تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآنللإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبريإمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)_________________________________سورة الزمرمكية وآياتها خمس وسبعون بسم اللّه الرحمَن الرحيـم ١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللّه الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}. يقول تعالـى ذكره: تَنْزِيـلُ الكِتابِ الذي نزّلناه علـيك يا مـحمد مِنَ اللّه العَزِيزِ فـي انتقامه من أعدائه الـحَكِيـمِ فـي تدبـيره خـلقه، لا من غيره، فلا تكوننّ فـي شكّ من ذلك ورفع قوله: تَنْزِيـلُ ب قوله: مِنَ اللّه . وتأويـل الكلام: من اللّه العزيز الـحكيـم تنزيـل الكتاب. وجائز رفعه بإضمار هذا، كما قـيـل: سُورَةٌ أنْزَلْناها غير أن الرفع فـي قوله: تَنْزِيـلُ الكِتابِ بـما بعده، أحسن من رفع سورة بـما بعدها، لأن تنزيـل، وإن كان فعلاً، فإنه إلـى الـمعرفة أقرب، إذ كان مضافـا إلـى معرفة، فحسن رفعه بـما بعده، ولـيس ذلك بـالـحسن فـي (سُورَةٌ) ، لأنه نكرة. ٢و قوله: إنّا أنْزَلْنا إلَـيْكَ الكِتابَ بـالـحَقّ يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : إنا أنزلنا إلـيك يا مـحمد الكتاب، يعني بـالكتاب: القرآن بـالـحقّ يعني بـالعدل يقول: أنزلنا إلـيك هذا القرآن يأمر بـالـحقّ والعدل، ومن ذلك الـحقّ والعدل أن تعبد اللّه مخـلِصا له الدين، لأن الدين له لا للأوثان التـي لا تـملك ضرّا ولا نفعا. وبنـحو الذي قلنا فـي معنى قوله: الكِتابَ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٠٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إنّا أنْزَلْنا إلَـيْكَ الكِتابَ بـالـحَقّ يعني : القرآن. و قوله: فـاعْبُدِ اللّه مُخْـلِصا لَهُ الدّينَ يقول تعالـى ذكره: فـاخشع للّه يا مـحمد بـالطاعة، وأخـلص له الألوهة، وأفرده بـالعبـادة، ولا تـجعل له فـي عبـادتك إياه شريكا، كما فَعَلَتْ عَبَدة الأوثان. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٠٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن حفص، عن شمر، قال: يؤتـي بـالرجل يوم القـيامة للـحساب وفـي صحيفته أمثال الـجبـال من الـحسنات، فـيقول ربّ العزّة جلّ وعزّ: صَلّـيت يوم كذا وكذا، لـيقال: صلّـى فلان أنا اللّه لا إله إلا أنا، لـي الدين الـخالص. صمتَ يوم كذا وكذا، لـيقال: صام فلان أنا اللّه لا آله إلا أنا لـي الدين الـخالص، تصدّقت يوم كذا وكذا، لـيقال: تصدّق فلان أنا اللّه لا إله إلا أنا لـي الدين الـخالص فما يزال يـمـحو شيئا بعد شيء حتـى تبقـى صحيفته ما فـيها شيء، فـيقول ملكاه: يا فلان، ألغير اللّه كنت تعمل. ٢٣١٠٨ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، أما قوله: مُخْـلِصا لَهُ الدّينَ فـالتوحيد، والدين منصوب بوقوع مخـلصا علـيه. و قوله: ألا للّه الدّينُ الـخالِصُ يقول تعالـى ذكره: ألا للّه العبـادة والطاعة وحده لا شريك له، خالصة لا شرك لأحد معه فـيها، فلا ينبغي ذلك لأحد، لأن كل ما دونه ملكه، وعلـى الـمـملوك طاعة مالكه لا من لا يـملك منه شيئا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٠٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ألا للّه الدّينُ الـخالِصُ شهادة أن لا إله إلا اللّه . و قوله: وَالّذِينَ اتّـخَذُوا مِنْ دُونِهِ أوْلِـياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إلاّ لِـيُقَرّبُونا إلـى اللّه زُلْفَـى يقول تعالـى ذكره: والذين اتـخذوا من دون اللّه أولـياء يَتَولّونهم، ويعبدونهم من دون اللّه ، يقولون لهم: ما نعبدكم أيها الاَلهة إلا لتقربونا إلـى اللّه زُلْفَـى، قربة ومنزلة، وتشفعوا لنا عنده فـي حاجاتنا وهي فـيـما ذُكر فـي قراءة أبـيّ: (ما نَعْبُدُكُمْ) ، وفـي قراءة عبد اللّه : (قالُوا ما نَعْبُدُهُمْ) وإنـما حسُن ذلك لأن الـحكاية إذا كانت بـالقول مضمرا كان أو ظاهرا، جعل الغائب أحيانا كالـمخاطب، ويترك أخرى كالغائب، وقد بـيّنت ذلك فـي موضعه فـيـما مضى. ٢٣١١٠ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: هي فـي قراءة عبد اللّه : (قالُوا ما نَعْبُدُهُمْ) . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٣١١١ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: ما نَعْبُدُهُمْ إلاّ لِـيُقَرّبُونا إلـى اللّه زُلْفَـى قال: قريش تقوله للأوثان، ومن قَبْلَهم يقوله للـملائكة ولعيسى ابن مريـم ولعزَيز. ٢٣١١٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَالّذِينَ اتّـخَذُوا مِنْ دُونِهِ أوْلِـياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إلاّ لِـيُقَرّبُونا إلـى اللّه زُلْفَـى قالوا: ما نعبد هؤلاء إلا لـيقرّبونا، إلا لـيشفعُوا لنا عند اللّه . ٢٣١١٣ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: ما نَعْبُدُهُمْ إلاّ لِـيُقَرَبونا إلـى اللّه زُلْفَـى قال: هي منزلة. ٢٣١١٤ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: حدثنا معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، فـي قوله: وَالّذِينَ اتّـخَذُوا مِنْ دُونِهِ أوْلِـياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إلاّ لِـيُقَرّبُونا إلـى اللّه زُلْفَـى. و قوله: وَلَوْ شاءَ اللّه ما أشْرَكُوا يقول سبحانه: لو شئت لـجمعتهم علـى الهدى أجمعين. ٢٣١١٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: ما نَعْبُدُهُمْ إلاّ لِـيُقَرّبونا إلـى اللّه زُلْفَـى قال: قالوا هم شفعاؤنا عند اللّه ، وهم الذين يقرّبوننا إلـى اللّه زلفـي يوم القـيامة للأوثان، والزلفـى: القُرَب. و قوله: إنّ اللّه يَحْكُمُ بَـيْنَهُمْ فِـيـما هُمْ فِـيهِ يَخْتَلِفُونَ يقول تعالـى ذكره: إن اللّه يفصل بـين هؤلاء الأحزاب الذين اتـخذوا فـي الدنـيا من دون اللّه أولـياء يوم القـيامة، فـيـما هم فـيه يختلفون فـي الدنـيا من عبـادتهم ما كانوا يعبدون فـيها، بأن يُصْلِـيَهم جميعا جهنـم، إلا من أخـلص الدين للّه، فوحده، ولـم يشرك به شيئا. ٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَلاَ للّه الدّينُ الْخَالِصُ وَالّذِينَ اتّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرّبُونَآ إِلَى اللّه زُلْفَىَ... }. يقول تعالـى ذكره: إنّ اللّه لاَ يَهْدِي إلـى الـحقّ ودينه الإسلام، والإقرار بوحدانـيته، فـيوفقه له مَنْ هُوَ كاذِبٌ مفتر علـى اللّه ، يتقوّل علـيه البـاطل، ويضيف إلـيه ما لـيس من صفته، ويزعم أن له ولدا افتراء علـيه، كفـار لنعمه، جحود لربوبـيته. ٤و قوله: لَوْ أرَادَ اللّه أنْ يَتّـخِذَ وَلِدا يقول تعالـى ذكره: لو شاء اللّه اتـخاذ ولد، ولا ينبغي له ذلك، لاصطفـى مـما يخـلق ما يشاء، يقول: لاختار من خـلقه ما يشاء. و قوله: سُبْحانَهُ هُوَ اللّه الوَاحِدُ القَهّارُ يقول: تنزيها للّه عن أن يكون له ولد، وعما أضاف إلـيه الـمشركون به من شركهم هُوَ اللّه يقول: هو الذي يَعْبده كلّ شيء، ولو كان له ولد لـم يكن له عبدا، يقول: فـالأشياء كلها له ملك، فأنى يكون له ولد، وهو الواحد الذي لا شريك له فـي مُلكه وسلطانه، والقهار لـخـلقه بقدرته، فكل شيء له متذلّل، ومن سطوته خاشع. ٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقّ ...}. يقول تعالـى ذكره واصفـا نفسه بصفتها: خَـلَقَ السّمَوَاتِ والأرْضَ بـالـحَقّ يَكُوّرُ اللّـيْـلَ علـى النهارِ وَيُكَوّرُ النّهارَ علـى اللّـيْـلِ يقول: يغشّي هذا علـى هذا، وهذا علـى هذا، كما قال يُولِـجُ اللّـيْـلَ فِـي النّهارِ وَيُولِـجُ النّهارَ فِـي اللّـيْـلِ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٣١١٦ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: يُكَوّرُ اللّـيْـلَ عَلـى النّهارِ وَيُكَوّرُ النّهارَ عَلـى اللّـيْـلِ يقول: يحمل اللـيـل علـى النهار. ٢٣١١٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد قوله: يُكَوّرُ اللّـيْـلَ علـى النّهارِ قال: يدهوره. ٢٣١١٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يُكَوّرُ اللّـيْـلَ علـى النّهارِ وَيُكَوّرُ النّهارَ علـى اللّـيْـلِ قال: يَغْشَي هذا هذا، ويَغْشَي هذا هذا. ٢٣١١٩ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: يُكَوّرُ اللّـيْـلَ علـى النّهارِ ويُكَوّرُ النّهارَ علـى اللّـيْـلِ قال: يجيء بـالنهار ويذهب بـاللـيـل، ويجيء بـاللـيـل، ويذهب بـالنهار. ٢٣١٢٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: يُكَوّرُ اللّـيْـلَ علـى النّهارِ ويُكَوّرُ النّهارَ علـى اللّـيْـلِ حين يذهب بـاللـيـل ويكوّر النهار علـيه، ويذهب بـالنهار ويكوّر اللـيـل علـيه. و قوله: وَسَخّرَ الشّمْسَ والقَمَرَ يقول تعالـى ذكره: وسخر الشمس والقمر لعبـاده، لـيعلـموا بذلك عدد السنـين والـحساب، ويعرفوا اللـيـل من النهار لـمصلـحة معاشهم كُلّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمّى يقول: كُلّ ذلك يعني الشمس والقمر يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمّى يعني إلـى قـيام الساعة، وذلك إلـى أن تكوّر الشمس، وتنكدر النـجوم. و قـيـل: معنى ذلك: أن لكل واحد منهما منازل، لا تعدوه ولا تقصر دونه ألا هُوَ العَزِيزُ الغَفّـارُ يقول تعالـى ذكره: ألا إن اللّه الذي فعل هذه الأفعال وأنعم علـى خـلقه هذه النعم هو العزيز فـي انتقامه مـمن عاداه، الغفـار لذنوب عبـاده التائبـين إلـيه منها بعفوه لهم عنها. ٦الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ...} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {خَلَقَكُمْ} [البقرة: ٢١] أَيُّهَا النَّاسُ {مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: ١] يَعْنِي مِنْ آدَمَ {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الزمر: ٦] يَقُولُ: ثُمَّ جَعَلَ مِنْ آدَمَ زَوْجُهُ حَوَّاءَ، وَذَلِكَ أَنَّ اللّه خَلَقَهَا مِنْ ضِلَعٍ مِنْ أَضْلَاعِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: ١] «يَعْنِي آدَمَ، ثُمَّ خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا حَوَّاءَ، خَلَقَهَا مِنْ ضِلَعٍ مِنْ أَضْلَاعِهِ» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا؟ وَإِنَّمَا خُلِقَ وَلَدُ آدَمَ مِنْ آدَمَ وَزَوْجَتِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَالِدَيْنِ قَبْلَ الْوَلَدِ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا: أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ: قِيلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللّه صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ [ص:١٦٢] اللّه لَمَّا خَلَقَ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ، فَأَخْرَجَ كُلَّ نَسَمَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ أَسْكَنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْجَنَّةَ، وَخَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ حَوَّاءَ مِنْ ضِلَعٍ مِنْ أَضْلَاعِهِ» ، فَهَذَا قَوْلٌ وَالْآخَرُ: أَنَّ الْعَرَبَ رُبَّمَا أَخْبَرَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ عَنْ رَجُلٍ بِفِعْلَيْنِ، فَيَرُدُّ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فِي الْمَعْنَى بِثُمَّ، إِذَا كَانَ مِنْ خَبَرِ الْمُتَكَلِّمِ، كَمَا يُقَالُ: قَدْ بَلَغَنِي مَا كَانَ مِنْكَ الْيَوْمَ، ثُمَّ مَا كَانَ مِنْكَ أَمْسِ أَعْجَبُ، فَذَلِكَ نَسْقٌ مِنْ خَبَرِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنْ يَكُونَ خَلْقُهُ الزَّوْجَ مَرْدُودًا عَلَى وَاحِدِهَا، كَأَنَّهُ قِيلَ: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَحْدِهَا ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا، فَيَكُونُ فِي وَاحِدَةٍ مَعْنَى: خَلَقَهَا وَحْدَهَا، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ: [البحر الرجز] أَعْدَدْتَهُ لِلْخَصْمِ ذِي التَّعَدِّي ... كَوَّحْتَهُ مِنْكَ بِدُونِ الْجَهْدِ بِمَعْنَى: الَّذِي إِذَا تَعَدَّى كَوَّحْتُهُ، وَمَعْنَى: كَوَّحْتُهُ: غَلَبْتُهُ وَالْقَوْلُ الَّذِي يَقُولُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ الَّذِي ذَكَرْتُ أَنَّهُ يُقَالُ: إِنَّ اللّه أَخْرَجَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِنْ صُلْبِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ حَوَّاءَ، وَبِذَلِكَ جَاءَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّه صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْقَوْلَانِ الْآخَرَانِ عَلَى مَذَاهِبِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَقَوْلُهُ: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الزمر: ٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الْإِبِلِ زَوْجَيْنٍ، وَمِنَ الْبَقَرِ زَوْجَيْنٍ، وَمِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ، وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ [ص:١٦٣] اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ} [الأنعام: ١٤٣] كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ، ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الزمر: ٦] قَالَ: «مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ» حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الزمر: ٦] «مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ، وَمَنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ، وَمِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ، وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ، مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ زَوْجٌ» حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الزمر: ٦] «يَعْنِي مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ، وَمِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ، وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ، وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ» وَقَوْلُهُ: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} [الزمر: ٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَبْتَدِئُ خَلْقُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يُحْدِثُ فِيهَا نُطْفَةً، ثُمَّ يَجْعَلُهَا عَلَقَةً، ثُمَّ مُضْغَةً، ثُمَّ عِظَامًا، ثُمَّ يَكْسُو الْعِظَامَ لَحْمًا، ثُمَّ يُنْشِئُهُ خَلْقًا آخَرَ، تَبَارَكَ اللّه وَتَعَالَى، فَذَلِكَ خَلْقُهُ إِيَّاهُ خَلْقًا بَعْدَ خَلْقٍ كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} [الزمر: ٦] قَالَ: «نُطْفَةً، ثُمَّ [ص:١٦٤] عَلَقَةً، ثُمَّ مُضْغَةً» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} [الزمر: ٦] قَالَ: «نُطْفَةً، ثُمَّ مَا يَتْبَعُهَا حَتَّى تَمَّ خَلْقُهُ» حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} [الزمر: ٦] «نُطْفَةً، ثُمَّ عَلَقَةً، ثُمَّ مُضْغَةً، ثُمَّ عِظَامًا، ثُمَّ لَحْمًا، ثُمَّ أَنْبَتَ الشَّعْرَ، أَطْوَارُ الْخَلْقِ» حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} [الزمر: ٦] قَالَ: «يَعْنِي بِخَلْقٍ بَعْدِ الْخَلْقِ، عَلَقَةً، ثُمَّ مُضْغَةً، ثُمَّ عِظَامًا» حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} [الزمر: ٦] قَالَ: «يَكُونُونَ نُطَفًا، ثُمَّ يَكُونُونَ عَلَقًا، ثُمَّ يَكُونُونَ مُضَغًا، ثُمَّ يَكُونُونَ عِظَامًا، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِمُ الرُّوحَ» حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} [الزمر: ٦] «خَلَقَ نُطْفَةً، ثُمَّ عَلَقَةً، ثُمَّ مُضْغَةً» [ص:١٦٥] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ مِنْ بَعْدِ خَلْقِهِ إِيَّاكُمْ فِي ظَهْرِ آدَمَ، قَالُوا: فَذَلِكَ هُوَ الْخَلْقِ مِنْ بَعْدِ الْخَلْقِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} [الزمر: ٦] قَالَ: «خَلْقًا فِي الْبُطُونِ مِنْ بَعْدِ الْخَلْقِ الْأَوَّلِ الَّذِي خَلَقَهُمْ فِي ظَهْرِ آدَمَ» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ، وَمَنْ قَالَ فِي ذَلِكَ مِثْلَ قَوْلِهِمَا، لِأَنَّ اللّه جَلَّ وَعَزَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ يَخْلُقُنَا خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِنَا فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ، وَلَمْ يُخْبِرْ أَنَّهُ يَخْلُقُنَا فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِنَا مِنْ بَعْدِ خَلْقِنَا فِي ظَهْرِ آدَمَ، وَذَلِكَ نَحْ وُ قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} [المؤمنون: ١٣] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ: {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} [الزمر: ٦] يَعْنِي: فِي ظُلْمَةِ الْبَطْنِ، وَظُلْمَةِ الرَّحِمِ، وَظُلْمَةِ الْمَشِيمَةِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} [الزمر: ٦] قَالَ: " الظُّلُمَاتُ الثَّلَاثُ: الْبَطْنُ، وَالرَّحِمُ، وَالْمَشِيمَةُ " حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ [ص:١٦٦] عِكْرِمَةَ {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} [الزمر: ٦] قَالَ: «الْبَطْنُ، وَالْمَشِيمَةُ، وَالرَّحِمُ» حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} [الزمر: ٦] قَالَ: " يَعْنِي بِالظُّلُمَاتِ الثَّلَاثِ: بَطْنَ أُمِّهِ، وَالرَّحِمَ، وَالْمَشِيمَةَ " حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} [الزمر: ٦] قَالَ: «الْبَطْنُ، وَالرَّحِمُ، وَالْمَشِيمَةُ» حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} [الزمر: ٦] «الْمَشِيمَةُ، وَالرَّحِمُ، وَالْبَطْنُ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} [الزمر: ٦] قَالَ: «ظُلْمَةُ الْمَشِيمَةِ، وَظُلْمَةُ الرَّحِمِ، وَظُلْمَةُ الْبَطْنِ» حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} [الزمر: ٦] قَالَ: «الْمَشِيمَةُ فِي الرَّحِمِ، وَالرَّحِمُ فِي الْبَطْنِ» حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} [الزمر: ٦] : «الرَّحِمُ، وَالْمَشِيمَةُ، [ص:١٦٧] وَالْبَطْنُ، وَالْمَشِيمَةُ الَّتِي تَكُونُ عَلَى الْوَلَدِ إِذَا خَرَجَ، وَهِيَ مِنَ الدَّوَابِّ السَّلَى» وَقَوْلُهُ: {ذَلِكُمُ اللّه رَبُّكُمْ} [الأنعام: ١٠٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الَّذِي فَعَلَ هَذِهِ الْأَفْعَالَ أَيُّهَا النَّاسُ هُوَ رَبُّكُمْ، لَا مَنْ لَا يُجْلِبُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا، وَلَا يَدْفَعُ عَنْهَا ضَرًّا، وَلَا يَسُوقُ إِلَيْكُمْ خَيْرًا، وَلَا يَدْفَعُ عَنْكُمْ سُوءًا مِنْ أَوْثَانِكُمْ وَآلِهَتِكُمْ وَقَوْلُهُ: {لَهُ الْمُلْكُ} [البقرة: ٢٤٧] يَقُولُ جَلَّ وَعَزَّ: لِرَبِّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ الَّذِي صِفَتُهُ مَا وَصَفَ لَكُمْ، وَقُدْرَتُهُ مَا بَيَّنَ لَكُمُ الْمُلْكُ، مُلْكُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَسُلْطَانُهُمَا لَا لِغَيْرِهِ؛ فَأَمَّا مُلُوكُ الدُّنْيَا فَإِنَّمَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ، فَإِنَّمَا لَهُ خَاصٌّ مِنَ الْمُلْكِ وَأَمَّا الْمُلْكُ التَّامُّ الَّذِي هُوَ الْمُلْكُ بِالْإِطْلَاقِ فَللّه الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ وَقَوْلُهُ: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [الزمر: ٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعْبُودٌ سِوَاهُ، وَلَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ {فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس: ٣٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَنَّى تُصْرَفُونَ أَيُّهَا النَّاسُ فَتَذْهَبُونَ عَنْ عِبَادَةِ رَبِّكُمْ، الَّذِي هَذِهِ الصِّفَةُ صِفَتُهُ، إِلَى عِبَادَةِ مَنْ لَا ضَرَّ عِنْدَهُ لَكُمْ وَلَا نَفَعَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [الزمر: ٦] قَالَ: «كَقَوْلِهِ» : {تُؤْفَكُونَ} [الأنعام: ٩٥] حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، {فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [الزمر: ٦] " قَالَ لِلْمُشْرِكِينَ: أَنَّى تُصْرَفُ عُقُولُكُمْ عَنْ هَذَا " ٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِن تَكْفُرُواْ فَإِنّ اللّه غَنِيّ عَنكُمْ...}. اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: إنْ تَكْفُرُوا فإنّ اللّه غَنـيّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لعِبـادِهِ الكُفْرَ فقال بعضهم: ذلك لـخاص من الناس، ومعناه: إن تكفروا أيها الـمشركون بـاللّه ، فإن اللّه غنـي عنكم، ولا يرضى لعبـاده الـمؤمنـين الذين أخـلصهم لعبـادته وطاعته الكفر. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٤٠ـ حدثنـي علـي قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـي، عن ابن عباس ، قوله: إنْ تَكْفُرُوا فإنّ اللّه غَنِـيٌ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبـادِهِ الكُفْرَ يعني الكفـار الذين لـم يرد اللّه أن يطهر قلوبهم، فـيقولوا: لا إله إلا اللّه ، ثم قال: وَلا يَرْضَى لِعِبـادِهِ الكُفْرَ وهم عبـاده الـمخـلصون الذين قال فـيهم: إنّ عِبـادِي لَـيْسَ لَكَ عَلَـيْهمْ سُلْطانٌ فألزمهم شهادة أن لا إله إلا اللّه وحَبّبها إلـيهم. ٢٣١٤١ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي وَلا يَرْضَى لِعِبـادِهِ الكُفْرَ قال: لا يرضى لعبـاده الـمؤمنـين أن يكفروا. وقال آخرون: بل ذلك عام لـجميع الناس، ومعناه: أيها الناس إن تكفروا، فإن اللّه غنـي عنكم، ولا يرضى لكم أن تكفروا به. والصواب من القول فـي ذلك ما قال اللّه جل وعزّ: إن تكفروا بـاللّه أيها الكفـار به، فإن غنـيّ عن إيـمانكم وعبـادتكم إياه، ولا يرضى لعبـاده الكفر، بـمعنى: ولا يرضى لعبـاده أن يكفروا به، كما يقال: لست أحب الظلـم، وإن أحببت أن يظلـم فلان فلانا فـيعاقب. و قوله: وَإنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ يقول: وإن تؤمنوا بربكم وتطيعوه يرض شكركم له، وذلك هو إيـمانهم به وطاعتهم إياه، فكنى عن الشكر ولـم يُذْكر، وإنـما ذكر الفعل الدالّ علـيه، وذلك نظير قوله: الّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إنّ النّاسُ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فـاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُم إِيـمانا بـمعنى: فزادهم قول الناس لهم ذلك إيـمانا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٤٢ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ وَإنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ قال: إن تطيعوا يرضه لكم. و قوله: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى يقول: لا تأثم آثمة إثم آثمة أخرى غيرها، ولا تؤاخذ إلا بإثم نفسها، يُعْلِـم عزّ وجلّ عبـاده أن علـى كلّ نفس ما جنت، وأنها لا تؤاخذ بذنب غيرها. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٤٣ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ وَلا تَزرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى قال: لا يؤخذ أحد بذنب أحد. و قوله: ثُمّ إلـى رَبّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَـيُنَبّئُكُمْ بِـمَا كُنْتُـمْ تَعْمَلُونَ يقول تعالـى ذكره: ثم بعد اجتراحكم فـي الدنـيا ما اجترحتـم من صالـح وسيىء، وإيـمان وكفر أيها الناس، إلـى ربكم مصيركم من بعد وفـاتكم، فـينبئكم يقول: فـيخبركم بـما كنتـم فـي الدنـيا تعملونه من خير وشرّ، فـيجازيكم علـى كلّ ذلك جزاءكم، الـمـحسن منكم بإحسانه، والـمسيء بـما يستـحقه يقول عزّ وجلّ لعبـاده: فـاتقوا أن تلقوا ربكم وقد عملتـم فـي الدنـيا بـما لا يرضاه منكم تهلكوا، فإنه لا يخفـى علـيه عمل عامل منكم. و قوله: إنّهُ عَلِـيـمٌ بذاتِ الصّدُورِ يقول تعالـى ذكره: إن اللّه لا يخفـى علـيه ما أضمرته صدوركم أيها الناس مـما لا تُدركه أعينكم، فكيف بـما أدركته العيون ورأته الأبصار. وإنـما يعني جلّ وعزّ بذلك الـخبر عن أنه لا يخفـى علـيه شيء، وأنه مُـحصٍ علـى عبـاده أعمالهم، لـيجازيهم بها كي يتقوه فـي سرّ أمورهم وعلانـيتها. ٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا مَسّ الإِنسَانَ ضُرّ دَعَا رَبّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ...}. يقول تعالـى ذكره: وإذا مسّ الإنسان بلاء فـي جسده من مرض، أو عاهة، أو شدّة فـي معيشته، وجهد وضيق دَعا رَبّهُ يقول: استغاث بربه الذي خـلقه من شدّة ذلك، ورغب إلـيه فـي كشف ما نزل به من شدّة ذلك. و قوله: مُنِـيبـا إلَـيْهِ يقول: تائبـا إلـيه مـما كان من قبل ذلك علـيه من الكفر به، وإشراك الاَلهة والأوثان به فـي عبـادته، راجعا إلـى طاعته. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٤٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَإذَا مَسّ الإنْسانَ ضُرّ قال: الوجع والبلاء والشدّة دَعا رَبّهُ مُنِـيبـا إلَـيْهِ قال: مستغيثا به. و قوله: ثُمّ إذَا خَوّلَهُ نَعْمَةً مِنْهُ يقول تعالـى ذكره: ثم إذا منـحه ربه نعمة منه، يعني عافـية، فكشف عنه ضرّه، وأبدله بـالسقم صحة، وبـالشدة رخاء. والعرب تقول لكلّ من أعطى غيره من مال أو غيره: قد خوّله ومنه قول أبـي النـجْم العِجْلِـيّ: أعْطَى فَلْـم يَبْخَـلْ ولَـمْ يُبَخّـلِكُومَ الذّرَا مِنْ خَوَلِ الـمُخَوّلِ وحدثت عن أبـي عُبـيدة معمر بن الـمثنى أنه قال: سمعت أبـا عمرو يقول فـي بـيت زُهَيْر: هُنالِكَ إنْ يُسْتَـخْوَلُوا الـمَالَ يُخْوِلواوإنْ يُسْأَلُوا يُعْطوا وَإنْ يَـيْسِرُوا يُغْلوا قال معمر: قال يونس: إنـما سمعناه: هُنالكَ إنْ يُسْتَـخْبَلُوا الـمَالَ يُخْبِلوا قال: وهي بـمعناها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٤٥ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ ثُمّ إذَا خَوّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ: إذا أصابته عافـية أو خير. و قوله: نَسِيَ ما كانَ يَدْعُو إلَـيْهِ مِنْ قَبْلُ يقول: ترك دعاءه الذي كان يدعو إلـى اللّه من قبل أن يكشف ما كان به من ضرّ وَجَعَلِ للّه أنْدَادا يعني : شركاء. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٤٦ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ نَسِيَ يقول: ترك، هذا فـي الكافر خاصة. ول(ما) التـي فـي قوله: نَسِيَ ما كانَ وجهان: أحدهما: أن يكون بـمعنى الذي، ويكون معنى الكلام حينئذٍ: ترك الذي كان يدعوه فـي حال الضرّ الذي كان به، يعني به اللّه تعالـى ذكره، فتكون (ما) موضوعة عند ذلك موضع (مَنْ) كما قـيـل: وَلا أنْتُـمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ يعني به اللّه ، وكما قـيـل: فـانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النّساءِ. والثانـي: أن يكون بـمعنى الـمصدر علـى ما ذكرت. وإذا كانت بـمعنى الـمصدر، كان فـي الهاء التـي فـي قوله: إلَـيْهِ وجهان: أحدهما: أن يكون من ذكر ما. والاَخر: من ذكر الربّ. و قوله: وَجَعَلَ للّه أنْدَادا يقول: وجعل للّه أمثالاً وأشبـاها. ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي جعلوها فـيه له أندادا، قال بعضهم: جعلوها له أندادا فـي طاعتهم إياه فـي معاصي اللّه . ذكر من قال ذلك: ٢٣١٤٧ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ وَجَعَلَ للّه أنْدَادا قال: الأنداد من الرجال: يطيعونهم فـي معاصي اللّه . وقال آخرون: عنى بذلك أنه عبد الأوثان، فجعلها للّه أندادا فـي عبـادتهم إياها. وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال: عَنَى به أنه أطاع الشيطان فـي عبـادة الأوثان، فجعل له الأوثان أندادا، لأن ذلك فـي سياق عتاب اللّه إياهم له علـى عبـادتها. و قوله: لِـيُضِلّ عَنْ سَبِـيـلِهِ يقول: لـيزيـل من أراد أن يوحد اللّه ويؤمن به عن توحيده، والإقرار به، والدخول فـي الإسلام. و قوله: قُلْ تَـمَتّعْ بكُفْرِكَ قَلِـيلاً يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : قل يا مـحمد لفـاعل ذلك: تـمتع بكفرك بـاللّه قلـيلاً إلـى أن تستوفَـي أجلك، فتأتـيك منـيتك إنّكَ مِنْ أصحَابِ النّارِ: أي إنك من أهل النار الـماكثـين فـيها. و قوله: تَـمَتّعْ بِكُفْرِكَ: وعيد من اللّه وتهدّدٌ. ٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَمّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ اللّيْلِ سَاجِداً ...}. اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: أمّنْ فقرأ ذلك بعض الـمكيـين وبعض الـمدنـيـين وعامة الكوفـيـين: (أمَنْ) بتـخفـيف الـميـم ولقراءتهم ذلك كذلك وجهان: أحدهما أن يكون الألف فـي (أمّن) بـمعنى الدعاء، يراد بها: يا من هو قانت آناء اللـيـل، والعرب تنادي بـالألف كما تنادي بـيا، فتقول: أزيد أقبِلْ، ويا زيد أَقبِلْ ومنه قول أوس بن حجر: أَبَنِـي لُبَـيْنَى لَسْتُـمُ بِـيَدٍإلاّ يَدٌ لَـيْسَتْ لَهَا عَضُدُ وإذا وجهت الألف إلـى النداء كان معنى الكلام: قل تـمتع أيها الكافر بكفرك قلـيلاً، إنك من أصحاب النار، ويا من هو قانت آناء اللـيـل ساجدا وقائما إنك من أهل الـجنة، ويكون فـي النار عمى للفريق الكافر عند اللّه من الـجزاء فـي الاَخرة، الكفـاية عن بـيان ما للفريق الـمؤمن، إذ كان معلوما اختلاف أحوالهما فـي الدنـيا، ومعقولاً أن أحدهما إذا كان من أصحاب النار لكفره بربه أن الاَخر من أصحاب الـجنة، فحذف الـخبر عما له، اكتفـاء بفهم السامع الـمراد منه من ذكره، إذ كان قد دلّ علـى الـمـحذوف بـالـمذكور. والثانـي: أن تكون الألف التـي فـي قوله: (أمَنْ) ألف استفهام، فـيكون معنى الكلام: أهذا كالذي جعل للّه أندادا لـيضلّ عن سبـيـله، ثم اكتفـى بـما قد سبق من خبر اللّه عن فريق الكفر به من أعدائه، إذ كان مفهوما الـمراد بـالكلام، كما قال الشاعر: فَأُقْسِمُ لَوْ شَيْءٌ أتانا رَسُولُهُسِوَاكَ وَلَكِنْ لَـمْ نَـجِدْ لَكَ مَدْفَعا فحذف لدفعناه وهو مراد فـي الكلام إذ كان مفهوما عند السامع مراده. وقرأ ذلك بعض قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة: أمّنْ بتشديد الـميـم، بـمعنى: أم من هو؟ ويقولون: إنـما هي أمّنْ استفهام اعترض فـي الكلام بعد كلام قد مضى، فجاء بأم فعلـى هذا التأويـل يجب أن يكون جواب الاستفهام متروكا من أجل أنه قد جرى الـخير عن فريق الكفر، وما أعدّ له فـي الاَخرة، ثم أتبع الـخبر عن فريق الإيـمان، فعلـم بذلك الـمراد، فـاستغنـي بـمعرفة السامع بـمعناه من ذكره، إذ كان معقولاً أن معناه: هذا أفضل أم هذا؟. والقول فـي ذلك عندنا أنهما قراءتان قرأ بكل واحدة علـماء من القرّاء مع صحة كلّ واحدة منهما فـي التأويـل والإعراب، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وقد ذكرنا اختلاف الـمختلفـين، والصواب من القول عندنا فـيـما مضى قبل فـي معنى القانت، بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع غير أنا نذكر بعض أقوال أهل التأويـل فـي ذلك فـي هذا الـموضع، لـيعلـم الناظر فـي الكتاب اتفـاق معنى ذلك فـي هذا الـموضع وغيره، فكان بعضهم يقول: هو فـي هذا الـموضع قراءة القارىء قائما فـي الصلاة. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٤٨ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا يحيى، عن عبـيد اللّه ، أنه قال: أخبرنـي نافع، عن ابن عمر، أنه كان إذا سُئل عن القنوت، قال: لا أعلـم القنوت إلا قراءة القرآن وطول القـيام، وقرأ: أمّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللّـيْـلِ ساجِدا وقائما. وقال آخرون: هو الطاعة. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٤٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: أَمّنْ هُوْ قانِتٌ يعني بـالقنوت: الطاعة، وذلك أنه قال: ثُمّ إذَا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إذَا أنْتُـمْ تَـخْرُجُونَ... إلـى كُلّ لَهُ قانِتُونَ قال: مطيعون. ٢٣١٥٠ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: أَمّنْ هُو قانِتٌ آناءَ اللّـيْـلِ ساجِدا وَقائما قال: القانت: الـمطيع. و قوله: آناءَ اللّـيْـلِ يعني : ساعات اللـيـل، كما: ٢٣١٥١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: أَمّنْ هُوَ قانتٌ آناءَ اللّـيْـلِ أوّله، وأوسطه، وآخره. ٢٣١٥٢ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ آناءَ اللّـيْـلِ قال: ساعات اللـيـل. وقد مضى بـياننا عن معنى الاَناء بشواهده، وحكاية أقوال أهل التأويـل فـيها بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. و قوله: ساجِدا وَقائما يقول: يقنت ساجدا أحيانا، وأحيانا قائما، يعني : يطيع والقنوت عندنا الطاعة، ولذلك نصب قوله: ساجِدا وَقائما لأن معناه: أمّن هو يقنت آناء اللـيـل ساجدا طورا، وقائما طورا، فهما حال من قانت. و قوله: يَحْذَرُ الاَخِرَةَ يقول: يحذر عذابَ الاَخرة، كما: ٢٣١٥٣ـ حدثنا علـيّ بن الـحسن الأزديّ. قال: حدثنا يحيى بن الـيـمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عباس ، فـي قوله: يَحْذَرُ الاَخِرَةَ قال: يحذر عقاب الاَخرة، ويرجو رحمة ربه، يقول: ويرجو أن يرحمه اللّه فـيدخـله الـجنة. و قوله: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الّذِينَ يَعْلَـمُونَ وَالّذِينَ لا يَعْلَـمُونَ يقول تعالـى ذكره: قل يا مـحمد لقومك: هل يستوي الذين يعلـمون ما لهم فـي طاعتهم لربهم من الثواب، وما علـيهم فـي معصيتهم إياه من التبعات، والذين لا يعلـمون ذلك، فهم يخبطون فـي عشواء، لا يجرجون بحسن أعمالهم خيرا، ولا يخافون بسيّئها شرا؟ يقول: ما هذان بـمتساويـين. وقد رُوي عن أبـي جعفر مـحمد بن علـي فـي ذلك ما: ٢٣١٥٤ـ حدثنـي مـحمد بن خـلف، قال: ثنـي نصر بن مزاحم، قال: حدثنا سفـيان الـجريري، عن سعيد بن أبـي مـجاهد ، عن جابر، عن أبـي جعفر، رضوان اللّه علـيه هَلْ يَسْتَوي الّذِينَ يَعْلَـمُونَ وَالّذِينَ لا يَعْلَـمُونَ قال: نـحن الذين يعلـمون، وعدوّنا الذين لا يعلـمون. و قوله: إنّـمَا يَتَذَكّرُ أُولُو الألْبـابِ يقول تعالـى ذكره: إنـما يعتبر حجج اللّه ، فـيتعظ، ويتفكر فـيها، ويتدبرها أهلُ العقول والـحجى، لا أهل الـجهل والنقص فـي العقول. ١٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ يَعِبَادِ الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ رَبّكُمْ لِلّذِينَ أَحْسَنُواْ ...}. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : قُلْ يا مـحمد لعبـادي الذين آمنوا: يا عِبـادِ الّذِينَ آمَنُوا بـاللّه ، وصدقوا رسوله اتّقُوا رَبّكُمْ بطاعته واجتناب معاصيه لِلّذِينَ أحْسَنُوا فِـي هَذِهِ الدّنـيْا حَسَنَةٌ. ثم اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: معناه: للذين أطاعوا اللّه حسنة فـي هذه الدنـيا وقال (فـي) من صلة حسنة، وجعل معنى الـحسنة: الصحة والعافـية. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٥٥ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ لِلّذِينَ أحْسَنُوا فِـي هَذِهِ الدّنـيْا حَسَنَةٌ قال: العافـية والصحة. وقال آخرون(فـي) من صلة أحسنوا، ومعنى الـحسنة: الـجنة. و قوله: وأرْضُ اللّه وَاسِعَةٌ يقول تعالـى ذكره: وأرض اللّه فسيحة واسعة، فهاجروا من أرض الشرك إلـى دار الإسلام، كما: ٢٣١٥٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: وأرْضُ اللّه وَاسعَةٌ فهاجروا واعتزلوا الأوثان. و قوله: إنّـمَا يُوَفّـى الصّابُرُونَ أجْرَهُمْ بغَيرِ حسابٍ يقول تعالـى ذكره: إنـما يعطي اللّه أهل الصبر علـى ما لقوا فـيه فـي الدنـيا أجرهم فـي الاَخرة بغير حساب يقول: ثوابهم بغير حساب. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٥٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إنّـما يُوَفّـى الصّابرُونَ أجْرَهُمْ بغَيْرِ حسابٍ لا واللّه ما هنا كُم مِكيال ولا ميزان. ٢٣١٥٨ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ إنّـما يُوَفّـى الصّابرُونَ أجْرَهُمْ بَغْيرِ حسابٍ قال: فـي الـجنة. ١١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ إِنّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّه مُخْلِصاً لّهُ الدّينَ}. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : قل يا مـحمد لـمشركي قومك: إن اللّه أمرنـي أن أعبده مُفْرِدا له الطاعة، دون كلّ ما تدعون من دونه من الاَلهة والأنداد ١٢وأُمِرْتُ لإِنْ أكُونَ أوّلَ الـمُسْلَـمِينَ: يقول: وأمرنـي ربـي جل ثناؤه بذلك، لأن أكون بفعل ذلك أوّل من أسلـم منكم، فخضع له بـالتوحيد، وأخـلص له العبـادة، وبرىء من كلّ ما دونه من الاَلهة. ١٣وقوله تعالـى: قُلْ إنّـي أخافُ إنْ عَصَيْتُ رَبّـي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيـمٍ: يقول تعالـى ذكره: قال يا مـحمد لهم إنـي أخاف إن عصيت ربـي فـيـما أمرنـي به من عبـادته، مخـلصا له الطاعة، ومفرده بـالربوبـية. عذابَ يومٍ عَظِيـمٍ: يعني عذاب يوم القـيامة، ذلك هو الـيوم الذي يعظم هو له. ١٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلِ اللّه أَعْبُدُ مُخْلِصاً لّهُ دِينِ}. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : قل يا مـحمد لـمشركي قومك: اللّه أعبد مخـلصا، مفردا له طاعتـي وعبـادتـي، لا أجعل له فـي ذلك شريكا، ولكنـي أُفرده بـالألوهة، وأبرأ مـما سواه من الأنداد والاَلهة، ١٥فـاعبدوا أنتـم أيها القوم ما شئتـم من الأوثان والأصنام، وغير ذلك مـما تعبدون من سائر خـلقه، فستعلـمون وبـال عاقبة عبـادتكم ذلك إذا لقـيتـم ربكم. و قوله: قُلْ إنّ الـخاسِرِينَ الّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ يقول تعالـى ذكره: قل يا مـحمد لهم: إن الهالكين الذين غَبَنوا أنفسهم، وهلكت بعذاب اللّه أهلوهم مع أنفسهم، فلـم يكن لهم إذ دخـلوا النار فـيها أهل، وقد كان لهم فـي الدنـيا أهلون. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٥٩ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، قوله: قُلْ إنّ الـخَاسِرِينَ الّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ وأهْلِـيهِمْ يَوْمَ القِـيامَةِ قال: هم الكفـار الذين خـلقهم اللّه للنار، وخـلق النار لهم، فزالت عنهم الدنـيا، وحرّمت علـيهم الـجنة، قال اللّه : خَسرَ الدّنْـيَا وَالاَخِرَةَ. ٢٣١٦٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: قُلْ إنّ الـخاسِرينَ الّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ وأهْلِـيهِمْ يَوْمَ القِـيامَةِ قال: هؤلاء أهل النار، خسروا أنفسهم فـي الدنـيا، وخسروا الأهلـين، فلـم يجدوا فـي النار أهلاً، وقد كان لهم فـي الدنـيا أهل. ٢٣١٦١ـ حُدثت عن ابن أبـي زائدة، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد ، قال: غبنوا أنفسهم وأهلـيهم، قال: يخسرون أهلـيهم، فلا يكون لهم أهل يرجعون إلـيهم، ويخسرون أنفسم، فـيهلكون فـي النار، فـيـموتون وهم أحياء فـيخسرونهما. و قوله: ألا ذلكَ هُو الـخُسْرانُ الـمُبِـينُ يقول تعالـى ذكره: ألا إن خسران هؤلاء الـمشركين أنفسهم وأهلـيهم يوم القـيامة، وذلك هلاكها هو الـخسران الـمبـين، يقول تعالـى ذكره: هو الهلاك الذي يبـين لـمن عاينه وعلـمه أنه الـخسران. ١٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لَهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ النّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوّفُ اللّه بِهِ عِبَادَهُ يَعِبَادِ فَاتّقُونِ}. يقول تعالـى ذكره لهؤلاء الـخاسرين يوم القامة فـي جهنـم: مِنْ فَوقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النّار وذلك كهيئة الظلل الـمبنـية من النار وَمِنْ تَـحْتهمْ ظُلَلٌ يقول: ومن تـحتهم من النار ما يعلوهم، حتـى يصير ما يعلوهم منها من تـحتهم ظللاً، وذلك نظير قوله جل ثناؤه لَهُمْ: مِنْ جَهَنَـمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقهِمْ غَواشٍ يغشاهم مـما تـحتهم فـيها من الـمهاد. و قوله: ذلكَ يخَوّفُ اللّه بِهِ عبـادَهُ يا عبـادِ فـاتّقُونِ يقول تعالـى ذكره: هذا الذي أخبرتكم أيها الناس به، مـما للـخاسرين يوم القـيامة من العذاب، تـخويف من ربكم لكم، يخوّفكم به لتـحذروه، فتـجتنبوا معاصيه، وتنـيبوا من كفركم إلـى الإيـمان به، وتصديق رسوله، واتبـاع أمره ونهيه، فتنـجوا من عذابه فـي الاَخرة فـاتّقُونِ يقول: فـاتقونـي بأداء فرائضي علـيكم، واجتناب معاصيّ، لتنـجوا من عذابـي وسخطي. ١٧و قوله: وَالّذِينَ اجْتَنَبُوا الطّاغُوتَ: أي اجتنبوا عبـادة كلّ ما عُبد من دون اللّه من شيء. وقد بـيّنا معنى الطاغوت فـيـما مضى قبل بشواهد ذلك، وذكرنا اختلاف أهل التأويـل فـيه بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع، وذكرنا أنه فـي هذا الـموضع: الشيطان، وهو فـي هذا الـموضع وغيره بـمعنى واحد عندنا. ذكر من قال ما ذكرنا فـي هذا الـموضع: ٢٣١٦٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: وَالّذِينَ اجْتَنَبُوا الطّاغُوتَ قال: الشيطان. ٢٣١٦٣ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ وَالّذِينَ اجْتَنَبُوا الطّاغُوتَ أنْ يَعْبُدُوها قال: الشيطان. ٢٣١٦٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَالّذِينَ اجْتَنَبُوا الطّاغُوتَ أنْ يَعْبُدُوها قال: الشيطان هو هاهنا واحد وهي جماعة. والطاغوت علـى قول ابن زيد هذا واحد مؤنث، ولذلك قـيـل: أن يعبدوها. و قـيـل: إنـما أُنثث لأنها فـي معنى جماعة. و قوله: وأنابُوا إلـى اللّه يقول: وتابوا إلـى اللّه ورجعوا إلـى الإقرار بتوحيده، والعمل بطاعته، والبراءة مـما سواه من الاَلهة والأَنداد. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٦٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وأنابُوا إلـى اللّه : وأقبلوا إلـى اللّه . ٢٣١٦٦ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: وأنابُوا إلـى اللّه قال: أجابوا إلـيه. و قوله: لَهُمُ البُشْرَى يقول: لهم البشرى فـي الدنـيا بـالـجنة فـي الاَخرة فَبَشّرْ عِبـادِ ١٨الّذِينَ يَسْتَـمِعُونَ القَوْلَ يقول جل ثناؤه لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : فبشر يا مـحمد عبـادي الذين يستـمعون القول من القائلـين، فـيتبعون أرشده وأهداه، وأدله علـى توحيد اللّه ، والعمل بطاعته، ويتركون ما سوى ذلك من القول الذي لا يدل علـى رشاد، ولا يهدي إلـى سداد. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٦٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَـيَتّبِعُونَ أحْسَنَهُ وأحسنه طاعة: اللّه . ٢٣١٦٨ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: فَـيَتّبِعُونَ أحْسَنَهُ قال: أحسن ما يؤمرون به فـيعملون به. و قوله: أُولَئِكَ الّذِينَ هَداهُمُ اللّه يقول تعالـى ذكره: الذين يستـمعون القول فـيتبعون أحسنه، الذين هداهم اللّه ، يقول: وفقهم اللّه للرشاد وإصابة الصواب، لا الذين يُعْرِضون عن سماع الـحقّ، ويعبدون ما لا يضرّ، ولا ينفع. و قوله: أُولَئِكَ هُمْ أُولُوا الألْبـابِ يعني : أولو العقول والـحجا. وذُكر أن هذه الاَية نزلت فـي رهط معروفـين وحّدوا اللّه ، وبرئوا من عبـادة كل ما دون اللّه قبل أن يُبعث نبـيّ اللّه ، فأنزل اللّه هذه الاَية علـى نبـيه يـمدحهم. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٦٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَالّذِينَ اجْتَنَبُوا الطّاغُوتَ أنْ يَعْبُدُوها... الاَيتـين، حدثنـي أبـي أن هاتـين الاَيتـين نزلتا فـي ثلاثة نفر كانوا فـي الـجاهلـية يقولون: لا إله إلا اللّه : زيد بن عمرو، وأبـي ذرّ الغفـاري، وسلم ان الفـارسيّ، نزل فـيهم: وَالّذِينَ اجْتَنَبُوا الطّاغُوتَ أنْ يَعْبُدُوها فـي جاهلـيتهم وأنابُوا إلـى اللّه لَهُمُ البُشْرَى فَبَشّرْ عِبـادِ الّذِينَ يَسْتَـمِعُونَ القَوْلَ فَـيَتّبِعُونَ أحْسَنَهُ لا إله إلا اللّه ، أولئك الذين هداهم اللّه بغير كتاب ولا نبـيّ وأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبـابِ. ١٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَفَمَنْ حَقّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النّارِ ...}. يعني تعالـى ذكره ب قوله: أَفَمَنْ حَقّ عَلَـيْهِ كَلِـمَةُ العَذَابِ: أفمن وجبت علـيه كلـمة العذاب فـي سابق علـم ربك يا مـحمد بكفره به، كما: ٢٣١٧٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: أَفَمَنْ حَقّ عَلَـيْه كَلِـمَةُ العَذَابِ بكفره. و قوله: أَفأنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِـي النّارِ يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : أفأنت تنقذ يا مـحمد من هو فـي النار من حق علـيه كلـمة العذاب، فأنت تنقذه فـاستغنى ب قوله: تُنْقِذُ مَنْ فِـي النّارِ عن هذا. وكان بعض نـحويـي الكوفة يقول: هذا مـما يراد به استفهام واحد، فـيسبق الاستفهام إلـى غير موضعه، فـيردّ الاستفهام إلـى موضعه الذي هو له. وإنـما الـمعنى واللّه أعلـم: أفأنت تنقذ من فـي النار من حقّت علـيه كلـمة العذاب. قال: ومثله من غير الاستفهام: أَيَعِدُكُمْ أنّكُمُ إذا مِتّـمْ وكُنْتُـمْ تُرابـا وَعِظاما أنّكُمْ مُخْرِجُونَ فردّد (أنكم) مرّتـين. والـمعنى واللّه أعلـم: أيعدكم أنكم مخرجون إذا متـم ومثله قوله: لا تَـحْسَبنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أتَوْا ويُحِبّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِـما لَـمْ يَفْعَلُوا فَلا تَـحْسَبَنّهُمْ بِـمَفـازَة مِنَ العَذَابِ. وكان بعضهم يستـخطىء القول الذي حكيناه عن البصريـين، ويقول: لا تكون فـي قوله: أَفَأنْتَ تُتْقِذُ مَنْ فِـي النّارِ كناية عمن تقدم، لا يقال: القوم ضربت من قام، يقول: الـمعنى: ألتـجرئة أفأنت تُنقذ من فـي النار منهم. وإنـما معنى الكلـمة: أفأنت تهدي يا مـحمد من قد سبق له فـي علـم اللّه أنه من أهل النار إلـى الإيـمان، فتنقذه من النار بـالإيـمان؟ لست علـى ذلك بقادر. ٢٠و قوله: لَكِنِ الّذِينَ اتّقُوْا رَبّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِـيّةٌ يقول تعالـى ذكره: لكن الذين اتقوا ربهم بأداء فرائضه واجتناب مـحارمه، لهم فـي الـجنة غرف من فوقها غرف مبنـية علالـيّ بعضها فوق بعض تَـجْرِي مِنْ تَـحْتِها الأنهارُ يقول تعالـى ذكره: تـجري من تـحت أشجار جناتها الأنهار. و قوله: وَعَدَ اللّه يقول جلّ ثناؤه: وعدنا هذه الغرف التـي من فوقها غرف مبنـية فـي الـجنة، هؤلاء الـمتقـين لا يُخْـلفُ اللّه الـمِيعادَ يقول جلّ ثناؤه: واللّه لا يخـلفهم وعده، ولكنه يوفـي بوعده. ٢١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّه أَنزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً ...}. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : ألَـمْ تَرَ يا مـحمد أنّ اللّه أنْزَلَ مِنَ السّماءِ ماءً وهو الـمطر فَسَلَكَهُ يَنابِـيعَ فِـي الأرْضِ يقول: فأجراه عيونا فـي الأرض واحدها ينبوع، وهو ما جاش من الأرض. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٧١ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن جابر، عن الشعبـيّ، فـي قوله: فَسَلَكَهُ يَنابِـيعَ فِـي الأرْضِ قال: كلّ ندى وماء فـي الأرض من السماء نزل. ٢٣١٧٢ـ قال: ثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن جابر، عن الـحسن بن مسلـم بن بـيان، قال: ثم أنبت بذلك الـماء الذي أنزله من السماء فجعله فـي الأرض عيونا زرعا مُخْتَلِفـا ألْوَانُهُ يعني : أنواعا مختلفة من بـين حنطة وشعير وسمسم وأرز، ونـحو ذلك من الأنواع الـمختلفة ثُمّ يَهِيجُ فَتراهُ مُصْفَرّا يقول: ثم يـيبس ذلك الزرع من بعد خُضرته، يقال للأرض إذا يبس ما فـيها من الـخضر وذوي: هاجت الأرض، وهاج الزرع. و قوله: فَتراه مُصْفَرّا يقول: فتراه من بعد خُضرته ورطوبته قد يبس فصار أصفر، وكذلك الزرع إذا يبس أصفر ثُمّ يَجْعَلُهُ حُطاما والـحُطام: فتات التبن والـحشيش، يقول: ثم يجعل ذلك الزرع بعد ما صار يابسا فُتاتا متكسرا. و قوله: إنّ فِـي ذلكَ لَذِكْرَى لأُولـي الألْبـابِ يقول تعالـى ذكره: إن فـي فعل اللّه ذلك كالذي وصف لذكرى وموعظة لأهل العقول والـحجا يتذكرون به، فـيعلـمون أن من فعل ذلك فلن يتعذّر علـيه إحداث ما شاء من الأشياء، وإنشاء ما أراد من الأجسام والأعراض، وإحياء من هلك من خـلقه من بعد مـماته وإعادته من بعد فنائه، كهيئته قبل فَنائه، كالذي فُعِل بـالأرض التـي أنزل علـيها من بعد موتها الـماء، فأنبت بها الزرعَ الـمختلف الألوان بقدرته.) ٢٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَفَمَن شَرَحَ اللّه صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىَ نُورٍ مّن رّبّهِ ...}. يقول تعالـى ذكره: أفمن فَسَح اللّه قلبه لـمعرفته، والإقرار بوحدانـيته، والإذعان لربوبـيته، والـخضوع لطاعته فَهُوَ عَلـى نُورٍ مِنْ رَبّهِ يقول: فهو علـى بصيرة مـما هو علـيه ويقـين، بتنوير الـحقّ فـي قلبه، فهو لذلك لأمر اللّه متبع، وعما نهاه عنه منته فـيـما يرضيه، كمن أقسى اللّه قلبه، وأخلاه من ذكره، وضيّقه عن استـماع الـحق، واتّبـاع الهدى، والعمل بـالصواب؟ وترك ذكر الذي أقسى اللّه قلبه، وجوابَ الاستفهام اجتزاء بـمعرفة السامعين الـمراد من الكلام، إذ ذكر أحد الصنفـين، وجعل مكان ذكر الصنف الاَخر الـخبر عنه ب قوله: فَوَيْـلٌ للْقاسِيَةِ قُلُوبُهمْ مِنْ ذِكْرِ اللّه . وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٧٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: أَفَمَنْ شَرَحَ اللّه صَدْرَهُ للإسْلامِ فَهُوَ عَلـى نُورٍ مِنْ رَبّهِ يعني : كتاب اللّه ، هو الـمؤمن به يأخذ، وإلـيه ينتهي. ٢٣١٧٤ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قوله: أَفَمَنْ شَرَحَ اللّه صَدْرَهُ للإسْلامِ قال: وسع صدره للإسلام، والنور: الهُدَى. ٢٣١٧٥ـ حُدثت عن ابن أبـي زائدة عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد أَفَمَنْ شَرَحَ اللّه صَدْرَهُ للإسْلامِ قال: لـيس الـمنشرح صدره مثل القاسي قلبه. قوله: فَوَيْـلٌ للقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللّه يقول تعالـى ذكره: فويـل للذين جَفَت قلوبهم ونأت عن ذكر اللّه وأعرضت، يعني عن القرآن الذي أنزله تعالـى ذكره، مذكّرا به عبـاده، فلـم يؤمن به، ولـم يصدّق بـما فـيه. و قـيـل: مِنْ ذِكْرِ اللّه والـمعنى: عن ذكر اللّه ، فوضعت (من) مكان (عن) ، كما يقال فـي الكلام: أتـخمت من طعام أكلته، وعن طعام أكلته بـمعنى واحد. و قوله: أُولَئِكَ فِـي ضَلالٍ مُبِـينٍ يقول تعالـى ذكره: هؤلاء القاسية قلوبهم من ذكر اللّه فـي ضلال مُبـين، لـمن تأمّله وتدبّره بفهم أنه فـي ضلال عن الـحقّ جائر. ٢٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اللّه نَزّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مّتَشَابِهاً مّثَانِيَ تَقْشَعِرّ مِنْهُ جُلُودُ الّذِينَ ...}. يقول تعالـى ذكره: اللّه نَزّلَ أحْسَنَ الـحَدِيثِ كِتابـا يعني به القرآن مُتَشابِها يقول: يشبه بعضه بعضا، لا اختلاف فـيه، ولا تضادّ، كما: ٢٣١٧٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: اللّه نَزّلَ أحْسَنَ الـحَدِيثِ كِتابـا مُتَشابِها... الاَية تشبه الاَية، والـحرف يشبه الـحرف. ٢٣١٧٧ـ حدثنا مـحمّد قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ كِتابـا مُتَشابِها قال: الـمتشابه: يشبه بعضه بعضا. ٢٣١٧٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جُبَـير، فـي قوله: كِتابـا مُتَشابِها قال: يشبه بعضه بعضا، ويصدّق بعضه بعضا، ويدلّ بعضه علـى بعض. و قوله: مَثانِـيَ يقول: تُثْنَـي فـيه الأنبـاء والأخبـار والقضاء والأحكام والـحُجَج. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٧٩ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن عُلَـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن، فـي قوله: اللّه نَزّلَ أحْسَنَ الـحَدِيثِ كِتابـا مُتَشابِها مَثانِـيَ قال: ثنى اللّه فـيه القضاء، تكون السورة فـيها الاَية فـي سورة أخرى آية تشبهها، وسُئل عنها عكرمة. ٢٣١٨٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، قوله: كِتابـا مُتَشابِها مَثانِـيَ قال: فـي القرآن كله. ٢٣١٨١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة مَثانِـيَ قال: ثَنَى اللّه فـيه الفرائض، والقضاء، والـحدود. ٢٣١٨٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: مَثانِـيَ قال: كتاب اللّه مثانـي، ثَنَى فـيه الأمرَ مرارا. ٢٣١٨٣ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي، فـي قوله: مَثَانِـيَ قال: كتاب اللّه مثانـي، ثَنَى فـيه الأمر مرارا. حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: مَثَانِـيَ ثنى فـي غير مكان. ٢٣١٨٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: مَثانِـيَ مردّد، ردّد موسى فـي القرآن وصالـح وهود والأنبـياء فـي أمكنة كثـيرة. و قوله: تَقْشَعِر مِنْهُ جُلُودُ الّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهُمْ يقول تعالـى ذكره: تقشعرّ من سمَاعه إذا تُلـي علـيهم جلودُ الذين يخافون ربهم ثُمّ تَلِـينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلـى ذِكْرِ اللّه يعني إلـى العمل بـما فـي كتاب اللّه ، والتصديق به. وذُكر أن هذه الاَية نزلت علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أجل أن أصحابه سألوه الـحديث. ذكر الرواية بذلك: ٢٣١٨٥ـ حدثنا نصر بن عبد الرحمن الأَوْديّ، قال: حدثنا حَكام بن سلـم، عن أيوب بن موسى، عن عمرو الـمَلَئي عن ابن عباس ، قالوا: يا رسول اللّه لو حدثتنا؟ قال: فنزلت: اللّه نَزّلَ أحْسَنَ الـحَدِيثِ. ٢٣١٨٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن أيوب بن سيار أبـي عبد الرحمن، عن عمرو بن قـيس، قال: قالوا: يا نبـيّ اللّه ، فذكر مثله. ذلكَ هُدَى اللّه يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ يقول تعالـى ذكره: هذا الذي يصيب هؤلاء القوم الذين وصفت صفتهم عند سماعهم القرآن من اقشعرار جلودهم، ثم لـينها ولـين قلوبهم إلـى ذكر اللّه من بعد ذلك، هُدَى اللّه يعني : توفـيق اللّه إياهم وفّقهم له يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ يقول: يهدي تبـارك وتعالـى بـالقرآن من يشاء من عبـاده. وقد يتوجّه معنى قوله: ذلكَ هُدَى إلـى أن يكون ذلك من ذكر القرآن، فـيكون معنى الكلام: هذا القرآن بـيان اللّه يهدي به من يشاء، يوفق للإيـمان به من يشاء. و قوله: وَمَنْ يُضْلِلِ اللّه فَمَا لَهُ مِنْ هادٍ يقول تعالـى ذكره: ومن يخذلْه اللّه عن الإيـمان بهذا القرآن والتصديق بـما فـيه، فـيضله عنه، فَما له من هاد يقول: فما له من مُوَفّق له، ومسدد يسدده فـي اتبـاعه. ٢٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَفَمَن يَتّقِي بِوَجْهِهِ سُوَءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظّالِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ}. اختلف أهل التأويـل فـي صفة اتقاء هذا الضالّ بوجهه سُوء العذاب، فقال بعضهم: هو أن يُرْمَى به فـي جهنـم مكبوبـا علـى وجهه، فذلك اتقاؤه إياه. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٨٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: أَفَمَنْ يَتّقِـي بِوَجْهِهِ سُوءَ العَذَابِ قال: يَخِرّ علـى وجهه فـي النار، يقول: هو مثل أَفَمَنْ يُـلْقَـى فِـي النّارِ خَيْرٌ أمْ مَنْ يَأتِـي آمنا يَوْمَ القِـيامَةِ؟. وقال آخرون: هو أن ينطلق به إلـى النار مكتوفـا، ثم يرمَى به فـيها، فأوّل ما تـمسّ النار وجهه وهذا قول يُذكر عن ابن عباس من وجه كرهت أن أذكره لضعف سنده وهذا أيضا مـما ترك جوابه استغناء بدلالة ما ذكر من الكلام علـيه عنه. ومعنى الكلام: أفمن يتقـي بوجهه سوء العذاب يوم القـيامة خير، أم من ينعم فـي الـجنان؟. و قوله: وَقِـيـلَ للظّالِـمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُـمْ تَكْسِبُونَ يقول: ويقال يومئذٍ للظالـمين أنفسهم بإكسابهم إياها سخط اللّه . ذوقوا الـيوم أيها القوم وَبـالَ ما كنتـم فـي الدنـيا تكسبون من معاصي اللّه . ٢٥و قوله: كَذّبَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يقول تعالـى ذكره: كذب الذين من قبل هؤلاء الـمشركين من قُريش من الأمـم الذين مضوا فـي الدهور الـخالـية رسلهم فَأتاهُمُ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعَرُونَ يقول: فجاءهم عذاب اللّه من الـموضع الذي لا يشعرون: أي لا يعلـمون بـمـجيئه منه. ٢٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَأَذَاقَهُمُ اللّه الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَلَعَذَابُ الاَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }. يقول تعالـى ذكره: فعجل اللّه لهؤلاء الأمـم الذين كذّبوا رسلهم الهوان فـي الدنـيا، والعذاب قبل الاَخرة، ولـم ينظِرهم إذ عتوا عن أمر ربهم وَلَعَذابُ الاَخِرَةِ أكْبَرُ يقول: ولعذاب اللّه إياهم فـي الاَخرة إذا أدخـلهم النار، فعذّبهم بها، أكبر من العذاب الذي عذّبهم به فـي الدنـيا، لو كانوا يعلـمون يقول: لو علـم هؤلاء الـمشركون من قريش ذلك. ٢٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنّاسِ فِي هَـَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلّ مَثَلٍ لّعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ }. يقول تعالـى ذكره: ولقد مثّلنا لهؤلاء الـمشركين بـاللّه من كلّ مثل من أمثال القرون للأمـم الـخالـية، تـخويفـا منّا لهم وتـحذيرا لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ يقول: لـيتذكروا فـينزجروا عما هم علـيه مقـيـمون من الكفر بـاللّه . ٢٨و قوله: قُرآنا عَرَبِـيّا يقول تعالـى ذكره: لقد ضربنا للناس فـي هذا القرآن من كلّ مثل قرآنا عربـيا غيرَ ذِي عِوَجٍ يعني : ذي لبس، كما: ٢٣١٨٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا رقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد قُرآنا عَرَبـيّا غيرَ ذِي عِوَجٍ: غير ذي لبس. ونصب قوله: قُرآنا عَرَبـيّا علـى الـحال من قوله: هذا القرآن، لأن القرآن معرفة، وقوله قُرآنا عَرَبِـيّا نكرة. و قوله: لَعَلّهُمْ يَتّقُونَ يقول: جعلنا قرآنا عربـيا إذ كانوا عربـا، لـيفهموا ما فـيه من الـمواعظ، حتـى يتقوا ما حذّرهم اللّه فـيه من بأسه وسطوته، فـينـيبوا إلـى عبـادته وإفراد الألوهة له، ويتبّرؤوا من الأنداد والاَلهة. ٢٩القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ضَرَبَ اللّه مَثَلاً رّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لّرَجُلٍ ...}. يقول تعالـى ذكره: مثّل اللّه مثلاً للكافر بـاللّه الذي يعبد آلهة شَتّـى، ويطيع جماعة من الشياطين، والـمؤمن الذي لا يعبُد إلا اللّه الواحد، يقول تعالـى ذكره: ضرب اللّه مثلاً لهذا الكافر رجلاً فـيه شركاء. يقول: هو بـين جماعة مالكين متشاكسين، يعني مختلفـين متنازعين، سيئة أخلاقهم، من قولهم: رجل شَكس: إذا كان سيىء الـخـلق، وكل واحد منهم يستـخدمه بقدر نصيبه ومِلْكه فـيه، ورجلاً سَلَـما لرجل، يقول: ورجلاً خُـلُوصا لرجل يعني الـمؤمن الـموحد الذي أخـلص عبـادته للّه، لا يعبد غيره ولا يدين لشيء سواه بـالربوبـية. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وَرَجُلاً سَلَـما فقرأ ذلك بعض قرّاء أهل مكة والبصرة: (وَرَجُلاً سالِـمَا) وتأوّلوه بـمعنى: رجلاً خالصا لرجل. وقد رُوي ذلك أيضا عن ابن عباس . ٢٣١٨٩ـ حدثنا أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا حجاج، عن هارون، عن جرير بن حازم، عن حميد، عن مـجاهد ، عن ابن عباس أنه قرأها: (سالِـمَا لِرَجُلٍ) يعني بـالألف، وقال: لـيس فـيه لأحد شيء. وقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة والكوفة: وَرَجُلاً سَلَـما لِرَجُلٍ بـمعنى: صلـحا. والصواب من القول فـي ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان، قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء، متقاربتا الـمعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب وذلك أن السّلَـم مصدر من قول القائل: سَلِـيـم فلان للّه سَلَـما بـمعنى: خَـلَص له خُـلوصا، تقول العرب: ربح فلان فـي تـجارته رِبْحا ورَبَحا، وسلم سِلْـما وسلم ا وسلامة، وأن السالـم من صفة الرجل، وسلم مصدر من ذلك. وأما الذي توهمه من رغب من قراءة ذلك سَلَـما من أن معناه صلـحا، فلا وجه للصلـح فـي هذا الـموضع، لأن الذي تقدم من صفة الاَخر، إنـما تقدّم بـالـخبر عن اشتراك جماعة فـيه دون الـخبر عن حربه بشيء من الأشياء، فـالواجب أن يكون الـخبر عن مخالفه بخـلوصه لواحد لا شريك له، ولا موضع للـخبر عن الـحرب والصلـح فـي هذا الـموضع. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٩٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: (رَجُلاً فِـيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سالِـما لِرَجُلٍ) قال: هذا مثل إله البـاطل وإله الـحقّ. ٢٣١٩١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ضَرَبَ اللّه مَثَلاً رَجُلاً فِـيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ قال: هذا الـمشرك تتنازعه الشياطين، لا يقرّبه بعضهم لبعض (وَرَجُلاً سالِـما لِرَجُلٍ) قال: هو الـمؤمن أخـلص الدعوة والعبـادة. ٢٣١٩٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس ، قوله: ضَرَبَ اللّه مَثَلاً رَجُلاً فِـيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ... إلـى قوله: بَلْ أكْثَرُهُمْ لا يَعْلَـمُونَ قال: الشركاء الـمتشاكسون: الرجل الذي يعبد آلهة شتـى كلّ قوم يعبدون إلها يرضونه ويكفرون بـما سواه من الاَلهة، فضرب اللّه هذا الـمثل لهم، وضرب لنفسه مثلاً، يقول: رجلا سَلِـمَ لرجل يقول: يعبدون إلها واحدا لا يختلفون فـيه. ٢٣١٩٣ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: ضَرَبَ اللّه مَثَلاً رَجُلاً فِـيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ قال: مثل لأوثانهم التـي كانوا يعبدون. ٢٣١٩٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: (ضَرَبَ اللّه مَثَلاً رَجُلاً فِـيهِ شُرَكاءُ مُتشاكِسُونَ وَرَجُلاً سالِـما لِرَجُلٍ) قال: أرأيت الرجل الذي فـيه شركاء متشاكسون كلهم سيىء الـخـلق، لـيس منهم واحد إلا تلقاه آخذا بطرف من مال لاستـخدامه أسواؤُهم، والذي لا يـملكه إلا واحد، فإنـما هذا مثل ضربه اللّه لهؤلاء الذين يعبدون الاَلهة، وجعلوا لها فـي أعناقهم حقوقا، فضربه اللّه مثلاً لهم، وللذي يعبده وحده هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الـحَمْدُ للّه بَلْ أكْثَرُهُمْ لا يَعْلَـمُونَ. وفـي قوله: (وَرَجُلاً سالِـمَا لِرَجُلٍ) يقول: لـيس معه شرك. و قوله: هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً يقول تعالـى ذكره: هل يستوي مثلُ هذا الذي يخدمُ جماعة شركاء سيئة أخلاقهم مختلفة فـيه لـخدمته مع منازعته شركاءه فـيه والذي يخدم واحدا لا ينازعه فـيه منازع إذا أطاعه عرف له موضع طاعته وأكرمه، وإذا أخطأ صفح له عن خطئه، يقول: فأيّ هذين أحسن حالاً وأروح جسما وأقلّ تعبـا ونصبـا؟ كما: ٢٣١٩٥ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عباس هَلْ يَسْتِويانِ مَثَلاً الـحَمْدَ للّه بَلْ أكْثَرُهُمْ لا يَعْلَـمُونَ يقول: من اختُلف فـيه خير، أم من لـم يُخْتلَف فـيه؟. و قوله: الـحَمْدِ للّه يقول: الشكر الكامل، والـحمدُ التامّ للّه وحده دون كلّ معبود سواه. و قوله: بَلْ أكْثَرُهُمْ لا يَعْلَـمُونَ يقول جل ثناؤه: وما يستوي هذا الـمشترك فـيه، والذي هو منفرد ملكه لواحد، بل أكثر هؤلاء الـمشركين بـاللّه لا يعلـمون أنهما لا يستويان، فهم بجهلهم بذلك يعبدون آلهة شتـى من دون اللّه . و قـيـل: هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً ولـم يقل: مثلـين لأنهما كلاهما ضُربـا مثلاً واحدا، فجرى الـمثل بـالتوحيد، كما قال جلّ ثناؤه: وَجَعَلْنا ابْنَ مَرْيَـمَ وأُمّهُ آيَةً إذ كان معناهما واحدا فـي الاَية. واللّه أعلـم. تابع : تفسير سورة الزمر ٣٠القول فـي تأويـل قوله تعالى{إِنّكَ مَيّتٌ وَإِنّهُمْ مّيّتُونَ}. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : إنك يا محمد ميت عن قليل، وإن هؤلاء المكذّبيك من قومك والمؤمنين منهم ميتون ثُمّ إنّكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ يقول: ثم إن جميعكم المؤمنين والكافرين يوم القيامة عند ربكم تختصمون فيأخذ للمظلوم منكم من الظالم، ويفصل بين جميعكم بالحقّ. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: عنى به اختصام المؤمنين والكافرين، واختصام المظلوم والظالم. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٩٦ـ حدثنا عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس ، في ٣١قوله: ثُمّ إنّكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ يقول: يخاصم الصادق الكاذب، والمظلوم الظالم، والمهتدي الضالّ، والضعيف المستكبر. ٢٣١٩٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ثُمّ إنّكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ قال: أهل الإسلام وأهل الكفر. ٢٣١٩٨ـ حدثني ابن البرقي، قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال: حدثنا ابن الدراوردي، قال: ثني محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب بن الزبير، قال: لما نزلت هذه الاَية: إنّكَ مَيّتٌ وإنّهُمْ مّيّتُونَ ثُمّ إنّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ قال الزبير: يا رسول اللّه ، أينكر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب؟ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (نَعَمْ حتى يُوءَدّى إلى كُلّ ذي حَقَ حَقّهُ) . وقال آخرون: بل عُني بذلك اختصام أهل الإسلام. ذكر من قال ذلك: ٢٣١٩٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، عن ابن عمر، قال: نزلت علينا هذه الاَية وما ندري ما تفسيرها حتى وقعت الفتنة، فقلنا: هذا الذي وعدنا ربّنا أن نختصم فيه ثُمّ إنّكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ. ٢٣٢٠٠ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا ابن عون، عن إبراهيم، قال: لما نزلت: إنكَ مَيّتٌ وإنّهُمْ مَيّتُونَ ثُمّ إنّكُمْ... الاَية، قالوا: ما خصومتنا بيننا ونحن إخوان، قال: فلما قُتل عثمان بن عفان، قالوا: هذه خصومتنا بيننا. ٢٣٢٠١ـ حُدثت عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، في قوله ثُمّ إنّكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ قال: هم أهل القبلة. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: عُني بذلك: إنك يا محمد ستموت، وإنكم أيها الناس ستموتون، ثم إن جميعكم أيها الناس تختصمون عند ربكم، مؤمنكم وكافركم، ومحقوكم ومبطلوكم، وظالموكم ومظلوموكم، حتى يؤخذ لكلّ منكم ممن لصاحبه قبله حق حقّه. وإنما قلنا هذا القول أولى بالصواب لأن اللّه عمّ ب قوله: ثُمّ إنّكُمْ يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ رَبّكُمْ تَخْتَصِمُونَ خطاب جميع عباده، فلم يخصص بذلك منهم بعضا دون بعض، فذلك على عمومه على ما عمه اللّه به وقد تنزل الاَية في معنى، ثم يكون داخلاً في حكمها كلّ ما كان في معنى ما نزلت به. ٣٢و قوله: فَمَنْ أظْلَمُ مِمّنْ كَذَبَ عَلى اللّه وكَذّبَ بالصّدْقِ إذْ جاءَهُ يقول تعالى ذكره: فمن من خلق اللّه أعظم فرية ممن كذب على اللّه ، فادّعى أن له ولدا وصاحبه، أو أنه حرّم ما لم يحرمه من المطاعم وكَذّبَ بالصّدْقِ إذْ جاءَهُ يقول: وكذّب بكتاب اللّه إذ أنزله على محمد، وابتعثه اللّه به رسولاً، وأنكر قول لا إله إلا اللّه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٠٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وكَذّبَ بالصّدْق إذ جاءَهُ: أي بالقرآن و قوله: ألَيْسَ فِي جَهَنّمَ مَثْوًى للْكافِرِينَ يقول تبارك وتعالى: أليس في النار مأوى ومسكن لمن كفر باللّه ، وامتنع من تصديق محمد صلى اللّه عليه وسلم ، واتباعه على ما يدعوه إليه مما أتاه به من عند اللّه من التوحيد، وحكم القرآن؟ ٣٣القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالّذِي جَآءَ بِالصّدْقِ وَصَدّقَ بِهِ أُوْلَـَئِكَ هُمُ الْمُتّقُونَ }. اختلف أهل التأويل في الذي جاء بالصدق وصدّق به، وما ذلك، فقال بعضهم: الذي جاء بالصدق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . قالوا: والصدق الذي جاء به: لا إله إلا اللّه ، والذي صدّق به أيضا، هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٠٣ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ يقول: من جاء بلا إله إلا اللّه وَصَدّقَ بِهِ يعني : رسوله. وقال آخرون: الذي جاء بالصدق: رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، والذي صدّق به: أبو بكر رضي اللّه عنه. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٠٤ـ حدثني أحمد بن منصور، قال: حدثنا أحمد بن مصعد المروزي، قال: حدثنا عمر بن إبراهيم بن خالد، عن عبد الملك بن عمير، عن أسيد بن صفوان، عن عليّ رضي اللّه عنه، في قوله: وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ قال: محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وصدّق به، قال: أبو بكر رضي اللّه عنه. وقال آخرون: الذي جاء بالصدق: رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، والصدق: القرآن، والمصدقون به: المؤمنون. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٠٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ قال: هذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جاء بالقرآن، وصدّق به المؤمنون. ٢٣٢٠٦ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وصدّق به المسلمون. وقال آخرون: الذي جاء بالصدق جبريل، والصدق: القرآن الذي جاء به من عند اللّه ، وصدّق به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٠٧ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ وصَدّقَ بِهِ محمد صلى اللّه عليه وسلم . وقال آخرون: الذي جاء بالصدق: المؤمنون، والصدق: القرآن، وهم المصدّقون به. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٠٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد قوله: وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ وَصَدّقَ بِهِ قال: الذين يجيئون بالقرآن يوم القيامة، فيقولون: هذا الذي أعطيتمونا فاتبعنا ما فيه. قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ وَصَدّقِ بِهِ قال: هم أهل القرآن يجيئون به يوم القيامة يقولون: هذا الذي أعطيتمونا، فاتبعنا ما فيه. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن اللّه تعالى ذكره عنى ب قوله: وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ وَصَدّقَ بِهِ كلّ من دعا إلى توحيد اللّه ، وتصديق رسله، والعمل بما ابتعث به رسوله صلى اللّه عليه وسلم من بين رسل اللّه وأتباعه والمؤمنين به، وأن يقال: الصدق هو القرآن، وشهادة أن لا إله إلا اللّه ، والمصدّق به: المؤمنون بالقرآن، من جميع خلق اللّه كائنا من كان من نبيّ اللّه وأتباعه. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن قوله تعالى ذكره: وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ وَصَدّقَ بِهِ عُقيب قوله: فَمَنْ أظْلَمُ مِمّنْ كَذَبَ على اللّه ، وَكَذّبَ بالصّدْقِ إذْ جاءَهُ وذلك ذمّ من اللّه للمفترين عليه، المكذّبين بتنزيله ووحيه، الجاحدين وحدانيته، فالواجب أن يكون عقيب ذلك مدح من كان بخلاف صفة هؤلاء المذمومين، وهم الذين دعوهم إلى توحيد اللّه ، ووصفه بالصفة التي هو بها، وتصديقهم بتنزيل اللّه ووحيه، والذي كانوا يوم نزلت هذه الاَية، رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه ومن بعدهم، القائمون في كل عصر وزمان بالدعاء إلى توحيد اللّه ، وحكم كتابه، لأن اللّه تعالى ذكره لم يخصّ وصفه بهذه الصفة التي في هذه الاَية على أشخاص بأعيانهم، ولا على أهل زمان دون غيرهم، وإنما وصفهم بصفة، ثم مدحهم بها، وهي المجيء بالصدق والتصديق به، فكل من كان كذلك وصفه فهو داخل في جملة هذه الاَية إذا كان من بني آدم. ومن الدليل على صحة ما قلنا أن ذلك كذلك في قراءة ابن مسعود: (والّذِينَ جاءُوا بالصدْقِ وصدّقُوا بِهِ) فقد بين ذلك من قراءته أن الذي من قوله وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ لم يعن بها واحد بعينه، وأنه مراد بها جِمَاعٌ ذلك صفتهم، ولكنها أخرجت بلفظ الواحد، إذ لم تكن مؤقتة. وقد زعم بعض أهل العربية من البصريين، أن (الذي) في هذا الموضع جُعل في معنى جماعة بمنزلة (مَن) . ومما يؤيد ما قلنا أيضا قوله: أُولَئِكَ هُمُ المُتّقُونَ فجُعل الخبر عن (الذي) جماعا، لأنها في معنى جماع. وأما الذين قالوا: عني ب قوله: وَصَدّقَ بِهِ: غير الذي جاء بالصدق، فقول بعيد من المفهوم، لأن ذلك لو كان كما قالوا لكان التنزيل: والذي جاء بالصدق، والذي صدق به أولئك هم المتقون فكانت تكون (الذي) مكرّرة مع التصديق، ليكون المصدق غير المصدق فأما إذا لم يكرّر، فإن المفهوم من الكلام، أن التصديق من صفة الذي جاء بالصدق، لا وجه للكلام غير ذلك. وإذا كان ذلك كذلك، وكانت (الذي) في معنى الجماع بما قد بيّنا، كان الصواب من القول فـي تأويـله ما بَيّنا. و قوله: أُولَئِكَ هُمُ المُتّقُونَ يقول جلّ ثناؤه: هؤلاء الذين هذه صفتهم، هم الذين اتقوا اللّه بتوحيده والبراءة من الأوثان والأنداد، وأداء فرائضه، واجتناب معاصيه، فخافوا عقابه، كما: ٢٣٢٠٩ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، أُولَئِكَ هُمُ المُتّقُونَ يقول: اتقوا الشرك. ٣٤و قوله: لَهُمْ ما يَشاءُونَ عِنْدَ رَبّهِمْ يقول تعالى ذكره: لهم عند ربهم يوم القيامة، ما تشتهيه أنفسهم، وتلذّه أعينهم ذلكَ جَزَاءُ المُحْسِنِينَ يقول تعالى ذكره: هذا الذي لهم عند ربهم، جزاء من أحسن في الدنيا فأطاع اللّه فيها، وأتمر لأمره، وانتهى عما نهاه فيها عنه. ٣٥القول فـي تأويـل قوله تعالى: {لِيُكَـفّرَ اللّه عَنْهُمْ أَسْوَأَ الّذِي عَمِلُواْ وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الّذِي كَـانُواْ يَعْمَلُونَ }. يقول تعالى ذكره: وجزى هؤلاء المحسنين ربهم بإحسانهم، كي يكفر عنهم أسوأ الذي عملوا في الدنيا من الأعمال، فيما بينهم وبين ربهم، بما كان منهم فيها من توبة وإنابة مما اجترحوا من السيئات فيها ويَجْزِيهُمْ أجْرَهُمْ يقول: ويثيبهم ثوابهم بأحْسَنِ الّذي كانُوا في الدنيا يَعْمَلُونَ مما يرضى اللّه عنهم دون أسوئها، كما: ٢٣٢١٠ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وَالّذِي جاءَ بالصّدْقِ وَصَدّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ المُتّقُونَ: ألهم ذنوب، أي ربّ نعم لَهُمْ فيها ما يَشاءُونَ عِنْدَ رَبّهِمْ ذلكَ جَزَاءُ المُحْسِنِينَ لِيُكَفّرَ اللّه عَنْهُمْ أسْوَأَ الّذِي عَمِلُوا ويَجْزيَهُم أجْرَهُمْ بأحْسَنِ الّذي كانُوا يَعْمَلُونَ، وقرأ: إنّما المُوءْمِنُونَ الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّه وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ... إلى أن بلغ وَمَغْفِرَةٌ لئلا ييأس من لهم الذنوب أن لا يكونوا منهم وَرِزْقٌ كَرِيمٌ، وقرأ: إنّ المْسُلمينَ والمُسْلِمات... إلى آخر الاَية. ٣٦القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللّه بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوّفُونَكَ بِالّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْـلِلِ اللّه فَمَا لَهُ مِنْ هَـادٍ}. اختلفت القرّاء في قراءة: ألَيْسَ اللّه بكافٍ عَبْدَهُ فقرأ ذلك بعض قراء المدينة وعامة قرّاء أهل الكوفة: (ألَيْسَ اللّه بكافٍ عِبادَهُ) على الجماع، بمعنى: أليس اللّه بكاف محمدا وأنبياءه من قبله ما خوفتهم أممهم من أن تنالهم آلهتهم بسوء وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة، وبعض قرّاء الكوفة: بكافَ عَبْدَهُ على التوحيد، بمعنى: أليس اللّه بكاف عبده محمدا. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان في قَرَأةِ الأمصار. فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب لصحة مَعْنَيَيْهَما واستفاضة القراءة بهما في قَرَأةِ الأمصار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢١١ـ حدثني محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السدّيّ ألَيْسَ اللّه بكافٍ عِبدَهُ يقول: محمد صلى اللّه عليه وسلم . ٢٣٢١٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ألَيْسَ اللّه بِكافٍ عَبدَهُ قال: بلى، واللّه ليكفينه اللّه ويعزّه وينصره كما وعده. و قوله: ويُخَوّفُونَكَ بالّذِينَ مِنْ دُونِهِ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : ويخوّفك هؤلاء المشركون يا محمد بالذين من دون اللّه من الأوثان والاَلهة أن تصيبك بسوء، ببراءتك منها، وعيبك لها، واللّه كافيك ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢١٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ويُخَوّفُونَكَ بالّذِينَ مِنْ دُونِهِ الاَلهة، قال: بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خالد بن الوليد إلى شعب بسُقام ليكسر العزّى، فقال سادِنُها، وهو قيّمها: يا خالد أنا أحذّركها، إن لها شدّة لا يقوم إليها شيء، فمشى إليها خالد بالفأس فهشّم أنفها. ٢٣٢١٤ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ ويُخَوفُونَكَ بالّذِينَ مِنَ دُونِهِ يقول: بآلهتهم التي كانوا يعبدون. ٢٣٢١٥ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ويُخَوّفُونَكَ بالّذِينَ مِنْ دُونِهِ قال: يخوّفونك بآلهتهم التي من دونه. ٣٧و قوله: وَمَنْ يُضْلِلِ اللّه فَمَا لَهُ مِنْ هاد يقول تعالى ذكره: ومن يخذله اللّه فيضلّه عن طريق الحق وسبيل الرشد، فما له سواه من مرشد ومسدّد إلى طريق الحقّ، وموفّق للإيمان باللّه ، وتصديق رسوله، والعمل بطاعته وَمَنْ يَهْدِ اللّه فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلّ يقول: ومن يوفّقه اللّه للإيمان به، والعمل بكتابه، فما له من مضلّ، يقول: فما له من مزيغ يزيغه عن الحقّ الذي هو عليه إلى الارتداد إلى الكفر ألَيسَ اللّه بعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ يقول جل ثناؤه: أليس اللّه يا محمد بعزيز في انتقامه من كفرة خلقه، ذي انتقام من أعدائه الجاحدين وحدانيته. ٣٨القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مّنْ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ...}. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين العادلين باللّه الأوثان والأصنام: مَنْ خلق السموات والأرض؟ ليقولنّ: الذي خلقهنّ اللّه فإذا قالوا ذلك، فقل: أفرأيتم أيها القوم هذا الذي تعبدون من دون اللّه من الأصنام والاَلهة إنْ أرَادَنِي اللّه بِضُرَ يقول: بشدة في معيشتي، هل هنّ كاشفات عني ما يصيبني به ربي من الضر؟ أوْ أرَادَنِي بِرَحْمَةٍ يقول: إن أرادني ربي أن يصيبني سعة في معيشتي، وكثرة مالي، ورخاء وعافية في بدني، هل هن ممسكات عني ما أراد أن يصيبني به من تلك الرحمة؟ وترك الجواب لاستغناء السامع بمعرفة ذلك، ودلالة ما ظهر من الكلام عليه. والمعنى: فإنهم سيقولون لا، فقل: حسبي اللّه مما سواه من الأشياء كلها، إياه أعبد، وإليه أفزع في أموري دون كلّ شيء سواه، فإنه الكافي، وبيده الضرّ والنفع، لا إلى الأصنام والأوثان التي لا تضر ولا تنفع، عَلَيْه يَتَوَكّلُ المُتَوَكّلُونَ يقول: على اللّه يتوكل من هو متوكل، وبه فليثق لا بغيره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢١٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَلَئِنْ سألْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السّمَوَاتِ والأرْضَ لَيَقُولُنّ اللّه حتى بلغ كاشِفاتُ ضُرّهِ يعني : الأصنام أوْ أرَادَنِي برَحْمَةٍ هَلْ هُنّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ. واختلفت القراء في قراءة كاشِفاتُ ضُرّهِ و مُمْسِكاتُ رَحْمَتِه، فقرأه بعضهم بالإضافة وخفض الضر والرحمة، وقرأه بعض قراء المدينة وعامة قرّاء البصرة بالتنوين، ونصب الضر والرحمة. والصواب من القول في ذلك عندنا، أنهما قراءتان مشهورتان، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب، وهو نظير قوله: كَيْد الكافِرينَ في حال الإضافة والتنوين. ٣٩القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قُلْ يَقَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَىَ مَكَانَتِكُـمْ إِنّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ}. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : قل يا محمد لمشركي قومك، الذي اتخذوا الأوثان والأصنام آلهة يعبدونها من دون اللّه اعملوا أيها القوم على تمكنكم من العمل الذي تعملون ومنازلكم، كما: ٢٣٢١٧ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: عَلى مَكانَتِكُمْ قال: على ناحيتكم إنّي عامِلٌ كذلك على تؤدة على عمل من سلف من أنبياء اللّه قبلي فَسَوْفَ تَعْلَمونَ إذا جاءكم بأس اللّه ، من المحقّ منا من المبطل، والرشيد من الغويّ. ٤٠و قوله: مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يقول تعالى ذكره: من يأتيه عذاب يخزيه، ما أتاه من ذلك العذاب، يعني : يذلّه ويهينه وَيحِلّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ يقول: وينزل عليه عذاب دائم لا يفارقه. ٤١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إِنّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنّـاسِ بِالْحَقّ ...}. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : إنا أنزلنا عليك يا محمد الكتاب تبيانا للناس بالحقّ فَمَن اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ يقول: فمن عمل بما في الكتاب الذي أنزلناه إليه واتبعه فلنفسه، يقول: فإنما عمل بذلك لنفسه، وإياها بغى الخير لا غيرها، لأنه أكسبها رضا اللّه والفوز بالجنة، والنجاة من النار. وَمَنْ ضَلّ يقول: ومن جار عن الكتاب الذي أنزلناه إليك، والبيان الذي بيّناه لك، فضل عن قصد المحجة، وزال عن سواء السبيل، فإنما يجوز على نفسه، وإليها يسوق العطب والهلاك، لأنه يكسبها سخط اللّه ، وأليم عقابه، والخزي الدائم. وَما أنْتَ عَلَيْهِمْ بوَكِيل يقول تعالى ذكره: وما أنت يا محمد على من أرسلتك إليه من الناس برقيب ترقب أعمالهم، وتحفظ عليهم أفعالهم، إنما أنت رسول، وإنما عليك البلاغ، وعلينا الحساب، كما: ٢٣٢١٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَما أنْتَ عَلَيْهِمْ بوَكِيلٍ أي بحفيظ. ٢٣٢١٩ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: وَما أنْتَ عَلَيْهِمْ بوَكِيلٍ قال: بحفيظ. ٤٢القول فـي تأويـل قوله تعالى: {اللّه يَتَوَفّى الأنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا ...}. يقول تعالى ذكره: ومن الدلالة على أن الألوهة للّه الواحد القهار خالصة دون كلّ ما سواه، أنه يميت ويحيي، ويفعل ما يشاء، ولا يقدر على ذلك شيء سواه فجعل ذلك خبرا نبههم به على عظيم قُدرته، فقال: اللّه يَتَوَفّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِها فيقبضها عند فناء أجلها، وانقضاء مدة حياتها، ويتوفى أيضا التي لم تمت في منامها، كما التي ماتت عند مماتها فَيُمْسِكُ التي قَضَى عَلَيْها المَوْتَ. ذُكر أن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام، فيتعارف ما شاء اللّه منها، فإذا أراد جميعها الرجوع إلى أجسادها أمسك اللّه أرواح الأموات عنده وحبسها، وأرسل أرواح الأحياء حتى ترجع إلى أجسادها إلى أجل مسمى وذلك إلى انقضاء مدة حياتها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٢٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جُبير، في قوله: اللّه يَتَوَفّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها... الاَية. قال: يجمع بين أرواح الأحياء، وأرواح الأموات، فيتعارف منها ما شاء اللّه أن يتعارف، فيمسك التي قضى عليها الموت، ويُرسل الأخرى إلى أجسادها. ٢٣٢٢١ـ حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: اللّه يَتَوَفّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها قال: تقبض الأرواح عند نيام النائم، فتقبض روحه في منامه، فتلقى الأرواح بعضها بعضا: أرواح الموتى وأرواح النيام، فتلتقي فتساءل، قال: فيخلّي عن أرواح الأحياء، فترجع إلى أجسادها، وتريد الأخرى أن ترجع، فيحبس التي قضى عليها الموت، ويرسِلُ الأخرى إلى أجل مسمى، قال: إلى بقية آجالها. ٢٣٢٢٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: اللّه يَتَوَفّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتها والتي لَمْ تَمُتْ فِي منَامِها قال: فالنوم وفاة فَيُمْسِكُ التي قَضَى عَلَيْها المَوْتَ ويُرْسِلُ الأُخْرَى التي لم يقبضها إلى أجَلٍ مُسَمّى. و قوله: إنّ فِي ذلكَ لاَياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ يقول تعالى ذكره: إن في قبض اللّه نفس النائم والميت وإرساله بعدُ نَفْسَ هذا ترجع إلى جسمها، وحبسه لغيرها عن جسمها لعبرةً وعظة لمن تفكر وتدبر، وبيانا له أن اللّه يحيي من يشاء من خلقه إذا شاء، ويميت من شاء إذا شاء. ٤٣القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَمِ اتّخَذُواْ مِن دُونِ اللّه شُفَعَآءَ قُلْ أَوَلَوْ كَـانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلاَ يَعْقِلُونَ}. يقول تعالى ذكره: أم اتخذ هؤلاء المشركون باللّه من دونه آلهتهم التي يعبدونها شفعاء تشفع لهم عند اللّه في حاجاتهم. و قوله: قُلْ أوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئا وَلا يَعْقِلُونَ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : ٤٤قل يا محمد لهم: أتتخذون هذه الاَلهة شفعاء كما تزعمون ولو كانوا لا يملكون لكم نفعا ولا ضرا، ولا يعقلون شيئا، قل لهم: إن تكونوا تعبدونها لذلك، وتشفع لكم عند اللّه ، فأخلصوا عبادتكم للّه، وأفردوه بالألوهة، فإن الشفاعة جميعا له، لا يشفع عنده إلا من أذن له، ورضي له قولاً، وأنتم متى أخلصتم له العبادة، فدعوتموه، وشفعكم لهُ ملكُ السمواتِ والأرض، يقول: له سلطان السموات والأرض ومُلكها، وما تعبدون أيها المشركون من دونه له يقول: فاعبدوا الملك لا المملوك الذي لا يملك شيئا. ثُمّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ يقول: ثم إلى اللّه مصيركم، وهو معاقبكم على إشراككم به، إن متم على شرككم. ومعنى الكلام: للّه الشفاعة جميعا، له مُلك السموات والأرض، فاعبدوا المالك الذي له مُلك السموات والأرض، الذي يقدر على نفعكم في الدنيا، وعلى ضرّكم فيها، وعند مرجعكم إليه بعد مماتكم، فإنكم إليه ترجعون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٢٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة أمِ اتّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّه شُفَعاء الاَلهة قُلْ أوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئا الشفاعة. ٢٣٢٢٤ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: قُلْ للّه الشّفاعَةُ جَمِيعا قال: لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه. ٤٥القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللّه وَحْدَهُ اشْمَأَزّتْ قُلُوبُ الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }. يقول تعالى ذكره: وإذا أفرد اللّه جل ثناؤه بالذكر، فدعي وحده، وقيل لا إله إلا اللّه ، اشمأزّت قلوب الذين لا يؤمنون بالمعاد والبعث بعد الممات. وعني ب قوله: اشْمأَزّتْ: نفرت من توحيد اللّه . وَإذَا ذُكِرَ الّذِينَ مِنْ دُونِهِ يقول: وإذا ذُكر الاَلهة التي يدعونها من دون اللّه مع اللّه ، ف قيل: تلك الغرانيق العُلى، وإن شفاعتها لترتجى، إذا الذين لا يؤمنون بالاَخرة يستبشرون بذلك ويفرحون، كما: ٢٣٢٢٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَإذَا ذُكِرَ اللّه وَحْدَهُ اشْمأَزّتْ قُلُوبُ الّذِينَ لا يُوءْمِنُونَ بالاَخِرَة: أي نفرت قلوبهم واستكبرت وَإذَا ذُكِرَ الّذِينَ مِنْ دُونِهِ الاَلهة إذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. ٢٣٢٢٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: اشمأَزّتْ قال: انقبضت، قال: وذلك يوم قرأ عليهم (النجم) عند باب الكعبة. ٢٣٢٢٧ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ قوله: اشْمأزّتْ قال: نفرت وَإذَا ذُكِرَ الّذِينَ مِنْ دُونِهِ أوثانهم. ٤٦القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قُلِ اللّه مّ فَاطِرَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : قل يا محمد، اللّه خالق السموات والأرض عالمَ الغَيْبِ والشّهادَةِ الذي لا تراه الأبصار، ولا تحسه العيون والشهادة الذي تشهده أبصار خلقه، وتراه أعينهم أنْتَ تَحْكُمُ بينَ عِبادِكَ فتفصل بينهم بالحقّ يوم تجمعهم لفصل القضاء بينهم فيما كانُوا فِيهِ في الدنيا يَخْتَلِفُونَ من القول فيك، وفي عظمتك وسلطانك، وغير ذلك من اختلافهم بينهم، فتقضي يومئذ بيننا وبين هؤلاء المشركين الذين إذا ذكرت وحدك اشمأزّت قلوبهم، وإذا ذكر مَنْ دونك استبشروا بالحقّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٢٨ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: فاطِرَ السّمَوَاتِ والأرْضِ فاطر: قال خالق. وفي قوله عالِمَ الغَيْبِ قال: ما غاب عن العباد فهو يعلمه، وَالشّهادَةِ: ما عرف العباد وشهدوا، فهو يعلمه. ٤٧القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَلَوْ أَنّ لِلّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً ...}. يقول تعالى ذكره: ولو أن لهؤلاء المشركين باللّه يوم القيامة، وهم الذين ظلموا أنفسهم ما فِي الأرْض جَمِيعا في الدنيا من أموالها وزينتها وَمِثْلَهُ مَعَهُ مضاعفا، فقبل ذلك منهم عوضا من أنفسهم، لفدوا بذلك كله أنفسهم عوضا منها، لينجو من سوء عذاب اللّه ، الذي هو معذّبهم به يومئذ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللّه يقول: وظهر لهم يومئذ من أمر اللّه وعذابه، الذي كان أعدّه لهم، ما لم يكونوا قبل ذلك يحتسبون أنه أعدّه لهم. ٤٨القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ سَيّئَاتُ مَا كَـسَبُواْ وَحَاقَ بِهِم مّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }. يقول تعالى ذكره: وظهر لهؤلاء المشركين يوم القيامة سَيّئاتُ ما كَسَبُوا من الأعمال في الدنيا، إذ أعطوا كتبهم بشمائلهم وَحاقَ بِهِمْ ما كانوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ووجب عليهم حينئذ، فلزمهم عذاب اللّه الذي كان نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الدنيا يعدهم على كفرهم بربهم، فكانوا به يسخرون، إنكارا أن يصيبهم ذلك، أو ينالهم تكذيبا منهم به، وأحاط ذلك بهم. ٤٩القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَإِذَا مَسّ الإِنسَانَ ضُرّ دَعَانَا ثُمّ إِذَا خَوّلْنَاهُ نِعْمَةً مّنّا ...}. يقول تعالى ذكره: فإذا أصاب الإنسان بؤس وشدّة دعانا مستغيثا بنا من جهة ما أصابه من الضرّ، ثُمّ إذَا خَوّلْناهُ نِعْمَةً مِنّا يقول: ثم إذا أعطيناه فرجا مما كان فيه من الضرّ، بأن أبدلناه بالضرّ رخاء وسعة، وبالسقم صحة وعافية، فقال: إنما أعطيت الذي أعطيت من الرخاء والسعة في المعيشة، والصحة في البدن والعافية، على علم عندي، يعني على علم من اللّه بأني له أهل لشرفي ورضاه بعملي (عندي) يعني : فيما عندي، كما يقال: أنت محسن في هذا الأمر عندي: أي فيما أظنّ وأحسب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
٢٣٢٢٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ثُمّ إذَا خَوّلْناهُ نِعْمَةً مِنّا حتى بلغ عَلى عِلْمِ عندي: أي على خير عندي. ٢٣٢٣٠ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إذَا خَوّلْناهُ نِعْمَةً مِنّا قال: أعطيناه. و قوله: أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ: أي على شرف أعطانيه. و قوله: بَلْ هَيَ فِتْنَةٌ يقول تعالى ذكره: بل عطيتنا إياهم تلك النعمة من بعد الضرّ الذي كانوا فيه فتنة لهم يعني بلاء ابتليناهم به، واختبارا اختبرناهم به وَلَكِنّ أكْثَرَهُمْ لجهلهم، وسوء رأيهم لا يَعْلَمُونَ لأي سبب أعطوا ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٣١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ: أي بلاء. ٥٠القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قَدْ قَالَهَا الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَآ أَغْنَىَ عَنْهُمْ مّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}. يقول تعالى ذكره: قد قال هذه المقالة يعني قولهم: لنعمة اللّه التي خولهم وهم مشركون: أوتيناه على علم عندنا الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني : الذي من قبل مشركي قُرَيش من الأمم الخالية لرسلها، تكذيبا منهم لهم، واستهزاء بهم. و قوله: فَمَا أغْنَى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسَبُونَ يقول: فلم يغن عنهم حين أتاهم بأس اللّه على تكذيبهم رسل اللّه واستهزائهم بهم ما كانوا يكسبون من الأعمال، وذلك عبادتهم الأوثان. يقول: لم تنفعهم خدمتهم إياها، ولم تشفع آلهتهم لهم عند اللّه حينئذ، ولكنها أسلمتهم وتبرأت منهم. ٥١و قوله: فأَصَابَهُمْ سَيّئاتُ ما كَسَبُوا يقول: فأصاب الذين قالوا هذه المقالة من الأمم الخالية، وبال سيئات ما كسبوا من الأعمال، فعوجلوا بالخزي في دار الدنيا، وذلك كقارون الذي قال حين وعظ إنّمَا أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي فَخَسَفَ اللّه بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُون اللّه وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرينَ يقول اللّه جل ثناؤه: وَالّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَولاَءِ يقول لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : والذين كفروا باللّه يا محمد من قومك، وظلموا أنفسهم وقالوا هذه المقالة سيُصِيبُهُمْ أيضا وبال سيّئَاتُ مَا كَسَبُوا كما أصاب الذين من قبلهم بقيلهموها وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ يقول: وما يفوتون ربهم ولا يسبقونه هربا في الأرض من عذابه إذا نزل بهم، ولكنه يصيبهم سُنّةَ اللّه فِي الّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِد لِسُنةِ اللّه تَبْدِيلاً ففعل ذلك بهم، فأحلّ بهم خزيه في عاجل الدنيا فقتلهم بالسيف يوم بدر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٣٢ـ حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي قَدْ قَالَها الّذِينَ مِنَ قَبْلِهِمْ الأمم الماضية وَالّذِينَ ظَلَمُوا من هؤلاء، قال: من أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم . ٥٢القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَعْلَمُوَاْ أَنّ اللّه يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }. يقول تعالى ذكره: أو لم يعلم يا محمد هؤلاء الذين كشفنا عنهم ضرهم، فقالوا: إنما أوتيناه على علم منا، أن الشدة والرخاء والسعة والضيق والبلاء بيد اللّه ، دون كلّ من سواه، يبسط الرزق لمن يشاء، فيوسعه عليه، ويقدر ذلك على من يشاء من عباده، فيضيقه، وأن ذلك من حجج اللّه على عباده، ليعتبروا به ويتذكروا، ويعلموا أن الرغبة إليه والرهبة دون الاَلهة والأنداد. إنّ فِي ذلك لاَياتٍ يقول: إن في بسط اللّه الرزق لمن يشاء، وتقتيره على من أراد الاَيات، يعني : دلالات وعلامات لِقَوْمٍ يُوءْمِنُونَ يعني : يصدّقون بالحقّ، فيقرّون به إذا تبيّنوه وعلموا حقيقته أن الذي يفعل ذلك هو اللّه دون كل ما سواه. ٥٣القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قُلْ يَعِبَادِيَ الّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىَ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رّحْمَةِ اللّه إِنّ اللّه يَغْفِرُ الذّنُوبَ جَمِيعاً إِنّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ }. اختلف أهل التأويل في الذين عُنُوا بهذه الاَية، فقال بعضهم: عني بها قوم من أهل الشرك، قالوا لما دعوا إلى الإيمان باللّه : كيف نؤمن وقد أشركنا وزنينا، وقتلنا النفس التي حرّم اللّه ، واللّه يعد فاعل ذلك النار، فما ينفعنا مع ما قد سلف منا الإيمان، فنزلت هذه الاَية. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٣٣ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس : قُل يا عِبادِيَ الّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّه وذلك أن أهل مكة قالوا: يزعم محمد أنه من عبد الأوثان، ودعا مع اللّه إلها آخر، وقتل النفس التي حرّم اللّه لم يغفر له، فكيف نهاجر ونسلم، وقد عبدنا الاَلهة، وقتلنا النفس التي حرّم اللّه ونحن أهل الشرك؟ فأنزل اللّه : يا عِبادِيَ الّذِينَ أَسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّه يقول: لا تيأسوا من رحمتي، إن اللّه يغفر الذنوب جميعا وقال: وأنِيبُوا إلى رَبّكُمْ وأسْلِمُوا لَهُ وإنما يعاتب اللّه أولي الألباب وإنما الحلال والحرام لأهل الإيمان، فإياهم عاتب، وإياهم أمر إن أسرف أحدهم على نفسه، أن لا يقنط من رحمة اللّه ، وأن ينيب ولا يبطىء بالتوبة من ذلك الإسراف، والذنب الذي عمل وقد ذكر اللّه في سورة آل عمران المؤمنين حين سألوا اللّه المغفرة، فقالوا: رَبّنا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإسْرافَنا فِي أمْرِنا وَثَبّتْ أقْدَامَنا فينبغي أن يعلم أنهم قد كانوا يصيبون الإسراف، فأمرهم بالتوبة من إسرافهم. ٢٣٢٣٤ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول اللّه : الّذِينَ أَسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ قال: قتل النفس في الجاهلية. ٢٣٢٣٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسار، قال: نزلت هذه الاَيات الثلاث بالمدينة في وحشيّ وأصحابه يا عِبادِيَ الّذِينَ أَسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ إلى قوله: مِنْ قَبْلِ أنْ يَأْتِيكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وأنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ. ٢٣٢٣٦ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، قال: قال زيد بن أسلم، في قوله: يا عِبادِيَ الّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّه قال: إنما هي للمشركين. ٢٣٢٣٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يا عِبادِيَ الّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ حتى بلغ الذّنُوبَ جَمِيعا قال: ذكر لنا أن أناسا أصابوا ذنوبا عظاما في الجاهلية، فلما جاء الإسلام أشفقوا أن لا يُتاب عليهم، فدعاهم اللّه بهذه الاَية: يا عِبادِيَ الّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ. ٢٣٢٣٨ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ في قوله: يا عِبادِيَ الّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ قال: هؤلاء المشركون من أهل مكة، قالوا: كيف نجيبك وأنت تزعم أنه من زنى، أو قتل، أو أشرك بالرحمن كان هالكا من أهل النار؟ فكلّ هذه الأعمال قد عملناها فأنزلت فيهم هذه الاَية: يا عِبادِيَ الّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ. ٢٣٢٣٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يا عِبادِيَ الّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّه ... الاَية قال: كان قوم مسخوطين في أهل الجاهلية، فلما بعث اللّه نبيه قالوا: لو أتينا محمدا صلى اللّه عليه وسلم فآمنا به واتبعناه فقال بعضهم لبعض: كيف يقبلكم اللّه ورسوله في دينه؟ فقالوا: ألا نبعث إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجلاً؟ فلما بعثوا، نزل القرآن: قُل يا عِبادِيَ الّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّه فقرأ حتى بلغ: فأكُونَ مِنَ المُحْسِنِين. ٢٣٢٤٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن الشعبيّ، قال: تجالس شتير بن شكل ومسروق فقال شتير: إما أن تحدث ما سمعت من ابن مسعود فأصدّقك، وإما أن أحدّث فتصدّقني فقال مسروق: لا بل حدّث فأصدّقك، فقال: سمعت ابن مسعود يقول: إن أكبر آية فرجا في القرآن يا عِبادِيَ الّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّه فقال مسروق: صدقت. وقال آخرون: بل عُني بذلك أهل الإسلام، وقالوا: تأويل الكلام: إن اللّه يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء، قالوا: وهي كذلك في مصحف عبد اللّه ، وقالوا: إنما نزلت هذه الاَية في قوم صدّهم المشركون عن الهجرة وفتنوهم، فأشفقوا أن لا يكون لهم توبة. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٤١ـ حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأموي، عن ابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال يعني عمر: كنا نقول: ما لمن افتتن من توبة وكانوا يقولون ما اللّه بقابل منا شيئا، تركنا الإسلام ببلاء أصابنا بعد معرفته، فلما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم المدينة أنزل اللّه فيهم: يا عِبادِيَ الّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّه ... الاَية، قال عمر: فكتبتها بيدي، ثم بعثت بها إلى هشام بن العاص، قال هشام: فلما جاءتني جعلت أقرؤها ولا أفهمها، فوقع في نفسي أنها أنزلت فينا لما كنا نقول، فجلست على بعيري، ثم لحقت بالمدينة. ٢٣٢٤٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، قال: إنما أنزلت هذه الاَيات في عياش بن أبي ربيعة، والوليد بن الوليد، ونفر من المسلمين، كانوا أسلموا ثم فتنوا وعذّبوا، فافتنوا كنا نقول: لا يقبل اللّه من هؤلاء صرفا ولا عدلاً أبدا قوم أسلموا ثم تركوا دينهم بعذاب عُذّبوه، فنزلت هؤلاء الاَيات، وكان عمر بن الخطاب كاتبا قال: فكتبها بيده ثم بعث بها إلى عَيّاش بن أبي ربيعة، والوليد بن الوليد، إلى أولئك النفر، فأسلموا وهاجروا. ٢٣٢٤٣ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا يونس، عن ابن سيرين، قال: قال علي رضي اللّه عنه: أي آية في القرآن أوسع؟ فجعلوا يذكرون آيات من القرآن: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءا أوْ يظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمّ يَسْتَغْفِرِ اللّه يَجِدِ اللّه غَفُورا رَحِيما ونحوها، فقال علي: ما في القرآن آية أوسع من: يا عِبادِيَ الّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ... إلى آخر الاَية. ٢٣٢٤٤ـ حدثنا أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سعيد الأزدي، عن أبي الكنود، قال: دخل عبد اللّه المسجد، فإذا قاصّ يذكر النار والأغلال، قال: فجاء حتى قام على رأسه، فقال يا مذكّرُ أتقنط الناس يا عِبادِيَ الّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ... الاَية. ٢٣٢٤٥ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، عن القرظي أنه قال في هذه الاَية: يا عِبادِيَ الّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّه قال: هي للناس أجمعين. ٢٣٢٤٦ـ حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن أبي قنبل، قال: سمعت أبا عبد الرحمن المزني يقول: ثني أبو عبيد الرحمن الجلائي، أنه سمع ثوبان مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (ما أُحِبّ أنّ لي الدّنْيا وَما فِيها بهَذهِ الاَيَةِ) : يا عِبادِيَ الّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّه ... الاَية، فقال رجل: يا رسول اللّه ، ومن أشرك؟ فسكت النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ثم قال: (أَلا وَمَنْ أشْرَكَ، ألا وَمَنْ أشْرَكَ) ثلاث مَرّات. وقال آخرون: نزل ذلك في قوم كانوا يرون أهل الكبائر من أهل النار، فأعلمهم اللّه بذلك أنه يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٤٧ـ حدثني ابن البرقي، قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: حدثنا أبو معاذ الخراساني، عن مقاتل بن حيان، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كنا معشر أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نرى أو نقول: إنه ليس شيء من حسناتنا إلا وهي مقبولة، حتى نزلت هذه الاَية أطِيعُوا اللّه وأطِيعُوا الرّسُولَ وَلا تبْطِلوا أعْمالَكُمْ فلما نزلت هذه الاَية قلنا: ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا: الكبائر والفواحش، قال: فكنا إذا رأينا من أصاب شيئا منها قلنا: قد هلك، حتى نزلت هذه الاَية إنّ اللّه لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلكَ لِمَنْ يَشاءُ فلما نزلت هذه الاَية كففنا عن القول في ذلك، فكنا إذا رأينا أحدا أصاب منها شيئا خفنا عليه، وإن لم يصب منها شيئا رجونا له. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عني تعالى ذكره بذلك جميع من أسرف على نفسه من أهل الإيمان والشرك، لأن اللّه عمّ بقوله يا عِبادِيَ الّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ جميع المسرفين، فلم يخصص به مسرفا دون مسرف. فإن قال قائل: فيغفر اللّه الشرك؟ قيل: نعم إذا تاب منه المشرك. وإنما عني بقوله إنّ اللّه يَغْفِرُ الذنُوبَ جَمِيعا لمن يشاء، كما قد ذكرنا قبل، أن ابن مسعود كان يقرؤه: وأن اللّه قد استثنى منه الشرك إذا لم يتب منه صاحبه، فقال: إن اللّه لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فأخبر أنه لا يغفر الشرك إلا بعد توبة ب قوله: إلاّ مَنْ تابَ وآمَنَ وعَمِلَ صَالِحا فأما ما عداه فإن صاحبه في مشيئة ربه، إن شاء تفضل عليه، فعفا له عنه، وإن شاء عدل عليه فجازاه به. وأما قوله: لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّه فإنه يعني : لا تيأسوا من رحمة اللّه . كذلك: ٢٣٢٤٨ـ حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس . وقد ذكرنا ما في ذلك من الروايات قبل فيما مضى وبيّنا معناه. و قوله: إنّ اللّه يَغْفِرُ الذّنُوبَ جَمِيعا يقول: إن اللّه يستر على الذنوب كلها بعفوه عن أهلها وتركه عقوبتهم عليها إذا تابوا منها إنّهُ هُوَ الغَفُورُ الرّحِيمُ بهم، أن يعاقبهم عليها بعد توبتهم منها. ٥٤القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَأَنِـيبُوَاْ إِلَىَ رَبّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمّ لاَ تُنصَرُونَ}. يقول تعالى ذكره: وأقبلوا أيها الناس إلى ربكم بالتوبة، وارجعوا إليه بالطاعة له، واستجيبوا له إلى ما دعاكم إليه من توحيده، وإفراد الألوهة له، وإخلاص العبادة له، كما: ٢٣٢٤٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وأَنِيبُوا إلى رَبّكُمْ: أي أقبلوا إلى ربكم. ٢٣٢٥٠ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السدّي وأنِيبُوا قال: أجيبوا. ٢٣٢٥١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأَنِيبُوا إلى رَبّكُمْ قال: الإنابة: الرجوع إلى الطاعة، والنزوع عما كانوا عليه، ألا تراه يقول: مُنِيبِينَ إلَيْهِ وَاتّقُوهُ. و قوله: وأَسْلِمُوا لَهُ يقول: واخضعوا له بالطاعة والإقرار بالدين الحنيفي مِنْ قَبْلِ أنْ يأْتِيَكُمُ العَذابُ من عنده على كفركم به ثُمّ لا تُنْصَرُونَ يقول: ثم لا ينصركم ناصر، فينقذكم من عذابه النازل بكم. ٥٥و قوله: وَاتّبِعُوا أحْسَنَ ما أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ يقول تعالى ذكره: واتبعوا أيها الناس ما أمركم به ربكم في تنزيله، واجتنبوا ما نهاكم فيه عنه، وذلك هو أحسن ما أنزل إلينا من ربنا. فإن قال قائل: ومن القرآن شيء وهو أحسن من شيء؟ قيل له: القرآن كله حسن، وليس معنى ذلك ما توهمت، وإنما معناه: واتبعوا مما أنزل إليكم ربكم من الأمر والنهي والخبر، والمثل، والقصص، والجدل، والوعد، والوعيد أحسنه أن تأتمروا لأمره، وتنتهوا عما نهى عنه، لأن النهي مما أنزل في الكتاب، فلو عملوا بما نهوا عنه كانوا عاملين بأقبحه، فذلك وجهه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٥٢ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ واتّبِعُوا أحْسَن ما أنْزِل إلَيْكمْ مِنْ رَبّكُمْ يقول: ما أمرتم به في الكتاب مِنْ قَبْلِ أنْ يَأْتِيَكُمُ العَذابُ. و قوله: مِنْ قَبْلِ أنْ يَأْتِيَكُمُ العَذابُ بَغْتَةً يقول: من قبل أن يأتيكم عذاب اللّه فجأة وأنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ يقول: وأنتم لا تعلمون به حتى يغشاكم فجأة. ٥٦القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَحَسْرَتَا عَلَىَ مَا فَرّطَتُ فِي جَنبِ اللّه وَإِن كُنتُ لَمِنَ السّاخِرِينَ }. يقول تعالى ذكره: وأنيبوا إلى ربكم، وأسلموا له أنْ تَقُولَ نَفْسٌ بمعنى لئلا تقول نفس: يا حَسْرَتا على ما فَرّطْتُ في جَنْبِ اللّه ، وهو نظير قوله: وألْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسي أنْ تَمِيدَ بِكُمْ بمعنى: أن لا تميد بكم، فأن، إذ كان ذلك معناه، في موضع نصب. و قوله: يا حَسْرَتا يعني أن تقول: يا ندما، كما: ٢٣٢٥٣ـ حدثني محمد بن الحسين، قال: ثني أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، في قوله: يا حَسْرَتا قال: الندامة. والألف في قوله يا حَسْرَتا هي كناية المتكلم، وإنما أريد: يا حسرتي ولكن العرب تحوّل الياء في كناية اسم المتكلم في الاستغاثة ألفا، فتقول: يا ويلتا، ويا ندما، فيخرجون ذلك على لفظ الدعاء، وربما قيل: يا حسرة على العباد، كما قيل: يا لهف، ويا لهفا عليه وذكر الفراء أن أبا ثَرْوانَ أنشده: تَزُورُونَها وَلا أزُورُ نِساءَكُمْأَلَهْفِ لأَوْلادِ الإماء الحَوَاطِبِ خفضا كما يخفض في النداء إذا أضافه المتكلم إلى نفسه، وربما أدخلوا الهاء بعد هذه الألف، فيخفضونها أحيانا، ويرفعونها أحيانا وذكر الفراء أن بعض بني أسد أنشد: يا رَبّ يا رَبّاهِ إيّاكَ أَسَلْعَفْرَاءَ يا رَبّاهُ مِنْ قَبْلِ الأجَلْ خفضا، قال: والخفض أكثر في كلامهم، إلا في قولهم: يا هَناه، ويا هَنْتاه، فإن الرفع فيها أكثر من الخفض، لأنه كثير في الكلام، حتى صار كأنه حرف واحد. و قوله: على ما فَرّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه يقول: على ما ضيعت من العمل بما أمرني اللّه به، وقصرت في الدنيا في طاعة اللّه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٥٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهد، في قوله: يا حَسْرَتَا على ما فَرّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه يقول: في أمر اللّه . حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول اللّه : على ما فَرّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه قال: في أمر اللّه . ٢٣٢٥٥ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: على ما فَرّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه قال: تركت من أمر اللّه . و قوله: وَإنْ كُنْتُ لَمِنَ السّاخِرِينَ يقول: وإن كنت لمن المستهزئين بأمر اللّه وكتابه ورسوله والمؤمنين به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٥٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: أنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتا على ما فَرّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه وَإنْ كُنْتُ لَمِنَ السّاخِرِينَ قال: فلم يكفه أن ضيع طاعة اللّه حتى جعل يسخر بأهل طاعة اللّه ، قال: هذا قول صنف منهم. ٢٣٢٥٧ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ وَإنْ كُنْتُ لَمِنَ السّاخِرِينَ يقول: من المستهزئين بالنبي صلى اللّه عليه وسلم وبالكتاب، وبما جاء به. ٥٧القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنّ اللّه هَدَانِي لَكُـنتُ مِنَ الْمُتّقِينَ}. يقول تعالى ذكره: وأنيبوا إلى ربكم أيها الناس، وأسلموا له، أن لا تقول نفس يوم القيامة: يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللّه ، في أمر اللّه ، وأن لا تقول نفس أخرى: لو أن اللّه هداني للحقّ، فوفقني للرشاد لكنت ممن اتقاه بطاعته واتباع رضاه، أو أن لا تقول أخرى حين ترى عذاب اللّه فتعاينه لَوْ أنّ لي كَرّةً تقول: لو أن لي رجعة إلى الدنيا فأكُونَ مِنَ المُحْسِنينَ الذين أحسنوا في طاعة ربهم، والعمل بما أمرتهم به الرسل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٥٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة يا حَسْرَتا على ما فَرّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه ... الاَية، قال: هذا قول صنف منهم أوْ تَقُولَ لَوْ أنّ اللّه هَدَانِي... الاَية، قال: هذا قول صنف ٥٨آخر: أوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى العَذَابَ... الاَية، يعني بقوله لَوْ أنّ لي كَرّةً رجعة إلى الدنيا، قال: هذا صنف آخر. ٢٣٢٥٩ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: أنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتا على ما فَرّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه قال: أخبر اللّه ما العباد قائلوه قبل أن يقولوه، وعملهم قبل أن يعملوه، قال: وَلا يُنَبّئُكَ مِثْلُ خَبِيرً أنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتا على ما فَرّطْتُ فِي جَنْبِ اللّه أوْ تَقُولَ لَوْ أنّ اللّه هَدَانِي... إلى قوله: فأكُونَ مِنَ المُحْسِنينَ يقول: من المهتدين، فأخبر اللّه سبحانه أنهم لو رُدّوا لم يقدروا على الهدي، وقال: وَلَوْ رُدّوا لَعَادُوا لمَا نُهُوا عَنْهُ وَإنّهُمْ لَكَاذِبُونَ وقال: وَنُقَلّبُ أفْئِدَتِهُمْ وأبْصَارَهُمْ كما لم يؤمنوا به أول مرة، قال: ولو ردوا إلى الدنيا لحيل بينهم وبين الهدى، كما حلنا بينهم وبينه أول مرة وهم في الدنيا. وفي نصب قوله فأَكُونَ وجهان أحدهما: أن يكون نصبه على أنه جواب لو والثاني: على الرد على موضع الكرة، وتوجيه الكرة في المعنى إلى: لو أن لي أن أكر، كما قال الشاعر: فَما لَكَ مِنْها غيرُ ذِكْرى وَحَسْرَةٍوَتَسأَلَ عَنْ رُكْبانِها أيْنَ يَمّمُوا؟ فنصب تسأل عطفا بها على موضع الذكرى، لأن معنى الكلام: فمالك (...) بيرسلَ على موضع الوحي في قوله: إلاّ وَحْيا. ٥٩القول فـي تأويـل قوله تعالى: {بَلَىَ قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي فَكَذّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ }. يقول تعالى ذكره مكذبا للقائل: لَوْ أنّ اللّه هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ المُتّقِينَ، وللقائل: لَوْ أنّ لي كَرّةً فأكُونَ مِنَ المُحْسِنِينَ: ما القول كما تقولون بَلَى قَدْ جاءَتْكَ أيها المتمني على اللّه الرد إلى الدنيا لتكون فيها من المحسنين آياتِي يقول: قد جاءتك حججي من بين رسول أرسلته إليك، وكتاب أنزلته يتلى عليك ما فيه من الوعد والوعيد والتذكر فَكَذّبْتَ بآياتي واسْتَكْبَرْتَ عن قبولها واتباعها وكُنْتُ مِنَ الكافِرِينَ يقول: وكنت ممن يعمل عمل الكافرين، ويسنّ بسنتهم، ويتبع منهاجهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٦٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة : يقول اللّه ردّا لقولهم، وتكذيبا لهم، يعني لقول القائلين: لَوْ أنّ اللّه هَدانِي، والصنف الاَخر: بَلى قَدْ جاءَتْكَ إياتي... الاَية. وبفتح الكاف والتاء من قوله قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذّبْتَ على وجه المخاطبة للذكور، قرأه القرّاء في جميع أمصار الإسلام. وقد رُوي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قرأ ذلك بكسر جميعه على وجه الخطاب للنفس، كأنه قال: أن تقول نفس: يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللّه ، بلى قد جاءتكِ أيتها النفس آياتي، فكذّبتِ بها، أجرى الكلام كله على النفس، إذا كان ابتداء الكلام بها جرى، والقراءة التي لا أستجيز خلافها، ما جاءت به قرّاء الأمصار مجمعة عليه، نقلاً عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وهو الفتح في جميع ذلك. ٦٠القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللّه وُجُوهُهُم مّسْوَدّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنّمَ مَثْوًى لّلْمُتَكَبّرِينَ }. يقول تعالى ذكره: وَيَوْمَ القِيامَةِ تَرَى يا محمد هؤلاء الّذِينَ كَذَبُوا على اللّه من قومك فزعموا أن له ولدا، وأن له شريكا، وعبدوا آلهة من دونه وُجُوهُهُمْ مُسْوَدّةٌ والوجوه وإن كانت مرفوعة بمسودة، فإن فيها معنى نصب، لأنها مع خبرها تمام ترى، ولو تقدّم قوله مسودّة قبل الوجوه، كان نصبا، ولو نصب الوجوه المسودّة ناصب في الكلام لا في القرآن، إذا كانت المسودّة مؤخرة كان جائزا، كما قال الشاعر: ذَرِينِي إنّ أمْرَكِ لَنْ يُطاعَاوَما ألْفَيْتَنِي حِلْمِي مُضَاعَا فنصب الحلم والمضاع على تكرير ألفيتني، وكذلك تفعل العرب في كلّ ما احتاج إلى اسم وخبر، مثل ظنّ وأخواتها وفي (مسودّة) للعرب لغتان: مسودّة، ومسوادّة، وهي في أهل الحجاز يقولون فيما ذكر عنهم: قد اسوادّ وجهه، واحمارّ، واشهابّ. وذكر بعض نحويي البصرة عن بعضهم أنه قال: لا يكون أفعالّ إلا في ذي اللون الواحد نحو الأشهب، قال: ولا يكون في نحو الأحمر، لأن الأشهب لون يحدث، والأحمر لا يحدث. و قوله: ألَيْسَ فِي جَهَنّمَ مَثْوًى للْمُتَكَبّرِينَ يقول: أليس في جهنم مأوى ومسكن لمن تكبر على اللّه ، فامتنع من توحيده، وانتهاء إلى طاعته فيما أمره ونهاه عنه. ٦١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَيُنَجّي اللّه الّذِينَ اتّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسّهُمُ السّوَءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}. يقول تعالى ذكره: وينجي اللّه من جهنم وعذابها، الذين اتقوه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه في الدنيا، بمفازتهم: يعني بفوزهم، وهي مفعلة منه. وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل، وإن خالفت ألفاظ بعضهم اللفظة التي قلناها في ذلك ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٦١ـ حدثني محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، في قوله: وَيُنْجّي اللّه الّذِينَ اتّقُوا بِمفَازَتِهِمْ قال: بفضائلهم. ٢٣٢٦٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وَيُنْجّي اللّه الّذِينَ اتّقُوا بِمفَازَتِهِمْ قال: بأعمالهم، قال: والاَخرون يحملون أوزارهم يوم القيامة وَمِنْ أوْزَارِ الّذِينَ يُضِلّونَهُمْ بغَيرِ عِلْمٍ ألا ساءَ ما يَزِرُونَ. واختلفت القراء في ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة، وبعض قراء مكة والبصرة: بِمفَازَتِهِمْ على التوحيد. وقرأته عامة قراء الكوفة: (بِمفَازَاتِهِمْ) على الجماع. والصواب عندي من القول في ذلك أنهما قراءتان مستفيضتان، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب، لاتفاق معنييهما والعرب توحد مثل ذلك أحيانا وتجمع بمعنى واحد، فيقول أحدهم: سمعت صوت القوم، وسمعت أصواتهم، كما قال جل ثناؤه: إنّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الحَمِيرِ، ولم يقل: أصوات الحمير، ولو جاء ذلك كذلك كان صوابا. و قوله: لا يَمَسّهُمُ السّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يقول تعالى ذكره: لا يمس المتقين من أذى جهنم شيء، وهو السوء الذي أخبر جل ثناؤه أنه لن يمسهم، ولا هم يحزنون يقول: ولا هم يحزنون على ما فاتهم من آراب الدنيا، إذ صاروا إلى كرامة اللّه ونعيم الجنان. ٦٢و قوله: اللّه خالِقُ كُلّ شَيْءٍ وهُوَ على كل شيءٍ وَكِيلٌ يقول تعالى ذكره: اللّه الذي له الألوهة من كل خلقه الذي لا تصلح العبادة إلا له، خالق كل شيء، لا ما لا يقدر على خلق شيء، وهو على كل شيء وكيل يقول: وهو على كل شيء قيم بالحفظ والكلاءة. ٦٣القول فـي تأويـل قوله تعالى: {لّهُ مَقَالِيدُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالّذِينَ كَفَرُواْ بِـآيَاتِ اللّه أُوْلَـَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }. يقول تعالى ذكره: له مفاتيح خزائن السموات والأرض، يفتح منها على من يشاء، ويمسكها عمن أحب من خلقه واحدها: مقليد. وأما الإقليد: فواحد الأقاليد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٦٣ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: مَقالِيدُ السّمَوَاتِ والأرْضِ مفاتيحها. ٢٣٢٦٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: لَهُ مَقالِيدُ السّمَوَاتِ والأرْضِ أي مفاتيح السموات والأرض. ٢٣٢٦٥ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، قوله: لَهُ مَقالِيدُ السّمَوَاتِ والأرْضِ قال: خزائن السموات والأرض. ٢٣٢٦٦ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: لَهُ مَقالِيدُ السّمَوَاتِ والأرْضِ قال: المقاليد: المفاتيح، قال: له مفاتيح خزائن السموات والأرض. و قوله: وَالّذِينَ كَفَرُوا بآياتِ اللّه أُولَئِكَ هُمُ الخاسِرُونَ يقول تعالى ذكره: والذين كفروا بحجج اللّه فكذبوا بها وأنكروها، أولئك هم المغبونون حظوظهم من خير السموات التي بيده مفاتيحها، لأنهم حرموا ذلك كله في الاَخرة بخلودهم في النار، وفي الدنيا بخذلانهم عن الإيمان باللّه عزّ وجلّ. ٦٤القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللّه تَأْمُرُونّيَ أَعْبُدُ أَيّهَا الْجَاهِلُونَ}. يقول تعالى ذكره لنبيه: قل يا محمد لمشركي قومك، الداعيك إلى عبادة الأوثان: أفَغَيرَ اللّه أيها الجاهلون باللّه تَأْمُرُونّي أن أعْبُدُ ولا تصلح العبادة لشيء سواه. واختلف أهل العربية في العامل، في قوله أفَغَيْرَ النصب، فقال بعض نحويي البصرة: قل أفغير اللّه تأمروني، يقول: أفغير اللّه أعبد تأمروني، كأنه أراد الإلغاء، واللّه أعلم، كما تقول: ذهب فلأن يدري، جعله على معنى: فما يدري. وقال بعض نحويي الكوفة: (غير) منتصبة بأعبد، وأن تحذف وتدخل، لأنها علم للاستقبال، كما تقول: أريد أن أضرب، وأريد أضرب، وعسى أن أضرب، وعسى أضرب، فكانت في طلبها الاستقبال، كقولك: زيدا سوف أضرب، فلذلك حُذفت وعمل ما بعدها فيما قبلها، ولا حاجة بنا إلى اللغو. ٦٥و قوله: وَلَقَدْ أُوحِيَ إلَيْكَ وَإلى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ يقول تعالى ذكره: ولقد أوحى إليك يا محمد ربك، وإلى الذين من قبلك من الرسل لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنّ عَمَلُكَ يقول: لئن أشركت باللّه شيئا يا محمد، ليبطلنّ عملك، ولا تنال به ثوابا، ولا تدرك جزاء إلا حزاء من أشرك باللّه ، وهذا من المؤخر الذي معناه التقديم ومعنى الكلام: ولقد أوحي إليك لئن أشركت ليحبطنّ عملك، ولتكونن من الخاسرين، وإلى الذين من قبلك، بمعنى: وإلى الذين من قبلك من الرسل من ذلك، مثل الذي أوحى إليك منه، فاحذر أن تشرك باللّه شيئا فتهلك. ومعنى قوله: وَلَتَكُونَنّ مِنَ الخاسِرِينَ ولتكونن من الهالكين بالإشراك باللّه إن أشركت به شيئا. ٦٦القول فـي تأويـل قوله تعالى: {بَلِ اللّه فَاعْبُدْ وَكُن مّنَ الشّاكِرِينَ}. