تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة الصافات

مكية وآياتها ثِنتانِ وثمانون ومائة

بسم اللّه الرحمَن الرحيـم

١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالصّافّاتِ صَفّا }.

قال أبو جعفر: أقسم اللّه تعالـى ذكره بـالصّافـات، والزاجرات، والتالـيات ذكرا فأما الصّافـات: فإنها الـملائكة الصافـات لربها فـي السماء وهي جمع صافّة، فـالصافـات: جَمْعُ جَمْعٍ، وبذلك جاء تأويـل أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٣٩٢ـ حدثنـي سلْـم بن جنادة، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلـم، قال: كان مسروق يقول فـي الصّافّـات: هي الـملائكة.

٢٢٣٩٣ـ حدثنا إسحاق بن أبـي إسرائيـل، قال: أخبرنا النضر بن شميـل، قال: أخبرنا شُعْبة، عن سلـيـمان، قال: سمعت أبـا الضحى، عن مسروق، عن عبد اللّه ، بـمثله.

٢٢٣٩٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة والصّافّـات صَفّـا قال: قسم أقسم اللّه بخـلق، ثم خـلق، ثم خـلق، والصّافـات: الـملائكة صُفوفـا فـي السماء.

٢٢٣٩٥ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: والصّافّـاتِ قال: هم الـملائكة.

٢٢٣٩٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: والصّافّـاتِ صَفّـا قال: هذا قسم أقسم اللّه به.

٢

واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: فـالزّاجِرَاتِ زَجْرا فقال بعضهم: هي الـملائكة تزجُر السحاب تسوقه. ذكر من قال ذلك:

٢٢٣٩٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: فـالزّاجِرَاتِ زَجْرا: قال: الـملائكة.

٢٢٣٩٨ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: فـالزّاجِرَاتِ زَجْرا قال: هم الـملائكة.

وقال آخرون: بل ذلك آي القرآن التـي زجر اللّه بها عما زَجر بها عنه فـي القرآن. ذكر من قال ذلك:

٢٢٣٩٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فـالزّاجِرَاتِ زَجْرا قال: ما زَجَر اللّه عنه فـي القرآن.

والذي هو أولـى بتأويـل الاَية عندنا ما قال مـجاهد ، ومن قال هم الـملائكة، لأن اللّه تعالـى ذكره، ابتدأ القسم بنوع من الـملائكة، وهم الصافون بإجماع من أهل التأويـل، فلأن يكون الذي بعد قسما بسائر أصنافهم أشبه.

٣

و قوله: فـالتّالِـياتِ ذِكْرا يقول: فـالقارئات كتابـا.

واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بذلك، فقال بعضهم: هم الـملائكة. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٠٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـالتّالِـياتِ ذِكْرا قال: الـملائكة.

٢٢٤٠١ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فـالتّالِـياتِ ذِكْرا قال: هم الـملائكة.

وقال آخرون: هو ما يُتلـى فـي القرآن من أخبـار الأمـم قبلنا. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٠٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فـالتّالـيات ذِكْرا قال: ما يُتلـى علـيكم فـي القرآن من أخبـار الناس والأمـم قبلكم.

٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى{إِنّ إِلَـَهَكُمْ لَوَاحِدٌ }.

 يعني تعالـى ذكره ب قوله: إنّ إلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ والصافـات صفـا إن معبودكم الذي يستوجب علـيكم أيها الناس العبـادة، وإخلاص الطاعة منكم له لواحد لا ثانـي له ولا شريك. يقول: فأخـلصوا العبـادة وإياه فأفردوا بـالطاعة، ولا تـجعلوا له فـي عبـادتكم إياه شريكا.

٥

و قوله: رَبّ السّمَوَاتِ والأرْضِ وَما بَـيْنَهُما يقول: هو واحد خالق السموات السبع وما بـينهما من الـخـلق، ومالك ذلك كله، والقـيّـمِ علـى جميع ذلك، يقول: فـالبعادة لا تصلـح إلا لـمن هذه صفته، فلا تعبدوا غيره، ولا تشركوا معه فـي عبـادتكم إياه من لا يضرّ ولا ينفع، ولا يخـلق شيئا ولا يُفْنـيه.

واختلف أهل العربـية فـي وجه رفع ربّ السموات، فقال بعض نـحويـيّ البصرة: رُفع علـى معنى: إن إلهكم لربّ. وقال غيره: هو رَدّ علـى إن إلهكم لواحد ثم فَسّر الواحد، فقال: ربّ السموات، وهو ردّ علـى واحد. وهذا القول عندي أشبه بـالصواب فـي ذلك، لأن الـخبر ه

و قوله: لَوَاحِدٌ،

و قوله: رَبّ السّمَوَاتِ ترجمة عنه، وبـيان مردود علـى إعرابه.

و قوله: وَرَبّ الـمَشارِقِ يقول: ومدبر مشارق الشمس فـي الشتاء والصيف ومغاربها، والقـيّـم علـى ذلك ومصلـحه وترك ذكر الـمغارب لدلالة الكلام علـيه، واستغنـي بذكر الـمشارق من ذكرها، إذ كان معلوما أن معها الـمغارب. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٠٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إنّ إلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ وقع القسم علـى هذا إن إلهكم لواحد رَبّ السّمَوَاتِ والأرْضِ وَما بَـيْنَهُما وَرَبّ الـمَشارِقِ قال: مشارق الشمس فـي الشتاء والصيف.

٢٢٤٠٤ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قلا: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: رَبّ الـمَشارِقِ قال: الـمشارق ستون وثلاثُ مئة مَشْرِق، والـمغارب مثلها، عدد أيام السنة.

٦

و قوله: إنّا زَيّنا السّماءَ الدّنـيْا بزِينَةٍ الكَوَاكِبِ اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: بِزِينَةٍ الكَوَاكِبِ فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة: (بزينةِ الكواكبِ) بإضافة الزينة إلـى الكواكب، وخفض الكواكب إنّا زَيّنّا السّماءَ الدّنـيْا التـي تلـيكم أيها الناس وهي الدنـيا إلـيكم بتزيـيها الكواكب: أي بأنّ زينتها الكواكب. وقرأ ذلك جماعة من قرّاء الكوفة: بِزِينَةٍ الكَوَاكبِ بتنوين زينة، وخفض الكواكبَ ردّا لها علـى الزينة، بـمعنى: إنا زينا السماء الدنـيا بزينة هي الكواكب، كأنه قال: زيناها بـالكواكب. ورُوِي عن بعض قرّاء الكوفة أنه كان ينوّن الزّينة وينصب الكواكبَ، بـمعنى: إنا زيّنا السماء الدنـيا بتزيـيننا الكواكبَ. ولو كانت القراءة فـي الكواكب جاءت رفعا إذا نونّت الزينة، لـم يكن لـحنا، وكان صوابـا فـي العربـية، وكان معناه: إنا زينا السماء الدنـيا بتزيـينها الكواكب: أي بأن زينتها الكواكب وذلك أن الزينة مصدر، فجائز توجيهها إلـى أيّ هذه الوجوه التـي وُصِفت فـي العربـية.

وأما القراءة فأعجبها إلـيّ بإضافة الزينة إلـى الكواكب وخفض الكواكب لصحة معنى ذلك فـي التأويـل والعربـية، وأنها قراءة أكثر قرّاء الأمصار، وإن كان التنوين فـي الزينة وخفض الكواكب عندي صحيحا أيضا. فأما النصب فـي الكواكب والرفع، فلا أستـجيز القراءة بهما، لإجماع الـحجة من القرّاء علـى خلافهما، وإن كان لهما فـي الإعراب والـمعنى وجه صحيح.

وقد اختلف أهل العربـية فـي تأويـل ذلك إذا أضيفت الزينة إلـى الكواكب، فكان بعض نـحويّـي البصرة يقول: إذا قرىء ذلك كذلك، فلـيس يعني بعضَها، ولكن زينتها حسنها وكان غيره يقول: معنى ذلك إذا قرىء كذلك: إنا زينا السماء الدنـيا بأن زينتها الكواكب. وقد بـيّـينا الصواب فـي ذلك عندنا.

٧

و قوله: وَحِفْظا

يقول تعالـى ذكره: وَحِفْظا للسماء الدنـيا زيناها بزينة الكواكب.

وقد اختلف أهل العربـية فـي وجه نصب قوله: وَحِفْظا فقال بعض نـحويـي البصرة: قال وحفظا، لأنه بدل من اللفظ بـالفعل، كأنه قال، وحفظناها حفظا. وقال بعض نـحويـي الكوفة: إنـما هو من صلة التزيـين أنا زينا السماء الدنـيا حفظا لها، فأدخـل الواو علـى التكرير: أي وزيناها حفظا لها، فجعله من التزيـين وقد بـيّنا القول فـيه عندنا. وتأويـل الكلام: وحفظا لها من كل شيطان عات خبـيث زيناها، كما:

٢٢٤٠٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَحِفْظا يقول: جعلتها حفظا من كلّ شيطان مارد.

٨

و قوله: لا يَسّمّعُونَ إلـى الـمَلإِ الأعْلَـى اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: لا يَسّمّعُونَ، فقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة والبصرة، وبعض الكوفـيـين: (لا يَسْمَعُونَ) بتـخفـيف السين من يسمعون، بـمعنى أنهم يتسمّعون ولا يسمعون. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين بعد لا يسّمّعون بـمعنى: لا يتسمعون، ثم أدغموا التاء فـي السين فشدّدوها.

وأولـى القراءتـين فـي ذلك عندي بـالصواب قراءة من قرأه بـالتـخفـيف، لأن الأخبـار الواردة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعن أصحابه، أن الشياطين قد تتسمع الوحي، ولكنها تُرمَى بـالشهب لئلا تسمع. ذكر رواية بعض ذلك:

٢٢٤٠٦ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، قال: كانت للشياطين مَقاعد فـي السماء، قال: فكانوا يسمعون الوحي، قال: وكانت النـجوم لا تـجري، وكانت الشياطين لا تُرمَى، قال: فإذا سمعوا الوحي نزلوا إلـى الأرض، فزادوا فـي الكلـمة تسعا قال: فلـما بُعِثَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جعل الشيطانُ إذا قعد مقعده جاء شهاب، فلـم يُخْطه حتـى يحرقه، قال: فشكوا ذلك إلـى إبلـيس، فقال: ما هو إلا لأمر حدث قال: فبعث جنوده، فإذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قائم يصلـي بـين جبلـي نـخـلة قال أبو كُرَيب، قال وكيع: يعني بطن نـخـلة، قال: فرجعوا إلـى إبلـيس فأخبروه، قال: فقال هذا الذي حدث.

حدثنا ابن وكيع وأحمد بن يحيى الصوفـي قالا: حدثنا عبـيد اللّه ، عن إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، قال: كانت الـجنّ يصعدون إلـى السماء الدنـيا يستـمعون الوحي، فإذا سمعوا الكلـمة زادوا فـيها تسعا، فأما الكلـمة فتكون حقا، وأما ما زادوا فـيكون بـاطلاً فلـما بُعث النبي صلى اللّه عليه وسلم مُنِعوا مقاعدَهم، فذكروا ذلك لإبلـيس، ولـم تكن النـجوم يُرْمى بها قبل ذلك، فقال لهم إبلـيس: ما هذا إلا لأمر حدث فـي الأرض، فبعث جنوده، فوجدوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قائما يصلـي، فأتوه فأخبروه، فقال: هذا الـحدث الذي حدث.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن رجاء، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عباس ، قال: كانت الـجنّ لهم مقاعد، ثم ذكر نـحوه.

٢٢٤٠٧ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي الزهريّ، عن علـيّ بن الـحسين، عن أبـي إسحاق، عن ابن عباس ، قال: حدثنـي رهط من الأنصار، قالوا: بـينا نـحن جلوس ذات لـيـلة مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، إذ رأى كوكبـا رُمي به، فقال: (ما تقولون فـي هذا الكوكب الذي يُرمَى به؟) فقلنا: يُولد مولود، أو يهلك هالك، ويـموت ملك ويـملك ملك، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (لَـيْسَ كَذَلكَ، ولكِنّ اللّه كانَ إذَا قَضَى أمْرا فِـي السّماءِ سَبّحَ لِذَلِكَ حَمَلَةُ العَرْشِ، فَـيُسَبّحُ لِتَسْبِـيحِهِمْ مَنْ يَـلِـيهِمْ مِنْ تَـحْتِهِمْ مِنَ الـمَلائِكَةِ، فَمَا يَزَالُونَ كذلكَ حتـى يَنْتَهِيَ التّسْبِـيحُ إلـى السّماءِ الدّنـيْا، فَـيَقُولُ أهْلُ السّماءِ الدّنـيْا لِـمَنْ يَـلِـيهِمْ مِنَ الـمَلائِكَةِ مِـمّ سَبّحْتُـمْ؟ فَـيَقُولُونَ: ما نَدْرِي: سَمِعْنا مَنْ فَوْقَنا مِنَ الـمَلائِكَةِ سَبّحُوا فَسَبّحْنا اللّه لتَسْبِـيحِهِمْ ولكِنّا سَنَسأَلُ، فَـيَسأَلُونَ مَنْ فَوْقَهُمْ، فَمَا يَزَالُونَ كَذلكَ حتـى يَنْتَهِيَ إلـى حَمَلَةٍ العَرْشِ، فَـيَقُولُونَ: قَضَى اللّه كَذَا وكَذَا، فَـيُخْبِرُونَ بِهِ مَنْ يَـلِـيهِمْ حتـى يَنْتَهُوا إلـى السّماءِ الدّنـيْا، فَتَسْتَرِقُ الـجِنّ ما يَقُولُونَ، فَـيَنْزِلُونَ إلـى أَوْلِـيائِهِمْ مِنَ الإنْسِ فَـيَـلْقُونَهُ علـى ألْسِنَتِهِمْ بِتَوَهّمِ مِنْهُمْ، فَـيُخْبِرُونَهُمْ بِهِ، فَـيَكُونَ بَعْضُهُ حَقّا وَبَعْضُهُ كَذِبـا، فَلَـمْ تَزَلِ الـجِنّ كذلك حتـى رُمُوا بِهِذِهِ الشّهُبِ) .

٢٢٤٠٨ـ حدثنا ابن وكيع وابن الـمثنى، قالا: حدثنا عبد الأعلـى، عن معمر، عن الزهريّ، عن علـي بن حسين، عن ابن عباس ، قال بـينـما النبي صلى اللّه عليه وسلم فـي نفر من الأنصار، إذ رُمي بنـجم فـاستنار، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (ما كُنْتُـمْ تَقُولُونَ لِـمِثْلِ هَذَا فـي الـجاهِلِـيّةِ إذَا رأيْتُـمُوهُ؟) قالوا: كنا نقول: يـموت عظيـم أو يولد عظيـم، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (فإنّهُ لا يُرْمَى بِهِ لـمَوْتِ أحَدٍ وَلا لَـحَياتِهِ، وَلَكِنّ رَبّنا تَبـارَكَ اسمُهُ إذَا قَضَى أمْرا سَبّحَ حَمَلَهُ العَرْشِ، ثُمّ سَبّحَ أهْلُ السمّاءِ الّذِينَ يَـلُوَنهُمْ، ثُمّ الّذِينَ يَـلُوَنهُمْ حتـى يَبْلُغَ التّسْبِـيحُ أهْلَ هَذِهِ السّماءِ ثُمّ يَسأَلُ أهْلُ السّماءِ السابعة حملَة العرش: مَاذا قال ربنا؟ فـيخبرونهم، ثم يستـخبر أهل كل سماء، حتـى يبلغ الـخبر أهل السّماءِ الدّنـيْا، وتَـخْطِفُ الشّياطِينُ السّمْعَ، فَـيرْمُونَ، فَـيَقْذِفُونَهُ إلـى أوْلِـيائِهِم، فَمَا جاءُوا بِهِ علـى وَجْهِهِ فَهُوَ حَقّ، وَلَكِنّهُمْ يَزِيدُونَ) .

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: أخبرنا معمر، قال: حدثنا ابن شهاب، عن علـيّ بن حسين، عن ابن عباس قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جالسا فـي نّفَرٍ من أصحابه، قال: فرُمي بنـجم، ثم ذكر نـحوه، إلا أنه زاد فـيه: قلت للزهري: أكان يُرْمى بها فـي الـجاهلـية؟ قال: نعم، ولكنها غلظت حين بُعث النبي صلى اللّه عليه وسلم .

٢٢٤٠٩ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا عاصم بن علـيّ، قال: حدثنا أبـي علـيّ بن عاصم، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، قال: كان للـجنّ مقاعد فـي السَماء يسمعون الوحي، وكان الوحي إذا أُوحِي سمعت الـملائكة كهيئة الـحديدة يُرْمى بها علـى الصّفْوان، فإذا سمعت الـملائكة صلصلة الوحي خرّ لـجبـاههم مَنْ فـي السماء من الـملائكة، فإذا نزل علـيهم أصحاب الوحي قالُوا ماذَا قالَ رَبّكُمْ قالُوا الـحَقّ وَهُوَ العَلِـيّ الكَبِـيرُ قال: فـيتنادون، قال: ربكم الـحقّ وهو العلـيّ الكبـير قال: فإذا أنزل إلـى السماء الدنـيا، قالوا: يكون فـي الأرض كذا وكذا موتا، وكذا وكذا حياة، وكذا وكذا جدوبة، وكذا وكذا خِصْبـا، وما يريد أن يصنع، وما يريد أن يبتدىء تبـارك وتعالـى، فنزلت الـجنّ، فأوحوا إلـى أولـيائهم من الإنس، مـما يكون فـي الأرض، فبـيناهم كذلك، إذ بعث اللّه النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فزجرت الشياطين عن السماء ورَمَوهم بكواكب، فجعل لا يصعُد أحد منهم إلا احترق، وفزع أهل الأرض لِـمَا رأوا فـي الكواكب، ولـم يكن قبل ذلك، وقالوا: هلك مَنْ فـي السماء، وكان أهل الطائف أوّل من فزع، فـينطلق الرجل إلـى إبله، فـينـحَر كلّ يوم بعيرا لاَلهتهم، وينطلق صاحب الغنـم، فـيذبح كلّ يوم شاة، وينطلق صاحب البقر، فـيذبح كلّ يوم بقَرة، فقال لهم رجل: ويْـلَكم لا تُهْلكوا أموالكم، فإن معالـمكم من الكواكب التـي تهتدون بها لـم يسقط منها شيء، فأقلعوا وقد أسرعوا فـي أموالهم. وقال إبلـيس: حدث فـي الأرض حدث، فأتـي من كلّ أرض بتربة، فجعل لا يؤتـي بتربة أرض إلا شمها، فلـما أتـي بتربة تهامة قال: ههنا حدث الـحدث، وصرف اللّه إلـيه نفرا من الـجنّ وهو يقرأ القرآن، فقالوا: إنّا سَمِعْنا قُرآنا عَجَبـا حتـى ختـم الاَية، فولّوا إلـى قومهم منذرين.

٢٢٤١٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي ابن لهيعة، عن مـحمد بن عبد الرحمن، عن عُروة، عن عائشة أنها قالت: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (إنّ الـمَلائِكَةَ تَنْزِلُ فِـي العَنان وَهُوَ السّحابُ فَتَذْكُرُ ما قُضِيَ فِـي السّماءِ، فَتَسْتَرِقُ الشّياطِينُ السّمْعَ، فَتَسْمَعُهُ فَتُوحِيهِ إلـى الكُهّانِ، فَـيَكْذِبُونَ مَعَها مِئَةَ كِذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أنْفُسهِمْ) .

فهذه الأخبـار تُنبىء عن أن الشياطين تسمع، ولكنها تُرْمى بـالشهب لئلا تسمع. فإن ظنّ ظانّ أنه لـما كان فـي الكلام (إلـى) ، كان التسمع أولـى بـالكلام من السمع، فإن الأمر فـي ذلك بخلاف ما ظنّ، وذلك أن العرب تقول: سمعت فلانا يقول كذا، وسمعت إلـى فلان يقول كذا، وسمعت من فلان.

وتأويـل الكلام: إنا زينا السماء الدنـيا بزينة الكواكب. وحفظا من كلّ شيطان مارد أن لا يسّمّع إلـى الـملإ الأعلـى، فحذفت (إن) اكتفـاء بدلالة الكلام علـيها، كما

قـيـل: كذلك سلكناه فـي قلوب الـمـجرمين لا يؤمنون به بـمعنى: أن لا يؤمنوا به ولو كان مكان (لا) أن، لكان فصيحا، كما

قـيـل: يُبَـيّنُ اللّه لَكُمْ أنْ تَضِلّوا بـمعنى: أن لا تضلوا، وكما قال: وألْقَـى فِـي الأرْضِ رَوَاسيَ أنْ تَـمِيدَ بِكُمْ بـمعنى: أن لا تـميد بكم. والعرب قد تـجزم مع (لا) فـي مثل هذا الـموضع من الكلام، فتقول: ربطت الفرس لا يَنْفَلِتْ، كما قال بعض بنـي عُ

قَـيـل:

وَحتـى رأَيْنا أحْسَنَ الوُدّ بَـيْنَنامُساكَنَةً لا يَقْرِفِ الشّرّ قارِفُ

ويُروي: لا يقرف رفعا، والرفع لغة أهل الـحجاز فـيـما

قـيـل: وقال قتادة فـي ذلك ما:

٢٢٤١١ـ حدثنـي بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة لا يَسّمّعُونَ إلـى الـمَلإِ الأَعْلَـى قال: منعوها. و يعني ب قوله: إلـى الـمَلإِ: إلـى جماعة الـملائكة التـي هم أعلـى مـمن هم دونهم.

و قوله: وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلّ جانِبٍ دُحُورا ويُرْمَوْن من كلّ جانب من جوانب السماء

٩

دُحُورا والدحور: مصدر من قولك: دَحَرْته أدحَرُه دَحْرا ودُحورا، والدّحْر: الدفع والإبعاد، يقال منه: ادْحَرْ عنك الشيطان: أي ادفعه عنك وأبعده. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤١٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلّ جانِبٍ دُحُورا قذفـا بـالشهب.

٢٢٤١٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: وَيُقْذَفُونَ يُرمَوْن مِنْ كُلّ جانِبٍ قال: من كلّ مكان.

و قوله: دُحُورا قال: مطرودين.

٢٢٤١٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلّ جانبٍ دُحُورا قال: الشياطين يدحرون بها عن الاستـماع، وقرأ وقال: (إلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السّمْعَ فأتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ) .

و قوله: ولَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ

يقول تعالـى ذكره: ولهذه الشياطين الـمسترِقة السمع عذاب من اللّه واصب.

واختلف أهل التأويـل فـي معنى الواصب، فقال بعضهم: معناه: الـموجع. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤١٥ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن أبـي صالـح وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ قال: موجع.

٢٢٤١٦ـ وحدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: عَذَابٌ وَاصِبٌ قال: الـموجع.

وقال آخرون: بل معناه: الدائم. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤١٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد عن قتادة وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ: أي دائم.

٢٢٤١٨ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: عَذَابٌ وَاصِبٌ قال: دائم.

٢٢٤١٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ يقول: لهم عذاب دائم.

٢٢٤٢٠ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، عمن ذكره، عن عكرمة ولَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ قال: دائم.

٢٢٤٢١ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ قال: الواصب: الدائب.

وأولـى التأويـلـين فـي ذلك بـالصواب تأويـل من قال: معناه: دائم خالص، وذلك أن اللّه قال وَلَهُ الدّين وَاصِبـا فمعلوم أنه لـم يصفه بـالإيلام والإيجاع، وإنـما وصفه بـالثبـات والـخـلوص ومنه قول أبـي الأسود الدؤلـي:

لا أشْتَرِي الـحَمْدَ القَلِـيـلَ بَقاؤُهُيَوْما بِذَمّ الدّهْر أجمَعَ وَاصِبـا

أي دائما.

١٠

و قوله: إلاّ مَنْ خَطِفَ الـخَطْفَةَ يقول: إلا من استرق السمع منهم فأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ يعني : مضيء متوقد. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٢٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فأَتَبْعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ من نار وثقوبه: ضوؤه.

٢٢٤٢٣ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: شِهابٌ ثاقِبٌ قال: شهاب مضيء يحرقه حين يُرْمى به.

٢٢٤٢٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: فأَتْبَعَهُ شِهابٌ قال: كان ابن عباس يقول: لا يقتلون الشهاب، ولا يـموتون، ولكنها تـحرقهم من غير قتل، وتُـخَبّل وتُـخْدِج من غير قتل.

٢٢٤٢٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ قال: والثاقب: الـمستوقد قال: والرجل يقول: أَثْقِب نارك، ويقول: استثقِب نارك، استوقد نارك.

٢٢٤٢٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عبـيد اللّه ، قال: سُئل الضحاك ، هل للشياطين أجنـحة؟ فقال: كيف يطيرون إلـى السماء إلا ولهم أجنـحة.

١١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدّ خَلْقاً أَم مّنْ خَلَقْنَآ إِنّا خَلَقْنَاهُم ...

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : فـاستفت يا مـحمد هؤلا الـمشركين الذي يُنكرون البعث بعد الـمـمات والنشور بعد البلاء: يقول: فسَلْهم: أهم أشدّ خـلقا؟ يقول: أخـلقُهم أشدّ؟ أم يخـلق من عددنا خـلقه من الـملائكة والشياطين والسموات والأرض؟.

وذُكر أن ذلك فـي قراءة عبد اللّه بن مسعود: (أهُمْ أشَدّ خَـلْقا أمْ مَنْ عَدَدْنا) ؟. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٢٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد أهُمْ أشَدّ خَـلْقا أمْ مَنْ خَـلَقْنا؟ قال: السموات والأرض والـجبـال.

٢٢٤٢٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، عن الضحاك أنه قرأ: (أهُمْ أشَدّ خَـلْقا أمْ مَنْ عَدَدْنا) ؟. وفـي قراءة عبد اللّه بن مسعود (عَدَدْنا) يقول: رَبّ السّمَوَاتِ والأرْضِ وَما بَـيْنَهُما وَرَبّ الـمَشارِقِ يقول: أهم أشدّ خـلقا، أم السموات والأرض؟ يقول: السموات والأرض أشدّ خـلقا منهم.

٢٢٤٢٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة (فـاسْتَفْتِهِمْ أهُمْ أشَدّ خَـلْقا أمْ مَنْ عَدَدْنا) من خَـلْق السموات والأرض، قال اللّه : لَـخَـلَقُ السّمَواتِ والأرْضِ أكْبَرُ مِنْ خَـلْقِ النّاسِ... الاَية.

٢٢٤٣٠ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فـاسْتَفْتِهِمْ أهُمْ أشَدّ خَـلْقا قال يعني الـمشركين، سلهم أهم أشدّ خـلقا أمْ مَنْ خَـلَقْنا.

و قوله: إنّا خَـلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ يقول: إنا خـلقناهم من طين لاصق. وإنـما وصفه جل ثناؤه بـاللّزوب، لأنه تراب مخـلوط بـماء، وكذلك خَـلْق ابن آدم من تراب وماء ونار وهواء والتراب إذا خُـلط بـماء صار طينا لازبـا، والعرب تُبدل أحيانا هذه البـاء ميـما، فتقول: طين لازم ومنه قول النـجاشي الـحارثـي:

بَنَى اللّؤْمُ بَـيْتا فـاسْتَقَرّتْ عِمادُهُعلـيكُمْ بَنِـي النّـجّارِ ضَرْبَةَ لازِمِ

ومن اللازب قول نابغة بنـي ذُبـيان:

وَلا يَحْسِبُونَ الـخَيْرَ لا شَرّ بَعْدهُوَلا يَحْسَبُونَ الشّرّ ضَرْبَةَ لازِبِ

وربـما أبدلوا الزاي التـي فـي اللازب تاء، فـيقولون: طين لاتب، وذُكر أن ذلك فـي قَـيس زعم الفراء أن أبـا الـجرّاح أنشده:

صُدَاعٌ وَتَوْصِيـمُ العِظامِ وَفَتْرَةٌوَغَثْـيٌ معَ الإشْراقِ فـي الـجوْفِ لاتِبَ

بـمعنى: لازم، والفعل من لازب: لَزِبَ يَـلْزُب، لزْبـا ولُزوبـا، وكذلك من لاتب: لَتَبَ يَـلْتُب لُتُوبـا. وبنـحو الذي قلنا فـي معنى لازِبِ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٣١ـ حدثنـي عبـيد اللّه بن يوسف الـجُبَـيري، قال: حدثنا مـحمد بن كثـير، قال: حدثنا مسلـم، عن مـجاهد ، عن ابن عباس ، فـي قوله: مِنْ طِينٍ لازِبٍ قال: هو الطين الـحرّ الـجيد اللزج.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن، قالا: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن مسلـم البطين، عن سعيد، عن ابن عباس ، قال: اللازب: الـجيد.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبـي رَوْق، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال: اللازب: اللّزج، الطيب.

٢٢٤٣٢ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، فـي قوله: مِنْ طِينٍ لازِبٍ يقول: ملتصق.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: إنّا خَـلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ قال: من التراب والـماء فـيصير طينا يَـلْزَق.

٢٢٤٣٣ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، فـي قوله: إنّا خَـلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ قال: اللازب: اللّزِج.

٢٢٤٣٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، عن الضحاك إنّا خَـلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ واللازب: الطين الـجيد.

٢٢٤٣٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال اللّه : إنّا خَـلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ واللازب: الذي يَـلْزَق بـالـيد.

٢٢٤٣٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: مِنْ طِينٍ لازِبٍ قال: لازم.

٢٢٤٣٧ـ حدثنا عمرو بن عبد الـحميد الاَمُلـي، قال: حدثنا مروان بن معاوية، قال: حدثنا جُوَيبر، عن الضحاك ، فـي قوله: مِن طِينٍ لازِبٍ قال: هو اللازق.

٢٢٤٣٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: إنّا خَـلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ قال: اللازب: الذي يـلتصق كأنه غِراء، ذلك اللازب.

