تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآنللإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبريإمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)_________________________________سورة الشورىمكية آياتها ٥٣ نزلت بعد فصلت بسم اللّه الرحمَن الرحيـم ١حم انظر تفسير الآية:٢ ٢عَسَقَ قد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في معاني حروف الهجاء التي افتتحت بها أوائل ما افتتح بها من سور القرآن، وبيّنا الصواب من قولهم في ذلك عندنا بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع، إذ كانت هذه الحروف نظيرة الماضية منها. وقد ذكرنا عن حُذيفة في معنى هذه خاصة قولاً، وهو ما: ٢٣٦٢٧ـ حدثنا به أحمد بن زهير، قال: حدثنا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي، قال: حدثنا أبو المُغيرة عبد القدوس بن الحجاج الحمصي، عن أرطاة بن المنذر قال: جاء رجل إلى ابن عباس ، فقال له وعنده حُذيفة بن اليمان، أخبرني عن تفسير قول اللّه : حَم. عسق، قال: فأطرق ثم أعرض عنه، ثم كرّر مقالته فأعرض فلم يجبه بشيء وكره مقالته، ثم كرّرها الثالثة فلم يجبه شيئاً، فقال له حُذيفة: أنا أنبئك بها، قد عرفت بم كرهها نزلت في رجل من أهل بيته يقال له عبد الإله أو عبداللّه ينزل على نهر من أنهار المشرق، تبنى عليه مدينتان يشقّ النهر بينهما شقاً، فإذا أذن اللّه في زوال مُلكهم، وانقطاع دولتهم ومدتهم، بعث اللّه على إحداهما ناراً ليلاً، فتصبح سوداء مظلمة قد احترقت، كأنها لم تكن مكانها، وتصبح صاحبتها متعجبة، كيف أفلتت، فما هو إلا بياض يومها ذلك حتى يجتمع فيها كلّ جبار عنيد منهم، ثم يخسف اللّه بها وبهم جميعاً، فذلك قوله: حم. عسق يعني : عزيمة من اللّه وفتنة وقضاء حم، عين: يعني عدلاً منه، سين: يعني سيكون، وقاف: يعني واقع بهاتين المدينتين. وذُكر عن ابن عباس أنه كان يقرؤه (حم. سق) بغير عين، ويقول: إن السين: عمر كل فرقة كائنة وإن القاف: كل جماعة كائنة ويقول: إن علياً إنما كان يعلم العين بها. وذُكر أن ذلك في مصحف عبد اللّه على مثل الذي ذكر عن ابن عباس من قراءته من غير عين. ٣القول فـي تأويـل قوله تعالى: و قوله: كَذَلَكَ يُوحِي إلَيْكَ وَإلى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللّه العَزِيزُ الحَكِيمُ يقول تعالى ذكره: هكذا يوحِي إليك يا محمد وإلى الذين من قبلك من أنبيائه. و قيل: إن حم عين سين ق أوحيت إلى كلّ نبيّ بُعث، كما أُوحيت إلى نبينا صلى اللّه عليه وسلم ، ولذلك قيل: كَذَلَكَ يُوحِي إلَيْكَ وإلى الّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللّه العَزِيزُ في انتقامه من أعدائه الحَكِيمُ في تدبيره خلقه. ٤القول فـي تأويـل قوله تعالى: لَهُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَهُوَ الْعَلِيّ العَظِيمُ يقول تعالى ذكره: للّه مُلك مَا فِي السّمَواتِ وَمَا فِي الأرْضِ من الأشياء كلها وَهُوَ العَلِيّ يقول: وهو ذو علوّ وارتفاع على كلّ شيء، والأشياء كلها دونه، لأنهم في سلطانه، جارية عليهم قُدرته، ماضية فيهم مشيئته الّعَظِيمُ الذي له العظمة والكبرياء والجبرية. ٥و قوله: تَكادُ السّمَوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنّ يقول تعالى ذكره: تكاد السموات يتشققن من فوق الأرضين، من عظمة الرحمن وجلاله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٦٢٨ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: تَكادُ السّمَوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنّ قال: يعني من ثقل الرحمن وعظمته تبارك وتعالى. ٢٣٦٢٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: تَكادُ السّمَوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنّ: أي من عظمة اللّه وجلاله. حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ، مثله. ٢٣٦٣٠ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ تَكادُ السّمَواتُ يَتَفَطّرْنَ قال: يتشقّقن في قوله: مُنْفَطِرٌ بِهِ قال: منشقّ به. ٢٣٦٣١ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: يَتَفَطّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنّ يقول: يتصدّعن من عظمة اللّه . ٢٣٦٣٢ـ حدثنا محمد بن منصور الطوسي، قال: حدثنا حسين بن محمد، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، قال: جاء رجل إلى كعب فقال: يا كعب أين ربنا؟ فقال له الناس: دقّ اللّه تعالى، أفتسأل عن هذا؟ فقال كعب: دعوه، فإن يك عالماً ازداد، وإن يك جاهلاً تعلم. سألت أين ربنا، وهو على العرش العظيم متكىء، واضع إحدى رجليه على الأخرى، ومسافة هذه الأرض التي أنت عليها خمسمائة سنة ومن الأرض إلى الأرض مسيرة خمس مئة سنة، وكثافتها خمس مئة سنة، حتى تمّ سبع أرضين، ثم من الأرض إلى السماء مسيرة خمس مئة سنة، وكثافتها خمس مئة سنة، واللّه على العرش متكىء، ثم تفطر السموات. ثم قال كعب: اقرأوا إن شئتم تَكادُ السّمَوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنّ... الاَية. و قوله: وَالمَلائِكَةُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ يقول تعالى ذكره: والملائكة يصلون بطاعة ربهم وشكرهم له من هيبة جلاله وعظمته، كما: ٢٣٦٣٣ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وَالمَلائِكَةُ يَسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ قال: الملائكة يسبحون له من عظمته. و قوله: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأرْضِ يقول: ويسألون ربهم المغفرة لذنوب من في الأرض من أهل الإيمان به، كما: ٢٣٦٣٤ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأرْضِ قال: للمؤمنين. يقول اللّه عزّ وجلّ: ألا إن اللّه هو الغفور لذنوب مؤمني عباده، الرحيم بهم أن يعاقبهم بعد توبتهم منها. ٦القول فـي تأويـل قوله تعالى: وَالّذِينَ اتّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ اللّه حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم وَالّذِينَ اتّخَذُوا يا محمد من مشركي قومك مِنْ دُونِهِ اللّه آلهة يتولونها ويعبدونها اللّه حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ يُحْصِي عليهم أفعالهم، ويحفظ أعمالهم، ليجازيهم بها يوم القيامة جزاءهم وَما أنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ يقول: ولست أنت يا محمد بالوكيل عليهم بحفظ أعمالهم، وإنما أنت منذر، فبلغهم ما أرسلت به إليهم، فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب. ٧القول فـي تأويـل قوله تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لّتُنذِرَ أُمّ الْقُرَىَ ... يقول تعالى ذكره: وهكذا أوْحَيْنا إلَيْكَ يا محمد قُرْآنا عَرَبِيّا بلسان العرب، لأن الذين أرسلتك إليهم قوم عرب، فأوحينا إليك هذا القرآن بألسنتهم، ليفهموا ما فيه من حجج اللّه وذكره، لأنا لا نرسل رسولاً إلا بلسان قومه، ليبين لهم لِتُنْذِرَ أُمّ القُرَى وهي مكة وَمَنْ حَوْلَهَا يقول: ومن حول أمّ القرى من سائر الناس. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٦٣٥ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: لِتُنْذِرَ أُمّ القُرَى قال: مكة. و قوله: وَتُنْذِرَ يَوْمَ الجَمْعِ يقول عزّ وجلّ: وتنذر عقاب اللّه في يوم الجمع عباده لموقف الحساب والعرض. و قيل: وتنذر يوم الجمع، والمعنى: وتنذرهم يوم الجمع، كما قيل: يخوّف أولياءه، والمعنى: يخوّفكم أولياءه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٦٣٦ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ وَتُنْذِرَ يَوْمَ الجَمْعِ قال: يوم القِيامَةِ. و قوله: لا رَيْبَ فِيهِ يقول: لا شكّ فيه. و قوله: فَرِيقٌ فِي الجَنّة وَفَرِيقٌ فِي السّعِيرِ يقول: منهم فريق في الجنة، وهم الذين آمنوا باللّه واتبعوا ما جاءهم به رسوله صلى اللّه عليه وسلم وَفَرِيقٌ فِي السّعِيرِ يقول: ومنهم فريق في الموقدة من نار اللّه المسعورة على أهلها، وهم الذين كفروا باللّه ، وخالفوا ما جاءهم به رسوله. وقد: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن أبي قبيل المعافريّ، عن شفيّ الأصبحيّ، عن رجل من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال: خرج علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وفي يده كتابان، فقال: (هَلْ تَدْرُونَ ما هَذَا؟) فقلنا: لا، إلا أن تخبرنا يا رسول اللّه ، قال: (هَذَا كِتابٌ مِنْ رَبّ العالَمِينَ، فِيهِ أسْماءُ أهْلِ الجَنّةِ، وأسماءُ آبائِهِمْ وَقَبَائِلِهمْ) ، ثُمّ أُجْمِلَ، على آخِرِهِم، (فَلا يُزادُ فِيهِمْ وَلا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أبَداً، وَهَذَا