطة قال العجاج:

فـالْـحَمْدُ للّه الّذِي أعْطَى الـحَبَرْمَوَالِـيَ الـحَقّ إنّ الـمَوْلـى شَكَرْ

واختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: فهم فـي روضة يكرمون. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٤٨ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله فَهم فِـي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ قال: يكرمون.

وقال آخرون: معناه: ينعمون. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٤٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله يُحْبَرُون قال: ينعمون.

٢١٢٥٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، فـي قوله فَهُمْ فِـي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ قال: ينعمون.

وقال آخرون: يـلذذون بـالسماع والغناء. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٥١ـ حدثنـي مـحمد بن موسى الـحرسي، قال: ثنـي عامر بن يساف، قال: سألت يحيى بن أبـي كثـير، عن قول اللّه فَهُمْ فِـي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ قال: الـحبرة: اللذة والسماع.

٢١٢٥٢ـ حدثنا عبـيد اللّه بن مـحمد الفريابـي، قال: حدثنا ضمرة بن ربـيعة، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبـي كثـير فـي قوله يُحْبَرُونَ قال: السماع فـي الـجنة.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبـي كثـير، مثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن عامر بن يِساف، عن يحيى بن أبـي كثـير، مثله.

وكل هذه الألفـاظ التـي ذكرنا عمن ذكرناها عنه تعود إلـى معنى ما قلنا.

١٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَمّا الّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ الاَخِرَةِ فَأُوْلَـَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وأما الذين جحدوا توحيد اللّه ، وكذّبوا رسله، وأنكروا البعث بعد الـمـمات والنشور للدار الاَخرة، فأولئك فـي عذاب اللّه مـحضرون، وقد أحضرهم اللّه إياها، فجمعهم فـيها لـيذوقوا العذاب الذي كانوا فـي الدنـيا يكذّبون.

١٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَسُبْحَانَ اللّه حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ }.

 

يقول تعالـى ذكره: فسبحوا اللّه أيها الناس: أي صلوا له حين تـمسون، وذلك صلاة الـمغرب، وحين تصبحون، وذلك صلاة الصبح

١٨

وَلَهُ الـحَمْدُ فِـي السّمَوَاتِ والأرْضِ يقول: وله الـحمد من جميع خـلقه دون غيره فـي السموات من سكانها من الـملائكة، والأرض من أهلها، من جميع أصناف خـلقه فـيها،

وَعَشِيّا يقول: وسَبّحوه أيضا عشيا، وذلك صلاة العصر

وَحِينَ تُظْهِرُونَ يقول: وحين تَدْخـلون فـي وقت الظهر. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٥٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن عاصم، عن أبـي رزِين، قال: سأل نافع بن الأزرق بن عباس : (هل تـجد) ميقات الصلوات الـخمس فـي كتاب اللّه ؟ قال: نعم فَسُبْحانَ اللّه حِينَ تُـمْسُونَ الـمغرب وَحِينَ تُصْبِحُونَ الفجر وَعَشِيّا العصر وَحِينَ تُظْهِرُونَ الظهر، قال: ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عَوْرات لكم.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن عاصم، عن أبـي رَزِين، قال: سأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن الصلوات الـخمس فـي القرآن، قال: نعم، فقرأ فَسُبْحانَ اللّه حِينَ تُـمْسُونَ قال: صلاة الـمغرب وَحِينَ تُصْبِحُونَ قال: صلاة الصبح وَعَشِيّا قال: صلاة العصر وَحِينَ تُظْهِرُونَ صلاة الظهر، ثم قرأ: وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ العِشاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ.

حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن لـيث، عن الـحكم بن أبـي عياض، عن ابن عباس ، قال: جمعت هاتان الاَيتان مواقـيت الصلاة فَسُبْحانَ اللّه حِينَ تُـمْسُونَ قال: الـمغرب والعشاء وَحِينَ تُصْبِحُونَ الفجر وَعَشِيّا العصر وَحِينَ تُظْهرُونَ الظهر.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن إدريس، عن لـيث، عن الـحكم، عن أبـي عياض، عن ابن عباس ، بنـحوه.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن لـيث، عن الـحكم، عن أبـي عياض، عن ابن عباس فـي قوله فَسُبْحانَ اللّه حِينَ تُـمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ... إلـى قوله وَحِينَ تُظْهِرُونَ قال: جمعت الصلوات فسُبْحانَ اللّه حِينَ تُـمْسُونَ الـمغرب والعشاء وَحِين تُصْبِحُونَ صلاة الصبح وَعَشِيّا صلاة العصر وَحِينَ تُظْهِرُونَ صلاة الظهر.

٢١٢٥٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا إسحاق بن سلـيـمان الرازي، عن أبـي سنان، عن لـيث، عن مـجاهد فسُبْحانَ اللّه حِينَ تُـمْسُونَ الـمغرب والعشاء وَحِينَ تُصْبِحُونَ الفجر وَعَشِيّا العصر وَحِينَ تُظْهِرُونَ الظهر، وكلّ سجدة فـي القرآن فهي صلاة.

٢١٢٥٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَسُبْحانَ اللّه حِينَ تُـمْسُونَ لصلاة الـمغرب وَحِينَ تُصْبِحُونَ لصلاة الصبح وَعَشِيّا لصلاة العصر وَحِينَ تُظْهِرُونَ صلاة الظهر أربع صلوات.

٢١٢٥٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قول اللّه : فَسُبْحانَ اللّه حِينَ تُـمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ، وَلَهُ الـحَمْدُ فـي السّمَوَاتِ والأرْضِ، وَعَشِيّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ. قال: حين تـمسون: صلاة الـمغرب، وحين تصبحون: صلاة الصبح، وعشيا: صلاة العصر، وحين تظهرون: صلاة الظهر.

١٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيّتَ مِنَ الْحَيّ وَيُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: صَلّوا فـي هذه الأوقات التـي أمركم بـالصلاة فـيها أيها الناس، للّه الذي يخرج الـحيّ من الـميت، وهو الإنسان الـحيّ من الـماء الـميت، ويخرج الـماء الـميت من الإنسان الـحيّ ويُحْيِـي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها فـينبتها، ويخرج زرعها بعد خرابها وجدوبها وكذلكَ تُـخْرَجُونَ يقول: كما يحيـي الأرض بعد موتها، فـيخرج نبـاتها وزرعها، كذلك يحيـيكم من بعد مـماتكم، فـيخرجكم أحياء من قبوركم إلـى موقـف الـحساب.

وقد بـيّنا فـيـما مضى قبل تأويـل قوله: يُخْرِجُ الـحَيّ مِنَ الـمَيّتِ، ويُخْرِجُ الـمَيّتَ مِنَ الـحَيّ، وذكرنا اختلاف أهل التأويـل فـيه، فأغنى ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع، غير أنا نذكر بعض ما لـم نذكر من الـخبر هنالك إن شاء اللّه .

٢١٢٥٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: يُخْرِجُ الـحَيّ مِنَ الـمَيّتِ، ويُخْرِجُ الـمَيّتَ مِنَ الـحَيّ قال: يخرج من الإنسان ماء ميتا فـيخـلق منه بشرا، فذلك الـميت من الـحيّ، ويخرج الـحيّ من الـميت، فـ يعني بذلك أنه يخـلق من الـماء بشرا، فذلك الـحيّ من الـميت.

٢١٢٥٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، عن الـحسن، قوله يُخْرِجُ الـحَيّ مِنَ الـمَيّتِ، ويُخْرِجُ الـمَيّتَ مِنَ الـحَيّ الـمؤمن من الكافر، والكافر من الـمؤمن.

٢١٢٥٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير وأبو معاوية عن الأعمش، عن إبراهيـم، عن عبد اللّه يُخْرِجُ الـحَيّ مِنَ الـمَيّتِ، ويُخْرِجُ الـمَيّتَ مِنَ الـحَيّ قال: النّطْفة ماء الرجل ميتة وهو حيّ، ويخرج الرجل منها حيا وهي ميتة.

٢٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ ثُمّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: ومن حُججه علـى أنه القادر علـى ما يشاء أيها الناس من إنشاء وإفناء، وإيجاد وإعدم، وأن كل موجود فخـلقه خـلقة أبـيكم من تراب، يعني بذلك خـلق آدم من تراب، فوصفهم بأنه خـلقهم من تراب، إذ كان ذلك فعله بأبـيهم آدم كنـحو الذي قد بـيّنا فـيـما مضى من خطاب العرب من خاطبت بـما فعلت بسلفه من قولهم: فعلنا بكم وفعلنا.

و قوله: ثُمّ إذَا أنْتُـمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ يقول: ثم إذا أنتـم معشر ذرّية من خـلقناه من تراب بشر تنتشرون، يقول: تتصرّفون. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٦٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَمِنْ آياتِهِ أنْ خَـلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ خـلق آدم علـيه السلام من تراب ثُمّ إذا أنْتُـمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ يعني ذرّيته.

٢١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لّتَسْكُنُوَاْ إِلَيْهَا ...}.

يقول تعالـى ذكره: ومن حججه وأدلته علـى ذلك أيضا خـلقه لأبـيكم آدم من نفسه زوجة لـيسكن إلـيها، وذلك أنه خـلق حوّاء من ضلع من أضلاع آدم. كما:

٢١٢٦١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَمِنْ آياتِهِ أنْ خَـلَقَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْوَاجا خـلقها لكم من ضلع من أضلاعه.

و قوله: وَجَعَلَ بَـيْنَكُمْ مَوَدّةً وَرَحْمَةً يقول: جعل بـينكم بـالـمصاهرة والـختونة مودّة تتوادّون بها، وتتواصلون من أجلها، ورحمة رحمكم بها، فعطف بعضكم بذلك علـى بعض إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ لقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ

يقول تعالـى ذكره: إن فـي فعله ذلك لعبرا وعظات لقوم يتذكرون فـي حجج اللّه وأدلته، فـيعلـمون أنه الإله الذي لا يُعجزه شيء أراده، ولا يتعذّر علـيه فعل شيء شاءه.

٢٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّلْعَالَمِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: ومن حججه وأدلته أيضا علـى أنه لا يُعجزه شيء، وأنه إذا شاء أمات من كان حيا من خـلقه، ثم إذا شاء أنشره وأعاده كما كان قبل إماتته إياه خـلقه السموات والأرض من غير شيء أحدث ذلك منه، بل بقدرته التـي لا يـمتنع معها علـيه شيء أراده وَاخْتِلافُ ألْسِنَتِكُمْ يقول: واختلاف منطق ألسنتكم ولغاتها وألْوَانِكُمْ يقول: واختلاف ألوان أجسامكم إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ للْعالَـمِينَ يقول: إن فـي فعله ذلك كذلك لعبرا وأدلة لـخـلقه الذين يعقلون أنه لا يعيبه إعادتهم لهيئتهم التـي كانوا بها قبل مـماتهم من بعد فنائهم. وقد بـيّنا معنى العالـمين فـيـما مضى قبل.