 ١٢

قوله: بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الكوفة: (بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ) بضم التاء من عجبت، بـمعنى: بل عظم عندي وكبر اتـخاذهم لـي شريكا، وتكذيبهم تنزيـلـي وهم يسخرون. وقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة بَلْ عَجِبْتَ بفتـح التاء بـمعنى: بل عجبت أنت يا مـحمد ويسخرون من هذا القرآن.

والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان فـي قرّاء الأمصار، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.

فإن قال قائل: وكيف يكون مصيبـا القارىء بهما مع اختلاف معنـيـيهما؟

قـيـل: إنهما وإن اختلف معنـياهما فكلّ واحد من معنـيـيه صحيح، قد عجب مـحمد مـما أعطاه اللّه من الفضل، وسحْر منه أهل الشرك بـاللّه ، وقد عجب ربنا من عظيـم ما قاله الـمشركون فـي اللّه ، وَسخِر الـمشركون بـما قالوه.

فإن قال: أكان التنزيـل بإحداهما أو بكلتـيهما؟

قـيـل: التنزيـل بكلتـيهما، فإن قال: وكيف يكون تنزيـل حرف مرّتـين؟

قـيـل: إنه لـم ينزل مرّتـين، إنـما أنزل مرّة، ولكنه أمر صلى اللّه عليه وسلم أن يقرأ بـالقراءتـين كلتـيهما، ولهذا مَوضع سنستقصي إن شاء اللّه فـيه البـيان عنه بـما فـيه الكفـاية. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٣٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ قال: عجب مـحمد علـيه الصلاة والسلام من هذا القرآن حين أُعطيه، وسخر منه أهل الضلالة.

١٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا ذُكّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وإذا ذُكّر هؤلاء الـمشركون حُجَجَ اللّه علـيهم لـيعتبروا ويتفكروا، فـينـيبوا إلـى طاعة اللّه لا يذكرون: يقول: لا ينتفعون بـالتذكير فـيتذكروا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٤٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَإذَا اذُكّرُوا لا يَذْكُرُونَ: أي لا ينتفعون ولا يُبْصرون.

١٤

و قوله: وَإذَا رأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ يقول: وإذا رأوا حُجّة من حجج اللّه علـيهم، ودلالة علـى نبوّة نبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم يستسخرون: يقول: يسخرون ويستهزئون. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٤١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَإذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ: يسخرون منها ويستهزئون.

٢٢٤٤٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: وَإذَا رَأَوْا آيَةٍ يَسْتَسْخِرُونَ قال: يستهزِئون، يَسْخَرون.

١٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالُوَاْ إِن هَـَذَآ إِلاّ سِحْرٌ مّبِينٌ }.

يقول تعالـى ذكره: وقال هؤلاء الـمشركون من قُرَيش بـاللّه لـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم : ما هذا الذي جئتنا به إلاّ سحرٌ مبـين. يقول: يبـين لـمن تأمله ورآه أنه سحر أئِذَا مِتْنا وكُنّا تُرَابـا وَعِظاما أئِنّا لَـمَبْعُوثُونَ يقولون، منكرين بعث اللّه إياهم بعد بلائهم: أئنا لـمبعوثون أحياء من قبورنا بعد مـماتنا، ومصيرنا ترابـا وعظاما، قد ذهب عنها اللـحوم

١٧

أوَ آبـاؤُنا الاوّلُونَ الذين مضوا من قبلنا، فبـادوا وهلكوا؟

يقول اللّه لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : قل لهؤلاء: نعم أنتـم مبعوثون بعد مصيركم ترابـا وعظاما أحياء كما كنتـم قبل مـماتكم، وأنتـم داخرون. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٤٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة أئِذَا مِتْنا وكُنّا تُرَابـا وَعِظاما أئِنّا لَـمَبْعُوثُونَ أو آبـاؤُنا الأوّلُونَ تكذيبـا بـالبعث

١٨

قُلْ نَعَمْ وأنْتُـمْ داخِرُونَ.

و قوله: وأنْتُـم داخِرُونَ

يقول تعالـى ذكره: وأنتـم صاغرون أشدّ الصّغَر من قولهم: صاغر داخر. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٤٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وأنْتُـمْ داخِرُونَ: أي صاغرون.

٢٢٤٤٥ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: وأنْتُـم دَاخِرُونَ قال: صاغرون.

١٩

و قوله: فإنّـما هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فإذَا هُمْ يَنْظُرُونَ

يقول تعالـى ذكره: فإنـما هي صيحة واحدة، وذلك هو النفخ فـي الصور فإذَا هُمْ يَنْظُرُونَ يقول: فإذا هم شاخصة أبصارهم ينظرون إلـى ما كانوا يوعدونه من قـيام الساعة ويعاينونه، كما:

٢٢٤٤٦ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ قال: هي النفخة.

٢٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالُواْ يَوَيْلَنَا هَـَذَا يَوْمُ الدّينِ }.

يقول تعالـى ذكره: وقال هؤلاء الـمشركون الـمكذّبون إذا زجرت زجرة واحدة، ونُفخ فـي الصور نفخة واحدة: يَا وَيْـلَنَا هَذَا يَوْمُ الدّينِ يقولون: هذا يوم الـجزاء والـمـحاسبة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٤٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة هَذَا يَوْمَ الدّينِ قال: يدين اللّه فـيه العبـاد بأعمالهم.

٢٢٤٤٨ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: هَذَا يَوْمُ الدّينِ قال: يوم الـحساب.

٢١

و قوله: هَذَا يَوْمُ الفَصْلِ الّذِي كُنْتُـمْ بِهِ تُكَذّبُونَ

يقول تعالـى ذكره: هذا يوم فصل اللّه بـين خـلقه بـالعدل من قضائه الذي كنتـم به تكذّبون فـي الدنـيا فتنكرونه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٤٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة هَذَا يَوْمُ الفَصْلِ الّذِي كُنْتُـمْ بِهِ تُكَذّبُونَ يعني : يوم القـيامة.

٢٢٤٥٠ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: هَذَا يَوْمُ الفَصْلِ قال: يوم يُقضى بـين أهل الـجنة وأهل النار.

٢٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {احْشُرُواْ الّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ }.

وفـي هذا الكلام متروك استغنـي بدلالة ما ذُكر عما ترك، وهو: فـيقال: احشروا الذين ظلـموا، ومعنى ذلك اجمعوا الذين كفروا بـاللّه فـي الدنـيا وعصوه وأزواجهم وأشياعهم علـى ما كانوا علـيه من الكفر بـاللّه وما كانوا يعبدون من دون اللّه من الاَلهة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٥١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير عن عمر بن الـخطاب احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَـمُوا وأزْوَاجَهُمْ قال: ضُرَبـاءهم.

٢٢٤٥٢ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَـمُوا وأزْوَاجَهُمْ يقول: نظراءهم.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس قوله: احْشَرُوا الّذِينَ ظَلَـمُوا وأزْوَاجَهُمْ يعني : أتبـاعهم، ومن أشبههم من الظلـمة.

٢٢٤٥٣ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن داود، قال: سألت أبـا العالـية، عن قول اللّه : احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَـمُوا وأزْوَاجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّه قال: الذين ظلـموا وأشياعهم.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنـي عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن أبـي العالـية، أنه قال فـي هذه الاَية احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَـمُوا وأزْوَاجَهُمْ قال: وأشياعهم.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا داود، عن أبـي العالـية مثله.

٢٢٤٥٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَـمُوا وأزْوَاجَهُمْ: أي وأشياعهم الكفـار مع الكفـار.

٢٢٤٥٥ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدّيّ، فـي قوله: احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَـمُوا وأزْوَاجَهُمْ قال: وأشبـاههم.

٢٢٤٥٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَـمُوا وأزْوَاجَهُمْ قال: أزواجهم فـي الأعمال، وقرأ: وكُنْتُـمْ أزْوَاجا ثَلاثَةً فَأصحَابُ الـمَيْـمَنَةِ ما أصحَابُ الـمَيْـمَنَةِ وأصحَابُ الـمَشأَمَةِ ما أصحَابُ الـمَشْأمةِ وَالسّابِقُونَ السّابِقُونَ فـالسابقون زوج وأصحاب الـميـمنة زوج، وأصحاب الشمال زوج، قال: كلّ من كان من هذا حشره اللّه معه. وقرأ: وَإذَا النّفُوسُ زُوّجَتْ قال: زوّجت علـى الأعمال، لكل واحد من هؤلاء زوج، زوّج اللّه بعض هؤلاء بعضا زوّج أصحاب الـيـمين أصحاب الـيـمين، وأصحاب الْـمشأمة أصحابَ الـمشأمة، والسابقـين السابقـين، قال: فهذا قوله: احْشُرُوا الّذِينَ ظَلَـمُوا وأزْوَاجَهُمْقال: أزواج الأعمال التـي زوّجهن اللّه .

٢٢٤٥٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: وأزْوَاجَهُمْ قال: أمثالهم.

٢٣

و قوله: مِنْ دُونِ اللّه فـاهْدُوهُمْ إلـى صِراطِ الـجَحِيـمِ

يقول تعالـى ذكره: احشروا هؤلاء الـمشركين وآلهتهم التـي كانوا يعبدونها من دون اللّه ، فوجّهوهم إلـى طريق الـجحيـم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٥٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّه الأصنام.

٢٢٤٥٩ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: فـاهدوهمْ إلـى صِراطِ الـجَحِيـمِ يقول: وجّهوهم، و

قـيـل: إن الـجحيـم البـاب الرابع من أبواب النار.

٢٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقِفُوهُمْ إِنّهُمْ مّسْئُولُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وَقِـفُوهُمْ: احبسوهم: أي احبسوا أيها الـملائكة هؤلاء الـمشركين الذين ظلـموا أنفسهم وأزواجهم، وما كانوا يعبدون من دون اللّه من الاَلهة إنّهُمْ مَسْئُولُونَ فـاختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي يأمر اللّه تعالـى ذكره بوقـفهم لـمسألتهم عنه، فقال بعضهم: يسألهم هل يعجبهم ورود النار. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٦٠ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن سلـمة بن كهيـل، قال: حدثنا أبو الزعراء، قال: كنا عند عبد اللّه ، فذكر قصة، ثم قال: يتـمثل اللّه للـخـلق فـيـلقاهم، فلـيس أحد من الـخـلق كان يعبد مِن دون اللّه شيئا إلا وهو مرفوع له يتبعه قال: فـيـلقـى الـيهود فـيقول: من تعبدون؟ فـيقولون: نعبد عُزَيرا، قال: فـيقول: هل يسرّكم الـماء؟ فـيقولون: نعم، فـيريهم جهنـم وهي كهيئة السّراب، ثم قرأ: وَعَرَضْنا جَهَنّـمَ لِلْكافِرِينَ عَرْضا قال: ثم يـلقـى النصارَى فـيقول: من تعبدون؟ فـيقولون: الـمسيح، فـيقول: هل يسرّكم الـماء؟ فـيقولون: نعم، فـيريهم جهنـم، وهي كهيئة السراب، ثم كذلك لـمن كان بعبد من دون اللّه شيئا، ثم قرأ عبد اللّه وَقـفُوهُمْ إنّهُمْ مَسْئُولُونَ.

وقال آخرون: بل ذلك للسؤال عن أعمالهم. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٦١ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا معتـمر، عن لـيث، عن رجل، عن أنس بن مالك، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (أيّـمَا رَجُلٍ دَعا رَجُلاً إلـى شَيْءٍ كانَ مَوْقُوفـا لازِما بِهِ، لا يُغادِرُهُ، وَلا يُفـارقُهُ) ثُمّ قَرأ هَذِهِ الاَيَةَ: وَقِـفُوهُمْ إنّهُم مَسْئُولُونَ.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وقـفوا هؤلاء الذين ظلـموا أنفسهم وأزواجهم إنهم مسئلون عما كانوا يعبدون من دون اللّه .

٢٥

و قوله: مالَكُمْ لا تَناصَرُونَ يقول: مالكم أيها الـمشركون بـاللّه لا ينصر بعضكم بعضا

٢٦

بَلْ هُمُ الـيوْمَ مُسْتَسْلِـمُونَ يقول: بل هم الـيوم مستسلـمون لأمر اللّه فـيهم وقضائه، موقنون بعذابه، كما:

٢٢٤٦٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ لا واللّه لا يتناصرون، ولا يدفع بعضهم عن بعض بَلْ هُمُ الـيَوْمَ مُسْتَسْلِـمُونَ فـي عذاب اللّه .

٢٧

و قوله: وأقْبَلَ بَعْضُهُمْ علـى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ

قـيـل: معنى ذلك: وأقبل الإنس علـى الـجنّ يتساءلون. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٦٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وأقْبَلَ بَعْضُهُمْ علـى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ الإنسُ علـى الـجنّ.

٢٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُوَاْ إِنّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ }.

يقول تعالـى ذكره: قالت الإنس للـجنّ: إنكم أيها الـجنّ كنتـم تأتوننا من قِبَل الدين والـحقّ فتـخدعوننا بأقوى الوجوه والـيـمين: القوّة والقدرة فـي كلام العرب ومنه قول الشاعر:

إذَا ما رَايَةٌ رُفِعَتْ لِـمَـجْدٍتَلَقّاها عَرَابَةُ بـالْـيَـمِينَ

 يعني : بـالقوّة والقدرة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٦٤ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: تَأْتُونَنَا عَنِ الـيَـمِينِ قال: عن الـحقّ، الكفـار تقوله للشياطين.

٢٢٤٦٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قالُوا إنّكُمْ كُنْتُـمْ تَأْتُونَنا عَنِ الـيَـمِينِ قال: قالت الإنس للـجنّ: إنكم كنتـم تأتوننا عن الـيـمين، قال: من قبل الـخير، فتنهوننا عنه، وتبطّئوننا عنه.

٢٢٤٦٦ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: إنّكُمْ كُنْتُـمْ تَأْتُونَنا عَنِ الـيَـمِينِ قال: تأتوننا من قبل الـحقّ تزينون لنا البـاطل، وتصدّوننا عن الـحقّ.

٢٢٤٦٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: إنّكُمْ كُنْتُـمْ تَأْتُونَنا عَنِ الـيَـمِينِ قال: قال بنو آدم للشياطين الذين كفروا: إنكم كنتـم تأتوننا عن الـيـمين، قال: تـحولون بـيننا وبـين الـخير، ورددتـمونا عن الإسلام والإيـمان، والعمل بـالـخير الذي أمر اللّه به.

٢٩

و قوله: قالُوا بَلْ لَـمْ تكُونُوا مُؤْمِنِـينَ

يقول تعالـى ذكره: قالت الـجنّ للإنس مـجيبة لهم: بل لـم تكونوا بتوحيد اللّه مُقِرّين، وكنتـم للأصنام

٣٠

عابدين وَما كانَ لنَا عَلَـيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ يقول: قالوا: وما كان لنا علـيكم من حُجّة، فنصدّكم بها عن الإيـمان، ونـحول بـينكم من أجلها وبـين اتبـاع الـحقّ بَلْ كُنْتُـمْ قَوْما طاغِينَ يقول: قالوا لهم: بل كنتـم أيها الـمشركون قوما طاغين علـى اللّه ، متعدّين إلـى ما لـيس لكم التعدّي إلـيه من معصية اللّه وخلاف أمره. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٦٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: قالت لهم الـجنّ: بَلْ لَـمْ تَكونُوا مُؤْمِنِـينَ حتـى بلغ قَوْما طاغِينَ.

٢٢٤٦٩ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: وَما كانَ لنَا عَلَـيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ قال: الـحجة... وفـي قوله: بَلْ كُنْتُـمْ قَوْما طاغِينَ قال: كفّـار ضُلاّل.

٣١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَحَقّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبّنَآ إِنّا لَذَآئِقُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: فحقّ علـينا قول ربنا، فوجب علـينا عذاب ربنا، إنا لذائقون العذاب نـحن وأنتـم بـما قدّمنا من ذنوبنا ومعصيتنا فـي الدنـيا فهذا خبر من اللّه عن قـيـل الـجنّ والإنس، كما:

٢٢٤٧٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَحَقّ عَلَـيْنا قَوْلُ رَبّنا... الاَية، قال: هذا قول الـجنّ.

٣٢

و قوله: فأغْوَيْناكُمْ إنّا كُنّا غاوِينَ يقول: فأضللناكم عن سبـيـل اللّه والإيـمان به إنا كنا ضالـين وهذا أيضا خبر من اللّه عن قـيـل الـجنّ والإنس،

٣٣

قال اللّه : فإنّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِـي العَذَابِ مُشْتَركُونَ يقول: فإن الإنس الذين كفروا بـاللّه وأزواجهم، وما كانوا يعبدون من دون اللّه ، والّذين أَغْوَوا الإنس من الـجنّ يوم القـيامة فـي العذاب مشتركون جميعا فـي النار، كما اشتركوا فـي الدنـيا فـي معصية اللّه .

٢٢٤٧١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: فإنّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِـي العَذَابِ مُشْتَرِكُونَ قال: هم والشياطين.

٣٤

إنّا كذلكَ نَفْعَلُ بـالـمُـجْرِمِينَ

يقول تعالـى ذكره: إنا هكذا نفعل بـالذين اختاروا معاصيَ اللّه فـي الدنـيا علـى طاعته، والكفر به علـى الإيـمان، فنذيقهم العذاب الألـيـم، ونـجمع بـينهم وبـين قرنائهم فـي النار.

٣٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّهُمْ كَانُوَاْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـَهَ إِلاّ اللّه يَسْتَكْبِرُونَ}.

يقول تعالـى ذكره: وإن هؤلاء الـمشركين بـاللّه الذين وصف صفتهم فـي هذه الاَيات كانوا فـي الدنـيا إذا قـيـل لهم: قولوا لا إلَه إلاّ اللّه يَسْتَكْبِرُونَ يقول: يتعظّمون عن قِـيـل ذلك ويتكبرون وترك من الكلام قولوا، اكتفـاء بدلالة الكلام علـيه من ذكره. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٧٢ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: إذَا قِـيـلَ لَهُمْ لا إلهَ إلاّ اللّه يَسْتَكْبِرُونَ قال: يعني الـمشركين خاصّة.

٢٢٤٧٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إنّهُمْ كانُوا إذَا قِـيـلَ لَهُمْ لا إلهَ إلاّ اللّه يَسْتَكْبِرُونَ قال: قال عمر بن الـخطاب: احْضُروا موتاكم، ولقنوهم لا إله إلا اللّه ، فإنهم يرون ويسمعون.

٣٦

و قوله: وَيَقُولُونَ أئِنّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعرٍ مَـجْنُونٍ

يقول تعالـى ذكره: ويقول هؤلاء الـمشركون من قريش: أنترك عبـادة آلهتنا لشاعر مـجنون؟ يقول: لاتّبـاع شاعر مـجنون، يعنون بذلك نبّـي اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ونقول: لا إله إلا اللّه ، كما:

٢٢٤٧٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَيَقُولُونَ آئِنّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَـجْنُونٍ يعنون مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم .

٣٧

و قوله: بَلْ جاءَ بـالـحَقّ وهذا خبر من اللّه مكذّبـا للـمشركين الذين قالوا للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم : شاعر مـجنون، كذبوا، ما مـحمد كما وصفوه به من أنه شاعر مـجنون، بل هو اللّه نبـيّ جاء بـالـحقّ من عنده، وهو القرآن الذي أنزله علـيه، وصدّق الـمرسلـين الذين كانوا من قبله. وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٧٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة بَلْ جاءَ بـالـحَقّ بـالقرآن وَصَدّقّ الـمُرْسَلِـينَ: أي صدّق من كان قبله من الـمرسلـين.

٣٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّكُمْ لَذَآئِقُو الْعَذَابَ الألِيمِ }.

يقول تعالـى ذكره لهؤلاء الـمشركين من أهل مكة، القائلـين لـمـحمد: شاعر مـجنون إنّكُمْ أيها الـمشركون لَذائِقُوا العَذَابِ الألـيـمِ الـموجع فـي الاَخرة وَما تُـجْزَوْنَ يقول: وما تُثابون فـي الاَخرة إذا ذقتـم العذاب الألـيـم فـيها إلاّ ثواب ما كُنْتُـمْ تَعْمَلُونَ فـي الدنـيا، معاصِيَ اللّه .

٤٠

و قوله: إلاّ عِبـادَ اللّه الـمُخْـلَصِينَ يقول: إلا عبـاد اللّه الذين أخـلصهم يوم خـلقهم لرحمته، وكتب لهم السعادة فـي أمّ الكتاب، فإنهم لا يذوقون العذاب، لأنهم أهل طاعة اللّه ، وأهل الإيـمان به.

٢٢٤٧٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إلاّ عِبـادَ اللّه الـمُخْـلَصِينَ قال: هذه ثَنِـية اللّه .

٤١

و قوله: أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ يقول: هؤلاء هم عبـاد اللّه الـمخـلَصون لهم رزق معلوم وذلك الرزق الـمعلوم: هو الفواكه التـي خـلقها اللّه لهم فـي الـجنة، كما:

٢٢٤٧٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ معْلُومٌ فـي الـجنة.

٢٢٤٧٨ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: أُولئكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ قال: فـي الـجنة.

٤٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَوَاكِهُ وَهُم مّكْرَمُونَ }.

قوله فَوَاكِهُ ردّا علـى الرزق الـمعلوم تفسيرا له، ولذلك رفعت.

و قوله: وَهُمْ مُكْرَمُونَ يقول: وهم مع الذي لهم من الرزق الـمعلوم فـي الـجنة، مكرمون بكرامة اللّه التـي أكرمهم اللّه بها

٤٣

فِـي جَنّاتِ النّعِيـمِ يعني : فـي بساتـين النعيـم

٤٤

 علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ يعني : أن بعضهم يقابل بعضا، ولا ينظر بعضهم فـي قـفـا بعض.

٤٥

و قوله: يُطافُ عَلَـيْهِمْ بكأْسٍ مِنْ مَعِينٍ

يقول تعالـى ذكره: يطوف الـخدم علـيهم بكأس من خمر جارية ظاهرة لأعينهم غير غائرة، كما:

٢٢٤٧٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة يُطافُ عَلَـيْهِمْ بكأْسٍ مِنْ مَعِينٍ قال: كأس من خمر جارية، والـمعين: هي الـجارية.

٢٢٤٨٠ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سفـيان، عن سلـمة بن نبـيط، عن الضحاك بن مزاحم، فـي قوله: بكأْسٍ مِنْ مَعِينٍ قال: كلّ كأس فـي القرآن فهو خمر.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد اللّه بن داود، عن سلـمة بن نبـيط، عن الضحاك بن مزاحم، قال: كل كأس فـي القرآن فهو خمر.

٢٢٤٨١ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: بكأْسٍ مِن مَعِينٍ قال: الـخمر. والكأس عند العرب: كلّ إناء فـيه شراب، فإن لـم يكن فـيه شراب لـم يكن كأسا، ولكنه يكون إناء.

٤٦

و قوله: بَـيْضَاءَ لَذّةٍ للشّارِبِـينَ يعني بـالبـيضاء: الكأس، ولتأنـيث الكأس أنثت البـيضاء، ولـم يقل أبـيض، وذُكر أن ذلك فـي قراءة عبد اللّه : (صفراء) .

٢٢٤٨٢ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: بَـيْضَاءَ قال السديّ: فـي قراءة عبد اللّه : (صفراء) .

و قوله: لَذّةٍ للشّارِبـينَ يقول: هذه الـخمر لذّة يـلتذّها شاربوها.

٤٧

و قوله: لا فِـيها غَوْلٌ يقول: لا فـي هذه الـخمر غَوْل، وهو أن تغتال عقولهم يقول: لا تذهب هذه الـخمر بعقول شاربـيها، كما تذهب بها خمور أهل الدنـيا إذا شربوها فأكثروا منها، كما قال الشاعر:

وَما زَالَتِ الكأْسُ تَغْتالُنَاوَتَذْهَبُ بـالأَوّلِ الأَوّلِ

والعرب تقول: لـيس فـيها غيـلة وغائلة وغَوْل بـمعنى واحد ورفع غَوْل ولـم ينصب بلا لدخول حرف الصفة بـينها وبـين الغول، وكذلك تفعل العرب فـي التبرئة إذا حالت بـين لا والاسم بحرف من حروف الصفـات رفعوا الاسم ولـم ينصبوه، وقد يحتـمل قوله: لا فِـيها غَوْلٌ أن يكون معنـيا به: لـيس فـيها ما يؤذيهم من مكروه، وذلك أن العرب تقول للرجل يصاب بأمر مكروه، أو يُنال بداهية عظيـمة: غالَ فلانا غُولٌ. وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: معناه: لـيس فـيها صُداع. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٨٣ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: لا فِـيها غَوْلٌ يقول: لـيس فـيها صُداع.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: لـيس فـيها أذًى فتشكّي منه بطونهم. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٨٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس لا فِـيها غَوْلٌ قال: هي الـخمر لـيس فـيها وجع بطن.

٢٢٤٨٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد قوله: لا فِـيها غَوْلٌ قال: وجع بطن.

٢٢٤٨٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: لا فِـيها غَوْلٌ قال: الغول ما يوجع البطون، وشارب الـخمر ههنا يشتكي بطنه.

٢٢٤٨٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة لا فِـيها غَوْلٌ يقول: لـيس فـيها وجع بطن، ولا صُداع رأس.

وقال آخرون: معنى ذلك: أنها لا تغول عقولهم. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٨٨ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّلا فِـيها غَوْلٌ قال: لا تغتال عقولهم.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: لـيس فـيها أذًى ولا مكروه. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٨٩ـ حُدثت عن يحيى بن زكريا بن أبـي زائدة، عن إسرائيـل، عن سالـم الأفطس، عن سعيد بن جُبَـير، فـي قوله: لا فِـيها غَوْلٌ قال: أذًى ولا مكروه.

حدثنا مـحمد بن سنان القزّاز، قال: حدثنا عبد اللّه بن بزيعة، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن سالـم، عن سعيد بن جُبَـير، فـي قوله: لا فِـيها غَوْلٌ قال: لـيس فـيها أذًى ولا مكروه.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: لـيس فـيها إثم.

ولكلّ هذه الأقوال التـي ذكرناها وجه، وذلك أن الغَوْل فـي كلام العرب: هو ما غال الإنسان فذهب به، فكلّ من ناله أمر يكرهه ضربوا له بذلك الـمثل، فقالوا: غالت فلانا غول، فـالذاهب العقل من شرب الشراب، والـمشتكي البطن منه، والـمصدّع الرأس من ذلك، والذي ناله منه مكروه كلهم قد غالته غُول.

فإذا كان ذلك كذلك، وكان اللّه تعالـى ذكره قد نفـى عن شراب الـجنة أن يكون فـيه غَوْل، فـالذي هو أولـى بصفته أن يقال فـيه كما قال جل ثناؤه لا فِـيها غَوْلٌ فـيعمّ بنفـي كلّ معانـي الغَوْل عنه، وأعمّ ذلك أن يقال: لا أذى فـيها ولا مكروه علـى شاربـيها فـي جسم ولا عقل، ولا غير ذلك.

واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة يُنْزَفُونَ بفتـح الزاي، بـمعنى: ولا هم عن شربها تُنْزَف عقولهم. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزِفُونَ) بكسر الزاي، بـمعنى: ولا هم عن شربها يَنْفَد شرابهم.

والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا الـمعنى غير مختلفتـيه، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب وذلك أن أهل الـجنة لا ينفد شرابهم، ولا يُسكرهم شربهم إياه، فـيُذهِب عقولَهم.

واختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: لا تذهب عقولهم. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٩٠ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ يقول: لا تذهب عقولهم.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ قال: لا تُنْزَف فتذهب عقولهم.

٢٢٤٩١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ قال: لا تذهب عقولهم.

٢٢٤٩٢ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ قال: لا تُنْزَف عقولهم.

٢٢٤٩٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ قال: لا تُنْزِف العقول.

٢٢٤٩٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ قال: لا تغلبهم علـى عقولهم.

وهذا التأويـل الذي ذكرناه عمن ذكرنا عنه لـم تفصّل لنا رَواته القراءة الذي هذا تأويـلها، وقد يحتـمل أن يكون ذلك تأويـل قراءة من قرأها يَنْزِفُونَ ويُنْزَفُون كلتـيهما، وذلك أن العرب تقول: قد نُزِف الرجل فهو منزوف: إذا ذهب عقله من السكر، وأَنْزَف فهو مُنْزِف، مـحكية عنهم اللغتان كلتاهما فـي ذهاب العقل من السكر وأما إذا فَنِـيت خمر القوم فإنـي لـم أسمع فـيه إلا أنزَفَ القومُ بـالألف، ومن الإنزاف بـمعنى: ذهاب العقل من السكر، قول الأُبَـيرد:

لَعَمْرِي لَئِنْ أنْزَفْتُـمُوا أوْ صَحَوْتُـمُلبِئْسَ النّدامَى كنْتُـمُ آلَ أبْجَرَا

٤٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطّرْفِ عِينٌ }.

يقول تعالـى ذكره: وعند هؤلاء الـمخـلَصين من عبـاد اللّه فـي الـجنة قاصرات الطرف، وهنّ النساء اللواتـي قَصَرْن أطرافهنّ علـى بُعُولتهنّ، لا يُرِدْن غيرهم، ولا يَـمْدُدْن أبصارهنّ إلـى غيرهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٤٩٥ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علّـي، عن ابن عباس وَعِنْدَهُمْ قاصِرَاتُ الطّرْفِ عِينٌ يقول: عن غير أزواجهنّ.

٢٢٤٩٦ـ حدثنـي مـحم بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطّرْفِ عِينٌ قال: علـى أزواجهن زاد الـحارث فـي حديثه: لا تبغي غيرهم.

٢٢٤٩٧ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: وَعِنْدَهُمْ قاصِرَاتُ الطّرْفِ قال: قَصَرْن أبصارهنّ وقلوبهنّ علـى أزواجهن، فلا يُردن غيرهم.

حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: ذُكر أيضا عن منصور، عن مـجاهد ، مثله.