كِتابُ أهْلِ النّارِ بِأسمْائِهِمْ وأسْماءِ آبائِهِمْ) ، ثُمّ أُجْمِلَ على آخِرِهِم، (فَلا يُزَادُ وَلا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أبَداً) ، قال أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ففيم إذن نعمل إن كان هذا أمر قد فُرغ منه؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (بَلْ سَدّدُوا وَقارِبُوا، فإنّ صَاحِبَ الجَنّةِ يُخْتمُ لَهُ بعَمَلِ الجَنّةِ وَإنْ عَمِلَ أيّ عَمَلٍ، وَصَاحِبُ النّارِ يُخْتَمُ لَه بعَمَلِ النّارِ وَإنْ عَمِلَ أيّ عَمَلٍ، فَرَغَ رَبّكُمْ مِنَ العِبادِ) ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بيديه فنبذهما: (فَرَغ رَبّكُمْ مِنَ الخَلْقِ، فَرِيقٌ فِي الجَنّةِ، وَفَرِيقٌ فِي السّعِيرِ) قالوا: سبحان اللّه ، فلم نعمل وننصب؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (العَمَلُ إلى خَوَاتِمِهِ) . ٢٣٦٣٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحرث وحيوة بن شريح، عن يحيى بن أبي أسيد، أن أبا فراس حدثه أنه سمع عبد اللّه بن عمرو يقول: إن اللّه تعالى ذكره لما خلق آدم نفضه نفض المزود، فأخرج منه كلّ ذرية، فخرج أمثال النغف، فقبضهم قبضتين، ثم قال: شقي وسعيد، ثم ألقاهما، ثم قبضهما فقال: فَرِيقٌ فِي الجَنّةِ وَفَرِيقٌ فِي السّعِيرِ. ٢٣٦٣٨ـ قال: أخبرني عمرو بن الحرث، عن أبي شُبّويه، حدثه عن ابن حجيرة أنه بلغه أن موسى قال: يا ربّ خلقك الذين خلقتهم، جعلت منهم فريقاً في الجنة وفريقاً في السعير، لوما أدخلتهم كلهم الجنة قال: يا موسى ارفع زرعك، فرفع، قال: قد رفعت، قال: ارفع، فرفع، فلم يترك شيئاً، قال: يا ربّ قد رفعت، قال: ارفع، قال: قد رفعت إلا ما لا خير فيه، قال: كذلك أدخل خلقي كلهم الجنة إلا ما لا خير فيه. و قيل: فَرِيقٌ فِي الجَنّةِ وَفَرِيقٌ فِي السّعِيرِ فرفع، وقد تقدّم الكلام قبل ذلك ب قوله: لِتُنْذِرَ أُمّ القُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا بالنصب، لأنه أريد به الابتداء، كما يقال: رأيت العسكر مقتول أو منهزم، بمعنى: منهم مقتول، ومنهم منهزم. ٨القول فـي تأويـل قوله تعالى: وَلَوْ شَآءَ اللّه لَجَعَلَهُمْ أُمّةً وَاحِدَةً وَلَـَكِن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظّالِمُونَ مَا لَهُمْ مّن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ يقول تعالى ذكره: ولو أراد اللّه أن يجمع خلقه على هدى، ويجعلهم على ملة واحدة لفعل، ولجعلهم أمة واحدة يقول: أهل ملة واحدة، وجماعة مجتمعة على دين واحد وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ يقول: لم يفعل ذلك فيجعلهم أمة واحدة، ولكن يُدخل من يشاء، من عباده في رحمته، يعني أنه يُدخله في رحمته بتوفيقه إياه للدخول في دينه، الذي ابتعث به نبيه محمداً صلى اللّه عليه وسلم وَالظّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيّ وَلا نَصِيرٍ يقول: والكافرون باللّه ما لهم من وليّ يتولاهم يوم القيامة، ولا نصير ينصرهم من عقاب اللّه حين يعاقبهم، فينقذهم من عذابه، ويقتصّ لهم ممن عاقبهم، وإنما قيل هذا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تسلية له عما كان يناله من الهمّ بتولية قومه عنه، وأمراً له بترك إدخال المكروه على نفسه من أجل إدبار من أدبر عنه منهم، فلم يستجب لما دعاه إليه من الحقّ، وإعلاماً له أن أمور عباده بيده، وأنه الهادي إلى الحقّ من شاء، والمضلّ من أراد دونه، ودون كلّ أحد سواه. ٩القول فـي تأويـل قوله تعالى: أَمِ اتّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ فَاللّه هُوَ الْوَلِيّ وَهُوَ يُحْيِـي الْمَوْتَىَ وَهُوَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يقول تعالى ذكره: أم اتخذ هؤلاء المشركون باللّه أولياء من دون اللّه يتولونهم فاللّه هُوَ الوَلِيّ يقول: فاللّه هو وليّ أوليائه، وإياه فليتخذوا ولياً لا الاَلهة والأوثان، ولا ما لا يملك لهمّ ضرّاً ولا نفعاً، وَهُوَ يُحْي المَوْتَى يقول: واللّه يحيى الموتى من بعد مماتهم، فيحشرهم يوم القيامة وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يقول: واللّه القادر على إحياء خلقه من بعد مماتهم وعلى غير ذلك، إنه ذو قدرة على كلّ شيء. ١٠و قوله: وَما اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلى اللّه يقول تعالى ذكره: وما اختلفتم أيها الناس فيه من شيء فتنازعتم بينكم، فحكمه إلى اللّه . يقول: فإن اللّه هو الذي يقضي بينكم ويفصل فيه الحكم. كما. ٢٣٦٣٩ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وَما اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلى اللّه قال ابن عمرو في حديثه: فهو يحكم فيه، وقال الحارث: فاللّه يحكم فيه. و قوله: ذَلِكُمْ اللّه رَبّي عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ يقول لنبيه صلى اللّه عليه وسلم : قل لهؤلاء المشركين باللّه هذا الذي هذه الصفات صفاته ربي، لا آلهتكم التي تدعون من دونه، التي لا تقدر على شيء عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ في أموري، وإليه فوّضت أسبابي، وبه وثقت وَإلَيْهِ أُنِيبُ يقول: وإليه أرجع في أموري وأتوب من ذنوبي. ١١القول فـي تأويـل قوله تعالى: فَاطِرُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ جَعَلَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً ... يقول تعالى ذكره: فَاطِرُ السّمَواتِ وَالأَرْضِ، خالق السموات السبع والأرض. كما: ٢٣٦٤٠ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، قوله: فاطِرُ السّمَوَاتِ والأرْضِ قال: خالق. و قوله: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْوَاجاً يقول تعالى ذكره: زوّجكم ربكم من أنفسكم أزواجاً. وإنما قال جلّ ثناؤه: مِنْ أنْفُسِكُمْ لأنه خلق حوّاء من ضلع آدم، فهو من الرجال. وَمِنَ الأنْعامِ أزْوَاجاً يقول جلّ ثناؤه: وجعل لكم من الأنعام أزواجاً من الضأن اثنين، ومن المعز اثنين، ومن الإبل اثنين، ومن البقر اثنين، ذكوراً وإناثاً، ومن كل جنس من ذلك يَذْرَؤُكُم فِيهِ: يقول: يخلقكم فيما جعل لكم من أزواجكم، ويعيشكم فيما جعل لكم من الأنعام. وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ في هذا الموضع، فقال بعضهم: معنى ذلك: يخلقكم فيه. ذكر من قال ذلك: ٢٣٦٤١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ قال: نسل بعد نسل من الناس والأنعام. ٢٣٦٤٢ـ حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، قوله: يَذْرَؤُكُمْ قال: يخلقكم. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهد، في قوله: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ قال: نسلاً بعد نسل من الناس والأنعام. ٢٣٦٤٣ـ حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن منصور، أنه قال في هذه الاَية: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ قال: يخلقكم. وقال آخرون: بل معناه: يعيشكم فيه. ذكر من قال ذلك: ٢٣٦٤٤ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْوَاجاً وَمِنَ الأنْعام أزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ يقول: يجعل لكم فيه معيشة تعيشون بها. ٢٣٦٤٥ـحدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ قال: يعيشكم فيه. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ قال: عيش من اللّه يعيشكم فيه. وهذان القولان وإن اختلفا في اللفظ من قائليهما فقد يحتمل توجيههما إلى معنى واحد، وهو أن يكون القائل في معناه يعيشكم فيه، أراد بقوله ذلك: يحييكم بعيشكم به كما يحيى من لم يخلق بتكوينه إياه، ونفخه الروح فيه حتى يعيش حياً. وقد بيّنت معنى ذرء اللّه الخلق فيما مضى بشواهده المغنية عن إعادته. و قوله: لَيْس كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فيه وجهان: أحدهما أن يكون معناه: ليس هو كشيء، وأدخل المثل في الكلام توكيداً للكلام إذا اختلف اللفظ به وبالكاف، وهما بمعنى واحد، كما قيل: ما إنْ نَدِيتُ بشَيْءٍ أنْتَ تَكْرَهُهُ فأدخل على (ما) وهي حرف جحد (إن) وهي أيضاً حرف جحد، لاختلاف اللفظ بهما، وإن اتفق معناهما توكيداً للكلام، وكما قال أوس بن حَجَر: وَقَتْلَى كمِثْلِ جُذوعِ نّخيلْتَغَشّاهُمْ مُسْبِلٌ مُنْهَمِرْ ومعنى ذلك: كجذوع النخيل، وكما قال الاَخر: سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ إذَا أبْصَرْتَ فَضْلَهُمُما إنْ كمِثْلِهِمِ فِي النّاسِ مِنَ أحَدِ والاَخر: أن يكون معناه: ليس مثل شيء، وتكون الكاف هي المدخلة في الكلام، كقول الراجز: وَصَالِياتِ كَكَما يُؤْثَفَيْنِ فأدخل على الكاف كافاً توكيداً