٢٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِالْلّيْلِ وَالنّهَارِ وَابْتِغَآؤُكُمْ مّن فَضْلِهِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: ومن حججه علـيكم أيها القوم تقديره الساعات والأوقات، ومخالفته بـين اللـيـل والنهار، فجعل اللـيـل لكم سكنا تسكنون فـيه، وتنامون فـيه، وجعل النهار مضيئا لتصرّفكم فـي معايشكم والتـماسكم فـيه من رزق بكم إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ لقَوْمٍ يَسْمَعُونَ

يقول تعالـى ذكره: إن فـي فعل اللّه ذلك كذلك، لعبرا وذكرى وأدلة علـى أن فـاعل ذلك لا يُعجزه شيء أراده لقوم يسمعون مواعظ اللّه ، فـيتعظون بها، ويعتبرون فـيفهمون حجج اللّه علـيهم.

٢٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزّلُ مِنَ السّمَآءِ مَآءً ...}.

يقول تعالـى ذكره: ومن حججه يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفـا لكم إذا كنتـم سفرا، أن تـمطروا فتتأذّوا به وطَمَعا لكم، إذا كنتـم فـي إقامة أن تـمطروا، فتـحيوا وتـخصبوا وَيُنَزّلُ منَ السّماءِ ماءً يقول: وينزّل من السماء مطرا، فـيحيـي بذلك الـماء الأرض الـميتة، فتنبت ويخرج زرعها بعد موتها، يعني جدوبها ودروسها إن فِـي ذلكَ لاَياتٍ يقول: إن فـي فعله ذلك كذلك لعبرا وأدلة لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ عن اللّه حججه وأدلته. وبنـحو الذي قلنا فـي معنى قوله يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفـا وَطَمَعا قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٦٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، فـي قوله وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفـا وَطَمَعا قال: خوفـا للـمسافر، وطمعا للـمقـيـم.

واختلف أهل العربـية فـي وجه سقوط (أن) فـي قوله: يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفـا وَطَمَعا فقال بعض نـحويـي البصرة: لـم يذكر ههنا (أن) لأن هذا يدلّ علـى الـمعنى وقال الشاعر:

ألا أيّهَذَا الزّاجِرِي أحْضُرَ الوَغَىوأنْ أشْهَدَ اللّذّاتِ هَل أنْتَ مُخْـلِدي

قال: وقال:

لَوْ قُلْتُ ما فِـي قَوْمِها لَـمْ تِـيتَـميَفْضُلُها فـي حَسَبٍ وَمِيسمِ

وقال: يريد: ما فـي قومها أحد. وقال بعض نـحويـي الكوفـيـين: إذا أظهرت (أن) فهي فـي موضع رفع، كما قال: وَمِنْ آياتِهِ خَـلْقُ السّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنَامُكُمْ فإذا حذفت جعلت (من) مؤدّية عن اسم متروك، يكون الفعل صلة، كقول الشاعر:

وَما الدّهْرُ إلاّ تارَتانِ فَمِنْهُماأموتُ وأُخْرَى أبْتَغي العَيْشَ أكْدحُ

كأنه أراد: فمنهما ساعة أموتها، وساعة أعيشها، وكذلك: ومن آياته يريكم آية البرق، وآية لكذا، وإن شئت أردت: ويريكم من آياته البرق، فلا تضمر (أن) ولا غيره. وقال بعض من أنكر قول البصري: إنـما ينبغي أن تـحذف (أن) من الـموضع الذي يدلّ علـى حذفها، فأما فـي كلّ موضع فلا، فأما مع أحضر الوغى فلـما كان زجرتك أن تقوم، وزجرتك لأن تقوم، يدلّ علـى الاستقبـال جاز حذف (أن) ، لأن الـموضع معروف لا يقع فـي كلّ الكلام، فأما قوله: ومن آياته أنك قائم، وأنك تقوم، وأن تقوم، فهذا الـموضع لا يحذف، لأنه لا يدلّ علـى شيء واحد.

والصواب من القول فـي ذلك أن (من) فـي قوله وَمِنْ آياتِهِ تدل علـى الـمـحذوف، وذلك أنها تأتـي بـمعنى التبعيض. وإذا كانت كذلك، كان معلوما أنها تقتضي البعض، فلذلك تـحذف العرب معها الاسم لدلالتها علـيه.

٢٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السّمَآءُ وَالأرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مّنَ الأرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: ومن حججه أيها القوم علـى قُدرته علـى ما يشاء، قـيام السماء والأرض بأمره خضوعا له بـالطاعة بغير عمد ترى ثُمّ إذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إذَا أنْتُـمْ تَـخْرَجُونَ يقول: إذا أنتـم تـخرجون من الأرض، إذا دعاكم دعوة مستـجيبـين لدعوته إياكم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٦٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَمِنْ آياتِهِ أنْ تَقُومَ السّماءُ والأرْضُ بأمْرِهِ قامتا بأمره بغير عمد ثُمّ إذَا دَعاكمْ دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إذَا أنْتُـمْ تَـخْرُجُونَ قال: دعاهم فخرجوا من الأرض.

٢١٢٦٤ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله: إذَا أنْتُـمْ تَـخْرُجُونَ يقول: من الأرض.

٢٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَهُ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ كُلّ لّهُ قَانِتُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وللّه من فـي السموات والأرض من ملك وجنّ وإنس عبـيد وملك كُلّ لَهُ قانِتُونَ يقول: كلّ له مطيعون، فـيقول قائل: وكيف قـيـل كُلّ لَهُ قانِتُونَ وقد علـم أن أكثر الإنس والـجنّ له عاصون؟ فنقول: اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فنذكر اختلافهم، ثم نبـين الصواب عندنا فـي ذلك من القول، فقال بعضهم: ذلك كلام مخرجه مخرج العموم، والـمراد به الـخصوص، ومعناه: كلّ له قانتون فـي الـحياة والبقاء والـموت، والفناء والبعث والنشور، لا يـمتنع علـيه شيء من ذلك، وإن عصاه بعضهم من غير ذلك. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٦٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ،

٢٧

قوله وَمِنْ آياتِهِ أنْ تَقُومَ السّماءُ والأرْضُ بأمْرِهِ... إلـى كُلّ لَهُ قانِتُونَ يقول: مطيعون، يعني الـحياة والنشور والـموت، وهم عاصون له فـيـما سوى ذلك من العبـادة.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: كلّ له قانتون بإقرارهم بأنه ربهم وخالقهم. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٦٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة كُلّ لَهُ قانِتُونَ: أي مطيع مقرّ بأن اللّه ربه وخالقه.

وقال آخرون: هو علـى الـخصوص، والـمعنى: وله من فـي السموات والأرض من ملك وعبد مؤمن للّه مطيع دون غيرهم. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٦٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: كُلّ لَهُ قانِتُونَ قال: كلّ له مطيعون. الـمطيع: القانت، قال: ولـيس شيء إلاّ وهو مطيع، إلاّ ابن آدم، وكان أحقهم أن يكون أطوعهم للّه. وفـي قوله وَقُومُوا للّه قانِتِـينَ قال: هذا فـي الصلاة، لا تتكلـموا فـي الصلاة كما يتكلـم أهل الكتاب فـي الصلاة، قال: وأهل الكتاب يـمشي بعضهم إلـى بعض فـي الصلاة، قال: ويتقابلون فـي الصلاة، فإذا قـيـل لهم فـي ذلك، قالوا: لكي تذهب الشحناء من قلوبنا تسلـم قلوب بعضنا لبعض، فقال اللّه : وقوموا للّه قانتـين لا تزولوا كم يزولون. قانتـين: لا تتكلـموا كما يتكلـمون. قال: فأما ما سوى هذا كله فـي القرآن من القنوت فهو الطاعة، إلاّ هذه الواحدة.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب القول الذي ذكرناه عن ابن عباس ، وهو أن كلّ من فـي السموات والأرض من خـلق للّه مطيع فـي تصرّفه فـيـما أراد تعالـى ذكره من حياة وموت، وما أشبه ذلك، وإن عصاه فـيـما يكسبه بقوله ، وفـيـما له السبـيـل إلـى اختـياره وإيثاره علـى خلافه.

وإنـما قلت: ذلك أولـى بـالصواب فـي تأويـل ذلك، لأن العصاة من خـلقه فـيـما لهم السبـيـل إلـى اكتسابه كثـير عددهم، وقد أخبر تعالـى ذكره عن جميعهم أنهم له قانتون، فغير جائز أن يخبر عمن هو عاص أنه له قانت فـيـما هو له عاص. وإذا كان ذلك كذلك، فـالذي فـيه عاص هو ما وصفت، والذي هو له قانت ما بـينت.

و قوله: وَهُوَ الّذِي يَبْدَأُ الـخَـلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ

يقول تعالـى ذكره: والذي له هذه الصفـات تبـارك وتعالـى، هو الذي يبدأ الـخـلق من غير أصل فـينشئه ويوجده، بعد أن لـم يكن شيئا، ثم يفنـيه بعد ذلك، ثم يعيده، كما بدأه بعد فنائه، وهو أهون علـيه.

اختلف أهل التأويـل، فـي معنى قوله: وَهُوَ أهْوَنُ عَلَـيْهِ فقال بعضهم: معناه: وهو هين علـيه. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٦٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن سعيد العطار، عن سفـيان عمن ذكره، عن منذر الثوريّ، عن الربـيع بن خَيْثم وَهُوَ أهْوَنُ عَلَـيْهِ قال: ما شيء علـيه بعزيز.

٢١٢٦٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله وَهُوَ الّذِي يَبْدَأُ الـخَـلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ، وَهُوَ أهْوَنُ عَلَـيْهِ يقول: كلّ شيء علـيه هين.

وقال آخرون: معناه: وإعادة الـخـلق بعد فنائهم أهون علـيه من ابتداء خـلقهم. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٧٠ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله وَهُوَ أهْوَنُ عَلَـيْهِ قال: يقول: أيسر علـيه.

٢١٢٧١ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: وَهُوَ أهْوَنُ عَلَـيْهِ قال: الإعادة أهون علـيه من البداءة، والبداءة علـيه هين.

٢١٢٧٢ـ حدثنـي ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن سماك، عن عكرِمة قرأ هذا الـحرف وَهُوَ الّذِي يَبْدَأُ الـخَـلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ، وَهُوَ أهْوَنُ عَلَـيْهِ قال: تعجب الكفـار من إحياء اللّه الـموتـى، قال: فنزلت هذه الاَية وَهُوَ الّذِي يَبْدَأُ الـخَـلْقَ ثُمّ يُعِيدُهُ، وَهُوَ أهْوَنُ عَلَـيْهِ إعادة الـخـلق أهون علـيه من إبداء الـخـلق.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا غندر، عن شعبة، عن سماك، عن عكرمة بنـحوه، إلاّ أنه قال: إعادة الـخـلق أهون علـيه من ابتدائه.

٢١٢٧٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله وَهُوَ أهْوَنُ عَلَـيْهِ: يقول: إعادته أهون علـيه من بدئه، وكلّ علـى اللّه هين. وفـي بعض القراءة: وكلّ علـى اللّه هين.