٢٢٤٩٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَعِنْدَهُمْ قاصِرَاتُ الطّرْفِ قال: قَصَرْن طرفهنّ علـى أزواجهنّ، فلا يُردْن غيرهم.

٢٢٤٩٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قول اللّه قاصِراتُ الطّرْفِ قال: لا ينظرن إلا إلـى أزواجهنّ، قد قَصَرْن أطرافهنّ علـى أزواجهنّ، لـيس كما يكون نساء أهل الدنـيا.

و قوله: عِينٌ يعني بـالعِين: النّـجْلَ العيون عِظامها، وهي جمع عيناء، والعيناء: الـمرأة الواسعة العين عظيـمتها، وهي أحسن ما تكون من العيون. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٥٠٠ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: عِينٌ قال: عظام الأعين.

٢٢٥٠١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: عِينٌ قال: العَيناء: العظيـمة العين.

٢٢٥٠٢ـ حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: حدثنا مـحمد بن الفرج الصّدَفـي الدّمْياطيّ، عن عمرو بن هاشم، عن ابن أبـي كريـمة، عن هشام بن حسان، عن أبـيه، عن أمّ سلـمة زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم أنها قالت: قلت: يا رسول اللّه أخبرنـي عن قول اللّه : حُورٌ عِينٌ قال: (العِينُ: الضّخامُ العُيُونِ شُفْرُ الـحَوْرَاءِ بِـمَنْزِلَةِ جَناحِ النّسْرِ) .

٤٩

و قوله: كأنّهُنّ بَـيضٌ مَكْنُونٌ اختلف أهل التأويـل فـي الذي به شبهن من البـيض بهذا القول، فقال بعضهم: شبهن ببطن البـيض فـي البـياض، وهو الذي داخـل القِشْر، وذلك أن ذلك لـم يـمسّه شيء. ذكر من قال ذلك:

٢٢٥٠٣ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جُبَـير، فـي قوله: كأنّهُنّ بَـيضٌ مَكْنُونٌ قال: كأنهن بطْن البـيض.

٢٢٥٠٤ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ كأنّهُنّ بَـيضٌ مَكْنُونٌ قال: البـيض حين يُقْشر قبل أن تـمسّه الأيدي.

٢٢٥٠٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة كأنّهُنّ بَـيضٌ مَكْنُونٌ لـم تـمرّ به الأيدي ولـم تـمسه، يشبهن بـياضه.

وقال آخرون: بل شبهن بـالبـيض الذي يحضنه الطائر، فهو إلـى الصفرة، فشبه بـياضهنّ فـي الصفرة بذلك. ذكر من قال ذلك:

٢٢٥٠٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: كأنّهُنّ بَـيضٌ مكْنونٌ قال: البـيض الذي يُكنه الريش، مثل بـيض النعام الذي قد أكنه الريش من الريح، فهو أبـيض إلـى الصّفْرة فكأنه يُبرُقُ، فذلك الـمكنون.

وقال آخرون: بل عنى بـالبـيض فـي هذا الـموضع: اللؤلؤ، وبه شبهن فـي بـياضه وصفـائه. ذكر من قال ذلك:

٢٢٥٠٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: كأنّهُنّ بَـيضٌ مَكْنُونٌ يقول: اللؤلؤ الـمكنون.

وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب عندي قول من قال: شبهن فـي بـياضهن، وأنهنّ لـم يـمسّهنّ قبل أزواجهنّ إنس ولا جانّ ببـياض البـيض الذي هو داخـل القشر، وذلك هو الـجلدة الـمُلْبَسة الـمُـحّ قبل أن تـمسه يد أو شيء غيرها، وذلك لا شكّ هو الـمكنون فأما القشرة العلـيا فإن الطائر يـمسها، والأيدي تبـاشرها، والعُشّ يـلقاها. والعرب تقول لكلّ مصون مكنون ما كان ذلك الشيء لؤلؤا كان أو بـيضا أو متاعا، كما قال أبو دَهْبَل:

وَهْيَ زَهْرَاءُ مِثْلُ لُؤْلُؤَةِ الغَوّاصِ مِيزَتْ مِنْ جَوْهَرٍ مَكْنُونِ

وتقول لكلّ شيء أضمرته الصدور: أكنته، فهو مُكنّ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك جاء الأثر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . ذكر من قال ذلك:

٢٢٥٠٨ـ حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: حدثنا مـحمد بن الفرج الصّدَفـي الدّمياطيّ، عن عمرو بن هاشم عن ابن أبـي كريـمة، عن هشام، عن الـحسن، عن أمه، عن أمّ سلـمة قلتُ: يا رسول اللّه أخبرنـي عن قوله كأنّهُنّ بَـيْضٌ مَكْنُون قال: (رِقّتُهُنّ كَرِقّةِ الـجِلْدَةِ التـي رأيْتَها فِـي داخِـلِ البَـيْضَة التـي تَلِـي القِشْرَ وَهِيَ الغِرْقـيءُ) .

٥٠

و قوله: فأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ علـى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ

يقول تعالـى ذكره: فأقبل بعض أهل الـجنة علـى بعض يتساءلون، يقول: يسأل بعضهم بعضا. كما:

٢٢٥٠٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فأَقْبَلَ بَعْضَهُمْ علـى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ أهل الـجنة.

٢٢٥١٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ علـى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ قال: أهل الـجنة.

٥١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ قَآئِلٌ مّنْهُمْ إِنّي كَانَ لِي قَرِينٌ }.

يقول تعالـى ذكره: قال قائل من أهل الـجنة إذ أقبل بعضهم علـى بعض يتساءلون: إنـي كانَ لـي قَرِينٌ

فـاختلف أهل التأويـل فـي القرين الذي ذُكر فـي هذا الـموضع،

فقال بعضهم: كان ذلك القرين شيطانا، وهو الذي كان يقول له: أئِنّكَ لَـمِنَ الـمُصَدّقِـينَ بـالبعث بعد الـمـمات. ذكر من قال ذلك:

٢٢٥١١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد فـي قول اللّه : إنّـي كانَ لـي قَرِينٌ قال: شيطان.

وقال آخرون: ذلك القرين شريك كان له من بنـي آدم أو صاحب. ذكر من قال ذلك:

٥٣

٢٢٥١٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ،

قوله: يقول أئِنّكَ لَـمِنَ الـمُصَدّقِـينَ قال: هو الرجل الـمشرك يكون له الصاحب فـي الدنـيا من أهل الإيـمان، فـيقول له الـمشرك: إنك لتُصدّق بأنك مبعوث من بعد الـموت أئذا كنا ترابـا؟ فلـما أن صاروا إلـى الاَخرة وأدخـل الـمؤمُن الـجنة، وأدخـل الـمشرك النار، فـاطلع الـمؤمن، فرأى صاحبه فـي سَواء الـجحيـم قَالَ تَاللّه إنْ كِدْتَ لُتردِينِ.

٢٢٥١٣ـ حدثنـي إسحاق بن إبراهيـم بن حبـيب بن الشهيد، قال: عتاب بن بشير، عن خَصيف، عن فُرات بن ثعلبة البهرانـي فـي قوله: إنّـي كانَ لِـي قَرِينٌ قال: إن رجلـين كانا شريكين، فـاجتـمع لهما ثمانـية آلاف دِينار، وكان أحدهما له حرفة، والاَخر لـيس له حرفة، فقال الذي له حرفة للاَخر: لـيس لك حرفة، ما أُرانـي إلا مفـارقك ومُقاسمك، فقاسمه وفـارقه ثم إن الرجل اشترى دارا بألف دينار كانت لـملك قد مات فدعا صاحبه فأراه، فقال: كيف ترى هذه الدار ابتعُتها بألف دينار؟ قال: ما أحسنها فلـما خرج قال: اللّه مّ إن صاحبـي هذا قد ابتاع هذه الدار بألف دينار، وإنـي أسألك دارا من دور الـجنة، فتَصَدّقَ بألف دينار ثم مكث ما شاء اللّه أن يـمكث، ثم إنه تزوّج امرأة بألف دينار، فدعاه وصنع له طعاما فلـما أتاه قال: إنـي تزوّجت هذه الـمرأة بألف دينار قال: ما أحسن هذا فلـما انصرف قال: يا ربّ إن صاحبـي تزوّج امرأة بألف دينار، وإنـي أسألك امرأة من الـحُور العين، فتصدّق بألف دينار ثم إنه مكث ما شاء اللّه أن يـمكث، ثم اشترى بستانـين بألفـي دينار، ثم دعاه فأراه، فقال: إنـي ابتعت هذين البستانـين، فقال: ما أحسن هذا فلـما خرج قال: يا ربّ إن صاحبـي قد اشترى بساتـين بألفـي دينار، وأنا أسألك بستانـين من الـجنة، فتصدّق بألفـي دينار ثم إن الـملك أتاهما فتوفّـاهما ثم انطلق بهذا الـمتصدّق فأدخـله دارا تعجبه، فإذا امرأة تطلع يضيء ما تـحتها من حُسنها، ثم أدخـله بستانـين، وشيئا اللّه به علـيـم، فقال عند ذلك: ما أشبه هذا برجل كان من أمره كذا وكذا. قال: فإنه ذاك، ولك هذا الـمنزل والبستانان والـمرأة. قال: فإنه كان لـي صاحب يقول: أئِنّكَ لَـمِنَ الـمُصَدّقِـينَ

قـيـل له: فإنه من الـجحيـم، قال: فهل أنتـم مُطّلِعون؟ فـاطّلَع فرآه فـي سواء الـجحيـم، فقال عند ذلك: تاللّه إنْ كِدْتَ لَتُرْدينِ وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبـي لَكُنْتُ مِنَ الـمُـحْضَرِينَ... الاَيات..

وهذا التأويـل الذي تأوّله فرات بن ثعلبة يقوّي قراءة من قرأ (إنّكَ لـمِنَ الـمُصّدّقِـينَ) بتشديد الصاد بـمعنى: لـمن الـمتصدقـين، لأنه يذكر أن اللّه تعالـى ذكره إنـما أعطاه ما أعطاه علـى الصدقة لا علـى التصديق، وقراءة قرّاء الأمصار علـى خلاف ذلك، بل قراءتها بتـخفـيف الصاد وتشديد الدال، بـمعنى: إنكار قرينه علـيه التصديق أنه يبعث بعد الـموت، كأنه قال: أتصدّق بأنك تبعث بعد مـماتك، وتُـجْزَى بعملك، وتـحاسَب؟ يدل علـى ذلك قول اللّه : أئِذَا مِتْنا وكُنّا تُرَابـا وَعِظاما أئِنّا لَـمَدِينونَ وهي القراءة الصحيحة عندنا التـي لا يجوز خِلافُها لإجماع الـحجة من القرّاء علـيها.

و قوله: أئِنّا لَـمَدِينُونَ يقول: أئنا لـمـحاسبون ومـجزيّون بعد مصيرنا عظاما ولـحومنا ترابـا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٥١٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: أئِنّا لَـمَدِينُونَ يقول: أئنا لـمـجازوْن بـالعمل، كما تَدِين تُدان.

٢٢٥١٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: أئِنّا لَـمَدينُونَ: أئنا لـمـحاسبون.

٢٢٥١٦ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ أئِنّا لَـمَدينُونَ مـحاسبون.

٥٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ هَلْ أَنتُمْ مّطّلِعُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: قال هذا الـمؤمن الذي أُدخـل الـجنة لأصحابه: هل أنتـم مُطّلِعون فـي النار، لعلـيّ أرى قرينـي الذي كان يقول لـي: إنك لـمن الـمصَدّقـين بأنا مبعوثون بعد الـمـمات.

٥٥

و قوله: فـاطّلَعَ فَرآهُ فِـي سَوَاءِ الـجَحِيـمِ يقول: فـاطلع فـي النار فرآه فـي وَسَط الـجحيـم. وفـي الكلام متروك استغنـي بدلالة الكلام علـيه من ذكره، وهو فقالوا: نعم. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله: فـاطّلَعَ فَرآهُ فِـي سَوَاءِ الـجَحيـمِ قال: أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٥١٧ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: فِـي سَوَاءِ الـجَحِيـمِ يعني : وفـي وَسَط الـجحيـم.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس فِـي سِواءِ الـجَحِيـمِ يعني : فـي وسط الـجحيـم.

٢٢٥١٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا عبـاد بن راشد، عن الـحسن، فـي قوله: فِـي سَواءِ الـجَحِيـمِ يقول: فـي وسط الـجحيـم.

حدثنا ابن سنان، قال: حدثنا عبد الصمد، قال: حدثنا عبـاد بن راشد، قال: سمعت الـحسن، فذكر مثله.

٢٢٥١٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا سلـيـمان بن حرب، قال: حدثنا أبو هلال، قال: حدثنا قتادة ، فـي قوله: سَوَاءِ الـجَحِيـمِ قال: وَسَطها.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: هَلْ أنْتُـمْ مُطّلِعُونَ قال: سأل ربه أن يطلعه، قال فأطّلَعَ فَرآهُ فِـي سَوَاءِ الـجَحيـمِ: أي فـي وسط الـجحيـم.

٢٢٥٢٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، عن خـلـيد العصري، قال: لولا أن اللّه عرّفه إياه ما عرفه، لقد تغيّر حِبْرُه وسِبْرُه بعده، وذُكر لنا أنه اطلع فرأى جماجم القوم،

٥٦

فقال: تاللّه إنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبّـي لَكُنْتُ مِنَ الـمُـحْضَرِينَ.

٢٢٥٢١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا إبراهيـم بن أبـي الوزير، قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة، عن سعيد بن أبـي عروبة، عن قتادة ، عن مطرّف بن عبد اللّه ، فـي قوله: فـاطّلَعَ فَرآهُ فِـي سَوَاءِ الـجَحِيـمِ قال: واللّه لولا أنه عرّفه ما عرفه، لقد غيرت النار حِبْرَهُ وسِبْره.

٢٢٥٢٢ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: هَلْ أنْتُـمْ مُطّلِعُونَ قال: كان ابن عباس يقرؤها: (هَلْ أنْتُـمْ مُطّلِعُونِـي فـاطّلَعَ فَرآهُ فِـي سَوَاءِ الـجَحِيـم) قال: فـي وسط الـجحيـم.

وهذه القراءة التـي ذكرها السديّ، عن ابن عباس ، أنه كان يقرأ فـي مُطّلِعُونَ إن كانت مـحفوظة عنه، فإنها من شواذّ الـحروف، وذلك أن العرب لا تؤثر فـي الـمكنـي من الأسماء إذا اتصل بفـاعل علـى الإضافة فـي جمع أو توحيد، لا يكادون أن يقولوا أنت مُكَلّـمنـي ولا أنتـما مكلـمانـي ولا أنتـم مكلـمونـي ولا مكلـموننـي، وإنـما يقولون أنت مكلّـمي، وأنتـما مكلـماي، وأنتـم مكلّـميّ وإن قال قائل منهم ذلك قاله علـى وجه الغلط توهما به: أنت تكلـمنـي، وأنتـما تكلـماننـي، وأنتـم تكلـموننـي، كما قال الشاعر:

وَما أدْرِي وَظَنّـي كُلّ ظَنّأَمُسْلِـمُنِـي إلـى قَوْمِي شَرَاحِي؟

فقال: مسلـمنـي، ولـيس ذلك وجه الكلام، بل وجه الكلام أمسلـمي فأما إذا كان الكلام ظاهرا ولـم يكن متصلاً بـالفـاعل، فإنهم ربـما أضافوا، وربـما لـم يضيفوا، فـيقال: هذا مكلـم أخاك، ومكلـم أخيك، وهذان مكلـما أخيك، ومكلـمان أخاك، وهؤلاء مكلـمو أخيك، ومكلـمون أخاك وإنـما تـختار الإضافة فـي الـمكنـي الـمتصل بفـاعل لـمصير الـحرفـين بـاتصال أحدهما بصاحبه، كالـحرف الواحد.

و قوله: تاللّه إنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ يقول: فلـما رأى قرينه فـي النار قال: تاللّه إن كدت فـي الدنـيا لتهلكنـي بصدّك إيايّ عن الإيـمان بـالبعث والثواب والعقاب. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٥٢٣ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ قوله: إنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ قال: لتهلكنـي، يقال منه: أردَى فلان فلانا: إذا أهلكه، ورديَ فلانٌ: إذا هلك، كما قال الأعشى.

أَفِـي الطّوْفِ خِفْتِ عَلـيّ الرّدَىوكَمْ مِنْ رَدٍ أهْلَهُ لَـمْ يَرِمْ

 يعني بقوله (وكم من رد) : وكم من هالك.

٥٧

و قوله: وَلَوْلا نَعْمَةُ رَبّـي لَكُنْتُ مِنَ الـمُـحْضَرِينَ يقول: ولولا أن اللّه أنعم علـيّ بهدايته، والتوفـيق للإيـمان بـالبعث بعد الـموت، لكنتُ من الـمـحضَرِين معك فـي عذاب اللّه ، كما:

٢٢٥٢٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة لَكُنْتُ مِنَ الـمُـحْضَرينَ: أي فـي عذاب اللّه .

٢٢٥٢٥ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: لَكُنْتُ مِنَ الـمُـحْضَرِينَ قال: من الـمعذّبـين.

٥٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيّتِينَ }.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل هذا الـمؤمن الذي أعطاه اللّه ما أعطاه من كرامته فـي جنته سرورا منه بـما أعطاه فـيها أفمَا نَـحْنُ بِـمَيّتِـينَ إلاّ مَوْتَتَنا الأُولـى يقول: أفما نـحن بـميتـين غير موتتنا الأولـى فـي الدنـيا، وَما نَـحْنُ بِـمُعَذّبِـينَ يقول: وما نـحن بـمعذّبـين بعد دخولنا الـجنة إنّ هَذا لَهُوَ الفَوْزُ العَظِيـمُ يقول: إن هذا الذي أعطاناه اللّه من الكرامة فـي الـجنة، أنا لا نعذّب ولا نـموت، لهو النّـجاء العظيـم مـما كنا فـي الدنـيا نـحذر من عقاب اللّه ، وإدراك ما كنا فـيها، نؤمل بإيـماننا، وطاعتنا ربنا، كما:

٢٢٥٢٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد،

٥٩

انظر تفسير الآية:٦٠

٦٠

قال: حدثنا سعيد عن قتادة ، قوله: أَفَمَا نَـحْنُ بِـمَيّتِـينَ... إلـى قوله: الفَوْزُ العَظِيـمُ قال: هذا قول أهل الـجنة.

٦١

و قوله: لِـمِثْلِ هَذَا فَلَـيْعْمَلِ العامِلُونَ

يقول تعالـى ذكره: لـمثل هذا الذي أَعْطَيتُ هؤلاء الـمؤمنـين من الكرامة فـي الاَخرة، فلـيعمل فـي الدنـيا لأنفسهم العاملون، لـيدركوا ما أدرك هؤلاء بطاعة ربهم.

٦٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزّقّومِ }.

يقول تعالـى ذكره: أهذا الذي أعطيت هؤلاء الـمؤمنـين الذين وصفت صفتهم من كرامتـي فـي الـجنة، ورزقتهم فـيها من النعيـم خير، أو ما أعددت لأهل النار من الزّقُوم. وعُنِـي بـالنزل: الفضل، وفـيه لغتان: نُزُل ونُزْل يقال للطعام الذي له ريع: هو طعام له نُزْل ونُزُل.

و قوله: أمْ شَجَرَةُ الزّقّومِ ذكر أن اللّه تعالـى لـما أنزل هذه الاَية قال الـمشركون: كيف ينبتُ الشجر فـي النار، والنار تُـحْرق الشجر؟ فقال اللّه :

٦٣

إنّا جَعَلْناها فِتْنَةً للظّالِـمِينَ يعني لهؤلاء الـمشركين الذين قالوا فـي ذلك ما قالوا، ثم أخبرهم بصفة هذه الشجرة فَقالَ

٦٤

إنّها شَجَرَةُ تَـخْرُجُ فِـي أصْلِ الـجَحِيـمِ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٥٢٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة أذلكَ خَيْرٌ نُزُلاً أمْ شَجَرَةُ الزّقّومِ حتـى بلغ فِـي أصْلِ الـجَحِيـمِ قال: لـما ذكر شجرة الزقوم افتتن الظَلَـمة، فقالوا: ينبئكم صاحبكم هذا أن فـي النار شجرة، والنار تأكل الشجر، فأنزل اللّه ما تسمعون: إنها شجرة تـخرج فـي أصل الـجحيـم، غُذِيت بـالنار ومنها خُـلقت.

٢٢٥٢٨ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: قال أبو جهل: لـما نزلت إنّ شَجَرَةَ الزّقّومِ قال: تعرفونها فـي كلام العرب: أنا آتـيكم بها، فدعا جارية فقال: ائتـينـي بتـمر وزُبْد، فقال: دونكم تَزَقّموا، فهذا الزّقوم الذي يخوّفكم به مـحمد، فأنزل اللّه تفسير ها: أذلكَ خَيْرٌ نُزُلاً أمْ شَجَرَةُ الزّقّومِ إنّا جَعَلْناها فِتْنَةً للظّالِـمِينَ قال: لأبـي جهل وأصحابه.

٢٢٥٢٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: إنّا جَعَلْناها فِتْنَةً للظّالِـمينَ قال: قول أبـي جهل: إنـما الزّقوم التـمر والزبد أتَزَفّمه.

٦٥

و قوله: طَلْعُها كأنّهُ رُؤُوسُ الشّياطِين

يقول تعالـى ذكره: كأن طلع هذه الشجرة، يعني شجرة الزقوم فـي قُبحه وسماجته رؤوس الشياطين فـي قُبحها.

وذُكر أن ذلك فـي قراءة عبد اللّه : (إنّها شَجَرَةٌ نابِتَةٌ فِـي أصْلِ الـجَحِيـمِ) ، كما:

٢٢٥٣٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: طَلْعُها كأنّهُ رُءُوسُ الشّياطِينُ قال: شبهه بذلك.

فإن قال قائل: وما وجه تشبـيهه طلع هذه الشجرة برؤوس الشياطين فـي القبح، ولا علـم عندنا بـمبلغ قبح رؤوس الشياطين، وإنـما يـمثّل الشيء بـالشيء تعريفـا من الـمُـمّثل الـمُـمّثل له قربُ اشتبـاه الـمـمثّل أحدهما بصاحبه مع معرفة الـمُـمَثّل له الشيئين كلـيهما، أو أحدَهما، ومعلوم أن الذين خوطبوا بهذه الاَية من الـمشركين، لـم يكونوا عارفـين شَجَرة الزقوم، ولا برؤوس الشياطين، ولا كانوا رأوهما، ولا واحدا منهما؟.

قـيـل له: أما شجرة الزقوم فقد وصفها اللّه تعالـى ذكره لهم وبـينها حتـى عرفوها ما هي وما صفتها، فقال لهم: شَجَرَةُ تَـخْرُجُ فِـي أصْلِ الـجَحِيـمِ طَلْعُها كأنّهُ رُؤُوسُ الشّياطِينِ فلـم يتركهم فـي عَماء منها. وأما فـي تـمثـيـله طلعها برؤوس الشياطين، فأقول لكلّ منها وجه مفهوم: أحدها أن يكون مثل ذلك برؤوس الشياطين علـى نـحو ما قد جرى به استعمال الـمخاطبـين بـالاَية بـينهم وذلك أن استعمال الناس قد جرى بـينهم فـي مبـالغتهم إذا أراد أحدهم الـمبـالغة فـي تقبـيح الشيء، قال: كأنه شيطان، فذلك أحد الأقوال. والثانـي أن يكون مُثّل برأس حية معروفة عند العرب تسمى شيطانا، وهي حية لها عُرْف فـيـما ذُكر قبـيح الوجه والـمنظر، وإياه عنى الراجز ب قوله:

عَنْـجَرِدٌ تَـحْلِفُ حِينَ أحْلِفُكمِثْلِ شَيْطانِ الـحَماطِ أعْرَفُ

ويروى عُجَيّزٌ. والثالث: أن يكون مثل نبت معروف برؤوس الشياطين ذُكِر أنه قبـيح الرأس

٦٦

فإنّهُمْ لاَ كِلُونَ مِنْها فَمالِئُونَ منها البُطُونَ

يقول تعالـى ذكره: فإن هؤلاء الـمشركين الذين جعل اللّه هذه الشجرة لهم فتنة، لاَكلون من هذه الشجرة التـي هي شجرة الزّقوم، فمالئون من زَقّومها بطونهم.

٦٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ثُمّ إِنّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ }.

يقول تعالـى ذكره: ثُمّ إنّ لَهُمْ عَلَـيْها لَشَوْبـا مِنْ حَمِيـمٍ ثم إن لهؤلاء الـمشركين علـى ما يأكلون من هذه الشجرة شجرة الزقوم شَوْبـا، وهو الـخَـلْط من قول العرب: شاب فلان طعامه فهو يشوبه شَوْبـا وشيابـا مِنْ حَمِيـمٍ والـحميـم: الـماء الـمـحموم، وهو الذي أُسخْن فـانتهى حرّه، وأصله مفعول صُرف إلـى فعيـل. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٥٣١ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن

٦٨

ابن عباس ، قوله: ثُمّ إنّ لَهُمْ عَلَـيْها لَشَوْبـا مِنْ حَمِيـمٍ. يقول: لَـمَزْجا.

٢٢٥٣٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: ثُمّ إنّ لَهُمْ عَلَـيْها لَشوْبـا مِنْ حَمِيـمٍ يعني : شرب الـحميـم علـى الزّقوم.

٢٢٥٣٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ثُمّ إنّ لَهُمْ عَلَـيْها لَشَوْبـا مِنْ حَمِيـمٍ قال: مِزاجا من حميـم.

٢٢٥٣٤ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السّديّ ثُمّ إنّ لَهُمْ عَلَـيْها لَشَوْبـا مِنْ حَمِيـمٍ قال: الشّوب: الـخَـلْط، وهو الـمَزْج.

٢٢٥٣٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: ثُمّ إنّ لَهُمْ عَلَـيْها لَشَوْبـا مِنْ حَمِيـمٍ قال: حميـم يُشاب لهم بغسّاق مـما تَغْسِقُ أعينهم، وصديد من قـيحهم ودمائهم مـما يخرج من أجسادهم.

و قوله: ثُمّ إنّ مَرْجِعَهُمْ لإَلـى الـجَحِيـمِ

يقول تعالـى ذكره: ثم إن مآبهم ومصيرهم لإلـى الـجحيـم، كما:

٢٢٥٣٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ثُمّ إنّ مَرْجِعَهُمْ لإَلـى الـجَحِيـمِ فهم فـي عنا وعذاب من نار جهنـم، وتلا هذه الاَية: يَطُوفُونَ بَـيْنَهَا وَبـينَ حَمِيـمٍ آنٍ.

٢٢٥٣٧ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدّي، فـي قوله: ثُمّ إنّ مَرْجِعَهُم لإَلـى الـجَحِيـمِ قال: فـي قراءة عبد اللّه : (ثُمّ إنّ مُنْقَلَبَهُمْ لإَلـى الـجَحِيـمِ) وكان عبد اللّه يقول: والذي نفسي بـيده، لا ينتصف النهار يوم القـيامة حتـى يَقِـيـلَ أهلُ الـجنة فـي الـجنة، وأَهلُ النار فـي النار، ثم قال: أصحَابُ الـجَنّةِ يَوْمَئِذٍ خَيُرٌ مُسْتَقَرّا وأحْسَنُ مَقِـيلاً.

٢٢٥٣٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: ثُمّ إنّ مَرْجِعَهُمْ لإَلـى الـجَحِيـمِ قال: موتهم.

٦٩

و قوله: إنّهُمْ ألْفَوْا آبـاءَهُمْ ضَالـينَ يقول: إن هؤلاء الـمشركين الذين إذا قـيـل لهم: قولوا لا إله إلا اللّه يستكبرون، وجدوا آبـاءهم ضُلاّلاً عن قصد السبـيـل، غير سالكين مَـحَجّة الـحقّ فَهُمْ علـى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ يقول: فهؤلاء يُسْرع بهم فـي طريقهم، لـيقتفوا آثارهم وسنتهم يقال منه: أُهْرِع فلان: إذا سار سيرا حثـيثا فـيه شبه بـالرعدة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٥٣٩ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس قوله: إنّهُمْ ألْفَوْا آبـاءَهُمْ ضَالّـينَ: أي وجدوا آبـاءهم ضالّـين.

٢٢٥٤٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إنّهُمْ ألْفَوْا آبـاءَهُمْ: أي وجدوا آبـاءهم.

وبنـحو الذي قلنا فـي يُهْرَعون أيضا، قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٧٠

٢٢٥٤١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: فَهُمْ علـى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ قال: كهيئة الهرْوَلة.

٢٢٥٤٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَهُمْ علـى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ: أي يُسرعون إسراعا فـي ذلك.

٢٢٥٤٣ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: يُهْرَعُونَ قال: يُسْرِعون.

٢٢٥٤٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ قال: يستعجلون إلـيه.

٧١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ ضَلّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأوّلِينَ }

 

يقول تعالـى ذكره: ولقد ضلّ يا مـحمد عن قصد السبـيـل وَمـحجة الـحقّ قبل مشركي قومك من قريش أكثر الأمـم الـخالـية مِن قبلهم

٧٢

وَلَقَدْ أرْسَلْنا فِـيهِمْ مُنْذِرِينَ يقول: ولقد أرسلنا فـي الأمـم التـي خـلت من قبل أمتك، ومن قبل قومك الـمكذّبـيك منذرين تنذرهم بأسنا علـى كفرهم بنا، فكذّبوهم ولـم يقبلوا منهم نصائحهم، فأحللنا بهم بأسنا وعقوبتنا

٧٣

فـانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الـمُنْذَرِينَ يقول: فتأمل وتبـين كيف كان غِبّ أمر الذين أنذَرْتهم أنبـياؤنا، وإلاَمَ صار أمرهم، وما الذي أعقبهم كفرهم بـاللّه ، ألـم نهلكهم فنصيرهم للعبـاد عِبرة ولـمن بعدهم عظة؟.