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : لا تعبد ما أمرك به هؤلاء المشركون من قومك يا محمد بعبادته، بل اللّه فاعبد دون كلّ ما سواه من الاَلهة والأوثان والأنداد وكُنْ مِنَ الشّاكِرِينَ للّه على نعمته عليك بما أنعم من الهداية لعبادته، والبراءة من عبادة الأصنام والأوثان. ونصب اسم اللّه بقوله فاعْبُدْ وهو بعده، لأنه رد كلام، ولو نصب بمضمر قبله، إذا كانت العرب تقول: زيد فليقم، وزيدا فليقم، رفعا ونصبا، الرفع على فلينظر زيد، فليقم، والنصب على انظروا زيدا فليقم، كان صحيحا جائزا. ٦٧و قوله: وَما قَدَرُوا اللّه حَقّ قَدْرِهِ يقول تعالى ذكره: وما عظّم اللّه حقّ عظمته، هؤلاء المشركون باللّه ، الذين يدعونك إلى عبادة الأوثان. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٦٧ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: وَما قَدَرُوا اللّه حَقّ قَدْرِهِ قال: هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة اللّه عليهم، فمن آمن أن اللّه على كلّ شيء قدير، فقد قدر اللّه حقّ قدره، ومن لم يؤمن بذلك، فلم يقدر اللّه حقّ قدره. ٢٣٢٦٨ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ وَما قَدَرُوا اللّه حَقّ قَدْرِهِ: ما عظّموا اللّه حقّ عظمته. و قوله: والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامَةِ يقول تعالى ذكره: والأرض كلها قبضته في يوم القيامة والسّمَوَاتُ كلها مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ فالخبر عن الأرض متناه عند قوله: يوم القيامة، والأرض مرفوعة بقوله قَبْضَتُهُ، ثم استأنف الخبر عن السموات، فقال: والسّمَوَاتُ مَطْوياتٌ بيَمِينِهِ وهي مرفوعة بمطويات. ورُوي عن ابن عباس وجماعة غيره أنهم كانوا يقولون: الأرض والسموات جميعا في يمينه يوم القيامة. ذكر الرواية بذلك: ٢٣٢٦٩ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامَةِ يقول: قد قبض الأرضين والسموات جميعا بيمينه، ألم تسمع أنه قال: مَطْوِياتٌ بِيَمِينِهِ يعني : الأرض والسموات بيمينه جميعا، قال ابن عباس : وإنما يستعين بشماله المشغولة يمينه. ٢٣٢٧٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس ، قال: ما السموات السبع، والأرضون السبع في يد اللّه إلا كخردلة في يد أحدكم، ٢٣٢٧١ـ قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي، عن قتادة ، قال: حدثنا النضر بن أنس، عن ربيعة الجُرْسي، قال: والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامَةِ والسّمَوَاتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ قال: ويده الأخرى خلو ليس فيها شيء. ٢٣٢٧٢ـ حدثني عليّ بن الحسن الأزديّ، قال: حدثنا يحيى بن يمان، عن عمار بن عمرو، عن الحسن، في قوله: والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامَةِ قال: كأنها جوزة بقضها وقضيضها. ٢٣٢٧٣ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامَةِ يقول: السموات والأرض مطويات بيمينه جميعا. وكان ابن عباس يقول: إنما يستعين بشماله المشغولة يمينه، وإنما الأرض والسموات كلها بيمينه، وليس في شماله شيء. ٢٣٢٧٤ـ حدثنا الربيع، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني أُسامة بن زيد، عن أبي حازم، عن عبد اللّه بن عمر، أنه رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، على المنبر يخطب الناس، فمر بهذه الاَية: وَما قَدَرُوا اللّه حَقّ قَدْرِهِ والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامَةِ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (يَأْخُذُ السّمَوَاتِ والأرْضَينِ السّبْعَ فَيَجْعَلُها في كَفّهِ، ثُمّ يَقُولُ بِهِما كمَا يَقُولُ الغُلامُ بالكُرَةِ: أنا اللّه الوَاحِدُ، أنا اللّه العَزِيزُ) حتى لقد رأينا المنبر وإنه ليكاد أن يسقط به. ٢٣٢٧٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى، عن سفيان، قال: ثني منصور وسليمان، عن إبراهيم، عن عبيدة السّلْماني، عن عبد اللّه ، قال: جاء يهوديّ إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا محمد إن اللّه يمسك السموات على أصبع، والأرضين على أصبع، والجبال على أصبع، والخلائق على أصبع، ثم يقول: أنا الملك قال: فضحك النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال: وَما قَدَرُوا اللّه حَقّ قَدْرِهِ. ٢٣٢٧٦ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبيدة عن عبد اللّه ، قال: فضحك النبي صلى اللّه عليه وسلم تعجبا وتصديقا. حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، عن منصور، عن خيثمة بن عبد الرحمن، عن علقمة، عن عبد اللّه بن مسعود، قال: كنا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، حين جاءه حبر من أحبار اليهود، فجلس إليه، فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم : (حَدّثْنا) ، قال: إن اللّه تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة، جعل السموات على أصبع، والأرضين على أصبع، والجبال على أصبع، والماء والشجر على أصبع، وجميع الخلائق على أصبع ثم يهزهنّ ثم يقول: أنا الملك، قال: فضحك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لما قال، ثم قرأ هذه الاَية: وَمَا قَدَرُوا اللّه حَقّ قَدْرِهِ... الاَية. ٢٣٢٧٧ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، نحو ذلك. ٢٣٢٧٨ـ حدثني سليمان بن عبد الجبار، وعباس بن أبي طالب، قالا: حدثنا محمد بن الصلت، قال: حدثنا أبو كدنية عن عطاء بن السائب، عن أبي الضحى، عن ابن عباس ، قال: مرّ يهوديّ بالنبي صلى اللّه عليه وسلم وهو جالس، فقال: (يا يَهُوديّ حَدّثْنا) ، فقال: كيف تقول يا أبا القاسم يوم يجعل اللّه السماء على ذه، والأرض على ذه، والجبال على ذه، وسائر الخلق على ذه، فأنزل اللّه وَما قَدَرُوا اللّه حَقّ قَدْرِه... الاَية. حدثني أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللّه ، قال: أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم رجل من أهل الكتاب، فقال: يا أبا القاسم أبلغك أن اللّه يحمل الخلائق على أصبع، والسموات على أصبع، والأرضين على أصبع، والشجر على أصبع، والثرى على أصبع؟ قال فضحك النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى بدت نواجذه، فأنزل اللّه وَما قَدَرُوا اللّه حَقّ قَدْرِهِ والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ... إلى آخر الاَية. وقال آخرون: بل السموات في يمينه، والأرضون في شماله. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٧٩ـ حدثنا عليّ بن داود، قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا ابن أبي حازم، قال: ثني أبو حازم، عن عبيد اللّه بن مِقْسَمِ، أنه سمع عبد اللّه بن عمرو يقول: رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو على المنبر يقول: (يَأْخُذُ الجَبّارُ سَمَوَاتِهِ وأرْضِهِ بِيَدَيْهِ) وقبض رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يديه، وجعل يقبضهما ويبسطهما، قال: ثمّ يَقُولُ: (أنا الرّحْمَنُ أنا المَلِكُ، أيْنَ الجَبّارُونَ، أيْنَ المُتَكَبّرُونَ) وتمايل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن يمينه، وعن شماله، حتى نظرت إلى المنبر يتحركّ من أسفل شيء منه، حتى إني لأقول: أساقطٌ هو برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؟. حدثني أبو علقمة الفروي عبد اللّه بن محمد، قال: ثني عبد اللّه بن نافع، عن عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن عبيد بن عمير، عن عبد اللّه بن عمر، أنه قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (يَأْخُذُ الجَبّارُ سَمَوَاتِهِ وأرْضَهُ بيَدِهِ) ، وقبض يده فجعل يقبضها ويبسطها، ثم يقول: (أنا الجَبّارُ، أنا المَلِكُ، أيْن الجَبّارُونَ، أيْنَ المُتَكَبّرُونَ؟) قال: ويميل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن يمينه وعن شماله، حتى نظرت إلى المنبر يتحركّ من أسفل شيء منه، حتى إني لأقول: أساقط هو برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؟. ٢٣٢٨٠ـ حدثني الحسن بن علي بن عياش الحمصي، قال: حدثنا بشر بن شعيب، قال: أخبرني أبي، قال: حدثنا محمد بن مسلم بن شهاب، قال: أخبرني سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أنه كان يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (يَقْبِضُ اللّه عَزّ وَجَلّ الأرْضَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَطْوِي السموات بيمينه، ثُمّ يَقُولُ: أنا المَلِكُ أيْنَ مُلُوكُ الأرْضِ؟) . حُدثت عن حرملة بن يحيى، قال: حدثنا إدريس بن يحيى القائد، قال: أخبرنا حيوة، عن عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني نافع مولى ابن عمر، عن عبد اللّه بن عمر، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إنّ اللّه يَقْبِضُ الأرْضَ يَوْمَ القيامَةِ بِيَدِهِ، وَيَطْوِي السّماءَ بِيَمينهِ وَيَقُولُ: أنا المَلِكُ) . ٢٣٢٨١ـ حدثني محمد بن عون، قال: حدثنا أبو المغيرة، قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال: حدثنا سعيد بن ثوبان الكلاعي عن أبي أيوب الأنصاري، قال: أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حبرٌ من اليهود، قال: أرأيت إذ يقول اللّه في كتابه: والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامَةِ والسّمَوَاتُ مَطْوَيّاتٌ بِيَمينهِ فأين الخلق عند ذلك؟ قال: (هُمْ فِيها كَرقْمِ الكِتابِ) . ٢٣٢٨٢ـ حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثنا عمرو بن حمزة، قال: ثني سالم، عن أبيه، أنه أخبره أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (يَطْوِي اللّه السّمَوَاتِ فيأْخُذُهُنّ بِيَمِينِهِ وَيَطْوِي الأرْضَ فَيأْخُذُها بِشمالِهِ، ثُمّ يَقُولُ: أنا المَلِكُ أيْنَ الجَبّارُونَ؟ أينَ المُتَكَبّرُونَ) . وقيل: إن هذه الاَية نزلت من أجل يهودي سأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن صفة الرب. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٨٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق، عن محمد، عن سعيد، قال: أتى رهط من اليهود نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقالوا: يا محمد، هذا اللّه خلق الخلق، فمن خلقه؟ فغضب النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى انتُقِع لونه، ثم ساورهم غضبا لربه فجاءه جبريل فسكنه، وقال: اخفض عليك جناحك يا محمد، وجاءه من اللّه جواب ما سألوه عنه، قال: يقول اللّه تبارك وتعالى: قُلْ هُوَ اللّه أَحَدٌ اللّه الصّمَدُ لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أحَدٌ فلما تلاها عليهم النبي صلى اللّه عليه وسلم قالوا: صف لنا ربك كيف خلقه، وكيف عضده، وكيف ذراعه؟ فغضب النبي صلى اللّه عليه وسلم أشد من غضبه الأول، ثم ساورهم، فأتاه جبريل فقال مثل مقالته، وأتاه بجواب ما سألوه عنه وَما قَدَرُوا اللّه حَقّ قَدْرِهِ والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامَةِ والسّمَوَاتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: تكلمت اليهود في صفة الربّ، فقال ما لم يعلموا ولم يروا، فأنزل اللّه على نبيه صلى اللّه عليه وسلم : وَما قَدَرُوا اللّه حَقّ قَدْرِهِ ثم بيّن للناس عظمته فقال: والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامَةِ والسّمَوَاتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ، فجعل صفتهم التي وصفوا اللّه بها شركا. وقال بعض أهل العربية من أهل البصرة والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامَةِ والسّمَوَاتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ يقول في قدرته نح و قوله: وَما مَلَكَتْ أيمَانُكُمْ: أي وما كانت لكم عليه قدرة وليس الملك لليمين دون سائر الجسد، قال: وقوله قَبْضَتُهُ نحو قولك للرجل: هذا في يدك وفي قبضتك. والأخبار التي ذكرناها عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وعن أصحابه وغيرهم، تشهد على بطول هذا القول. ٢٣٢٨٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن حبيب بن أبي عمرة، عن مجاهد، عن ابن عباس ، عن عائشة، قالت: سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، عن قوله والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامَةِ فأين الناس يومئذ؟ قال: (عَلى الصّراطِ) . وقوله سبحانه وتعالى: عَمّا يُشْرِكُونَ يقول تعالى ذكره تنزيها وتبرئة للّه، وعلوّا وارتفاعا عما يشرك به هؤلاء المشركون من قومك يا محمد، القائلون لك: اعبد الأوثان من دون اللّه ، واسجد لألهتنا. ٦٨القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السّمَاوَاتِ ...}. يقول تعالى ذكره: ونفخ إسرافيل في القرن، وقد بيّنا معنى الصور فيما مضى بشواهده، وذكرنا اختلاف أهل العلم فيه، والصواب من القول فيه بشواهده، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. وقوله فَصَعِقَ مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ يقول: مات، وذلك في النفخة الأولى، كما: ٢٣٢٨٥ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ وَنُفِخَ فِي الصورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَمَنْ فَي الأرْضِ قال: مات. و قوله: إلاّ مَنْ شَاءَ اللّه اختلف أهل التأويل في الذي عني اللّه بالاستثناء في هذه الاَية، فقال بعضهم عني به جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٨٦ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ ونُفِخَ فِي الصّورِ فَصَعِقَ مَنْ في السّمواتِ وَمَنْ فِي الأرضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّه قال جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت. ٢٣٢٨٧ـ حدثني هارون بن إدريس الأصمّ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، قال: حدثنا الفضل بن عيسى، عن عمه يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك قال: قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : وَنُفِخَ فِي الصّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَمَنْ في الأرْضِ إلاّ مَنْ شَاءَ اللّه ف قيل: من هؤلاء الذين استثنى اللّه يا رسول اللّه ؟ قال: (جبرائيل وميكائيلَ، ومَلكَ المَوْتِ، فإذَا قَبَضَ أرْوَاحَ الخَلائِقِ قالَ: يا مَلَكَ المَوْتِ مَنْ بَقِي؟ وَهُوَ أعْلَمُ قال: يَقُولُ: سُبْحانَكَ تَبَارَكْتَ رَبّي ذَا الجَلالِ والإكْرَامِ، بَقِيَ جِبْريلُ وميكائيلُ وَمَلَكُ المَوْتِ قالَ: يَقُولُ يا مَلَك المَوْتِ خُذْ نَفْسَ مِيكائِيلَ قالَ: فَيَقَعُ كالطّوْدِ العَظِيم، قالَ: ثُمّ يَقُولُ: يا مَلَكَ المَوْتِ مَنْ بَقِي؟ فَيَقُول: سُبْحانَكَ رَبّي يا ذَا الجَلالِ والإكْرَامِ، بَقِيَ جِبْريلُ وَمَلَكُ المَوْتِ، قال: فَيَقُولُ: يا مَلَكَ المَوْتِ مُتْ، قالَ: فَيَمُوتُ قالَ: ثُمّ يَقُولُ: يا جِبرِيلُ مَنْ بَقِيَ؟ قالَ: فَيَقُولُ جِبْرِيلُ: سُبْحانَكَ رَبّي يا ذَا الجَلال والإكْرامِ، بَقِي جِبْرِيلُ، وَهُوَ مِنَ اللّه بالمَكانِ الّذِي هُوَ بِهِ قال: فَيَقُولُ يا جِبْريلُ لا بُدّ مِنْ مَوْتَةٍ قالَ: فَيَقَعُ ساجِدا يَخْفِقُ بِجَناحَيْهِ يَقُولُ: سُبْحانَكَ رَبّي تَبَارَكْتَ وَتَعالَيْتَ يا ذَا الجَلالِ والإكْرامِ، أنْتَ الباقي وجِبْريلُ المَيّت الفاني: قال: ويأْخُذُ رُوحَهُ في الحلْقَةِ التي خُلِقَ مِنْها، قالَ: فَيَقَعُ على مِيكائِيلَ أنّ فَضْلَ خَلْقِهِ على خَلْقِ مِيكائِيلَ كَفَضْلِ الطّوْدِ العَظِيمِ عَلى الظّرْبِ مِنَ الظّرابِ) . وقال آخرون: عني بذلك الشهداء. ٢٣٢٨٨ـ حدثني محمد بن المثنى، قال: ثني وهب بن جرير، قال: حدثنا شعبة عن عمارة، عن ذي حجر اليحمدي، عن سعيد بن جبير، في قوله: فَصَعِقَ مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّه قال: الشهداء ثنية اللّه حول العرش، متقلدين السيوف. وقال آخرون: عني بالاستثناء في الفزع: الشهداء، وفي الصعق: جبريل، وملك الموت، وحملة العرش. ذكر من قال ذلك، والخبر الذي جاء فيه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ٢٣٢٨٩ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا المحاربي عبد الرحمن بن محمد، عن إسماعيل بن رافع المدني، عن يزيد، عن رجل من الأنصار، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (يُنْفَخُ في الصّور ثَلاث نَفَخاتٍ: الأُولى: نَفْخَة الفَزَعِ، والثّانِيَةُ: نَفْخَةُ الصّعْقِ، والثّالِثَةُ: نَفْخَةُ الْقِيامِ لِرَبّ العالَمِينَ تَبارَكَ وَتَعالى يأْمُرُ اللّه إسْرَافِيلَ بالنّفْخَةِ الأُولى، فَيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الفَزَعِ، فَتَفْزَعُ أهْلُ السّمَوَاتِ وأهْلُ الأرْضِ إلاّ مَنْ شَاءَ اللّه ) قال أبو هريرة: يا رسولَ اللّه ، فمن استثنىَ حين يقول: ففَزِعَ مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّه قال: (أُولَئِكَ الشّهَداءُ، وإنّما يَصلُ الفَزَعُ إلى الأحْياءِ، أُولَئِكَ أحْياءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ، وَقاهُمُ اللّه فَزَعَ ذلكَ اليَوْمِ وأمّنَهُمُ، ثُمّ يَأْمُرُ اللّه إسْرافِيلَ بنَفْخَةِ الصّعْقِ، فَيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الصّعْقِ، فَيَصْعَقُ أهْلُ السّمَوَاتِ والأرْضِ إلاّ مَنْ شَاءَ اللّه فإذا هُمْ خامِدُونَ، ثُمّ يأتي مَلَكُ المَوْتِ إلى الجَبّارِ تَبارَكَ وَتَعالى فَيَقُولُ: يا رَبّ قَدْ ماتَ أهْلُ السّمَوَاتِ والأرْضِ إلاّ مَنْ شِئْتَ، فَيَقُولُ لَهُ وَهُوَ أعْلَمُ: فَمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ: بَقِيتَ أنْتَ الحَيّ الّذِي لا يَمُوتُ، وَبَقِيَ حَمَلَةُ عَرْشِكَ، وَبَقِيَ جِبْرِيلَ وَمِيكائِيلُ فَيَقُولُ اللّه لَهُ: اسْكتْ إنّي كتَبْتُ المَوْتَ على مَنْ كانَ تَحْتَ عَرْشِي ثُمّ يأتي مَلَكُ المَوْتِ فَيَقُولُ: يا رَب قَدْ ماتَ جِبْرِيلُ وَمِيكائِيلُ فَيَقولُ اللّه وَهُوَ أعْلَمُ: فَمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقولُ: بَقِيتَ أنتَ الحيّ الّذِي لا يَمُوتُ، وَبَقِيَ حَمَلَةُ عَرْشِكَ، وَبَقِيتُ أنا، فَيَقُولُ اللّه : فَلْيَمُتْ حَمَلَةُ العَرْشِ، فَيَمُوتُونَ وَيأْمُرُ اللّه تعالى العَرْشَ فَيَقْبِضُ الصّورَ. فَيَقُولُ: أيْ رَبّ قَدْ ماتَ حَمَلَةُ عَرْشِكَ فَيَقُولُ: مَنْ بَقِي؟ وَهُوَ أعْلَمُ، فَيَقُولُ: بَقِيت أنْتَ الحَيّ الّذِي لا يَمُوتُ وَبَقِيتُ أنا، قال: فَيَقُولُ اللّه : أنْتَ مِنْ خَلقِي خَلَقْتُكَ لِمَا رأيْتُ، فَمُتْ لا تَحْيَ، فَيَمُوتُ) . وهذا القول الذي رُوي في ذلك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أولى بالصحة، لأن الصعقة في هذا الموضع: الموت. والشهداء وإن كانوا عند اللّه أحياء كما أخبر اللّه تعالى ذكره فإنهم قد ذاقوا الموت قبل ذلك. وإنما عني جل ثناؤه بالاستثناء في هذا الموضع، الاستثناء من الذين صعقوا عند نفخة الصعق، لا من الذين قد ماتوا قبل ذلك بزمان ودهر طويل وذلك أنه لو جاز أن يكون المراد بذلك من قد هلك، وذاق الموت قبل وقت نفخة الصعق، وجب أن يكون المراد بذلك من قد هلك، فذاق الموت من قبل ذلك، لأنه ممن لا يصعق في ذلك الوقت إذا كان الميت لا يجدّد له موت آخر في تلك الحال. وقال آخرون في ذلك ما: ٢٣٢٩٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فَصَعِقَ مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّه قال الحسن: يستثني اللّه وما يدع أحدا من أهل السموات ولا أهل الأرض إلا أذاقه الموت؟ قال قتادة : قد استثنى اللّه ، واللّه أعلم إلى ما صارت ثنيته. قال: ذُكر لنا أن نبيّ اللّه قال: (أتانِي مَلَكٌ فَقالَ: يا مُحَمّدُ اخْتَرْ نَبِيا مَلِكا، أوْ نَبيّا عَبْدا فأَوْمأَ إليّ أنْ تَوَاضَعْ، قال: نَبِيّا عَبْدا، قال: فأُعْطيتُ خَصْلَتَيْنِ: أنْ جُعِلْتُ أوّلَ مَنْ تَنْشَقّ عَنْهُ الأرْضَ، وأوّلَ شافِعٍ، فَأرْفَعُ رأسِي فأجِدُ مُوسَى آخِذا بالعَرْشِ، فاللّه أعْلَمُ أصَعِقَ بَعْدَ الصّعْقَةِ الأُولى أمْ لا؟) . ٢٣٢٩١ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا عبدة بن سليمان، قال: حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال يهودي بسوق المدينة: والذي اصطفى موسى على البشر قال: فرفع رجل من الأنصار يده، فصكّ بها وجهه، فقال: تقول هذا وفينا رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (وَنُفِخَ فِي الصّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّه ، ثُمّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فإذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ، فَأكُونُ أنا أوّلَ مَنْ يَرْفَعُ رأسَهُ، فإذا مُوسَى آخِذٌ بقائمَةِ مِنْ قَوَائمِ العَرْشِ فَلا أدْرِي أرَفَعَ رأسهُ قَبْلي، أوْ كانَ مِمّنْ استثنى اللّه ) . ٢٣٢٩٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن الحسن، قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (كأنّي أنْفُضُ رأسِي مِنَ التّرَابِ أوّلَ خارِجٍ، فَألْتَفِتُ فَلا أرَى أحَدا إلاّ مُوسَى مُتَعَلّقا بالعَرْشِ، فَلا أدْرَي أمِمّنِ اسْتَثْنى اللّه أنْ لا تُصِيبَهُ النّفْخَةُ أوْ بُعِث قَبْلِي) . و قوله: ثُمّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فإذَا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ يقول تعالى ذكره: ثم نُفخ في الصور نفخة أخرى والهاء التي في (فيه) من ذكر الصور، كما: ٢٣٢٩٣ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ ثُمّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى قال: في الصور، وهي نفخة البعث. وذُكر أن بين النفختين أربعين سنة. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٩٤ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (ما بَينَ النّفْخَتَيْنِ أرْبَعُونَ) قالوا: يا أبا هريرة أربعون يوما؟ قال: أبَيْتُ قالوا: أربعون شهرا؟ قال: أبيت قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيت (ثُمّ يُنَزّلُ اللّه مِن السّماءِ ماءً فَتَنْبِتُونَ كما يَنْبُتُ البَقْلُ، قالَ: وَلَيسَ مِنَ الإنْسانِ شَيْءٌ إلاّ يَبْلَى، إلاّ عَظْما وَاحِدا، وَهُوَ عَجْبُ الذّنبِ، وَمِنْهُ يُرَكّبُ الخَلْقُ يَوْمَ القِيامَةِ) . ٢٣٢٩٥ـ حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا البلخي بن إياس، قال: سمعت عكرمة يقول في قوله فَصَعِقَ مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ... الاَية، قال: الأولى من الدنيا، والأخيرة من الاَخرة. ٢٣٢٩٦ـ حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ثُمّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فإذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ قال نبيّ اللّه : (بَينَ النّفْخَتَيْنِ أرْبَعُونَ) قال أصحابه: فما سألناه عن ذلك، ولا زادنا على ذلك، غير أنهم كانوا يرون من رأيهم أنها أربعون سنة. وذُكر لنا أنه يبعث في تلك الأربعين مطر يقال له مطر الحياة، حتى تطيب الأرض وتهتزّ، وتنبت أجساد الناس نباتَ البقل، ثم ينفخ فيه الثانية فإذا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ قال: ذُكر لنا أن معاذ بن جبل، سأل نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم : كيف يُبعث المؤمنون يوم القيامة؟ قال؟ (يُبْعَثُونَ جُرْدا مُرْدا مُكَحّلينَ بني ثَلاثِينَ سَنَةً) . و قوله: فإذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ يقول: فإذا من صعق عند النفخة التي قبلها وغيرهم من جميع خلق اللّه الذين كانوا أمواتا قبل ذلك قيام من قبورهم وأماكنهم من الأرض أحياء كهيئتهم قبل مماتهم ينظرون أمر اللّه فيهم، كما: ٢٣٢٩٧ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ فإذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُون قال: حين يبعثون. ٦٩القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِـيءَ بِالنبي يْنَ وَالشّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }. يقول تعالى ذكره: فأضاءت الأرض بنور ربها، يقال: أشرقت الشمس: إذا صفت وأضاءت، وشرقت: إذا طلعت، وذلك حين يبرز الرحمن لفصل القضاء بين خلقه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٢٩٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وأشْرَقَتِ الأرْضُ بنُورِ رَبّها قال: فما يتضارّون في نوره إلا كما يتضارّون في الشمس في اليوم الصحو الذي لا دخن فيه. ٢٣٢٩٩ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ وأشْرَقَتِ الأرْضُ بنُورِ رَبّها قال: أضاءت. و قوله: وَوُضِعَ الكِتَابُ يعني : كتاب أعمالهم لمحاسبتهم ومجازاتهم، كما: ٢٣٣٠٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَوُضِعَ الكِتَابُ قال: كتاب أعمالهم. ٢٣٣٠١ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ وَوُضِعَ الكِتابُ قال: الحساب. و قوله: وَجِيءَ بالنبي ينَ والشّهدَاءِ يقول: وجيء بالنبي ين ليسألهم ربهم عما أجابتهم به أممهم، وردّت عليهم في الدنيا، حين أتتهم رسالة اللّه والشهداء، يعني بالشهداء: أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم ، يستشهدهم ربهم على الرسل، فيما ذكرت من تبليغها رسالة اللّه التي أرسلهم بها ربهم إلى أممها، إذ جحدت أممهم أن يكونوا أبلغوهم رسالة اللّه ، والشهداء: جمع شهيد، وهذا نظير قول اللّه : وكَذلكَ جَعَلْناكُمْ أُمّةً وَسَطا لِتَكُونُوا شُهَداءَ على النّاسِ وَيَكُونَ الرّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا و قيل: عُني ب قوله: الشّهدَاء: الذين قتلوا في سبيل اللّه وليس لما قالوا من ذلك في هذا الموضع كبير معنى، لأن عقيب قوله: وَجِيءَ بالنبي ينَ والشهدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالحَقّ، وفي ذلك دليل واضح على صحة ما قلنا من أنه إنما دعى بالنبي ين والشهداء للقضاء بين الأنبياء وأممها، وأن الشهداء إنما هي جمع شهيد، الذين يشهدون للأنبياء على أممهم كما ذكرنا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٣٠٢ـ حدثنا عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله وَجِيءَ بالنبي ينِ وَالشّهدَاءِ فإنهم ليشهدون للرسل بتبليغ الرسالة، وبتكذيب الأمم إياهم. ذكر من قال ما حكينا قوله من القول الاَخر: ٢٣٣٠٣ـ حدثنا محمد بن الحسين، قال: حدثنا أحمد بن المفضل، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ وَجِيءَ بالنبي ينَ والشهدَاءِ: الذين استشهدوا في طاعة اللّه . و قوله: وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالحَقّ يقول تعالى ذكره: وقضي بين النبي ين وأممها بالحقّ، وقضاؤه بينهم بالحق، أن لا يحمل على أحد ذنب غيره، ولا يعاقب نفسا إلا بما كسبت. ٧٠القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَوُفّيَتْ كُلّ نَفْسٍ مّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ}. يقول تعالى ذكره: ووفى اللّه حينئذ كل نفس جزاء عملها من خير وشرّ، وهو أعلم بما يفعلون في الدنيا من طاعة أو معصية، ولا يعزب عنه علم شيء من ذلك، وهو مجازيهم عليه يوم القيامة، فمثيبٌ المحسنَ بإحسانه، والمسيءَ بما أساءَ. ٧١و قوله: وَسِيقَ الّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنّمَ يقول: وحُشر الذين كفروا باللّه إلى ناره التي أعدّها لهم يوم القيامة جماعات، جماعة جماعة، وحزبا حزبا، كما: ٢٣٣٠٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: زُمَرا قال: جماعات. و قوله: حتى إذَا جاءُوها فُتِحَتْ أبْوابُها السبعة وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها قوّامها: ألَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبّكُمْ يعني : كتاب اللّه المنزل على رسله وحججه التي بعث بها رسله إلى أممهم وَيُنْذِرُنَكُمْ لِقاءِ يَوْمِكُمْ هَذا يقول: وينذركم ما تلقون في يومكم هذا وقد يحتمل أن يكون معناه: وينذرونكم مصيركم إلى هذا اليوم. قالوا: بلى: يقول: قال الذين كفروا مجيبين لخزنة جهنم: بلى قد أتتنا الرسل منا، فأنذرتنا لقاءنا هذا اليوم وَلَكنْ حَقّتْ كَلِمَةُ العَذَابِ على الكافِرِينَ يقول: قالوا: ولكن وجبت كلمة اللّه أن عذابه لأهل الكفر به علينا بكفرنا به، كما: ٢٣٣٠٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَلَكِنْ حَقّتْ كَلِمَةُ العَذَابِ على الكافِرِينَ بأعمالهم. ٧٢القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قِيلَ ادْخُلُوَاْ أَبْوَابَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَـبّرِينَ }. يقول تعالى ذكره: فتقول خزنة جهنم للذين كفروا حينئذ: ادْخُلُوا أبْوَابَ جَهَنّمَ السبعة على قدر منازلكم فيها خالِدِينَ فِيها يقول: ماكثين فيها لا يُنقلون عنها إلى غيرها. فَبئْسَ مَثْوَى المُتَكَبرين يقول: فبئس مسكن المتكبرين على اللّه في الدنيا، أن يوحدوه ويفردوا له الألوهة، جهنم يوم القيامة. ٧٣القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَسِيقَ الّذِينَ اتّقَوْاْ رَبّهُمْ إِلَى الّجَنّةِ زُمَراً حَتّىَ إِذَا جَآءُوهَا ...}. يقول تعالى ذكره: وحُشر الذين اتقوا ربهم بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه في الدنيا، وأخلصوا له فيها الألوهة، وأفردوا له العبادة، فلم يشركوا في عبادتهم إياه شيئا إلى الجَنّةِ زُمَرا يعني جماعات، فكان سوق هؤلاء إلى منازلهم من الجنة وفدا على ما قد بيّنا قبل في سورة مريم على نجائب من نجائب الجنة، وسوق الاَخرين إلى النار دعّا ووردا، كما قال اللّه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. وقد ذكر ذلك في أماكنه من هذا الكتاب. وقد: ٢٣٣٠٦ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَسِيقَ الّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنّمَ زُمَرا، وفي قوله: وَسِيقَ الّذِينَ اتّقُوا رَبّهُمْ إلى الجَنّةِ زُمَرا قال: كان سوق أولئك عنفا وتعبا ودفعا، وقرأ: يَوْمَ يُدَعّونَ إلى نارِ جَهَنّمَ دَعّا قال: يدفعون دفعا، وقرأ: فَذلِكَ الّذي يَدُعّ اليَتِيمَ قال: يدفعه، وقرأ ونَسُوقُ المُجْرِمينَ إلى جَهَنّمَ وِرْدا و ونَحْشُرُ المُتّقِينَ إلى الرّحْمَنِ وَفْدا ثم قال: فهؤلاء وفد اللّه . ٢٣٣٠٧ـ حدثنا مجاهد بن موسى، قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا شريك بن عبد اللّه ، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي بن أبي طالب، رضي اللّه عنه قوله: وَسِيقَ الّذِينَ اتّقُوا رَبّهُمْ إلى الجَنّةِ زُمَرا حتى إذا انتهوا إلى بابها، إذا هم بشجرة يخرج من أصلها عينان، فعمدوا إلى إحداهما، فشربوا منها كأنما أمروا بها، فخرج ما في بطونهم من قذر أو أذى أو قذى، ثم عمدوا إلى الأخرى، فتوضّؤا منها كأنما أُمروا به، فجرت عليهم نضرة النعيم، فلن تشعث رؤوسهم بعدها أبدا ولن تبلى ثيابهم بعدها، ثم دخلوا الجنة، فتلقتهم الولدان كأنهم اللؤلؤ المكنون، فيقولون: أبشر، أعدّ اللّه لك كذا، وأعدّ لك كذا وكذا، ثم ينظر إلى تأسيس بنيانه جندل اللؤلؤ الأحمر والأصفر والأخضر، يتلألأ كأنه البرق، فلولا أن اللّه قضى أن لا يذهب بصره لذهب، ثم يأتي بعضهم إلى بعض أزواجه، فيقول: أبشري قد قدم فلان ابن فلان، فيسميه باسمه واسم أبيه، فتقول: أنت رأيته، أنت رأيته فيستخفها الفرح حتى تقوم، فتجلس على أسكفة بابها، فيدخل فيتكىء على سريره، ويقرأ هذه الاَية: الحَمْدُ للّه الّذِي هَدانا لِهَذا وَما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أنْ هَدانا اللّه ... الاَية. ٢٣٣٠٨ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، قال: ذكر أبو إسحاق عن الحارث، عن عليّ رضي اللّه عنه قال: يساقون إلى الجنة، فينتهون إليها، فيجدون عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان تجريان، فيعمدون إلى إحداهما، فيغتسلون منها، فتجري عليهم نضرة النعيم، فلن تشعث رؤوسهم بعدها أبدا، ولن تغبر جلودهم بعدها أبدا، كأنما دهنوا بالدهان ويعمدون إلى الأخرى، فيشربون منها، فيذهب ما في بطونهم من قذى أو أذى، ثم يأتون باب الجنة فيستفتحون، فيفتح لهم، فتتلقاهم خزنة الجنة فيقولون سلاَمٌ عَلَيْكُم ادْخُلُوا الجَنّةَ بِما كنتم تَعْمَلُونَ قال: وتتلقاهم الولدان المخلدون، يطيفون بهم كما تطيف ولدان أهل الدنيا بالحميم إذا جاء من الغيبة، يقولون: أبشر أعدّ اللّه لك كذا، وأعدّ لك كذا، فينطلق أحدهم إلى زوجته، فيبشرها به، فيقول: قدم فلان باسمه الذي كان يسمى به في الدنيا، وقال: فيستخفها الفرح حتى تقوم على أسكفة بابها، وتقول: أنت رأيته، أنت رأيته؟ قال: فيقول: نعم، قال: فيجيء حتى يأتي منزله، فإذا أصوله من جندل اللؤلؤ من بين أصفر وأحمر وأخضر، قال: فيدخل فإذا الأكواب موضوعة، والنمارق مصفوفة، والزرابيّ مبثوثة قال: ثم يدخل إلى زوجته من الحور العين، فلولا أن اللّه أعدّها له لالتمع بصره من نورها وحسنها قال: فاتكأ عند ذلك ويقول: الحَمْدُ للّه الّذِي هَدانا لهَذَا وَما كُنّا لِنَهْتَديَ لَوْلاَ أنْ هَدانا اللّه قال: فتناديهم الملائكة: أنْ تِلْكُمُ الجَنّةُ أوُرِثْتمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. ٢٣٣٠٩ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، قال: ذكر السديّ نحوه أيضا، غير أنه قال: لهو أهدى إلى منزله في الجنة منه إلى منزله في الدنيا، ثم قرأ السديّ: وَيُدْخِلُهُمُ الجَنّةَ عَرّفَها لهُمْ. واختلف أهل العربية في موضع جواب (إذا) التي في قوله حتى إذَا جاءُوها فقال بعض نحويي البصرة: يقال إن قوله وَقالَ لَهُم خَزَنَتُها في معنى: قال لهم، كأنه يلغي الواو، وقد جاء في الشعر شيء يشبه أن تكون الواو زائدة، كما قال الشاعر: فإذَا وَذلكَ يا كُبَيْشَةُ لَمْ يَكُنْإلاّ تَوَهّمَ حالِمٍ بِخَيالِ فيشبه أن يكون يريد: فإذا ذلك لم يكن. قال: وقال بعضهم: فأضمر الخبر، وإضمار الخبر أيضا أحسن في الاَية، وإضمار الخبر في الكلام كثير. وقال آخر منهم: هو مكفوف عن خبره، قال: والعرب تفعل مثل هذا قال عبد مَناف بن ربع في آخر قصيدة: حتى إذَا أسْلَكُوهُمْ فِي قُتائِدِهِشَلاّ كما تَطْرُدُ الجَمّالَةُ الشّرُدا وقال الأخطل في آخر القصيدة: خَلا أنّ حيّا منْ قُرَيْشٍ تَفَضّلواعلى النّاسِ أوْ أنّ الأكارِمَ نَهْشَلا وقال بعض نحويّي الكوفة: أدخلت في حتى إذا وفي فلما، الواو في جوابها وأخرجت، فأما من أخرجها فلا شيء فيه، ومن أدخلها شبه الأوائل بالتعجب، فجعل الثاني نسقا على الأوّل، وإن كان الثاني جوابا كأنه قال: أتعجب لهذا وهذا. وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: الجواب متروك، وإن كان القول الاَخر غير مدفوع، وذلك أن ٧٤قوله: وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادْخُلُوها خالِدِينَ يدلّ على أن في الكلام متروكا، إذ كان عقيبه وَقالُوا الحَمْدُ للّه الّذِي صَدّقَنا وَعْدَهُ وإذا كان ذلك كذلك، فمعنى الكلام: حتى إذا جاؤوا وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها: سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين، دخلوها وقالوا: الحمد للّه الذي صدقنا وعده. وعني بقوله سَلامٌ عَلَيْكُمْ: أمنة من اللّه لكم أن ينالكم بعدُ مكروه أو أذى. وقوله طِبْتُمْ يقول: طابت أعمالكم في الدنيا، فطاب اليوم مثواكم. وكان مجاهد يقول في ذلك ما: ٢٣٣١٠ـ حدثنا محمد بن عمر، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: طِبْتُمْ قال: كنتم طيبين في طاعة اللّه . و قوله: وَقالُوا الحَمْدُ للّه الّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ يقول: وقال الذين سيقوا زمرا ودخلوها: الشكر خالص للّه الذي صدقنا وعده، الذي كان وعدناه في الدنيا على طاعته، فحققه بإنجازه لنا اليوم، وأوْرَثَنا الأرْضَ يقول: وجعل أرض الجنة التي كانت لأهل النار لو كانوا أطاعوا اللّه في الدنيا، فدخلوها، ميراثا لنا عنهم، كما: ٢٣٣١١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وأوْرَثَنا الأرْضَ قال: أرض الجنة. ٢٣٣١٢ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ وأوْرَثَنا الأرْضَ أرض الجنة. ٢٣٣١٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأوْرَثَنا الأرْضَ قال: أرض الجنة، وقرأ: أنّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ. و قوله: نَتَبَوّأُ مِنَ الجَنّةِ حَيثُ نَشاءُ يقول: نتخذ من الجنة بيتا، ونسكن منها حيث نحبّ ونشتهي، كما: ٢٣٣١٤ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ نَتَبَوّأُ مِنَ الجَنّةِ حَيْثُ نَشاءُ ننزل منها حيث نشاء. و قوله: فَنِعْمَ أجْرُ العامِلِينَ يقول: فنعم ثواب المطيعين للّه، العاملين له في الدنيا الجنة لمن أعطاه اللّه إياها في الاَخرة. ٧٥القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَآفّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقّ وَقِيلَ الْحَمْدُ للّه رَبّ الْعَالَمِينَ }. يقول تعالى ذكره: وترى يا محمد الملائكة محدقين من حول عرش الرحمن، و يعني بالعرش: السرير. ذكر من قال ذلك: ٢٣٣١٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَتَرَى المَلائِكَةَ حافّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ محدقين. ٢٣٣١٦ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ وَتَرَى المَلائِكَةَ حافّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ قال: محدقين حول العرش، قال: العرش: السرير. واختلف أهل العربية في وجه دخول (مِنْ) في قوله: حافّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ والمعنى: حافّين حول العرش. وفي قوله: وَلَقَدْ أُوحِيَ إلَيْكَ وَإلى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنّ عَمَلُكَ فقال بعض نحويي البصرة: أدخلت (مِنْ) في هذين الموضعين توكيدا، واللّه أعلم، كقولك: ما جاءني من أحد وقال غيره: قبل وحول وما أشبههما ظروف تدخل فيها (مِنْ) وتخرج، نحو: أتيتك قبل زيد، ومن قبل زيد، وطفنا حولك ومن حولك، وليس ذلك من نوع: ما جاءني من أحد، لأن موضع (مِنْ) في قولهم: ما جاءني من أحد رفع، وهو اسم. والصواب من القول في ذلك عندي أن (مِنْ) في هذه الأماكن، أعني في قوله مِنْ حَوْل العَرْشِ ومن قبلك، وما أشبه ذلك، وإن كانت دخلت على الظروف فإنها بمعنى التوكيد. و قوله: يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ يقول: يصلون حول عرش اللّه شكرا له والعرب تدخل الباء أحيانا في التسبيح، وتحذفها أحيانا، فتقول: سبح بحمد اللّه ، وسبح حَمْدَ اللّه ، كما قال جلّ ثناؤه: سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَى، وقال في موضع آخر: فَسَبّحْ باسْم رَبّكَ العَظِيمِ. و قوله: وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالحَقّ يقول: وقضى اللّه بين النبي ين الذين جيء بهم، والشهداء وأممها بالعدل، فأسكن أهل الإيمان باللّه ، وبما جاءت به رسله الجنة. وأهل الكفر به، ومما جاءت به رسله النار. وَقِيلَ الحَمْدُ للّه رَبّ العَالمِينَ يقول: وختمت خاتمة القضاء بينهم بالشكر للذي ابتدأ خلقهم الذي له الألوهية، ومُلك جميع ما في السموات والأرض من الخلق من ملك وجنّ وإنس، وغير ذلك من أصناف الخلق. وكان قتادة يقول في ذلك ما: ٢٣٣١٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَيُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ... الاَية، كلها قال: فتح أوّل الخلق بالحمد للّه، فقال: الحمد للّه الذي خلق السموات والأرض، وختم بالحمد فقال: وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالحَقّ وَقِيلَ الحَمْدُ للّه رَبّ العَالمِينَ. |
﴿ ٠ ﴾