وقد يحتـمل هذا الكلام وجهين، غير القولـين اللذين ذكرت، وهو أن يكون معناه: وهو الذي يبدأ الـخـلق ثم يعيده، وهو أهون علـى الـخـلق: أي إعادة الشيء أهون علـى الـخـلق من ابتدائه. والذي ذكرنا عن ابن عباس فـي الـخبر الذي حدثنـي به ابن سعد، قول أيضا له وجه.

وقد وجّه غير واحد من أهل العربـية قول ذي الرّمة:

أخي قَـفَرَاتٍ دَبّبَتْ فِـي عِظامهشُفـافـاتُ أعْجاز الكَرَى فهْوَ أخْضَعُ

إلـى أنه بـمعنى خاضع وقول الاَخر:

لَعَمْرُكَ إنّ الزّبْرَقانَ لَبـاذِلٌلـمَعْروفِه عِنْدَ السّنِـينَ وأفْضَلُ

كَرِيـمٌ لَه عَنْ كُلّ ذَمّ تَأَخّرٌوفِـي كُلّ أسْبـابِ الـمَكارِمِ أوّلُ

إلـى أنه بـمعنى: وفـاضل وقول معن:

لَعَمْرُكَ ما أدْرِي وإنّـي لأَوْجَلُعلـى أيّنا تَعْدُو الـمَنِـيّةُ أوّلُ

إلـى أنه بـمعنى: وإنـي لوجل وقول الاَخر:

تَـمَنّى مُرَىْءُ القَـيْسِ مَوْتـي وإنْ أمُتْفَتِلكَ سَبِـيـلٌ لَسْتُ فِـيها بأوْحَدِ

إلـى أنه بـمعنى: لست فـيها بواحد وقول الفرزدق:

إنّ الّذِي سَمَكَ السّماءَ بَنى لَنابَـيْتا دَعائمُهُ أعَزّ وأطْوَلُ

إلـى أنه بـمعنى: عزيزة طويـلة. قالوا: ومنه قولهم فـي الأذان: اللّه أكبر، بـمعنى: اللّه كبـير وقالوا: إن قال قائل: إن اللّه لا يوصف بهذا، وإنـما يوصف به الـخـلق، فزعم أنه وهو أهون علـى الـخـلق، فإن الـحجة علـيه قول اللّه : وكانَ ذلكَ علـى اللّه يَسِيرا،

و قوله: وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُما: أي لا يثقله حفظهما.

و قوله: وَلَهُ الـمَثَلُ الأعْلَـى يقول: وللّه الـمثل الأعلـى فـي السموات والأرض، وهو أنه لا إله إلاّ هو وحده لا شريك له، لـيس كمثله شيء، فذلك الـمثل الأعلـى، تعالـى ربنا وتقدّس. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٧٤ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله وَلَهُ الـمَثَلُ الأعْلَـى فِـي السّمَوَاتِ يقول: لـيس كمثله شيء.

٢١٢٧٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله وَلَهُ الـمَثَلُ الأعْلَـى فِـي السّمَوَاتِ والأرْضِ مثله أنه لا إله إلاّ هو، ولا ربّ غيره.

و قوله: وَهُوَ العَزِيزُ الـحَكِيـمُ

يقول تعالـى ذكره: وهو العزيز فـي انتقامه من أعدائه، الـحكيـم فـي تدبـيره خـلقه، وتصريفهم فـيـما أراد من إحياء وإماتة، وبعث ونشر، وما شاء.

٢٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ضَرَبَ لَكُمْ مّثَلاً مّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لّكُمْ مّن مّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ ... }.

يقول تعالـى ذكره: مثل لكم أيها القوم ربكم مثلاً من أنفسكم، هل لكم مـما ملكت أيـمانكم يقول: من مـمالـيككم من شركاء، فـيـما رزقناكم من مال، فأنتـم فـيه سواء وهم. يقول: فإذا لـم ترضوا بذلك لأنفسكم فكيف رضيتـم أن تكون آلهتكم التـي تعبدونها لـي شركاء فـي عبـادتكم إياي، وأنتـم وهم عبـيدي ومـمالـيكي، وأنا مالك جميعكم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٧٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أنْفُسكمْ هَلْ لَكُمْ مِـمّا مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِـيـما رَزَقْناكُمْ، فأنْتُـمْ فِـيهِ سَوَاءٌ قال: مثل ضربه اللّه لـمن عدل به شيئا من خـلقه، يقول: أكان أحدكم مشاركا مـملوكه فـي فراشه وزوجته، فكذلكم اللّه لا يرضى أن يعدل به أحد من خـلقه.

٢١٢٧٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مـمّا مَلَكَتْ أيـمَانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِـيـما رَزَقْناكُمْ، فأنْتُـمْ فِـيهِ سَوَاءٌ قال: هل تـجد أحدا يجعل عبده هكذا فـي ماله، فكيف تعمد أنت وأنت تشهد أنهم عبـيدي وخـلقـي، وتـجعل لهم نصيبـا فـي عبـادتـي، كيف يكون هذا؟ قال: وهذا مثل ضربه اللّه لهم، وقرأ: كَذلكَ نُفَصّلُ الاَياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.

واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: تَـخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أنْفُسَكُمْ فقال بعضهم: معنى ذلك: تـخافون هؤلاء الشركاء مـما ملكت أيـمانكم أن يرثوكم أموالكم من بعد وفـاتكم، كما يرث بعضكم بعضا. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٧٨ـ حُدثت عن حجاج، عن ابن جُرَيج، عن عطاء الـخراسانـي، عن ابن عباس ، قال: فـي الاَلهة، وفـيه يقول: تـخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: تـخافون هؤلاء الشركاء مـما ملكت أيـمانكم أن يقاسموكم أموالكم، كما تقاسم بعضكم بعضا. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٧٩ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا الـمعتـمر، قال: سمعت عمران قال: قال أبو مـجلز: إن مـملوكك لا تـخاف أن يقاسمك مالك، ولـيس له ذلك، كذلك اللّه لا شريك له.

وأولـى القولـين بـالصواب فـي تأويـل ذلك القول الثانـي، لأنه أشبههما بـما دلّ علـيه ظاهرالكلام، وذلك أن اللّه جل ثناؤه وبخ هؤلاء الـمشركين الذين يجعلون له من خـلقه آلهة يعبدونها، وأشركوهم فـي عبـادتهم إياه، وهم مع ذلك يقرّون بأنها خـلقه وهم عبـيده، وعيرهم بفعلهم ذلك، فقال لهم: هل لكم من عبـيدكم شركاء فـيـما خوّلناكم من نعمنا، فهم سواء، وأنتـم فـي ذلك تـخافون أن يقاسموكم ذلك الـمال الذي هو بـينكم وبـينهم، كخيفة بعضكم بعضا أن يقاسمه ما بـينه وبـينه من الـمال شركة فـالـخيفة التـي ذكرها تعالـى ذكره بأن تكون خيفة مـما يخاف الشريك من مقاسمة شريكه الـمال الذي بـينهما إياه أشبه من أن تكون خيفة منه بأن يرثه، لأن ذكر الشركة لا يدلّ علـى خيفة الوراثة، وقد يدلّ علـى خيفة الفراق والـمقاسمة.

و قوله: كذلكَ نُفَصّلُ الاَياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

يقول تعالـى ذكره: كما بـيّنا لكم أيها القوم حججنا فـي هذه الاَيات من هذه السورة علـى قدرتنا علـى ما نشاء من إنشاء ما نشاء، وإفناء ما نـحبّ، وإعادة ما نريد إعادته بعد فنائه، ودللنا علـى أنه لا تصلـح العبـادة إلاّ للواحد القهار، الذي بـيده ملكوت كلّ شيء، كذلك نبـين حججنا فـي كل حقّ لقوم يعقلون، فـيتدبرونها إذا سمعوها، ويعتبرون فـيتعظون بها.

٢٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {بَلِ اتّبَعَ الّذِينَ ظَلَمُوَاْ أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلّ اللّه وَمَا لَهُمْ مّن نّاصِرِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: ما ذلك كذلك، ولا أشرك هؤلاء الـمشركون فـي عبـادة اللّه الاَلهة والأوثان، لأن لهم شركا فـيـما رزقهم اللّه من ملك أيـمانهم، فهم وعبـيدهم فـيه سواء، يخافون أن يقاسموهم ما هم شركاؤهم فـيه، فرضوا للّه من أجل ذلك بـما رضوا به لأنفسهم، فأشركوهم فـي عبـادته، ولكن الذين ظلـموا أنفسهم فكفروا بـاللّه ، اتبعوا أهواءهم، جهلاً منهم لـحقّ اللّه علـيهم، فأشركوا الاَلهة والأوثان فـي عبـادته فَمَنْ يهْدِي مَنْ أضَلّ اللّه يقول: فمن يسدّد للصواب من الطرق، يعني بذلك من يوفق للإسلام من أضلّ اللّه عن الاستقامة والرشاد؟ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ يقول: وما لـمن أضلّ اللّه من ناصرين ينصرونه، فـينقذونه من الضلال الذي يبتلـيه به تعالـى ذكره.

٣٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللّه الّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْهَا ...}.

يقول تعالـى ذكره: فسدّد وجهك نـحو الوجه الذي وجهك إلـيه ربك يا مـحمد لطاعته، وهي الدين، حنـيفـا يقول: مستقـيـما لدينه وطاعته، فطرة اللّه التـي فطر الناس علـيها يقول: صنعةَ اللّه التـي خـلق الناس علـيها ونصبت فطرة علـى الـمصدر من معنى قوله فَأقِمْ وَجْهَكَ للدّينِ حَنِـيفـا وذلك أن معنى ذلك: فطر اللّه الناس علـى ذلك فطرة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٨٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله فِطْرَةَ اللّه التـي فَطَرَ النّاسَ عَلَـيْها قال: الإسلام مذ خـلقهم اللّه من آدم جميعا، يقرّون بذلك، وقرأ: وَإذْ أخَذَ رَبّكَ منْ بَنِـي آدَمَ منْ ظُهُورِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ، وأشْهَدَهُمْ علـى أنْفُسِهمْ، ألَسْتُ برَبّكُمْ؟ قالُوا بَلَـى شَهِدْنا قال: فهذا قول اللّه : كانَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً، فَبَعَثَ اللّه النبي ـينَ بعد.

٢١٢٨١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فِطْرَةَ اللّه قال: الإسلام.

٢١٢٨٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا يونس بن أبـي صالـح، عن يزيد بن أبـي مريـم، قال: مرّ عمر بـمُعاذ بن جبل، فقال: ما قِوام هذه الأمة؟ قال مُعاذ: ثلاث، وهنّ الـمنـجيات: الإخلاص، وهو الفطرة فِطْرَةَ اللّه التـي فَطَرَ النّاسَ عَلَـيْها. والصلاة وهي الـملة والطاعة وهي العصمة، فقال عمر: صدقت.

حدثنـي يعقوب، قال: ثنـي ابن عُلَـية، قال: حدثنا أيوب، عن أبـي قِلابة أن عمر قال لـمعاذ: ما قِوام هذه الأمة؟ ثم ذكر نـحوه.

وقوله لا تَبْدِيـلَ لِـخَـلْقِ اللّه يقول: لا تغيـير لدين اللّه : أي لا يصلـح ذلك، ولا ينبغي أن يفعل.

واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم نـحو الذي قلنا فـي ذلك. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٨٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد لا تَبْدِيـلَ لِـخَـلْقِ اللّه قال: لدينه.

٢١٢٨٤ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن لـيث، قال: أرسل مـجاهد رجلاً يقال له قاسم إلـى عكرِمة يسأله عن قول اللّه : لا تَبْدِيـلَ لِـخَـلْقِ اللّه (قال) : إنـما هو الدين، وقرأ لا تَبْدِيـلَ لـخَـلْقِ اللّه ذلكَ الدّينُ القَـيّـمُ.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا زيد بن حبـاب، عن حسين بن واقد، عن يزيد النـحوي، عن عكرِمة فطْرَةَ اللّه التـي فَطَرَ النّاسَ عَلَـيْها قال: الإسلام.

قال: ثنـي أبـي، عن نضر بن عربـي، عن عكرمة لا تَبْدِيـلَ لـخَـلْقِ اللّه قال: لدين اللّه .

قال: ثنـي أبـي، عن سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد ، قال: لدين اللّه .

قال: ثنا أبـي، عن عبد الـجبـار بن الورد، عن القاسم بن أبـي بزّة، قال: قال مـجاهد ، فسل عنها عكرِمة، فسألته، فقال عكرمة: دين اللّه تعالـى ماله أخزاه اللّه ؟ ألـم يسمع إلـى قوله فِطْرَةَ اللّه التـي فَطَرَ النّاسَ عَلَـيْها، لا تَبْدِيـلَ لـخَـلْقِ اللّه ؟.

 

٢١٢٨٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة لا تَبْدِيـلَ لـخَـلْقِ اللّه : أي لدين اللّه .

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حفص بن غياث، عن لـيث، عن عكرمة، قال: لدين اللّه .

٢١٢٨٦ـ قال: ثنا ابن عيـينة، عن حميد الأعرج، قال: قال سعيد بن جُبَـير لا تَبْدِيـلَ لـخَـلْقِ اللّه قال: لدين اللّه .

٢١٢٨٧ـ قال: ثنا الـمـحاربـي، عن جويبر، عن الضحاك لا تَبْدِيـلَ لـخَـلْقِ اللّه قال: لدين اللّه .

٢١٢٨٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله لا تَبْدِيـلَ لـخَـلْقِ اللّه قال: دين اللّه .

٢١٢٨٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي عن مسعر وسفـيان، عن قـيس بن مسلـم، عن إبراهيـم، قال لا تَبْدِيـلَ لـخَـلْقِ اللّه قال: لدين اللّه .

قال: ثنا أبـي عن جعفر الرازي، عن مغيرة، عن إبراهيـم، قال: لدين اللّه .

وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تغيـير لـخـلق اللّه من البهائم بأن يخصى الفحول منها. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٩٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن مطرف، عن رجل، سأل ابن عباس ، عن خصاء البهائم، فكرهه، وقال: لا تَبْدِيـل لـخَـلْقِ اللّه .

٢١٢٩١ـ قال: ثنا ابن عيـينة، عن حميد الأعرج، قال: قال عكرمة: الإخصاء.

٢١٢٩٢ـ قال: ثنا حفص بن غياث، عن لـيث، عن مـجاهد ، قال: الإخصاء.

و قوله: ذلكَ الدّينُ القَـيّـمُ

يقول تعالـى ذكره: إن إقامتك وجهك للدين حنـيفـا غير مغير ولا مبدّل هو الدين القـيـم، يعني الـمستقـيـم الذي لا عوج فـيه عن الاستقامة من الـحنـيفـية إلـى الـيهودية والنصرانـية، وغير ذلك من الضلالات والبدع الـمـحدثة.

وقد وجّه بعضهم معنى الدين فـي هذا الـموضع إلـى الـحساب. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٩٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة، قال: حدثنا عبد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا أبو لـيـلـى، عن بريدة ذلكَ الدّينُ القَـيّـمُ قال: الـحساب القـيـم وَلَكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَـمُونَ

يقول تعالـى ذكره: ولكن أكثر الناس لا يعلـمون أن الدين الذي أمرتك يا مـحمد به بقولـي فأَقمِ وَجْهَكَ للدّينِ حَنِـيفـا هو الدين الـحقّ دون سائر الأديان غيره.

٣١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتّقُوهُ وَأَقِيمُواْ الصّلاَةَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ... }.

 يعني تعالـى ذكره ب قوله: مُنِـيبِـينَ إلَـيْهِ تائبـين راجعين إلـى اللّه مقبلـين، كما:

٢١٢٩٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: مُنـيبِـينَ إلـيْهِ قال: الـمنـيب إلـى اللّه : الـمطيع للّه، الذي أناب إلـى طاعة اللّه وأمره، ورجع عن الأمور التـي كان علـيها قبل ذلك. كان القوم كفـارا، فنزعوا ورجعوا إلـى الإسلام.

وتأويـل الكلام: فأقم وجهك يا مـحمد للدين حنـيفـا منـيبـين إلـيه إلـى اللّه فـالـمنـيبون حال من الكاف التـي فـي وجهك.

فإن قال قائل: وكيف يكون حالاً منها، والكاف كناية عن واحد، والـمنـيبون صفة لـجماعة؟

قـيـل: لأن الأمر من الكاف كناية اسمه من اللّه فـي هذا الـموضع أمر منه له ولأمته، فكأنه

قـيـل له: فأقم وجهك أنت وأمتك للدين حنـيفـا للّه، منـيبـين إلـيه.

و قوله: وَاتّقُوهُ

يقول جلّ ثناؤه: وخافوا اللّه وراقبوه أن تفرّطوا فـي طاعته، وتركبوا معصيته. وَلا تَكُونُوا مِنَ الـمُشْرِكِينَ يقول: ولا تكونوا من أهل الشرك بـاللّه بتضيـيعكم فرائضه، وركوبكم معاصيه، وخلافكم الدين الذي دعاكم إلـيه.

٣٢

و قوله: مِنَ الّذِينَ فَرّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعا يقول: ولا تكونوا من الـمشركين الذين بدّلوا دينهم، وخالفوه ففـارقوه وكانوا شِيَعا يقول: وكانوا أحزابـا فرقا كالـيهود والنصارى.وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٩٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة الّذِينَ فَرّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعا: وهم الـيهود والنصارى.

٢١٢٩٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله الّذِينَ فَرّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعا إلـى آخر الاَية، قال: هؤلاء يهود، فلو وجّه قوله مِنَ الّذِينَ فَرّقُوا دِينَهُمْ إلـى أنه خبر مستأنف منقطع عن قوله: وَلا تَكُونُوا مِنَ الـمُشْرِكِينَ وأن معناه: من الذين فرّقوا دِينَهُم وكانُوا شِيَعا أحزابـا كُلّ حِزْبٍ بِـمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ كان وجها يحتـمله الكلام.

و قوله: كُلّ حِزْبٍ بِـمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ يقول: كل طائفة وفرقة من هؤلاء الذين فـارقوا دينهم الـحقّ، فأحدثوا البدع التـي أحدثوا بـما لديهم فرحون. يقول: بـما هم به متـمسكون من الـمذهب، فرحون مسرورون، يحسبون أن الصواب معهم دون غيرهم.

٣٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا مَسّ النّاسَ ضُرّ دَعَوْاْ رَبّهُمْ مّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ بِرَبّهِمْ يُشْرِكُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وإذا مسّ هؤلاء الـمشركين الذين يجعلون مع اللّه إلها آخر ضُرّ، فأصابتهم شدة وجدوب وقحوط دَعَوْا رَبّهُمْ يقول: أخـلصوا لربهم التوحيد، وأفردوه بـالدعاء والتضرّع إلـيه، واستغاثوا به منـيبـين إلـيه، تائبـين إلـيه من شركهم وكفرهم ثُمّ إذَا أذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً يقول: ثم إذا كشف ربهم تعالـى ذكره عنهم ذلك الضرّ وفرّجه عنهم وأصابهم برخاء وخصب وسعة، إذا فريق منهم يقول: إذا جماعة منهم بربهم يشركون يقول: يعبدون معه الاَلهة والأوثان.

٣٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }.

يقول تعالـى ذكره متوعدا لهؤلاء الـمشركين الذين أخبر عنهم أنه إذا كشف الضرّ عنهم كفروا به، لـيكفروا بـما أعطيناهم، يقول: إذا هم بربهم يشركون، كي يكفروا: أي يجحدوا النعمة التـي أنعمتها علـيهم بكشفـي عنهم الضرّ الذي كانوا فـيه، وإبدالـي ذلك لهم بـالرخاء والـخصب والعافـية، وذلك الرخاء والسعة هو الذي آتاهم تعالـى ذكره، الذي قال: بـما آتـيناهم. وقوله فَتَـمَتّعُوا يقول: فتـمتعوا أيها القوم بـالذي آتـيناكم من الرخاء والسعة فـي هذه الدنـيا فَسَوْف تَعْلَـمُونَ إذا وردتـم علـى ربكم ما تلقون من عذابه، وعظيـم عقابه علـى كفركم به فـي الدنـيا. وقد قرأ بعضهم: (فَسَوْفَ يَعْلَـمُونَ) بـالـياء، بـمعنى: لـيكفروا بـما آتـيناهم، فقد تـمتعوا علـى وجه الـخبر، فسوف يعلـمون.

٣٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: أم أنزلنا علـى هؤلاء الذين يشركون فـي عبـادتنا الاَلهة والأوثان، كتابـا بتصديق ما يقولون، وبحقـيقة ما يفعلون فَهُوَ يَتَكَلّـمُ بِـمَا كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ يقول: فذلك الكتاب ينطق بصحة شركهم وإنـما يعني جل ثناؤه بذلك: أنه لـم يُنْزل بـما يقولون ويفعلون كتابـا، ولا أرسل به رسولاً، وإنـما هو شيء افتعلوه واختلقوه، اتبـاعا منهم لأهوائهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٩٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله أمْ أنْزَلْنا عَلَـيْهِمْ سُلْطانا فَهُوَ يَتَكَلّـمُ بِـمَا كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ يقول: أم أنزلنا علـيهم كتابـا فهو ينطق بشركهم.

٣٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَآ أَذَقْنَا النّاسَ رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وإذا أصاب الناس منا خصب ورخاء، وعافـية فـي الأبدان والأموال، فرحوا بذلك، وإن تصبهم منا شدّة من جدب وقحط وبلاء فـي الأموال والأبدان بِـمَا قَدّمَتْ أيْدِيهِمْ يقول: بـما أسلفوا من سيىء الأعمال بـينهم وبـين اللّه ، وركبوا من الـمعاصي إذَا هُمْ يَقْنَطُونَ يقول: إذا هم يـيأسون من الفرج والقنوط: هو الإياس ومنه قول حميد الأرقط.

