٣وفي قوله: غافِرِ الذّنْبِ وجهان أحدهما: أن يكون بمعنى يغفر ذنوب العباد، وإذا أريد هذا المعنى، كان خفض غافر وقابل من وجهين، أحدهما من نية تكرير (من) ، فيكون معنى الكلام حينئذ: تنزيل الكتاب من اللّه العزيز العليم، من غافر الذنب، وقابل التوب، لأن غافر الذنب نكرة، وليس بالأفصح أن يكون نعتا للمعرفة، وهو نكرة، والاَخر أن يكون أجرى في إعرابه، وهو نكرة على إعراب الأوّل كالنعت له، لوقوعه بينه وبين قوله: ذِي الطّوْلِ وهو معرفة.. وقد يجوز أن يكون أتبع إعرابه وهو نكرة إعراب الأوّل، إذا كان مدحا، وكان المدح يتبع إعرابه ما قبله أحيانا، ويعدل به عن إعراب الأوّل أحيانا بالنصب والرفع كما قال الشاعر: لا يَبْعَدَنْ قَوْمي الّذِينَ هُمُسَمّ العُدَاةِ وآفَةُ الجُزُرِ النّازِلِينَ بِكُلّ مَعُتَركٍوالطّيِبينَ معَاقِدَ الأُزُزُ وكما قال جل ثناؤه وَهُوَ الغَفُورُ الَودُودُ ذُو العَرْشِ المَجِيدُ فَعّالٌ لِمَا يُرِيدُ فرفع فعّالٌ وهو نكرة محضة، وأتبع إعراب الغفور الودود والاَخر: أن يكون معناه: أن ذلك من صفته تعالى، إذ كان لم يزل لذنوب العباد غفورا من قبل نزول هذه الاَية وفي حال نزولها، ومن بعد ذلك، فيكون عند ذلك معرفة صحيحة ونعتا على الصحة. وقال: غافِرِ الذّنْبِ ولم يقل الذنوب، لأنه أريد به الفعل، وأما قوله: وَقابِلِ التّوْبِ فإن التوب قد يكون جمع توبة، كما يجمع الدّومة دَوما والعَومة عَوما من عومة السفينة، كما قال الشاعر: (عَوْمَ السّفِينَ فَلَمّا حالَ دُونَهُمُ ) وقد يكون مصدر تاب يتوب توبا. وقد: ٢٣٣٢٣ـ حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق، قال: جاء رجل إلى عمر، فقال: إني قتلت، فهل لي من توبة؟ قال: نعم، اعمل ولا تيأس، ثم قرأ: حم تَنْزِيلُ الكِتابِ مِنَ اللّه العَزِيرِ العَلِيمِ غافِرِ الذّنْبِ وَقابِلِ التّوْبِ. و قوله: شَدِيد العقابِ يقول تعالى ذكره: شديد عقابه لمن عاقبه من أهل العصيان له، فلا تتكلوا على سعة رحمته، ولكن كونوا منه على حذر، باجتناب معاصيه، وأداء فرائضه، فإنه كما أن لا يؤيس أهل الإجرام والاَثام من عفوه، وقبول توبة من تاب منهم من جرمه، كذلك لا يؤمنهم من عقابه وانتقامه منهم بما استحلوا من محارمه، وركبوا من معاصيه. و قوله: ذِي الطّوْلِ يقول: ذي الفضل والنعم المبسوطة على من شاء من خلقه يقال منه: إن فلانا لذو طَوْل على أصحابه، إذا كان ذا فضل عليهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٣٢٤ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو الصالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: ذِي الطّوْلِ يقول: ذي السعة والغنى. ٢٣٣٢٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول اللّه : ذِي الطّوْلِ الغنى. ٢٣٣٢٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ذِي الطّوْلِ: أي ذي النعم. وقال بعضهم: الطّول: القدرة. ذكر من قال ذلك: ٢٣٣٢٧ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ذِي الطّوْلِ قال: الطول القدرة، ذاك الطول. و قوله: لا إلَهَ إلاّ هوَ إلَيْهِ المَصِيرُ يقول: لا معبود تصلح له العبادة إلا اللّه العزيز العليم، الذي صفته ما وصف جلّ ثناؤه، فلا تعبدوا شيئا سواه إلَيْهِ المَصِيرُ يقول تعالى ذكره: إلى اللّه مصيركم ومرجعكم أيها الناس، فإياه فاعبدوا، فإنه لا ينفعكم شيء عبدتموه عند ذلك سواه. |
﴿ ٣ ﴾