٧٤

و قوله: إلاّ عِبـادَ اللّه الـمُخْـلَصِينَ يقول تعالـى: فـانظر كيف كان عاقبة الـمنذَرين، إلا عبـاد اللّه الذين أخـلصناهم للإيـمان بـاللّه وبرسله واستثنى عبـاد اللّه من الـمنذَرين، لأن معنى الكلام: فـانظر كيف أهلكنا الـمنذَرين إلا عبـاد اللّه الـمؤمنـين، فلذلك حسن استثناؤهم منهم. وبنـحو الذي قلنا فـي قوله: إلاّ عِبـادَ اللّه الـمُخْـلَصِينَ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٥٤٥ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: إلاّ عِبـادَ اللّه الـمُخْـلَصِينَ قال: الذين استـخـلَصهم اللّه .

٧٥

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: لقد نادانا نوح بـمسألته إيانا هلاك قومه، فقال: رَبّ إنّـي دَعَوْتُ قَوْمي لَـيْلاً ونهارا فَلَـمْ يَزِدْهُمْ دُعائي إلاّ فِرَارا... إلـى قوله: رَبّ لا تَذَرْ علـى الأرْضِ مِنَ الكافِرِينَ دَيّارا.

و قوله: فَلَنِعْمَ الـمُـجِيبُونَ يقول: فلنعم الـمـجيبون كنا له إذ دعانا، فأجبنا له دعاءه، فأهلكنا قومه وَنَـجّيْناهُ وأهْلَهُ يعني : أهل نوح الذين ركبوا معه السفـينة. وقد ذكرناهم فـيـما مضى قبل، وبـيّنا اختلاف العلـماء فـي عددهم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٥٤٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ولَقَدْ نادَانا نُوحٌ فَلَنَعْمَ الـمُـجِيبُونَ قال: أجابه اللّه .

٧٦

و قوله: مِنَ الكَرْبِ العَظِيـمِ يقول: من الأذى والـمكروه الذي كان فـيه من الكافرين، ومن كرب الطّوفـان والغرق الذي هلك به قوم نوح، كما:

٢٢٥٤٧ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضّل، قال: حدثنا أسبـاط عن السديّ وَنـجّيْناهُ وأهْلَهُ مِنَ الكَرْبِ العَظِيـمِ قال: من الغرق.

و قوله: وَجَعَلْنا ذُرّيّتَهُ هُمُ البـاقِـينَ يقول: وجعلنا ذرّية نوح هم الذين بقوا فـي الأرض بعد مَهْلَك قومه، وذلك أن الناس كلهم من بعد مَهْلَك نوح إلـى الـيوم إنـما هم ذرّية نوح، فـالعجم والعرب أولاد سام بن نوح، والترك والصقالبة والـخَزَر أولاد يافث بن نوح، والسودان أولاد حام بن نوح، وبذلك جاءت الاَثار، وقالت العلـماء.

٢٢٥٤٨ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا ابن عَثْمة، قال: حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة ، عن الـحسن، عن سَمُرة، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فـي قوله: وَجَعَلْنا ذُرّيّتَهُ هُمُ البـاقِـينَ قال: (سام وحام ويافث) .

٢٢٥٤٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، فـي قوله:

٧٧

وَجَعَلْنا ذُرّيّتَهُ هُمُ البـاقِـينَ قال: فـالناس كلهم من ذرية نوح.

٢٢٥٥٠ـ حدثنا علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـي، عن ابن عباس ، فـي قوله: وَجَعَلْنا ذُرّيّتَهُ هُمُ البـاقِـينَ يقول: لـم يبق إلا ذريةُ نوح.

٧٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الاَخِرِينَ }.

 يعني تعالـى ذكره ب قوله: وَتَركْنا عَلَـيْهِ فِـي الاَخِرِينَ وأبقـينا علـيه، يعني علـى نوح ذكرا جميلاً، وثناء حسنا فـي الاَخِرين، يعني : فـيـمن تأخّر بعده من الناس يذكرونه به. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٥٥١ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: وَتَركْنا عَلَـيْهِ فِـي الاَخِرِينَ يقول: يُذْكَر بخير.

٢٢٥٥٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: وَتَرَكْنا عَلَـيْهِ فِـي الاَخِرِينَ يقول: جعلنا لسان صدق للأنبـياء كُلّهم.

٢٢٥٥٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَتَرَكْنا عَلَـيْهِ فِـي الاَخِرِينَ قال: أبقـى اللّه علـيه الثناء الـحسن فـي الاَخرين.

٢٢٥٥٤ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: وَتَرَكْنا عَلَـيْهِ فِـي الاَخِرِينَ قال: الثناء الـحسن.

٧٩

و قوله: سَلامٌ عَلـى نُوحٍ فـي العالَـمِينَ يقول: أَمَنَة من اللّه لنوحٍ فـي العالـمين أن يَذْكُره أحد بسوء وسلام مرفوع بعلـى. وقد كان بعض أهل العربـية من أهل الكوفة يقول: معناه: وتركنا علـيه فـي الاَخرين، سَلامٌ عَلـى نُوحٍ أي تركنا علـيه هذه الكلـمة، كما تقول: قرأت من القرآن الـحَمْدُ للّه رَبّ الْعَالِـمِينَ فتكون الـجملة فـي معنى نصب، وترفعها بـاللام، كذلك سلام علـى نوح ترفعه بعلـى، وهو فـي تأويـل نصب، قال: ولو كان: تركنا علـيه سلاما، كان صوابـا.

٨٠

و قوله: إنّا كَذلكَ نَـجْزِي الـمُـحْسَنِـينَ

يقول تعالـى ذكره: إنا كما فعلنا بنوح مـجازاة له علـى طاعتنا وصبره علـى أذى قومه فـي رضانا فأَنْـجَيْناهُ وأهْلَهُ مِنَ الكَرْبِ العَظِيـمِ وَجَعَلْنا ذُرّيّتَهُ هُمُ البـاقِـينَ، وأبقـينا علـيه ثناءً فـي الاَخرين كَذلكَ نَـجْزِي الذين يُحْسنون فـيطيعوننا، وينتهون إلـى أمرنا، ويصبرون علـى الأذى فـينا.

٨١

و قوله: إنّهُ مِنْ عِبـادِنا الـمُؤْمِنِـينَ يقول: إن نوحا من عبـادنا الذين آمنوا بنا، فوحدونا، وأخـلصوا لنا العبـادة، وأفردونا بـالألوهة.

٨٢

و قوله: ثُمّ أغْرَقْنا الاَخَرِينَ

يقول تعالـى ذكره: ثم أغرقنا حين نـجّينا نوحا وأهله من الكرب العظيـم من بَقِـيَ من قومه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٥٥٥ـ حدثنا بشر، قال: يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ثُمّ أغْرَقْنا الاَخَرِينَ قال: أنـجاه اللّه ومن معه فـي السفـينة، وأغرق بقـية قومه.

٨٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ }.

يقول تعالـى ذكره: وإن من أشياع نوح علـى مِنهاجه وملته واللّه لإَبراهيـمَ خـلـيـلَ الرحمن. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٥٥٦ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: حدثنا معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: وَإنّ مِنْ شِيعَتِهِ لإَبْرَاهِيـمَ يقول: من أهل دينه.

٢٢٥٥٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن مـحمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبـي بَزّة، عن مـجاهد ، فـي قوله: وَإنّ مِنْ شِيعَتِهِ لإَبْرَاهِيـمَ قال: علـى مِنهاج نوح وسنته.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: وَإنّ مِنْ شِيعَتِهِ لإَبراهِيـمَ قال: علـى مِنهاجه وسنته.

٢٢٥٥٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَإنّ مِنْ شِيَعَتِهِ لإَبْراهِيـمَ قال: علـى دينه ومِلته.

٢٢٥٥٩ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: وَإنّ مِنْ شِيعَتِهِ لإَبْرَاهِيـمَ قال: من أهل دينه.

وقد زعم بعض أهل العربـية أن معنى ذلك: وإن من شيعة مـحمد لإبراهيـم، وقال: ذلك مثل قوله: وآيَةٌ لَهُمْ أنّا حَمَلْنا ذُرّيّتَهُمْ بـمعنى: أنا حملنا ذريةٍ من هم منه، فجعلها ذرّية لهم، وقد سبقتهم.

٨٤

و قوله: إذْ جاءَ رَبّهُ بِقَلْبٍ سَلِـيـمٍ

يقول تعالـى ذكره: إذ جاء إبراهيـمُ ربّه بقلب سلـيـم من الشرك، مخـلص له التوحيد، كما:

٢٢٥٦٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إذْ جاءَ رَبّهُ بِقَلْبٍ سَلِـيـمٍ واللّه من الشرك.

٢٢٥٦١ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: إذْ جاءَ رَبّهُ بِقَلْبٍ سَلِـيـمٍ قال: سلـيـم من الشرك.

٢٢٥٦٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن لـيث، عن مـجاهد بِقَلْبٍ سَلِـيـمٍ قال: لا شكّ فـيه. وقال آخرون فـي ذلك بـما:

٢٢٥٦٣ـ حدثنا أبو كريب، قلا: حدثنا عَثّام بن علـيّ، قال: حدثنا هشام، عن أبـيه، قال: يا بنـيّ لا تكونوا لعّانـين، ألـم تروا إلـى إبراهيـم لـم يـلعن شيئا قطّ، فقال اللّه : إذْ جاءَ رَبّهُ بِقَلْبٍ سَلِـيـمٍ.

٨٥

و قوله: إذْ قالَ لأَبِـيهِ وَقَوْمِهِ ماذَا تَعْبُدُونَ يقول حين قال: يعني إبراهيـم لأبـيه وقومه: أيّ شيء تعبدون.

٨٦

و قوله: أئِفْكا آلِهَةً دُونَ اللّه تُرِيدُونَ؟ يقول: أكذبـا معبودا غير اللّه تريدون.

٨٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَمَا ظَنّكُم بِرَبّ الْعَالَمِينَ}.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل إبراهيـم لأبـيه وقومه: فَما ظَنّكُمْ بِرَبّ العالَـمِينَ؟ يقول: فأيّ شيء تظنون أيها القوم أنه يصنع بكم إن لقـيتـموه وقد عبدتـم غيره، كما:

٢٢٥٦٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَمَا ظَنّكُمْ بِرَبّ العالَـمِينَ يقول: إذا لقـيتـموه وقد عبدتـم غيره.

٨٨

و قوله: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِـي النّـجُومِ فَقالَ إنّـي سَقِـيـمٌ ذكر أن قومه كانوا أهل تنـجيـم، فرأى نـجما قد طلع، فعصب رأسه وقال: إنـي مَطْعُون، وكان قومه يهربُون من الطاعون، فأراد أن يتركوه فـي بـيت آلهتهم، ويخرجوا عنه، لـيخالفهم إلـيها فـيكسرها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٥٦٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِـي النّـجُومِ فَقالَ إنّـي سَقِـيـمٌ قال: قالوا له وهو فـي بـيت آلهتهم: اخرج، فقال: إنـي مَطْعون، فتركوه مخافة الطاعون.

٢٢٥٦٦ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَـيّة، عن سعيد، عن قتادة ، عن سعيد بن الـمسيب فَنَظَرَ نَظْرَةً فِـي النّـجُومِ فَقالَ إنّـي سَقِـيـمٌ رأى نـجما طَلَع.

٢٢٥٦٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، عن سعيد بن الـمسيب، أنه رأى نـجما طلع

٨٩

فقال إنّى سَقِـيـمٌ قال: كايَد نبـيّ اللّه عن دينه، فقال: إنـي سقـيـم.

٢٢٥٦٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِـي النّـجُومِ فَقالَ إنّـي سَقِـيـمٌ قالوا لأبراهيـم وهو فـي بـيت آلهتهم: اخرج معنا، فقال لهم: إنـي مطعون، فتركوه مخافة أن يعديهم.

٢٢٥٦٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، عن أبـيه، فـي قول اللّه : فَنَظَرَ نَظْرَةً فِـي النّـجُومِ فَقالَ إنّـي سَقِـيـمٌ قال: أَرسلَ إلـيه ملكهم، فقال: إن غَدا عيدنا، فـاحضر معنا، قال: فنظر إلـى نـجم فقال: إن ذلك النـجم لـم يطلع قط إلا طلع بسقم لـي، فقال: إنّـي سَقِـيـمٌ.

٢٢٥٧٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق فَنَظَرَ نَظْرَةً فِـي النّـجُوم فَقالَ إنّـي سَقِـيـمٌ يقول اللّه : فَتَوَلّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ.

و قوله: إنّـي سَقِـيـمٌ: أي طعين، أو لسقم كانوا يهربون منه إذا سمعوا به، وإنـما يريد إبراهيـم أن يخرجوا عنه، لـيبلغ من أصنامهم الذي يريد.

واختلف فـي وجه قـيـل إبراهيـم لقومه: إنّـي سَقِـيـمٌ وهو صحيح، فرُوي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (لَـمْ يَكْذِبْ إبْرَاهِيـمُ إلاّ ثَلاثَ كَذَبـاتٍ) ذكر من قال ذلك:

٢٢٥٧١ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: ثنـي هشام، عن مـحمد، عن أبـي هريرة، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (لَـمْ يَكْذِبْ إبْرَاهِيـمُ غَيَرَ ثَلاثِ كَذَبـاتٍ، ثِنْتَـيْنِ فِـي ذاتِ اللّه ، قوله: إنّـي سَقِـيـمٌ،

و قوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِـيرُهُمْ هَذَا، وقوْلِهِ فِـي سارّةَ: هِيَ أُخْتِـي) .

حدثنا سعيد بن يحيى، قال: حدثنا أبـي، قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي أبو الزناد، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبـي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (لَـمْ يَكْذِبْ إبْرَاهِيـمُ فِـي شَيْءٍ قَطّ إلاّ فِـي ثَلاَثٍ) ثم ذكر نـحوه.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الـمسيب بن رافع، عن أبـي هريرة، قال: (ما كذب إبراهيـم غير ثلاث كذبـات، قوله: إنـي سَقِـيـمٌ،

و قوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِـيرُهُمْ هَذَا، وإنـما قاله موعظة، وقوله حين سأله الـملك، فقال أختـي لسارّة، وكانت امرأته) .

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن أيوب، عن مـحمد، قال: (إن إبراهيـم ما كذب إلا ثلاث كذبـات، ثنتان فـي اللّه ، وواحدة فـي ذات نفسه فأما الثنتان ف قوله: إنـي سَقِـيـمٌ،

و قوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِـيرُهُمْ هَذَا وقصته فـي سارة، وذكر قصتها وقصة الـملك) .

وقال آخرون: إن قوله إنّـي سَقِـيـمٌ كلـمة فـيها مِعْراض، ومعناها أن كلّ من كان فـي عقبة الـموت فهو سقـيـم، وإن لـم يكن به حين قالها سقم ظاهر، والـخبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بخلاف هذا القول، وقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هو الـحقّ دون غيره.

٩٠

قوله: فَتَوَلّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ يقول: فتولوا عن إبراهيـم مدبرين عنه، خوفـا من أن يعدِيَهُم السقم الذي ذكر أنه به، كما:

٢٢٥٧٢ـ حُدثت عن يحيى بن زكريا، عن بعض أصحابه، عن حكيـم بن جُبَـير، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس إنّـي سَقِـيـمٌ يقول: مطعون فتولّوا عنه مدبرين، قال سعيد: إن كان الفرار من الطاعون لقديـما.

٢٢٥٧٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد عن قتادة فَتَوَلّوْا فنكصوا عنه مُدْبِرِينَ منطلقـين.

٩١

و قوله: فَرَاغَ إلـى آلِهَتِهمْ

يقول تعالـى ذكره: فمال إلـى آلهتهم بعد ما خرجوا عنه وأدبروا وأرى أن أصل ذلك من قولهم: راغ فلان عن فلان: إذا حاد عنه، فـيكون معناه إذا كان كذلك: فراغ عن قومه والـخروج معهم إلـى آلهتهم كما قال عديّ بن زيد:

حِينَ لا يَنْفَعُ الرّوَاغُ وَلا يَنْفَعُ إلاّ الـمُصَادِقُ النّـحْرِيرُ

 يعني ب قوله: (لا ينفع الرّواغ) : الـحِياد. أما أهل التأويـل فإنهم فسّروه بـمعنى فمَال. ذكر من قال ذلك:

٢٢٥٧٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَرَاغَ إلـى آلِهَتِهِم: أي فمال إلـى آلهتهم، قال: ذهب.

٢٢٥٧٥ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدّيّ قوله: فَرَاغَ إلـى آلِهَتِهِمْ قال: ذهب.

٩٢

و قوله: ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ هذا خبر من اللّه عن قـيـل إبراهيـم للاَلهة وفـي الكلام مـحذوف استغنـي بدلالة الكلام علـيه من ذكره، وهو: فقرّب إلـيها الطعام فلـم يرها تأكل، فقال لها: ألا تَأْكُلُونَ فلـما لـم يرها تأكل قال لها: مالكم لا تأكلون، فلـم يرها تنطق، فقال لها: ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ مستهزئا بها، وكذلك ذكر أنه فعل بها، وقد ذكرنا الـخبر بذلك فـيـما مضى قبلُ. وقال قتادة فـي ذلك ما:

٢٢٥٧٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَقالَ ألاَ تَأْكُلونَ يستنطقهم مالَكُمْ لا تَنْطِقُونَ؟.

٩٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ }.

يقول تعالـى ذكره: فمال علـى آلهة قومه ضربـا لها بـالـيـمين بفأس فـي يده يكسرهنّ، كما:

٢٢٥٧٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس قال: لـما خلا جعل يضرب آلهتهم بـالـيـمين.

٢٢٥٧٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك ، فذكر مثله.

٢٢٥٧٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَرَاغَ عَلَـيْهِمْ ضَرْبـا بـالـيَـمِينِ فأقبل علـيهم يكسرهم.

٢٢٥٨٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق: ثم أقبل علـيهم كما قال اللّه ضربـا بـالـيـمين، ثم جعل يكسرهنّ بفأس فـي يده.

وكان بعض أهل العربـية يتأوّل ذلك بـمعنى: فراغ علـيهم ضربـا بـالقوّة والقدرة، ويقول: الـيـمين فـي هذا الـموضع: القوّة: وبعضهم كان يتأوّل الـيـمين فـي هذا الـموضع: الـحلف، ويقول: جعل يضربهنّ بـالـيـمين التـي حلف بها ب قوله: وَتاللّه لأَكِيدَنّ أصْنامَكُمْ بَعْدَ أنْ تُوَلّوا مُدْبِرِينَ.

وذُكر أن ذلك فـي قراءة عبد اللّه : (فَرَاغَ عَلَـيْهِمْ صَفْقا بـالـيَـمِينِ) . ورُوي نـحو ذلك عن الـحسن.

٢٢٥٨١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا خالد بن عبد اللّه الـجُشَمِي، قال: سمعت الـحسن قرأ: (فَرَاغَ عَلَـيْهِمْ صَفْقا بـالـيَـمِينِ) : أي ضربـا بـالـيـمين.

٩٤

و قوله: فأَقْبَلُوا إلَـيْهِ يَزِفّونَ اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة، وبعض قرّاء الكوفة: فأَقْبَلُوا إلَـيْهِ يَزِفّونَ بفتـح الـياء وتشديد الفـاء من قولهم: زَفّتِ النعامة، وذلك أوّل عدوها، وآخر مشيها ومنه قول الفرزدق:

وَجاءَ قَرِيعُ الشّوْلِ قَبْلِ إفـالِهَايَزِفّ وَجاءَتْ خَـلْفَهُ وَهْي زُفّفُ

وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة: (يُزِفّونَ) بضم الـياء وتشديد الفـاء من أزف فهو يزف. وكان الفرّاء يزعم أنه لـم يسمع فـي ذلك إلا زفَفْت، ويقول: لعلّ قراءة من قرأه: (يَزِفّونَ) بضم الـياء من قول العرب: أطْرَدتُ الرجل: أي صيرته طريدا، وطردته: إذا أنت خسأته إذا قلت: اذهب عنا فـيكون يزفون: أي جاؤوا علـى هذه الهيئة بـمنزلة الـمزفوفة علـى هذه الـحالة، فتدخـل الألف. كما تقول: أحمدت الرجل: إذا أظهرت حمده، وهو مـحمد: إذا رأيت أمره إلـى الـحمد، ولـم تنشر حمده قال: وأنشدنـي الـمفضّل:

تَـمَنّى حُصَيْنٌ أنْ يَسُودَ جِذاعَهُفأَمْسَى حُصَيْنٌ قَدْ أذَلّ وأقْهَرا

فقال: أقْهَر، وإنـما هو قُهِر، ولكنه أراد صار إلـى حال قهر. وقرأ ذلك بعضهم: (يَزِفُونَ) بفتـح الـياء وتـخفـيف الفـاء من وَزَفَ يَزِف. وذُكر عن الكسائي أنه لا يعرفها، وقال الفرّاء: لا أعرفها إلا أن تكون لغة لـم أسمعها. وذُكر عن مـجاهد أنه كان يقول: الوَزْف: النّسَلان.

٢٢٥٨٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: إلَـيْهِ يَزِفّوزنَ قال: الوزيف: النّسَلان.

والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا قراءة من قرأه بفتـح الـياء وتشديد الفـاء، لأن ذلك هو الصحيح الـمعروف من كلام العرب، والذي علـيه قراءة الفصحاء من القرّاء.

وقد اختف أهل التأويـل فـي معناه، فقال بعضهم: معناه: فأقبل قوم إبراهيـم إلـى إبراهيـم يَجْرُون. ذكر من قال ذلك:

٢٢٥٨٣ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: فأقْبَلُوا إلَـيْهِ يَزِفّونَ: فأقبلوا إلـيه يجرون.

وقال آخرون: أقبلوا إلـيه يَـمْشُون. ذكر من قال ذلك:

٢٢٥٨٤ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: فأقْبَلُوا إلَـيْهِ يَزِفّونَ قال: يَـمْشُون.

وقال آخرون: معناه: فأقبلوا يستعجلون. ذكر من قال ذلك:

٢٢٥٨٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، عن أبـيه فَأَقْبَلُوا إلَـيْهِ يَزِفّونَ قال: يستعجلون، قال: يَزِفّ: يستعجل.

٩٥

و قوله: قالَ أتَعْبُدونَ ما تَنْـحِتُونَ

يقول تعالـى ذكره: قال إبراهيـم لقومه: أتعبدون أيها القوم ما تنـحتون بأيديكم من الأصنام، كما:

٢٢٥٨٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قالَ أتَعْبُدُونَ ما تَنْـحِتُونَ الأصنام.

٩٦

و قوله: وَاللّه خَـلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل إبراهيـم لقومه: واللّه خـلقكم أيها القوم وما تعملون. وفـي قوله: وَما تَعْمَلُونَ وجهان: أحدهما: أن يكون قوله: (ما) بـمعنى الـمصدر، فـيكون معنى الكلام حينئذٍ: واللّه خـلقكم وعملكم. والاَخر أن يكون بـمعنى (الذي) ، فـيكون معنى الكلام عند ذلك: واللّه خـلقكم والذي تعملونه: أي والذي تعملون منه الأنصام، وهو الـخشب والنـحاس والأشياء التـي كانوا ينـحِتون منها أصنامهم. وهذا الـمعنى الثانـي قصد إن شاء اللّه قتادة بقوله الذي:

٢٢٥٨٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة : وَاللّه خَـلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ: بأيْدِيكُمْ.

٩٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ ابْنُواْ لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ }.

يقول تعالـى ذكره: قال قوم إبراهيـم لـما قال لهم إبراهيـم: أتَعْبُدُونَ ما تَنْـحِتُونَ وَاللّه خَـلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ ابنُوا لإبراهيـم بنـيانا ذُكر أنهم بنوا له بنـيانا يشبه التّنّور، ثم نقَلوا إلـيه الـحطب، وأوقدوا علـيه فأَلْقُوهُ فـي الـجَحِيـمِ والـجحيـم عند العرب: جمر النار بعضُه علـى بعض، والنار علـى النار.

٩٨

و قوله: فأَرَادُوا بِهِ كَيْدا

يقول تعالـى ذكره: فأراد قوم إبراهيـم بإبراهيـم كيدا، وذلك ما كانوا أرادوا من إحراقه بـالنار. يقول اللّه :

فَجَعَلْناهُمْ أي فجعلنا قوم إبراهيـم الأسْفَلِـين يعني الأذلّـين حُجّة، وغَلّبنا إبراهيـم علـيهم بـالـحجة، وأنقذناه مـما أرادوا به من الكيد، كما:

٢٢٥٨٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة : وأرَادُوا بِهِ كَيْدا فَجَعَلْناهُمُ الأَسْفَلِـينَ قال: فما ناظرهم بعد ذلك حتـى أهلكهم.

٩٩

و قوله: وَقالَ إنّـي ذَاهِبٌ إلـى رَبّـي سَيَهْدِينِ يقول: وقال إبراهيـم لـما أفْلَـجَه اللّه علـى قومه ونـجاه من كيدهم: إنّـي ذاهِبٌ إلـى رَبّـي يقول: إنـي مهاجِرٌ من بلدة قومي إلـى اللّه : أي إلـى الأرض الـمقدّسة، ومفـارقهم، فمعتزلهم لعبـادة اللّه . وكان قتادة يقول فـي ذلك ما:

٢٢٥٨٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة : وَقالَ إنّـي ذاهِبٌ إلـى رَبّـي سَيَهْدِينِ: ذاهب بعمله وقلبه ونـيته.

وقال آخرون فـي ذلك: إنـما قال إبراهيـم إنّـي ذاهِبٌ إلـى رَبّـي حنـي أرادوا أن يُـلْقُوه فـي النار. ذكر من قال ذلك:

٢٢٥٩٠ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي إسحاق، قال: سمعت سلـيـمان بن صُرَدَ يقول: لـما أرادوا أن يُـلْقوا إبراهيـم فـي النار قالَ إنّـي ذاهِبٌ إلـى رَبّـي سَيَهْدِينِ فجمع الـحطب، فجاءت عجوز علـى ظهرها حطب، فقـيـل لها: أين تريدين؟ قالت: أريد أذهب إلـى هذا الرجل الذي يُـلْقَـى فـي النار فلـما أُلقـي فـيها، قال: حَسْبِـيَ اللّه علـيه توكلت، أو قال: حسبـي اللّه ونعم الوكيـل، قال: فقال اللّه : يا نارُ كُونِـي بَرْدا وَسَلاما علـى إبْرَاهِيـمَ قال: فقال ابن لُوط، أو ابن أخي لوط: إن النار لـم تـحرقه من أجلـي، وكان بـينهما قرابة، فأرسل اللّه علـيه عُنُفـا من النار فأحرقته.

وإنـما اخترت القول الذي قلت فـي ذلك، لأن اللّه تبـارك وتعالـى ذكر خبره وخبر قومه فـي موضع آخر، فأخبر أنه لـما نـجاه مـما حاول قومه من إحراقه قال إنّـي مُهاجِرٌ إلـى رَبّـي ففسر أهل التأويـل ذلك أن معناه: إنـي مهاجر إلـى أرض الشام، فكذلك قوله: إنّـي ذَاهِبٌ إلـى رَبّـي لأنه ك قوله: إنّـي مُهاجِرٌ إلـى رَبّـي.

و قوله: سَيَهْدِينِ يقول: سيثبتنـي علـى الهدى الذي أبصرته، ويعيننـي علـيه.

١٠٠

و قوله: رَبّ هَبْ لـي مِنَ الصّالِـحِينَ وهذا مسألة إبراهيـم ربه أن يرزقه ولدا صالـحا يقول: قال: يا ربّ هب لـي منك ولدا يكون من الصالـحين الذين يطيعونك، ولا يعصُونك، ويصلـحون فـي الأرض، ولا يفسدون، كما:

٢٢٥٩١ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: رَبّ هَبْ لِـي مِنَ الصّالِـحِينَ قال: ولدا صالـحا.

وقال: من الصالـحين، ولـم يَقُلْ: صالـحا من الصالـحين، اجتزاءً بـمن ذكر من الـمتروك، كما قال عزّ وجلّ: وكانُوا فِـيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ بـمعنى زاهدين من الزاهدين.

١٠١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَبَشّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ }.

يقول تعالـى ذكره: فبشّرنا إبراهيـم بغلام حلـيـم، يعني بغلام ذي حِلْـم إذا هو كَبِر، فأما فـي طفولته فـي الـمهد، فلا يوصف بذلك. وذُكر أن الغلام الذي بَشّر اللّه به إبراهيـم إسحاق. ذكر من قال ذلك:

٢٢٥٩٢ـ حدثنا مـحمد بن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الـحسين، عن يزيد، عن عكرمة: فَبَشّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِـيـمٍ قال: هو إسحاق.

٢٢٥٩٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَبَشّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِـيـمٍ بشر بإسحاق، قال: لـم يُثْنَ بـالـحلـم علـى أحد غير إسحاق وإبراهيـم.

١٠٢

و قوله: فَلَـمّا بَلَغَ مَعَهُ السّعْيَ يقول: فلـما بلغ الغلام الذي بشر به إبراهيـم معَ إبراهيـم

العملَ، وهو السعي، وذلك حين أطاق معونته علـى عمله.

وقد اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك، فقال بعضهم نـحو الذي قلنا فـيه. ذكر من قال ذلك:

٢٢٥٩٤ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: فَلَـمَا بَلَغَ مَعَهُ السّعْيَ يقول: العمل.

٢٢٥٩٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: فَلَـمّا بَلَغَ مَعَهُ السّعْيَ قال: لـما شبّ حتـى أدرك سعيُه سَعْيَ إبراهيـمَ فـي العمل.

حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، مثله، إلا أنه قال: لـما شبّ حين أدرك سعيه.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد فَلَـمّا بَلَغَ مَعَهُ السّعْيَ قال: سعي إبراهيـم.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا سهل بن يوسف، عن شعبة، عن الـحكم، عن مـجاهد فَلَـمّا بَلَغَ مَعَهُ السّعْيَ: سَعَي إبراهيـم.