قَدْ وَجَدُوا الـحَجّاجَ غيرَ قانِطِ

و قوله: إذَا هُمْ يَقْنَطُونَ هو جواب الـجزاء، لأن (إذا) نابت عن الفعل بدلالتها علـيه، فكأنه

قـيـل: وإن تصبهم سيئة بـما قدّمت أيديهم وجدتهم يقنطون، أو تـجدهم، أو رأيتهم، أو تراهم. وقد كان بعض نـحويـي البصرة يقول: إذا كانت (إذا) جوابـا لأنها متعلقة بـالكلام الأوّل بـمنزلة الفـاء.

٣٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنّ اللّه يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: أَوَ لـم ير هؤلاء الذين يفرحون عند الرخاء يصيبهم والـخصب، ويـيأسون من الفرج عند شدّة تنالهم، بعيون قلوبهم، فـيعلـموا أن الشدّة والرخاء بـيد اللّه ، وأن اللّه يبسط الرزق لـمن يشاء من عبـاده فـيوسعه علـيه، ويقدر علـى من أراد فـيضيقه علـيه إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ لِقَوْم يُؤْمِنُونَ يقول: إن فـي بسطه ذلك علـى من بسطه علـيه، وقدره علـى من قدره علـيه، ومخالفته بـين من خالف بـينه من عبـاده فـي الغنى والفقر، لدلالة واضحة لـمن صدّق حجج اللّه وأقرّ بها إذا عاينها ورآها.

٣٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَىَ حَقّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لّلّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللّه وَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : فأعط يا مـحمد ذا القرابة منك حقه علـيك من الصلة والبرّ والـمسكين وابن السبـيـل، ما فرض اللّه لهما فـي ذلك، كما:

٢١٢٩٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا غندر، عن عوف، عن الـحسن فآت ذَا القُرْبَى حَقّهُ وَالـمِسكين وَابْنَ السّبِـيـلِ قال: هو أن توفـيهم حقهم إن كان عند يسر، وإن لـم يكن عندك فقل لهم قولاً ميسورا، قل لهم الـخير.

و قوله: ذلكَ خَيْرٌ للّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللّه

يقول تعالـى ذكره: إيتاء هؤلاء حقوقهم التـي ألزمها اللّه عبـاده، خير للذين يريدون اللّه بإتـيانهم ذلك وأُولَئِكَ هُمُ الـمُفْلِـحُونَ يقول: ومن يفعل ذلك مبتغيا وجه اللّه به، فأولئك هم الـمنـجحون، الـمدركون طلبـاتهم عند اللّه ، الفـائزون بـما ابتغوا والتـمسوا بإيتائهم إياهم ما آتوا.

٣٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَآ آتَيْتُمْ مّن رّباً لّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النّاسِ فَلاَ يَرْبُو عِندَ اللّه ...}.

يقول تعالـى ذكره: وما أعطيتـم أيها الناس بعضكم بعضا من عطية لتزداد فـي أموال الناس برجوع ثوابها إلـيه، مـمن أعطاه ذلك، فلا يربو عند اللّه يقول: فلا يزداد ذلك عند اللّه ، لأن صاحبه لـم يعطه من أعطاه مبتغيا به وجهه. وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ زَكاةٍ يقول: وما أعطيتـم من صدقة تريدون بها وجه اللّه ، فأولئك يعني الذين يتصدّقون بأموالهم ملتـمسين بذلك وجه اللّه هم الـمضعفون يقول: هم الذين لهم الضعف من الأجر والثواب، من قول العرب: أصبح القوم مسمِنـين معطِشين، إذا سمنت إبلهم وعطشت. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٢٩٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ رِبـا لِـيَرْبُوَ فِـي أمْوَالِ النّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللّه قال: هو ما يعطي الناس بـينهم بعضهم بعضا، يعطي الرجل الرجل العطية، يريد أن يُعطى أكثر منها.

٢١٣٠٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور بن صفـية، عن سعيد بن جُبَـير وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ رِبـا لِـيَرْبُوَ فِـي أمْوَالِ النّاسِ قال: هو الرجل يعطي الرجل العطية لـيثـيبه.

قال: ثنا يحيى، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور بن صفـية، عن سعيد بن جُبَـير، مثله.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنـي أبـي، عن سفـيان، عن منصور بن صفـية، عن سعيد بن جُبَـير وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ رِبـا لِـيَرْبُوَ فـي أمْوَالِ النّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللّه قال: الرجل يعطى لـيثاب علـيه.

٢١٣٠١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ رِبـا لِـيَرْبُو فِـي أمْوَالِ النّاسِ قال: الهدايا.

حدثنا ابن وكيع، قال: ثنـي أبـي، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قال: هي الهدايا.

٢١٣٠٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ رِبـا لِـيَرْبُو فِـي أمْوَالِ النّاسِ قال: يعطي ماله يبتغي أفضل منه.

٢١٣٠٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن ابن أبـي خالد، عن إبراهيـم، قال: هو الرجل يهدي إلـى الرجل الهدية، لـيثـيبه أفضل منها.

٢١٣٠٤ـ قال: ثنا مـحمد بن حميد الـمعمري، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبـيه: هو الرجل يعطي العطية ويهدي الهدية، لـيثاب أفضل من ذلك، لـيس فـيه أجر ولا وزر.

٢١٣٠٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ رِبـا لِـيَرْبُوَ فِـي أمْوَالِ النّاس فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللّه قال: ما أعطيت من شيء تريد مثابة الدنـيا، ومـجازاة الناس ذاك الربـا الذي لا يقبله اللّه ، ولا يجزي به.

٢١٣٠٦ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ رِبـا لِـيَرْبُوَ فِـي أمْوَالِ النّاسِ فهو ما يتعاطى الناس بـينهم ويتهادون، يعطى الرجل العطية لـيصيب منه أفضل منها، وهذا للناس عامة.

وأما قوله: وَلا تَـمْنُنْ تَسْتَكْثرْ فهذا للنبـيّ خاصة، لـم يكن له أن يعطي إلاّ للّه، ولـم يكن يعطي لـيعطى أكثر منه.

وقال آخرون: إنـما عنى بهذا: الرجلَ يعطي ماله الرجلَ لـيعينه بنفسه، ويخدمه ويعود علـيه نفعه، لا لطلب أجر من اللّه . ذكر من قال ذلك:

٢١٣٠٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي ومـحمد بن فضيـل، عن زكريا عن عامر وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ رِبـا لِـيَرْبُوَ فـي أمْوَالِ النّاسِ قال: هو الرجل يـلزق بـالرجل، فـيخفّ له ويخدمه، ويسافر معه، فـيجعل له ربح بعض ماله لـيجزيه، وإنـما أعطاه التـماس عونه، ولـم يرد وجه اللّه .

وقال آخرون: هو إعطاء الرجل ماله لـيكثر به مال من أعطاه ذلك، لا طلب ثواب اللّه . ذكر من قال ذلك:

٢١٣٠٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أبـي حصين، عن ابن عباس وَما آتَـيْتُـمْ منْ رِبـا لِـيَرْبُو فـي أمْوَالِ النّاسِ قال: ألـم تر إلـى الرجل يقول للرجل: لأموّلنك، فـيعطيه، فهذا لا يربو عند اللّه ، لأنه يعطيه لغير اللّه لـيثري ماله.

٢١٣٠٩ـ قال: ثنا عمرو بن عبد الـحميد الاَملـي، قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، قال: سمعت إبراهيـم النـخعي يقول فـي قوله: وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ رِبـا لِـيَرْبُوَ فـي أمْوَالِ النّاسِ، فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللّه قال: كان هذا فـي الـجاهلـية يعطي أحدهم ذا القرابة الـمال يكثر به ماله.

وقال آخرون: ذلك للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم خاصة، وأما لغيره فحلال. ذكر من قال ذلك:

٢١٣١٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أبـي روّاد، عن الضحاك وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ رِبـا لِـيَرْبُوَ فِـي أمْوَالِ النّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللّه هذا للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم ، هذا الربـا الـحلال.

وإنـما اخترنا القول الذي اخترناه فـي ذلك لأنه أظهر معانـيه.

واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة وبعض أهل مكة: لِـيَرْبُوَ بفتـح الـياء من يربو، بـمعنى: وما آتـيتـم من ربـا لـيربوَ ذلك الربـا فـي أموال الناس. وقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة: (لِتَرْبُوا) بـالتاء من تُربوا وضمها، بـمعنى: وما آتـيتـم من ربـا لتُربوا أنتـم فـي أموال الناس.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا، أنهما قراءتان مشهورتان فـي قرّاء الأمصار مع تقارب معنـيـيهما، لأن أربـاب الـمال إذا أربوا ربـا الـمال، وإذا ربـا الـمالُ فبإربـاء أياه ربـا. فإذا كان ذلك كذلك، فبأيّ القراءتـين قرأ القارىء فمصيب.

وأما قوله: وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الـمُضعِفُونَ فإن أهل التأويـل قالوا فـي تأويـله نـحو الذي قلنا. ذكر من قال ذلك:

٢١٣١١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدون وَجْهَ اللّه ، فَأُولَئِكَ هُمُ الـمُضْعِفُونَ قال: هذا الذي يقبله اللّه ويضعفه لهم عشر أمثالها، وأكثر من ذلك.

٢١٣١٢ـ حُدثت عن عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة ، قال: قال ابن عباس ، قوله وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ رِبـا لِـيَرْبُوَ فِـي أمْوَالِ النّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللّه قال: هي الهبة، يهب الشيء يريد أن يُثاب علـيه أفضل منه، فذلك الذي لا يربو عند اللّه ، لا يؤجر فـيه صاحبه، ولا إثم علـيه وَما آتَـيْتُـمْ مِنْ زَكاةٍ قال: هي الصدقة تريدون وجه اللّه فَأُولَئِكَ هُمُ الـمُضْعِفونَ.

٢١٣١٣ـ قال معمر، قال ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، مثل ذلك.

٤٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اللّه الّذِي خَلَقَكُمْ ثُمّ رَزَقَكُمْ ثُمّ يُمِيتُكُمْ ثُمّ يُحْيِيكُمْ ...}.

يقول تعالـى ذكره للـمشركين به، معرّفهم قبح فعلهم، وخبث صنـيعهم: اللّه أيها القوم الذي لا تصلـح العبـادة إلاّ له، ولا ينبغي أن تكون لغيره، هو الذي خـلقكم ولـم تكونوا شيئا، ثم رزقكم وخوّلكم، ولـم تكونوا تـملكون قبل ذلك، ثم هو يـميتكم من بعد أن خـلقكم أحياء، ثم يحيـيكم من بعد مـماتكم لبعث القـيامة، كما:

٢١٣١٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: اللّه الّذِي خَـلَقَكُمْ ثُمّ رَزَقَكُمْ ثُمّ يُـمِيتُكُمْ ثُمّ يُحْيِـيكُمْ للبعث بعد الـموت.

