تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآنللإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبريإمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)_________________________________سورة فاطرمكية وآياتها خمسٌ وأربعون بسم اللّه الرحمَن الرحيـم ١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الْحَمْدُ للّه فَاطِرِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ...}. يقول تعالـى ذكره: الشكر الكامل للـمعبود الذي لا تصلـح العبـادة إلا له، ولا ينبغي أن تكون لغيره خالق السموات السبع والأرض، جاعِلِ الـمَلائِكَةِ رُسُلاً إلـى من يشاء من عبـاده، وفـيـما شاء من أمره ونهيه أُولـي أجْنِـحَةٍ مّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبـاعَ يقول: أصحاب أجنـحة: يعني ملائكة، فمنهم من له اثنان من الأجنـحة، ومنهم من له ثلاثة أجنـحة، ومنهم من له أربعة، كما: ٢٢١٠٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة أُولـي أجْنِـحَةٍ مّثْنَى وَثُلاثَ وَرُبـاعَ قال بعضهم: له جناحان، وبعضهم: ثلاثة، وبعضهم أربعة. واختلف أهل العربـية فـي علة ترك إجراء مَثْنَى وثلاث وربـاع، وهي ترجمة عن أجنـحة، وأجنـحة نكرة، فقال بعض نـحويـيّ البصرة. تُرك إجراؤهنّ لأنهنّ مصروفـات عن وجوههنّ، وذلك أن مثنى مصروف عن اثنـين، وثلاث عن ثلاثة، ورُبـاع عن أربعة، فصرف نظيرُ عمَرَ، وزُفَرَ، إذ صُرِف هذا عن عامر إلـى عمر، وهذا عن زافر إلـى زُفر، وأنشد بعضهم فـي ذلك: وَلَقَدْ قَتَلْتُكُمُ ثُناءَ وَمَوْحَدَاوترَكْتُ مَرّةَ مِثْلَ أمْسِ الـمُدْبِرِ وقال آخر منهم: لـم يصرف ذلك لأنه يوهم به الثلاثة والأربعة، قال: وهذا لا يستعمل إلا فـي حال العدد. وقال بعض نـحويـيّ الكوفة: هنّ مصروفـات عن الـمعارف، لأن الألف واللام لا تدخـلها، والإضافة لا تدخـلها قال: ولو دخـلتها الإضافة والألف واللام لكانت نكرة، وهي ترجمة عن النكرة قال: وكذلك ما كان فـي القرآن، مثل: أنْ تَقُومُوا للّه مَثْنَى وَفُرَادَى، وكذلك وُحاد وأحاد، وما أشبهه من مصروف العدد. و قوله: يَزِيدُ فِـي الـخَـلْقِ ما يَشاءُ وذلك زيادته تبـارك وتعالـى فـي خـلق هذا الـملك من الأجنـحة علـى الاَخر ما يشاء، ونقصانه عن الاَخر ما أحبّ، وكذلك ذلك فـي جميع خـلقه يزيد ما يشاء فـي خـلق ما شاء منه، وينقص ما شاء من خـلق ما شاء، له الـخـلق والأمر، وله القدرة والسلطان إنّ اللّه علـى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يقول: إن اللّه تعالـى ذكره قدير علـى زيادة ما شاء من ذلك فـيـما شاء، ونقصان ما شاء منه مـمن شاء، وغير ذلك من الأشياء كلها، لا يـمتنع علـيه فعل شيء أراده سبحانه وتعالـى. ٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مّا يَفْتَحِ اللّه لِلنّاسِ مِن رّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }. يقول تعالـى ذكره: مفـاتـيح الـخير ومغالقه كلها بـيده فما يفتـح اللّه للناس من خير فلا مُغلق له، ولا مـمسك عنهم، لأن ذلك أمره لا يستطيع أمره أحد، وكذلك ما يغلق من خير عنهم فلا يبسطه علـيهم، ولا يفتـحه لهم، فلا فـاتـح له سواه، لأن الأمور كلها إلـيه وله. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٠١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ما يَفْتَـحِ اللّه للنّاس مِنْ رَحْمَةٍ: أي من خير فَلا مُـمْسِكَ لَهَا فلا يستطيع أحد حبسها وَما يُـمْسِكْ فَلا مُرْسِلُ لَهُ مِنْ بَعْدهِ. وقال تعالـى ذكره: فَلا مُـمْسِكَ لَهَا فأنث ما لذكر الرحمة من بعده، وقال: وَما يُـمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ فذكر للفظ (ما) لأن لفظه لفظ مذكر، ولو أنّث فـي موضع التذكير للـمعنى، وذكر فـي موضع التأنـيث للفظ جاز، ولكنّ الأفصح من الكلام التأنـيث إذا ظهر بعد ما يدلّ علـى تأنـيثها والتذكير إذا لـم يظهر ذلك. و قوله: وَهُوَ العَزِيزُ الـحَكِيـمُ يقول: وهو العزيز فـي نِقمته مـمن انتقم منه من خـلقه بحبس رحمته عنه وخيراته، الـحكيـم فـي تدبـير خـلقه، وفتـحه لهم الرحمة إذا كان فتـح ذلك صلاحا، وإمساكه إياه عنهم إذا كان إمساكه حكمة. ٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا النّاسُ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّه عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللّه يَرْزُقُكُمْ مّنَ السّمَآءِ وَالأرْضِ لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ فَأَنّىَ تُؤْفَكُونَ }. يقول تعالـى ذكره للـمشركين به من قوم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من قُرَيش: يَا أيّهَا الناسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّه التـي أنعمها عَلَـيْكُم بفتـحه لكم من خيراته ما فتـح وبَسْطِه لكم من العيش ما بسط وفكّروا فـانظروا هل من خالق سوى فـاطر السموات والأرض الذي بـيده مفـاتـيح أرزاقكم ومغالقها يَرْزُقُكُم مِنَ السّمَاءِ وَالأَرْضِ فتعبدوه دونه لا إلَهَ إلاّ هُوَ يقول: لا معبود تنبغي له العبـادة إلا الذي فطر السموات والأرض، القادر علـى كلّ شيء، الذي بـيده مفـاتـح الأشياء وخزائنها، ومغالق ذلك كله، فلا تعبدوا أيها الناس شيئا سواه، فإنه لا يقدر علـى نفعكم وضرّكم سواه، فله فأخـلصوا العبـادة، وإياه فأفردوا بـالألوهة فَأنّى تُؤْفَكُونَ يقول: فأيّ وجه عن خالقكم ورازقكم الذي بـيده نفعكم وضرّكم تصرفون، كما: ٢٢١٠٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فأنّى تُؤْفَكُونَ يقول الرجل: إنه لـيوفك عنى كذا وكذا. وقد بـيّنت معنى الإفك، وتأويـل قوله: تُؤْفَكُونَ فـيـما مضى بشواهده الـمغنـية عن تكريره. ٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِن يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ وَإِلَى اللّه تُرْجَعُ الاُمُورُ }. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : وإن يكذّبك يا مـحمد هؤلاء الـمشركون بـاللّه من قومك فلا يحزننك ذاك، ولا يعظم علـيك، فإن ذلك سنة أمثالهم من كفرة الأمـم بـاللّه ، من قبلهم، وتكذيبهم رسل اللّه التـي أرسلها إلـيهم من قبلك، ولن يعدو مشركو قومك أن يكونوا مثلهم، فـيتبعوا فـي تكذيبك منهاجهم، ويسلكوا سبـيـلهم وَإلـى اللّه تُرْجَعُ الأُمُورُ يقول تعالـى ذكره: وإلـى اللّه مرجع أمرك وأمرهم، فمـحلّ بهم العقوبة، إن هم لـم ينـيبوا إلـى طاعتنا فـي اتبـاعك، والإقرار بنبوّتك، وقبول ما دعوتهم إلـيه من النصيحة، نظير ما أحللنا بنظرائهم من الأمـم الـمكذّبة رسلها قبلك، ومنـجّيك وأتبـاعك من ذلك، سنتنا بـمن قبلك فـي رسلنا وأولـيائنا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٠٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَإنْ يُكَذّبوكَ فَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ يعزّي نبـيه كما تسمعون. ٥و قوله: يا أيها النّاسُ إنّ وَعْدَ اللّه حَقّ يقول تعالـى ذكره لـمشركي قريش، الـمكذّبـي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يا أيها الناس إن وعد اللّه إياكم بأسه علـى إصراركم علـى الكفر به، وتكذيب رسوله مـحمد صلى اللّه عليه وسلم ، وتـحذيركم، وتـحذيركم نزول سطوته بكم علـى ذلك حقّ، فأيقنوا بذلك، وبـادروا حلول عقوبتكم بـالتوبة والإنابة إلـى طاعة اللّه والإيـمان به وبرسوله فَلا تَغُرّنّكُمْ الـحَياةُ الدّنْـيا يقول: فلا يغرّنكم ما أنتـم فـيه من العيش فـي هذه الدنـيا ورياستكم التـي تترأسون بها فـي ضعفـائكم فـيها عن اتبـاع مـحمد والإيـمان وَلا يَغُرّنّكُمْ بـاللّه الغَرُورُ يقول: ولا يخدعنكم بـاللّه الشيطان، فـيـمنـيكم الأمانـيّ، ويعدكم من اللّه العدات الكاذبة، ويحملكم علـى الإصرار علـى كفركم بـاللّه ، كما: ٢٢١٠٤ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، فـي قوله: وَلا يَغُرّنّكُمْ بـاللّه الغَرُورُ يقول: الشيطان. ٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ الشّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّ فَاتّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُواْ مِنْ أَصْحَابِ السّعِيرِ }. يقول تعالـى ذكره: إنّ الشّيْطانَ الذي نهيتكم أيها الناس أن تغترّوا بغروره إياكم بـاللّه لَكُمْ عَدُوّ فـاتّـخِذُوهُ عَدُوّا يقول: فأنزلوه من أنفسكم منزل العدوّ منكم، واحذروه بطاعة اللّه واستغشاشكم إياه، خذركم من عدوّكم الذي تـخافون غائلته علـى أنفسكم، فلا تطيعوه ولا تتّبعوا خطواته، فإنه إنـما يدعو حزبه، يعني شيعته، ومن أطاعه إلـى طاعته والقبول منه، والكفر بـاللّه لِـيَكُونُوا منْ أصحَابِ السّعِيرِ يقول: لـيكونوا من الـمخـلدين فـي نار جهنـم التـي تتوقد علـى أهلها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٠٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إنّ الشّيْطانَ لَكُمْ عَدُوّ فـاتّـخِذُوهُ عَدُوّا فإنه لـحقّ علـى كلّ مسلـم عدواته، وعدواته أن يعاديه بطاعة اللّه إنـمَا يَدْعُو حِزْبَهُ وحزبه: أولـياؤه لِـيَكُونُوا مِنْ أصحَابِ السّعِيرِ: أي لـيسوقهم إلـى النار، فهذه عداوته. ٢٢١٠٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: إنّـمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِـيَكونُوا مِنْ أصحَابِ السّعِيرِ وقال: هؤلاء حزبه من الإنس، يقول: أولئك حزب الشيطان، والـحزب: ولاته الذين يتولاهم ويتولونه، وقرأ: إنّ وَلِـيّـيَ اللّه الّذِي نَزّلَ الكِتابَ وَهوَ يَتَوَلّـى الصّالِـحِينَ. ٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ لَهُم مّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }. يقول تعالـى ذكره: الّذِينَ كَفَروا بـاللّه ورسوله لَهُمْ عَذَابٌ من اللّه شَدِيدٌ، وذلك عذاب النار. و قوله: وَالّذِينَ آمَنُوا يقول: والذين صدّقوا اللّه ورسوله، وعملوا بـما أمرهم اللّه ، وانتهوا عما نهاهم عنه لَهُمْ مَغْفِرَةٌ من اللّه لذنوبهم وأجْرٌ كَبِـيرٌ وذلك الـجنة، كما: ٢٢١٠٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وأجْرٌ كَبِـيرٌ وهي الـجنة. ٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوَءَ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنّ اللّه يُضِلّ مَن يَشَآءُ ...