٢٢٥٩٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فَلَـمّا بَلَغَ مَعَهُ السّعْيَ قال: السّعْيُ ها هنا العبـادة.

وقال آخرون: معنى ذلك: فلـما مشى مع إبراهيـم. ذكر من قال ذلك:

٢٢٥٩٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَلَـمّا بَلَغَ مَعَهُ السّعْيَ: أي لـما مشى مع أبـيه.

و قوله: قالَ يا بُنَـيّ إنّـي أرَى فِـي الـمَنامِ أنّـي أذْبَحُكَ

يقول تعالـى ذكره: قال إبراهيـم خـلـيـل الرحمن لابنه: يا بُنَـيّ إنّـي أرَى فِـي الـمَنامِ أنّـي أذْبَحُكَ وكان فـيـما ذكر أن إبراهيـم نذر حين بشّرته الـملائكة بإسحاق ولدا أن يجعله إذا ولدته سارّة للّه ذبـيحا فلـما بلغ إسحاقُ مع أبـيه السّعْي أُرِي إبراهيـم فـي الـمنام، ف

قـيـل له: أوف للّه بنذرك، ورؤيا الأنبـياء يقـين، فلذلك مضى لـما رأى فـي الـمنام، وقال له ابنه إسحاق ما قال. ذكر من قال ذلك:

٢٢٥٩٨ـ حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: قال جبرائيـل لسارَة: أبشري بولد اسمه إسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، فضربت جبهتها عَجَبـا، فذلك قوله: فَصَكّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ يا وَيْـلَتَـي أأَلِدُو وأنا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِـي شَيْخا إنّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ إلـى قوله: حَمِيدٌ مَـجِيدٌ قالت سارَة لـجبريـل: ما آية ذلك؟ فأخذ بـيده عودا يابسا، فلواه بـين أصابعه، فـاهتزّ أخضر، فقال إبراهيـم: هو للّه إذن ذَبـيح فلـما كبر إسحاق أُتِـيَ إبراهيـمُ فـي النوم، ف

قـيـل له: أوفِ بنذرك الذي نَذَرْتَ، إن اللّه رزقك غلاما من سارَة أن تذبحه، فقال لإسحاق: انطلق نقرّب قُرْبـانا إلـى اللّه ، وأخذ سكينا وحبلاً، ثم انطلق معه حتـى إذا ذهب به بـين الـجبـال قال له الغلام: يا أبت أين قُرْبـانُك؟ قالَ يا بنـيّ أرَى فـي الـمَنامِ أنّـي أذْبحُكَ فَـانْظُرْ ماذَا تَرَى قالَ يا أبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَـجِدُنِـي إنْ شاءَ اللّه مِنَ الصّابِرِينَ فقال له إسحاق: يا أَبَتِ اشْدُد رِبـاطي حتـى لا أضطرب، واكففْ عنـي ثـيابك حتـى لا ينتضح علـيها من دمي شيء، فتراه سارَة فتـحْزَن، وأسْرعْ مرّ السكين علـى حَلْقـي لـيكون أهون للـموت علـيّ، فإذا أتـيتَ سارَة فـاقرأ علـيها منـي السلام فأقبل علـيه إبراهيـم يقبله وقد ربطه وهو يبكي وإسحاق يبكي، حتـى استنقع الدموع تـحت خدّ إسحاق، ثم إنه جرّ السكين علـى حلقه، فلـم تَـحِكِ السكين، وضرب اللّه صفـيحة من نـحاس علـى حلق إسحاق فلـما رأى ذلك ضرب به علـى جبـينه، وحزّ من قـفـاه، فذلك قوله: فَلَـمّا أسْلَـما يقول: سلّـما للّه الأمر وَتَلّهُ للْـجَبِـينِ فنودي يا إبراهيـم قد صدّقت الرؤيا بـالـحقّ فـالتفت فإذا بكبش، فأخذه وخَـلّـى عن ابنه، فأكبّ علـى ابنه يقبله، وهو يقول: الـيوم يا بنـيّ وُهِبْتَ لِـي فلذلك يقول اللّه : وَفَديْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ فرجع إلـى سارَة فأخبرها الـخبر، فجَزِعت سارَة وقالت: يا إبراهيـم أردت أن تذبح ابنـي ولا تُعِلـمْنـي.

٢٢٥٩٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يا بُنَـيّ إنّـي أرَى فِـي الـمَنامِ أنّـي أذْبَحُكَ قال: رؤيا الأنبـياء حقّ إذا رأوا فـي الـمنام شيئا فعلوه.

٢٢٦٠٠ـ حدثنا مـجاهد بن موسى، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة، عن عمرو بن دينار، عن عبـيد بن عمير، قال: رؤيا الأنبـياء وَحْي، ثم تلا هذه الاَية: إنّـي أرَى فِـي الَـمنامِ أنّـي أذْبَحُكَ.

 قوله: فـانْظُرْ ماذَا تَرَى: اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: ماذَا تَرَى، فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة والبصرة، وبعض قرّاء أهل الكوفة: فـانْظُرْ ماذَا تَرَى؟ بفتـح التاء، بـمعنى: أيّ شيء تأمر، أو فـانظر ما الذي تأمر، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: ماذَا تُرَى بضم التاء، بـمعنى: ماذا تُشير، وماذا تُرَى من صبرك أو جزعك من الذبح؟.

والذي هو أولـى القراءتـين فـي ذلك عندي بـالصواب قراءة من قرأه: ماذَا تَرَى بفتـح التاء، بـمعنى: ماذا ترى من الرأي.

فإن قال قائل: أَوَ كان إبراهيـم يؤامر ابنه فـي الـمضي لأمر اللّه ، والانتهاء إلـى طاعته؟

قـيـل: لـم يكن ذلك منه مشاورة لابنه فـي طاعة اللّه ، ولكنه كان منه لـيعلـم ما عند ابنه من العَزْم: هل هو من الصبر علـى أمر اللّه علـى مثل الذي هو علـيه، فـيسرّ بذلك أم لا، وهو فـي الأحوال كلها ماض لأمر اللّه .

و قوله: قالَ يا أبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ

يقول تعالـى ذكره: قال إسحاق لأبـيه: يا أبت افعل ما يأمرك به ربك من ذبحي سَتَـجِدُنِـي إنْ شاءَ اللّه مِنَ الصّابِرِينَ يقول: ستـجدنـي إن شاء اللّه صابرا من الصابرين لـما يأمرنا به ربنا، وقال: افعل ما تؤمر، ولـم يقل: ما تؤمر به، لأن الـمعنى: افعل الأمر الذي تؤمره، وذُكر أن ذلك فـي قراءة عبد اللّه : (إنـي أرى فـي الـمنام: افعل ما أُمِرْت به) .

١٠٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا أَسْلَمَا وَتَلّهُ لِلْجَبِينِ }.

يقول تعالـى ذكره: فلـما أسلـما أمرهما للّه وفوّضاه إلـيه واتفقا علـى التسلـيـم لأمره والرضا بقضائه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٦٠١ـ حدثنـي سلـيـمان بن عبد الـجبـار، قال: حدثنا ثابت بن مـحمد، وحدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مسلـم بن صالـح، قالا: حدثنا عبد اللّه بن الـمبـارك، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن أبـي صالـح، فـي قوله: فَلَـمّا أسْلَـما قال: اتفقا علـى أمر واحد.

٢٢٦٠٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الـحسين، عن يزيد، عن عكرمة،

قوله: فَلَـمّا أسْلَـما وَتَلّهُ للْـجَبِـينِ قال: أسلـما جميعا لأمر اللّه ورضي الغلام بـالذبح، ورضي الأب بأن يذبحه، فقال: يا أبت اقذفنـي للوجه كيلا تنظر إلـيّ فترحمنـي، وأنظر أنا إلـى الشفرة فأجزع، ولكن أدخـل الشفرة من تـحتـي، وامض لأمر اللّه ، فذلك قوله: فَلَـمّا أسْلَـما وَتَلّهُ للْـجَبِـينِ فلـما فعل ذلك نَادَيْناهُ أنْ يا إبْرَاهِيـمُ قَدْ صَدّقْتَ الرّؤْيا إنّا كَذلكَ نَـجْزِي الـمُـحْسِنِـينَ.

٢٢٦٠٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَلَـمّا أسْلَـما قال: أسلـم هذا نفسه اللّه ، وأسلـم هذا ابنه للّه.

٢٢٦٠٤ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: فَلَـمّا أسْلَـما قال: أسلـما ما أمرا به.

٢٢٦٠٥ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فَلَـمّا أسْلَـما يقول: أسلـما لأمر اللّه .

٢٢٦٠٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق فَلَـمّا أَسْلَـما: أي سلـم إبراهيـم لذبحه حين أمر به وسلم ابنه للصبر علـيه، حين عرف أن اللّه أمره بذلك فـيه.

و قوله: وَتَلّهُ للْـجَبِـينِ يقول: وصَرَعَه للـجَبِـين، والـجبـينان ما عن يـمين الـجبهة وعن شمالها، وللوجه جبـينان، والـجبهة بـينهما. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٦٠٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى: وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: وَتَلّهُ للْـجَبِـينِ قال: وضع وجهه للأرض، قال: لا تذبحنـي وأنت تنظر إلـى وجهي عسى أن ترحمنـي، ولا تـجهز علـيّ، اربط يديّ إلـى رقبتـي ثم ضع وجهي للأرض.

٢٢٦٠٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَتَلّهُ للْـجَبِـينِ: أي وكبّه لفـيه وأخذ الشّفرة وَنادَيْناهُ أنْ يا إبْراهِيـمُ قَدْ صَدّقْتَ الرؤْيا حتـى بلغ وَفَدَيْناهُ بذِبْحٍ عَظِيـمٍ.

٢٢٦٠٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس وَتَلّهُ للْـجَبِـينِ قال: أكَبّه علـى جبهته.

٢٢٦١٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَتَلّهُ للْـجَبِـين قال: جبـينه، قال: أخذ جبـينه لـيذبحه.

٢٢٦١١ـ حدثنا ابن سنان، قال: حدثنا حجاج، عن حماد، عن أبـي عاصم الغَنَوِيّ عن أبـي الطّفَـيـل، قال: قال ابن عباس : إن إبراهيـم لـما أُمر بـالـمناسك عرض له الشيطان عند الـمسعَى فسابقه، فسبقه إبراهيـم، ثم ذهب به جبريـل إلـى جمرة العقبة، فعرض له الشيطان، فرماه بسبع حَصَيات حتـى ذهب، ثم عرض له عند الـجمرة الوُسْطَى، فرماه بسبع حَصيات حتـى ذهب، ثم تلّه للـجَبـين، وعلـى إسماعيـل قَميص أبـيض، فقال له: يا أبت إنه لـيس لـي ثوب تكفننـي فـيه غير هذا، فـاخـلعه حتـى تكفننـي فـيه، فـالتفت إبراهيـم فإذا هو بكبش أَعْيَن أَبـيض فذبحه، فقال ابن عباس : لقد رأيتنا نتبع هذا الضرب من الكِبـاش.

١٠٤

و قوله: وَنادَيْناهُ أنْ يا إبْراهِيـمُ قَدْ صَدّقْتَ الرؤْيا وهذا جواب قوله: فَلَـمّا أسْلَـما ومعنى الكلام: فلـما أسلـما وتلّه للـجبـين، وناديناه أن يا إبراهيـم وأدخـلت الواو فـي ذلك كما أدخـلت فـي قوله: حتـى إذا جاءُوها وَفُتِـحَتْ أبْوابُها وقد تفعل العرب ذلك فتدخـل الواو فـي جواب فلـما، وحتـى وإذا تلقـيها. و يعني ب

١٠٥

قوله: قَدْ صَدّقْتَ الرّؤْيا التـي أريناكها فـي منامك بأمرناك بذبح ابنك.

و قوله: إنّا كَذلكَ نَـجْزِي الـمُـحْسِنِـينَ يقول: إنا كما جَزَيْناك بطاعتنا يا إبراهيـم، كذلك نـجزى الذين أحسنوا، وأطاعوا أمرنا، وعملوا فـي رضانا.

١٠٦

و قوله: إنّ هَذَا لَهُوَ البَلاءُ الـمُبِـينُ:

يقول تعالـى ذكره: إن أمرنا إياك يا إبراهيـم بذبح ابنك إسحاق، لهو البلاء، يقول: لهو الاختبـار الذي يبـين لـمن فكّر فـيه أنه بلاء شديد ومـحْنة عظيـمة. وكان ابن زيد يقول: البلاء فـي هذا الـموضع الشرّ ولـيس بـاختبـار.

٢٢٦١٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: إنّ هَذَا لَهُوَ البَلاءُ الـمُبِـينُ قال: هذا فـي البلاء الذي نزل به فـي أن يذبح ابنه. صدّقت الرؤيا: ابتلـيتَ ببلاء عظيـم أمرت أن تذبح ابنك، قال: وهذا من البلاء الـمكروه وهو الشرّ ولـيس من بلاء الاختبـار.

١٠٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ }.

و قوله: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ يقول: وفدينا إسحاق بذبح عظيـم، والفدية: الـجزاء، يقول: جزيناه بأن جعلنا مكان ذبحه ذبح كبش عظيـم، وأنقذناه من الذبح.

واختلف أهل التأويـل فـي الـمفديّ من الذبح من ابنـي إبراهيـم، فقال بعضهم: هو إسحاق. ذكر من قال ذلك:

٢٢٦١٣ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن مبـارك، عن الـحسن، عن الأحنف بن قـيس، عن العباس بن عبد الـمطلب وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: هو إسحاق.

٢٢٦١٤ـ حدثنـي الـحسين بن يزيد بن إسحاق، قال: حدثنا ابن إدريس، عن داود، بن أبـي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس ، قال: الذي أُمِر بذبحه إبراهيـم هو إسحاق.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: هو إسحاق.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن داود، عن عكرمة، قال: قال ابن عباس : الذبـيح إسحاق.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا زيد بن حبـاب، عن الـحسن بن دينار، عن علـيّ بن زيد بن جُدْعان، عن الـحسن، عن الأحنف بن قـيس، عن العباس بن عبد الـمطلب، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم فـي حديث ذكره، قال: (هو إسحاق) .

٢٢٦١٥ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي إسحاق، عن أبـي الأحوص، قال: افتـخر رجل عند ابن مسعود، فقال: أنا فلان ابن فلان ابن الأشياخ الكرام، فقال عبد اللّه : ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبـيح اللّه ابن إبراهيـم خـلـيـل اللّه .

٢٢٦١٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا إبراهيـم بن الـمختار، قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن أبـي بكر، عن الزهري، عن العلاء بن حارثة الثقـفـي، عن أبـي هريرة، عن كعب فـي قوله: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: من ابنه إسحاق.

٢٢٦١٧ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: حدثنا زكريا وشعبة، عن ابن إسحاق، عن مسروق، فـي قوله: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: هو إسحاق.

٢٢٦١٨ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن زيد بن أسلـم، عن عبـيد بن عمير، قال: هو إسحاق.

٢٢٦١٩ـ حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سفـيان، عن زيد بن أسلـم، عن عبد اللّه بن عمير قال: قال موسى: يا ربّ يقولون يا إله إبراهيـم وإسحاق ويعقوب، فبـم قالوا ذلك؟ قال: إن إبراهيـم لـم يعدل بـي شيئا قطّ إلا اختارنـي علـيه، وإن إسحاق جاد لـي بـالذبح، وهو بغير ذلك أجود، وإن يعقوب كلـما زدته بلاء زادنـي حسن ظنّ.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفـيان، عن زيد بن أسلـم، عن عبد اللّه بن عبـيد بن عمير، عن أبـيه، قال: قال موسى: أي ربّ بـم أعطيت إبراهيـم وإسحاق ويعقوب ما أعطيتهم؟ فذكر معنى حديث عمرو بن علـيّ.

٢٢٦٢٠ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن أبـي سنان الشيبـانـيّ، عن ابن أبـي الهذيـل، قال: الذبـيح هو إسحاق.

٢٢٦٢١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخربنـي يونس، عن ابن شهاب أن عمرو بن أبـي سفـيان بن أسيد بن حارثة الثقـفـي، أخبره أن كعبـا قال لأبـي هريرة: ألا أخبرك عن إسحاق بن إبراهيـم النبي ؟ قال أبو هريرة: بلـى، قال كعب: لـما رأى إبراهيـمُ ذبحَ إسحاق، قال الشيطان: واللّه لئن لـم أفتن عند هذا آل إبراهيـم لا أفِتن أحدا منهم أبدا، فتـمثل الشيطان لهم رجلاً يعرفونه، فأقبل حتـى إذا خرج إبراهيـم بإسحاق لـيذبحه دخـل علـى سارَة امرأة إبراهيـم، فقال لها: أي أصبح إبراهيـم غاديا بإسحاق، قالت سارَة: غدا لبعض حاجته، قال الشيطان: لا واللّه ما لذلك غدا به، قالت سارَة: فلـم غدا به؟ قال: غدا به لـيذبحه قالت سارَة: لـيس من ذلك شيء، لـم يكن لـيذبح ابنه قال الشيطان: بلـى واللّه قالت سارَة: فلِـمَ يذبحه؟ قال: زعم أن ربه أمره بذلك قالت سارَة: فهذا أحسن بأن يطيع ربه إن كان أمره بذلك. فخرج الشيطان من عند سارَة حتـى أدرك إسحاق وهو يـمشي علـى إثر أبـيه، فقال: أين أصبح أبوك غاديا بك؟ قال: غدا بـي لبعض حاجته، قال الشيطان: لا واللّه ما غدا بك لبعض حاجته، ولكن غدا بك لـيذبحك، قال إسحاق: ما كان أبـي لـيذبحنـي قال: بلـى قال: لِـمَ؟ قال: زعم أن ربه أمره بذلك قال إسحاق: فواللّه لئن أمره بذلك لـيطيعنّه، قال: فتركه الشيطان وأسرع إلـى إبراهيـم، فقال: أين أصبحت غاديا بـابنك؟ قال: غدوت به لبعض حاجتـي، قال: أما واللّه ما غدوت به إلا لتذبحه، قال: لـمَ أذبحه؟ قال: زعمتَ أن ربك أمرك بذلك قال: اللّه فواللّه لئن كان أمرنـي بذلك ربـي لأفعلنّ قال: فلـما أخذ إبراهيـم إسحاق لـيذبحه وسلم إسحاق، أعفـاه اللّه وفداه بذبح عظيـم، قال إبراهيـم لإسحاق: قم أي بنـيّ، فإن اللّه قد أعفـاك وأوحى اللّه إلـى إسحاق: إنـي قد أعطيتك دعوة أستـجيب لك فـيها قال إسحاق: اللّه مّ إنـي أدعوك أن تستـجيب لـي، أيـما عبد لقـيك من الأوّلـين والاَخرين لا يُشرك بك شيئا، فأدخـله الـجنة.

٢٢٦٢٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: ثنـي ابن إسحاق، عن عبد اللّه بن أبـي بكر، عن مـحمد بن مسلـم الزهري، عن أبـي سفـيان بن العلاء بن حارثة الثقـفـي، حلـيف بنـي زهرة، عن أبـي هريرة، عن كعب الأحبـار أن الذي أُمِر إبراهيـم بذبحه من ابنـيه إسحاق، وأن اللّه لـما فرّج له ولابنه من البلاء العظيـم الذي كان فـيه، قال اللّه لإسحاق: إنـي قد أعطيتك بصبرك لأمري دعوة أعطيك فـيها ما سألت، فسلنـي، قال: ربّ أسألك أن لا تعذّب عبدا من عبـادك لقـيك وهو يؤمن بك، فكانت تلك مسألته التـي سأل.

٢٢٦٢٣ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يـمان، قال: حدثنا إسرائيـل، عن جابر، عن ابن سابط، قال: هو إسحاق.

٢٢٦٢٤ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا سفـيان بن عُقْبة، عن حمزة الزيات، عن أبـي ميسرة، قال: قال يوسف للـملِك فـي وجهه: ترغب أن تأكل معي، وأنا واللّه يوسف بن يعقوب نبـيّ اللّه ، ابن إسحاق ذبـيح اللّه ، ابن إبراهيـم خـلـيـل اللّه .

٢٢٦٢٥ـ قال: ثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن أبـي سنان، عن ابن أبـي الهُذَيـل، قال: قال يوسف للـملك، فذكر نـحوه.

وقال آخرون: الذي فُدِي بـالذّبح العظيـم من بنـي إبراهيـم: إسماعيـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٦٢٦ـ حدثنا أبو كُرَيب وإسحاق بن إبراهيـم بن حبـيب بن الشهيد، قالا: حدثنا يحيى بن يـمان، عن إسرائيـل، عن ثور، عن مـجاهد ، عن ابن عمر، قال: الذبـيح: إسماعيـل.

٢٢٦٢٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا سفـيان، قال: ثنـي بـيان، عن الشعبـيّ، عن ابن عباس وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: إسماعيـل.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا أبو حمزة، عن مـحمد بن ميـمون السكريّ، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، قال: إن الذي أُمر بذبحه إبراهيـم إسماعيـل.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، عن علـيّ بن زيد، عن عمار، مولـى بنـي هاشم، أو عن يوسف بن مِهْران، عن ابن عباس ، قال: هو إسماعيـل، يعني وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَـية، قال: حدثنا داود، عن الشعبـيّ، قال: قال ابن عباس : هو إسماعيـل.

وحدثنـي به يعقوب مرّة أخرى، قال: حدثنا ابن عُلَـية، قال: سئل داود بن أبـي هند: أيّ ابنـي إبراهيـم الذي أُمر بذبحه؟ فزمع أن الشعبـيّ قال: قال ابن عباس : هو إسماعيـل.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن بـيان، عن الشعبـي، عن ابن عباس أنه قال فـي الذي فداه اللّه بذبح عظيـم قال: هو إسماعيـل.

حدثنا يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلِـيَة، قال: حدثنا لـيث، عن مـجاهد ، عن ابن عباس ، قوله: وَفدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـم قال: هو إسماعيـل.

٢٢٦٢٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي عمر بن قـيس، عن عطاء بن أبـي رَبـاح، عن عبد اللّه بن عباس أنه قال: الـمَفْدِيّ إسماعيـل، وزعمت الـيهود أنه إسحاق وكذبت الـيهود.

حدثنا مـحمد بن سنان القزاز، قال: حدثنا أبو عاصم، عن مبـارك، عن علـيّ بن زيد، عن يوسف بن مِهْران، عن ابن عباس : الذي فداه اللّه هو إسماعيـل.

حدثنا ابن سنان القزّاز، قال: حدثنا حجاج بن حماد، عن أبـي عاصم الغَنَويّ، عن أبـي الطفـيـل، عن ابن عباس ، مثله.

٢٢٦٢٩ـ حدثنـي إسحاق بن شاهين، قال: حدثنا خالد بن عبد اللّه ، عن داود، عن عامر، قال: الذي أراد إبراهيـم ذبحه: إسماعيـل.

٢٢٦٣٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن عامر أنه قال فـي هذه الاَية وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: هو إسماعيـل، قال: وكان قَرْنَا الكبش مَنُوطين بـالكعبة.

٢٢٦٣١ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن إسرائيـل، عن جابر، عن الشعبـيّ، قال: الذبـيح إسماعيـل.

٢٢٦٣٢ـ قال: ثنا ابن يـمان، عن إسرائيـل، عن جابر، عن الشعبـي، قال: رأيت قرنـي الكبش فـي الكعبة.

٢٢٦٣٣ـ قال: ثنا ابن يـمان، عن مبـارك بن فضالة، عن علـيّ بن زيد بن جُدْعان، عن يوسف بن مِهْران، قال: هو إسماعيـل.

٢٢٦٣٤ـ قال: ثنا ابن يـمان، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قال: هو إسماعيـل.

٢٢٦٣٥ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: حدثنا عوف، عن الـحسن وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: هو إسماعيـل.

٢٢٦٣٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: سمعت مـحمد بن كعب القُرظِي وهو يقول: إن الذي أمر اللّه إبراهيـم بذبحه من بنـيه إسماعيـل، وإنا لنـجد ذلك فـي كتاب اللّه فـي قصة الـخبر عن إبراهيـم وما أُمر به من ذبح ابنه إسماعيـل، وذلك أن اللّه يقول، حين فرغ من قصة الـمذبوح من إبراهيـم، قال: وَبَشّرْناهُ بإسْحاقَ نَبِـيّا مِنَ الصّالِـحينَ يقول: بشّرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، يقول: بـابن وابن ابن، فلـم يكن لـيأمره بذبح إسحاق وله فـيه من اللّه الـموعود ما وعده اللّه ، وما الذي أُمِر بذبحه إلا إسماعيـل.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن الـحسن بن دينار وعمرو بن عبـيد، عن الـحسن البصري أنه كان لا يشكّ فـي ذلك أن الذي أُمِر بذبحه من ابنـي إبراهيـم: إسماعيـل.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: قال مـحمد بن إسحاق: سمعت مـحمد بن كعب القُرِظيّ يقول ذلك كثـيرا.

٢٢٦٣٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: ثنـي مـحمد بن إسحاق، عن بريدة بن سفـيان بن فَرْوة الأسلـمي عن مـحمد بن كعب الْقُرِظيّ، أنه حدثهم أنه ذَكَر ذلك لعمر بن عبد العزيز وهو خـلـيفة، إذ كان معه بـالشام فقال له عمر: إن هذا لشيء ما كنت أنظر فـيه، وإنـي لأراه كما هو ثم أرسل إلـى رجل كان عنده بـالشام كان يهوديا، فأسلـم فحسُن إسلامه، وكان يرى أنه من علـماء يهود، فسأله عمر بن عبد العزيز عن ذلك، فقال مـحمد بن كعب: وأنا عند عمر بن عبد العزيز، فقال له عمر: أيّ ابنـي إبراهيـم أُمِر بذبحه؟ فقال: إسماعيـل واللّه يا أمير الـمؤمنـين، وإن يهود لتعلـم بذلك، ولكنهم يحسُدونكم معشر العرب علـى أن يكون أبـاكم الذي كان من أمر اللّه فـيه، والفضل الذي ذكره اللّه منه لصبره لـما أمر به، فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنه إسحاق، لأن إسحاق أبوهم، فـاللّه أعلـم أيهما كان، كلّ قد كان طاهرا طيبـا مطيعا لربه.

٢٢٦٣٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمار الرازي، قال: حدثنا إسماعيـل بن عبـيد بن أبـي كريـمة، قال: حدثنا عمر بن عبد الرحيـم الـخطابـيّ، عن عبـيد بن مـحمد العُتبـي من ولد عتبة بن أبـي سفـيان، عن أبـيه، قال: ثنـي عبد اللّه بن سعيد، عن الصّنابحي، قال: كنا عند معاوية بن أبـي سفـيان، فذكروا الذبـيح إسماعيـل أو إسحاق، فقال: علـى الـخبـير سقطتـم: كنا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فجاءه رجل، فقال: يا رسول اللّه عُدْ علـيّ مـما أفـاء اللّه علـيك يا ابن الذبـيحين فضحك علـيه الصلاة والسلام فقلنا له: يا أمير الـمؤمنـين، وما الذبـيحان؟ فقال: إن عبد الـمطلب لـما أُمِر بحفْر زمزم، نذر اللّه لئن سَهُل علـيه أمرها لـيذبحنّ أحد ولده، قال: فخرج السهم علـى عبد اللّه ، فمنعه أخواله، وقالوا: افْدِ ابنك بـمئة من الإبل، ففداه بـمئة من الإبل، وإسماعيـل الثانـي.

٢٢٦٣٩ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عثمان بن عمر، قال: حدثنا ابن جريج، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: الذي فُدِيَ به إسماعيـل، و يعني تعالـى ذكره الكبش الذي فُدِيَ به إسحاق، والعرب تقول لكلّ ما أُعِدّ للذبح ذِبْح، وأما الذّبح بفتـح الذال فهو الفعل.

قال أبو جعفر: وأولـى القولـين بـالصواب فـي الـمفْدِيّ من ابنـي إبراهيـم خـلـيـل الرحمن علـى ظاهر التنزيـل قول من قال: هو إسحاق، لأن اللّه قال: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ فذكر أنه فَدَى الغلامَ الـحلـيـمَ الذي بُشّر به إبراهيـم حين سأله أن يهب له ولدا صالـحا من الصالـحين، فقال: رَبّ هَبْ لـي مِنَ الصّالِـحِينَ فإذ كان الـمفدِيّ بـالذبح من ابنـيه هو الـمبشّر به، وكان اللّه تبـارك اسمه قد بـين فـي كتابه أن الذي بُشّر به هو إسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، فقال جلّ ثناؤه: فَبَشّرْناهُ بإسَحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إسحَاقَ يَعْقُوبَ وكان فـي كل موضع من القرآن ذكر تبشيره إياه بولد، فإنـما هو معنّى به إسحاق، كان بـيّنا أن تبشيره إياه ب قوله: فَبَشّرْناهُ بغُلامٍ حَلِـيـمٍ فـي هذا الـموضع نـحو سائر أخبـاره فـي غيره من آيات القرآن.