و قوله: هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ

يقول تعالـى ذكره: هل من آلهتكم وأوثانكم التـي تـجعلونهم للّه فـي عبـادتكم إياه شركاء من يفعل من ذلكم من شيء، فـيخـلق أو يرزق، أو يـميت، أو ينشر وهذا من اللّه تقريع لهؤلاء الـمشركين. وإنـما معنى الكلام أن شركاءهم لا تفعل شيئا من ذلك، فكيف يُعبد من دون اللّه من لا يفعل شيئا من ذلك؟ ثم برأ نفسه تعالـى ذكره عن الفرية التـي افتراها هؤلاء الـمشركون علـيه بزعمهم أن آلهتهم له شركاء، فقال جل ثناؤه سبحانه أي تنزيها للّه وتبرئة وَتَعالـى يقول: وعلوّا له عَمّا يُشْرِكُونَ يقول: عن شرك هؤلاء الـمشركين به. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٣١٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ لا واللّه سُبْحانَهُ وَتَعالـى عَمّا يُشْرِكُونَ يسبح نفسه إذ قـيـل علـيه البهتان.

٤١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الّذِي عَمِلُواْ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: ظهرت الـمعاصي فـي برّ الأرض وبحرها بكسب أيدي الناس ما نهاهم اللّه عنه.

واختلف أهل التأويـل فـي الـمراد من قوله: ظَهَرَ الفَسادُ فِـي البَرّ والبَحْرِ فقال بعضهم: عنى بـالبَرّ: الفلوات، وبـالبحر: الأمصار والقُرى التـي علـى الـمياه والأنهار. ذكر من قال ذلك: ٢١٣١٦ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا عَثّام، قال: حدثنا النضْر بن عربـيّ، عن مـجاهد وَإذَا تَوَلّـى سَعَى فِـي الأرْض لِـيُفْسِدَ فِـيها... الاَية، قال: إذا ولـي سعى بـالتعدّي والظلـم، فـيحبس اللّه القطر، ف يُهْلِكَ الـحَرْثَ والنّسْلَ، وَاللّه لا يُحِبّ الفَسادَ قال: ثم قرأ مـجاهد : ظَهَرَ الفَسادُ فِـي البَرّ والبَحْرِ... الاَية قال: ثم قال: أما واللّه ما هو بحرُكم هذا، ولكن كل قرية علـى ماء جار فهو بحر.

٢١٣١٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن النضْر بن عربـيّ، عن عكرمة ظَهَرَ الفَسادُ فِـي البَرّ والبَحْرِ قال: أَمَا إنـي لا أقول بحرُكم هذا، ولكن كلّ قرية علـى ماء جار.

٢١٣١٨ـ قال: ثنا يزيد بن هارون، عن عمرو بن فَرّوخ، عن حبـيب بن الزبـير، عن عكرمة ظَهَرَ الفَسادُ فِـي البَرّ والبَحْرِ قال: إن العرب تسمي الأمصار بحرا.

٢١٣١٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله ظَهَرَ الفَسادُ فِـي البَرّ والبَحْرِ بِـمَا كَسَبَتْ أيْدِي النّاسِ قال: هذا قبل أن يَبعث اللّه نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم ، امتلأت ضلالة وظلـما، فلـما بعث اللّه نبـيه، رجع راجعون من الناس.

 قوله: ظَهَرَ الفَسادُ فِـي البَرّ والبَحْرِ أما البرّ فأهل العمود، وأما البحر فأهل القُرَى والريف.

٢١٣٢٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله ظَهَرَ الفَسادُ فِـي البَرّ والبَحْرِ قال: الذنوب، وقرأ لِـيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الّذِي عَمِلُوا لَعلّهُمْ يَرْجِعُونَ.

٢١٣٢١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا قرة، عن الـحسن، فـي قوله ظَهَرَ الفَسادُ فِـي البَرّ والبَحْرِ بِـمَا كَسَبَتْ أيْدِي النّاسِ قال: أفسدهم اللّه بذنوبهم، فـي بحر الأرض وبرها، بأعمالهم الـخبـيثة.

وقال آخرون: بل عُنِـي بـالبرّ: ظهر الأرض، الأمصار وغيرها، وبـالبحر البحر الـمعروف. ذكر من قال ذلك:

٢١٣٢٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن لـيث، عن مـجاهد ظَهَر الفَسادُ فِـي البَرّ والبَحْرِ: قال: فـي البرّ: ابن آدم الذي قتل أخاه، وفـي البحر: الذي كان يأخذ كلّ سفـينة غصبـا.

٢١٣٢٣ـ حدثنـي يعقوب، قال: قال أبو بشر: يعني ابن عُلَـيّة، قال: سمعت ابن أبـي نـجيح، يقول فـي قوله ظَهَرَ الفَسادُ فِـي البَرّ والبَحْرِ بِـمَا كَسَبَتْ أيْدِي النّاسِ قال: بقتل ابن آدم، والذي كان يأخذ كل سفـينة غصبـا.

٢١٣٢٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن فضيـل بن مرْزوق، عن عطية ظَهَرَ الفَسادُ فِـي البَرّ والبَحْرِ قال: قلت: هذا البرّ والبحر أيّ فساد فـيه؟ قال: فقال: إذا قلّ الـمطر، قل الغَوْص.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله ظَهَرَ الفَسادُ فِـي البَرّ قال: قتل ابن آدم أخاه، والبحر: قال: أخذ الـملك السفن غَصْبـا.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب: أن اللّه تعالـى ذكره، أخبر أن الفساد قد ظهر فـي البرّ والبحر عند العرب فـي الأرض القـفـار، والبحر بحران: بحر ملـح، وبحر عذب، فهما جميعا عندهم بحر، ولـم يخصص جل ثناؤه الـخبر عن ظهور ذلك فـي بحر دون بحر، فذلك علـى ما وقع علـيه اسم بحر، عذبـا كان أو ملـحا. وإذا كان ذلك كذلك، دخـل القرى التـي علـى الأنهار والبحار.

فتأويـل الكلام إذن إذ كان الأمر كما وصفت، ظهرت معاصي اللّه فـي كل مكان، من برّ وبحر بِـمَا كَسَبَتْ أيْدِي النّاسِ: أي بذنوب الناس، وانتشر الظلـم فـيهما.

و قوله: ولِـيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الّذِي عَمِلُوا

يقول جلّ ثناؤه: لـيصيبهم بعقوبة بعض أعمالهم التـي عملوا، ومعصيتهم التـي عَصَوا لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ يقول: كي ينـيبوا إلـى الـحقّ، ويرجعوا إلـى التوبة، ويتركوا معاصيَ اللّه . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٣٢٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن أشعث، عن الـحسن لَعلّهُم يَرْجِعُونَ قال: يتوبون.

٢١٣٢٦ـ قال: ثنا ابن مهديّ، عن سفـيان، عن السديّ، عن أبـي الضحى، عن مسروق، عن عبد اللّه لَعلّهُمْ يَرْجِعُونَ يوم بدر، لعلهم يتوبون.

٢١٣٢٧ـ قال: ثنا أبو أُسامة، عن زائدة، عن منصور عن إبراهيـم لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ قال: إلـى الـحقّ.

٢١٣٢٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله لِـيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الّذِي عَمِلُوا لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ: لعلّ راجعا أن يرجع، لعل تائبـا أن يتوب، لعلّ مستعتبـا أن يستعتب.

٢١٣٢٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا قرة، عن الـحسن، لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ قال: يرجع مَنْ بعدَهم.

واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: لِـيُذِيقَهمْ فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار لِـيُذِيقَهُمْ بـالـياء، بـمعنى: لـيذيقهم اللّه بعض الذي عملوا، وذُكر أن أبـا عبد الرحمن السّلَـمي قرأ ذلك بـالنون علـى وجه الـخبر من اللّه عن نفسه بذلك.

٤٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ سِيرُواْ فِي الأرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مّشْرِكِينَ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : قل يا مـحمد لهؤلاء الـمشركين بـاللّه من قومك: سِيروا فـي البلاد، فـانظروا إلـى مساكن الذين كفروا بـاللّه من قبلكم، وكذّبوا رسلَه، كيف كان آخر أمرهم، وعاقبة تكذيبهم رسُلَ اللّه وكفرهم ألـم نهلكهم بعذاب منا، ونـجعلهم عبرة لـمن بعدهم؟ كان أكثرهم مشركين يقول: فَعَلنا ذلك بهم، لأن أكثرهم كانوا مشركين بـاللّه مثلَهم.

٤٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينَ الْقِيّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاّ مَرَدّ لَهُ مِنَ اللّه يَوْمَئِذٍ يَصّدّعُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: فوجّه وجْهَك يا مـحمد نـحوَ الوجه الذي وجّهك إلـيه ربك للدّينِ القَـيّـمِ لطاعة ربك، والـمِلةِ الـمستقـيـمةِ التـي لا اعوجاج فـيها عن الـحقّ مِنْ قَبْلِ أنْ يَأتِـيَ يَوْمٌ لا مَرَدّ لَهُ مِنَ اللّه

يقول تعالـى ذكره: من قبل مـجيءِ يومٍ من أيام اللّه لا مردّ له لـمـجيئه، لأن اللّه قد قضى بـمـجيئه فهو لا مـحالة جاء يَوْمَئِذٍ يَصّدّعُونَ يقول: يوم يجيء ذلك الـيومُ يصدّع الناسُ، يقول: يتفرّق الناس فرقتـين من قولهم: صَدَعتُ الغنـم صدعتـين: إذا فرقتها فرقتـين: فريق فـي الـجنة، وفريق فـي السعير. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٣٣٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فَأقِمْ وَجْهَكَ للدّينِ القَـيّـمِ الإسلام مِنْ قَبْلِ أنْ يَأَتِـيَ يَوْمٌ لا مَرَدّ لَهُ مِنَ اللّه يَوْمَئِذٍ يَصّدّعُونَ فريق فـي الـجنة، وفريق فـي السعير.

٢١٣٣١ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله يَوْمَئِذٍ يَصّدّعُونَ يقول: يتفرّقون.

٢١٣٣٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله يَصّدّعُونَ قال: يتفرّقون إلـى الـجنة، وإلـى النار.

٤٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: من كفر بـاللّه فعلـيه، أو زاد كفره، وآثام جحوده نِعَمَ ربه، وَمَنْ عَمِلَ صَالِـحا يقول: ومن أطاع اللّه ، فعمل بـما أمره به فـي الدنـيا، وانتهى عما نهاه عنه فـيها فَلاِءَنْفُسِهِمْ يَـمْهَدونَ يقول: فلأنفسهم يستعدون، ويسوّون الـمضجع لـيسلـموا من عقاب ربهم، وينـجوا من عذابه، كما قال الشاعر:

امْهَدْ لنَفْسِكَ حانَ السّقْمُ والتّلَفُوَلا تُضِيعَنّ نَفْسا ما لَهَا خَـلَفُ

وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٣٣٣ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فَلاِءَنْفُسِهِمْ يَـمْهَدُونَ قال: يسوّون الـمضاجع.

٢١٣٣٤ـ حدثنا ابن الـمثنى والـحسين بن يزيد الطحان وابن وكيع وأبو عبد الرحمن العلائي، قالوا: حدثنا يحيى بن سلـيـم، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فَلاِءَنْفُسِهِمْ يَـمْهَدُونَ قال: فـي القبر.

حدثنا إبراهيـم بن سعيد الـجوهري، قال: حدثنا يحيى بن سلـيـم، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد : فَلاِءَنْفُسِهِمْ يَـمْهَدُونَ قال: للقبر.

