تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآنللإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبريإمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)_________________________________سورة لقمانمكية وآياتها أربع وثلاثون بسم اللّه الرحمَن الرحيـم ١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الَـمَ }. وقد تقدّم بـياننا تأويـل قول اللّه تعالـى ذكره الـم. ٢و قوله: تِلكَ آياتُ الكِتابِ الـحَكِيـمِ يقول جل ثناؤه: هذه آيات الكتاب الـحكيـم بـيانا وتفصيلاً. ٣وقوله هُدًى ورَحْمَةً يقول: هذه آيات الكتاب بـيانا ورحمة من اللّه ، رحم به من اتبعه، وعمل به من خـلقه وبنصب الهدى والرحمة علـى القطع من آيات الكتاب قرأت قرّاء الأمصار غير حمزة، فإنه قرأ ذلك رفعا علـى وجه الاستئناف، إذ كان منقطعا عن الاَية التـي قبلها بأنه ابتداء آية وأنه مدح، والعرب تفعل ذلك مـما كان من نعوت الـمعارف، وقع موقع الـحال إذا كان فـيه معنى مدح أو ذمّ. وكلتا القراءتـين صواب عندي، وإن كنت إلـى النصب أميـل، لكثرة القراء به. و قوله: للْـمُـحْسِنِـينَ وهم الذين أحسنوا فـي العمل بـما أنزل اللّه فـي هذا القرآن، يقول تعالـى ذكره: هذا الكتاب الـحكيـم هدى ورحمة للذين أحسنوا، فعملوا بـما فـيه من أمر اللّه ونهيه ٤الّذِينَ يُقِـيـمُونَ الصّلاةَ يقول: الذين يقـيـمون الصّلاةَ الـمفروضة بحدودها وَيُؤْتُونَ الزّكاةَ من جعلها اللّه له الـمفروضة فـي أموالهم وَهُمْ بـالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ يقول: يفعلون ذلك وهم بجزاء اللّه وثوابه لـمن فعل ذلك فـي الاَخرة يوقنون. ٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أُوْلَـَئِكَ عَلَىَ هُدًى مّن رّبّهِمْ وَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }. يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الذين وصفت صفتهم علـى بـيان من ربهم ونور وأُولَئِكَ هُمُ الـمُفْلـحونَ يقول: وهؤلاء هم الـمنْـجِحون الـمدركون ما رَجَوا وأملوا من ثواب ربهم يوم القـيامة. ٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمِنَ النّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلّ عَن سَبِيلِ اللّه بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَـَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مّهِينٌ }. اختلف أهل التأويـل، فـي تأويـل قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيث فقال بعضهم: من يشتري الشراء الـمعروف بـالثمن، ورووا بذلك خبرا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو ما: ٢١٣٥٠ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن خلاد الصفَـار، عن عبـيد اللّه بن زَحْر، عن علـيّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبـي أُمامة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (لا يَحِلّ بَـيْعُ الـمُغَنّـياتِ، وَلا شِرَاؤُهُنّ، وَلا التّـجارَةُ فِـيهِنّ، وَلا أثمَانُهُنّ، وفـيهنّ نزلت هذه الاَية: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ) . حدثنا ابن وكيع، قال: ثنـي أبـي، عن خَلاد الصفَـار، عن عبـيد اللّه بن زَحْر، عن علـيّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبـي أُمامة، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم بنـحوه، إلاّ أنه قال: (أكْلُ ثَمَنِهِنّ حَرَامٌ) وقال أيضا: (وفِـيهِنّ أنْزَلَ اللّه علـيّ هَذِهِ الاَيَةَ: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّه ) . حدثنـي عبـيد بن آدم بن أبـي إياس العسقلانـي، قال: حدثنا أبـي، قال: حدثنا سلـيـمان بن حيان، عن عمرو بن قـيس الكلابـي، عن أبـي الـمهلّب، عن عبـيد اللّه بن زَحْر، عن علـيّ بن يزيد، عن القاسم، عن أبـي أُمامة. قال: وثنا إسماعيـل بن عَياش، عن مُطَرّح بن يزيد، عن عبـيد اللّه بن زَحْر، عن علـيّ بن زيد، عن القاسم، عن أبـي أُمامة البـاهلـي، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (لا يحلّ تَعْلِـيـمُ الـمُغَنّـياتِ، وَلا بَـيْعُهُنّ وَلا شِرَاؤُهُنّ، وثَمَنُهُنّ حَرامٌ، وقَدْ نَزَلَ تَصْدِيقُ ذلكَ فِـي كِتابِ اللّه وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ إلـى آخر الاَية) . وقال آخرون: بل معنى ذلك: من يختار لهو الـحديث ويستـحبه. ذكر من قال ذلك: ٢١٣٥١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّه بغَيْرِ عِلْـمٍ واللّه لعله أن لا ينفق فـيه مالاً، ولكن اشتراؤه استـحبـابه، بحسب الـمرء من الضلالة أن يختار حديث البـاطل علـى حديث الـحقّ، وما يضرّ علـى ما ينفع. ٢١٣٥٢ـ حدثنـي مـحمد بن خـلف العسقلانـي، قال: حدثنا أيوب بن سويد، قال: حدثنا ابن شوذب، عن مطر، فـي قول اللّه وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: اشتراؤه: استـحبـابه. وأولـى التأويـلـين عندي بـالصواب تأويـل من قال: معناه: الشراء، الذي هو بـالثمن، وذلك أن ذلك هو أظهر معنـيـيه. فإن قال قائل: وكيف يشتري لهو الـحديث؟ قـيـل: يشتري ذات لهو الـحديث، أو ذا لهو الـحديث، فـيكون مشتريا لهو الـحديث. وأما الـحديث، فإن أهل التأويـل اختلفوا فـيه، فقال بعضهم: هو الغناء والاستـماع له. ذكر من قال ذلك: ٢١٣٥٣ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي يزيد بن يونس، عن أبـي صخر، عن أبـي معاوية البجلـي، عن سعيد بن جُبَـير، عن أبـي الصهبـاء البكري، أنه سمع عبد اللّه بن مسعود وهو يُسأل عن هذه الاَية وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّه بغَيْرِ عِلْـمٍ فقال عبد اللّه : الغناء، والذي لا إله إلاّ هو، يردّدها ثلاث مرّات. حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا صفوان بن عيسى، قال: أخبرنا حميد الـخراط، عن عمار، عن سعيد بن جُبَـير، عن أبـي الصهبـاء، أنه سأل ابن مسعود، عن قول اللّه وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغناء. ٢١٣٥٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا علـيّ بن عابس، عن عطاء، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عباس وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغِناء. ٢١٣٥٥ـ حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا عمران بن عيـينة، قال: حدثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغناء وأشبـاهه. حدثنا ابن وكيع، والفضل بن الصبـاح، قالا: حدثنا مـحمد بن فضيـل، عن عطاء، عن سعيد بن جُبَـير عن ابن عباس ، فـي قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: هو الغناء ونـحوه. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام بن سلـم، عن عمرو بن أبـي قـيس، عن عطاء، عن سعيد بن جُبَـير عن ابن عباس ، مثله. حدثنا الـحسين بن عبد الرحمن الأنـماطي، قال: حدثنا عبـيد اللّه ، قال: حدثنا ابن أبـي لـيـلـى، عن الـحكم، عن مقسم، عن ابن عباس ، قال: هو الغناء والاستـماع له، يعني قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ. ٢١٣٥٦ـ حدثنا الـحسن بن عبد الرحيـم، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، قال: حدثنا سفـيان، عن قابوس بن أبـي ظبـيان، عن أبـيه، عن جابر، فـي قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: هو الغناء والاستـماع له. ٢١٣٥٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن ابن أبـي لـيـلـى، عن الـحكم أو مقسم، عن مـجاهد ، عن ابن عباس قال: شراء الـمغنـية. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حفص والـمـحاربـي، عن لـيث، عن الـحكم، عن ابن عباس ، قال: الغناء. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّه قال: بـاطل الـحديث: هو الغناء ونـحوه. ٢١٣٥٨ـ حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى، قالا: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن حبـيب، عن مـجاهد وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغناء. حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر وعبد الرحمن بن مهدي، عن شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد أنه قال فـي هذه الاَية وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغناء. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن حبـيب عن مـجاهد قال: الغناء. قال: ثنا أبـي، عن شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد ، مثله. ٢١٣٥٩ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا الأشجعي، عن سفـيان، عن عبد الكريـم، عن مـجاهد وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: هو الغناء، وكلّ لعب لهو. حدثنا الـحسين بن عبد الرحمن الأنـماطي، قال: حدثنا علـيّ بن حفص الهمدانـي، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغناء والاستـماع له وكل لهو. ٢١٣٦٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الـمغنـي والـمغنـية بـالـمال الكثـير، أو استـماع إلـيه، أو إلـى مثله من البـاطل. حدثنـي يعقوب وابن وكيع، قالا: حدثنا ابن علـية، عن لـيث، عن مـجاهد ، فـي قوله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: هو الغناء أو الغناء منه، أو الاستـماع له. ٢١٣٦١ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا عثام بن علـيّ، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن شعيب بن يسار، عن عكرمة قال: لَهْوَ الـحَدِيثِ: الغناء. ٢١٣٦٢ـ حدثنـي عبـيد بن إسماعيـل الهَبّـاريّ، قال: حدثنا عَثّام، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن شعيب بن يسار هكذا قال عكرمة، عن عبـيد مثله. حدثنا الـحسين بن الزبرقان النـخعي، قال: حدثنا أبو أسامة وعبـيد اللّه ، عن أسامة، عن عكرمة، فـي قوله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ قال: الغناء. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أسامة بن زيد، عن عكرمة، قال: الغناء. وقال آخرون: عنى بـاللّه و: الطّبل. ذكر من قال ذلك: ٢١٣٦٣ـ حدثنـي عباس بن مـحمد، قال: حدثنا حجاج الأعور، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قال: اللّه و: الطبل. وقال آخرون: عنى بلهو الـحديث: الشرك. ذكر من قال ذلك: ٢١٣٦٤ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ يعني الشرك. ٢١٣٦٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الـحَدِيثِ لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّه بغَيْرِ عِلْـمٍ، ويَتّـخِذها هُزُوا قال: هؤلاء أهل الكفر، ألا ترى إلـى قوله: وَإذا تُتْلَـى عَلَـيْهِ آياتُنا وَلّـى مُسْتَكْبِرا كأنْ لَـمْ يَسْمَعْها، كأنّ فِـي أُذُنَـيْهِ وَقْرا فلـيس هكذا أهل الإسلام، قال: وناس يقولون: هي فـيكم، ولـيس كذلك، قال: وهو الـحديث البـاطل الذي كانوا يَـلْغَون فـيه. والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: عنى به كلّ ما كان من الـحديث ملهيا عن سبـيـل اللّه ، مـما نهى اللّه عن استـماعه أو رسولُه، لأن اللّه تعالـى عَمّ بقوله لَهْوَ الـحَدِيثِ ولـم يخصص بعضا دون بعض، فذلك علـى عمومه، حتـى يأتـي ما يدلّ علـى خصوصه، والغناء والشرك من ذلك. و قوله: لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّه يقول: لـيصدّ ذلك الذي يشتري من لهم الـحديث عن دين اللّه وطاعته، وما يقرّب إلـيه من قراءة قرآن، وذكر اللّه . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٣٦٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِ اللّه قال: سبـيـل اللّه : قراءة القرآن، وذكر اللّه إذا ذكره، وهو رجل من قريش اشترى جارية مغنـية. و قوله: بغَيْرِ عِلْـمٍ يقول: فعل ما فعل من اشترائه لهو الـحديث، جهلاً منه بـما له فـي العاقبة عند اللّه من وزر ذلك وإثمه. وقوله وَيَتّـخِذَها هُزُوا اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة، وبعض أهل الكوفة: (وَيَتّـخِذُها) رفعا، عطفـا به علـى قوله: يَشْتَرِي كأن معناه عندهم: ومن الناس من يشتري لهو الـحديث، ويتـخذ آيات اللّه هزوا. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: وَيَتّـخِذَها نصبـا عطفـا علـى يضلّ، بـمعنى: لـيضلّ عن سبـيـل اللّه ، ولـيتـخذَها هُزُوا. والصواب من القول فـي ذلك: أنهما قراءتان معروفتان فـي قرّاء الأمصار، متقاربتا الـمعنى، فبأيتهما قرأ القارىء، فمصيب الصواب فـي قراءته، والهاء والألف فـي قوله: ويَتّـخِذَها من ذكر سبـيـل اللّه . ذكر من قال ذلك: ٢١٣٧٥حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه : وَيَتّـخِذَها هُزُوا قال: سبـيـل اللّه . وقال آخرون: بل ذلك من ذِكر آيات الكتاب. ٢١٣٦٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: بِحَسْب الـمرء من الضلالة، أن يختار حديث البـاطل علـى حديث الـحقّ، وما يضرّ علـى ما ينفع. ويَتّـخِذَها هُزُوا يستهزىء بها ويكذّب بها. وهما من أن يكونا من ذكر سبـيـل اللّه أشبه عندي لقربهما منها، وإن كان القول الاَخر غير بعيد من الصواب. واتـخاذه ذلك هُزُوا هو استهزاؤه به. و قوله: أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الذين وصفنا أنهم يشترون لهو الـحديث لـيضلوا عن سبـيـل اللّه ، لهم يوم القـيامة عذاب مُذِلّ مخزٍ فـي نار جهنـم. ٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا تُتْلَىَ عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلّىَ مُسْتَكْبِراً كَأَن لّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنّ فِيَ أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }. يقول تعالـى ذكره: وإذا تُتلـى علـى هذا الذي اشترى لهو الـحديث للإضلال عن سبـيـل اللّه ، آيات كتاب اللّه ، فقرئت علـيه ولّـى مُسْتَكْبرا يقول: أدبر عنها، واستكبر استكبـارا، وأعرض عن سماع الـحقّ والإجابة عنه كأَنْ لَـمْ يَسْمَعْها كأنّ فِـي أُذُنَـيهِ وَقْرا يقول: ثقلاً، فلا يطيق من أجله سماعه، كما: ٢١٣٦٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: فِـي أُذُنَـيْهِ وَقْرا قال: ثِقْلاً. وقوله فَبَشّرْهُ بعَذَابٍ ألِـيـمٍ يقول تعالـى ذكره: فبشر هذا الـمعرض عن آيات اللّه إذا تُلِـيت علـيه استكبـارا بعذاب له من اللّه يوم القـيامة مُوجع، وذلك عذاب النار. ٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ لَهُمْ جَنّاتُ النّعِيمِ }. يقول تعالـى ذكره: إنّ الّذِينَ آمَنُوا بـاللّه فوحدوه، وصدّقوا رسوله واتبعوه وعَمِلُوا الصّالِـحَاتِ يقول: فأطاعوا اللّه ، فعملوا بـما أمرهم فـي كتابه وعلـى لسان رسوله، وانتهوا عما نهاهم عنه لَهُمْ جَنّاتُ النّعِيـمِ يقول: لهؤلاء بساتـين النعيـم ٩خالدين فِـيها يقول: ماكثـين فـيها إلـى غير نهاية وَعْدَ اللّه حَقّا يقول: وعدهم اللّه وعدا حقا، لا شكّ فـيه ولا خـلف له وَهُوَ العَزِيزُ يقول: وهو الشديد فـي انتقامه من أهل الشرك به، والصادّين عن سبـيـله، الـحَكِيـمُ فـي تدبـير خـلقه. ١٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {خَلَقَ السّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ... }. يقول تعالـى ذكره: ومن حكمته أنه خَـلَقَ السّمَوَاتِ السبع بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها. وقد ذكرت فـيـما مضى اختلاف أهل التأويـل فـي معنى قوله بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وبـيّنا الصواب من القول فـي ذلك عندنا. وقد: ٢١٣٦٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا معاذ بن معاذ، عن عمران بن حدير، عن عكرمة، عن ابن عباس بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال: لعلها بعمد لا ترونها. ٢١٣٧٠ـ وقال: ثنا العلاء بن عبد الـجبـار، عن هماد بن سلـمة، عن حميد، عن الـحسن بن مسلـم، عن مـجاهد ، قال: إنها بعمد لا ترونها. قال: ثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس ، قال: لعلها بعمد لا ترونها. ٢١٣٧١ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد، عن سماك، عن عكرمة فـي هذا الـحرف خَـلَقَ السّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال: ترونها بغير عمد، وهي بَعمد. ٢١٣٧٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة خَـلَقَ السّمَوَاتِ بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها قال: قال الـحسن وقتادة : إنها بغير عمد ترونها، لـيس لها عمد. وقال ابن عباس بغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا قال: لها عمد لا ترونها. و قوله: وألْقَـى فِـي الأرْضِ رَوَاسِيَ أنْ تَـمِيدَ بِكُمْ يقول: وجعل علـى ظهر الأرض رواسي، وهي ثوابت الـجبـال أن تـميد بكم أن لا تـميد بكم. يقول: أن لا تضطرب بكم، ولا تتـحرّك يـمنة ولا يسرة، ولكن تستقرّ بكم، كما: ٢١٣٧٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وألْقَـى فِـي الأرْضِ رَوَاسِي: أي جبـالاً أنْ تَـمِيدَ بِكُمْ أثبتها بـالـجبـال، ولولا ذلك ما أقرّت علـيها خـلقا، وذلك كما قال الراجز: (والـمُهْرُ يَأْبَى أنْ يَزَالَ مُلَهّبـا ) بـمعنى: لا يزال. و قوله: وَبَثّ فِـيها مِنْ كُلّ دَابّةٍ يقول: وفرّق فـي الأرض من كلّ أنواع الدوابّ. وقـيـل الدوابّ اسم لكلّ ما أكل وشرب، وهو عندي لكلّ ما دبّ علـى الأرض. و قوله: وأنْزَلْنا مِنَ السّماءِ ماءً، فأنْبَتْنا فِـيها مِنْ كُلّ زَوْجٍ كَرِيـمٍ يقول تعالـى ذكره: وأنزلنا من السماء مطرا، فأنبتنا بذلك الـمطر فـي الأرض من كلّ زوج، يعني : من كل نوع من النبـات كريـم، وهو الـحسن النّبتة، كما: ٢١٣٧٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة مِنْ كُلّ زَوْجٍ كَرِيـمٍ: أي حسن. ١١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {هَـَذَا خَلْقُ اللّه فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ }. يقول تعالـى ذكره: هذا الذي أعددت علـيكم أيها الناس أنـي خـلقته فـي هذه الاَية خـلق اللّه الذي له ألوهة كل شيء، وعبـادة كل خـلق، الذي لا تصلـح العبـادة لغيره، ولا تنبغي لشيء سواه، فأرونـي أيها الـمشركون فـي عبـادتكم إياه مَن دونه من الاَلهة والأوثان، أيّ شيء خـلق الذين من دونه من آلهتكم وأصنامكم، حتـى استـحقت علـيكم العبـادة فعبدتـموها من دونه، كما استـحقّ ذلك علـيكم خالقكم، وخالق هذه الأشياء التـي عددتها علـيكم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٣٧٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: هَذَا خَـلْقُ اللّه ما ذكر من خـلق السموات والأرض، وما بثّ من الدوابّ، وما أنبت من كلّ زوج كريـم، فأرونـي ماذا خـلق الذين من دونه الأصنام الذين تدعون من دونه. و قوله: بَلِ الظّالِـمُونَ فِـي ضَلالٍ مُبِـينٍ يقول تعالـى ذكره: ما عبد هؤلاء الـمشركون الأوثان والأصنام من أجل أنها تـخـلق شيئا، ولكنهم دعاهم إلـى عبـادتها ضلالهم، وذهابهم عن سبـيـل الـحقّ، فهم فـي ضلال. يقول: فهم فـي جور عن الـحقّ، وذهاب عن الاستقامة مبـين يقول: يبـين لـمن تأمله، ونظر فـيه وفكّر بعقل أنه ضلال لا هدى. ١٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ للّه وَمَن يَشْكُرْ فَإِنّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنّ اللّه غَنِيّ حَمِيدٌ }. يقول تعالـى ذكره: ولقد آتـينا لقمان الفقه فـي الدين، والعقل، والإصابة فـي القول. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٣٧٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: وَلَقَدْ آتَـيْنا لُقْمان الـحِكْمَةَ قال: الفقه والعقل والإصابة فـي القول من غير نُبوّة. ٢١٣٧٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله وَلَقَدْ آتَـيْنا لُقْمانَ الـحِكْمَةَ أي الفقه فـي الإسلام. قال قتادة : ولـم يكن نبـيا، ولـم يُوح إلـيه. حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا يونس، عن مـجاهد ، فـي قوله وَلَقَدْ آتَـيْنا لُقْمانَ الـحِكْمَةَ قال: الـحكمة: الصواب. وقال غير أبـي بشر: الصواب فـي غير النبوّة. حدثنا ابن الـمثنى، حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد ، أنه قال: كان لقمان رجلاً صالـحا، ولـم يكن نبـيا. ٢١٣٧٨ـ حدثنـي نصر بن عبد الرحمن الأَوْديّ وابن حميد، قالا: حدثنا حَكّام، عن سعيد الزبـيديّ، عن مـجاهد ، قال: كان لقمان الـحكيـم عبدا حبشيا، غلـيظ الشفتـين، مصفح القدمين، قاضيا علـى بنـي إسرائيـل. حدثنـي عيسى بن عثمان بن عيسى الرملـيّ، قال: حدثنا يحيى بن عيسى عن الأعمش، عن مـجاهد ، قال: كان لقمان عبدا أسود، عظيـم الشفتـين، مُشقّق القدمين. ٢١٣٧٩ـ حدثنـي عباس بن مـحمد، قال: حدثنا خالد بن مخـلد، قال: حدثنا سلـيـمان بن بلال، قال: ثنـي يحيى بن سعيد قال: سمعت سعيد بن الـمسيب يقول: كان لقمان الـحكيـم أسود من سودان مصر. ٢١٣٨٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن أشعث، عن عكرمة، عن ابن عباس ، قال: كان لقمان عبدا حبشيا. ٢١٣٨١ـ حدثنا العباس بن الولـيد، قال: أخبرنا أبـي، قال: حدثنا الأوزاعيّ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن حَرْملة، قال: جاء أسود إلـى سعيد بن الـمسيب يسأل، فقال له سعيد: لا تـحزن من أجل أنك أسود، فإنه كان من خير الناس ثلاثة من السودان: بِلال، ومهجّع مولـى عمر بن الـخطاب، ولُقمان الـحكيـم، كان أسود نوبـيا ذا مشافر. ٢١٣٨٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أبـي الأشهب، عن خالد الرّبَعِيّ، قال: كان لقمان عبدا حبشيا نـجارا، فقال له مولاه: اذبح لنا هذه الشاة، فذبحها. قال: أخرج أطيب مُضْغَتـين فـيها، فأخرج اللسان والقلب. ثم مكث ما شاء اللّه ، ثم قال: اذبح لنا هذه الشاة، فذبحها. فقال: أخرج أخبث مضغتـين فـيها، فأخرج اللسان والقلب، فقال له مولاه: أمرتك أن تـخرج أطيب مضغتـين فـيها فأخرجتهما، وأمرتك أن تـخرج أخبث مضغتـين فـيها فأخرجتهما فقال له لقمان: إنه لـيس من شيء أطيب منهما إذا طابـا، ولا أخبث منهما إذا خَبثا. ٢١٣٨٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الـحكم، قال: حدثنا عمرو بن قـيس، قال: كان لقمان عبدا أسود، غلـيظ الشفتـين، مصفح القدمين، فأتاه رجل، وهو فـي مـجلس أناس يحدّثهم، فقال له: ألست الذي كنت ترعى معي الغنـم فـي مكان كذا وكذا؟ قال: نعم، قال: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: صدق الـحديث، والصمت عما لا يعني نـي. ٢١٣٨٤ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن رجل، عن مـجاهد وَلَقَدْ آتَـيْنا لُقْمانَ الـحِكْمَةَ قال: القرآن. ٢١٣٨٥ـ قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قال: الـحكمة: الأمانة. وقال آخرون: كان نبـيا. ذكر من قال ذلك: ٢١٣٨٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: ثنـي أبـي، عن إسرائيـل، عن جابر، عن عكرمة، قال: كان لقمان نبـيا. و قوله: أنِ اشْكُرْ للّه: يقول تعالـى ذكره: ولقد آتـينا لقمان الـحكمة، أن احمد اللّه علـى ما آتاك من فضله وجعل قوله أنِ اشْكُرْ ترجمة عن الـحكمة، لأن من الـحكمة التـي كان أوتـيها، كان شكره اللّه علـى ما آتاه. و قوله: وَمَنْ يَشْكُرْ فإنّـمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ يقول: ومن يشكر اللّه علـى نعمه عنده فإنـما يشكر لنفسه، لأن اللّه يُجزل له علـى شكره إياه الثواب، وينقذه به من الهلكة. وَمَنْ كَفَرَ فإنّ اللّه غَنِـيّ حَمِيدٌ يقول: ومن كفر نعمة اللّه علـيه، إلـى نفسه أساء، لأن اللّه معاقبُه علـى كفرانه إياه، واللّه غنـيّ عن شكره إياه علـى نعمه، لا حاجة به إلـيه، لأن شكره إياه لا يزيد فـي سلطانه، ولا ينقص كفرانه إياه مِن ملكه. و يعني بقوله حَمِيدٌ مـحمود علـى كلّ حال، له الـحمد علـى نعمه، كفر العبد نعمته أو شكره علـيها وهو مصروف من مفعول إلـى فَعِيـل. ١٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَبُنَيّ لاَ تُشْرِكْ بِاللّه إِنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : واذكر يا مـحمد إذْ قالَ لُقْمانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَـيّ لا تُشْرِكْ بـاللّه ، إنّ الشّرْكَ لَظُلْـمٌ عَظِيـمٌ يقول: لـخطأ من القول عظيـم. ١٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَوَصّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمّهُ وَهْناً عَلَىَ وَهْنٍ ...}. يقول تعالـى ذكره: وأمرنا الإنسان ببرّ والديه حَمَلَتْهُ أُمّهُ وَهْنا عَلـى وَهْنٍ يقول: ضعفـا علـى ضعف، وشدّة علـى شدّة ومنه قول زهير: فَلَنْ يَقُولُوا بِحَبْلٍ وَاهِنٍ خَـلَقٍلَوْ كانَ قَوْمُكَ فِـي أسْبـابِه هَلَكُوا وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل، غير أنهم اختلفوا فـي الـمعنـيّ بذلك، فقال بعضهم: عنى به الـحمل. ذكر من قال ذلك: ٢١٣٨٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَوَصّيْنا الإنْسانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمّهُ وَهْنا عَلـى وَهْنٍ يقول: شدّة بعد شدّة، وخـلقا بعد خـلق. ٢١٣٨٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله: وَهْنا عَلـى وَهْنٍ يقول: ضعفـا علـى ضعف. ٢١٣٨٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: حَمَلَتْهُ أُمّهُ وَهْنا عَلـى وَهْنٍ أي جهدا علـى جهد. وقال آخرون: بل عنى به: وهن الولد وضعفه علـى ضعف الأمّ. ذكر من قال ذلك: ٢١٣٩٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَهْنا عَلـى وَهْنٍ قال: وهن الولد علـى وهن الوالدة وضعفها. و قوله: وَفِصَالُهُ فِـي عامَيْنِ يقول: وفطامه فـي انقضاء عامين. و قـيـل: وَفِصَالُهُ فِـي عامَيْنِ وترك ذكر (انقضاء) اكتفـاء بدلالة الكلام علـيه، كما قـيـل: وَاسأَلِ القَرْيَةَ التـي كُنّا فِـيهَا يراد به أهل القرية. و قوله: أنِ اشْكُرْ لـي وَلِوَالِدَيْكَ يقول: وعهدنا إلـيه أن اشكر لـي علـى نعمي علـيك، ولوالديك تربـيتهما إياك، وعلاجهما فـيك ما عالـجا من الـمشقة حتـى استـحكم قواك. و قوله: إلـيّ الـمَصِيرُ يقول: إلـى اللّه مصيرك أيها الإنسان، وهو سائلك عما كان من شكرك له علـى نعمه علـيك، وعما كان من شكرك لوالديك، وبرّك بهما علـى ما لقـيا منك من العناء والـمشقة فـي حال طفولـيتك وصبـاك، وما اصطنعا إلـيك فـي برّهما بك، وتـحننهما علـيك. وذُكر أن هذه الاَية نزلت فـي شأن سعد بن أبـي وقاص وأمه. ذكر الرواية الواردة فـي ذلك: ٢١٣٩١ـ حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، قال: حلفت أمّ سعد أن لا تأكل ولا تشرب، حتـى يتـحوّل سعد عن دينه. قال: فأبى علـيها. فلـم تزل كذلك حتـى غشي علـيها. قال: فأتاها بنوها فسقوها. قال: فلـما أفـاقت دعت اللّه علـيه، فنزلت هذه الاَية: وَوَصيْنا الإنْسانَ بِوَالِدَيْهِ... إلـى قوله: فِـي الدّنْـيا مَعْرُوفـا. ٢١٣٩٢ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن أبـيه، قال: قالت أمّ سعد لسعد: ألـيس اللّه قد أمر بـالبرّ، فواللّه لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابـا حتـى أموت أو تكفر قال: فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فـاها بعصا، ثم أوجروها، فنزلت هذه الاَية: وَوَصّيْنا الإنْسانَ بِوَالِدَيْهِ. ٢١٣٩٣ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن سماك بن حرب، قال: قال سعد بن مالك: نزلت فـيّ: وَإنْ جاهَدَاكَ عَلـى أنْ تُشْرِكَ بِـي ما لَـيْسَ لَكَ بِهِ عِلْـمٌ فَلا تُطِعْهُما، وَصَاحِبْهُما فِـي الدّنْـيا مَعْرُوفـا قال: لـما أسلـمت، حلفت أمي لا تأكل طعاما ولا تشرب شرابـا، قال: فناشدتها أوّل يوم، فأبت وصبرت فلـما كان الـيوم الثانـي ناشدتها، فأبت فلـما كان الـيوم الثالث ناشدتها فأبت، فقلت: واللّه لو كانت لك مئة نفس لـخرجت قبل أن أدع دينـي هذا فلـما رأت ذلك، وعرفت أنـي لست فـاعلاً أكلت. ٢١٣٩٤ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي إسحاق، قال: سمعت أبـا هبـيرة يقول: قال: نزلت هذه الاَية فـي سعد بن أبـي وقاص وَإنْ جاهَداكَ عَلـى أنْ تُشْرِكَ بِـي ما لَـيْسَ لَكَ بِهِ عِلْـمٌ فَلا تُطِعْهُمَا... الاَية. ١٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىَ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا ...}. يقول تعالـى ذكره: وإن جاهدك أيها الإنسان والداك علـى أن تشرك بـي فـي عبـادتك إياي معي غيري مـما لا تعلـم أنه لـي شريك، ولا شريك له تعالـى ذكره علوّا كبـيرا، فلا تطعهما فـيـما أراداك علـيه من الشرك بـي، وَصَاحِبْهُما فِـي الدّنْـيا مَعْرُوفـا يقول: وصاحبهما فـي الدنـيا بـالطاعة لهما فـيـما لا تبعة علـيك فـيه فـيـما بـينك وبـين ربك ولا إثم. و قوله: وَاتّبِعْ سَبِـيـلَ مَنْ أنابَ إلـيّ يقول: واسلك طريق من تاب من شركه، ورجع إلـى الإسلام، واتبع مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٣٩٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَاتّبِعْ سَبِـيـلَ مَنْ أنابَ إلـيّ: أي من أقبل إلـيّ. و قوله: إلـيّ مَرْجِعُكُمْ فأُنَبّئُكُمْ بِـمَا كُنْتُـمْ تَعْمَلُونَ فإن إلـيّ مصيركم ومعادكم بعد مـماتكم فأخبركم بجميع ما كنتـم فـي الدنـيا تعملون من خير وشرّ، ثم أجازيكم علـى أعمالكم، الـمـحسن منكم بإحسانه، والـمسيء بإساءته. فإن قال لنا قائل: ما وجه اعتراض هذا الكلام بـين الـخبر عن وصيتـي لقمان ابنه؟ قـيـل ذلك أيضا، وإن كان خبرا من اللّه تعالـى ذكره عن وصيته عبـاده به، وأنه إنـما أوصى به لقمان ابنه، فكان معنى الكلام: وَإذْ قالَ لُقْمانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ: يا بُنَـيّ لا تُشْرِكْ بـاللّه إنّ الشّرْكَ لَظُلْـمٌ عَظِيـمٌ ولا تطع فـي الشرك به والديك وَصَاحِبْهُما فِـي الدّنْـيا مَعْرُوفـا فإن اللّه وصّى بهما، فـاستؤنف الكلام علـى وجه الـخبر من اللّه ، وفـيه هذا الـمعنى، فذلك وجه اعتراض ذلك بـين الـخبرين عن وصيته. ١٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَبُنَيّ إِنّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ ...}. اختلف أهل العربـية فـي معنى الهاء والألف اللتـين فـي قوله إنّها فقال بعض نـحويـي البصرة: ذلك كناية عن الـمعصية والـخطيئة. ومعنى الكلام عنده: يا بنـيّ إن الـمعصية إن تك مثقال حبة من خردل، أو إن الـخطيئة. وقال بعض نـحويـي الكوفة: وهذه الهاء عماد. وقال: أنّث تك، لأنه يراد بها الـحبة، فذهب بـالتأنـيث إلـيها، كما قال الشاعر: وَتَشْرَقُ بـالقَوْلِ الّذِي قَدْ أذَعْتَهُكمَا شَرِقَتْ صَدْرُ القَناةِ مِنَ الدّمِ وقال صاحب هذه الـمقالة: يجوز نصب الـمثقال ورفعه قال: فمن رفع رفعه بتك، واحتـملت الننكرة أن لا يكون لها فعل فـي كان ولـيس وأخواتها، ومن نصب جعل فـي تكن اسما مضمرا مـجهولاً مثل الهاء التـي فـي قوله إنّها إنْ تَكُ قال: ومثله قوله: فإنّها لا تَعْمَى الأَبْصَارُ قال: ولو كان إن يك مثقال حبة كان صوابـا، وجاز فـيه الوجهان. وأما صاحب الـمقالة الأولـى، فإن نصب مثقال فـي قوله، علـى أنه خبر، وتـمام كان، وقال: رفع بعضهم فجعلها كان التـي لا تـحتاج إلـى خبر. وأولـى القولـين بـالصواب عندي، القول الثانـي: لأن اللّه تعالـى ذكره لـم يعد عبـاده أن يوفـيهم جزاء سيئاتهم دون جزاء حسناتهم، فـيقال: إن الـمعصية إن تك مثقال حبة من خردل يأت اللّه بها، بل وعد كلا العاملـين أن يوفـيه جزاء أعمالهما. فإذا كان ذلك كذلك، كانت الهاء فـي قوله إنّها بأن تكون عمادا أشبه منها بأن تكون كناية عن الـخطيئة والـمعصية. وأما النصب فـي الـمثقال، فعلـى أن فـي (تك) مـجهولاً، والرفع فـيه علـى أن الـخبر مضمر، كأنه قـيـل: إن تك فـي موضع مثقال حبة، لأن النكرات تضمر أخبـارها، ثم يترجم عن الـمكان الذي فـيه مثقال الـحبة. وعنى ب قوله: مِثْقالَ حَبّةٍ: زنة حبة. فتأويـل الكلام إذن: إن الأمر إن تك زنة حبة من خردل من خير أو شرّ عملته، فتكن فـي صخرة، أو فـي السموات، أو فـي الأرض، يأت بها اللّه يوم القـيامة، حتـى يوفـيك جزاءه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٣٩٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يا بُنَـيّ إنّها إنْ تَكُ مِثْقالَ حَبّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ من خير أو شرّ. واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله فَتَكُنْ فِـي صَخْرَةٍ فقال بعضهم: عنى بها الصخرة التـي علـيها الأرض وذلك قول رُوي عن ابن عباس وغيره، وقالوا: هي صخرة خضراء. ذكر من قال ذلك: ٢١٣٩٧ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن الـمنهال، عن عبد اللّه بن الـحارث، قال: الصخرة خضراء علـى ظهر حوت. ٢١٣٩٨ـ حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فـي خبر ذكره عن أبـي مالك عن أبـي صالـح، عن ابن عباس ، وعن مرّة، عن عبد اللّه ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم : خـلق اللّه الأرض علـى حوت، والـحوت هو النون الذي ذكر اللّه فـي القرآن نَ والقلـم وما يسطرون والـحوت فـي الـماء، والـماء علـى ظهر صفـاة، والصفـاة علـى ظهر ملك، والـملك علـى صخرة، والصخرة فـي الريح، وهي الصخرة التـي ذكر لقمان لـيست فـي السماء، ولا فـي الأرض. وقال آخرون: عنى بها الـجبـال، قالوا: ومعنى الكلام: فتكن فـي جبل. ذكر من قال ذلك: ٢١٣٩٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، فـي قوله: فَتَكُنْ فِـي صَخْرَةٍ: أي جبل. و قوله: يَأْتِ بِها اللّه كان بعضهم يوجه معناه إلـى يعلـمه اللّه ، ولا أعرف يأتـي به، بـمعنى يعلـمه، إلاّ أن يكون قائل ذلك أراد أن لقمان، إنـما وصف اللّه بذلك، لأن اللّه يعلـم أماكنه، لا يخفـى علـيه مكان شيء منه فـيكون وجها. ذكر من قال ذلك: ٢١٤٠٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن ويحيى، قالا: حدثنا أبو سفـيان، عن السديّ، عن أبـي مالك فَتَكُنْ فِـي صَخْرَةٍ أوْ فِـي السّمَوَاتِ، أوْ فِـي الأرْضِ يَأْتِ بِها اللّه قال: يعلـمها اللّه . حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن مهدي، عن سفـيان، عن السديّ، عن أبـي مالك، مثله. و قوله: إنّ اللّه لَطيفٌ خَبِـيرٌ يقول: إن اللّه لطيف بـاستـخراج الـحبة من موضعها حيث كانت خبـير بـموضعها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٤٠١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إنّ اللّه لَطِيفٌ خَبِـيرٌ: أي لطيف بـاستـخراجها خبـير بـمستقرّها. ١٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَبُنَيّ أَقِمِ الصّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىَ مَآ أَصَابَكَ إِنّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الاُمُورِ }. يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل لقمان لابنه يا بُنَـيّ أقِمِ الصّلاةَ بحدودها وأمُرْ بـالـمَعْرُوفِ يقول: وأمر الناس بطاعة اللّه ، واتبـاع أمره وَانْهَ عَنِ الـمُنْكَرِ يقول: وانه الناس عن معاصي اللّه ومواقعة مـحارمه وَاصْبِرْ عَلـى ما أصَابَكَ يقول: واصبر علـى ما أصابك من الناس فـي ذات اللّه إذا أنت أمرتهم بـالـمعروف، ونهيتهم عن الـمنكر، ولا يصدّنك عن ذلك ما نالك منهم إنّ ذلكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ يقول: إن ذلك مـما أمر اللّه به من الأمور عزما منه. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٤٠٢ـ حدثنـي حجاج، عن ابن جُرَيج، فـي قوله: يا بُنَـي أقِمِ الصلاةَ وأْمرْ بـالـمَعْروفِ وَانْهَ عَنِ الـمُنْكَرِ وَاصْبِرْ علـى ما أصَابَكَ قال: اصبر علـى ما أصابك من الأذى فـي ذلك إنّ ذَلكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ قال: إن ذلك مـما عزم اللّه علـيه من الأمور، يقول: مـما أمر اللّه به من الأمور. ١٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ تُصَعّرْ خَدّكَ لِلنّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحاً إِنّ اللّه لاَ يُحِبّ كُلّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ }. اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وَلا تُصَعّرْ فقرأه بعض قراء الكوفة والـمدنـيـين والكوفـيـين: ولا تصعر علـى مثال تفعل. وقرأ ذلك بعض الـمكيـين وعامة قرّاء الـمدينة والكوفة والبصرة: (وَلا تُصَاعِرْ) علـى مثال تفـاعل. والصواب من القول فـي ذلك أن يقال إنهما قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وتأويـل الكلام: ولا تعرض بوجهك عمن كلـمته تكبرا واستـحقارا لـمن تكلـمه وأصل الصعر داء يأخذ الإبل فـي أعناقها أو رؤوسها حتـى تلفت أعناقها عن رؤوسها، فـيشبه به الرجل الـمتكبر علـى الناس، ومنه قول عمرو بن حُنَـيَ الثّعلبِـيّ: وكُنّا إذَا الـجَبّـارُ صَعّرَ خَدّهُأقَمْنا لَهُ مِنْ مَيْـلِهِ فَتَقَوّما واختلف أهل التأويـل فـي تأويـله، فقال بعضهم نـحو الذي قلنا فـيه. ذكر من قال ذلك: ٢١٤٠٣ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاس يقول: ولا تتكبر فتـحقر عبـاد اللّه ، وتعرض عنهم بوجهك إذا كلـموك. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاسِ يقول: لا تعرض بوجهك عن الناس تكبرا. ٢١٤٠٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَلا تُصَعّرْ قال: الصدود والإعراض بـالوجه عن الناس. ٢١٤٠٥ـ حدثنـي علـيّ بن سهل، قال: حدثنا زيد بن أبـي الزرقاء، عن جعفر بن برقان، عن يزيد فـي هذه الاَية وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاسِ قال: إذا كلـمك الإنسان لويت وجهك، وأعرضت عنه مـحقرة له. ٢١٤٠٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا خالد بن حيان الرقـي، عن جعفر بن ميـمون بن مهران، قال: هو الرجل يكلـم الرجل فـيـلوي وجهه. ٢١٤٠٧ـ حدثنا عبد الرحمن بن الأسود، قال: حدثنا مـحمد بن ربـيعة، قال: حدثنا أبو مكين، عن عكرمة، فـي قوله وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاسِ قال: لا تُعْرض بوجهك. ٢١٤٠٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاس يقول: لا تعرض عن الناس، يقول: أقبل علـى الناس بوجهك وحسن خـلقك. ٢١٤٠٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاسِ قال: تصعير الـخدّ: التـجبر والتكبر علـى الناس ومـحقرتهم. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أبـي مكين، عن عكرمة، قال: الإعراض. وقال آخرون: إنـما نهاه عن ذلك أن يفعله لـمن بـينه وبـينه صعر، لا علـى وجه التكبر. ذكر من قال ذلك: ٢١٤١٠ـ حدثنا ابن وكيع وابن حميد، قالا: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاسِ قال: الرجل يكون بـينه وبـين أخيه الـحنة، فـيراه فـيعرض عنه. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد ، فـي قوله وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاس قال: هو الرجل بـينه وبـين أخيه حنة فـيعرض عنه. وقال آخرون: هو التشديق. ذكر من قال ذلك: ٢١٤١١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: ثنـي أبـي، عن جعفر الرازي، عن مغيرة، عن إبراهيـم، قال: هو التشديق. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن الـمغيرة، عن إبراهيـم، قال: هو التشديق أو التشدّق (الطبري يشكّ) . حدثنا يحيى بن طلـحة، قال: حدثنا فضيـل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيـم بـمثله. وقوله وَلا تَـمْشِ فِـي الأرْضِ مَرَحا يقول: ولا تـمش فـي الأرض مختالاً. كما: ٢١٤١٢ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك ، يقول فِـي قوله وَلا تَـمْشِ فِـي الأرْضِ مَرَحا يقول: بـالـخيلاء. ٢١٤١٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله وَلا تُصَعّرْ خَدّكَ للنّاسِ ولا تَـمْشِ فِـي الأرْضِ مَرَحا إنّ اللّه لا يُحِبّ كُلّ مُخْتالٍ فَخُورٍ قال: نهاه عن التكبر. وقوله إنّ اللّه لا يُحِبّ كُلّ مُخْتالٍ متكبر ذي فخر. كما: ٢١٤١٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: كُلّ مُخْتالٍ فَخُورٍ قال: متكبر. و قوله: فخور: قال: يعدّد ما أعطى اللّه ، وهو لا يشكر اللّه . ١٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنّ أَنكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ }. يقول: وتواضع فـي مشيك إذا مشيت، ولا تستكبر، ولا تستعجل، ولكن اتئد. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل، غير أن منهم من قال: أمره بـالتواضع فـي مشيه، ومنهم من قال: أمره بترك السرعة فـيه. ذكر من قال: أمره بـالتواضع فـي مشيه: ٢١٤١٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا أبو حمزة، عن جابر، عن مـجاهد وَاقْصِدْ فِـي مَشْيِكَ قال: التواضع. ٢١٤١٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَاقْصِدْ فِـي مَشْيِكَ قال: نهاه عن الـخيلاء. ذكر من قال: نهاه عن السرعة: ٢١٤١٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن عبد اللّه بن عقبة، عن يزيد بن أبـي حبـيب، فـي قوله: وَاقْصِدْ فِـي مَشْيِكَ قال: من السرعة. قوله: وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ يقول: واخفض من صوتك، فـاجعله قصدا إذا تكلـمت، كما: ٢١٤١٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ قال: أمره بـالاقتصاد فـي صوته. ٢١٤١٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ قال: أخفض من صوتك. واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: إنّ أنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الـحَمِيرِ فقال بعضهم: معناه: إن أقبح الأصوات. ذكر من قال ذلك: ٢١٤٢٠ـ حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى، قالا: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة وأبـان بن تغلب، قالا: حدثنا أبو معاوية عن جُوَيبر، عن الضحاك إنّ أنْكَرَ الأصْوَاتِ قال: إن أقبح الأصوات لَصَوْتُ الـحَمِيرِ. ٢١٤٢١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إنّ أنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الـحَمِيرِ أي أقبح الأصوات لصوت الـحمير، أوّله زفـير، وآخره شهيق أمره بـالاقتصاد فـي صوته. ٢١٤٢٢ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفـيان، قال: سمعت الأعمش يقول: إنّ أنْكَرَ الأصْوَاتِ صوت الـحمير. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن أشرّ الأصوات. ذكر من قال ذلك: ٢١٤٢٣ـ حُدثت عن يحيى بن واضح، عن أبـي حمزة، عن جابر، عن عكرمة والـحكم بن عُتـيبة إنّ أنْكَرَ الأصْوَاتِ قال: أشرّ الأصوات. قال جابر: وقال الـحسن بن مسلـم: أشدّ الأصوات. ٢١٤٢٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله إنّ أنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الـحَمِيرِ قال: لو كان رفع الصوت هو خيرا ما جعله للـحمير. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: معناه: إن أقبح أو أشرّ الأصوات، وذلك نظير قولهم، إذا رأوا وجها قبـيحا، أو منظرا شنـيعا: ما أنكر وجه فلان، وما أنكر منظره. وأما قوله: لَصَوْتُ الـحَمِيرِ فأضيف الصوت وهو واحد إلـى الـحمير وهي جماعة، فإن ذلك لوجهين إن شئت، قلت: الصوت بـمعنى الـجمع، كما قـيـل لَذَهَبَ بسَمْعهمْ وإن شئت قلت: معنى الـحمير: معنى الواحد، لأن الواحد فـي مثل هذا الـموضع يؤدّي عما يؤدّي عنه الـجمع. ٢٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَلَمْ تَرَوْاْ أَنّ اللّه سَخّرَ لَكُمْ مّا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ ...}. يقول تعالـى ذكره: ألَـمْ تَرَوْا أيها الناس أنّ اللّه سَخّرَ لَكُمْ ما فِـي السّمَوَاتِ من شمس وقمر ونـجم وسحاب وَما فِـي الأرْضِ من دابة وشجر وماء وبحر وفلك وغير ذلك من الـمنافع، يجري ذلك كله لـمنافعكم ومصالـحكم لغذائكم وأقواتكم وأرزاقكم وملاذّكم، تتـمتعون ببعض ذلك كله، وتنتفعون بجميعه، وأسْبَغَ عَلَـيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وبَـاطِنَةً. واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأه بعض الـمكيـين وعامة الكوفـيـين: (وأسْبَغَ عَلَـيْكُمْ نِعْمَةً) علـى الواحدة، ووجهوا معناها إلـى أنه الإسلام، أو إلـى أنها شهادة أن لا إله إلاّ اللّه . وقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة: نِعَمَهُ علـى الـجماع، ووجّهوا معنى ذلك، إلـى أنها النعم التـي سخرها اللّه للعبـاد مـما فـي السموات والأرض، واستشهدوا لصحة قراءتهم ذلك كذلك ب قوله: شاكِرا لاِءَنْعُمهِ قالوا: فهذا جمع النعم. والصواب من القول فـي ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان فـي قرّاء الأمصار متقاربتا الـمعنى، وذلك أن النعمة قد تكون بـمعنى الواحدة، ومعنى الـجماع، وقد يدخـل فـي الـجماع الواحدة. وقد قال جل ثناؤه وَإنْ تَعُدّوا نِعْمَةَ اللّه لا تُـحْصُوها فمعلوم أنه لـم يعن بذلك نعمة واحدة. وقال فـي موضع آخر: ولـم يك من الـمشركين شاكرا لأنعمه، فجمعها، فبأيّ القراءتـين قرأ القارىء ذلك فمصيب. ذكر بعض من قرأ ذلك علـى التوحيد، وفسّره علـى ما ذكرنا عن قارئيه أنهم يفسرونه: ٢١٤٢٥ـ حدثنـي أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم بن سلام، قال: حدثنا حجاج، قال: ثنـي مستور الهنائي، عن حميد الأعرج، عن مـجاهد ، عن ابن عباس أنه قرأها: (وأسْبَغَ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتَهُ ظاهِرَةً وبَـاطِنَةً) وفسّرها الإسلام. حُدثت عن الفرّاء قال: ثنـي شريك بن عبد اللّه ، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس ، أنه قرأ: (نِعْمَةً) واحدة. قال: ولو كانت نعمه، لكانت نعمة دون نعمة، أو نعمة فوق نعمة الشكّ من الفراء. ٢١٤٢٦ـ حدثنـي عبد اللّه بن مـحمد الزهري، قال: حدثنا سفـيان، قال: حدثنا حميد، قال: قرأ مـجاهد وأسْبَغَ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتَهُ ظاهرَةً وبَـاطنَةً قال: لا إله إلاّ اللّه . حدثنـي العباس بن أبـي طالب، قال: حدثنا ابن أبـي بكير، عن شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وأسْبَغَ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتَهُ ظاهِرَةً وَبـاطِنَةً قال: كان يقول: هي لا إله إلاّ اللّه . حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن حميد الأعرج، عن مـجاهد وأسْبَغَ عَلَـيْكُمْ نِعْمَتَهُ ظاهِرَةً وَبـاطِنَةً قال: لا إله إلاّ اللّه . حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن عُيـينة، عن حميد الأعرج، عن مـجاهد ، قال: لا إله إلاّ اللّه . ٢١٤٢٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن سفـيان، عن عيسى، عن قَـيْس، عن ابن عباس نِعَمَةً ظاهِرَةً وَبـاطِنَةً قال: لا إله إلاّ اللّه . و قوله: ظاهِرَةً يقول: ظاهرة علـى الألسن قولاً، وعلـى الأبدان وجوارج الـجسد عملاً. و قوله: وَبـاطِنَةً يقول: وبـاطنة فـي القلوب اعتقادا ومعرفة. و قوله: وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِـي اللّه بِغَيْرِ عِلْـمٍ وَلا هُدًى يقول تعالـى ذكره: ومن الناس من يخاصم فـي توحيد اللّه ، وإخلاص الطاعة والعبـادة له بغير علـم عنده بـما يخاصم، ولا هدى يقول: ولا بـيان يبـين به صحة ما يقول وَلا كِتابٍ مُنِـيرٍ يقول: ولا بتنزيـل من اللّه جاء بـما يدعى، يبـين حقـية دعواه، كما: ٢١٤٢٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِـي اللّه بغَيْرِ عِلْـمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتابٍ مُنِـيرٍ لـيس معه من اللّه برهان ولا كتاب. ٢١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ اللّه قَالُواْ بَلْ نَتّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىَ عَذَابِ السّعِيرِ }. يقول تعالـى ذكره: وإذا قـيـل لهؤلاء الذين يجادلون فـي توحيد اللّه جهلاً منهم بعظمة اللّه : اتبعوا أيها القوم ما أنزل اللّه علـى رسوله، وصدّقوا به، فإنه يفرق بـين الـمـحقّ منا والـمبطل، ويفصل