وبعد: فإن اللّه أخبر جل ثناؤه فـي هذه الاَية عن خـلـيـله أن بشّره بـالغلام الـحلـيـم عن مسألته إياه أن يهب له من الصالـحين، ومعلوم أنه لـم يسأله ذلك إلا فـي حال لـم يكن له فـيه ولد من الصالـحين، لأنه لـم يكن له من ابنـيه إلا إمام الصالـحين، وغير موهوم منه أن يكون سأل ربه فـي هبة ما قد كان أعطاه ووهبه له. فإذ كان ذلك كذلك فمعلوم أن الذي ذكر تعالـى ذكره فـي هذا الـموضع هو الذي ذكر فـي سائر القرآن أنه بشّره به وذلك لا شك أنه إسحاق، إذ كان الـمفديّ هو الـمبشّر به. وأما الذي اعتلّ به من اعتلّ فـي أنه إسماعيـل، أن اللّه قد كان وعد إبراهيـم أن يكون له من إسحاق ابن ابن، فلـم يكن جائزا أن يأمره بذبحه مع الوعد الذي قد تقدم فإن اللّه إنـما أمره بذبحه بعد أن بلغ معه السعي، وتلك حال غير مـمكن أن يكون قد وُلد لإسحاق فـيها أولاد، فكيف الواحد؟ وأما اعتلال من اعتل بأن اللّه أتبع قصة الـمفديّ من ولد إبراهيـم ب قوله: وَبَشّرْناهُ بإسحَاقَ نَبِـيّا ولو كان الـمفديّ هو إسحاق لـم يبشّر به بعد، وقد ولد، وبلغ معه السعي، فإن البشارة بنبوّه إسحاق من اللّه فـيـما جاءت به الأخبـار جاءت إبراهيـم وإسحاق بعد أن فُدِي تكرمة من اللّه له علـى صبره لأمر ربه فـيـما امتـحنه به من الذبح، وقد تقدمت الرواية قبلُ عمن قال ذلك. وأما اعتلال من اعتلّ بأن قرن الكبش كان معلقا فـي الكعبة فغير مستـحيـل أن يكون حُمِل من الشام إلـى مكة. وقد رُوي عن جماعة من أهل العلـم أن إبراهيـم إنـما أُمِر بذبح ابنه إسحاق بـالشام، وبها أراد ذبحه.

واختلف أهل العلـم فـي الذّبح الذي فُدِي به إسحاق، فقال بعضهم: كان كبشا. ذكر من قال ذلك:

٢٢٦٤٠ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن جابر، عن أبـي الطفـيـل، عن علـيّ وَفَديناهُ بِذِبْحِ عَظِيـمٍ قال: كبش أبـيض أقرن أعين مربوط بسَمُرَة فـي ثَبِـير.

٢٢٦٤١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي ابن جريج، عن عطاء بن أبـي ربـاح، عن ابن عباس وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: كبش عبـيد بن عمير: ذُبِح بـالـمَقام، وقال مـجاهد : ذبح بـمنىً فـي الـمَنْـحَر.

٢٢٦٤٢ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن خثـيـم، عن سعيد، عن ابن عباس قال: الكبش الذي ذبحه إبراهيـم هو الكبش الذي قرّبه ابن آدم فتقبل منه.

٢٢٦٤٣ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا سيار، عن عكرمة، أن ابن عباس كان أفتـى الذي جَعَلَ علـيه أن ينـحر نفسه، فأمره بـمئة من الإبل، قال: فقال ابن عباس بعد ذلك: لو كنت أفتـيته بكبش لأجزأه أن يذبح كبشا، فإن اللّه قال فـي كتابه: وَفَدَيْناهُ بذِبْحٍ عَظِيـمٍ.

٢٢٦٤٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: ذِبْح كبش.

٢٢٦٤٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَفَدَيْناهُ بِذِبْحَ عَظِيـمٍ قال: قال ابن عباس : التفتَ فإذا كبش، فأخذه فذبحه.

٢٢٦٤٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جُبَـير وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: كان الكبش الذي ذبحه إبراهيـم رعى فـي الـجنة أربعين سنة، وكان كبشا أملـح، صوفه مثل العِهْنِ الأحمر.

٢٢٦٤٧ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: بكبش.

٢٢٦٤٨ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: أخبرنا لـيث، قال: قال مـجاهد : الذبح العظيـم: شاة.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد قوله: بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: بكبش.

وحدثنا الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا شريك، عن لـيث، عن مـجاهد وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: الذّبح: الكبش.

٢٢٦٤٩ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: التفت، يعني إبراهيـم، فإذا بكبش، فأخذوه وخـلّـى عن ابنه.

٢٢٦٥٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: الذّبح العظيـم: الكبش الذي فَدَى اللّه به إسحاق.

٢٢٦٥١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن الـحسن بن دينار، عن قتادة بن دِعامة، عن جعفر بن إياس، عن عبد اللّه بن العباس ، فـي قوله: وَفَدَيْناهُ بِذبْحٍ عَظِيـمٍ قال: خرج علـيه كبش من الـجنة قد رعاها قبل ذلك أربعين خريفـا، فأرسل إبراهيـم ابنه واتبع الكبش، فأخرجه إلـى الـجمرة الأولـى فرمى بسبع حصيات، فأفلته عنده، فجاء الـجمرة الوسطى، فأخرجه عندها، فرماه بسبع حصيات، ثم أفلته فأدركه عند الـجمرة الكبرى، فرماه بسبع حصيات، فأخرجه عندها، ثم أخذه فأتـى به الـمنـحَر من مِنَى، فذبحه فوالذي نفس ابن عباس بـيده، لقد كان أوّل الإسلام، وإن رأس الكبش لـمعلّق بقرنـيه عند مِيزاب الكعبة قد حُشّ، يعني يبس.

٢٢٦٥٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال ابن إسحاق: ويزعم أهل الكتاب الأول وكثـير من العلـماء أن ذبـيحة إبراهيـم التـي فدى بها ابنه كبش أملـح أقرن أعين.

٢٢٦٥٣ـ حدثنا عمرو بن عبد الـحميد، قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن جويبر، عن الضحاك فـي قوله: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: بكبش.

وقال آخرون: كان الذبح وَعِلاً. ذكر من قال ذلك:

٢٢٦٥٤ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا معاوية بن هشام، عن سفـيان، عن رجل، عن أبـي صالـح، عن ابن عباس وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: كان وَعلاً.

٢٢٦٥٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن عمرو بن عبـيد، عن الـحسن أنه كان يقول: ما فُدِي إسماعيـل إلا بتـيس من الأرويّ أهبط علـيه من ثبـير.

واختلف أهل التأويـل فـي السبب الذي من أجله قـيـل للذّبح الذي فدى به إسحاق عظيـم، فقال بعضهم: قـيـل ذلك كذلك، لأن كان رَعَى فـي الـجنة. ذكر من قال ذلك:

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن عبد اللّه بن عيسى، عن سعيد بن جُبَـير عن ابن عباس وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ قال: رعى فـي الـجنة أربعين خريفـا.

وقال آخرون: قـيـل له عظيـم، لأنه كان ذِبْحا متقبّلاً. ذكر من قال ذلك:

٢٢٦٥٦ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن ابن جريج، عن مـجاهد ، عَظِيـمٍ قال: متقبّل.

حدثنا الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا شريك، عن لـيث، عن مـجاهد فـي وَفَدَيْناهُ بِذبْحٍ عَظِيـمٍ قال: العظيـم: الـمتقبل.

وقال آخرون: قـيـل له عظيـم، لأنه ذِبْحٌ ذُبِحَ بـالـحقّ، وذلك ذبحه بدين إبراهيـم. ذكر من قال ذلك:

٢٢٦٥٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن عمرو بن عبـيد، عن الـحسن أنه كان يقول: ما يقول اللّه وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيـمٍ لذبـيحته التـي ذبح فقط، ولكنه الذّبح علـى دينه، فتلك السّنة إلـى يوم القـيامة، فـاعلـموا أن الذبـيحة تدفع مِيتة السّوء، فضحّوا عبـاد اللّه .

قال أبو جعفر: ولا قول فـي ذلك أصحّ مـما قال اللّه جلّ ثناؤه، وهو أن يقال: فداه اللّه بذِبح عظيـم، وذلك أن اللّه عمّ وصفه إياه بـالعظم دون تـخصيصه، فهو كما عمه به.

١٠٨

و قوله: وَتَرَكْنا عَلَـيْهِ فِـي الاَخِرِينَ

يقول تعالـى ذكره: وأبقـينا علـيه فـيـمن بعده إلـى يوم القـيامة ثناءً حسنا، كما:

٢٢٦٥٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَتَرَكْنا عَلَـيْهِ فِـي الاَخِرِينَ قال: أبقـى اللّه علـيه الثناء الـحسن فـي الاَخرين.

حدثنـي يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَتَرَكْنا عَلَـيْهِ فِـي الاَخِرِينَ قال: سأل إبراهيـمُ، فقال: وَاجْعَلْ لِـي لِسَانَ صِدْقٍ فـي الاَخِرِينَ قال: فترك اللّه علـيه الثناء الـحسن فـي الاَخرِين، كما ترك اللسانَ السّوْء علـى فرعون وأشبـاهه كذلك ترك اللسان الصدق والثناء الصالـح علـى هؤلاء.

وقـيـل: معنى ذلك: وتركنا علـيه فـي الاَخرين السلام، وه

و قوله: سَلامٌ علـى إبْرَاهِيـمَ، وذلك قول يُرْوى عن ابن عباس تركنا ذكره لأن فـي إسناده من لـم نستـجز ذكره وقد ذكرنا الأخبـار الـمروية فـي قوله: وَتَرَكْنا عَلَـيْهِ فِـي الاَخِرِينَ فـيـما مضى قبل.

وقـيـل: معنى ذلك: وتركنا علـيه فـي الاَخرين أن يقال: سلام علـى إبراهيـم.

١٠٩

و قوله: سَلامٌ علـى إبْرَاهِيـمَ

يقول تعالـى ذكره: أَمَنة من اللّه فـي الأرض لإبرايهم أن لا يذكر من بعده إلا بـالـجميـل من الذكر.

١١٠

و قوله: كَذَلَكَ نَـجْزِي الـمُـحْسِنِـينَ يقول: كما جزينا إبراهيـم علـى طاعته إيانا وإحسانه فـي الانتهاء إلـى أمرنا، كذلك نـجزي الـمـحسنـين

١١١

إنّهُ مِنْ عِبـادِنا الـمُؤْمِنـينَ يقول: إن إبراهيـم من عبـادنا الـمخـلِصين لنا الإيـمان.

١١٢

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَبَشّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مّنَ الصّالِحِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: وبشّرنا إبراهيـم بإسحاق نبـيا شكرا له علـى إحسانه وطاعته، كما:

٢٢٦٥٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَبَشّرْناهُ بإسحَاقَ نَبِـيّا مِنَ الصّالِـحينَ قال: بشر به بعد ذلك نبـيا، بعد ما كان هذا من أمره لـمّا جاد للّه بنفسه.

٢٢٦٦٠ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَـية، عن داود، عن عكرمة، قال: قال ابن عباس : الذبـيح إسحاق قال:

و قوله: وَبَشّرْناهُ بإسحَاقَ نَبِـيّا مِنَ الصّالِـحِينَ قال بُشّر بنبوّته. قال:

و قوله: وَوَهَبْنا لَهُ من رحمتنا أخاهُ هارُونَ نَبِـيّا قال: كان هارون أكبر من موسى، ولكن أراد وَهَبَ اللّه له نبوّته.

٢٢٦٦١ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا معتـمر بن سلـيـمان، قال: سمعت داود يحدّث، عن عكرمة، عن ابن عباس فـي هذه الاَية وَبَشّرْناهُ بإسحَاقَ نَبِـيّا مِنَ الصّالِـحِينَ قال: إنـما بشّره به نبـيا حين فداه من الذبح، ولـم تكن البشارة بـالنبوّة عند مولده.

 

حدثنـي الـحسين بن يزيد الطحان، قال: حدثنا ابن إدريس، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس ، فـي قول اللّه : وَبَشّرْناهُ بإسحَاقَ نَبِـيّا قال: إنـما بُشّر بـالنبوّة.

٢٢٦٦٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَبَشّرْناهُ بإسحَاقَ نَبِـيّا مِنَ الصّالِـحِينَ قال: بُشّر إبراهيـم بإسحاق.

٢٢٦٦٣ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ وَبَشّرْناهُ بإسحَاقَ نَبِـيّا مِنَ الصّالِـحينَ قال: بنبوّته.

٢٢٦٦٤ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا ابن فضيـل، عن ضرار، عن شيخ من أهل الـمسجد، قال: بُشّر إبراهيـم لسبع عشرة ومئة سنة.

١١٣

و قوله: وَبـارَكْنا عَلَـيْهِ وَعَلـى إسحَاقَ

يقول تعالـى ذكره: وبـاركنا علـى إبراهيـم وعلـى إسحاق وَمِنْ ذُرّيّتِهِما مُـحْسِنٌ يعني بـالـمـحسن: الـمؤمن الـمطيع للّه، الـمـحسن فـي طاعته إياه وَظالِـمٌ لنَفْسِهِ مُبِـينٌ و يعني بـالظالـم لنفسه: الكافر بـاللّه ، الـجالب علـى نفسه بكفره عذابَ اللّه وألـيـم عقابه مبـين: يعني الذي قد أبـان ظلـمَه نفسَه بكفره بـاللّه . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٦٦٥ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: مُـحْسِنٌ وَظالِـمٌ لِنْفْسِهِ مُبِـينٌ قال: الـمـحسن: الـمطيع للّه، والظالـم لنفسه: العاصي للّه.

١١٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ مَنَنّا عَلَىَ مُوسَىَ وَهَارُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: ولقد تفضلنا علـى موسى وهارون ابنـي عمران، فجعلناهما نبـيـين، ونـجيناهما وقومهما من الغم والـمكروه العظيـم الذي كانوا فـيه من عُبودة آل فرعون، ومـما أهلكنا به فرعون وقومه من الغرق. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١١٥

٢٢٦٦٦ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: وَنَـجّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الكَرْبِ العَظِيـمِ قال: من الغرق.

٢٢٦٦٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَنَـجّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الكَرْبِ العَظِيـمِ: أي من آل فرعون.

١١٦

و قوله: وَنَصَرْناهُمْ يقول: ونصرنا موسى وهارون وقومهما علـى فرعون وآله بتغريقناهم، فَكانُوا هُمُ الغالِبِـينَ لهم.

وقال بعض أهل العربـية: إنـما أُريد بـالهاء والـميـم فـي قوله: وَنَصَرْناهُمْ موسى وهارون، ولكنها أُخرجت علـى مخرج مكنـيّ الـجمع، لأن العرب تذهب بـالرئيس كالنبي والأمير وشبهه إلـى الـجمع بجنوده وأتبـاعه، وإلـى التوحيد لأنه واحد فـي الأصل، ومثله: علـى خَوْفٍ من فرعَوْنَ ومَلَئهم وفـي موضع آخر: وملئه. قال: وربـما ذهبت العرب بـالاثنـين إلـى الـجمع كما تذهب بـالواحد إلـى الـجمع، فتـخاطب الرجل، فتقول: ما أحسنتـم ولا أجملتـم، وإنـما تريده بعينه، وهذا القول الذي قاله هذا الذي حكينا قوله فـي قوله: وَنَصَرْناهُمْ وإن كان قولاً غير مدفوع، فإنه لا حاجة بنا إلـى الاحتـيال به ل قوله: وَنَصَرْناهُمْ، لأن اللّه أتبع ذلك قوله: وَنَـجّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الكَرْبِ العَظِيـمِ ثم قال: وَنَصَرْناهُمْ يعني : هما وقومهما، لأن فرعون وقومه كانوا أعداء لـجميع بنـي إسرائيـل، قد استضعفوهم، يذبحون أبناءهم، ويستـحيون نساءهم، فنصرهم اللّه علـيهم، بأن غرّقهم ونـجّى الاَخرين.

١١٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: وآتـينا موسى وهارون الكتاب: يعني التوراة، كما:

٢٢٦٦٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وآتَـيْناهُما الكِتابَ الـمُسْتَبِـينَ: التوراة.

و يعني بـالـمستبـين: الـمتبـيّن هُدَى ما فـيه وتفصيـله وأحكامه.

١١٨

و قوله: وَهَدَيْناهُما الصّراطَ الـمُسْتَقِـيـمَ

يقول تعالـى ذكره: وهدينا موسى وهارون الطريق الـمستقـيـم، الذي لا اعوجاج فـيه وهو الإسلام دين اللّه ، الذي ابتعث به أنبـياءه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٦٦٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَهَدَيْناهُما الصّراطَ الـمُسْتَقِـيـمَ الإسلام.

١١٩

و قوله: وَتَرَكْنا عَلَـيْهِما فِـي الاَخِرِينَ يقول: وتركنا علـيهما فـي الاَخرين بعدهم الثناء الـحسن علـيهما.

١٢٠

و قوله: سَلامٌ علـى مُوسَى وَهارُونَ يقول: وذلك أن يقال: سلام علـى موسى وهارون.

١٢١

و قوله: إنّا كَذلكَ نَـجْزِي الـمُـحْسَنِـينَ يقول: هكذا نـجزي أهل طاعتنا، والعاملـين

١٢٢

بـما يرضينا عنهم إنّهُما مِنْ عِبـادِنا الـمُؤْمِنِـينَ يقول: إن موسى وهارون من عبـادنا الـمخـلصين لنا الإيـمان.

١٢٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: وإن إلـياس، وهو إلـياس بن ياسين بن فنـحاص بن العيزار بن هارون بن عمران فـيـما:

٢٢٦٧٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سَلَـمة، عن ابن إسحاق. و

قـيـل: إنه إدريس.

٢٢٦٧١ـ حدثنا بذلك بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: كان يقال: إلـياس هو إدريس.

وقد ذكرنا ذلك فـيـما مضى قبل.

و قوله: لَـمِنَ الـمُرْسَلِـينَ

يقول جلّ ثناؤه: لـمرسل من الـمرسلـين

١٢٤

إذْ قالَ لَقَوْمِهِ ألا تَتّقُونَ؟ يقول حنـي قال لقومه فـي بنـي إسرائيـل: ألا تتقون اللّه أيها القوم، فتـخافونه، وتـحذرون عقوبته علـى عبـادتكم ربـا غير اللّه ، وإلها سواه وَتَذَرُونَ أحْسَنَ الـخالِقِـينَ يقول: وتَدَعون عبـادةَ أحسنِ مَن قـيـل له خالق.

١٢٥

وقد اختلف فـي معنى بَعْل، فقال بعضهم: معناه: أتدعون ربـا؟ وقالوا: هي لغة لأهل الـيـمن معروفة فـيهم. ذكر من قال ذلك:

٢٢٦٧٢ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا حِرْميّ بن عُمارة، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرنـي عُمارة، عن عكرمة، فـي قوله: أنَدْعُونَ بَعْلاً قال: إلها.

٢٢٦٧٣ـ حدثنا عمران بن موسى، قال: حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا عمارة، عن عكرمة، فـي قوله: أتَدْعونَ بَعْلاً يقول: أتدعون ربـا، وهي لغة أهل الـيـمن، تقول: مَنْ بَعْل هذا الثور: أي من رَبّه؟.

٢٢٦٧٤ـ حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة ومـحمد بن عمرو، قالا: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: أتَدْعُونَ بَعْلاً؟ قال: ربـا.

٢٢٦٧٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: أتَدْعُونَ بَعْلاً قال: هذه لغة بـالـيـمانـية: أتدعون ربـا دون اللّه .

٢٢٦٧٦ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: أتَدْعُونَ بَعْلاً قال: رَبّـا.

٢٢٦٧٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن عبد اللّه بن أبـي يزيد، قال: كنت عند ابن عباس فسألوه عن هذه الاَية: أتَدْعُونَ بَعْلاً قال: فسكت ابن عباس ، فقال رجل: أنا بعلُها، فقال ابن عباس : كفـانـي هذا الـجواب.

وقال آخرون: هو صنـم كان لهم يقال له بَعْل، وبه سميت بعلبك. ذكر من قال ذلك:

٢٢٦٧٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: أتَدْعُونَ بَعْلاً يعني : صنـما كان لهم يسمى بَعْلاً.

٢٢٦٧٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: أتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أحْسَنَ الـخالِقِـينَ؟ قال: بعل: صنـم كانوا يعبدون، كانوا ببعلك، وهم وراء دمشق، وكان بها البعل الذي كانوا يعبدون.

وقال آخرون: كان بَعْل: امرأة كانوا يعبدونها. ذكر من قال ذلك:

٢٢٦٨٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: سمعت بعض أهل العلـم يقول: ما كان بَعْل إلا امرأة يعبدونها من دون اللّه .

وللبَعْل فـي كلام العرب أوجه: يقولون لربّ الشيء هو بَعْلَهُ، يقال: هذا بَعْل هذه الدار، يعني ربّها ويقولون لزوج الـمرأة بعلُها ويقولون لـما كان من الغروس والزروع مستغنـيا بـماء السماء، ولـم يكن سَقِـيا بل هو بعل، وهو العَذْي. وذُكر أن اللّه بعث إلـى بنـي إسرائيـل إلـياس بعد مهلك حِزْقـيـل بن يوزا. وكان من قصته وقصة قومه فـيـما بلغنا، ما:

٢٢٦٨١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن مـحمد بن إسحاق، عن وهب بن منبه، قال: إن اللّه قبض حِزْقـيـل، وعظمت من بنـي إسرائيـل الأحداث، ونسُوْا ما كان من عهد اللّه إلـيهم، حتـى نصبوا الأوثان وعبدوها دون اللّه ، فبعث اللّه إلـيهم إلـياس بن ياسين بن فنـحاص بن العيزار بن هارون بن عمران نبـيا. وإنـما كانت الأنبـياء من بنـي إسرائيـل بعد موسى يُبعثون إلـيهم بتـجديد ما نسُوا من التوراة، فكان إلـياس مع ملك من ملوك بنـي إسرائيـل، يقال له: أحاب، كان اسم امرأته: أربل، وكان يسمع منه ويصدّقه، وكان إلـياس يقـيـم له أمره، وكان سائر بنـي إسرائيـل قد اتـخذوا صنـما يعبدونه من دون اللّه يقال له بعل.

قال ابن إسحاق: وقد سمعت بعض أهل العلـم يقول: ما كان بعد إلا امرأة يعبدونها من دون اللّه يقول اللّه لـمـحمد: وَإنّ إلْـياس لَـمِنَ الـمُرْسَلِـينَ إذْ قالَ لَقَوْمِهِ ألا تَتّقُونَ أتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أحْسَنَ الـخالِقِـينَ اللّه رَبّكُمْ وَرَبّ آبـائِكُمُ الأوّلِـينَ فجعل إلـياس يدعوهم إلـى اللّه ، وجعلوا لا يسمعون منه شيئا إلا ما كان من ذلك الـملك، والـملوك متفرّقة بـالشام، كل ملك له ناحية منها يأكلها، فقال ذلك الـملك الذي كان إلـياس معه يقوّم له أمره، ويراه علـى هدى من بـين أصحابه يوما: يا إلـياس، واللّه ما أرى ما تدعو إلـيه إلا بـاطلاً، واللّه ما أرى فلانا وفلانا، يعدّد ملوكا من ملوك بنـي إسرائيـل قد عبدوا الأوثان من دون اللّه إلا علـى مثل ما نـحن علـيه، يأكلون ويشربون وينعمون مـملكين، ما ينقص دنـياهم أمرُهم الذي تزعم أنه بـاطل، وما نرى لنا علـيهم من فضل فـيزعمون واللّه أعلـم أن إلـياس استرجع وقام شعر رأسه وجلده، ثم رفضه وخرج عنه، ففعل ذلك الـملك فعل أصحابه: عبد الأوثان، وصنع ما يصنعون، فقال إلـياس: اللّه مّ إن بنـي إسرائيـل قد أبَوْا إلا أن يكفروا بك والعبـادةَ لغيرك، فغَيّرْ ما بهم من نعمتك، أو كما قال.

٢٢٦٨٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق، قال: فذكر لـي أنه أُوحي إلـيه: إنا قد جعلنا أمر أرزاقهم بـيدك وإلـيك حتـى تكون أنت الذي تأذن فـي ذلك، فقال إلـياس: اللّه مّ فأمسك علـيهم الـمطر فحُبِس عنهم ثلاث سنـين، حتـى هلكت الـماشية والهوامّ والدوابّ والشجر، وجَهِد الناس جَهدا شديدا. وكان إلـياس فـيـما يذكرون حين دعا بذلك علـى بنـي إسرائيـل قد استـخفـى، شفقا علـى نفسه منهم، وكان حيثما كان وضع له رزق، وكانوا إذا وجدوا ريح الـخبز فـي دار أو بـيت، قالوا: لقد دخـل إلـياس هذا الـمكان فطلبوه، ولقـى منهم أهل ذلك الـمنزل شرا. ثم إنه أوَى لـيـلة إلـى امرأة من بنـي إسرائيـل لها ابن يقال له الـيسع ابن أخطوب به ضرّ، فآوته وأخفت أمره، فدعا إلـياس لابنها، فعُوفَـى من الضرّ الذي كان به، واتبعَ الـيسعُ إلـياسَ، فآمن به وصدّقه ولزمه، فكان يذهب معه حيثما ذهب. وكان إلـياس قد أسنّ وكبر، وكان الـيسعُ غلاما شابـا، فـيزعمون واللّه أعلـم أن اللّه أوحى إلـى إلـياس: إنك قد أهلكت كثـيرا من الـخـلق مـمن لـم يعص سوى بنـي إسرائيـل من البهائم والدوابّ والطير والهوامّ والشجر، بحبس الـمطر عن بنـي إسرائيـل، فـيزعمون واللّه أعلـم أن إلـياس قال: أي ربّ دعنـي أنا الذي أدعو لهم وأكون أنا الذي آتـيهم بـالفرج مـما هم فـيه من البلاء الذي أصابهم، لعلهم أن يرجعوا ويَنزِعوا عما هم علـيه من عبـادة غيرك،

قـيـل له: نعم فجاء إلـياس إلـى بنـي إسرائيـل فقال لهم: إنكم قد هلكتـم جَهْدا، وهلكت البهائم والدوابّ والطير والهوامّ والشجر، بخطاياكم، وإنكم علـى بـاطل وغرور، أو كما قال لهم، فإن كنتـم تـحبون أن تعلـموا ذلك، وتعلـموا أن اللّه علـيكم ساخط فـيـما أنتـم علـيه، وأن الذي أدعوكم إلـيه الـحقّ، فـاخرجوا بأصنامكم هذه التـي تعبدون وتزعمون أنها خير مـما أدعوكم إلـيه، فإن استـجابت لكم، فذلك كما تقولون، وإن هي لـم تفعل علـمتـم أنكم علـى بـاطل، فنزعتُـم، ودعوت اللّه ففرّج عنكم ما أنتـم فـيه من البلاء، قالوا: أنصفت فخرجوا بأوثانهم، وما يتقرّبون به إلـى اللّه من إحداثهم الذي لا يرضى، فدعوها فلـم تستـجب لهم، ولـم تفرج عنهم ما كانوا فـيه من البلاء حتـى عرفوا ما هم فـيه من الضلالة والبـاطل، ثم قالوا لإلـياس: يا إلـياس إنا قد هلكنا فـادع اللّه لنا، فدعا لهم إلـياس بـالفرج مـما هم فـيه، وأن يسقوا، فخرجت سحابة مثل التّرس بإذن اللّه علـى ظهر البحر وهم ينظرون، ثم ترامى إلـيه السحاب، ثم أدْحَسَتْ ثم أرسل الـمطر، فأغاثهم، فحيـيت بلادهم، وفرج عنهم ما كانوا فـيه من البلاء، فلـم ينزعوا ولـم يرجعوا، وأقاموا علـى أخبث ما كانوا علـيه فلـما رأى ذلك إلـياس من كفرهم، دعا ربه أن يقبضه إلـيه، فـيريحه منهم، فقـيـل له فـيـما يزعمون: انظر يوم كذا وكذا، فـاخرج فـيه إلـى بلد كذا وكذا، فماذا جاءوك من شيء فـاركبه ولا تهبه فخرج إلـياس وخرج معه الـيسع بن أخطوب، حتـى إذا كان فـي البلد الذي ذُكر له فـي الـمكان الذي أُمر به، أقبل إلـيه فرس من نار حتـى وقـف بـين يديه، فوثب علـيه، فـانطلق به، فناداه الـيسع: يا إلـياس يا إلـياس ما تأمرنـي؟ فكان آخر عهدهم به، فكساه اللّه الريش، وألبسه النور، وقطع عنه لذّة الـمطعم والـمشرب، وطار فـي الـملائكة، فكان إنسيا ملكيا أرضيا سمَاويا.

١٢٦

واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: اللّه رَبّكُمْ وَرَبّ آبـائِكُمُ الأوّلِـينَ فقرأته عامة قرّاء مكة والـمدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة: (اللّه رَبّكُمْ وَرَبّ آبـائِكُمُ الأوّلِـينَ) رفعا علـى الاستئناف، وأن الـخبر قد تناهى عند قوله: أحْسَنُ الـخالِقِـينَ. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: اللّه رَبّكُمْ وَرَبّ آبـائِكُمُ الأوّلِـينَ نصبـا، علـى الردّ علـى قوله: وَتَذَرُونَ أحْسَنَ الـخالِقِـينَ علـى أن ذلك كله كلام واحد.

والصواب من القول فـي ذلك عندنا أنهما قراءتان متقاربتا الـمعنى، مع استفـاضة القراءة بهما فـي القرّاء، فبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب. وتأويـل الكلام: ذلك معبودكم أيها الناس الذي يستـحقّ علـيكم العبـادة: ربكم الذي خـلقكم، وربّ آبـائكم الـماضين قبلكم، لا الصنـم الذي لا يخـلق شيئا، ولا يضرّ ولا ينفع.

١٢٧

و قوله: فَكَذّبُوهُ فإنّهُمْ لَـمُـحْضَرونَ يقول: فكَذّب إلـياسَ قومُهُ، فإنهم لـمـحضرون: يقول: فإنهم لـمـحضرون فـي عذاب اللّه فـيشهدونه، كما:

٢٢٦٨٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فإنّهُمْ لَـمُـحْضَرُونَ فـي عذاب اللّه .

١٢٨

إلاّ عِبـادَ اللّه الْـمُخْـلَصِينُ يقول: فإنهم يُحْضَرون فـي عذاب اللّه ، إلا عبـاد اللّه الذين أخـلصهم من العذاب

١٢٩

وَتَرَكْنا عَلَـيْهِ فِـي الاَخِرِينَ يقول: وأبقـينا علـيه الثناء الـحسن فـي الاَخرين من الأمـم بعده.