للتشبيه، وكما قال الاَخر: تَنْفِي الغَيادِيقُ عَلى الطّرِيقِقَلّصَ عَنْ كَبَيْضَةٍ فِي نِيقِ فأدخل الكاف مع (عن) ، وقد بيّنا هذا في موضع غير هذا المكان بشرح هو أبلغ من هذا الشرح، فلذلك تجوّزنا في البيان عنه في هذا الموضع. و قوله: وَهُوَ السّمِيعُ البَصِيرُ يقول جل ثناؤه واصفاً نفسه بما هو به، وهو يعني نفسه: السميع لما تنطق به من خلقه قول، البصير لأعمالهم، لا يخفى عليه من ذلك شيء، ولا يعزب عنه علم شيء منه، وهو محيط بجميعه، محصٍ صغيره وكبيره لِتُجْزَى كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ من خير أو شرّ. ١٢القول فـي تأويـل قوله تعالى: لَهُ مَقَالِيدُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يعني تعالى ذكره ب قوله: لَهُ مَقالِيدُ السّمَوَاتِ والأرْضِ: له مفاتيح خزائن السموات والأرض وبيده مغاليق الخير والشرّ ومفاتيحها، فما يفتح من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٦٤٦ـ حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد لَهُ مَقالِيدُ السّمَوَاتِ والأرْضِ قال: مفاتيح بالفارسية. ٢٣٦٤٧ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة لَهُ مَقالِيدُ السّمَوَاتِ والأرْض قال: مفاتيح السموات والأرض. وعن الحسن بمثل ذلك. ٢٣٦٤٨ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ لَهُ مَقاليدُ السّمَوَاتِ والأرْضِ قال: خزائن السموات والأرض. و قوله: يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ يقول: يوسع رزقه وفضله على من يشاء من خلقه، ويبسط له، ويكثر ماله ويغنيه. ويقدر: يقول: ويقتر على من يشاء منهم فيضيقه ويفقره إنّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يقول: إن اللّه تبارك وتعالى بكل ما يفعل من توسيعه على من يوسع، وتقتيره على من يقتر، ومن الذي يصلحه البسط عليه في الرزق، ويفسده من خلقه، والذي يُصلحه التقتير عليه ويفسده، وغير ذلك من الأمور، ذو علم لا يخفى عليه موضع البسط والتقتير وغيره، من صلاح تدبير خلقه. يقول تعالى ذكره: فإلى من له مقاليد السموات والأرض الذي صفته ما وصفت لكم في هذه الاَيات أيها الناس فارغبوا، وإياه فاعبدوا مخلصين له الدين لا الأوثان والاَلهة والأصنام، التي لا تملك لكم ضرّاً ولا نفعاً. ١٣القول فـي تأويـل قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُم مّنَ الدّينِ مَا وَصّىَ بِهِ نُوحاً وَالّذِيَ... } يقول تعالى ذكره: شَرَعَ لَكُمْ ربكم أيها الناس مِنَ الدّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً أن يعمله وَالّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ يقول لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : وشرع لكم من الدين الذي أوحينا إليك يا محمد، فأمرناك به وَما وَصّيْنا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أنْ أقِيمُوا الدّينَ يقول: شرع لكم من الدين، أن أقيموا الدين (فأن) إذ كان ذلك معنى الكلام، في موضع نصب على الترجمة بها عن (ما) التي في قوله: ما وَصّى بِهِ نُوحاً. ويجوز أن تكون في موضع خفض ردّاً على الهاء التي في قوله: بِهِ، وتفسيراً عنها، فيكون معنى الكلام حينئذٍ: شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً، أن أقيموا الدين ولا تتفرّقوا فيه. وجائز أن تكون في موضع رفع على الاستئناف، فيكون معنى الكلام حينئذٍ: شرع لكم من الدين ما وصى به، وهو أن أقيموا الدين. وإذ كان معنى الكلام ما وصفت، فمعلوم أن الذي أوصى به جميع هؤلاء الأنبياء وصية واحدة، وهي إقامة الدين الحق، ولا تتفرّقوا فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٦٤٩ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى حدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ما وَصّى بِهِ نُوحاً قال: ما أوصاك به وأنبيائه، كلهم دين واحد. ٢٣٦٥٠ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً قال: هو الدين كله. ٢٣٦٥١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً بعث نوح حين بعث بالشريعة بتحليل الحلال، وتحريم الحرام وَما وَصّيْنا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَموسَى وَعِيسَى. حدثنا محمد ، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً قال: الحلال والحرام. ٢٣٦٥٢ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدّين ما وَصّى بِهِ نُوحاً... إلى آخر الاَية، قال: حسبك ما قيل لك. وعنى ب قوله: أنْ أقِيمُوا الدّينَ أن اعملوا به على ما شرع لكم وفرض، كما قد بينا فيما مضى قبل في قوله: أقِيمُوا الصّلاة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٦٥٣ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: أنْ أقِيمُوا الدّينَ قال: اعملوا به. و قوله: وَلا تَتَفَرّقُوا فِيهِ يقول: ولا تختلفوا في الدين الذي أُمِرتُم بالقيام به، كما اختلف الأحزاب من قبلكم. كما: ٢٣٦٥٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَلا تَتَفَرّقُوا فِيهِ تعلّموا أن الفرقة هلكة، وأن الجماعة ثقة. و قوله: كَبُرَ على المُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إلَيْهِ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : كبر على المشركين باللّه من قومك يا محمد ما تدعوهم إليه من إخلاص العبادة للّه، وإفراده بالألوهية والبراءة مما سواه من الاَلهة والأنداد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٦٥٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة كَبُرَ على المُشْرِكيِنَ ما تَدْعُوهُمْ إلَيْهِ قال: أنكرها المشركون، وكبر عليهم شهادة أن لا إله إلا اللّه ، فصادمها إبليس وجنوده، فأبى اللّه تبارك وتعالى إلا أن يمضيها وينصرها ويفلجها ويظهرها على من ناوأها. و قوله: اللّه يَجْتَبي إلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيهْدِي إلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ يقول: اللّه يصطفي إليه من يشاء من خلقه، ويختار لنفسه، وولايته من أحبّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٦٥٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: اللّه يَجْتَبِي إلَيْهِ مَنْ يَشاءُ، وَيَهْدِي إلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ يقول: ويوفق للعمل بطاعته، واتباع ما بعث به نبيه عليه الصلاة والسلام من الحقّ من أقبل إلى طاعته، وراجع التوبة من معاصيه. كما: ٢٣٦٥٧ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ وَيَهْدِي إلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ: من يقبل إلى طاعة اللّه . ١٤القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَمَا تَفَرّقُوَاْ إِلاّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ ...} يقول تعالى ذكره: وما تفرّق المشركون باللّه في أديانهم فصاروا أحزاباً، إلا من بعد ما جاءهم العلم، بأن الذي أمرهم اللّه به، وبعث به نوحاً، هو إقامة الدين الحقّ، وأن لا تتفرّقوا فيه. ٢٣٦٥٨ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وَما تَفَرّقُوا إلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ العِلْمُ فقال: إياكم والفرْقة فإنها هَلكة بَغْياً بَيْنَهُمْ يقول: بغياً من بعضكم على بعض وحسداً وعداوة على طلب الدنيا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبّكَ إلى أجَلٍ مُسَمّى يقول جلّ ثناؤه: ولولا قول سبق يا محمد من ربك لا يعاجلهم بالعذاب، ولكنه أخر ذلك إلى أجل مسمى، وذلك الأجل المسمى فيما ذُكر: يوم القيامة. ذكر من قال ذلك: ٢٣٦٥٩ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبّكْ إلى أجَلٍ مُسَمّى قال: يوم القيامة. و قوله: لقضي بينهم يقول: لفرغ ربك من الحكم بين هؤلاء المختلفين في الحقّ الذي بعث به نبيه نوحاً من بعد علمهم به، بإهلاكه أهل الباطل منهم، وإظهاره أهل الحق عليهم. و قوله: وإنّ الّذِينَ أُورثُوا الكِتابَ مِنْ بَعْدَهِمْ يقول: وإن الذين أتاهم اللّه من بعد هؤلاء المختلفين في الحقّ كتابه التوراة والإنجيل لَفِي شَكْ مِنْهُ مُرِيبٌ يقول: لفي شكّ من الدين الذين وصّى اللّه به نوحاً، وأوحاه إليك يا محمد، وأمركما بإقامته مريب. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: وَإنّ الّذِينَ أُورثُوا الكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٦٦٠ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، قوله: وَإنّ الّذِينَ أُورِثُوا الكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ قال: اليهود والنصارى. ١٥القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَلاَ تَتّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ ...} يقول تعالى ذكره: فإلى ذلك الدين الذي شَرَع لكم، ووصّى به نوحاً، وأوحاه إليك يا محمد، فادع عباد اللّه ، واستقم على العمل به، ولا تَزِغ عنه، واثبتْ عليه كما أمرك ربك بالاستقامة. و قيل: فلذلك فادع، والمعنى: فإلى ذلك، فوضعت اللام موضع إلى، كما قيل: بأنّ رَبّكَ أوْحَى لَهَا. وقد بيّنا ذلك في غير موضع من كتابنا هذا. وكان بعض أهل العربية يوجه معنى ذلك، في قوله: فَلِذَلكَ فادْعُ إلى معنى هذا، ويقول: معنى الكلام: فإلى هذا القرآن فادع واستقم. والذي قال من هذا القول قريب المعنى مما قلناه، غير أن الذي قلنا في ذلك أولى بتأويل الكلام، لأنه في سياق خبر اللّه جل ثناؤه عما شرع لكم من الدين لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم بإقامته، ولم يأت من الكلام ما يدلّ على انصرافه عنه إلى غيره. و قوله: وَلا تَتّبِعْ أهْوَاءَهُم يقول تعالى ذكره: ولا تتبع يا محمد أهواء الذين شكّوا في الحقّ الذي شرعه اللّه لكم من الذين أورثوا الكتاب من بعد القرون الماضية قبلهم، فتشك فيه، كالذي شكوا فيه وقُلْ آمَنْتُ بِمَا أنْزَلَ اللّه مِنْ كِتابٍ يقول تعالى ذكره: وقل لهم يا محمد: صدّقتُ بما أنزل اللّه من كتاب كائناً ما كان ذلك الكتاب، توراة كان أو أنجيلاً أو زبوراً أو صحف إبراهيم، لا أكذّب بشيء من ذلك تكذيبكم ببعضه معشر الأحزاب، وتصديقكم ببعض. و قوله: وأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ اللّه رَبّنا وَرَبّكُمْ يقول تعالى ذكره: وقل لهم يا محمد: وأمرني ربي أن أعدل بينكم معشر الأحزاب، فأسير فيكم جميعاً بالحقّ الذي أمرني به وبعثني بالدعاء إليه. كالذي: ٢٣٦٦١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمْ قال: أمر نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يعدل، فعدل حتى مات صلوات اللّه وسلامه عليه. والعدل ميزان اللّه في الأرض، به يأخذ للمظلوم من الظالم، وللضعيف من الشديد، وبالعدل يصدّق اللّه الصادق، ويكذّب الكاذب، وبالعدل يردّ المعتدي ويوبخه. ذُكر لنا أن نبيّ اللّه داود عليه السلام: كان يقول: ثلاث من كنّ فيه أعجبني جداً: القصد في الفاقة والغنى، والعدل في الرضا والغضب، والخشية في السرّ والعلانية وثلاث من كنّ فيه أهلكته: شحّ مطاع، وهوىً متبع، وإعجاب المرء بنفسه. وأربع من أُعطِيَهُنّ فقد أُعطي خير الدنيا والاَخرة: لسان ذاكر، وقلب شاكر، وبدن صابر، وزوجة مؤمنة. واختلف أهل العربية في معنى اللام التي في قوله: وأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمْ فقال بعض نحويي البصرة: معناها: كي، وأمرت كي أعدل وقال غيره: معنى الكلام: وأمرت بالعدل، والأمر واقع على ما بعده، وليست اللام التي في لأعدل بشرط قال: وأُمِرْتُ تقع على (أن) وعلى (كي) واللام أمرت أن أعبد، وكي أعبد، ولأعبد. قال: وكذلك كلّ ما طالب الاستقبال، ففيه هذه الأوجه الثلاثة. والصواب من القول في ذلك عندي أن الأمر عامل في معنى لأعدل، لأن معناه: وأمرت بالعدل بينكم. و قوله: اللّه رَبّنا وَرَبّكُمْ يقول: اللّه مالكنا ومالككم معشر الأحزاب من أهل الكتابين التوراة والإنجيل لنَا أعمالُنا ولَكُمْ أعمالُكُمْ يقول: لنا ثواب ما اكتسبناه من الأعمال، ولكم ثواب ما اكتسبتم منها. و قوله: لا حُجّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ يقول: لا خصومة بيننا وبينكم. كما: ٢٣٦٦٢ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال حدثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: لا حُجّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ قال: لا خصومة. ٢٣٦٦٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول اللّه عز وجل: لا حُجّةَ بَيْنَا وَبَيْنَكُمْ: لا خصومة بيننا وبينكم، وقرأ: وَلا تُجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ إلاّ بالتي هِيَ أحْسَنُ... إلى آخر الاَية. و قوله: اللّه يَجْمَعُ بَيْنَنا يقول: اللّه يجمع بيننا يوم القيامة، فيقضي بيننا بالحقّ فيما اختلفنا فيه وإلَيْهِ المَصِيرُ يقول: وإليه المعاد والمرجع بعد مماتنا. ١٦القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالّذِينَ يُحَآجّونَ فِي اللّه مِن بَعْدِ مَا اسَتُجِيبَ لَهُ حُجّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } يقول تعالى ذكره: والذين يخاصمون في دين اللّه الذي ابتعث به نبيه محمداً صلى اللّه عليه وسلم من بعد ما استجاب له الناس، فدخلوا فيه من الذين أورثوا الكتاب حُجّتُهُمْ داحِضَةٌ يقول: خصومتهم التي يخاصمون فيه باطلة ذاهبة عند ربهم وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ يقول: وعليهم من اللّه غضب، ولهم في الاَخرة عذاب شديد، وهو عذاب النار. وذُكر أن هذه الاَية نزلت في قوم من اليهود خاصموا أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في دينهم، وطمعوا أن يصدّوهم عنه، ويردّوهم عن الإسلام إلى الكفر. ذكر الرواية عمن ذكر ذلك عنه: ٢٣٦٦٤ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: وَالّذِينَ يُحاجّونَ فِي اللّه مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبّهِمْ، وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ، ولَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ قال: هم أهل الكتاب كانوا يجادلون المسلمين، ويصدّونهم عن الهدى من بعد ما استجابوا للّه. وقال: هم أهل الضلالة كان استجيب لهم على ضلالتهم، وهم يتربصون بأن تأتيهم الجاهلية. ٢٣٦٦٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وَالّذِينَ يُحاجّونَ في اللّه مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ قال: طمع رجال بأن تعود الجاهلية. ٢٣٦٦٦ـ حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن منصور، عن مجاهد، أنه قال في هذه الاَية وَالّذِينَ يُحاجّونَ فِي اللّه مِنْ بَعْدِ ما اسْتَجيبَ لَهُ قال: بعد ما دخل الناس في الإسلام. ٢٣٦٦٧ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وَالّذِينَ يُحاجّونَ في اللّه مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجّتُهُمْ داحضَةٌ عِنْدَ رَبّهِمْ قال: هم اليهود والنصارى، قالوا: كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، ونحن خير منكم. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَالّذِينَ يُحاجّونَ فِي اللّه مِن بَعْدِ ما اسْتَجِيبَ لَهُ حُجّتُهُمْ داحِضَةٌ... الاَية، قال: هم اليهود والنصارى حاجوا أصحاب نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقالوا: كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، ونحن أولى باللّه منكم. ٢٣٦٦٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَالّذِينَ يُحاجُونَ فِي اللّه ... إلى آخر الاَية، قال: نهاه عن الخصومة. ١٧القول فـي تأويـل قوله تعالى: {اللّه الّذِيَ أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلّ السّاعَةَ قَرِيبٌ} يقول تعالى ذكره: اللّه الّذِي أنْزَلَ هذا الكِتابَ يعني القرآن بالحَقّ والمِيزَانِ يقول: وأنزل الميزان وهو العدل، ليقضي بين الناس بالإنصاف، ويحكم فيهم بحكم اللّه الذي أمر به في كتابه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٦٦٩ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنا الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: أنْزَلَ الكِتابَ بالحَقّ والمِيزَانَ قال: العدل. ٢٣٦٧٠ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: الّذِي أنْزَلَ الكِتابَ بالحَقّ والمِيزَان قال: الميزان: العدل. و قوله: وَما يُدْرِيكَ لَعَلّ السّاعَةَ قَرِيبٌ يقول تعالى ذكره: وأيّ شيء يدريك ويعلمك، لعل الساعة التي تقوم فيها القيامة قريب، ١٨يَسْتَعْجِلُ بِهَا الّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها: يقول: يستعجلك يا محمد بمجيئها الذين لا يوقنون بمجيئها، ظناً منهم أنها غير جائية وَالّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا يقول: والذين صدّقوا بمجيئها، ووعد اللّه إياهم الحشر فيها، مشفقون منها: يقول: وَجِلون من مجيئها، خائفون من قيامها، لأنهم لا يدرون ما اللّه فاعل بهم فيها وَيَعْلَمُونَ أنّها الحَقّ يقول: ويوقنون أن مجيئها الحقّ اليقين، لا يمترون في مجيئها ألاَ إنّ الّذِينَ يُمارُونَ فِي السّاعَةِ يقول تعالى ذكره: ألا إن الذين يخاصمون في قيام الساعة ويجادلون فيه لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ يقول: لفي جَور عن طريق الهدى، وزيغ عن سبيل الحقّ والرشاد، بعيد من الصواب. ١٩القول فـي تأويـل قوله تعالى: {اللّه لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ الْقَوِيّ الْعَزِيزُ } يقول تعالى ذكره: اللّه ذو لطف بعباده، يرزق من يشاء فيوسع عليه ويقترّ على من يشاء منهم وَهُوَ القَوِيّ الذي لا يغلبه ذو أيدٍ لشدّته، ولا يمتنع عليه إذا أراد عقابه بقدرته العَزِيزُ في انتقامه إذا انتقم من أهل معاصيه ٢٠مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الاَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ يقول تعالى ذكره: من كان يريد بعمله الاَخرة نزد له في حرثه: يقول: نزد له في عمله الحسن، فنجعل له بالواحدة عشراً، إلى ما شاء ربنا من الزيادة وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدّنيْا نُؤْتِهِ مِنْها يقول: ومن كان يريد بعمله الدنيا ولها يسعى لا للاَخرة، نؤته منها ما قسمنا له منها وما لَهُ فِي الاَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ يقول: وليس لمن طلب بعمله الدنيا، ولم يرد اللّه به في ثواب اللّه لأهل الأعمال التي أرادوه بأعمالهم في الدنيا حظّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٦٧١ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الاَخرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ... إلى وَما لَهُ فِي الاَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ قال: يقول: من كان إنما يعمل للدنيا نؤته منها. ٢٣٦٧٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الاَخِرَةِ نَزِدْ له فِي حَرْثِهِ، وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدّنْيا... الاَية، يقول: من آثر دنياه على آخرته لم نجعل له نصيباً في الاَخرة إلا النار، ولم نزده بذلك من الدنيا شيئاً إلا رزقاً قد فرغ منه وقسم له. ٢٣٦٧٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الاَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ قال: من كان يريد الاَخرة وعملها نزد له في عمله وَمنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدّنيْا نُؤْتِهِ مِنْها... إلى آخر الاَية، قال: من أراد الدنيا وعملها آتيناه منها، ولم نجعل له في الاَخرة من نصيب الحرث العمل، من عمل للاَخرة أعطاه اللّه ، ومن عمل للدنيا أعطاه اللّه . ٢٣٦٧٤ـ حدثني محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، قوله: مَنْ كانَ يُرِدُ حَرْثَ الاَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ قال: من كان يريد عمل الاَخرة نزد له في عمله. و قوله: وَما لَهُ فِي الاَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ قال: للكافر عذاب أليم. ٢١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مّنَ الدّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللّه ...} يقول تعالى ذكره أم لهؤلاء المشركين باللّه شركاء في شركهم وضلالتهم شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللّه يقول: ابتدعوا لهم من الدين ما لم يبح اللّه لهم ابتداعه وَلَوْلا كَلِمَةُ الفَصلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ يقول تعالى ذكره: ولولا السابق من اللّه في أنه لا يعجل لهم العذاب في الدنيا، وأنه مضى من قيله إنهم مؤخرون بالعقوبة إلى قيام الساعة، لفرغ من الحكم بينكم وبينهم بتعجيله العذاب لهم في الدنيا، ولكن لهم في الاَخرة من العذاب الأليم، كما قال جلّ ثناؤه: وَإنّ الظّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ يقول: وإن الكافرين باللّه لهم يوم القيامة عذاب مؤلم مُوجِع. ٢٢القول في تأويل قوله تعالى: {تَرَى الظّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ ...}. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : ترى يا محمد الكافرين باللّه يوم القيامة مُشْفِقِينَ مِمّا كَسَبُوا يقول: وَجِلِين خائفين من عقاب اللّه على ما كسبوا في الدنيا من أعمالهم الخبيثة. وَهُوَ وَاقِعٌ بهِمْ يقول: والذين هم مشفقون منه من عذاب اللّه نازل بهم، وهم ذائقوه لا محالة. و قوله: وَالّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فِي رَوْضَاتِ الجَنّاتِ يقول تعالى ذكره: والذين آمنوا باللّه وأطاعوه فيما أمر ونهى في الدنيا في روضات البساتين في الاَخرة. و يعني بالروضات: جمع روضة، وهي المكان الذي يكثر نبته، ولا تقول العرب لمواضع الأشجار رياض ومنه قول أبي النجم. والنّغضَ مِثْلَ الأجْرَبِ المُدّجّلِحَدَائِقَ الرّوْضِ التي لَمْ تُحْلَلِ يعني بالروض: جمع روضة. وإنما عنى جل ثناؤه بذلك: الخبر عما هم فيه من السرور والنعيم. كما: ٢٣٦٧٥ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: وَالّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فِي رَوْضَاتِ الجَنّاتِ إلى آخر الاَية. قال في رياض الجنة ونعيمها. و قوله: لَهمْ ما يَشاءُونَ عِنْدَ رَبّهِمْ يقول للذين آمنوا وعملوا الصالحات عند ربهم في الاَخرة ما تشتهيه أنفسهم، وتلذّه أعينهم، ذلك هو الفضل الكبير، يقول تعالى ذكره: هذا الذي أعطاهم اللّه من هذا النعيم، وهذه الكرامة في الاَخرة: هو الفضل من اللّه عليهم، الكبير الذي يفضل كلّ نعيم وكرامة في الدنيا من بعض أهلها على بعض. ٢٣القول في تأويل قوله تعالى: {ذَلِكَ الّذِي يُبَشّرُ اللّه عِبَادَهُ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ ...}. يقول تعالى ذكره: هذا الذي أخبرتكم أيها الناس أني أعددته للذين آمنوا وعملوا الصالحات في الاَخرة من النعيم والكرامة، البشرى التي يبشر اللّه عباده الذين آمنوا به في الدنيا، وعملوا بطاعته فيها قُلْ لا أسألُكمْ عَلَيْهِ أجْرا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : قل يا محمد للذين يمارونك في الساعة من مشركي قومك: لا أسألكم أيها القوم على دعايتكم إلى ما أدعوكم إليه من الحقّ الذي جئتكم به، والنصيحة التي أنصحكم ثوابا وجزاءً، وعوضا من أموالكم تعطونَنِيه إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبى. واختلف أهل التأويل في معنى قوله: إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبى فقال بعضهم: معناه: إلا أن تودّوني في قرابتي منكم، وتصلوا رحمي بيني وبينكم. ذكر من قال ذلك: ٢٣٦٧٦ـ حدثنا أبو كريب ويعقوب، قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن ابن عباس ، في قوله: لا أسأَلُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى قال: لم يكن بطن من بطون قريش إلا وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وبينهم إلا قرابة، فقال: (قُل لا أسألكم عليه أجرا أن تودّوني في القرابة التي بيني وبينكم) . ٢٣٦٧٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثنا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس، في قوله: قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى قال: سئل عنها ابن عباس ، فقال ابن جبير: هم قربى آل محمد، فقال ابن عباس : عجلتَ، إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم يكن بطن من بطون قريش إلا وله فيهم قرابة، قال: فنزلت قُلْ لا أسألْكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبى قال: (إلا القرابة التي بيني وبينكم أن تصلوها) . ٢٣٦٧٨ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى قال: كان لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قرابة في جميع قريش، فلما كذّبوه وأبَوْا أن يبايعوه قال: (يا قوم إذا أبيتم أن تبايعوني فاحفظوا قرابتي فيكم لا يكن غيركم من العرب أولى بحفظي ونُصرتي منكم) . ٢٣٦٧٩ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: قُلْ لا أسألْكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى يعني محمدا صلى اللّه عليه وسلم ، قال لقريش: (لا أسألكم من أموالكم شيئا، ولكن أسألكم أن لا تؤذوني لقرابة ما بيني وبينكم، فإنكم قومي وأحقّ من أطاعني وأجابني) . ٢٣٦٨٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن عكرمة، قال: إن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان واسطا من قريش، كان له في كلّ بطن من قريش نسب، فقال: (لا أسألْكُمْ على ما أدْعُوكُمْ إلَيْهِ إلاّ أنْ تَحْفَظُوني في قَرَابَتِي، قُل لا أسألُكُمْ عَلَيْه أجْرا إلاّ المَوَدّةَ في القُرّبَى) . ٢٣٦٨١ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن أَبي مالك، قال: فقال اللّه عزّ وجلّ: قُلْ لا أسألُكُم عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى: (إلا أن تودّوني لقرابتي منكم وتحفظوني) . ٢٣٦٨٢ـ حدثنا أبو حصين عبد اللّه بن أحمد بن يونس، قال: حدثنا عبثر، قال: حدثنا حصين، عن أبي مالك في هذه الاَية: قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من