بـين الضّالّ والـمهتدى، فقالوا: بل نتبع ما وجدنا علـيه آبـاءنا من الأديان، فإنهم كانوا أهل حقّ. قال اللّه تعالـى ذكره أوَ لَوْ كانَ الشّيْطانُ يَدْعُوهُمْ بتزيـينه لهم سوء أعمالهم، واتبـاعهم إياه علـى ضلالتهم، وكفرهم بـاللّه وتركهم اتبـاع ما أنزل اللّه من كتابه علـى نبـيه إلـى عَذَابِ السّعِيرِ يعني : عذاب النار التـي تتسعر وتلتهب. ٢٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللّه وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ وَإِلَىَ اللّه عَاقِبَةُ الأمُورِ }. يقول تعالـى ذكره: ومن يعبد وجهه متذللاً بـالعبودة، مقرّا له بـالألوهة وَهُوَ مُـحْسِنٌ يقول: وهو مطيع للّه فـي أمره ونهيه فَقَدِ اسْتَـمْسَكَ بـالعُرْوَةِ الوُثْقَـى يقول: فقد تـمسك بـالطرف الأوثق الذي لا يخاف انقطاعه من تـمسك به وهذا مثل إنـما يعني بذلك أنه قد تـمسك من رضا اللّه بإسلامه وجهه إلـيه وهو مـحسن، ما لا يخاف معه عذاب اللّه يوم القـيامة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٤٢٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن أبـي السوداء، عن جعفر بن أبـي الـمغيرة، عن سعيد بن جُبـير، عن ابن عباس وَمَن يُسْلِـمْ وَجْهَهُ إلـى اللّه وَهُوَ مُـحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَـمْسَكَ بـالعُرْوَةِ الوُثْقَـى قال: لا إله إلاّ اللّه . وقوله وَإلـى اللّه عاقِبَةُ الأُمُورِ يقول: وإلـى اللّه مرجع عاقبة كلّ أمر خيره وشرّه، وهو الـمسائل أهله عنه، ومـجازيهم علـيه. ٢٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُوَاْ إِنّ اللّه عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ }. يقول تعالـى ذكره: ومن كفر بـاللّه فلا يحزنك كفره، ولا تذهب نفسك علـيهم حسرة، فإنّ مرجعهم ومصيرهم يوم القـيامة إلـينا، ونـحن نـخبرهم بأعمالهم الـخبـيثة التـي عملوها فـي الدنـيا، ثم نـجازيهم علـيها جزاءهم إنّ اللّه عَلِـيـمٌ بِذَاتِ الصّدُرِ يقول: إن اللّه ذو علـم بـما تكنه صدورهم من الكفر بـاللّه ، وإيثار طاعة الشيطان. ٢٤و قوله: نُـمَتّعُهُمْ قَلِـيلاً يقول: نـمهلهم فـي هذه الدنـيا مهلاً قلـيلاً يتـمتعون فـيها ثُمّ نَضْطّرّهُمْ إلـى عَذَاب غَلِـيظٍ يقول: ثم نوردهم علـى كره منهم عذابـا غلـيظا، وذلك عذاب النار، نعوذ بـاللّه منها، ومن عمل يقرّب منها. ٢٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مّنْ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنّ اللّه قُلِ الْحَمْدُ للّه بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }. يقول تعالـى ذكره: ولئن سألت يا مـحمد هؤلاء الـمشركين بـاللّه من قومك مَنْ خَـلَقَ السّمَوَاتِ والأرْضِ لَـيَقُولُنّ اللّه ، قُلِ الـحَمْدُ للّه يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد، فإذا قالوا ذلك، فقل لهم: الـحمد للّه الذي خـلق ذلك، لا لـمن لا يخـلق شيئا وهم يخـلقون. ثم قال تعالـى ذكره: بَلْ أكْثَرُهُمْ لا يعْلَـمون يقول: بل أكثر هؤلاء الـمشركون لا يعلـمون من الذي له الـحمد، وأين موضع الشكر. ٢٦و قوله: للّه ما فِـي السّمَوَاتِ والأرْضِ يقول تعالـى ذكره: للّه كلّ ما فـي السموات والأرض من شيء ملكا كائنا ما كان ذلك الشيء من وثن وصنـم وغير ذلك، مـما يعبد أو لا يعبد إنّ اللّه هُوَ الغَنِـيّ الـحَمِيدُ يقول: إن اللّه هو الغنـيّ عن عبـادة هؤلاء الـمشركين به الأوثان والأنداد، وغير ذلك منهم ومن جميع خـلقه، لأنهم ملكه وله، وبهم الـحاجة إلـيه. الـحميد يعني الـمـحمود علـى نعمه التـي أنعمها علـى خـلقه. ٢٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْ أَنّمَا فِي الأرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللّه إِنّ اللّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ }. يقول تعالـى ذكره: ولو أن شجر الأرض كلها بريت أقلاما والبَحْرُ يَـمُدّهُ يقول: والبحر له مداد، والهاء فـي قوله يَـمُدّهُ عائدة علـى البحر. وقوله منْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِـماتُ اللّه وفـي هذا الكلام مـحذوف استغنى بدلالة الظاهر علـيه منه، وهو يكتب كلام اللّه بتلك الأقلام وبذلك الـمداد، لتكسرت تلك الأقلام، ولنفد ذلك الـمداد، ولـم تنفد كلـمات اللّه . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٤٣٠ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن أبـي رجاء، قال: سألت الـحسن عن هذه الاَية وَلَوْ أنّ ما فِـي الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أقْلامٌ قال: لو جعل شجر الأرض أقلاما، وجعل البحور مدادا، وقال اللّه : إن من أمري كذا، ومن أمري كذا، لنفد ماء البحور، وتكسّرت الأقلام. ٢١٤٣١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الـحكم، قال: حدثنا عمرو، فـي قوله وَلَوْ أنّ ما فـي الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أقْلامٌ قال: لو بريت أقلاما والبحر مدادا، فكتب بتلك الأقلام منه ما نَفِدَتْ كَلِـماتُ اللّه ولو مدّه سبعة أبحر. ٢١٤٣٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله وَلَوْ أنّ ما فِـي الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أقْلامٌ، والبَحْرُ يَـمُدّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِـماتُ اللّه قال: قال الـمشركون: إنـما هذا كلام يوشك أن ينفد، قال: لو كان شجر البرّ أقلاما، ومع البحر سبعة أبحر ما كان لتنفد عجائب ربـي وحكمته وخـلقه وعلـمه. وذُكر أن هذه الاَية نزلت علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي سبب مـجادلة كانت من الـيهود له. ذكر من قال ذلك: ٢١٤٣٣ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا ابن إسحاق، قال: ثنـي رجل من أهل مكة، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، أن أخبـار يهود قالوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـالـمدينة: يا مـحمد أرأيت قوله وَما أُوتِـيتُـمْ مِنَ العِلْـمِ إلاّ قَلِـيلاً إيانا تريد أم قومك؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (كُلاّ) ، فقالوا: ألست تتلو فـيـما جاءك: أنا قد أوتـينا التوراة فـيها تبـيان كلّ شيء؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إنّها فـي عِلْـمِ اللّه قَلِـيـلٌ وَعِنْدَكُمْ مِنْ ذلكَ ما يكْفِـيكُمْ) ، فأنزل اللّه علـيه فـيـما سألوه عنه من ذلك: وَلَوْ أنّ ما فـي الأرْض مِنْ شَجَرَةٍ أقْلامٌ وَالبَحْرُ يَـمُدّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِـماتُ اللّه : أي أن التوراة فـي هذا من علـم اللّه قلـيـل. ٢١٤٣٤ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنـي ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن عكرمة، قال: سأل أهل الكتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الروح، فأنزل اللّه وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ، قُلِ الرّوحُ مِنْ أمْرِ رَبّـي، وَما أُتِـيتُـمْ مِنَ العِلْـم إلاّ قَلِـيلاً فقالوا: تزعم أنا لـم نؤت من العلـم إلاّ قلـيلاً، وقد أوتـينا التوراة، وهي الـحكمة وَمَنْ يُؤْتَ الـحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِـيَ خَيْرا كَثِـيرا قال: فنزلت وَلَوْ أنّ ما فِـي الأرْضِ من شَجَرَةٍ أقْلامٌ والبَحْرُ يَـمُدّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِـماتُ اللّه قال: ما أوتـيتـم من علـم فنـجاكم اللّه به من النار وأدخـلكم الـجنة، فهو كثـير طيب، وهو فـي علـم اللّه قلـيـل. ٢١٤٣٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: ثنـي مـحمد بن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسار، قال: لـما نزلت بـمكة وَما أُوتِـيتُـمْ مِنَ العِلْـمِ إلاّ قَلِـيلاً يعني الـيهود فلـما هاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـى الـمدينة، أتاه أحبـار يهود، فقالوا: يا مـحمد ألـم يبلغنا أنك تقول وَما أُوتِـيتُـمْ مِنَ العِلْـمِ إلاّ قَلِـيلاً أفتعنـينا أم قومك؟ قال: (كُلاّ قَدْ عَنَـيتُ) ، قالوا: فإنك تتلو: أنا قد أوتـينا التوراة، وفـيها تبـيان كلّ شيء، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (هِيَ فِـي عِلـمِ اللّه قَلِـيـلٌ، وَقَدْ آتاكُمُ اللّه ما إنْ عَمِلْتُـمْ بِهِ انْتَفَعْتُـمْ) ، فأنزل اللّه وَلَوْ أنّ ما فِـي الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أقْلامٌ، والبَحْرُ يَـمُدّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أبْحُرٍ... إلـى قوله إنّ اللّه سَمِيعٌ بَصِيرٌ. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله والبَحْرُ يَـمُدّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أبْحُرٍ فقرأته عامّة قرّاء الـمدينة والكوفة والبحر رفعا علـى الابتداء، وقرأته قرّاء البصرة نصبـا، عطفـا به علـى (ما) فـي قوله: وَلَوْ أنّ ما فِـي الأرْضِ وبأيتهما قرأ القارىء فمصيب عندي. و قوله: إنّ اللّه عَزِيزٌ حَكِيـمٌ يقول: إن اللّه ذو عزّة فـي انتقامه مـمن أشرك به، وادّعى معه إلها غيره، حكيـم فـي تدبـيره خـلقه. ٢٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنّ اللّه سَمِيعٌ بَصِيرٌ }. يقول تعالـى ذكره: ما خـلقكم أيها الناس ولا بعثكم علـى اللّه إلاّ كخـلق نفس واحدة وبعثها، وذلك أن اللّه لا يتعذّر علـيه شيء أراده، ولا يـمتنع منه شيء شاءه إنّـما أَمْرُهُ إذَا أرَادَ شَيْئا أنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَـيَكُونُ فسواء خَـلْق واحد وبعثه، وخـلق الـجميع وبعثهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٤٣٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنـي أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ يقول: كن فـيكون، للقلـيـل والكثـير. ٢١٤٣٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله ما خَـلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إلاّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ قال: يقول: إنـما خَـلْقُ اللّه الناسَ كلّهم وبعثُهم كخـلق نفس واحدة وبعثها، وإنـما صلـح أن يقال: إلاّ كنفس واحدة، والـمعنى: إلاّ كخـلق نفس واحدة، لأن الـمـحذوف فعل يدلّ علـيه قوله ما خَـلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ والعرب تفعل ذلك فـي الـمصادر، ومنه قول اللّه : تَدُورُ أعْيُنُهُمْ كالّذِي يُغْشَى عَلَـيْهِ مِنَ الـمَوْتِ والـمعنى: كدوران عين الذي يغشى علـيه من الـموت، فلـم يذكر الدوران والعين لـما وصفت. و قوله: إنّ اللّه سَمِيعٌ بَصِيرٌ يقول تعالـى ذكره: إن اللّه سميع لـما يقول هؤلاء الـمشركون ويفترونه علـى ربهم، من ادّعائهم له الشركاء والأنداد وغير ذلك من كلامهم وكلام غيرهم، بصير بـما يعملونه وغيرهم من الأعمال، وهو مـجازيهم علـى ذلك جزاءهم. ٢٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّه يُولِجُ الْلّيْلَ فِي النّهَارِ وَيُولِجُ النّهَارَ فِي الْلّيْلِ ...}. يقول تعالـى ذكره: ألَـمْ تَرَ يا مـحمد بعينك أنّ اللّه يُولِـجُ اللّـيْـلَ فِـي النّهارِ يقول: يزيد من نقصان ساعات اللـيـل فـي ساعات النهار وَيُولِـجُ النّهارَ فِـي اللّـيْـلِ يقول: يزيد ما نقص من ساعات النهار فـي ساعات اللّـيـل. كما: ٢١٤٣٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ألَـمْ تَرَ أنّ اللّه يُولِـجُ اللّـيْـلَ فِـي النّهارِ نقصان اللـيـل فـي زيادة النهار وَيُولِـجُ النّهار فِـي اللّـيْـلِ نقصان النهار فـي زيادة اللـيـل. و قوله: وَسَخّر الشّمْسَ والقَمَرَ، كُلّ يَجْرِي إلـى أجَل مُسَمّى يقول تعالـى ذكره: وسخر الشمس والقمر لـمصالـح خـلقه ومنافعهم، كلّ يجري يقول: كلّ ذلك يجري بأمره إلـى وقت معلوم، وأجل مـحدود إذا بلغه، كوّرت الشمس والقمر. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٤٣٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَسَخّرَ الشّمْسَ والقَمَرَ كُلّ يَجْرِي إلـى أجَلٍ مُسَمّى يقول: لذلك كله وقت، وحدّ معلوم، لا يجاوزه ولا يعدوه. و قوله: وَأنّ اللّه بـمَا تَعْمَلُونَ خَبِـيرٌ يقول: وإن اللّه بأعمالكم أيها الناس من خير أو شرّ ذو خبرة وعلـم، لا يخفـى علـيه منها شيء، وهو مـجازيكم علـى جميع ذلك، وخرج هذا الكلام خطابـا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، والـمعنـيّ به الـمشركون، وذلك أنه تعالـى ذكره، نبّه ب قوله: أنّ اللّه يُولِـجُ اللّـيْـلَ فـي النّهارِ، وَيُولِـجُ النّهارَ فِـي اللّـيْـلِ علـى موضع حجته من جهل عظمته، وأشرك فـي عبـادته معه غيره، يدلّ علـى ذلك قوله: ذلكَ بأنّ اللّه هُوَ الـحَقّ، وأنّ ما يَدْعُونَ منْ دُونهِ البـاطِلُ. ٣٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ذَلِكَ بِأَنّ اللّه هُوَ الْحَقّ وَأَنّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنّ اللّه هُوَ الْعَلِيّ الْكَبِيرُ }. يقول تعالـى ذكره: هذا الذي أخبرتك يا مـحمد أن اللّه فعله من إيلاجه اللـيـل فـي النهار، والنهار فـي اللـيـل، وغير ذلك من عظيـم قُدرته، إنـما فعله بأنه اللّه حقا، دون ما يدعوه هؤلاء الـمشركون به، وأنه لا يقدر علـى فعل ذلك سواه، ولا تصلـح الألوهة إلاّ لـمن فعل ذلك بقُدرته. و قوله: وأنّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ البـاطِلُ يقول تعالـى ذكره: وبأن الذي يعبد هؤلاء الـمشركون من دون اللّه البـاطل الذي يضمـحلّ، فـيبـيد ويفنـي وأنّ اللّه هُوَ العَلِـيّ الكَبِـيرُ يقول تعالـى ذكره: وبأن اللّه هو العلـيّ، يقول: ذو العلوّ علـى كلّ شيء، وكلّ ما دونه فله متذلل منقاد، الكبـير الذي كل شيء دونه، فله متصاغر. ٣١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَلَمْ تَرَ أَنّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللّه لِيُرِيَكُمْ مّنْ آيَاتِهِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّكُلّ صَبّارٍ شَكُورٍ }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : ألـم تر يا مـحمد أن السفن تـجري فـي البحر نعمة من اللّه علـى خـلقه لِـيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ يقول: لـيريكم من عبره وحججه علـيكم إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ لِكُلّ صَبّـارٍ شَكُورٍ يقول: إن فـي جري الفلك فـي البحر دلالة علـى أن اللّه الذي أجراها هو الـحقّ، وأنّ ما يدعون من دونه البـاطللكُلّ صَبّـارٍ شَكُورٍ يقول: لكلّ من صبر نفسه عن مـحارم اللّه ، وشكره علـى نعمه فلـم يكفره. ٢١٤٤٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: كان مطرف يقول: إنّ من أحبّ عبـاد اللّه إلـيه: الصبّـار الشّكور. ٢١٤٤١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، قال: الصبر نصف الإيـمان، والشكر نصف الإيـمان، والـيقـين: الإيـمان كله، ألـم تر إلـى قوله: إنّ فِـي ذلك لاَياتٍ لكُلّ صَبّـارٍ شَكُورٍ، إنّ فـي ذلكَ لاَياتٍ للْـمُوقِنـينَ إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ للْـمُؤْمِنـينَ. ٢١٤٤٢ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سفـيان، عن مغيرة، عن الشعبـيّ إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ لكُلّ صَبّـارٍ شَكُور قال: الصبر: نصف الإيـمان، والـيقـين: الإيـمان كله. إن قال قائل: وكيف خصّ هذه الدلالة بأنها دلالة للصبّـار الشّكور دون سائر الـخـلق؟ قـيـل: لأنّ الصبر والشكر من أفعال ذوي الـحجى والعقول، فأخبر أن فـي ذلك لاَيات لكلّ ذي عقل، لأن الاَيات جعلها اللّه عبرا لذوي العقول والتـميـيز. ٣٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مّوْجٌ كَالظّلَلِ دَعَوُاْ اللّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ ...}. يقول تعالـى ذكره: وإذا غشى هؤلاء الذين يدعون من دون اللّه الاَلهة والأوثان فـي البحر، إذا ركبوا فـي الفُلك، موج كالظّل، وهي جمع ظُلّة، شبّه بها الـموج فـي شدة سواد كثرة الـماء قال نابغة بنـي جعدة فـي صفة بحر: يُـماشِيهِنّ أخْضَرُ ذُو ظِلالٍعَلـى حافـاتِهِ فِلَق الدّنانِ وشبه الـموج وهو واحد بـالظلل، وهي جماع، لأن الـموج يأتـي شيء منه بعد شيء، ويركب بعضه بعضا كهيئة الظلل. و قوله: دَعَوُا اللّه مُخْـلِصِينَ لَهُ الدّينَ يقول تعالـى ذكره: وإذا غشى هؤلاء موج كالظلل، فخافوا الغرق، فزعوا إلـى اللّه بـالدعاء مخـلصين له الطاعة، لا يشركون به هنالك شيئا، ولا يدعون معه أحدا سواه، ولا يستغيثون بغيره. قوله: فَلَـمّا نَـجّاهُمْ إلـى البَرّ مـما كانوا يخافونه فـي البحر من الغرق والهلاك إلـى البرّ. فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ يقول: فمنهم مقتصد فـي قوله وإقراره بربه، وهو مع ذلك مضمر الكفر به. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٤٤٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ قال: الـمقتصد فـي القول وهو كافر. ٢١٤٤٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله فَمِنْهُمْ مُقْتَصدٌ قال: الـمقتصد الذي علـى صلاح من الأمر. و قوله: وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ يقول تعالـى ذكره: وما يكفر بأدلتنا وحججنا إلاّ كلّ غدّار بعهده، والـختر عند العرب: أقبح الغدر ومنه قول عمرو بن معدي كرب: وَإنّكَ لَوْ رأيْتَ أبـا عُمَيْرٍمَلأْتَ يَدَيْكَ مِنْ غَدْرٍ وَخَتْرِ و قوله: كَفُورٌ يعني : جحودا للنّعم، غير شاكر ما أسدى إلـيه من نعمة. وبنـحو الذي قلنا فـي معنى الـختار قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٤٤٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن لـيث، عن مـجاهد كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ قال: كلّ غدّار. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله كُلّ خَتّارٍ قال: غدّار. ٢١٤٤٦ـ حدثنـي يعقوب وابن وكيع، قالا: حدثنا ابن علـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، فـي قوله وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ قال: غدّار. ٢١٤٤٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ الـختار: الغدار، كلّ غدار بذمته كفور بربه. ٢١٤٤٨ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس قوله وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ قال: كلّ جحاد كفور. ٢١٤٤٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله وَما يَجْحَدُ بآياتِنا إلاّ كُلّ خَتّارٍ كَفُورٍ قال: الـختار: الغدّار، كما تقول: غدرنـي. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن مسعر، قال: سمعت قتادة قال: الذي يغدر بعهده. ٢١٤٥٠ـ قال: ثنا الـمـحاربـي، عن جُوَيبر، عن الضحاك ، قال: الغدّار. ٢١٤٥١ـ قال: ثنا أبـي: عن الأعمش، عن سمر بن عطية الكاهلـي، عن علـيّ رضي اللّه عنه قال: الـمكر غدر، والغدر كفر. ٣٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمْ وَاخْشَوْاْ يَوْماً لاّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ ...}.