}. يقول تعالـى ذكره: أفمن حسّن له الشيطان أعماله السيئة من معاصي اللّه والكفر به، وعبـادة ما دونه من الاَلهة والأوثان، فرآه حسنا، فحسب سيىء ذلك حسنا، وظنّ أن قُبحه جميـل، لتزيـين الشيطان ذلك له، ذهبت نفسك علـيهم حسرات وحذف من الكلام: ذهبت نفسك علـيهم حسرات، اكتفـاء بدلالة قوله: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَـيْهِمْ حَسَرَاتٍ منه. و قوله: فإنّ اللّه يُضِلّ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ يقول: فإن اللّه يخذل من يشاء عن الإيـمان به واتبـاعك وتصديقك، فـيضله عن الرشاد إلـى الـحقّ فـي ذلك، ويهدي من يشاء يقول: ويوفّق من يشاء للإيـمان به واتبـاعك، والقبول منك، فتهديه إلـى سبـيـل الرشاد فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَـيْهِمْ حَسَراتٍ يقول: فلا تُهلك نفسك حزنا علـى ضلالتهم وكفرهم بـاللّه ، وتكذيبهم لك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٠٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة أفمَنْ زُيّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرآهُ حَسَنا فإنّ اللّه يُضِلّ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ قال قتادة والـحسن: الشيطان زين لهم فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَـيْهِمْ حَسَرَاتٍ: أي لا يُحزنك ذلك علـيهم، فإن اللّه يضلّ من يشاء، ويهدي من يشاء. ٢٢١٠٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قول اللّه : فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَـيْهِمْ حَسَراتٍ قال: الـحسرات: الـحزن، وقرأ قول اللّه : يا حَسْرَتا علـى ما فَرّطْتُ فِـي جَنْبِ اللّه . ووقع قوله: فإنّ اللّه يُضِلّ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ موضع الـجواب، وإنـما هو منبع الـجواب، لأن الـجواب هو الـمتروك الذي ذكرت، فـاكتفـى به من الـجواب لدلالته علـى الـجواب ومعنى الكلام. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَـيْهِمْ حَسَراتٍ فقرأته قرّاء الأمصار سوى أبـي جعفر الـمدنـي فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ بفتـح التاء من تَذهَبْ، ونفسك برفعها. وقرأ ذلك أبو جعفر: (فَلا تُذْهِبْ) بضم التاء من تَذْهَبْ، ونفسَك بنصبها، بـمعنى: لا تذهب أنت يا مـحمد نفسك. والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا ما علـيه قرّاء الأمصار، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه. و قوله: إنّ اللّه عَلِـيـمٌ بِـمَا يَصْنَعُونَ يقول تعالـى ذكره: إن اللّه يا مـحمد ذو علـم بـما يصنع هؤلاء الذين زيّن لهم الشيطان سوء أعمالهم، وهو مـحصيه علـيهم، ومـجازيهم به جزاءهم. ٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاللّه الّذِيَ أَرْسَلَ الرّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَىَ بَلَدٍ مّيّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النّشُورُ }. يقول تعالـى ذكره: واللّه الذي أرسل الرياح فتثـير السحاب للـحَيا والغيث فَسقْناهُ إلـى بَلَدٍ مَيّتٍ يقول: فسقناه إلـى بلد مـجدب الأهل، مـحل الأرض، داثر لا نبت فـيه ولا زرع فَأحْيَـيْنا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها يقول: فأخصبنا بغيث ذلك السحاب الأرض التـي سقناه إلـيها بعد جدوبها، وأنبتنا فـيها الزرع بعد الـمـحل كَذلكَ النّشُورُ يقول تعالـى ذكره: هكذا يُنْشِر اللّه الـموتـى بعد بلائهم فـي قبورهم، فـيحيـيهم بعد فنائهم، كما أحيـينا هذه الأرض بـالغيث بعد مـماتها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٢١١٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن سلـمة بن كهيـل، قال: حدثنا أبو الزعراء، عن عبد اللّه ، قال: يكون بـين النفختـين ما شاء اللّه أن يكون، فلـيس من بنـي آدم إلاّ وفـي الأرض منه شيء. قال: فـيرسل اللّه ماء من تـحت العرش منـيّا كمنـيّ الرجل، فتنبت أجسادهم ولـحمانهم من ذلك، كما تنبت الأرض من الثرى، ثم قرأ: وَاللّه الّذِي أرْسَلَ الرّياحَ فَتُثـيرُ سَحَابـا فَسقْناهُ إلـى بَلَدٍ مَيّتْ... إلـى قوله: كَذلكَ النُشُورُ قال: ثم يقوم ملَك بـالصور بـين السماء والأرض، فـينفخ فـيه، فتنطلق كلّ نفس إلـى جسدها، فتدخـل فـيه. ٢٢١١١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَاللّه الّذِي أرْسَلَ الرّياحَ فَتُثـيرُ سحَابـا قال: يرسل الرياح فتسوق السحاب، فأحيا اللّه به هذه الأرض الـميتة بهذا الـماء، فكذلك يبعثه يوم القـيامة. ١٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزّةَ فَللّه الْعِزّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ ...}. اختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ العِزّةَ فَللّه العِزّةُ جَمِيعا فقال بعضهم: معنى ذلك: من كان يريد العزّة بعبـادة الاَلهة والأوثان، فإن العزة للّه جميعا. ذكر من قال ذلك: ٢٢١١٢ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه : مَنْ كانَ يُرِيدُ العِزّةَ يقول: من كان يريد العزّة بعبـادته الاَلهة فإنّ العِزّةَ للّه جَمِيعا. وقال آخرون: معنى ذلك: من كان يريد العزة فلـيتعزّز بطاعة اللّه . ذكر من قال ذلك: ٢٢١١٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ العِزّةَ فَللّه العِزّةُ جَمِيعا يقول: فلـيتعزّز بطاعة اللّه . وقال آخرون: بل معنى ذلك: من كان يريد علـم العزّة لـمن هي، فإنه للّه جميعا كلها: أي كلّ وجه من العزّة فللّه. والذي هو أولـى الأقوال بـالصواب عندي قول من قال: من كان يريد العزّة، فبـاللّه فلـيتعزّز، فللّه العزّة جميعا، دون كلّ ما دونه من الاَلهة والأوثان. وإنـما قلت: ذلك أولـى بـالصواب، لأن الاَيات التـي قبل هذه الاَية، جرت بتقريع اللّه الـمشركين علـى عبـادتهم الأوثان، وتوبـيخه إياهم، ووعيده لهم علـيها، فأولـى بهذه أيضا أن تكون من جنس الـحث علـى فراق ذلك، فكانت قصتها شبـيهة بقصتها، وكانت فـي سياقها. و قوله: إلَـيْه يَصْعَدُ الكَلِـمُ الطّيّب يقول تعالـى ذكره: إلـى اللّه يصعد ذكر العبد إياه وثناؤه علـيه والعَمَلُ الصّالِـحُ يَرْفَعُهُ يقول: ويرفع ذكر العبد ربه إلـيه عمله الصالـح، وهو العمل بطاعته، وأداء فرائضه، والانتهاء إلـى ما أمر به. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٢١١٤ـ حدثنـي مـحمد بن إسماعيـل الأحمسي، قال: أخبرنـي جعفر بن عون، عن عبد الرحمن بن عبد اللّه الـمسعودي، عن عبد اللّه بن الـمخارق، عن أبـيه الـمخارق بن سلـيـم، قال: قال لنا عبد اللّه : إذا حدّثناكم بحديث أتـيناكم بتصديق ذلك من كتاب اللّه . إن العبد الـمسلـم إذا قال: سبحان اللّه وبحمده، الـحمد للّه لا إله إلاّ اللّه ، واللّه أكبر، تبـارك اللّه ، أخذهنّ ملك، فجعلهنّ تـحت جناحيه، ثم صعد بهنّ إلـى السماء، فلا يـمرّ بهنّ علـى جمع من الـملائكة إلاّ استغفروا لقائلهنّ حتـى يحيـي بهنّ وجه الرحمن، ثم قرأ عبد اللّه : إلَـيْهِ يَصْعَدُ الكَلِـمُ الطّيّبِ والعَمَلُ الصّالِـحُ يَرْفَعُهُ. ٢٢١١٥ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، قال: أخبرنا سعيد الـجريري، عن عبد اللّه بن شقـيق، قال: قال كعب: إن لسبحان اللّه ، والـحمد للّه، ولا إله إلاّ اللّه ، واللّه أكبر، لدويا حول العرش كدويّ النـحل، يذكرن بصاحبهنّ، والعمل الصالـح فـي الـخزائن. ٢٢١١٦ـ حدثنـي يونس، قال: حدثنا سفـيان، عن لـيث بن أبـي سلـيـم، عن شهر بن حوشب الأشعري، قوله: إِلـيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِـمُ الطّيّبُ وَالْعَمَلُ الصّالِـحُ يَرْفَعُهُ قال: العمل الصالـح يرفع الكلـم الطيب. ٢٢١١٧ـ حدثنـي علـيّ، حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: إلَـيْهِ يَصْعَدُ الكَلِـمُ الطّيّبُ والعَمَلُ الصّالِـحُ يَرْفَعُهُ قال: الكلام الطيب: ذكر اللّه ، والعمل الصالـح: أداء فرائضه فمن ذَكَر اللّه سبحانه فـي أداء فرائضه، حُمِل علـيه ذكر اللّه فصعد به إلـى اللّه ، ومن ذكر اللّه ، ولـم يؤدّ فرائضه، رُدّ كلامه علـى عمله، فكان أولـى به. ٢٢١١٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: إلَـيْهِ يَصْعَدُ الكَلِـمُ الطّيّبُ وَالعَمَلُ الصّالِـحُ يَرْفَعُهُ قال: العمل الصالـح يرفع الكلام الطيب. ٢٢١١٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد عن قتادة قوله: إلَـيْهِ يَصْعَدُ الكَلِـمُ الطّيّبُ والعَمَلُ الصّالِـحُ يَرْفَعُهُ قال: قال الـحسن وقتادة : لا يقبل اللّه قولاً إلاّ بعمل، من قال وأحسن العمل قبل اللّه منه. و قوله: وَالّذِينَ يَـمْكُرُونَ السّيّئاتِ يقول تعالـى ذكره: والذين يكسبون السيئات لهم عذاب جهنـم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٢٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: ثنـي سعيد، عن قتادة ، قوله: وَالّذِينَ يَـمْكُرُونَ السّيّئاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ قال: هؤلاء أهل الشرك. و قوله: وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ يقول: وعمل هؤلاء الـمشركين يَبور، فـيبطُل فـيذهب، لأنه لـم يكن للّه، فلـم ينفع عامله. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٢١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ: أي يفسد. ٢٢١٢٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا سفـيان، عن لـيث بن أبـي سلـيـم، عن شهر بن حوشب وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ قال: هم أصحاب الرياء. حدثنـي مـحمد بن عمارة، قال: حدثنا سهل بن أبـي عامر، قال: حدثنا جعفر الأحمر، عن شهر بن حوشب، فـي قوله وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ قال: هم أصحاب الرياء. ٢٢١٢٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ قال: بـار فلـم ينفعهم، ولـم ينتفعوا به، وضرّهم. ١١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاللّه خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ ثُمّ مِن نّطْفَةٍ ثُمّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً ... }. يقول تعالـى ذكره: وَاللّه خَـلَقَكُمْ أيها الناس مِنْ تُرابٍ يعني بذلك أنه خـلق أبـاهم آدم من تراب، فجعل خـلق أبـيهم منه لهم خـلقا ثُمّ مِنْ نُطْفَةٍ يقول: ثم خـلقكم من نطفة الرجل والـمرأة ثُمّ جَعَلَكُمْ أزْوَاجا يعني أنه زوّج منهم الأنثى من الذكر. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٢٤ـ حدثنـي بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَاللّه خَـلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ يعني آدم ثُمّ مِنْ نُطْفَةٍ يعني ذرّيته ثُمّ جَعَلَكُمْ أزْوَاجا فزوّج بعضكم بعضا. و قوله: وَما تَـحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إلاّ بعِلْـمِهِ يقول تعالـى ذكره: وما تـحمل من أنثى منكم أيها الناس من حمل ولا نطفة إلاّ وهو عالـم بحملها إياه ووضعها، وما هو؟ ذكر أو أنثى؟ لا يخفـى علـيه شيء من ذلك. و قوله: وَما يُعَمّرُ مِنْ مُعَمّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إلاّ فِـي كِتابٍ اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: معناه: وما يعمر من معمر فـيطول عمره، ولا ينقص من عمر آخر غيره عن عمر هذا الذي عمّر عمرا طويلاً إلاّ فِـي كِتابٍ عنده مكتوب قبل أن تـحمل به أمه، وقبل أن تضعه، قد أحصى ذلك كله وعلـمه قبل أن يخـلقه، لا يُزاد فـيـما كتب له ولا ينقص. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٢٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَما يُعَمّرُ مِنْ مُعَمّرٍ... إلـى يَسِيرٌ يقول: لـيس أحد قضيت له طول العمر والـحياة إلاّ وهو بـالِغ ما قدّرت له من العمر، وقد قضيت ذلك له، وإنـما ينتهي إلـى الكتاب الذي قدّرت له، لا يزاد علـيه ولـيس أحد قضيت له أنه قصير العمر والـحياة ببـالغ العمر، ولكن ينتهي إلـى الكتاب الذي قدّرت له لا يزاد علـيه، فذلك قوله: وَلا يُنْقَصُ مِنْ عمُرِهِ إلاّ فِـي كِتابٍ يقول: كلّ ذلك فـي كتاب عنده. ٢٢١٢٦ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: من قضيت له أن يعمر حتـى يُدركه الكبر، أو يعمر أنقص من ذلك، فكلّ بـالغ أجله الذي قد قضى له، كلّ ذلك فـي كتاب. ٢٢١٢٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَما يُعَمّرُ مِنْ مُعَمّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إلاّ فِـي كِتابٍ قال: ألا ترى الناس: الإنسانُ يعيش مئة سنة، وآخرُ يـموت حين يولد؟ فهذا هذا. فـالهاء التـي فـي قوله وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ علـى هذا التأويـل وإن كانت فـي الظاهر أنها كناية عن اسم الـمْعَمّر الأوّل، فهي كناية اسم آخر غيره، وإنـما حسُن ذلك لأن صاحبها لو أظهر لظهر بلفظ الأوّل، وذلك كقولهم: عندي ثوب ونصفه، والـمعنى: ونصف الاَخر. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما يُعمّر من معمّر ولا ينقص من عمره بفناء ما فنـي من أيام حياته، فذلك هو نقصان عمره. والهاء علـى هذا التأويـل للـمُعَمّر الأوّل، لأن معنى الكلام: ما يطوّل عمر أحد، ولا يذهب من عمره شيء، فـيُنْقَص إلاّ وهو فـي كتاب عبد اللّه مكتوب قد أحصاه وعلـمه. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٢٨ـ حدثنـي أبو حصين عبد اللّه بن أحمد بن يونس، قال: حدثنا عبثر، قال: حدثنا حصين، عن أبـي مالك فـي هذه الاَية: وَما يُعَمّرُ مِنْ مُعَمّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إلاّ فِـي كِتابٍ قال: ما يقضي كم أيامه التـي عددت له إلاّ فـي كتاب. وأولـى التأويـلـين فـي ذلك عندي الصواب، التأويـل الأوّل وذلك أن ذلك هو أظهر معنـيـيه، وأشبههما بظاهر التنزيـل. و قوله: إنّ ذلكَ علـى اللّه يَسيرٌ: يقول تعالـى ذكره: إن إحصاء أعمار خـلقه علـيه يسير سهل، طويـلُ ذلك وقصيره، لا يتعذّر علـيه شيء منه. ١٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَـَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ ...}. يقول تعالـى ذكره: وما يعتدل البحران فـيستويان، أحدهما عَذْب فُرات والفرات: هو أعذب العذب، وهذا مِلْـحٌ أُجَاجٌ يقول: والاَخر منهما ملـح أجاج، وذلك هو ماء البحر الأخضر والأُجاج: الـمرّ، وهو أشدّ الـمياه مُلوحة، كما: ٢٢١٢٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَهَذَا مِلْـحٌ أُجاجٌ والأُجاج: الـمرّ. و قوله: وَمِنْ كُلَ تَأْكُلُونَ لَـحْما طَرِيّا يقول: ومن كلّ البحار تأكلون لـحما طَرِيا، وذلك السمك من عذبهما الفرات، وملـحهما الأجاج وتَسْتَـخْرِجُونَ حِلْـيَةً تَلْبَسُونَها يعني : الدرّ والـمرجان تستـخرجونها من الـملـح الأجاج. وقد بـيّنا قبل وجه تَسْتَـخْرِجُونَ حِلْـيَةً، وإنـما يستـخرج من الـملـح فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته وَتَرَى الفُلْكَ فِـيهِ مَوَاخِرَ يقول تعالـى ذكره: وترى السفن فـي كل تلك البحار مواخر، تـمخُر الـماء بصدورها، وذلك خرقها إياه إذا مرّت واحدتها ماخرة. يقال منه: مَخَرت تـمخُر، وتـمخَر مَخْرا، وذلك إذا اشقّت الـماء بصدورها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٣٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَمِنْ كُلّ تَأكُلُونَ لَـحْما طَرِيّا: أي منهما جميعا وتَسْتَـخْرِجونَ حِلْـيَةً تَلْبَسُونَها هذا اللؤلؤ، وترى الفُلك فـيه مواخر: فـيه السفن مُقبلةً ومدبرة بريح واحدة. ٢٢١٣١ـ حدثنا علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: وَتَرَى الفُلْكَ فِـيه مَوَاخِرَ يقول: جَوارِي. و قوله: لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ يقول: لتطلبوا بركوبكم فـي هذه البحار فـي الفلك من معايشكم، ولتتصرّفوا فـيها فـي تـجاراتكم، وتشكروا اللّه علـى تسخيره ذلك لكم، وما رزقكم منه من طيبـات الرزق، وفـاخر الـحلـيّ. ١٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يُولِجُ الْلّيْلَ فِي النّهَارِ وَيُولِجُ النّهَارَ فِي الْلّيْلِ وَسَخّرَ الشّمْسَ ...}. يقول تعالـى ذكره: يدخـل اللـيـل فـي النهار، وذلك ما نقص من اللـيـل أدخـله فـي النهار فزاده فـيه، ويولـج النهار فـي اللـيـل، وذلك ما نقص من أجزاء النهار زاد فـي أجزاء اللـيـل، فأدخـله فـيها، كما: ٢٢١٣٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يُولِـجُ اللّـيْـلَ فِـي النّهارِ وَيُولِـجُ النّهارَ فِـي اللّـيْـلِ زيادة هذا فـي نقصان هذا، ونقصان هذا فـي زيادة هذا. ٢٢١٣٣ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: يُولِـجُ اللّـيْـلَ فِـي النّهارِ وَيُولِـجُ النّهارَ فِـي اللّـيْـلِ يقول: هو انتقاص أحدهما من الاَخر. و قوله: وسَخّرَ الشّمْسَ والقَمَرَ كُلّ يَجْرَي لأَجَلٍ مُسَمّى يقول: وأَجْرى لكم الشمس والقمر نعمة منه علـيكم، ورحمة منه بكم، لتعلـموا عدد السنـين والـحساب، وتعرفوا اللـيـل من النهار. و قوله: كُلّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمّى يقول: كل ذلك يجري لوقت معلوم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٣٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَسَخّرَ الشّمْسَ والقَمَرَ كُلّ يَجْرِي لاِءَجَلٍ مُسَمّى أجل معلوم، وحدّ لا يُقَصّر دونه ولا يتعدّاه. و قوله: ذَلِكُمُ اللّه رَبّكُمْ يقول: الذي يفعل هذه الأفعال معبودكم أيها الناس الذي لا تصلـح العبـادة إلاّ له، وهو اللّه ربكم، كما: ٢٢١٣٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ذَلِكُمُ اللّه رَبّكُمْ لَهُ الـمُلْكُ: أي هو الذي يفعل هذا. و قوله: لَهُ الـمُلْكُ يقول تعالـى ذكره: له الـملك التامّ الذي لا شيء إلاّ وهو فـي ملُكه وسلطانه. وقوله وَالّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَـمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ يقول تعالـى ذكره: والذين تعبدون أيها الناس من دون ربكم الذي هذه الصفة التـي ذكرها فـي هذه الاَيات الذي له الـمُلك الكامل، الذي لا يُشبهه ملك، صفته ما يَـمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ يقول: ما يـملكون قِشْر نواة فما فوقها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٣٦ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا عوف، عمن حدّثه، عن ابن عباس فـي قوله: ما يَـمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ قال: هو جلد النواة. حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله مِنْ قِطْمِيرٍ يقول: الـجلد الذي يكون علـى ظهر النواة. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله ما يَـمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ يعني : قشر النواة. ٢٢١٣٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قول اللّه : مِن قِطْمِيرٍ قال: لفـافة النواة كسحاة البـيضة. ٢٢١٣٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، فـي قوله: ما يَـمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ والقطمير: القشرة التـي علـى رأس النواة. ٢٢١٣٩ـ حدثنا عمرو بن عبد الـحميد، قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن جُوَيبر، عن بعض أصحابه، فـي قوله: ما يَـمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ قال: هو القِمع الذي يكون علـى التـمرة. ٢٢١٤٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا مرّة، عن عطية، قال: القطمير: قشر النواة. ١٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا اسْتَجَابُواْ لَكُمْ ...}. قوله: إنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا ما اسْتَـجابُوا لَكُمْ يقول تعالـى ذكره: إن تدعوا أيها الناس هؤلاء الاَلهة التـي تعبدونها من دون اللّه لا يسمعوا دعاءكم، لأنها جماد لا تفهم عنكم ما تقولون وَلَوْ سَمِعُوا ما اسْتَـجابُوا لَكُمْ يقول: ولو سمعوا دعاءكم إياهم، وفهموا عنكم أنها قولكم، بأن جُعل لهم سمع يسمعون به، ما استـجابوا لكم، لأنها لـيست ناطقة، ولـيس كلّ سامع قولاً متـيسّرا له الـجواب عنه. يقول تعالـى ذكره للـمشركين به الاَلهة والأوثان: فكيف تعبدون من دون اللّه من هذه صفته، وهو لا نفع لكم عنده، ولا قُدرة له علـى ضرّكم، وتَدَعون عبـادة الذي بـيده نفعكم وضرّكم، وهو الذي خـلقكم وأنعم علـيكم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٤١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا ما اسْتَـجابُوا لَكُمْ أي ما قَبِلوا ذلك عنكم، ولا نفعوكم فـيه. و قوله: وَيَوْمَ القِـيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ يقول تعالـى ذكره للـمشركين من عبدة الأوثان: ويوم القـيامة تتبرأ آلهتكم التـي تعبدونها من دون اللّه من أن تكون كانت للّه شريكا فـي الدنـيا، كما: ٢٢١٤٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَيَوْمَ القِـيامَةِ يكْفُرُونَ بشِرْكِكمْ إياهم، ولا يرضَوْن، ولا يُقِرّون به. و قوله: وَلا يُنَبّئُكَ مِثْلُ خَبِـيرٍ يقول تعالـى ذكره: ولا يخبرك يا مـحمد عن آلهة هؤلاء الـمشركين وما يكون من أمرها وأمر عَبَدَتها يوم القـيامة، من تَبَرّئها منهم، وكفرها بهم، مثل ذي خبرة بأمرها وأمرهم وذلك الـخبـير هو اللّه الذي لا يخفـى علـيه شيء كان أو يكون سبحانه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٤٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَلا يُنَبّئُكَ مثْلُ خَبِـير واللّه هو الـخبـير أنه سيكون هذا منهم يوم القـيامة. ١٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا النّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَآءُ إِلَى اللّه وَاللّه هُوَ الْغَنِيّ الْحَمِيدُ }. يقول تعالـى ذكره: يا أيها الناس أنتـم أولو الـحاجة والفقر إلـى ربكم، فإياه فـاعبدوا، وفـي رضاه فسارعوا، يغنكم من فقركم، وتُنْـجح لديه حوائجكم وَاللّه هُوَ الغَنِـيّ عن عبـادتكم إياه، وعن خدمتكم، وعن غير ذلك من الأشياء، منكم ومن غيركم، الـحَمِيدُ يعني : الـمـحمود علـى نِعَمه، فإن كلّ نعمة بكم وبغيركم فمنه، فله الـحمد والشكر بكلّ حال. ١٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ }. يقول تعالـى ذكره: إن يشأ يُهلككم أيها الناس ربكم، لأن أنشأكم من غير ما حاجة به إلـيكم ويَأْتِ بِخَـلْقٍ جَدِيدٍ يقول: ويأت بخـلق سواكم يُطيعونه، ويأتـمرون لأمره، وينتهون عما نهاهم عنه، كما: ٢٢١٤٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إنْ يَشأْ يُذْهِبْكُمْ ويَأْتِ بِخَـلْقٍ جَدِيدٍ: أي ويأت بغيركم. ١٧و قوله: وَما ذَلكَ علـى اللّه بِعَزِيزٍ يقول: وما إذهابكم والإتـيان بخـلق سواكم علـى اللّه بشديد، بل ذلك علـيه يسير سهل، يقول: فـاتقوا اللّه أيها الناس، وأطيعوه قبل أن يفعل بكم ذلك. ١٨و قوله: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى يقول تعالـى ذكره: ولا تـحملْ آثمة إثم أخرى غيرها وَإنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلـى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبَى يقول تعالـى: وإن تسألْ ذاتُ ثِقْل من الذنوب مَنْ يحمل عنها ذنوبها، وتطلب ذلك لـم تـجد من يحمل عنها شيئا منها، ولو كان الذي سألته ذا قرابة من