حدثنا نصر بن علـيّ، قال: حدثنا يحيى بن سلـيـم، قال: حدثنا ابن أبـي نـجيح، قال: سمعت مـجاهد ا يقول: فـي قوله فَلاِءَنْفُسِهِمْ يَـمْهَدُونَ قال: فـي القبر.

٤٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لِيَجْزِيَ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنّهُ لاَ يُحِبّ الْكَافِرِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: يومئذ يصّدّعون... لِـيَجزيَ الّذِينَ آمَنُوا بـاللّه ورسوله وعَمِلُوا الصّالِـحاتِ يقول: وعملوا بـما أمرهم اللّه مِنْ فَضْلِهِ الذي وعد من أطاعه فـي الدنـيا أن يجزيه يوم القـيامة إنّهُ لا يُحِبّ الكافِرِينَ

يقول تعالـى ذكره: إنـما خصّ بجزائه من فضله الذين آمنوا وعملوا الصالـحات دون من كفر بـاللّه ، إنه لا يحبّ أهل الكفر به. واستأنف الـخبر بقوله إنّه لا يُحِبّ الكافِرِينَ وفـيه الـمعنى الذي وصفت.

٤٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرّيَاحَ مُبَشّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مّن رّحْمَتِهِ ...}.

يقول تعالـى ذكره: ومن أدلته علـى وحدانـيته وحججه علـيكم علـى أنه إله كلّ شيء أنْ يُرْسِلَ الرّياحَ مُبَشّراتٍ بـالغيث والرحمة وَلِـيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ يقول: ولـينزّل علـيكم من رحمته، وهي الغيث الذي يحيـي به البلاد، ولتـجري السفن فـي البحار بها بأمره إياها وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ يقول: ولتلتـمسوا من أرزاقه ومعايشكم التـي قسمها بـينكم وَلَعلّكُمْ تَشْكُرُونَ يقول: ولتشكروا ربكم علـى ذلك أرسل هذه الرياح مبشرات. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٣٣٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد الرّياحَ مُبَشّراتٍ قال: بـالـمطر.

وقالوا فـي قوله: وَلِـيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ مثل الذي قلنا فـيه. ذكر من قال ذلك:

٢١٣٣٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: وَلِـيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ قال: الـمطر.

٢١٣٣٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَلِـيُذِيقَكمْ مِنْ رَحْمَتِهِ: الـمطر.

٤٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَىَ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِالْبَيّنَاتِ ...}.

يقول تعالـى ذكره مسلـيا نبـيه صلى اللّه عليه وسلم فـيـما يـلقـى من قومه من الأذى فـيه بـما لقـي من قبله من رسله من قومهم، ومعلـمه سنته فـيهم وفـي قومهم، وأنه سالك به وبقومه سنته فـيهم، وفـي أمـمهم: ولقد أرسلنا يا مـحمد من قبلك رسلاً إلـى قومهم الكفرة، كما أرسلناك إلـى قومك العابدي الأوثان من دون اللّه فجاءُوهُمْ بـالبّـيّناتِ يعني : بـالواضحات من الـحجج علـى صدقهم وأنهم للّه رسل كما جئت أنت قومك بـالبـينات فكذّبوهم كما كذّبك قومك، وردّوا علـيهم ما جاءوهم به من عند اللّه ، كما ردّوا علـيك ما جئتهم به من عند ربك فـانْتَقَمْنا مِنَ الّذِينَ أجْرَمُوا يقول: فـانتقمنا من الذين أجرموا الاَثام، واكتسبوا السيئات من قومهم، ونـحن فـاعلو ذلك كذلك بـمـجرمي قومك وكانَ حَقّا عَلَـيْنا نَصْرُ الـمُؤْمِنِـينَ يقول: ونـجّينا الذين آمنوا بـاللّه وصدّقوا رسله، إذ جاءهم بأسنا، وكذلك نفعل بك وبـمن آمن بك من قومك وكانَ حَقّا عَلَـيْنا نَصْرُ الـمُؤْمِنِـينَ علـى الكافرين، ونـحن ناصروك ومن آمن بك علـى مَن كفر بك، ومظفروك بهم.

٤٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اللّه الّذِي يُرْسِلُ الرّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ ...}.

يقول تعالـى ذكره: اللّه يرسل الرياح فتثـير سحابـا، يقول: فتنشىء الرياحُ سحابـا، وهي جمع سحابة، فـيبسطه فـي السماء كيف يشاء يقول: فـينشره اللّه ، ويجمعه فـي السماء كيف يشاء، وقال: فـيبسطه، فوحد الهاء، وأخرج مخرج كناية الـمذكر، والسحاب جمع كما وصفت ردّا علـى لفظ السحاب، لا علـى معناه، كما يقال: هذا تـمر جيد. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله فَـيَبْسُطُهُ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٣٣٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَـيَبْسُطُهُ فِـي السّماءِ كَيْفَ يَشاءُ ويجمعه.

و قوله: ويَجْعَلُهُ كِسفَـا: يقول: ويجعل السحاب قِطعا. متفرّقة، كما:

٢١٣٣٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ويَجْعَلُهُ كِسفَـا: أي قطعا.

وقوله فتَرَى الوَدْقَ يعني : الـمطر يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ يعني : من بـين السحاب. كما:

٢١٣٤٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فتَرَى الوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ.

٢١٣٤١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن قطن، عن حبـيب، عن عبـيد بن عمير يُرْسِلُ الرّياحَ فَتُثِـيرُ سَحَابـا قال: الرياح أربع: يبعث اللّه ريحا فتقمّ الأرض قما، ثم يبعث اللّه الريح الثانـية فتثـير سحابـا، فـيجعله فـي السماء كِسفَـا، ثم يبعث اللّه الريح الثالثة، فتؤلف بـينه فـيجعله ركاما، ثم يبعث الريح الرابعة فتـمطر.

٢١٣٤٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: ثَنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فَترَى الوَدقَ قال: القطر.

و قوله: فإذَا أصَابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبـادِهِ إذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ يقول: فإذا صرف ذلك الودق إلـى أرض من أراد صرفه إلـى أرضه من خـلقه رأيتهم يستبشرون بأنه صرف ذلك إلـيهم ويفرحون.

٤٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزّلَ عَلَيْهِمْ مّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: وكان هؤلاء الذين أصابهم اللّه بهذا الغيث من عبـاده من قبل أن ينزل علـيهم هذا الغيث من قبل هذا الغيث لـمبلسين، يقول: لـمكتئبـين حزنـين بـاحتبـاسه عنهم، كما:

٢١٣٤٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَإنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أنْ يُنَزّلَ عَلَـيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَـمُبْلِسِينَ: أي قانطين.

واختلف أهل العربـية فـي وجه تكرير (من قبله) ، وقد تقدم قبل ذلك قوله: مِنْ قَبْلِ أنْ يُنَزّلَ عَلَـيْهِمْ فقال بعض نـحويـي البصرة: ردّ من قبله علـى التوكيد نـح

و قوله: فَسَجَدَ الـمَلائكَةُ كُلّهُمْ أجمَعُونَ وقال غيره: لـيس ذلك كذلك، لأن مع مِنْ قَبْلِ أنْ يُنَزّلَ عَلَـيْهمْ حرفـا لـيس مع الثانـية، قال: فكأنه قال: من قبل التنزيـل من قبل الـمطر فقد اختلفتا، وأما كُلّهُمْ أجمَعُونَ وكد بأجمعين لأن كلاً يكون اسما ويكون توكيدا، وهو قوله أجمعون. والقول عندي فـي قوله: مِنْ قَبْلِهِ علـى وجه التوكيد.

٥٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَانظُرْ إِلَىَ آثَارِ رَحْمَةِ اللّه كَيْفَ يُحْيِيِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنّ ذَلِكَ لَمُحْييِ الْمَوْتَىَ وَهُوَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.

اختلفت القرّاء فـي قوله: فـانْظُرْ إلـى آثارِ رَحْمَةِ اللّه فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة وبعض الكوفـيـين: إلـى أثَرِ رَحْمَةِ اللّه علـى التوحيد، بـمعنى: فـانظر يا مـحمد إلـى أثر الغيث الذي أصاب اللّه به من أصاب من عبـاده، كيف يحيـي ذلك الغيث الأرض من بعد موتها. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: (فـانْظُرْ إلـى آثارِ رَحْمَةِ اللّه ) علـى الـجماع، بـمعنى: فـانظر إلـى آثاء الغيث الذي أصاب اللّه به من أصاب كيف يحيـي الأرض بعد موتها.

والصواب من القول فـي ذلك، أنهما قراءتان مشهورتان فـي قَرَأَة الأمصار، متقاربتا الـمعنى وذلك أن اللّه إذا أحيا الأرض بغيث أنزله علـيها، فإن الغيث أحياها بإحياء اللّه إياها به، وإذا أحياها الغيث، فإن اللّه هو الـمـحيـي به، فبأيّ القراءتـين قرأ القارىء فمصيب. فتأويـل الكلام إذن: فـانظر يا مـحمد إلـى آثار الغيث الذي ينزّل اللّه من السحاب، كيف يحيـي بها الأرض الـميتة، فـينبتها ويعشبها من بعد موتها ودثورها. إن ذلك لـمـحيـي الـموتـى يقول جلّ ذكره: إن الذي يحيـي هذه الأرض بعد موتها بهذا الغيث، لـمـحيـي الـموتـى من بعد موتهم، وهو علـى كلّ شيء مع قدرته علـى إحياء الـموتـى قدير، لا يعزّ علـيه شيء أراده، ولا يـمتنع علـيه فعل شيء شاءه سبحانه.

٥١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لّظَلّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: ولئن أرسلنا ريحا مفسدة ما أنبته الغيث الذي أنزلناه من السماء، فرأى هؤلاء الذين أصابهم اللّه بذلك الغيث الذي حيـيت به أرضوهم، وأعشبت ونبتت به زروعهم، ما أنبتته أرضوهم بذلك الغيث من الزرع مصفرّا، قد فسد بتلك الريح التـي أرسلناها، فصار من بعد خضرته مصفرا، لظلوا من بعد استبشارهم وفرحتهم به يكفرون بربهم.

٥٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَإِنّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَىَ وَلاَ تُسْمِعُ الصّمّ الدّعَآءَ إِذَا وَلّوْاْ مُدْبِرِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: فإنّكَ يا مـحمد لا تُسْمِعُ الـمَوْتَـى يقول: لا تـجعل لهم أسماعا يفهمون بها عنك ما تقول لهم، وإنـما هذا مثل معناه: فإنك لا تقدر أن تفهم هؤلاء الـمشركين الذين قد ختـم اللّه علـى أسماعهم، فسلبهم فهم ما يُتلـى علـيهم من مواعظ تنزيـله، كما لا تقدر أن تفهم الـموتـى الذين قد سلبهم اللّه أسماعهم، بأن تـجعل لهم أسماعا.