بني هاشم وأمه من بني زهرة وأم أبيه من بني مخزوم، فقال: (احفظوني في قرابتي) . ٢٣٦٨٣ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا حرمى، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني عمارة، عن عكرمة، في قوله: قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى قال: تعرفون قرابتي، وتصدّقونني بما جئت به، وتمنعوني. ٢٣٦٨٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى وإن اللّه تبارك وتعالى أمر محمدا صلى اللّه عليه وسلم أن لا يسأل الناس على هذا القرآن أجرا إلا أن يصلوا ما بينه وبينهم من القرابة، وكلّ بطون قريش قد ولدته وبينه وبينهم قرابة. ٢٣٦٨٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى أن تتبعوني، وتصدقوني وتصلوا رحمي. ٢٣٦٨٦ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى قال لم يكن بطن من بطون قريش إلا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيهم ولادة، فقال: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودّوني لقرابتي منكم. ٢٣٦٨٧ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَودّةَ فِي القُرْبَى يعني قريشا. يقول: إنما أنا رجل منكم، فأعينوني على عدوّي، واحفظوا قرابتي، وإن الذي جئتكم به لا أسألكم عليه أجرا إلا المودّة في القُربى، أن تودّوني لقرابتي، وتعينوني على عدوي. ٢٣٦٨٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبى قال: يقول: إلا أن تودّوني لقرابتي كما توادّون في قرابتكم وتواصلون بها، ليس هذا الذي جئت به يقطع ذلك عني، فلست أبتغي على الذي جئت به أجرا آخذه على ذلك منكم. ٢٣٦٨٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن عطاء بن دينار، في قوله: قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى يقول: لا أسألكم على ما جئتكم به أجرا، إلا أن تودّوني في قرابتي منكم، وتمنعوني من الناس. حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: قُلْ لا أسألُكمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى قال: كل قريش كانت بينهم وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قرابة، فقال: قل لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودّوني بالقرابة التي بيني وبينكم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: قل لمن تبعك من المؤمنين: لا أسألكم على ما جئتكم به أجرا إلا أن تودّوا قرابتي. ذكر من قال ذلك: ٢٣٦٩٠ـ حدثني محمد بن عمارة، قال: حدثنا إسماعيل بن أبان، قال: حدثنا الصباح بن يحيى المريّ، عن السديّ، عن أبي الديلم قال: لما جيء بعليّ بن الحسين رضي اللّه عنهما أسيرا، فأقيم على درج دمشق، قام رجل من أهل الشأم فقال: الحمد للّه الذي قتلكم واستأصلكم، وقطع قربى الفتنة، فقال له عليّ بن الحسين رضي اللّه عنه: أقرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: أقرأت آل حم؟ قال: قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم، قال: ما قرأت قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى؟ قال: وإنكم لأنتم هم؟ قال: نعم. ٢٣٦٩١ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا مالك بن إسماعيل، قال: حدثنا عبد السلام، قال: حدثنا يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس ، قال: قالت الأنصار: فعلنا وفعلنا، فكأنهم فخروا، فقال ابن عباس ، أو العباس ، شكّ عبد السلام: لنا الفضل عليكم، فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأتاهم في مجالسهم، فقال: (يا مَعْشَرَ الأنْصَارِ أَلَمْ تَكُونُوا أذِلّةً فأعَزّكُمُ اللّه بِي؟) قالوا: بلى يا رسول اللّه ، قال: (أَلَمْ تَكُونُوا ضُلاّلاً فَهَداكُمُ اللّه بِي؟) قالوا: بلى يا رسول اللّه ، قال: (أفَلاَ تُجِيبُونِي؟) قالوا: ما نقول يا رسول اللّه ؟ قال: (ألا تقولونَ: أَلَمْ يُخْرِجْكَ قَوْمُكَ فآوَيْناكَ، أوَ لَمْ يُكَذّبوكَ فَصَدّقْناكَ، أوَ لَمْ يَخْذُلُوكَ فَنَصَرْناكَ؟) قال: فما زال يقول حتى جثوا على الركب، وقالوا: أموالنا وما في أيدينا للّه ولرسوله، قال: فنزلت قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى. ٢٣٦٩٢ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا مروان، عن يحيى بن كثير، عن أبي العالية، عن سعيد بن جُبير، في قوله: قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى قال: هي قُربى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . ٢٣٦٩٣ـ حدثني محمد بن عمارة الأسدي ومحمد بن خلف قالا: حدثنا عبيد اللّه قال أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق قال: سألت عمرو بن شعيب، عن قول اللّه عزّ وجلّ: قُلْ لا أسألْكُمْ عَلَيه أجْرا إلاّ الموَدّةَ فِي القُرْبَى قال: قُربى النبي صلى اللّه عليه وسلم . وقال آخرون: بل معنى ذلك: قل لا أسألكم أيها الناس على ما جئتكم به أجرا إلا أن تَوَدّدوا إلى اللّه ، وتتقرّبوا بالعمل الصالح والطاعة. ذكر من قال ذلك: ٢٣٦٩٤ـ حدثني عليّ بن داود ومحمد بن داود أخوه أيضا قالا: حدثنا عاصم بن علي، قال: حدثنا قزعة بن سويد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم : (قُلْ لا أسألُكُمْ على ما أتَيْتُكُمْ بِهِ مِنَ البَيّناتِ وَالهُدَى أجْرا إلاّ أنُ تَوَدّدُوا للّه، وتَتَقَرّبُوا إلَيْهِ بطاعَتِهِ) . ٢٣٦٩٥ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن منصور بن زاذان، عن الحسن أنه قال في هذه الاَية قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْه أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى قال: القُربى إلى اللّه . حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا عوف، عن الحسن، في قوله: قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى قال: إلا التقرّب إلى اللّه ، والتودّد إليه بالعمل الصالح. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: قال الحسن: في قوله: قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى قل لا أسألكم على ما جئتكم به، وعلى هذا الكتاب أجرا، إلا المودّة في القربى، إلا أن تودّدوا إلى اللّه بما يقرّبكم إليه، وعمل بطاعته. ٢٣٦٩٦ـ قال بشر: قال يزيد: وحدثنيه يونس، عن الحسن، حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: قُلْ لا أسألُكُمْ عَلَيْهِ أجْرا إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبى إلا أن تودّدوا إلى اللّه فيما يقرّبكم إليه. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إلا أن تصلوا قرابتكم. ذكر من قال ذلك: ٢٣٦٩٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا قرة، عن عبد اللّه بن القاسم، في قوله: إلاّ المَوَدّةَ فِي القُرْبَى قال: أمرت أن تصل قرابتك. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، وأشبهها بظاهر التنزيل قول من قال: معناه: قل لا أسألكم عليه أجرا يا معشر قريش، إلا أن تودّوني في قرابتي منكم، وتصلوا الرحم التي بيني وبينكم. وإنما قلت: هذا التأويل أولى بتأويل الاَية لدخول (في) في قوله: إلاّ المَوَدَةَ فِي القُرْبَى، ولو كان معنى ذلك على ما قاله من قال: إلا أن تودّوا قرابتي، أو تقربوا إلى اللّه ، لم يكن لدخول (في) في الكلام في هذا الموضع وجه معروف، ولكان التنزيل: إلا مودّة القربى إن عُنِيَ به الأمر بمودّة قرابة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، أو إلا المودّة بالقُرْبَى، أو ذا القربَى إن عُنِيَ به التودّد والتقرّب. وفي دخول (في) في الكلام أوضح الدليل على أن معناه: إلا مودّتي في قرابتي منكم، وأن الألف واللام في المودّة أدخلتا بدلاً من الإضافة، كما قيل: فَإنّ الجَنّةَ هِيَ المَأوَى. و قوله: (إلا) في هذا الموضع استثناء منقطع. ومعنى الكلام: قل لا أسألكم عليه أجرا، لكن أسألكم المودّة في القُربى، فالمودّة منصوبة على المعنى الذي ذكرت. وقد كان بعض نحويي البصرة يقول: هي منصوبة بمضمر من الفعل، بمعنى: إلا أن أذكر مودّة قرابتي. و قوله: وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْنا يقول تعالى ذكره: ومن يعمل حسنة، وذلك أن يعمل عملاً يطيع اللّه فيه من المؤمنين نَزِدْ لَهُ فيها حُسْنا يقول: نضاعف عمله ذلك الحسن، فنجعل له مكان الواحد عشرا إلى ما شئنا من الجزاء والثواب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٦٩٨ـ حدثني محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، في قول اللّه عز وجل: وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً قال: يعمل حسنة. ٢٣٦٩٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْنا قال: من يعمل خيرا نزد له. الاقْتراف: العمل. و قوله: إنّ اللّه غَفُورٌ شَكُورٌ يقول: إن اللّه غفور لذنوب عباده، شكور لحسناتهم وطاعتهم إياه. كما: ٢٣٧٠٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة : إنّ اللّه غَفُورٌ للذنوب شَكُورٌ للحسنات يضاعفها. ٢٣٧٠١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إنّ اللّه غَفُورٌ شَكُورٌ قال: غفر لهم الذنوب، وشكر لهم نعما هو أعطاهم إياها، وجعلها فيهم. ٢٤القول في تأويل قوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَىَ عَلَى اللّه كَذِباً فَإِن يَشَإِ اللّه يَخْتِمْ عَلَىَ قَلْبِكَ ...