٢

و قوله: إنّا أنْزَلْنا إلَـيْكَ الكِتابَ بـالـحَقّ

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم : إنا أنزلنا إلـيك يا مـحمد الكتاب، يعني بـالكتاب: القرآن بـالـحقّ يعني بـالعدل يقول: أنزلنا إلـيك هذا القرآن يأمر بـالـحقّ والعدل، ومن ذلك الـحقّ والعدل أن تعبد اللّه مخـلِصا له الدين، لأن الدين له لا للأوثان التـي لا تـملك ضرّا ولا نفعا. وبنـحو الذي قلنا فـي معنى قوله: الكِتابَ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٣١٠٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إنّا أنْزَلْنا إلَـيْكَ الكِتابَ بـالـحَقّ يعني : القرآن.

و قوله: فـاعْبُدِ اللّه مُخْـلِصا لَهُ الدّينَ

يقول تعالـى ذكره: فـاخشع للّه يا مـحمد بـالطاعة، وأخـلص له الألوهة، وأفرده بـالعبـادة، ولا تـجعل له فـي عبـادتك إياه شريكا، كما فَعَلَتْ عَبَدة الأوثان. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٣١٠٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن حفص، عن شمر، قال: يؤتـي بـالرجل يوم القـيامة للـحساب وفـي صحيفته أمثال الـجبـال من الـحسنات، فـيقول ربّ العزّة جلّ وعزّ: صَلّـيت يوم كذا وكذا، لـيقال: صلّـى فلان أنا اللّه لا إله إلا أنا، لـي الدين الـخالص. صمتَ يوم كذا وكذا، لـيقال: صام فلان أنا اللّه لا آله إلا أنا لـي الدين الـخالص، تصدّقت يوم كذا وكذا، لـيقال: تصدّق فلان أنا اللّه لا إله إلا أنا لـي الدين الـخالص فما يزال يـمـحو شيئا بعد شيء حتـى تبقـى صحيفته ما فـيها شيء، فـيقول ملكاه: يا فلان، ألغير اللّه كنت تعمل.

٢٣١٠٨ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، أما قوله: مُخْـلِصا لَهُ الدّينَ فـالتوحيد، والدين منصوب بوقوع مخـلصا علـيه.

و قوله: ألا للّه الدّينُ الـخالِصُ

يقول تعالـى ذكره: ألا للّه العبـادة والطاعة وحده لا شريك له، خالصة لا شرك لأحد معه فـيها، فلا ينبغي ذلك لأحد، لأن كل ما دونه ملكه، وعلـى الـمـملوك طاعة مالكه لا من لا يـملك منه شيئا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٣١٠٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ألا للّه الدّينُ الـخالِصُ شهادة أن لا إله إلا اللّه .

و قوله: وَالّذِينَ اتّـخَذُوا مِنْ دُونِهِ أوْلِـياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إلاّ لِـيُقَرّبُونا إلـى اللّه زُلْفَـى

يقول تعالـى ذكره: والذين اتـخذوا من دون اللّه أولـياء يَتَولّونهم، ويعبدونهم من دون اللّه ، يقولون لهم: ما نعبدكم أيها الاَلهة إلا لتقربونا إلـى اللّه زُلْفَـى، قربة ومنزلة، وتشفعوا لنا عنده فـي حاجاتنا وهي فـيـما ذُكر فـي قراءة أبـيّ: (ما نَعْبُدُكُمْ) ، وفـي قراءة عبد اللّه : (قالُوا ما نَعْبُدُهُمْ) وإنـما حسُن ذلك لأن الـحكاية إذا كانت بـالقول مضمرا كان أو ظاهرا، جعل الغائب أحيانا كالـمخاطب، ويترك أخرى كالغائب، وقد بـيّنت ذلك فـي موضعه فـيـما مضى.

٢٣١١٠ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: هي فـي قراءة عبد اللّه : (قالُوا ما نَعْبُدُهُمْ) .

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٢٣١١١ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ، فـي قوله: ما نَعْبُدُهُمْ إلاّ لِـيُقَرّبُونا إلـى اللّه زُلْفَـى قال: قريش تقوله للأوثان، ومن قَبْلَهم يقوله للـملائكة ولعيسى ابن مريـم ولعزَيز.

٢٣١١٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَالّذِينَ اتّـخَذُوا مِنْ دُونِهِ أوْلِـياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إلاّ لِـيُقَرّبُونا إلـى اللّه زُلْفَـى قالوا: ما نعبد هؤلاء إلا لـيقرّبونا، إلا لـيشفعُوا لنا عند اللّه .

٢٣١١٣ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: ما نَعْبُدُهُمْ إلاّ لِـيُقَرَبونا إلـى اللّه زُلْفَـى قال: هي منزلة.

٢٣١١٤ـ حدثنـي علـيّ، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: حدثنا معاوية، عن علـيّ، عن ابن عباس ، فـي قوله: وَالّذِينَ اتّـخَذُوا مِنْ دُونِهِ أوْلِـياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إلاّ لِـيُقَرّبُونا إلـى اللّه زُلْفَـى.

و قوله: وَلَوْ شاءَ اللّه ما أشْرَكُوا يقول سبحانه: لو شئت لـجمعتهم علـى الهدى أجمعين.

٢٣١١٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: ما نَعْبُدُهُمْ إلاّ لِـيُقَرّبونا إلـى اللّه زُلْفَـى قال: قالوا هم شفعاؤنا عند اللّه ، وهم الذين يقرّبوننا إلـى اللّه زلفـي يوم القـيامة للأوثان، والزلفـى: القُرَب.

و قوله: إنّ اللّه يَحْكُمُ بَـيْنَهُمْ فِـيـما هُمْ فِـيهِ يَخْتَلِفُونَ

يقول تعالـى ذكره: إن اللّه يفصل بـين هؤلاء الأحزاب الذين اتـخذوا فـي الدنـيا من دون اللّه أولـياء يوم القـيامة، فـيـما هم فـيه يختلفون فـي الدنـيا من عبـادتهم ما كانوا يعبدون فـيها، بأن يُصْلِـيَهم جميعا جهنـم، إلا من أخـلص الدين للّه، فوحده، ولـم يشرك به شيئا.

﴿ ٢