أب أو أخ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٤٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ أُخْرَى وَإنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلـى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبَى يقول: يكون علـيه وزر لا يجد أحدا يحمل عنه من وزره شيئا. ٢٢١٤٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَإنْ تَدعُ مُثْقَلةٌ إلـى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ كنـحو: لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وَزْرَ أُخْرَى. ٢٢١٤٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَإنْ تَدْع مُثْقَلَةٌ إلـى حِمْلِها إلـى ذنوبها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبَى: أي قريب القرابة منها، لا يحمل من ذنوبها شيئا، ولا تـحمل علـى غيرها من ذنوبها شيئاوَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ونصب ذا قربى علـى تـمام (كان) لأن معنى الكلام: ولو كان الذي تسأله أن يحمل عنها ذنوبها ذا قربى لها وأنثت (مثقلة) ، لأنه ذهب بـالكلام إلـى النفس، كأنه قـيـل: وإن تدع نفس مثقلة من الذنوب إلـى حمل ذنوبها. وإنـما قـيـل كذلك لأن النفس تؤدّي عن الذكر والأنثى، كما قـيـل: كُلّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الـمَوْتِ يعني بذلك: كلّ ذكر وأنثى. و قوله: إنّـمَا تُنْذِرُ الّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهُمْ بـالغَيْبِ يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : إنـما تنذر يا مـحمد الذين يخافون عقاب اللّه يوم القـيامة من غير معاينة منهم لذلك، ولكن لإيـمانهم بـما أتـيتهم به، وتصديقهم لك فـيـما أنبأتهم عن اللّه فهؤلاء الذين ينفعهم إنذارك، ويتعظون بـمواعظك، لا الذين طَبَع اللّه علـى قلوبهم فهم لا يفقهون، كما: ٢٢١٤٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إنّـمَا تُنْذِرُ الّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهُمْ بـالغَيْبِ: أي يخشون النار. و قوله: وأقامُوا الصّلاةَ يقول: وأَدّوْا الصلاة الـمفروضة بحدودها علـى ما فرضها اللّه علـيهم. و قوله: وَمَنْ تَزَكّى فإنّـمَا يتَزَكّى لِنَفْسِهِ يقول تعالـى ذكره: ومن يتطهّر من دنس الكفر والذنوب بـالتوبة إلـى اللّه ، والإيـمان به، والعمل بطاعته، فإنـما يتطهّر لنفسه، وذلك أنه يثـيبها به رضا اللّه ، والفوز بجنانه، والنـجاة من عقابه، الذي أعدّه لأهل الكفر به، كما: ٢٢١٤٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَمَنْ تَزَكّى فإنّـمَا يَتَزَكّى لِنَفْسِهِ: أي من يعملْ صالـحا فإنـما يعمله لنفسه. و قوله: وَإلـى اللّه الـمَصِيرُ يقول: وإلـى اللّه مصير كلّ عامل منكم أيها الناس، مؤمنكم وكافركم، وبرّكم وفـاجركم، وهو مـجاز جميعكم بـما قدّم من خير أو شرّ علـى ما أهل منه. ١٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَىَ وَالْبَصِيرُ . يقول تعالـى ذكره: وَما يَسْتَوِي الأعْمَى عن دين اللّه الذي ابتعث به نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم والبَصِيرُ الذي قد أبصر فـيه رشده، فـاتبع مـحمدا وصدّقه، وقبل عن اللّه ما ابتعثه به ٢٠وَلا الظّلُـماتُ يقول: وما تستوي ظلـمات الكفر، ونور الإيـمان ٢١وَلا الظّلّ قـيـل: ولا الـجنة وَلا الـحَرُورُ قـيـل: النار، كأن معناه عندهم: وما تستوي الـجنة والنار والـحَرُور بـمنزلة السّموم، وهي الرياح الـحارّة. وذكر أبو عبـيدة مَعْمَر بن الـمثنى، عن رُؤْبة بن العَجّاج، أنه كان يقول: الـحَرور بـاللـيـل، والسموم بـالنهار. وأما أبو عبـيدة فإنه قال: الـحَرور فـي هذا الـموضع والنهار مع الشمس. وأما الفراء فإنه كان يقول: الـحَرُور يكون بـاللـيـل والنهار، والسّموم لا يكون بـاللـيـل إنـما يكون بـالنهار. والقول فـي ذلك عندي، أن الـحَرور يكون بـاللـيـل والنهار، غير أنه فـي هذا الـموضع بأن يكون كما قال أبو عبـيدة: أشبه مع الشمس، لأن الظلّ إنـما يكون فـي يوم شمس، فذلك يدلّ علـى أنه أريد بـالـحَرور: الذي يوجد فـي حال وجود الظلّ. ٢٢و قوله: وَما يَسْتَوِي الأحْياءُ وَلا الأمْوَاتُ يقول: وما يستوي الأحياء القلوب بـالإيـمان بـاللّه ورسوله، ومعرفة تنزيـل اللّه ، والأموات القلوب لغلبة الكفر علـيها، حتـى صارت لا تعقل عن اللّه أمره ونهيه، ولا تعرف الهدى من الضلال وكلّ هذه أمثال ضربها اللّه للـمؤمن والإيـمان، والكافر والكفر. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٥٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَما يَسْتَوِي الأعْمَى والبَصِيرُ... الاَية، قال: هو مَثَل ضربه اللّه لأهل الطاعة وأهل الـمعصية. يقول: وما يستوي الأعمى والظلـمات والـحرور، ولا الأموات، فهو مَثَل أهل الـمعصية. ولا يستوي البصير ولا النور، ولا الظلّ والأحياء، فهو مثل أهل الطاعة. ٢٢١٥١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَما يَسْتَوِي الأعْمَى... الاَية خـلقا، فضل بعضه علـى بعض فأما الـمؤمن فعبد حيّ الأثر، حيّ البصر، حيّ النـية، حيّ العمل. وأما الكافر فعبد ميت، ميت البصر، ميت القلب، ميت العمل. ٢٢١٥٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَما يَسْتَوِي الأعْمَى والبَصِيرُ وَلا الظّلُـماتُ وَلا النّورُ وَلا الظّلّ وَلا الـحَرُورُ وَما يَسْتَوِي الأحْياءُ وَلا الأمْوَاتُ قال: هذا مثل ضربه اللّه فـالـمؤمن بصير فـي دين اللّه ، والكافر أعمى، كما لا يستوي الظلّ ولا الـحَرور، ولا الأحياء ولا الأموات، فكذلك لا يستوي هذا الـمؤمن الذي يبصر دينه، ولا هذا الأعمى، وقرأ: أوَ مَنْ كانَ مَيْتا فأَحْيَـيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُورا يَـمْشِي بِهِ فِـي النّاسِ قال: الهُدى الذي هداه اللّه به ونوّر له. هذا مثل ضربه اللّه لهذا الـمؤمن الذي يبصر دينه، وهذا الكافر الأعمى، فجعل الـمؤمن حيا، وجعل الكافر ميتا، ميت القلب أوَ مَنْ كانَ مَيْتا فأَحْيَـيْناهُ قال: هديناه إلـى الإسلام كمن مثله فـي الظلـمات أعمى القلب، وهو فـي الظلـمات، أهذا وهذا سواء؟ واختلف أهل العربـية فـي وجه دخول (لا) مع حرف العطف فـي قوله: وَلا الظّلُـماتُ وَلا النّورُ وَلا الظّلّ وَلا الـحَرُورُ فقال بعض نـحويّـي البصرة: قال: ولا الظلّ ولا الـحَرور، فـيشبه أن تكون (لا) زائدة، لأنك لو قلت: لا يستوي عمرو ولا زيد فـي هذا الـمعنى لـم يجز إلاّ أن تكون (لا) زائدة وكان غيره يقول: إذا لـم تدخـل (لا) مع الواو، فإنـما لـم تدخـل اكتفـاء بدخولها فـي أوّل الكلام، فإذا أدخـلت فإنه يراد بـالكلام أن كلّ واحد منهما لا يساوي صاحبه، فكان معنى الكلام إذا أعيدت (لا) مع الواو عند صاحب هذا القول: لا يساوي الأعمى البصير ولا يساوي البصير الأعمى، فكلّ واحد منهما لا يساوي صاحبه. و قوله: إنّ اللّه يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أنْتَ بِـمُسْمِعٍ مَنْ فِـي القُبُورِ يقول تعالـى ذكره: كما لا يقدر أن يسمع من فـي القبور كتاب اللّه ، فـيهديهم به إلـى سبـيـل الرشاد، فكذلك لا يقدر أن ينفع بـمواعظ اللّه ، وبـيان حُججه، من كان ميت القلب من أحياء عبـاده، عن معرفة اللّه ، وفهم كتابه وتنزيـله، وواضح حججه، كما: ٢٢١٥٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إنّ اللّه يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أنْتَ بِـمُسْمِعٍ مَنْ فِـي القُبُورِ كذلك الكافر لا يسمع، ولا ينتفع بـما يسمع. ٢٣و قوله: إنْ أنْتَ إلاّ نَذِيرٌ يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : ما أنت إلاّ نذير تُنذر هؤلاء الـمشركين بـاللّه ، الذين طبع اللّه علـى قلوبهم، ولـم يُرسِلك ربك إلـيهم إلاّ لتبلغهم رسالته، ولـم يكلفك من الأمر ما لا سبـيـل لك إلـيه فأما اهتداؤهم وقبولهم منك ما جئتهم به، فإن ذلك بـيد اللّه لا بـيدك، ولا بـيد غيرك من الناس، فلا تذهب نفسُك علـيهم حَسَراتٍ إن هم لـم يستـجيبوا لك. ٢٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّآ أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مّنْ أُمّةٍ إِلاّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ }. يقول جل ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : إنّا أرْسَلْناكَ يا مـحمد بـالـحَقّ وهو الإيـمان بـاللّه وشرائع الدين التـي افترضها علـى عبـاده بَشِيرا يقول: مُبشّرا بـالـجنة من صدّقك وقبل منك ما جئت به من عند اللّه من النصيحة وَنَذِيرا تُنذر الناسَ مَنْ كذّبك وردّ علـيك ما جئت به من عند اللّه من النصيحة. وَإنْ مِنْ أُمّةٍ إلاّ خَلا فِـيها نَذِيرٌ يقول: وما من أمة من الأمـم الدائنة بـملة إلاّ خلا فـيها من قبلك نذير ينذرهم بأسنا علـى كفرهم بـاللّه ، كما: ٢٢١٥٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَإنْ مِنْ أُمّةٍ إلاّ خَلا فِـيها نَذِيرٌ كلّ أمة كان لها رسول. ٢٥و قوله: وَإنْ يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كَذّبَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يقول تعالـى ذكره مسلـيا نبـيه صلى اللّه عليه وسلم فـيـما يـلقـى من مشركي قومه من التكذيب: وإن يكذّبك يا مـحمد مشركو قومك، فقد كذّب الذين من قبلهم من الأمـم الذين جاءتهم رسلهم بـالبـينات يقول: بحجج من اللّه واضحة. وبـالزّبُر يقول: وجاءتهم بـالكتب من عند اللّه ، كما: ٢٢١٥٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: بـالبَـيّناتِ وبِـالزّبُرِ أي الكتب. و قوله: وَبـالكِتابِ الـمُنِـيرِ يقول: وجاءهم من اللّه الكتاب الـمنـير لـمن تأمّله وتدبّره أنه الـحقّ، كما: ٢٢١٥٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَبـالكِتابِ الـمُنِـيرِ يضعف الشيء وهو واحد. ٢٦و قوله: ثُمّ أخَذْتُ الّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ يقول تعالـى ذكره: ثم أهلكنا الذين جحدوا رسالة رسلنا، وحقـيقة ما دعوهم إلـيه من آياتنا، وأصرّوا علـى جحودهم فكَيْفَ كانَ نَكِيرِ يقول: فـانظر يا مـحمد كيف كان تغيـيري بهم، وحلول عقوبتـي بهم. ٢٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّه أنَزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا ...}. يقول تعالـى ذكره: ألـم تر يا مـحمد أن اللّه أنزل من السماء غيثا، فأخرجنا به ثمرات مختلفـا ألوانها يقول: فسقـيناه أشجارا فـي الأرض، فأخرجنا به من تلك الأشجار ثمرات مختلفـا ألوانها، منها الأحمر، ومنها الأسود والأصفر، وغير ذلك من ألوانها وَمِنَ الـجِبـالِ جُدَدٌ بِـيضٌ وَحُمْرٌ يقول تعالـى ذكره: ومن الـجبـال طرائق، وهي الـجدد، وهي الـخطط تكون فـي الـجبـال بـيض وحمر وسود، كالطرق واحدتها جدّة ومنه قول امرىء القـيس فـي صفة حمار: كأنّ سَرَاتَهُ وَجُدّةَ مَتْنِهِكَنائِنُ يَجْرِي فَوْقَهُنّ دَلِـيصُ يعني بـالـجدّة: الـخطة السوداء تكون فـي متن الـحمار. و قوله: مُخْتَلِفٌ ألْوَانُها يعني : مختلف ألوان الـجدد وَغَرَابِـيبُ سُودٍ، وذلك من الـمقدّم الذي هو بـمعنى التأخير وذلك أن العرب تقول: هو أسود غربـيب، إذا وصفوه بشدّة السواد، وجعل السواد ههنا صفة للغرابـيب. ٢٨و قوله: وَمِنَ النّاسِ وَالدّوَابّ والأنْعامِ مُخْتَلِفٌ ألْوَانُهُ كما من الثمرات والـجبـال مختلف ألوانه بـالـحُمرة والبـياض والسواد والصفرة، وغير ذلك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٥٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، فـي قوله: ألَـمْ تَرَ أنّ اللّه أنْزَلَ مِنَ السّماءِ ماءً فأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفـا ألْوَانُها أحمر وأخضر وأصفر. وَمِنَ الـجِبـالِ جُددٌ بِـيضٌ: أي طرائق بـيض وحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ ألْوَانُها أي جبـال حمر وبـيض وَغَرابِـيبُ سُودٌ هو الأسود، يعني لونه كما اختلف ألوان هذه اختلف ألوان الناس والدوابّ والأنعام كذلك. ٢٢١٥٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَمِنَ الـجِبـالِ جُدَدٌ بِـيضٌ طرائق بـيض، وحمر وسود، وكذلك الناس مختلف ألوانهم. حدثنا عمرو بن عبد الـحميد الاَملـي، قال: حدثنا مروان، عن جُوَيبر، عن الضحاك قوله وَمِنَ الـجِبـالِ جُدَدٌ بِـيضٌ قال: هي طرائق حمر وسود. و قوله: إنّـمَا يَخْشى اللّه مِنْ عِبـادِهِ العُلَـماءُ يقول تعالـى ذكره: إنـما يخاف اللّه فـيتقـي عقابه بطاعته العلـماءُ، بقدرته علـى ما يشاء من شيء، وأنه يفعل ما يريد، لأن من علـم ذلك أيقن بعقابه علـى معصيته، فخافه ورهبه خشية منه أن يعاقبه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٥٩ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: إنّـمَا يَخْشَى اللّه مِنْ عِبـادِهِ العُلَـماءُ قال: الذين يعلـمون أن اللّه علـى كلّ شيء قدير. ٢٢١٦٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إنّـمَا يَخْشَى اللّه مِنْ عِبـادِهِ العُلَـماءُ قال: كان يقال: كفـى بـالرهبة عِلـما. و قوله: إنّ اللّه عَزِيزٌ غَفُورٌ يقول تعالـى ذكره: إن اللّه عزيز فـي انتقامه مـمن كفر به، غفور لذنوب من آمن به وأطاعه. ٢٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ الّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللّه وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ ...}. يقول تعالـى ذكره: إن الذين يقرؤون كتاب اللّه الذي أنزله علـى مـحمد صلى اللّه عليه وسلم وأقامُوا الصّلاةَ يقول: وأدّوا الصلاة الـمفروضة لـمواقـيتها بحدودها. وقال: وأقاموا الصلاة بـمعنى: ويقـيـموا الصلاة. و قوله: وأنْفَقُوا مِـمّا رَزَقْناهُمْ سِرّا وَعَلانِـيَةً يقول: وتصدّقوا بـما أعطيناهم من الأموال سرّا فـي خفـاء، وعلانـية: جهارا. وإنـما معنى ذلك أنهم يؤدّون الزكاة الـمفروضة، ويتطوّعون أيضا بـالصدقة منه بعد أداء الفرض الواجب علـيهم فـيه. و قوله: يَرْجُونَ تِـجارَةً لَنْ تَبُورَ يقول تعالـى ذكره: يرجون بفعلهم ذلك تـجارة لن تبور: لن تكسد ولن تهلك من قولهم: بـارت السوق: إذا كسدت وبـار الطعام. و قوله: تِـجارَةً جواب لأوّل الكلام. ٣٠و قوله: لِـيُوَفّـيَهُمْ أُجُورَهُمْ يقول: ويوفـيهم اللّه علـى فعلهم ذلك ثواب أعمالهم التـي عملوها فـي الدنـيا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ يقول: وكي يزيدهم علـى الوفـاء من فضله ما هو له أهل. وكان مطرف بن عبد اللّه يقول: هذه آية القراء. ٢٢١٦١ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عمرو بن عاصم، قال: حدثنا معتـمر، عن أبـيه، عن قتادة ، قال: كان مطرف إذا مرّ بهذه الاَية: إنّ الّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللّه يقول: هذه آية القراء. حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن يزيد، عن مطرف بن عبد اللّه ، أنه قال فـي هذه الاَية: إنّ الّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللّه ... إلـى آخر الاَية، قال: هذه آية القراء. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: كان مطرف بن عبد اللّه يقول: هذه آية القراء لِـيُوَفّـيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ. و قوله: إنّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ يقول: إن اللّه غفور لذنوب هؤلاء القوم الذين هذه صفتهم، شكور لـحسناتهم، كما: ٢٢١٦٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إنّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ: إنه غفور لذنوبهم، شكور لـحسناتهم. ٣١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالّذِيَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقّ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنّ اللّه بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ }. يقول تعالـى ذكره: وَالّذِي أوْحَيْنا إلَـيْكَ مِنَ الكِتابِ يا مـحمد، وهو هذا القرآن الذي أنزله اللّه علـيه هُوَ الـحَقّ يقول: هو الـحقّ علـيك وعلـى أمتك أن تعمل به، وتتبع ما فـيه دون غيره من الكتب التـي أُوحيت إلـى غيرك مُصَدّقا لِـمَا بَـينَ يَدَيْهِ يقول: هو يصدّق ما مضى بـين يديه، فصار أمامه من الكتب التـي أنزلتها إلـى من قبلك من الرسل، كما: ٢٢١٦٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَالّذِي أوْحَيْنا إلَـيْكَ مِنَ الكِتابِ هُوَ الـحَقّ مُصَدّقا لِـمَا بـينَ يَدَيْهِ للكتب التـي خـلت قبله. و قوله: إنّ اللّه بِعِبـادِهِ لـخَبِـيرٌ بَصِيرٌ يقول تعالـى ذكره: إن اللّه بعبـاده لذو علـم وخبرة بـما يعملون بصير بـما يصلـحهم من التدبـير. ٣٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ثُمّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ...}. اختلف أهل التأويـل فـي معنى الكتاب الذي ذكر اللّه فـي هذه الاَية أنه أورثه الذين اصطفـاهم من عبـاده، ومن الـمصطفون من عبـاده، والظالـم لنفسه، فقال بعضهم: الكتاب: هو الكتب التـي أنزلها اللّه من قبل الفُرقان، والـمصطفون من عبـاده: أمة مـحمد صلى اللّه عليه وسلم ، والظالـم لنفسه: أهل الإجرام منهم. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٦٤ـ حدثنا علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: ثُمّ أَوْرَثْنا الكِتابَ... إلـى قوله: الفَضْلُ الكَبِـيرُ هم أمة مـحمد صلى اللّه عليه وسلم ، ورّثهم اللّه كل كتاب أنزله، فظالـمهم يغفر له، ومقتصدهم يحاسب حسابـا يسيرا، وسابقهم يدخـل الـجنة بغير حساب. ٢٢١٦٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الـحكم بن بشير، قال: حدثنا عمرو بن قـيس، عن عبد اللّه بن عيسى، عن يزيد بن الـحارث، عن شقـيق، عن أبـي وائل، عن عبد اللّه بن مسعود أنه قال: هذه الأمة ثلاثة أثلاث يوم القـيامة: ثلث يدخـلون الـجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حسابـا يسيرا، وثلث يجيئون بذنوب عظام، حتـى يقول: ما هؤلاء؟ وهو أعلـم تبـارك وتعالـى، فتقول الـملائكة: هؤلاء جاؤوا بذنوب عظام إلاّ أنهم لـم يُشركوا بك، فـيقول الربّ: أدخـلوا هؤلاء فـي سعة رحمتـي. وتلا عبد اللّه هذه الاَية: ثُمّ أَوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا. ٢٢١٦٦ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا عون، قال: حدثنا عبد اللّه بن الـحارث بن نوفل، قال: حدثنا كعب الأحبـار أن الظالـم لنفسه من هذه الأمة، والـمقتصد، والسابق بـالـخيرات: كلهم فـي الـجنة ألـم تر أن اللّه قال: ثُمّ أوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا... إلـى قوله: كُلّ كَفُورٍ. حدثنـي علـيّ بن سعيد الكندي، قال: حدثنا عبد اللّه بن الـمبـارك، عن عوف، عن عبد اللّه بن الـحارث بن نوفل، قال: سمعت كعبـا يقول: فَمِنْهُمْ ظالِـمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بـالـخَيْرَاتِ بإذْنِ اللّه قال: كلهم فـي الـجنة، وتلا هذه الاَية: جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُـلُونَها. حدثنا الـحسن بن عرفة، قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري، عن عوف بن أبـي جبلة، قال: حدثنا عبد اللّه بن الـحارث بن نوفل، قال: حدثنا كعب أن الظالـم من هذه الأمة، والـمقتصد، والسابق بـالـخيرات، كلهم فـي الـجنة ألـم تر أن اللّه قال: ثُمّ أَوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا... إلـى قوله: لُغُوبِ والذين كفروا لهم نار جهنـم، قال: قال كعب: فهؤلاء أهل النار. حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن عوف، قال: سمعت عبد اللّه بن الـحارث يقول: قال كعب: إن الظالـم لنفسه، والـمقتصد، والسابق بـالـخيرات من هذه الأمة: كلهم فـي الـجنة، ألـم تر أن اللّه يقول: ثُمّ أَوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا... حتـى بلغ قوله: جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُـلُونَها. ٢٢١٦٧ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، قال: أخبرنا حميد، عن إسحاق بن عبد اللّه بن الـحارث عن أبـيه، أن ابن عباس سأل كعبـا عن قوله تعالـى: ثُمّ أَوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا... إلـى قوله: بإذْنِ اللّه فقال: تـماست مناكبهم ورب الكعبة، ثم أعطوا الفضل بأعمالهم. ٢٢١٦٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الـحكم بن بشير، قال: حدثنا عمرو بن قـيس، عن أبـي إسحاق السبـيعي، فـي هذه الاَية: ثُمّ أَوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا قال: قال أبو إسحاق: أما ما سمعت منذ ستـين سنة، فكلهم ناج. ٢٢١٦٩ـ قال: ثنا عمرو، عن مـحمد بن الـحنفـية، قال: إنها أمة مرحومة الظالـم مغفور له، والـمقتصد فـي الـجنات عند اللّه ، والسابق بـالـخيرات فـي الدرجات عند اللّه . وقال آخرون: الكتاب الذي أورث هؤلاء القوم، هو شهادة أن لا إله إلاّ اللّه والـمصطفون هم أمة مـحمد صلى اللّه عليه وسلم والظالـم لنفسه منهم هو الـمنافق، وهو فـي النار والـمقتصد، والسابق بـالـخيرات فـي الـجنة. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٧٠ـ حدثنا أبو عمار الـحسين بن حريث الـمروزي، قال: حدثنا الفضل بن موسى، عن حسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة، عن عبد اللّه فَمِنهُمْ ظالِـمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بـالـخَيْرَاتِ قال: اثنان فـي الـجنة، وواحد فـي النار. ٢٢١٧١ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله ثُمّ أوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا... إلـى آخر الاَية، قال: جعل أهل الإيـمان علـى ثلاثة منازل، ك قوله: أصحَابُ الشّمالِ ما أصحَابُ الشّمال وأصحَابُ الـيَـمِينِ ما أصحَابُ الـيَـمِينِ والسّابِقُونَ السّابِقُونَ أُولَئِكَ الـمُقَرّبُونَ فهم علـى هذا الـمثال. ٢٢١٧٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الـحسين، عن يزيد، عن عكرمة فَمِنْهُمْ ظالِـمٌ لنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ... الاَية، قال: الاثنان فـي الـجنة، وواحد فـي النار، وهي بـمنزلة التـي فـي الواقعة: وأصحَابُ الـيَـمِينِ ما أصحَابُ الـيَـمِينِ وأصحَابُ الشّمالِ ما أصحَابُ الشّمالِ والسّابِقونَ السّابِقُونَ. ٢٢١٧٣ـ حدثنا سهل بن موسى، قال: حدثنا عبد الـمـجيد، عن ابن جريج، عن مـجاهد ، فـي قوله: ثُمّ أَوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا فَمِنْهُمْ ظالِـمٌ لِنَفْسِهِ قال: هم أصحاب الـمشأمة وَمِنْهُم مُقْتَصِدٌ قال: هم أصحاب الـميـمنة وَمِنْهُمْ سابِقٌ بـالـخَيْراتِ قال: هم السابقون من الناس كلهم. ٢٢١٧٤ـ حدثنا الـحسن بن عرفة قال: حدثنا مروان بن معاوية، قال: قال عوف، قال الـحسن: أما الظالـم لنفسه فإنه هو الـمنافق، سقط هذا. وأما الـمقتصد والسابق بـالـخيرات، فهما صاحبـا الـجنة. حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن عوف، قال: قال الـحسن: الظالـم لنفسه: الـمنافق. ٢٢١٧٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ثمّ أوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا شهادة أن لا إله إلاّ اللّه فَمِنْهُمْ ظالِـمٌ لِنَفْسِهِ هذا الـمنافق فـي قول قتادة والـحسن وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ قال: هذا صاحب الـيـمين وَمِنْهُمْ سابِقٌ بـالـخَيْرَاتِ قال: هذا الـمقرّب. قال قتادة : كان الناس ثلاث منازل فـي الدنـيا، وثلاث منازل عند الـموت، وثلاث منازل فـي الاَخرة. أما الدنـيا، فكانوا: مؤمن، ومنافق، ومشرك. وأما عند الـموت، فإن اللّه قال: فأمّا إنْ كانَ مِنَ الـمُقَرّبِـينَ فَرْوحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنّةُ نَعِيـمٍ وأمّا إنْ كانَ مِنْ أصحَابِ الـيَـمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَابِ الـيَـمينِ وأمّا إنْ كانَ مِنَ الـمُكَذّبِـينَ الضّالّـينَ فَنُزُلٌ منْ حَمِيـمٍ وَتَصْلِـيَةُ جَحِيـمٍ. وأما فـي الاَخرة فكانوا أزواجا ثلاثة، وأصحَابُ الـمَيْـمَنَةِ ما أصحَابُ الـمَيْـمَنَةِ وأصحَابُ الـمَشأمَةِ ما أصحَابُ الـمَشْأَمَةِ والسّابِقُونَ السّابِقُونَ أُولَئِكَ الـمُقَرّبُونَ. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: ثُمّ أوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا فَمِنْهُمْ ظالِـمٌ لِنَفْسِهِ قال: هم أصحاب الـمشأمة وَمِنْهُمْ مُقْتَصِد قال: أصحاب الـميـمنة، وَمِنْهُمْ سابِقٌ بـالـخَيْرَاتِ قال: فهم السابقون من الناس كلهم. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد : ثُمّ أوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا فَمِنْهُمْ ظالِـمٌ لِنَفْسِهِ قال: سقط هذا وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بـالـخَيْرَاتِ بإذْنِ اللّه قال: سبق هذا بـالـخيرات، وهذا مقتصد علـى أثره. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب تأويـل من قال: عنى ب قوله: ثُمّ أوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا الكتب التـي أُنزلت من قبل الفرقان. فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يكون ذلك معناه، وأمة مـحمد صلى اللّه عليه وسلم لا يتلون غير كتابهم، ولا يعملون إلاّ بـما فـيه من الأحكام والشرائع؟ قـيـل: إن معنى ذلك علـى غير الذي ذهبت إلـيه، وإنـما معناه: ثم أورثنا الإيـمان بـالكتاب الذين اصطفـينا، فمنهم مؤمنون بكلّ كتاب أنزله اللّه من السماء قبل كتابهم وعاملون به، لأن كل كتاب أنزل من السماء قبل الفرقان، فإنه يأمر بـالعمل بـالفرقان عند نزوله، وبـاتبـاع من جاء به، وذلك عمل من أقرّ بـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم ، وبـما جاء به، وعمل بـما دعاه إلـيه بـما فـي القرآن، وبـما فـي غيره من الكتب التـي أنزلت قبله. وإنـما قـيـل: عنى بقوله ثُمّ أوْرَثْنا الكتابَ الكتب التـي ذكرنا لأن اللّه جل ثناؤه قال لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم وَالّذِي أوْحَيْنَا إلَـيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الـحَقّ مُصَدّقا لِـمَا بَـيْنَ يَدَيْهِ ثم أتبع ذلك قوله ثُمّ أَوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا فكان معلوما، إذ كان معنى الـميراث إنـما هو انتقال معنى من قوم إلـى آخرين، ولـم تكن أمة علـى عهد نبـينا صلى اللّه عليه وسلم انتقل إلـيهم كتاب من قوم كانوا قبلهم غير أمته، أن ذلك معناه. وإذ كان ذلك كذلك، فبـيّنٌ أن الـمصطفـين من عبـاده هم مؤمنو أمته وأما الظالـم لنفسه، فإنه لأن يكون من أهل الذنوب والـمعاصي التـي هي دون النفـاق والشرك عندي أشبه بـمعنى الاَية من أن يكون الـمنافق أو الكافر، وذلك أن اللّه تعالـى ذكره أتبع هذه الاَية قوله: جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُـلُونَها فعمّ بدخول الـجنة جميع الأصناف الثلاثة. فإن قال قائل: فإن قوله يَدْخُـلُونَها إنـما عنى به الـمقتصد والسابق قـيـل له: وما برهانك علـى أن ذلك كذلك من خبر أو عقل؟ فإن قال: قـيام الـحجة أن الظالـم من هذه الأمة سيدخـل النار، ولو لـم يدخـل النار من هذه الأصناف الثلاثة أحد وجب أن لا يكون لأهل الإيـمان وعيد قـيـل: إنه لـيس فـي الاَية خبر أنهم لا يدخـلون النار، وإنـما فـيها إخبـار من اللّه تعالـى ذكره أنهم يدخـلون جنات عَدْن، وجائز أن يدخـلها الظالـم لنفسه بعد عقوبة اللّه إياه علـى ذنوبه التـي أصابها فـي الدنـيا، وظلـمه نفسه فـيها بـالنار، أو بـما شاء من عقابه، ثم يُدخـله الـجنة، فـيكون مـمن عمه خبر اللّه جل ثناؤه بقوله جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخَـلُونَها. وقد رُوي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنـحو الذي قلنا فـي ذلك أخبـارٌ، وإن كان فـي أسانـيدها نظر، مع دلـيـل الكتاب علـى صحته علـى النـحو الذي بـيّنت. ذكر الرواية الواردة بذلك: ٢٢١٧٦ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا سفـيان عن الأعمش، قال: ذكر أبو ثابت أنه دخـل الـمسجد، فجلس إلـى جنب أبـي الدرداء، فقال: اللّه مّ آنس وحشتـي، وارحم غُرْبتـي، ويسّر لـي جلـيسا صالـحا، فقال أبو الدرداء: لئن كنت صادقا لأنا أسعد به منك سأحدّثك حديثا سمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لـم أحدّث به منذ سمعته ذَكَرَ هذه الاَية: ثُمّ أَوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا فَمِنْهُمْ ظالِـمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بـالـخَيْرَاتِ فأما السابق بـالـخيرات، فـيدخـلها بغير حساب، وأما الـمقتصد فـيحاسب حسابـا يسيرا، وأما الظالـم لنفسه فـيصيبه فـي ذلك الـمكان من الغمّ والـحزن، فذلك قوله: الـحَمْدُ للّه الّذِي أذْهَبَ عَنّا الـحَزَنَ. ٢٢١٧٧ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة عن الولـيد بن الـمغيرة، أنه سمع رجلاً من ثقـيف حدّث عن رجل من كنانة، عن أبـي سعيد الـخدريّ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال فـي هذه الاَية: ثُمّ أوْرَثْنا الكِتابَ الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا فَمِنْهُمْ ظالِـمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بـالـخَيْرَاتِ بإذْنِ اللّه قال: (هؤلاء كلهم بـمنزلة واحدة، وكلهم فـي الـجنة) . وعنى ب قوله: الّذِينَ اصْطَفَـيْنا مِنْ عِبـادِنا: الذين اخترناهم لطاعتنا واجتبـيناهم. و قوله: فَمِنْهُمْ ظالِـمٌ لِنَفْسِهِ يقول: فمن هؤلاء الذين اصطفـينا من عبـادنا، من يظلـم نفسه بركوبه الـمآثم، واجترامه الـمعاصي، واقترافه الفواحش وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وهو غير الـمبـالغ فـي طاعة ربه، وغير الـمـجتهد فـيـما ألزمه من خدمة ربه، حتـى يكون عمله فـي ذلك قصدا وَمِنْهُمْ سابِقٌ بـالـخَيْرَاتِ وهو الـمبرز الذي قد تقدّم الـمـجتهدين فـي خدمة ربه، وأداء ما لزمه من فرائضه، فسبقهم بصالـح الأعمال، وهي الـخيرات التـي قال اللّه جل ثناؤه بِإذْنِ اللّه يقول: بتوفـيق اللّه إياه لذلك. و قوله: ذَلكَ هُوَ الفَضْلُ الكَبِـيرُ يقول تعالـى ذكره: سبوق هذا السابق من سبقه بـالـخيرات بإذن اللّه ، وهو الفضل الكبـير الذي فضل به من كان مقصّرا عن منزلته فـي طاعة اللّه من الـمقتصد والظالـم لنفسه. ٣٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ }. يقول تعالـى ذكره: بساتـين إقامة يدخـلونها هؤلاء الذين أورثناهم الكتاب، الذين اصطفـينا من عبـادنا يوم القـيامة يُحَلّوْنَ فِـيها مِنْ أساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ يـلبسون فـي جنات عدن أسورة من ذهب وَلُؤْلُؤا وَلِبـاسُهُمْ فِـيها حَرِيرٌ يقول: ولبـاسهم فـي الـجنة حرير. ٣٤و قوله: وَقالُوا الـحَمْدُ للّه الّذِي أذْهَبَ عَنّا الـحَزَنَ اختلف أهل التأويـل فـي الـحَزَن الذي حمد اللّه علـى إذهابه عنهم هؤلاء القوم، فقال بعضهم: ذلك الـحزَن الذي كانوا فـيه قبل دخولهم الـجنة من خوف النار، إذ كانوا خائفـين أن يدخـلوها. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٧٨ـ حدثنـي قتادة بن سعيد بن قتادة السدوسيّ، قال: حدثنا معاذ بن هشام صاحب الدستوائي، قال: حدثنا أبـي، عن عمرو بن مالك، عن أبـي الـجوزاء، عن ابن عباس ، فـي قوله: الـحَمْدُ للّه الّذِي أذْهَبَ عَنّا الـحَزَنَ قال: حزن النار. ٢٢١٧٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن معمر، عن يحيى بن الـمختار، عن الـحسن وَإذَا خاطَبَهُمُ الـجاهِلُونَ قالُوا سَلاما قال: إن الـمؤمنـين قوم ذُلُل، ذلّت واللّه الأسماع والأبصار والـجوارح، حتـى يحسبهم الـجاهل مَرْضَى، وما بـالقوم مرض، وإنهم لأصحة القلوب، ولكن دخـلهم من الـخوف ما لـم يدخـل غيرهم، ومنعهم من الدنـيا علـمهم بـالاَخرة، فقالوا: الـحَمْدُ للّه الّذِي أذْهَبَ عَنّا الـحَزَنَ، والـحَزَن، واللّه ما حزنهم حزن الدنـيا، ولا تعاظم فـي أنفسهم ما طلبوا به الـجنة أبكاهم الـخوف من النار، وإنه من لا يتعزّ بعزاء اللّه يقطّع نفسه علـى الدنـيا حسرات، ومن لـم ير للّه علـيه نعمة إلاّ فـي مطعم أو مشرب، فقد قلّ علـمه، وحضر عذابه. وقال آخرون: عُنـي به الـموت. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٨٠ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن أبـيه، عن عطية، فـي قوله: الـحَمْدُ للّه الّذِي أذْهَبَ عَنّا الـحَزَنَ قال: الـموت. وقال آخرون: عُنـي به حزن الـخبز. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٨١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن حفص، يعني ابن حميد، عن شمر، قال: لـما أدخـل اللّه أهل الـجنة الـجنة، قالوا الـحَمْدُ للّه الّذِي أذْهَبَ عَنّا الـحَزَنَ قال: حزن الـخبز. وقال آخرون: عُنـي بذلك: الـحَزَن من التعب الذي كانوا فـيه فـي الدنـيا. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٨٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَقالُوا الـحَمْدُ للّه الّذِي أذْهَبَ عَنّا الـحَزَنَ قال: كانوا فـي الدنـيا يعملون وينصَبون وهم فـي خوف، أو يحزنون. وقال آخرون: بل عُنـي بذلك الـحزن الذي ينال الظالـم لنفسه فـي موقـف القـيامة. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٨٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، قال: ذكر أبو ثابت أن أبـا الدرداء، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (أمّا الظّالِـمُ لِنَفْسِهِ، فَـيُصِيبُهُ فِـي ذَلكَ الـمَكانِ مِنَ الغَمّ والـحَزَنِ، فَذلكَ قوله: الـحَمْدُ للّه الّذِي أذْهَبَ عَنّا الـحَزَنَ) . وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن اللّه تعالـى ذكره أخبر عن هؤلاء القوم الذين أكرمهم بـما أكرمهم به أنهم قالوا حين دخـلوا الـجنة الـحَمْدُ للّه الّذِي أذْهَبَ عَنّا الـحَزَنَ وخوف دخول النار من الـحزن، والـجَزَع من الـموت من الـحزن، والـجزع من الـحاجة إلـى الـمطعم من الـحزن، ولـم يخصص اللّه إذ أخبر عنهم أنهم حمدوه علـى إذهابه الـحزن عنهم نوعا دون نوع، بل أخبر عنهم أنهم عموا جميع أنوع الـحزن بقوله م ذلك، وكذلك ذلك، لأن من دخـل الـجنة فلا حزن علـيه بعد ذلك، فحمدهم علـى إذهابه عنهم حميع معانـي الـحزن. و قوله: إنّ رَبّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل هذه الأصناف الذين أخبر أنه اصطفـاهم من عبـاده عند دخولهم الـجنة: إن ربنا لغفور لذنوب عبـاده الذين تابوا من ذنوبهم، فساترها علـيهم بعفوه لهم عنهم، شكور لهم علـى طاعتهم إياه، وصالـح ما قدّموا فـي الدنـيا من الأعمال. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٨٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فـي قوله: إنّ رَبّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ لـحسناتهم. ٢٢١٨٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن حفص، عن شمر إنّ رَبّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ غفر لهم ما كان من ذنب، وشكر لهم ما كان منهم. ٣٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الّذِيَ أَحَلّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسّنَا فِيهَا لُغُوبٌ }. يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل الذين أدخـلوا الـجنة إنّ رَبّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الّذِي أحَلّنا دَارَ الـمُقامَةِ: أي ربنا الذي أنزلنا هذه الدار، يعنون الـجنة فدار الـمُقامة: دار الإقامة التـي لا نقلة معها عنها، ولا تـحوّل والـميـم إذا ضمت من الـمُقامة، فهي من الإقامة، فإذا فتـحت فهي من الـمـجلس، والـمكان الذي يُقام فـيه، قال الشاعر: يَوْمانِ يَوْمُ مَقاماتٍ وأنْدِيَةٍوَيَوْمُ سَيْرٍ إلـى الأعْدَاءِ تأْوِيبِ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٨٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة الّذِي أحَلّنا دَارَ الـمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ أقاموا فلا يتـحوّلون. و قوله: لا يَـمَسّنا فِـيها نَصَبٌ يقول: لا يصيبنا فـيها تعب ولا وجع وَلا يَـمَسّنا فِـيها لُغُوبٌ يعني بـاللغوب: العناء والإعياء. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٨٧ـ حدثنا مـحمد بن عبـيد، قال: حدثنا موسى بن عمير، عن أبـي صالـح، عن ابن عباس ، فـي قوله: لا يَـمَسّنا فِـيها نَصَبٌ وَلا يَـمَسّنا فِـيها لُغُوبٌ قال: اللغوب: العناء. ٢٢١٨٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: لا يَـمَسّنا فِـيها نَصَبٌ: أي وجع. ٣٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنّمَ لاَ يُقْضَىَ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ ...}. يقول تعالـى ذكره: وَالّذِينَ كَفَرُوا بـاللّه ورسوله لَهُمْ نارُ جَهَنّـمَ يقول: لهم نار جهنـم مخـلّدين فـيها، لا حظّ لهم فـي الـجنة ولا نعيـمها، كما: ٢٢١٨٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة لَهُمْ نَارُ جَهَنّـمَ لاَ يُقْضَى عَلَـيْهِمْ بـالـموت فـيـموتوا، لأنهم لو ماتوا لاستراحوا. وَلا يُخَفّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها يقول: ولا يخفف عنهم من عذاب نار جهنـم بإماتتهم، فـيخفف ذلك عنهم، كما: ٢٢١٩٠ـ حدثنـي مُطرّف بن عبد اللّه الضّبّـي، قال: حدثنا أبو قُتـيبة، قال: حدثنا أبو هلال الراسبـيّ، عن قتادة عن أبـي السوداء، قال: مساكين أهل النار لا يـموتون، لو ماتوا لاستراحوا. ٢٢١٩١ـ حدثنـي عقبة عن سنان القزاز، قال: حدثنا غَسان بن مضر، قال: حدثنا سعيد بن يزيد وحدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَـية، عن سعيد بن يزيد وحدثنا سَوّار بن عبد اللّه ، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، حدثنا أبو سَلَـمة، عن أبـي نضرة، عن أبـي سعيد، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (أمّا أهْلُ النّارالّذِينَ هُمْ أهْلُها فإنّهُمْ لا يَـمُوتُونَ فِـيها ولا يَحْيَوْنَ، لكنّ ناسا أو كما قال تُصِيبُهُمْ النّارُ بِذُنُوبِهِمْ، أو قال: بِخَطاياهُمْ، فَـيُـمِيتُهُمْ إماتَةً حتـى إذَا صَارُوا فَحْما أَذِنَ فِـي الشّفـاعَةِ، فَجِيءَ بِهِمْ ضَبـائِرَ، فَبُثّوا علـى أهْلِ الـجَنّةِ، فَقالَ: يا أهلَ الـجَنّةِ أفِـيضُوا عَلَـيْهِمْ فَـيَنْبُتَونَ كمَا تَنْبُتُ الـحَبّةُ فِـي حَمِيـلِ السّيْـلِ) فقال رجل من القوم حينئذٍ: كأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قد كان بـالبـادية. فإن قال قائل: وكيف قـيـل: ولاَ يخَفّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِهَا وقد قـيـل فـي موضع آخر: كُلّـما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيرا؟ قـيـل: معنى ذلك: ولا يخفف عنهم من هذا النوع من العذاب. و قوله: كَذَلكَ نَـجْزِي كُلّ كَفُورٍ يقول تعالـى ذكره: هكذا يكافـىء كلّ جحود لنعم ربه يوم القـيامة، بأن يدخـلهم نار جهنـم بسيئاتهم التـي قدّموها فـي الدنـيا. و قوله: وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِـيها رَبّنا أخْرِجْنا نَعْمَلْ صَالِـحا غيرَ الّذِي كُنّا نعملُ يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الكفـار يستغيثون، ويضجون فـي النار، يقولون: يا ربنا أخرجنا نعمل صالـحا: أي نعمل بطاعتك غَيرَ الّذِي كُنّا نَعْمَلُ قبلُ من معاصيك. و قوله: يَصْطَرخُونَ يفتعلون من الصّراخ، حوّلتْ تاؤها طاء لقرب مخرجها من الصاد لـما ثَقُلت. و قوله: أوَ لَـمْ نُعَمّرْكُمْ ما يَتَذَكّرُ فِـيهِ مَنْ تَذَكّرَ اختلف أهل التأويـل فـي مبلغ ذلك، فقال بعضهم: ذلك أربعون سنة. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٩٢ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، قال: حدثنا عبد اللّه بن عثمان بن خُثَـيـم، عن مـجاهد ، قال: سمعت ابن عباس يقول: العمر الذي أعذر اللّه إلـى ابن آدم أوَ لَـمْ نُعَمّرْكُمْ ما يَتَذَكّرُ فِـيهِ مَنْ تَذَكّرَ: أربعون سنة. ٢٢١٩٣ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، عن مـجالد، عن الشعبـي، عن مسروق أنه كان يقول: إذا بلغ أحدكم أربعين سنة، فلـيأخذ حِذْره من اللّه . وقال آخرون: بل ذلك ستون سنة. ذكر من قال ذلك: ٢٢١٩٤ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن خُثَـيْـم، عن مـجاهد ، عن ابن عباس أو لَـمْ نُعَمّرْكُمْ ما يَتَذَكّرُ فِـيهِ مَنْ تَذَكّرَ قال: ستون سنة. حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت عبد اللّه بن عثمان بن خُثَـيْـم، عن مـجاهد ، عن ابن عباس ، قال: العمر الذي أعذر اللّه فـيه لابن آدم ستون سنة. ٢٢١٩٥ـ حدثنا علـيّ بن شعيب، قال: حدثنا مـحمد بن إسماعيـل بن أبـي كديك، عن إبراهيـم بن الفضل، عن أبـي حسين الـمكيّ، عن عطاء بن أبـي رَبـاح، عن ابن عباس ، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إذَا كانَ يَوْمُ القِـيامَةِ نُودِيَ: أيْنَ أبْناءُ السّتّـينَ، وَهُوَ العُمُرُ الّذِي قالَ اللّه : أوَ لَـمْ نُعَمّرْكُمْ ما يَتَذَكّرُ فِـيهِ مَنْ تَذَكّرَ وَجاءَكُمُ النّذِيرُ) . ٢٢١٩٦ـ حدثنـي أحمد بن الفرج الـحِمْصِيّ، قال: حدثنا بقـية بن الولـيد، قال: حدثنا مُطَرّف بن مازن الكنانـيّ، قال: ثنـي معمر بن راشد، قال: سمعت مـحمد بن عبد الرحمن الغفـاريّ يقول: سمعت أبـا هريرة يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (لَقَدْ أَعْذَرَ اللّه إلـى صَاحِبِ السّتّـينَ سَنَةً والسّبْعِينَ) . ٢٢١٩٧ـ حدثنا أبو صالـح الفزاري، قال: حدثنا مـحمد بن سوار، قال: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن بن عبد القاريّ الإسكندريّ، قال: حدثنا أبو حازم، عن سعيد الـمقبريّ، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (مَنْ عَمّرَهُ اللّه سِتّـينَ سَنَةً فَقَدْ أعْذَرَ إلَـيْهِ فِـي العُمْرِ) . ٢٢١٩٨ـ حدثنا مـحمد بن سوار، قال: حدثنا أسد بن حميد، عن سعيد بن طريف، عن الأصبغ بن نبـاتة، عن علـيّ رضي اللّه عنه، فـي قوله: أوَ لَـمْ نُعَمّرْكُمْ ما يَتَذَكّرُ فِـيهِ مَنْ تَذَكّرَ وَجاءَكُمُ النّذِيرُ قال: العمر الذي عمركم اللّه به ستون سنة. وأشبه القولـين بتأويـل الاَية إذ كان الـخبر الذي ذكرناه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خبرا فـي إسناده بعض من يَجِب التثبت فـي نقله، قول من قال ذلك أربعون سنة، لأن فـي الأربعين يتناهى عقل الإنسان وفهمه، وما قبل ذلك وما بعده منتقَص عن كماله فـي حال الأربعين. و قوله: وَجاءَكُمُ النّذيرُ اختلف أهل التأويـل فـي معنى النذير، فقال بعضهم: عنى به مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم . ذكر من قال ذلك: ٢٢١٩٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَجاءَكُمُ النّذِيرُ قال: النذير: النبي . وقرأ: هذا نَذِيرٌ مِنَ النّذُرِ الأُولـى. و قـيـل: عَنَى به الشيب. فتأويـل الكلام إذن: أو لـم نعمركم يا معشر الـمشركين بـاللّه من قُرَيش من السنـين، ما يتذكر فـيه من تذكر، من ذوي الألبـاب والعقول، واتعظ منهم من اتعظ، وتاب من تاب، وجاءكم من اللّه منذر يُنذركم ما أنتـم فـيه الـيوم من عذاب اللّه ، فلـم تتذكّروا مواعظ اللّه ، ولـم تقبلوا من نذير اللّه الذي جاءكم ما أتاكم به من عند ربكم. ٣٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الّذِي كُـنّا نَعْمَلُ ...}. يقول تعالـى ذكره: فَذُوقُوا نار عذاب جهنـم الذي قد صَلِـيتـموه أيها الكافرون بـاللّه فَمَا للظّالِـمِينَ مِنْ نَصِير يقول: فما للكافرين الذين ظلـموا أنفسهم فأكسَبُوها غضب اللّه بكفرهم بـاللّه فـي الدنـيا من نصير ينصرهم من اللّه لـيستنقذهم من عقابه. ٣٨و قوله: إنّ اللّه عالِـمُ غَيْبِ السّمَوَاتِ والأرْضِ يقول تعالـى ذكره: إن اللّه عالـم ما تُـخْفون أيها الناس فـي أنفسكم وتُضْمرونه، وما لـم تضمروه ولـم تنوُوه مـما ستنوُونه، وما هو غائب عن أبصاركم فـي السموات والأرض، فـاتقوه أن يَطّلع علـيكم، وأنتـم تضمرون فـي أنفسكم من الشكّ فـي وحدانـية اللّه ، أو فـي نبوّة مـحمد، غير الذي تبدونه بألسنتكم، إِنّه عَلِـيـمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ. ٣٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {هُوَ الّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ...}. يقول تعالـى ذكره: اللّه الذي جعلكم أيها الناس خلائف فـي الأرض من بعد عاد وثمود، ومن مضى من قبلكم من الأمـم فجعلكم تـخـلفونهم فـي ديارهم ومساكنهم، كما: ٢٢٢٠٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: هُوَ الّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فـي الأرْضِ أمة بعد أُمة، وقرنا بعد قرن. و قوله: فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَـيْهِ كُفْرُهُ يقول تعالـى ذكره: فمن كفر بـاللّه منكم أيها الناس، فعلـى نفسه ضرّ كفره، لا يضرّ بذلك غير نفسه، لأنه الـمعاقب علـيه دون غيره. و قوله: وَلا يَزِيدُ الكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبّهِمْ إلاّ مَقْتا يقول تعالـى: ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلاّ بُعدا من رحمة اللّه وَلا يَزِيدُ الكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إلاّ خَسارا يقول: ولا يزيد الكافرين كفرهم بـاللّه إلاّ هلاكا. ٤٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ الّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّه ...}. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : قُلْ يا مـحمد لـمشركي قومك أرأيْتُـمْ أيها القوم شُرَكاءَكُمُ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّه أرُونِـي ماذَا خَـلَقُوا مِنَ الأرْضِ يقول: أرونـي أيّ شيء خـلقوا من الأرض أمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِـي السّمَوَاتِ يقول: أم لشركائكم شرك مع اللّه فـي السموات، إن لـم يكونوا خَـلَقوا من الأرض شيئا أَمْ آتَـيْناهُمْ كِتابـا فَهُمْ عَلـى بَـيّنَةٍ مِنْهُ يقول: أم آتـينا هؤلاء الـمشركين كتابـا أنزلناه علـيهم من السماء بأن يشركوا بـاللّه الأوثان والأصنام، فهم علـى بـيّنة منه، فهم علـى برهان مـما أمرتهم فـيه من الإشراك بـي. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٢٢٠١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قُلْ أرأيْتُـمْ شُرَكاءَكُمُ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّه أرُونِـي ماذَا خَـلَقُوا مِنَ الأرْضِ لا شيء واللّه خَـلَقوا منها أمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِـي السّمَوَاتِ لا واللّه ما لهم فـيها شرك أمْ آتَـيْناهُمْ كِتابـا فَهُمْ عَلـى بَـيّنَةٍ منه، يقول: أم آتـيناهم كتابـا فهو يأمرهم أن يشركوا. و قوله: بَلْ إنْ يَعِدُ الظّالِـمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضا إلاّ غُرُورا وذلك قول بعضهم لبعض: ما نعْبُدُهُمْ إلاّ لِـيُقَرّبُونا إلـى اللّه زُلْفَـى خداعا من بعضهم لبعض وغرورا، وإنـما تزلفهم آلهتهم إلـى النار، وتقصيهم من اللّه ورحمته. ٤١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ اللّه يُمْسِكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أَن تَزُولاَ ...}. يقول تعالـى ذكره: إنّ اللّه يُـمْسِكُ السّمَوَاتِ وَالأرْضَ لئلا تزولا من أماكنهما وَلَئِنْ زَالَتا يقول: ولو زالتا إنْ أمْسَكَهُما مِنْ أحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ يقول: ما أمسكهما أحد سواه. ووضعت (لئن) فـي قوله وَلَئِنْ زَالَتا فـي موضع (لو) لأنهما يجابـان بجواب واحد، فـيتشابهان فـي الـمعنى ونظير ذلك قوله: وَلَئِنْ أرْسَلْنا رِيحا فَرَأَوْهُ مُصْفَرّا لَظَلّوا مِنْ بَعْدِهِ يكْفُرُونَ بـمعنى: ولو أرسلنا ريحا، وكما قال: ولئن أتَـيْتَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ بـمعنى: لو أتـيت. وقد بـيّنا ذلك فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٢٢٠٢ـ حدثَنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إنّ اللّه يُـمْسِكُ السّمَوَات والأرْضَ أنْ تَزُولا من مكانهما. ٢٢٢٠٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن أبـي وائل، قال: جاء رجل إلـى عبد اللّه ، فقال: من أين جئت؟ قال: من الشأم، قال: مَن لقـيتَ؟ قال: لقـيتُ كعبـا، فقال: ما حدّثك كعب؟ قال: حدثنـي أن السموات تدور علـى منكب ملك، قال: فصدّقته أو كذّبته؟ قال: ما صدّقته ولا كذّبته، قال: لوددت أنك افتديت من رحلتك إلـيه براحلتك ورحلها، وكذب كعب إن اللّه يقول: إنّ اللّه يُـمْسِكُ السّمَوَاتِ والأرْضَ أنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتا إنْ أمْسَكَهُما مِنْ أحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ. ٢٢٢٠٤ـ حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيـم، قال: ذهب جُندَب البَجَلـيّ إلـى كعب الأحبـار، فقدم علـيه ثم رجع، فقال له عبد اللّه : حدّثنا ما حدّثك، فقال: حدثنـي أن السماء فـي قطب كقطب الرحا، والقطب عمود علـى مَنكِب ملك، قال عبد اللّه : لوددت أنك افتديت رحلتك بـمثل راحلتك ثم قال: ما تنتكت الـيهودية فـي قلب عبد فكادت أن تفـارقه، ثم قال: إنّ اللّه يُـمْسِكُ السّمَوَاتِ وَالأرْضَ أنْ تَزُولا كفـى بها زوالاً أن تدور. و قوله: إنّهُ كانَ حَلِـيـما غَفُورا يقول تعالـى ذكره: إن اللّه كان حلـيـما عمن أشرك وكفر به من خـلقه فـي تركه تعجيـل عذابه له، غفورا لذنوب من تاب منهم، وأناب إلـى الإيـمان به، والعمل بـما يرضيه. ٤٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَقْسَمُواْ بِاللّه جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ ...}. يقول تعالـى ذكره: وأقسم هؤلاء الـمشركون بـاللّه جهد أيـمانهم يقول: أشدّ الإيـمان، فبـالغوا فـيها، لئن جاءهم من اللّه مُنذر ينذرهم بأس اللّه لَـيَكُونُنّ أهْدَى مِنْ إحْدَى الأُمَـمِ يقول: لـيكونُنّ أسلك لطريق الـحقّ، وأشدّ قبولاً لِـما يأتـيهم به النذير من عند اللّه ، من إحدى الأمـم التـي خـلت من قبلهم فَلَـمّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ يعني بـالنذير: مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم ، يقول: فلـما جاءهم مـحمد ينذرهم عقاب اللّه علـى كفرهم، كما: ٢٢٢٠٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فَلَـمّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ وهو مـحمد صلى اللّه عليه وسلم . و قوله: ما زَادَهُمْ إلاّ نُفُورا يقول: ما زادهم مـجِيء النذير من الإيـمان بـاللّه واتبـاع الـحقّ، وسلوك هدى الطريق، إلاّ نفورا وهربـا. ٤٣و قوله: اسْتِكْبـارا فِـي الأرْضِ يقول: نفروا استكبـارا فـي الأرض، وخِدْعة سيئة، وذلك أنهم صدّوا الضعفـاء عن اتبـاعه مع كفرهم به. والـمكر هاهنا: هو الشرك، كما: ٢٢٢٠٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة : وَمَكْرَ السّيّىءِ وهو الشرك. وأضيف الـمكر إلـى السيىء، والسيىء من نعت الـمكر، كما قـيـل: إن هذا لهو حقّ الـيقـين. و قـيـل: إن ذلك فـي قراءة عبد اللّه : (وَمَكْرا سَيّئا) ، وفـي ذلك تـحقـيق القول الذي قلناه من أن السيىء فـي الـمعنى من نعت الـمكر. وقرأ ذلك قرّاء الأمصار غير الأعمش وحمزة بهمزة مـحركة بـالـخفض. وقرأ ذلك الأعمش وحمزة بهمزة وتسكين الهمزة اعتلالاً منهما بأن الـحركات لـما كثرت فـي ذلك ثقل، فسكنا الهمزة، كما قال الشاعر: (إذا اعْوَجَجْنَ قُلْتُ صَاحِبْ قَوّمِ ) فسكّن البـاء، لكثرة الـحركات. والصواب من القراءة ما علـيه قرّاء الأمصار من تـحريك الهمزة فـيه إلـى الـخفض، وغير جائز فـي القرآن أن يقرأ بكل ما جاز فـي العربـية، لأن القراءة إنـما هي ما قرأت به الأئمة الـماضية، وجاء به السلف علـى النـحو الذي أخذوا عمن قبلهم. و قوله: وَلا يَحِيقُ الـمَكْرُ السّيّىءُ إلاّ بأهْلِهِ يقول: ولا ينزل الـمكر السيىء إلاّ بأهله، يعني بـالذين يـمكرونه وإنـما عَنَى أنه لا يحل مكروه ذلك الـمكر الذي مكره هؤلاء الـمشركون إلاّ بهم. وقال قتادة فـي ذلك ما: ٢٢٢٠٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَلا يَحِيقُ الـمَكْرُ السّيّىءُ إلاّ بأهْلِهِ وهو الشرك. و قوله: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ سُنّةَ الأوّلِـينَ يقول تعالـى ذكره: فهل ينتظر هؤلاء الـمشركون من قومك يا مـحمد إلاّ سنة اللّه بهم فـي عاجل الدنـيا علـى كفرهم به ألـيـمَ العقاب. يقول: فهل ينتظر هؤلاء إلاّ أن أُحلّ بهم من نقمتـي علـى شركهم بـي وتكذيبهم رسولـي مثل الذي أحللت بـمن قبلهم من أشكالهم من الأمـم، كما: ٢٢٢٠٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إلاّ سُنّتَ الأوّلِـينَ: أي عقوبة الأوّلـين. فَلَنْ تَـجِدَ لِسُنّتِ اللّه تَبْدِيلاً يقول: فلن تـجد يا مـحمد لسنة اللّه تغيـيرا. و قوله: وَلَنْ تَـجِدَ لِسُنّتِ اللّه تَـحْوِيلاً يقول: ولن تـجد لسنّة اللّه فـي خـلقه تبديلاً يقول: لن يغير ذلك، ولا يبدّله، لأنه لا مردّ لقضائه. ٤٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ...}. يقول تعالـى ذكره: أو لـم يَسِرْ يا مـحمد هؤلاء الـمشركون بـاللّه ، فـي الأرض التـي أهلكنا أهلها بكفرهم بنا وتكذيبهم رسلنا، فإنهم تـجار يسلكون طريق الشأم فَـيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمـم التـي كانوا يـمرون بها ألـم نهلكهم ونـخربْ مساكنهم ونـجعلْهم مثلاً لـمن بعدهم، فـيتعظوا بهم، وينزجروا عما هم علـيه من عبـادة الاَلهة بـالشرك بـاللّه ، ويعلـموا أن الذي فعل بأولئك ما فعل وكانُوا أشَدّ مِنْهُمْ قُوّةً وَبَطْشا لن يتعذّر علـيه أن يفعل بهم مثل الذي فعل بأولئك من تعجيـل النقمة، والعذاب لهم. وبنـحو الذي قلنا فـي قوله: وكانُوا أشَدّ مِنْهُمْ قُوّةً قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٢٢٠٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وكانُوا أشَدّ مِنْهُمْ قُوّةً يخبركم أنه أعطى القوم ما لـم يعطكم. و قوله: وَما كانَ اللّه لِـيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِـي السّمَوَاتِ وَلا فِـي الأرْضِ يقول تعالـى ذكره: ولن يعجزنا هؤلاء الـمشركون بـاللّه من عبدة الاَلهة، الـمكذّبون مـحمدا فـيسبقونا هربـا فـي الأرض، إذا نـحن أردنا هلاكهم، لأن اللّه لـم يكن لـيعجزه شيء يريده فـي السموات ولا فـي الأرض، ولن يقدر هؤلاء الـمشركون أن ينفُذوا من أقطار السموات والأرض. و قوله: إنّهُ كانَ عَلِـيـما قَدِيرا يقول تعالـى ذكره: إن اللّه كان علـيـما بخـلقه، وما هو كائن، ومن هو الـمستـحقّ منهم تعجيـل العقوبة، ومَن هو عن ضلالته منهم راجع إلـى الهدى آئب، قديرا علـى الانتقام مـمن شاء منهم، وتوفـيق من أراد منهم للإيـمان. ٤٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّه النّاسَ بِمَا كَسَبُواْ ...}. يقول تعالـى ذكره: ولو يؤاخذ اللّه الناس. يقول: ولو يعاقب اللّه الناس، ويكافئهم بـما عملوا من الذنوب والـمعاصي، واجترحوا من الاَثام، ما تَرَك علـى ظهرها من دابة تدبّ علـيها وَلَكِنْ يُؤَخّرُهُمْ إلـى أجَلٍ مُسَمّى يقول: ولكن يؤخر عقابهم ومؤاخذتهم بـما كسبوا إلـى أجل معلوم عنده، مـحدود لا يقصرون دونه، ولا يجاوزونه إذا بلغوه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٢٢١٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّه النّاسَ بِـمَا كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلـى ظَهْرِها مِنْ دَابّةٍ إلاّ ما حمل نوح فـي السفـينة. و قوله: فإذَا جاءَ أجَلُهُمْ فإنّ اللّه كانَ بِعِبـادِهِ بَصِيرا يقول تعالـى ذكره: فإذا جاء أجل عقابهم، فإن اللّه كان بعبـاده بصيرا من الذي يستـحقّ أن يعاقب منهم، ومن الذي يستوجب الكرامة، ومن الذي كان منهم فـي الدنـيا له مطيعا، ومن كان فـيها به مشركا، لا يخفـى علـيه أحد منهم، ولا يعزب عنه علـم شيء من أمرهم. آخر تفسير سورة فـاطر |
﴿ ٠ ﴾