يقول تعالـى ذكره: أيها الـمشركون من قريش، اتقوا اللّه ، وخافوا أن يحلّ بكم سخطه فـي يوم لا يغنى والد عن ولده، ولا مولود هو مغن عن والده شيئا، لأن الأمر يصير هنالك بـيد من لا يغالب، ولا تنفع عنده الشفـاعة والوسائل، إلاّ وسيـلة من صالـح الأعمال التـي أسلفها فـي الدنـيا. و قوله: إنّ وَعْدَ اللّه حَقّ يقول: اعلـموا أن مـجيء هذا الـيوم حقّ، وذلك أن اللّه قد وعد عبـاده ولا خـلف لوعده فَلا تَغُرّنّكُمُ الـحَياةُ الدّنْـيا يقول: فلا تـخدعنكم زينة الـحياة الدنـيا ولذّاتها، فتـميـلوا إلـيها، وتدعوا الاستعداد لـما فـيه خلاصكم من عقاب اللّه ذلك الـيوم. و قوله: وَلا يَغُرّنّكُمْ بـاللّه الغَرُورِ يقول: ولا يخدعنّكم بـاللّه خادع. والغَرور بفتـح الغين: هو ما غرّ الإنسان من شيء، كائنا ما كان شيطانا كان أو إنسانا، أو دنـيا وأما الغُرور بضمّ الغين: فهو مصدر من قول القائل: غررته غرورا. وبنـحو الذي قلنا فـي معنى قوله وَلا يَغُرّنّكُمْ بـاللّه الغَرُور قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٤٥٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله الغَرُور قال: الشيطان. ٢١٤٥٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله وَلا يَغُرّنكُمْ بِـاللّه الغَرُورُ ذاكم الشيطان. ٢١٤٥٤ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد الـمروزي، يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله الغَرُورُ قال: الشيطان. وكان بعضهم يتأوّل الغَرور بـما: ٢١٤٥٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جُبَـير، قوله: وَلا يَغُرّنّكُمْ بـاللّه الغَرُورُ قال: إن تعمل بـالـمعصية وتتـمنى الـمغفرة. ٣٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ اللّه عِندَهُ عِلْمُ السّاعَةِ وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ ...}. يقول تعالـى ذكره: يا أيّها النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمْ، وَاخْشَوْا يَوْما لا يَجْزِي وَالدٌ عَنْ وَلَدِهِ، وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئا هو آتـيكم علـم إتـيانه إياكم عند ربكم، لا يعلـم أحد متـى هو جائيكم، لا يأتـيكم إلاّ بغتة، فـاتقوه أن يفجأكم بغتة، وأنتـم علـى ضلالتكم لـم تنـيبوا منها، فتصيروا من عذاب اللّه وعقابه إلـى ما لا قِبل لكم به وابتدأ تعالـى ذكره الـخبر عن علـمه بـمـجيء الساعة. والـمعنى: ما ذكرت لدلالة الكلام علـى الـمراد منه، فقال: إنّ اللّه عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ التـي تقوم فـيها القـيامة، لا يعلـم ذلك أحد غيره وينزّلُ الغَيْثَ من السماء، لا يقدر علـى ذلك أحد غيره وَيَعْلَـمُ ما فـي الأرْحامِ أرحام الإناث وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدا يقول: وما تعلـم نفس حيّ ماذا تعمل فـي غد، وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْض تَـمُوتُ يقول: وما تعلـم نفس حيّ بأيّ أرض تكون منـيتها إنّ اللّه عَلِـيـمٌ خَبِـيرٌ يقول: إن الذي يعلـم ذلك كله، هو اللّه دون كلّ أحد سواه، إنه ذو علـم بكلّ شيء، لا يخفـى علـيه شيء، خبـير بـما هو كائن، وما قد كان. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢١٤٥٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد إنّ اللّه عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ قال: جاء رجل قال قال أبو جعفر: أحسبه أنا، قال إلـى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: إنّ امرأتـي حُبلـى، فأخبرنـي ماذا تلد؟ وبلادنا مـحل جدبة، فأخبرنـي متـى ينزل الغيث؟ وقد علـمت متـى وَلدت، فأخبرنـي متـى أموت، فأنزل اللّه : إنّ اللّه عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ، وَيُنَزّلُ الغَيْثَ... إلـى آخر السورة، قال: فكان مـجاهد يقول: هنّ مفـاتـح الغيب التـي قال اللّه وَعِنْدَهُ مَفـاتِـحُ الغَيْبِ لا يَعْلَـمُها إلاّ هُوَ. ٢١٤٥٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إنّ اللّه عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ... الاَية، أشياء من الغيب، استأثر اللّه بهنّ، فلـم يطلع علـيهنّ ملَكا مقرّبـا، ولا نبـيا مرسلاً إنّ اللّه عِندَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ فلا يدري أحد من الناس متـى تقوم الساعة، فـي أيّ سنة، أو فـي أيّ شهر، أو لـيـل، أو نهار ويُنزّلُ الغَيْثَ فلا يعلـم أحد متـى ينزل الغيث، لـيلاً أو نهارا ينزل؟ وَيَعْلَـمُ ما فِـي الأرْحامِ فلا يعلـم أحد ما فِـي الأرحام، أذكر أو أنثى، أحمر أو أسود، أو ما هو؟ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدا خير أم شرّ، ولا تدري يا ابن آدم متـى تـموت؟ لعلك الـميت غدا، لعلك الـمصاب غدا وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْضٍ تَـمُوتُ لـيس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض فـي بحر أو برّ أو سهل أو جبل، تعالـى وتبـارك. ٢١٤٥٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبـيّ، قال: قالت عائشة: من قال: إن أحدا يعلـم الغيب إلاّ اللّه فقد كذب، وأعظمَ الفريةَ علـى اللّه . قال اللّه : لاَ يَعْلَـمُ مَنْ فِـي السّمَوَاتِ وَالأرْضِ الْغَيْبَ إلاّ اللّه . ٢١٤٥٩ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن يونس بن عبـيد، عن عمرو بن شُعيب أن رجلاً قال: يا رسول اللّه ، هل من العلـم علـم لـم تؤته؟ قال: (لَقَدْ أُوتِـيتُ عِلْـما كَثِـيرا، وَعِلْـما حَسَنا) ، أو كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ثم تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الاَية: إنّ اللّه عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ وَيُنَزّلُ الغَيْثَ... إلـى إنّ اللّه عَلِـيـمٌ خَبِـيرٌ (لا يَعْلَـمُهُنّ إلاّ اللّه تَبـارَكَ وَتَعالـى) . ٢١٤٦٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنـي عمرو بن مـحمد، عن أبـيه، عن عبد اللّه بن عمرو أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (مَفـاتِـحُ الغَيْبِ خَمْسَةٌ، ثم قرأ هؤلاء الاَيات إنّ اللّه عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ... إلـى آخرها) . ٢١٤٦١ـ حدثنـي علـيّ بن سهل، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفـيان، عن عبد اللّه بن دينار، أنه سمع ابن عمر يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (مَفـاتِـحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَـمُهُنّ إلاّ اللّه ، إنّ اللّه عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ، ويُنزّلُ الغَيْثَ، ويَعْلَـمُ ما فِـي الأرْحامِ... الاَية، ثم قال: لا يَعْلَـمُ ما فِـي غَد إلاّ اللّه ، وَلا يَعْلَـمُ أحَدٌ مَتـى يَنْزِلُ الغَيْثَ إلاّ اللّه ، وَلا يَعْلَـمُ أحَدٌ مَتـى قِـيامُ السّاعَةِ إلاّ اللّه ، وَلا يَعْلَـمُ أحَدٌ ما فِـي الأرْحامِ إلاّ اللّه ، وَلا تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْض تَـمُوتُ.) حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن عبد اللّه بن دينار، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (مَفـاتِـحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لا يَعْلَـمُها إلاّ اللّه : إنّ اللّه عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ، ويُنَزّلُ الغَيْثَ، وَيَعْلَـمُ ما فِـي الأرْحامِ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدا، وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْضٍ تَـمُوتُ، إنّ اللّه عَلِـيـمٌ خَبِـيرٌ) . ٢١٤٦٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: ثنـي أبـي، عن مسعر، عن عمرو بن مرّة، عن عبد اللّه بن سلـمة، عن ابن مسعود قال: كلّ شيء أوتـيه نبـيكم صلى اللّه عليه وسلم ، إلاّ علـم الغيب الـخمس: إنّ اللّه عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ، ويُنَزّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَـمُ ما فـي الأرْحامِ، وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسِبُ غَدا، وَما تَدْرِي نَفْسٌ بأيّ أرْضٍ تَـمُوتُ. ٢١٤٦٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن ابن أبـي خالد، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة، قالت: من حدّثك أنه يعلـم ما فـي غد فقد كذب، ثم قرأت: وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذَا تَكْسبُ غَدا. ٢١٤٦٤ـ قال: ثنا جرير وابن علـية، عن أبـي خبـاب، عن أبـي زُرعة، عن أبـي هريرة، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (خَمْسٌ لا يَعْلَـمُهُنّ إلاّ اللّه : إنّ اللّه عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ، ويُنَزّلُ الغَيْثَ... الاَية) . حدثنـي أبو شُرَحبـيـل، قال: حدثنا أبو الـيـمان، قال: حدثنا إسماعيـل، عن جعفر، عن عمرو بن مرّة، عن عبد اللّه بن سلـمة، عن ابن مسعود، قال: كلّ شيء قد أوتـي نبـيكم غير مفـاتـح الغيب الـخمس، ثم قرأ هذه الاَية إنّ اللّه عِنْدَهُ عِلْـمُ السّاعَةِ... إلـى آخرها. و قـيـل: بأيّ أرض تـموت. وفـيه لغة أخرى: (بأيّةِ أرْضٍ) فمن قال: بأيّ أرْضٍ اجتزأ بتأنـيث الأرض من أن يظهر فـي أيّ تأنـيث آخر، ومن قال (بأيّة أرْضٍ) فأنث، أي قال: قد تـجتزىء بأي مـما أضيف إلـيه، فلا بدّ من التأنـيث، كقول القائل: مررت بـامرأة، فـيقال له: بأية، ومررت برجل، فـيقال له بأيّ ويقال: أيّ امرأة جاءتك وجاءك، وأية امرأة جاءتك. |
﴿ ٠ ﴾