و قوله: وَلا تُسْمِعُ الصّمّ الدّعاءَ يقول: وكما لا تقدر أن تُسمع الصمّ الذين قد سلبوا السمع الدعاء، إذا هم وَلّوا عنك مدبرين، كذلك لا تقدر أن توفق هؤلاء الذين قد سلبهم اللّه فهمَ آيات كتابه، لسماع ذلك وفهمه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٣٤٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فإنّكَ لا تُسْمِعُ الـمَوْتَـى: هذا مَثَل ضربه اللّه للكافر فكما لا يسمع الـميت الدعاء، كذلك لا يسمع الكافر. وَلا تُسْمِعُ الصّمّ الدّعاءَ إذَا وَلّوْا مُدْبِرِينَ يقول: لو أن أصمّ ولّـى مدبرا ثم ناديته لـم يسمع، كذلك الكافر لا يسمع ولا ينتفع بـما يسمع.

٥٣

و قوله: وَما أنْتَ بِهادِ العُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ

يقول تعالـى ذكره: وما أنت يا مـحمد بـمسدّد من أعماه اللّه عن الاستقامة، وَمَـحجة الـحقّ، فلـم يوفقه لإصابة الرشد، فصارِفه عن ضلالته التـي هو علـيها، وركوبه الـجائر من الطرق، إلـى سبـيـل الرشاد، يقول: لـيس ذلك بـيدك ولا إلـيك، ولا يقدر علـى ذلك أحد غيري، لأنـي القادر علـى كل شيء. و

قـيـل: بهادي العمي عن ضلالتهم، ولـم يقل: من ضلالتهم. لأن معنى الكلام ما وَصَفْت، من أنه: وما أنت بصارفهم عنه، فحمل علـى الـمعنى. ولو

قـيـل: من ضلالتهم كان صوابـا. وكان معناه: ما أنت بـمانعهم من ضلالتهم.

و قوله: إنْ تُسْمِعُ إلاّ مَنْ يُؤْمِنُ بآياتِنا

يقول تعالـى ذكره لنبـيه: ما تسمع السماع الذي ينتفع به سامعه فـيعقله، إلاّ من يؤمن بآياتنا، لأن الذي يؤمن بآياتنا إذا سمع كتاب اللّه تدبّره وفهمه وعقَله، وعمل بـما فـيه، وانتهى إلـى حدود اللّه ، الذي حدّ فـيه، فهو الذي يسمع السماع النافع.

و قوله: فَهُمْ مُسْلِـمُونَ يقول: فهم خاضعون للّه بطاعته، متذللون لـمواعظ كتابه.

٥٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اللّه الّذِي خَلَقَكُمْ مّن ضَعْفٍ ثُمّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوّةٍ ...}.

يقول تعالـى ذكره لهؤلاء الـمكذّبـين بـالبعث من مشركي قريش، مـحتـجا علـيهم بأنه القادر علـى ذلك وعلـى ما يشاء: اللّه الّذِي خَـلَقَكُمْ أيها الناس مِنْ ضَعْفٍ يقول: من نُطْفة وماء مَهِين، فأنشأكم بَشَرا سويّا ثُمّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوّةً يقول: ثم جعل لكم قوّة علـى التصرّف، من بعد خـلقه إياكم من ضعف، ومن بعد ضعفكم، بـالصغر والطفولة ثُمّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوّةٍ ضَعْفـا وَشَيْبَةً يقول: ثم أحدث لكم الضعف بـالهرم والكبر عما كنتـم علـيه أقوياء فـي شبـابكم وشيبة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٣٤٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: الّذِي خَـلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ أي من نطفة ثُمّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوّةً، ثُمّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوّةٍ ضَعْفـا الهرم وَشَيْبَةً الشّمَط.

و قوله: يَخْـلُقُ ما يَشاءُ

يقول تعالـى ذكره: يخـلق ما يشاء من ضعف وقوّة وشبـاب وشيب وَهُوَ العَلِـيـمُ بتدبـير خـلقه القَدِيرُ علـى ما يشاء، لا يـمتنع علـيه شيء أراده، فكما فعل هذه الأشياء، فكذلك يـميت خـلقه ويحيـيهم إذا شاء. يقول: واعلـموا أن الذي فعل هذه الأفعال بقدرته يحيـي الـموتـى إذا شاء.

٥٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: ويوم تـجيء ساعة البعث، فـيبعث الـخـلق من قبورهم، يقسم الـمـجرمون، وهم الذين كانوا يكفرون بـاللّه فـي الدنـيا، ويكتسبون فـيه الاَثام، وإقسامهم: حلفهم بـاللّه . ما لَبِثُوا غيرَ ساعَةٍ: يقول: يقسمون بأنهم لـم يـلبثوا فـي قبورهم غير ساعة واحدة. يقول اللّه جلّ ثناؤه: كذلك فـي الدنـيا كانوا يُؤْفَكُون: يقول: كذبوا فـي قـيـلهم وقَسَمِهِم ما لبثنا غير ساعة، كما كانوا فـي الدنـيا يكذبون ويحلفون علـى الكذب وهم يعلـمون. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢١٣٤٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ويَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُقْسِمُ الـمُـجْرِمونَ ما لَبِثُوا غيرَ ساعَةٍ كَذلكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ أي يكذبون فـي الدنـيا، وإنـما يعني ب قوله: يُؤْفَكُونَ عن الصدق، ويَصُدّون عنه إلـى الكذب.

٥٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ الّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللّه إِلَىَ يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَـَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَـَكِنّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ }.

كان قتادة يقول: هذا من الـمقدّم الذي معناه التأخير.

٢١٣٤٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَقالَ الّذِينَ أُوتُوا العِلْـمَ والإيـمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُـمْ فِـي كتابِ اللّه إلـى يَوْمِ البَعْثِ قال: هذا من مقاديـم الكلام. وتأويـلها: وقال الذين أوتوا الإيـمان والعلـم: لقد لبثتـم فـي كتاب اللّه .

وذُكر عن ابن جُرَيج أنه كان يقول: معنى ذلك: وقال الذين أوتوا العلـم بكتاب اللّه ، والإيـمان بـاللّه وكتابه.

و قوله: فِـي كِتابِ اللّه يقول: فـيـما كتب اللّه مـما سبق فـي علـمه أنكم تلبثونه فَهَذَا يَوْمُ البَعْثِ يقول: فهذا يوم يبعث الناس من قبورهم وَلَكِنّكُمْ كُنْتُـمْ لا تَعْلـمَونَ يقول: ولكنكم كنتـم لا تعلـمون فـي الدنـيا أنه يكون، وأنكم مبعوثون من بعد الـموت، فلذلك كنتـم تكذبون.

٥٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَيَوْمَئِذٍ لاّ ينفَعُ الّذِينَ ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: فـيوم يبعثون من قبورهم لا يَنْفَعُ الّذِينَ ظَلَـمُوا مَعْذِرَتُهُمْ يعني الـمكذّبـين بـالبعث فـي الدنـيا معذرتهم، وهو قولهم: ما علـمنا أنه يكون، ولا أنا نُبعث. وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ يقول: ولا هؤلاء الظلـمة يُستَرجعون يومئذٍ عما كانوا يكذّبون به فـي الدنـيا.

٥٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنّاسِ فِي هَـَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لّيَقُولَنّ الّذِينَ كَفَرُوَاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاّ مُبْطِلُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: ولقد مثلنا للناس فـي هذا القرآن من كل مثل احتـجاجا علـيهم، وتنبـيها لهم عن وحدانـية اللّه . وقوله وَلِئنْ جِئْتَهُمْ بآيَةٍ يقول: ولئن جئت يا مـحمد هؤلاء القوم بآية: يقول: بدلالة علـى صدق ما تقول لَـيَقُولَنّ الّذِينَ كَفَرُوا إنْ أنْتُـمْ إلاّ مُبْطِلُونَ يقول: لـيقولنّ الذين جحدوا رسالتك، وأنكروا نبوّتك: إن أنتـم أيها الـمصدّقون مـحمدا فـيـما أتاكم به إلاّ مبطلون فـيـما تَـجيئوننا به من هذه الأمور.

٥٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّه عَلَىَ قُلُوبِ الّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: كذلك يختـم اللّه علـى قلوب الذين لا يعلـمون حقـيقة ما تأتـيهم به يا مـحمد من عند اللّه من هذه العِبر والعظات، والاَيات البـيّنات، فلا يفقهون عن اللّه حُجة، ولا يفهمون عنه ما يتلو علـيهم من آي كتابه، فهم لذلك فـي طغيانهم يتردّدون.

٦٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَاصْبِرْ إِنّ وَعْدَ اللّه حَقّ وَلاَ يَسْتَخِفّنّكَ الّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: فـاصبر يا مـحمد لـما ينالك من أذاهم، وبلغهم رسالة ربك، فإن وعد اللّه الذي وعدك من النصر علـيهم، والظفر بهم، وتـمكينك وتـمكين أصحابك وتُبّـاعك فـي الأرض حقّ وَلا يسْتَـخِفّنّك الّذِينَ لا يُوقِنُونَ يقول: ولا يستـخفنّ حلـمك ورأيك هؤلاء الـمشركون بـاللّه الذين لا يوقنون بـالـمعاد ولا يصدّقون بـالبعث بعد الـمـمات، فـيثبطوك عن أمر اللّه والنفوذ لـما كلّفك من تبلـيغهم رسالته.

٢١٣٤٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سعيد بن جُبَـير، عن علـيّ بن ربـيعة، أن رجلاً من الـخوارج، قرأ خـلف علـيّ رضي اللّه عنه: لَئِنْ أشْرَكْتَ لَـيَحْبَطَنّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنّ مِنَ الـخاسِرِينَ فقال علـيّ: فـاصْبِرْ إنّ وَعْدَ اللّه حَقّ، وَلا يَسْتَـخِفّنّكَ الّذِينَ لا يُوقِنُونَ.

قال: ثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن عثمان بن أبـي زرعة عن علـيّ بن ربـيعة قال: نادى رجل من الـخوارج علـيا رضي اللّه عنه، وهو فـي صلاة الفجر، فقال وَلَقَدْ أُوحِيَ إلَـيْكَ وَإلـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أشْرَكْتَ لَـيَحْبَطَنّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنّ مِنَ الـخاسِرِينَ فأجابه علـيّ رضي اللّه عنه وهو فـي الصلاة: فـاصْبِرْ إنّ وَعْدَ اللّه حَقّ، وَلا يَسْتَـخِفّنّكَ الّذِينَ لا يُوقِنُونَ.

٢١٣٤٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فـاصْبِرْ إنّ وَعْدَ اللّه حَقّ، وَلا يَسْتَـخِفّنّكَ الّذِينَ لا يُوقِنُون قال: قال رجل من الـخوارج خـلف علـيّ فـي صلاة الغداة: وَلَقَدْ أُوحِيَ إلَـيْكَ وَإلـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أشركْت لَـيَحْبَطَنّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنّ مِنَ الـخاسِرِينَ فأنصت له علـيّ رضي اللّه عنه حتـى فهم ما قال، فأجابه وهو فـي الصلاة: فـاصْبِرْ إنّ وَعْدَ اللّه حَقّ، وَلا يَسْتَـخِفّنّكَ الّذِينَ لا يُوقِنُونَ.

آخر تفسير سورة الروم

﴿ ٠