١٣٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {سَلاَمٌ عَلَىَ إِلْ يَاسِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: أمنة من اللّه لاَل ياسين.

واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: سَلامٌ عَلـى إلْـياسِينَ فقرأته عامة قرّاء مكة والبصرة والكوفة: سَلامٌ عَلـى إلْـياسِينَ بكسر الألف من إلـياسين، فكان بعضهم يقول: هو اسم إلـياس، ويقول: إنه كان يُسمى بـاسمين: إلـياس، وإلـياسين مثل إبراهيـم، وإبراهام يُستشهد علـى ذلك أن ذلك كذلك بأن جميع ما فـي السورة من قوله: سَلامٌ فإنه سلام علـى النبي الذي ذكر دون آله، فكذلك إلـياسين، إنـما هو سلام علـى إلـياس دون آله. وكان بعض أهل العربـية يقول: إلـياس: اسم من أسماء العبرانـية، كقولهم: إسماعيـل وإسحاق، والألف واللام منه، ويقول: لو جعلته عربـيا من الإلس، فتـجعله إفعالاً، مثل الإخراج، والإدخال أُجْرِي ويقول: قال: سلام علـى إلـياسين، فتـجعله بـالنون، والعَجَمِيّ من الأسماء قد تفعل به هذا العرب، تقول: ميكال وميكائيـل وميكائين، وهي فـي بنـي أسد تقول: هذا إسماعين قد جاء، وسائر العرب بـاللام قال: وأنشدنـي بعض بنـي نُـمير لضبّ صادَهُ:

يَقُولُ رَبّ السّوقِ لَـمّا جِيناهَذَا وَرَبّ البَـيْتِ إسْرَائِينا

قال: فهذا ك قوله: إلـياسين قال: وإن شئت ذهبت بإلـياسين إلـى أن تـجعله جمعا، فتـجعل أصحابه داخـلـين فـي اسمه، كما تقول لقوم رئيسهم الـمهلب: قد جاءتكم الـمهالبة والـمهلبون، فـيكون بـمنزلة قولهم الأشعرين بـالتـخفـيف، والسعدين بـالتـخفـيف وشبهه، قال الشاعر:

(أنا ابْنُ سَعْدٍ سَيّدٍ السّعْدِيْنَا )

قال: وهو فـي الاثنـين أن يضمّ أحدهما إلـى صاحبه إذا كان أشهر منه اسما كقول الشاعر:

جَزَانِـي الزّهْدَمانِ جَزاءَ سَوْءٍوكُنتُ الـمَرْءَ يُجْزَى بـالكَرَامَهْ

واسم أحدهما: زهدم وقال الاَخر:

جَزَى اللّه فِـيها الأعْوَرَيْنِ ذَمامَةًوَفَرْوَةَ ثَفْرَ الثّوْرَةِ الـمُتَضَاجِمِ

واسم أحدهما أعور.

وقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة: (سَلاَمٌ عَلـى آلِ ياسِينَ) بقطع آل من ياسين، فكان بعضهم يتأوّل ذلك بـمعنى: سلام علـى آل مـحمد. وذُكر عن بعض القرّاء أنه كان يقرأ قوله: وَإنّ إلْـياسَ بترك الهمز فـي إلـياس ويجعل الألف واللام داخـلتـين علـى (ياس) للتعريف، ويقول: إنـما كان اسمه (ياس) أدخـلت علـيه ألف ولام ثم يقرأ علـى ذلك (سلام علـى الْـياسين) .

والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا قراءة من قرأه: سَلامٌ عَلـى إلْـياسِينَ بكسر ألفها علـى مثال إدراسين، لأن اللّه تعالـى ذكره إنـما أخبر عن كلّ موضع ذكر فـيه نبـيا من أنبـيائه صلوات اللّه علـيهم فـي هذه السورة بأن علـيه سلاما لا علـى آله، فكذلك السلام فـي هذا الـموضع ينبغي أن يكون علـى إلـياس كسلامه علـى غيره من أنبـيائه، لا علـى آله، علـى نـحو ما بـيّنا من معنى ذلك.

فإن ظنّ ظانّ أن إلـياسين غير إلـياس، فإن فـيـما حكينا من احتـجاج من احتـجّ بأن إلـياسين هو إلـياس غنـي عن الزيادة فـيه، مع أن فـيـما:

٢٢٦٨٤ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي سَلامٌ عَلـى إلْـياسِينَ قال: إلـياس.

وفـي قراءة عبد اللّه بن مسعود: (سَلامٌ عَلـى إدْرَاسِينَ) دلالة واضحة علـى خطأ قول من قال: عنى بذلك سلام علـى آل مـحمد، وفساد قراءة من قرأ: (وإنّ الـياسَ) بوصل النون من (إن) بـالـياس، وتوجيه الألف واللام فـيه إلـى أنهما أدخـلتا تعريفـا للاسم الذي هو ياس، وذلك أن عبد اللّه كان يقول: إلـياس هو إدريس، ويقرأ: (وَإنّ إدْرِيسَ لَـمِنَ الـمُرْسَلِـينَ) ، ثم يقرأ علـى ذلك: (سلامٌ عَلـى إدْرَاسِينَ) ، كما قرأ الاَخرون: سَلامٌ عُلـى إلـياسِينَ، فلا وجه علـى ما ذكرنا من قراءة عبد اللّه لقراءة من قرأ ذلك: (سَلامٌ عَلـى آلِ ياسِينَ) بقطع الاَل من ياسين. ونظير تسمية إلـياس بـالـياسين: وَشَجَرَةٌ تُـخْرُجُ مِنْ طُورِ سِيناءَ، ثم قال فـي موضع آخر: وَطُورِ سِينِـينَ وهو موضع واحد سمي بذلك.

١٣١

و قوله: إنّا كَذلكَ نَـجْزِي الـمُـحْسِنـيِنَ

يقول تعالـى ذكره: إنا هكذا نـجزي أهل طاعتنا والـمـحسنـين أعمالاً.

١٣٢

و قوله: إنّه مِنْ عِبـادِنا الـمُؤْمِنِـينَ يقول: إن إلـياس عبد من عبـادنا الذين آمنوا، فوحّدونا، وأطاعونا، ولـم يُشركوا بنا شيئا.

١٣٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّ لُوطاً لّمِنَ الْمُرْسَلِينَ}.

يقول تعالـى ذكره: وإن لوطا الـمرسل من الـمرسلـين إذْ نَـجّيْناهُ وأهْلَهُ أجمَعِينَ يقول: إذ نـجّينا لوطا وأهله أجمعين من العذاب الذي أحللناه بقومه، فأهلكناهم به إلاّ عَجُوزا فـي الغَابِرِينَ يقول: إلا عجوزا فـي البـاقـين، وهي امرأة لوط، وقد ذكرنا خبرها فـيـما مضى، واختلاف الـمختلفـين فـي معنى قوله فِـي الغابِرينَ، والصواب من القول فـي ذلك عندنا. وقد:

٢٢٦٨٥ـ حُدثت عن الـمسيّب بن شريك، عن أبـي روق، عن الضحاك إلاّ عَجُوزا فـي الغابِرِينَ يقول: إلا امرأته تـخـلّفت فمسخت حجرا، وكانت تسمى هيشفع.

٢٢٦٨٦ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله:

١٣٥

إلاّ عَجُوزا فِـي الغابِرِينَ قال: الهالكين.

١٣٦

و قوله: ثُمّ دَمّرْنا الاَخَرِينَ يقول: ثم قذفناهم بـالـحجارة من فوقهم، فأهلكناهم بذلك.

١٣٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّكُمْ لّتَمُرّونَ عَلَيْهِمْ مّصْبِحِينَ }.

يقول تعالـى ذكره لـمشركي قريش: وإنكم لتـمرّون علـى قوم لوط الذين دمّرناهم عند إصبـاحكم نهارا وبـاللـيـل، كما:

٢٢٦٨٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد،

١٣٨

قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَإنّكُمْ لَتَـمُرّونَ عَلَـيْهِمْ مُصْبِحِينَ قالوا: نعم واللّه صبـاحا ومساء يطوؤنها وطْئا، مَن أخَذَ من الـمدينة إلـى الشام، أخذ علـى سدوم قرية قوم لوط.

٢٢٦٨٨ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فـي قوله: لَتَـمُرّونَ عَلَـيْهِمْ مُصْبِحِينَ قال: فـي أسفـاركم.

و قوله: أفَلا تَعْقِلُونَ يقول: أفلـيس لكم عقول تتدبرون بها وتتفكّرون، فتعلـمون أن من سلك من عبـاد اللّه فـي الكفر به، وتكذيب رسله، مسلك هؤلاء الذين وصف صفتهم من قوم لوط، نازل بهم من عقوبة اللّه ، مثل الذي نزل بهم علـى كفرهم بـاللّه ، وتكذيب رسوله، فـيزجركم ذلك عما أنتـم علـيه من الشرك بـاللّه ، وتكذيب مـحمد علـيه الصلاة والسلام، كما:

٢٢٦٨٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: أفَلا تَعْقِلُونَ قال: أفلا تتفكّرون ما أصابهم فـي معاصي اللّه أن يصيبكم ما أصابهم، قال: وذلك الـمرور أن يـمرّ علـيهم.

١٣٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: وإن يونس لـمرسلٌ من الـمرسلـين إلـى أقوامهم

١٤٠

إذْ أَبَقَ إلـى الفُلْكِ الـمَشْحُونِ يقول: حين فرّ إلـى الفُلك، وهو السفـينة، الـمشحون: وهو الـمـملوء من الـحمولة الـمُوقَر، كما:

٢٢٦٩٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إلـى الفُلْكِ الـمَشْحُون كنّا نـحدّث أنه الـموقر من الفُلك.

٢٢٦٩١ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: الفُلكِ الـمَشْحُونِ قال: الـموقر.

١٤١

و قوله: فَساهَمَ يقول: فقارَعَ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٦٩٢ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: حدثنا معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: فَساهَمَ يقول أقْرَعَ.

٢٢٦٩٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الـمُدْحَضِينَ قال: فـاحتبست السفـينة، فعلـم القوم أنـما احتبست من حدث أحدثوه، فتساهموا، فقُرِع يونس، فرمى بنفسه، فـالتقمه الـحوت.

٢٢٦٩٤ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: فَساهَمَ قال: قارع.

و قوله: فَكانَ مِنَ الـمُدْحَضِينَ يعني : فكان من الـمسهومين الـمغلوبـين، يقال منه: أدحض اللّه حجة فلان فدحضت: أي أبطلها فبطلت، والدّحْض: أصله الزلق فـي الـماء والطين، وقد ذُكر عنهم: دَحَض اللّه حجته، وهي قلـيـلة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٦٩٥ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: فَكانَ مِنَ الـمُدْحَضِينَ يقول: من الـمقروعين.

٢٢٦٩٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: مِنَ الـمُدْحَضِينَ قال: من الـمسهومين.

٢٢٦٩٧ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: فَكان مِنَ الـمُدْحَضِينَ قال: من الـمقروعين.

١٤٢

و قوله: فـالْتَقَمَهُ الـحُوتُ يقول: فـابتلعه الـحوت وهو افتعل من اللّقْم.

و قوله: وَهُوَ مُلِـيـمُ يقول: وهو مكتسب اللوم، يقال: قد ألام الرجل، إذا أتـى ما يُلام علـيه من الأمر وإن لـم يُـلَـم، كما يقال: أصبحتَ مُـحْمِقا مُعْطِشا: أي عندك الـحمق والعطش ومنه قول لبـيد:

سَفَها عَذَلْتَ ولُـمْتَ غيرَ مُلِـيـمِوَهَداكَ قَبلَ الـيوْمِ غيرُ حَكِيـم

فأما الـملوم فهو الذي يُلام بـاللسان، ويعذل بـالقول. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٦٩٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنـي أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: وَهُوَ مُلِـيـمٌ قال: مذنب.

٢٢٦٩٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَهُوَ مُلِـيـمٌ: أي فـي صنعه.

٢٢٧٠٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَهُوَ مُلِـيـمٌ قال: وهو مذنب، قال: والـملـيـم: الـمذنب.

١٤٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَوْلاَ أَنّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبّحِينَ }.

يقول تعالـى ذكره: فَلَوْلا أنّهُ يعني يونس كانَ مِنَ الـمُصَلّـين للّه قبل البلاء الذي ابتُلـي به من العقوبة بـالـحبس فـي بطن الـحوت لَلَبِثَ فِـي بَطْنِهِ إلـى يَوْمِ يُبْعَثُونَ يقول: لبِقـي فـي بطن الـحوت إلـى يوم القـيامة، يوم يبعث اللّه فـيه خـلقه مـحبوسا، ولكنه كان من الذاكرين اللّه قبل البلاء، فذكره اللّه فـي حال البلاء، فأنقذه ونـجّاه.

وقد اختلف أهل التأويـل فـي وقت تسبـيح يونس الذي ذكره اللّه به، فقال فَلَوْلا أنّهُ كانَ مِنَ الـمُسَبّحِينَ فقال بعضهم نـحو الذي قلنا فـي ذلك، وقالوا مثل قولنا فـي معنى قوله: مِنَ الـمُسَبّحِينَ. ذكر من قال ذلك:

٢٢٧٠١ـ حدثنا بشر، قا: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَلَوْلا أنّهُ كانَ مِنَ الـمُسَبّحِينَ كان كثـير الصّلاةِ فـي الرّخاء، فنـجّاه اللّه بذلك قال: وقد كان يقال فـي الـحكمة: إن العمل الصالـح يرفع صاحبه إذا ما عَثَر، فإذا صُرِع وَجد متكأً.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَـية، عن بعض أصحابه، عن قتادة ، فـي قوله: فَلَوْلا أنّهُ كانَ مِنَ الـمُسَبّحينَ قال: كان طويـل الصلاة فـي الرخاء قال: وإنّ العمل الصالـح يرفع صاحبه إذا عثر، وإذا صرع وجد متكأً.

٢٢٧٠٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثنا أبو صخر، أن يزيد الرّقاشي، حدّثه، قال: سمعت أنس بن مالك، قال: ولا أعلـم إلا أن أنسا يرفع الـحديث إلـى النبي صلى اللّه عليه وسلم : (أنّ يُونُسَ النبي حِينَ بَدَا لَهُ أنْ يَدْعُوَ اللّه بـالكَلِـماتِ حِينَ نادَاهُ وَهُوَ فِـي بَطْنِ الـحُوتِ، فَقالَ: اللّه مّ لا إلهَ إلاّ أنْتَ سُبْحانَكَ إنّـي كُنْتُ مِنَ الظّالِـمِين، فأَقْبَلَتِ الدّعْوَةُ تَـحْتَ العَرْشِ، فَقالَتِ الـمَلائِكَةُ: يا رَبّ هَذا صَوْتٌ ضَعِيفٌ مَعْرُوفٌ فِـي بِلادٍ غَرِيبَةٍ، قال: أما تَعْرَفُونَ ذلكَ؟ قالَوا يا رَبّ وَمَنْ هُوَ؟ قالَ: ذلكَ عَبْدي يُونُسُ، قالُوا: عَبْدُكَ يُونُسُ الّذي لَـمْ يَزلْ يُرْفَعُ لَهُ عَمَلٌ مُتَقَبِلٌ وَدَعْوَةٌ مُسْتَـجابَةٌ، قالُوا: يا رَبّ أوَلا يُرْحَمُ بِـمَا كانَ يَصْنَعُ فِـي الرّخاءِ فَتُنَـجّيهِ مِنَ البَلاءِ؟ قالَ: بَلـى، فأمَرَ الـحُوتَ فَطَرَحَهُ بـالعَرَاءِ) .

٢٢٧٠٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن عاصم، عن أبـي رزين، عن ابن عباس فَلَوْلا أنّهُ كانَ مِنَ الـمُسَبّحِينَ قال: من الـمصلّـين.

٢٢٧٠٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي الهيثم، عن سعيد بن جُبَـير فَلَوْلا أنّهُ كانَ مِنَ الـمُسَبّحِينَ قال: من الـمصلّـين.

٢٢٧٠٥ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن أبـي جعفر، عن الربـيع بن أنس، عن أبـي العالـية فَلَوْلا أنّهُ كانَ مِنَ الـمُسَبّحِينَ قال: كان له عمل صالـح فـيـما خلا.

٢٢٧٠٦ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: مِنَ الـمُسَبّحِينَ قال: الـمصلـين.

٢٢٧٠٧ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا كثـير بن هشام، قال: حدثنا جعفر، قال: حدثنا ميـمون بن مهران، قال: سمعت الضحاك بن قـيس يقول علـى منبره: اذكروا اللّه فـي الرخاء يذكركم فـي الشدّة، إن يونس كان عبدا للّه ذاكرا، فلـما أصابته الشدّة دعا اللّه فقال اللّه : لَوْلا أنّهُ كانَ مِنَ الـمُسَبّحِينَ لَلَبثَ فِـي بَطْنِهِ إلـى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فذكره اللّه بـما كان منه، وكان فرعون طاغيا بـاغيا فَلَـمّا أدْرَكَهُ الغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أنّهُ لا إلَهَ إلاّ الّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيـلَ وأنا مِنَ الـمُسْلِـمينَ آلاَنَ وَقَدْ عَصَيتَ قَبْلُ وكُنْتُ مِنَ الـمُفْسِدِينَ قال الضحاك : فـاذكروا اللّه فـي الرخاء يذكركم فـي الشدّة.

قال أبو جعفر: وقـيـل: إنـما أحدث الصلاة التـي أخبر اللّه عنه بها، فقال: فَلَوْلا أَنّهُ كَانَ مِنَ الـمُسَبّحِينَ فـي بطن الـحوت.

وقال بعضهم: كان ذلك تسبـيحا، لا صلاة. ذكر من قال ذلك:

٢٢٧٠٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا عمران القطان، قال: سمعت الـحسن يقول فـي قوله: فَلَوْلا أنّهُ كانَ مِنَ الـمُسَبّحِينَ قال: فواللّه ما كانت إلا صلاة أحدثها فـي بطن الـحوت قال عمران: فذكرت ذلك لقتادة ، فأنكر ذلك وقال: كان واللّه يكثر الصلاة فـي الرخاء.

٢٢٧٠٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن الـمغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جُبَـير: فـالْتَقَمَهُ الـحُوتُ وَهُوَ مُلِـيـمٌ قال: قال لا إلَهَ إلاّ أنْتَ سُبْحانَكَ إنّـي كُنْتُ مِنَ الظّالِـمِينَ فلـما قالها، قذفه الـحوت، وهو مغرب.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٤٤

٢٢٧١٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: لَلَبِثَ فِـي بَطْنِهِ إلـى يَوْمِ يُبْعَثُونَ: لصار له بطن الـحوت قبرا إلـى يوم القـيامة.

٢٢٧١١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن السديّ، عن أبـي مالك، قال: لبث يونس فـي بطن الـحوت أربعين يوما.

١٤٥

و قوله: فَنَبَذْناهُ بـالعَرَاءِ يقول: فقذفناه بـالفضاء من الأرض، حيث لا يواريه شيء من شجر ولا غيره ومنه قول الشاعر:

وَرَفَعْتُ رِجْلاً لا أخافُ عِثارَهاوَنَبَذْتُ بـالبَلَدِ العَرَاءِ ثِـيابِـي

 يعني بـالبلد: الفضاء. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٧١٢ـ حدثنـي علـيّ، قال: ثنـي أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: فَنَبَذْناهُ بـالعَرَاءِ يقول: ألقـيناه بـالساحل.

٢٢٧١٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَنَبَذْناهُ بـالعَرَاءِ بأرض لـيس فـيها شيء ولا نبـات.

٢٢٧١٤ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: بـالعَراءِ قال: بـالأرض.

و قوله: وَهُوَ سَقِـيـمٌ يقول: وهو كالصبـيّ الـمنفوس: لـحم نـيء، كما:

٢٢٧١٥ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ وَهُوَ سَقِـيـمٌ كهيئة الصبـيّ.

٢٢٧١٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن زياد، عن عبد اللّه بن أبـي سلـمة، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، قال: خرج به، يعني الـحوت، حتـى لفظه فـي ساحل البحر، فطرحه مثل الصبـيّ الـمنفوس، لـم ينقص من خـلقه شيء.

٢٢٧١٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: ما لَفَظه الـحوت حتـى صار مثل الصبـيّ الـمنفوس، قد نشر اللـحم والعظم، فصار مثل الصبـيّ الـمنفوس، فألقاه فـي موضع، وأنبت اللّه علـيه شجرة من يقطين.

١٤٦

و قوله: وأنْبَتْنا عَلَـيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ

يقول تعالـى ذكره: وأنبتنا علـى يونس شجرة من الشجر التـي لا تقوم علـى ساق، وكل شجرة لا تقوم علـى ساق كالدّبـاء والبِطّيخ والـحَنْظَل ونـحو ذلك، فهي عند العرب يَقْطِين.

واختلف أهل التأويـل فـي ذلك، فقال بعضهم نـحو الذي قلنا فـي ذلك. ذكر من قال ذلك:

٢٢٧١٨ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، عن القاسم بن أبـي أيوب، عن سعيد بن جُبَـيْر، فـي قوله: وأنْبَتْنا عَلَـيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ قال: هو كلّ شيء ينبت علـى وجه الأرض لـيس له ساق.

٢٢٧١٩ـ حدثنـي مطر بن مـحمد الضبـي، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا الأصبغ بن زيد، عن القاسم بن أبـي أيوب، عن سعيد بن جُبَـير، فـي قوله: وأنْبَتْنا عَلَـيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ قال: كلّ شيء ينبت ثم يـموت من عامه.

٢٢٧٢٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن حبـيب، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، قال: شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ فقالوا عنده: القرع قال: وما يجعله أحقّ من البطيخ.

٢٢٧٢١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ قال: غير ذات أصل من الدّبّـاء، أو غيره من نـحوه.

وقال آخرون: هو القرع. ذكر من قال ذلك:

٢٢٧٢٢ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: وأنْبَتْنا عَلَـيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ قال: القرع.

٢٢٧٢٣ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي إسحاق، عن عمرو بن ميـمون، عن عبد اللّه ، أنه قال فـي هذه الاَية: وأنْبَتْنا عَلَـيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ قال: القرع.

٢٢٧٢٤ـ حدثنـي مطر بن مـحمد الضبـيّ، قال: حدثنا عبد اللّه بن داود الواسطي، قال: حدثنا شريك، عن أبـي إسحاق عن عمرو بن ميـمون الأودي، فـي قوله: وأنْبَتْنا عَلَـيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ قال: القرع.

٢٢٧٢٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وأنْبَتْنا عَلَـيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ: كنّا نـحدّث أنها الدّبّـاء، هذا القرع الذي رأيتـم أنبتها اللّه علـيها يأكل منها.

٢٢٧٢٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنـي أبو صخر، قال: ثنـي ابن قسيط، أنه سمع أبـا هُرَيرة يقول: طرح بـالعراء، فأنبت اللّه علـيه يقطينة، فقلنا: يا أبـا هريرة وما الـيقطينة؟ قال: الشجرة الدّبّـاء، هيأ اللّه له أروية وحشية تأكل من خَشاش الأرض أو هَشاش فتفشخ علـيه فترويه من لبنها كلّ عشية وبكرة حتـى نبت. وقال ابن أبـي الصلت قبل الإسلام فـي ذلك بـيتا من شعر:

فأَنْبَتَ يَقْطِينا عَلَـيْهِ برَحْمَةٍمِنَ اللّه لَوْلا اللّه أُلْفِـيَ ضَاحِيا

٢٢٧٢٧ـ حدثنـي يحيى بن طلـحة الـيربوعي، قال: حدثنا فضيـل بن عياض، عن مغيرة فـي قوله: وأنْبَتْنا عَلَـيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ قال: القرع.

٢٢٧٢٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ قال: القرع.

٢٢٧٢٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: أنبت اللّه علـيه شجرة من يقطين قال: فكان لا يتناول منها ورقة فـيأخذها إلا أروته لبنا، أو قال: شرب منها ما شاء حتـى نبت.

٢٢٧٣٠ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن مفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ قال: هو القرع، والعرب تسميه الدّبّـاء.

٢٢٧٣١ـ حدثنا عمرو بن عبد الـحميد، قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن ورقاء، عن سعيد بن جُبَـير فـي قول اللّه : وأنْبَتْنا عَلَـيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ قال: هو القرع.

٢٢٧٣٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مـجاهد ، قوله: وأَنْبَتْنا عَلَـيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ قال: القرع.

وقال آخرون: كان الـيقطين شجرة أظلّت يونس. ذكر من قال ذلك:

٢٢٧٣٣ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ثابت بن يزيد، عن هلال بن خبـاب، عن سعيد بن جُبَـير، قال: الـيقطين: شجرة سماها اللّه يقطينا أظلته، ولـيس بـالقرّع. قال: فِـيـما ذكر أرسل اللّه علـيه دابة الأرض، فجعلت تقرض عروقها، وجعل ورقها يتساقط حتـى أفضت إلـيه الشمس وشكاها، فقال: يا يونس جزعت من حرّ الشمس، ولـم تـجزع لـمئة ألف أو يزيدون تابوا إلـيّ، فتبت علـيهم؟

١٤٧

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىَ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: فأرسلنا يونس إلـى مئة ألف من الناس، أو يزيدون علـى مئة ألف. وذُكر عن ابن عباس أنه كان يقول: معنى قوله أوْ: بل يزيدون. ذكر الرواية بذلك:

٢٢٧٣٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن سالـم بن أبـي الـجعد، عن الـحكم بن عبد اللّه بن الأزور، عن ابن عباس ، فـي قوله: وأرْسلْناهُ إلـى مِئَةِ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ قال: بل يزيدون، كانوا مئة ألف وثلاثـين ألفـا.

٢٢٧٣٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جُبَـير، فـي قوله: مِئَةِ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ قال: يزيدون سبعين ألفـا، وقد كان العذاب أرسل علـيهم، فلـما فرّقوا بـين النساء وأولادها، والبهائم وأولادها، وعجّوا إلـى اللّه ، كشف عنهم العذاب، وأمطرت السماء دما.

٢٢٧٣٦ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الرحيـم البرقـي، قال: حدثنا عمرو بن أبـي سلـمة، قال: سمعت زُهَيرا، عمن سمع أبـا العالـية، قال: ثنـي أبـيّ بن كعب، أنه سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن قوله: وأرْسَلْناهُ إلـى مِئَةِ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ قال: يزيدون عشرين ألفـا.

وكان بعض أهل العربـية من أهل البصرة يقول فـي ذلك: معناه إلـى مئة ألف أو كانوا يزيدون عندكم، يقول: كذلك كانوا عندكم.

وإنـما عنى ب قوله: وأرْسَلْناهُ إلـى مِئَةِ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ أنه أرسله إلـى قومه الذين وعدهم العذاب، فلـما أظلّهم تابوا، فكشف اللّه عنهم. و

قـيـل: إنهم أهل نـينَوَى. ذكر من قال ذلك:

٢٢٧٣٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وأرْسَلْناهُ إلـى مِئَةِ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ أرسل إلـى أهل نـينوى من أرض الـموصل، قال: قال الـحسن: بعثه اللّه قبل أن يصيبه ما أصابه فَآمَنُوا فَمَتّعْناهُمْ إلـى حِينٍ.

٢٢٧٣٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: إلـى مِئَةِ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ قال: قوم يونس الذين أرسل إلـيهم قبل أن يـلتقمه الـحوت.

وقـيـل: إن يونس أُرسل إلـى أهل نِـيْنَوَى بعد ما نبذه الـحوت بـالعراء. ذكر من قال ذلك:

٢٢٧٣٩ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: سمعت أبـا هلال مـحمد بن سلـيـمان، قال: حدثنا شهر بن حوشب، قال: أتاه جبرائيـل، يعني يونس، وقال: انطلق إلـى أهل نِـيْنَوَى فأنذرهم أن العذاب قد حضرهم قال: ألتـمس دابة قال: الأمر أعجل من ذلك، قال: ألتـمس حذاء، قال: الأمر أعجل من ذلك، قال: فغضب فـانطلق إلـى السفـينة فركب فلـما ركب احتبست السفـينة لا تُقدّم ولا تُؤخر قال: فتساهموا، قال: فسُهم، فجاء الـحوت يبصبص بذنبه، فنودي الـحوت: أيا حوت إنا لـم نـجعل يونس لك رزقا، إنـما جعلناك له حوزا ومسجدا قال: فـالتقمه الـحوت، فـانطلق به من ذلك الـمكان حتـى مرّ به علـى الأيْـلة، ثم انطلق به حتـى مرّ به علـى دجلة، ثم انطلق به حتـى ألقاه فـي نـينوى.

٢٢٧٤٠ـ حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا أبو هلال، قال: حدثنا شهر بن حوشب، عن ابن عباس قال: إنـما كانت رسالة يونس بعد ما نبذه الـحوت.

١٤٨

و قوله: فَآمَنُوا يقول: فوحدوا اللّه الذي أرسل إلـيهم يونس، وصدّقوا بحقـيقة ما جاءهم به يونس من عند اللّه .

و قوله: فَمَتّعْناهُمْ إلـى حِينٍ يقول: فأخرنا عنهم العذاب، ومتعناهم إلـى حين بحياتهم إلـى بلوغ آجالهم من الـموت. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٧٤١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَمَتّعْناهُمْ إلـى حِينٍ: الـموت.

٢٢٧٤٢ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: فَمَتّعْناهُمْ إلـى حِينٍ قال: الـموت.

و قوله: فـاسْتَفْتِهِمْ

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : سل يا مـحمد مشركي قومك من قريش، كما:

١٤٩

٢٢٧٤٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فـاسْتَفْتِهِمْ ألِرَبّكَ البَناتُ وَلهُمُ البَنُونَ: يعني مشركي قريش.

٢٢٧٤٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فـاسْتَفْتِهِمْ ألِرَبّكَ البَناتُ وَلَهُمُ البَنُونَ قال: سلهم، وقرأ: وَيَسْتَفْتُونَكَ قال: يسألونك.

٢٢٧٤٥ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فـاسْتَفْتِهِمْ يقول: يا مـحمد سلهم.

و قوله: ألِرَبّكَ البَناتُ وَلَهُمُ البَنُونَ: ذكر أن مشركي قريش كانوا يقولون: الـملائكة بنات اللّه ، وكانوا يعبدونها، فقال اللّه لنبـيه مـحمد علـيه الصلاة والسلام: سلهم، وقل لهم: ألربـي البنات ولكم البنون؟ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٧٤٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، ألَرَبّكَ البَناتُ وَلَهُمُ البَنُونَ؟ لأنهم قالوا: يعني مشركي قريش: للّه البنات، ولهم البنون.

٢٢٧٤٧ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: فـاسْتَفْتِهِمْ ألِرَبّكَ البَناتُ وَلهُمُ البَنُونَ قال: كانوا يعبدون الـملائكة.

١٥٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَمْ خَلَقْنَا الْمَلاَئِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ }.

 يعني تعالـى ذكره: أم شهد هؤلاء القائلون من الـمشركين: الـملائكة بنات اللّه خـلقـيَ الـملائكة وأنا أخـلقهم إناثا، فشهدوا هذه الشهادة، ووصفوا الـملائكة بأنها إناث.

١٥١

و قوله: ألا إنّهُمْ مِنْ إفْكِهِمْ

يقول تعالـى ذكره: ألا إن هؤلاء الـمشركين من كذبهم لَـيَقُولُونَ

١٥٢

وَلَدَ اللّه وإنّهُمْ لَكاذِبونَ فـي قـيـلهم ذلك، كما:

٢٢٧٤٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ألا إنّهُمْ مِنْ إفْكِهِمْ لَـيَقُولُونَ يقول: من كذبهم.

١٥٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَىَ الْبَنِينَ }.

يقول تعالـى ذكره موَبّخا هؤلاء القائلـين للّه البنات من مشركي قريش: أصْطَفَـى اللّه أيها القوم البَنات عَلـى البَنِـينَ؟ والعرب إذا وجهوا الاستفهام إلـى التوبـيخ أثبتوا ألف الاستفهام أحيانا وطرحوها أحيانا، كما

قـيـل: أذْهَبْتُـمْ بـالقصر طَيّبَـاتِكُمْ فِـي حَيَاتِكُمُ الدّنـيْا يستفهم بها، ولا يُستفهم بها، والـمعنى فـي الـحالـين واحد، وإذا لـم يستفهم فـي قوله: أصْطَفَـى الْبَناتِ ذهبت ألف اصطفـى فـي الوصل، ويبتدأ بها بـالكسر، وإذا استفهم فُتـحت وقطعت.

وقد ذُكر عن بعض أهل الـمدينة أنه قرأ ذلك بترك الاستفهام والوصل. فأما قرّاء الكوفة والبصرة، فإنهم فـي ذلك علـى قراءته بـالاستفهام، وفتـح ألفه فـي الأحوال كلها، وهي القراءة التـي نـختار لإجماع الـحجة من القرّاء علـيها.

١٥٤

و قوله: مالَكُمْ كَيْفَ تَـحْكُمُونَ يقول: بئس الـحكمُ تـحكمون أيها القوم أن يكون للّه البنات ولكم البنون، وأنتـم لا ترضون البنات لأنفسكم، فتـجعلون له ما لا ترضونه لأنفسكم؟ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٧٤٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة أَصْطَفَـى الْبناتِ علـى الْبَنِـينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَـحْكُمُونَ يقول: كيف يجعل لكم البنـين ولنفسه البنات، مالكم كيف تـحكمون؟.

١٥٥

و قوله: أفَلا تَذَكّرُونَ يقول: أفلا تتدبرون ما تقولون؟ فتعرفوا خطأه فتنتهوا عن قـيـله.

١٥٦

و قوله: أمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِـينٌ يقول: ألكم حجة تَبَـيّن صحتها لـمن سمعها بحقـيقة ما تقولون، كما:

٢٢٧٥٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة أمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِـينٌ: أي عذر مبـين.

٢٢٧٥١ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: سُلْطانٌ مُبِـينٌ قال حجة.

١٥٧

و قوله: فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ يقول: فأتوا بحجتكم من كتاب جاءكم من عند اللّه بأن الذي تقولون من أن له البنات ولكم البنـين كما تقولون. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٧٥٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَأَتْوا بِكِتابِكُمْ: أي بعذركم إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ.

٢٢٧٥٣ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ: فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ أن هذا كذا بأن له البنات ولكم البنون.

و قوله: إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ يقول: إن كنتـم صادقـين أن لكم بذلك حُجّة.

١٥٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجِنّةُ إِنّهُمْ لَمُحْضَرُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: وجعل هؤلاء الـمشركون بـين اللّه وبـين الـجنة نسبـا.

واختلف أهل التأويـل فـي معنى النسب الذي أخبر اللّه عنهم أنهم جعلوه للّه تعالـى، فقال بعضهم: هو أنهم قالوا أعداء اللّه : إن اللّه وإبلـيس أخوان. ذكر من قال ذلك:

٢٢٧٥٤ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَجَعَلُوا بَـيْنَهُ وبـينَ الـجِنّةِ نَسَبـا قال: زعم أعداء اللّه أنه تبـارك وتعالـى وإبلـيس أخوان.

وقال آخرون: هو أنهم قالوا: الـملائكة بنات اللّه ، وقالوا: الـجِنّة: هي الـملائكة. ذكر من قال ذلك:

٢٢٧٥٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيس وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد : وَجَعَلُوا بَـيْنَهُ وبـينَ الـجِنّةِ نَسَبـا قال: قال كفـار قريش: الـملائكة بنات اللّه ، فسأل أبو بكر: مَنْ أمهاتهنّ؟ فقالوا: بنات سَرَوَات الـجنّ، يحسبون أنهم خُـلقِوا مـما خُـلق منه إبلـيس.

٢٢٧٥٦ـ حدثنا عمرو بن يحيى بن عمران بن عفرة، قال: حدثنا عمرو بن سعيد الأبح، عن سعيد بن أبـي عروبة، عن قتادة ، فـي قوله: وَجَعَلُوا بَـيْنَهُ وبـينَ الـجِنّةِ نَسَبـا قالت الـيهود: إن اللّه تبـارك وتعالـى تزوّج إلـى الـجنّ، فخرج منهما الـملائكة، قال: سبحانه سبح نفسه.

٢٢٧٥٧ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: وَجَعَلُوا بَـيْنَهُ وبـينَ الـجِنّةِ نَسَبـا قال: الـجنة: الـملائكة، قالوا: هنّ بنات اللّه .

حدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَجَعَلُوا بَـيْنَهُ وَبـينَ الـجِنّةِ نَسَبـا: الـملائكة.

٢٢٧٥٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَجَعَلُوا بَـيْنَهُ وبَـينَ الـجِنّةِ نَسَبـا قال: بـين اللّه وبـين الـجنة نسبـا افتروا.

و قوله: وَلَقَدْ عَلِـمَتِ الـجِنّةُ إنّهُمْ لَـمُـحْضَرُونَ اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: ولقد علـمت الـجنة إنهم لَـمُشهدون الـحساب. ذكر من قال ذلك:

٢٢٧٥٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَلَقَدْ عَلِـمَتِ الـجِنّةُ إنّهُمْ لَـمُـحْضَرُونَ أنها ستُـحضر الـحساب.

وقال آخرون: معناه: إن قائلـي هذا القول سيُحضرون العذاب فـي النار. ذكر من قال ذلك:

٢٢٧٦٠ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ إنّهُمْ لَـمُـحْضَرُونَ إن هؤلاء الذين قالوا هذا لـمـحضرون: لـمعذّبون.

وأوْلـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال: إنهم لـمـحضَرُون العذاب، لأن سائر الاَيات التـي ذكر فـيها الإحضار فـي هذه السورة، إنـما عُنِـيَ به الإحضار فـي العذاب، فكذلك فـي هذا الـموضع.

١٥٩

و قوله: سُبْحانَ اللّه عَمّا يَصِفُونَ

يقول تعالـى ذكره تنزيها للّه، وتبرئه له مـما يضيف إلـيه هؤلاء. الـمشركون به، ويفترون علـيه، ويصفونه، من أن له بنات، وأن له صاحبة.

١٦٠

و قوله: إلاّ عِبـادَ اللّه الـمُخْـلَصِينَ يقول: ولقد علـمت الـجِنّةُ أن الذين قالوا: إن الـملائكة بنات اللّه لـمُـحضرون العذاب، إلا عبـاد اللّه الذين أخـلَصَهُمْ لرحمته، وخـلقهم لـجنته.

١٦١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَإِنّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: فإنّكُمْ أيها الـمشركون بـاللّه وَما تَعْبُدُونَ من الاَلهة والأوثان ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ بِفـاتِنِـينَ يقول: ما أنتـم علـى ما تعبدون من دون اللّه بفـاتنـين: أي بـمضِلّـينَ أحدا إلاّ مَنْ هُوَ صالِ الـجَحِيـمِ يقول: إلا أحدا سبق فـي علـمي أنه صال الـجحيـم.

١٦٢

وقد قـيـل: إن معنى عَلَـيْهِ فـي قوله: ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ بِفـاتِنِـينَ بـمعنى به. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٧٦١ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: فإنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ بفـاتِنِـينَ يقول: لا تضلون أنتـم، ولا أضلّ منكم إلا من قد قضيت أنه صالِ الـجحيـم.

٢٢٧٦٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ بِفـاتِنِـينَ إلاّ مَنْ هُوَ صَالِ الـجَحِيـمِ يقول: ما أنتـم بفـاتنِـين علـى أوثانكم أحدا، إلا من قد سبق له أنه صالِ الـجحيـم.

٢٢٧٦٣ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن عُلَـية، عن خالد، قال: قلت للـحسن، قوله: ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ بِفـاتِنِـينَ إلاّ مَنْ هُوَ صَالِ الـجَحِيـمِ إلا من أوجب اللّه علـيه أن يَصْلـى الـجحيـم.

حدثنا علـيّ بن سهل، قال: حدثنا زيد بن أبـي الزرقاء، عن حماد بن سلـمة، عن حميد، قال: سألت الـحسن، عن قول اللّه : ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ بِفـاتِنـينَ إلاّ مَنْ هُوَ صَالِ الـجَحِيـمِ قال: ما أنتـم علـيه بـمضلّـين إلا من كان فـي علـم اللّه أنه سيصْلَـى الـجحيـم.

٢٢٧٦٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ بفـاتِنِـينَ إلا مَنْ هُوَ صَالِ الـجَحِيـمِ: إلا من قدر علـيه أنه يَصْلَـى الـجحيـم.

٢٢٧٦٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن العشرة الذين دخـلوا علـى عمر بن عبد العزيز، وكانوا متكلـمين كلهم، فتكلـموا، ثم إن عمر بن عبد العزيز تكلـم بشيء، فظننا أنه تكلـم بشيء ردّ به ما كان فـي أيدينا، فقال لنا: هل تعرفون تفسير هذه الاَية: فإنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ بفـاتِنـينَ إلاّ مَنْ هُوَ صَالِ الـجَحِيـمِ قال: إنكم والاَلهة التـي تعبدونها لستـم بـالذي تفتنون علـيها إلا من قَضَيْت علـيه أنه يصلـى الـجحيـم.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيـم إلاّ مَنْ هُوَ صَالِ الـجَحِيـمِ قال: ما أنتـم بـمضلـين إلا من كتب علـيه أنه يصلـى الـجحيـم.

٢٢٧٦٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فإنّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ حتـى بلغ: صالِ الـجَحِيـمِ يقول: ما أنتـم بـمضلـين أحدا من عبـادي ببـاطلكم هذا، إلا من تولاّكم بعمل النار.

٢٢٧٦٧ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط عن السديّما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ بفـاتِنِـينَ بـمضلـين

١٦٣

إلاّ مَنْ هُوَ صَالِ الـجَحِيـمِ إلا من كتب اللّه أنه يصلـى الـجحيـم.

٢٢٧٦٨ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ بِفـاتِنِـينَ إلاّ مَنْ هُوَ صَالٍ الـجَحِيـمٍ يقول: لا تضلون بآلهتكم أحدا إلا من سبقت له الشقاوة، ومن هو صال الـجحيـم.

٢٢٧٦٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فإنّكُمْ وَما تَعْبُدونَ ما أنْتُـمْ عَلَـيْهِ بفـاتِنِـينَ إلاّ مَنْ هُوَ صَالِ الـجَحِيـمِ يقول: لا تفتنون به أحدا، ولا تضلونه، إلا من قضى اللّه أنه صال الـجحيـم، إلا من قد قضى أنه من أهل النار.

وقـيـل: بفـاتِنِـينَ من فتنت أفتن، وذلك لغة أهل الـحجاز، وأما أهل نـجد فإنهم يقولون: أفتنته فأنا أفتنه. وقد ذُكر عن الـحسن أنه قرأ: (إلاّ مَنْ هُوَ صَالُ الـجَحِيـمِ) برفع اللام من (صال) ، فإن كان أراد بذلك الـجمع كما قال الشاعر:

إذَا ما حاتِـمٌ وُجِدَ ابْنَ عَمّيمَـجْدَنا مِنْ تَكَلّـمُ أجْمَعِينا

فقال: أجمعينا، ولـم يقل: تكلـموا، وكما يقال فـي الرجال: من هو إخوتك، يذهب بهو إلـى الاسم الـمـجهول ويخرج فعله علـى الـجمع، فذلك وجه وإن كان غيره أفصح منه وإن كان أراد بذلك واحدا فهو عند أهل العربـية لـحن، لأنه لـحن عندهم أن يقال: هذا رامٌ وقاضٌ، إلا أن يكون سمع فـي ذلك من العرب لغة مقلوبة، مثل قولهم: شاكُ السلاح، وشاكي السلاح، وعاث وعثا وعاق وعقا، فـيكون لغة، ولـم أسمع أحدا يذكر سماع ذلك من العرب.

١٦٤

و قوله: وَما مِنّا إلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وهذا خبر من اللّه عن قِـيـل الـملائكة أنهم قالوا: وما منا معشر الـملائكة إلا من له مقام فـي السماء معلوم. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٧٧٠ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: وَما مِنّا إلاّ لَهُ مُقامٌ مَعْلُومٌ قال: الـملائكة.

حدثنـي يونس، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فـي قوله: وَما مِنّا إلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ قال الـملائكة.

٢٢٧٧١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَما مِنّا إلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ هؤلاء الـملائكة.

٢٢٧٧٢ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافّونَ وَإنّا لَنَـحْنُ الـمُسَبّحُونَ كان مسروق بن الأجدع يروي عن عائشة أنها قالت: قال نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (ما فِـي سَماءِ الدّنـيْا مَوْضِعُ قَدَمٍ إلاّ عَلَـيهِ مَلَكٌ ساجِدٌ أوْ قَائمٌ) . فذلك قول الـملائكة:

وَما مِنّا إلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ

وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافُونَ

وَإنّا لَنَـحْنُ الـمُسَبّحُونَ.

٢٢٧٧٣ـ حدثنـي موسى بن إسحاق الـحَبَئيّ الـمعروف بـابن القوّاس، قال: حدثنا يحيى بن عيسى الرملـي، عن الأعمش عن أبـي يحيى، عن مـجاهد ، عن ابن عباس ، قال: لو أن قطرة من زقوم جهنـم أنزلت إلـى الدنـيا، لأفسدت علـى الناس معايشهم، وإن ناركم هذه لتعوّذ من نار جهنـم.

٢٢٧٧٤ـ حدثنا موسى بن إسحاق، قال: حدثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، قال: قال عبد اللّه بن مسعود: إن ناركم هذه لـما أنزلت، ضُرِبت فـي البحر مرّتـين ففترت، فلولا ذلك لـم تنتفعوا بها.

١٦٥

انظر تفسير الآية: ١٦٦

١٦٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّا لَنَحْنُ الصّآفّونَ }.

يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل ملائكته: وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافّونَ للّه لعبـادته وَإنّا لَنَـحْنُ الـمُسَبّحُونَ له، يعني بذلك الـمصلون له. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك جاء الأثر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وقال به أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن علـيّ بن الـحسن بن شفـيق الـمَرْوَزِيّ، قال: حدثنا أبو معاذ الفضل بن خالد، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك بن مُزَاحم يقول قوله: وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافّونَ وَإنّا لَنَـحْنُ الـمُسَبّحُونَ كان مسروق بن الأجدع، يروي عن عائشة أنها قالت: قال نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (ما فِـي السّماءِ الدّنْـيا مَوْضِعُ قَدَمٍ إلاّ عَلَـيْهِ مَلَكٌ ساجِدٌ أوْ قَائِمٌ) ، فذلك قول اللّه : وَما مِنّا إلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافّونَ وَإنّا لَنَـحْنُ الـمُسَبّحُونَ.

٢٢٧٧٥ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلـم، عن مسورق، قال: قال عبد اللّه : إن من السموات لسماء ما فـيها موضع شبر إلا وعلـيه جبهة ملَك أو قدمه قائما قال: ثم قرأ: وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافّونَ وإنّا لَنَـحْنُ الـمُسَبّحُونَ.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن أبـي الضّحَى عن مسروق عن عبد اللّه ، قال: إن من السموات سماءً ما فـيها موضع إلا فـيه ملَك ساجد، أو قدماه قائم، ثم قرأ: وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافّونَ وَإنّا لَنَـحْنُ الـمُسَبّحُونَ.

٢٢٧٧٦ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، قال: أخبرنا الـجريري، عن أبـي نضرة، قال: كان عمر إذا أُقـيـمت الصلاة أقبل علـى الناس بوجهه، فقال: يا أيها الناس استَوُوا، إن اللّه إنـما يريد بكم هَدْيّ الـملائكة وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافّونَ وَإنّا لَنَـحْنُ الـمُسَبّحُونَ اسْتَوُوا، تقدّم أنت يا فلان، تأخر أنت أي هذا، فإذا استَوُوا تقدّم فكبر.

حدثنـي موسى بن عبد الرحمن، قال: ثنـي أبو أُسامة، قال: ثنـي الـجريري سعيد بن إياس أبو مسعود، قال: ثنـي أبو نضرة، كان عمر إذا أقـيـمت الصلاة استقبل الناس بوجهه، ثم قال: أقـيـموا صفوفكم واستووا فإنـما يُريد اللّه بكم هدي الـملائكة، يقول: وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافّونَ وَإنّا لَنَـحْنُ الـمُسَبّحُونَ ثم ذكر نـحوه.

٢٢٧٧٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافّونَ قال: يعني الـملائكة وَإنّا لَنَـحْنُ الـمُسَبّحُونَ قال: الـملائكة صافون تسبّح للّه عزّ وجلّ.

٢٢٧٧٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافّونَ قال: الـملائكة.

٢٢٧٧٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا سلـيـمان، قال: حدثنا أبو هلال، عن قتادة وإنّا لَنَـحْنُ الصّافّونَ قال: الـملائكة.

٢٢٧٨٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافُونَ قال: صفوف فـي السماء وَإنّا لَنَـحْنُ الـمُسَبّحُونَ: أي الـمصلون، هذا قول الـملائكة يثنون بـمكانهم من العبـادة.

٢٢٧٨١ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: وَإنا لَنَـحْنُ الصّافُونَ قال: للصلاة.

حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط عن السديّ، قال: وذكر السديّ، عن عبد اللّه ، قال: ما فـي السماء موضع شبر إلا علـيه جبهة ملك أو قدماه، ساجدا أو قائما أو راكعا، ثم قرأ هذه الاَية وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافّونَ وَإنّا لَنَـحْنُ الـمُسَبّحُونَ.

٢٢٧٨٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَإنّا لَنَـحْنُ الصّافّونَ قال: الـملائكة، هذا كله لهم.

١٦٧

انظر تفسير الآية: ١٦٩

١٦٨

انظر تفسير الآية: ١٦٩

١٦٩

و قوله: وَإنْ كانُوا لَـيَقُولُونَ لَوْ أنّ عِنْدَنا ذِكْرا مِنَ الأوّلـينَ لَكُنا عبـادَ اللّه

يقول تعالـى ذكره: وكان هؤلاء الـمشركون من قريش يقولون قبل أن يبعث إلـيهم مـحمد صلى اللّه عليه وسلم نبـيا، لَوْ أنّ عنْدَنا ذِكْرا مِنَ الأوّلِـينَ يعني كتابـا أُنزل من السماء كالتوراة والإنـجيـل، أو نبـيّ أتانا مثل الذي أتـى الـيهود والنصارى لَكُنّا عِبـادَ اللّه الذين أخـلَصهم لعبـادته، واصطفـاهم لـجنته. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٧٨٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَإنْ كانُوا لَـيَقُولُونَ لَوْ أنّ عِنْدَنا ذِكْرا مِنَ الأوّلِـينَ لَكُنّا عِبـادَ اللّه الـمُخْـلَصِينَ قال: قد قالت هذه الأمة ذاك قبل أن يبعث مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : لو كان عندنا ذكر من الأوّلـين، لكنا عبـاد اللّه الـمخـلصين فلـما جاءهم مـحمد صلى اللّه عليه وسلم كفروا به، فسوف يعلـمون.

٢٢٧٨٤ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ فـي قوله: ذِكْرا مِنَ الأوّلِـينَ قال: هؤلاء ناس من مشركي العرب قالوا: لو أن عندنا كتابـا من كتب الأوّلـين، أو جاءنا علـم من علـم الأوّلـين قال: قد جاءكم مـحمد بذلك.

 

٢٢٧٨٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: رجع الـحديث إلـى الأوّلـين أهل الشرك وَإنْ كانُوا لَـيَقُولُونَ لَوْ أنّ عِنْدَنا ذِكْرا مِنَ الأوّلِـينَ.

٢٢٧٨٦ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: لَوْ أنّ عِنْدَنا ذِكْرا مِنَ الأوّلِـينَ لَكُنّا عِبـادَ اللّه الـمُخْـلَصِينَ هذا قول مشركي أهل مكة، فلـما جاءهم ذكر الأوّلـين وعلـم الاَخرين، كفروا به فسوف يعلـمون.

١٧٠

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَكَفَرُواْ بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }.

يقول تعالـى ذكره: فلـما جاءهم الذكر من عند اللّه كفروا به، وذلك كفرهم بـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم وبـما جاءهم به من عند اللّه من التنزيـل والكتاب، يقول اللّه : فسوف يعلـمون إذا وردوا علـيّ ماذا لهم من العذاب بكفرهم بذلك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٧٨٧ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: لَوْ أنّ عِنْدَنا ذِكْرا مِنَ الأوّلِـينَ لَكُنّا عبـادَ اللّه الـمُخْـلَصِينَ قال: لـما جاء الـمشركين من أهل مكة ذكر الأوّلـين وعلـم الاَخرين كفروا بـالكتاب فسَوْفَ يَعْلَـمُونَ يقول: قد جاءكم مـحمد بذلك، فكفروا بـالقرآن وبـما جاء به مـحمد.

١٧١

انظر تفسير الآية:١٧٢

١٧٢

و قوله: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِـمَتُنا لِعبـادِنا الـمُرْسَلِـينَ إنّهُمْ لَهُمُ الـمَنْصُورُونَ

يقول تعالـى ذكره: ولقد سبق منا القول لرسلنا إنهم لهم الـمنصورون: أي مضى بهذا منا القضاء والـحكم فـي أمّ الكتاب، وهو أنهم النّصرة والغَلبة بـالـحجج، كما:

٢٢٧٨٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِـمَتُنا لعبـادِنا الـمُرْسَلِـينَ حتـى بلغ: لَهُمُ الغالِبُونَ قال: سبق هذا من اللّه لهم أن ينصرهم.

٢٢٧٨٩ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِـمَتُنا لعِبـادِنا الـمُرْسَلِـينَ إنّهُمْ لَهُمُ الـمَنْصُورُونَ يقول: بـالـحجج.

وكان بعض أهل العربـية يتأوّل ذلك: ولقد سبقت كلـمتنا لعبـادنا الـمرسلـين بـالسعادة. وذُكر أن ذلك فـي قراءة عبد اللّه : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِـمَتُنا علـى عبـادِنا الـمُرْسَلِـينَ) فجعلت علـى مكان اللام، فكأن الـمعنى: حقت علـيهم ولهم، كما

قـيـل: علـى مُلك سلـيـمان، وفـي مُلك سلـيـمان، إذ كان معنى ذلك واحدا.

١٧٣

و قوله: وَإنّ جُنْدَنا لَهُمُ الغالِبُونَ يقول: وإن حزبنا وأهل ولايتنا لهمُ الغالبون، يقول لهم الظفر والفلاح علـى أهل الكفر بنا، والـخلاف علـينا.

١٧٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَتَوَلّ عَنْهُمْ حَتّىَ حِينٍ }.

 يعني تعالـى ذكره ب قوله: فَتَوَلّ عَنْهُمْ حّتـى حِينٍ: فأعرض عنهم إلـى حين.

واختلف أهل التأويـل فـي هذا الـحين، فقال بعضهم: معناه إلـى الـموت. ذكر من قال ذلك:

٢٢٧٩٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَتَوَلّ عَنْهُمْ حتـى حِينٍ: أي إلـى الـموت.

وقال آخرون: إلـى يوم بدر. ذكر من قال ذلك:

٢٢٧٩١ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: فَتَوَلّ عَنْهُمْ حتـى حِينٍ قال: حتـى يوم بدر.

وقال آخرون: معنى ذلك: إلـى يوم القـيامة. ذكر من قال ذلك:

٢٢٧٩٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: فَتَوَلّ عَنْهُمْ حتـى حِينٍ قال: يوم القـيامة.

وهذا القول الذي قاله السديّ، أشبه بـما دلّ علـيه ظاهر التنزيـل، وذلك أن اللّه توعدهم بـالعذاب الذي كانوا يستعجلونه، فقال: أفَبِعَذَابِنا يَسْتَعْجِلُونَ، وأمر نبـيه صلى اللّه عليه وسلم أن يُعْرِض علـيهم إلـى مـجِيء حينه. فتأويـل الكلام: فتولّ عنهم يا مـحمد إلـى حين مـجِيء عذابنا، ونزوله بهم.

١٧٥

و قوله: وأبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ: وأنظرهم فسوف يرون ما يحلّ بهم من عقابنا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٧٩٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَأبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ حين لا ينفعهم البصر.

٢٢٧٩٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ يقول: أنظرهم فسوف يبصرون ما لهم بعد الـيوم، قال: يقول: يبصرون يوم القـيامة ما ضيّعوا من أمر اللّه ، وكفرهم بـاللّه ورسوله وكتابه، قال: فأبصرهم وأبصر، واحد.

١٧٦

و قوله: أفَبِعَذَابِنا يَسْتَعْجِلُونَ يقول: فبنزول عذابنا بهم يستعجلونك يا مـحمد، وذلك قولهم للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم مَتـى هَذَا الوَعْدُ إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ.

١٧٧

و قوله: فإذَا نَزَلَ بساحَتِهِمْ يقول: فإذا نزل بهؤلاء الـمشركين الـمستعجلـين بعذاب اللّه العذاب. العرب تقول: نزل بساحة فلان العذاب والعقوبة، وذلك إذا نزل به والساحة: هي فناء دار الرجل، فَساءَ صَبـاحُ الـمُنْذَرِينَ يقول: فبئس صبـاح القوم الذين أنذرهم رسولنا نزول ذلك العذاب بهم فلـم يصدّقوا به. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٢٧٩٥ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد قال حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: فإذَا نَزَلَ بساحَتِهِمْ قال: بدارهم، فَساءَ صَبـاحُ الـمُنْذَرِينَ قال: بئس ما يصبحون.

١٧٨

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَتَوَلّ عَنْهُمْ حَتّىَ حِينٍ }.

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : وأعرض يا مـحمد عن هؤلاء الـمشركين، وخـلّهم وقريتهم علـى ربهم حتّـى حِينٍ يقول: إلـى حين يأذن اللّه بهلاكهم

١٧٩

وأبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ يقول: وانظرهم فسوف يَروْن ما يحلّ بهم من عقابنا فـي حين لا تنفعهم التوبة، وذلك عند نزول بأس اللّه بهم.

١٨٠

و قوله: سُبْحانَ رَبّكَ رَبّ العِزّةِ عَمّا يَصِفُونَ

يقول تعالـى ذكره تنزيها لربك يا مـحمد وتبرئة له. رَبّ العزّة يقول: ربّ القوّة والبطش عَمّا يَصِفُونَ يقول: عمّا يصف هؤلاء الـمفترون علـيه من مشركي قريش، من قولهم ولد اللّه ، وقولهم: الـملائكة بنات اللّه ، وغير ذلك من شركهم وفِرْيتهم علـى ربهم، كما:

٢٢٧٩٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة سُبْحانَ رَبّكَ رَبّ العِزّةِ عَمّا يَصِفُونَ: أي عما يكذبون يسبح نفسه إذا قـيـل علـيه البُهتان.

١٨١

و قوله: وَسَلامٌ علـى الـمُرْسَلِـينَ يقول: وأمنَة من اللّه للـمرسلـين الذين أرسلهم إلـى أمـمهم الذي ذكرهم فـي هذه السورة وغيرهم من فزع يوم العذاب الأكبر، وغير ذلك من مكروه أن ينالهم من قِبل اللّه تبـارك وتعالـى.

٢٢٧٩٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَسَلامٌ علـى الـمُرْسَلِـينَ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إذَا سَلّـمْتُـمْ عَلـيّ فَسَلّـمُوا عَلـى الـمُرْسَلِـينَ، فإنّـمَا أنا رَسُولٌ مِنَ الـمُرْسَلِـينَ) .

١٨٢

والـحَمْدُ للّه رَبّ العالَـمِينَ

يقول تعالـى ذكره: والـحمد للّهربّ الثّقَلـين الـجن والإنس، خالصا دون ما سواه، لأن كلّ نعمة لعبـاده فمنه، فـالـحمد له خالص لا شريك له، كما لا شريك له فـي نعمه عندهم، بل كلها من قِبَله، ومن عنده.

آخر تفسير سورة الصافـات

﴿ ٠