}. يقول تعالى ذكره: أم يقول هؤلاء المشركون باللّه : افْتَرَى محمد على اللّه كَذِبا فجاء بهذا الذي يتلوه علينا اختلاقا من قِبَل نفسه. و قوله: فَإنْ يَشأِ اللّه يا محمد يطبع على قلبك، فتنس هذا القرآن الذي أُنزل إليك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٧٠٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة : أمْ يَقُولُونَ افْتَرَى على اللّه كَذِبا، فإنْ يَشأ اللّه يَختْم على قَلْبكَ فينسيك القرآن. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: فإنْ يَشأ اللّه يَخْتمْ على قَلْبكَ قال: إن يشأ اللّه أنساك ما قد أتاك. ٢٣٧٠٣ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، في قول اللّه عز وجل: فإنْ يَشأ اللّه يَخْتمْ على قَلْبكَ قال: يطبع. و قوله: ويَمْحُ اللّه الباطِلَ يقول: ويذهب اللّه بالباطل فيمحقه ويُحِقّ الحَقّ بكَلِماتِهِ التي أنزلها إليك يا محمد فيثبته. و قوله: وَيمْحُ اللّه الباطِلَ في موضع رفع بالابتداء، ولكنه حُذفت منه الواو في المصحف، كما حُذفت من قوله: سَنَدْعُ الزّبانيَةَ ومن قوله: وَيَدْعُ الإنْسانُ بالشّرّ وليس بجزم على العطف على يختم. و قوله: إنّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصّدُورِ يقول تعالى ذكره: إن اللّه ذو علم بما في صدور خلقه، وما تنطوي عليه ضمائرهم، لا يخفى عليه من أمورهم شيء، يقول لنبيه صلى اللّه عليه وسلم : لو حدّثت نفسك أن تفتري على اللّه كذبا، لطبعت على قلبك، وأذهبت الذي آتيتك من وحيي، لأني أمحو الباطل فأذهبه، وأحقّ الحقّ، وإنما هذا إخبار من اللّه الكافرين به، الزاعمين أن محمدا افترى هذا القرآن من قِبل نفسه، فأخبرهم أنه إن فعل لفعل به ما أخبر به في هذه الاَية. ٢٥القول في تأويل قوله تعالى: {وَهُوَ الّذِي يَقْبَلُ التّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ السّيّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }. يقول تعالى ذكره: واللّه الذي يقبل مراجعة العبد إذا رجع إلى توحيد اللّه وطاعته من بعد كفره وَيَعْفُوا عَنِ السّيّئاتِ يقول: ويعفو أن يعاقبه على سيئاته من الأعمال، وهي معاصيه التي تاب منها وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة (يَفْعَلُونَ) بالياء، بمعنى: ويعلم ما يفعل عباده، وقرأته عامة قرّاء الكوفة تَفْعَلُونَ بالتاء على وجه الخطاب. والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان في قَرَأة الأمصار متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب، غير أن الياء أعجب إليّ، لأن الكلام من قبل ذلك جرى على الخبر، وذلك قوله: وَهُوَ الّذِي يَقْبَلُ التّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ و يعني جل ثناؤه ب قوله: وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ ويعلم ربكم أيها الناس ما تفعلون من خير وشرّ، لا يخفى عليه من ذلك شيء، وهو مجازيكم على كل ذلك جزاءه، فاتقوا اللّه في أنفسكم، واحذروا أن تركبوا ما تستحقون به منه العقوبة. ٢٣٧٠٤ـ حدثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف، عن شريك عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم النخعي، عن همام بن الحارث، قال: أتينا عبد اللّه نسأله عن هذه الاَية: وَهُوَ الّذِي يَقْبَلُ التّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السّيّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ قال: فوجدنا عنده أناسا أو رجالاً يسألونه عن رجل أصاب من امرأة حراما، ثم تزوّجها، فتلا هذه الاَية وَهُوَ الّذِي يَقْبَلُ التّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ، وَيَعْفُو عَنِ السّيّئاتِ، وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ. ٢٦القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَسْتَجِيبُ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مّن فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ }. يقول تعالى ذكره: ويجيب الذين آمنوا باللّه ورسوله، وعملوا بما أمرهم اللّه به، وانتهوا عما نهاهم عنه لبعضهم دعاء بعض. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٧٠٥ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثام، قال: حدثنا الأعمش، عن شقيق بن سلمة، عن سلمة بن سبرة، قال: خطبنا معاذ، فقال: أنتم المؤمنون، وأنتم أهل الجنة، واللّه إني لأرجو أن من تصيبون من فارس والروم يدخلون الجنة، ذلك بأن أحدهم إذا عمل لأحدكم العمل قال: أحسنت رحمك اللّه ، أحسنت غفر اللّه لك، ثم قرأ: وَيَسْتَجِيبُ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ. و قوله: وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ يقول تعالى ذكره: ويزيد الذين آمنوا وعملوا الصالحات مع إجابته إياهم دعاءهم، وإعطائه إياهم مسألتهم من فضله على مسألتهم إياه، بأن يعطيهم ما لم يسألوه. و قيل: إن ذلك الفضل الذي ضمن جل ثناؤه أن يزيدهموه، هو أن يشفعهم في إخوان إخوانهم إذا هم شفعوا في إخوانهم، فشفعوا فيهم. ذكر من قال ذلك: ٢٣٧٠٦ـ حدثنا عبيد اللّه بن محمد الفريابيّ، قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد بن بشر، عن قتادة ، عن إبراهيم النخعيّ في قول اللّه عز وجل: وَيَسْتَجِيبُ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ قال: يُشَفّعون في إخوانهم، ويزدهم من فضله، قال: يشفعون في إخوان إخوانهم. و قوله: والكافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ يقول جلّ ثناؤه: والكافرون باللّه لهم يوم القيامة عذاب شديد على كفرهم به. واختلف أهل العربية في معنى قوله: وَيَسْتَجِيبُ الّذِينَ آمَنُوا فقال بعضهم: أي استجاب فجعلهم هم الفاعلين، فالذين في قوله رفع، والفعل لهم. وتأويل الكلام على هذا المذهب: واستجاب الذين آمنوا وعملوا الصالحات لربهم إلى الإيمان به، والعمل بطاعته إذ دعاهم إلى ذلك. وقال آخر منهم: بل معنى ذلك: ويجيب الذين آمنوا. وهذا القول يحتمل وجهين: أحدهما الرفع، بمعنى: ويجيب اللّه الذين آمنوا. والاَخر ما قاله صاحب القول الذي ذكرنا. وقال بعض نحويي الكوفة: وَيَسْتَجِيبُ الّذِينَ آمَنُوا يكون (الذين) في موضع نصب بمعنى: ويجيب اللّه الذين آمنوا. وقد جاء في التنزيل: فاسْتَجابَ لَهُمْ رَبّهُمْ والمعنى: فأجاب لهم ربهم، إلا أنك إذا قلت استجاب، أدخلت اللام في المفعول وإذا قلت أجاب حذفت اللام، ويكون استجابهم، بمعنى: استجاب لهم، كما قال جلّ ثناؤه: وَإذَا كالُوهُمْ أوْ وَزَنُوهُمْ والمعنى واللّه أعلم: وإذا كالوا لهم، أو وزنوا لهم يُخْسِرُونَ. قال: ويكون (الذين) في موضع رفع إن يجعل الفعل لهم، أي الذين آمنوا يستجيبون للّه، ويزيدهم على إجابتهم، والتصديق به من فضله. وقد بيّنا الصواب في ذلك من القول على ما تأوّله ومن ذكرنا قوله فيه. ٢٧القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللّه الرّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأرْضِ وَلَـَكِن يُنَزّلُ بِقَدَرٍ مّا يَشَآءُ إِنّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرُ بَصِيرٌ }. ذكر أن هذه الاَية نزلت من أجل قوم من أهل الفاقة من المسلمين تمنوا سعة الدنيا والغنى، فقال جلّ ثناؤه: ولو بسط اللّه الرزق لعباده، فوسعه وكثره عندهم لبغوا، فتجاوزوا الحدّ الذي حدّه اللّه لهم إلى غير الذي حدّه لهم في بلاده بركوبهم في الأرض ما حظره عليهم، ولكنه ينزل رزقهم بقدر لكفايتهم الذي يشاء منه. ذكر من قال ذلك: ٢٣٧٠٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال أبو هانىء: سمعت عمرو بن حريث وغيره يقولون: إنما أنزلت هذه الاَية في أصحاب الصفّة وَلَوْ بَسَطَ اللّه الرّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الأرْضِ، وَلَكِنْ يُنَزّلُ بقَدَرٍ ما يَشاءُ ذلك بأنهم قالوا: لو أن لنا، فتمنوا. حدثنا محمد بن سنان القزاز، قال: حدثنا أبو عبد الرحمن المقري، قال: حدثنا حيوة، قال: أخبرني أبو هانىء، أنه سمع عمرو بن حريث يقول: إنما نزلت هذه الاَية، ثم ذكر مثله. ٢٣٧٠٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ولَوْ بَسَطَ اللّه الرّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوا فِي الأرْضِ الاَية... قال: كان يقال: خير الرزق ما لا يُطغيك ولا يُلهيك. وذُكر لنا أن نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (أخْوَفُ ما أخافُ على أُمّتِي زَهْرَةُ الدّنيْا وكَثْرَتُها) . فقال له قائل: يا نبي اللّه : هل يأتي الخير بالشرّ؟ فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (هَلْ يَأَتِي الخَيْرُ بالشّرّ؟) فأنزل اللّه عليه عند ذلك، وكان إذا نزل عليه كرب لذلك، وتربّد وجهه، حتى إذا سرّي عن نبي اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (هَلْ يَأَتِي الخَيْرُ بالشّرّ) يقولها ثلاثا: (إنّ الخَيْرَ لا يأتِي إلاّ بالخَيْرِ) ، يقولها ثلاثا. وكان صلى اللّه عليه وسلم وتر الكلام: (ولكنه واللّه ما كان ربيع قط إلا أحبط أو ألمّ فأما عبد أعطاه اللّه مالاً، فوضعه في سبيل اللّه التي افترض وارتضى، فذلك عبد أريد به خير، وعزم له على الخير، وأما عبد أعطاه اللّه مالاً فوضعه في شهواته ولذّاته، وعدل عن حقّ اللّه عليه، فذلك عبد أريد به شرّ، وعزم له على شرّ) . و قوله: إنّهُ بعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ يقول تعالى ذكره: إن اللّه بما يصلح عباده ويفسدهم من غنى وفقر وسعة وإقتار، وغير ذلك من مصالحهم ومضارّهم، ذو خبرة، وعلم، بصير بتدبيرهم، وصرفهم فيما فيه صلاحهم. ٢٨القول في تأويل قوله تعالى: {وَهُوَ الّذِي يُنَزّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيّ الْحَمِيدُ }. يقول تعالى ذكره: واللّه الذي ينزل المطر من السماء فيغيثكم به أيها الناس مِنْ بَعْدِما قَنَطُوا يقول: من بعد ما يئس من نزوله ومجيئه وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ يقول: وينشر في خلقه رحمته، و يعني بالرحمة: الغيث الذي ينزله من السماء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٧٠٩ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة : أنه قيل لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: أجدبت الأرض، وقنط الناس، قال: مطروا إذن. ٢٣٧١٠ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا قال: يئسوا. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذُكر لنا أن رجلاً أتى عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، فقال: يا أمير المؤمنين قحط المطر، وقنط الناس قال: مطرتم وَهُوَ الّذِي يُنَزّلُ الغَيْثَ مِنْ بَعْدِما قَنَطُوا، وَيَنْشُرَ رَحْمَتَهُ. و قوله: وَهُوَ الوَلِيّ الحَميدُ يقول: وهو الذي يليكم بإحسانه وفضله، الحميد بأياديه عندكم، ونعمه عليكم في خلقه. ٢٩القول في تأويل قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَثّ فِيهِمَا مِن دَآبّةٍ وَهُوَ عَلَىَ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ }. يقول تعالى ذكره: ومن حججه عليكم أيها الناس أنه القادر على إحيائكم بعد فنائكم، وبعثكم من قبوركم من بعد بلائكم، خلقه السموات والأرض، وما بثّ فيهما من دابة. يعني وما فرّق في السموات والأرض من دابة. كما: ٢٣٧١١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وَما بَثّ فِيهِما مِنْ دَابّةٍ قال: الناس والملائكة وَهُوَ على جَمْعِهِمْ إذَا يَشاءُ قَدِيرٌ يقول: وهو على جمع ما بثّ فيهما من دابة إذا شاء جمعه، ذو قدرة لا يتعذّر عليه، كما لم يتعذر عليه خلقه وتفريقه، يقول تعالى ذكره: فكذلك هو القادر على جمع خلقه بحشر يوم القيامة بعد تفرّق أوصالهم في القبور. ٣٠القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَآ أَصَابَكُمْ مّن مّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ }. يقول تعالى ذكره: وما يصيبكم أيها الناس من مصيبة في الدنيا في أنفسكم وأهليكم وأموالكم فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكُمْ يقول: فإنما يصيبكم ذلك عقوبة من اللّه لكم بما اجترمتم من الاَثام فيما بينكم وبين ربكم ويعفو لكم ربكم عن كثير من إجرامكم، فلا يعاقبكم بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٧١٢ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا أيوب، قال: قرأت في كتاب أبي قلابة، قال: نزلت: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ خَيْرا يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ شَرا يَرَهُ وأبو بكر رضي اللّه عنه يأكل، فأمسك فقال: يا رسول اللّه إني لراءٍ ما عملت من خير أو شر؟ فقال: (أرأيْتَ ما رأيْتَ مِمّا تَكْرَهُ فَهُوَ مِنْ مَثاقِيل ذَرّ الشّرّ، وَتَدّخِرُ مَثاقِيلَ الخَيْرِ حتى تُعْطاهُ يَوْمَ القِيامَةِ) ، قال: قال أبو إدريس: فأرى مصداقها في كتاب اللّه ، قال: وَما أصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكُمْ، وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ. قال أبو جعفر: حدّث هذا الحديث الهيثم بن الربيع، فقال فيه أيوب عن أبي قلابة، عن أنس، أن أبا بكر رضي اللّه عنه كان جالسا عند النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فذكر الحديث، وهو غلط، والصواب عن أبي إدريس. ٢٣٧١٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَما أصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكُمْ... الاَية ذُكر لنا أن نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول: (لا يُصِيبُ ابْن آدَمَ خَدْشُ عُودٍ، وَلا عَثْرَةُ قَدَم، وَلا اخْتِلاجُ عِرْقٍ إلاّ بذَنْب، وَما يَعْفُو عَنْهُ أكْثرُ) . ٢٣٧١٤ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: وَما أصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أيديكم... الاَية، قال: يعجل للمؤمنين عقوبتهم بذنوبهم ولا يؤاخذون بها في الاَخرة. وقال آخرون: بل عنى بذلك: وما عوقبتم في الدنيا من عقوبة بحدّ حُددِتموه على ذنب استوجبتموه عليه فبما كسبت أيديكم: يقول: فبما عملتم من معصية اللّه وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ فلا يوجب عليكم فيها حدّا. ذكر من قال ذلك: ٢٣٧١٥ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن وَما أصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ... الاَية، قال: هذا في الحدود. وقال قتادة : بلغنا أنه ما من رجل يصيبه عثرة قدم ولا خدش عود أو كذا وكذا إلا بذنب، أو يعفو، وما يعفو أكثر. ٣١و قوله: وَما أنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرْضِ يقول: وما أنتم أيها الناس بمفيتي ربكم بأنفسكم إذا أراد عقوبتكم على ذنوبكم التي أذنبتموها، ومعصيتكم إياه التي ركبتموها هربا في الأرض، فمعجزيه، حتى لا يقدر عليكم، ولكنكم حيث كنتم في سلطانه وقبضته، جارية فيكم مشيئته وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّه مِنْ وَلِيّ يليكم بالدفاع عنكم إذا أراد عقوبتكم على معصيتكم إياه ولا نَصِيرٍ يقول: ولا لكم من دونه نصير ينصركم إذا هو عاقبكم، فينتصر لكم منه، فاحذروا أيها الناس معاصيه، واتقوه أن تخالفوه فيما أمركم أو نهاكم، فإنه لا دافع لعقوبته عمن أحلها به. ٣٢القول في تأويل قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالأعْلاَمِ }. يقول تعالى ذكره: ومن حجج اللّه أيها الناس عليكم بأنه القادر على كلّ ما يشاء، وأنه لا يتعذّر عليه فعل شيء أراده، السفن الجارية في البحر. والجواري: جمع جارية، وهي السائرة في البحر. كما: ٢٣٧١٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: الجَوَارِ في البَحْرِ قال: السفن. ٢٣٧١٧ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ وَمِنْ آياتِهِ الجَوارِ في البَحْرِ قال: الجواري: السفن. و قوله: كالأعْلامِ يعني كالجبال: واحدها علم ومنه قول الشاعر: كأنّه عَلَمٌ فِي رأسِهِ نارُ يعني : جَبَل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٧١٨ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد كالأعْلامِ قال: كالجبال. ٢٣٧١٩ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، قال: الأعلام: الجبال. ٣٣و قوله: إنْ يَشأْ يُسْكِنِ الرّيح فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ على ظَهْرِهِ يقول تعالى ذكره: إن يشأ اللّه الذي قد أجرى هذه السفن في البحر أن لا تجري فيه، أسكن الريح التي تجري بها فيه، فثبتن في موضع واحد، ووقفن على ظهر الماء لا تجري، فلا تتقدّم ولا تتأخر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٧٢٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَمِنْ آياتِهِ الجَوارِ فِي البَحْرِ كالأعْلام، إنْ يَشأْ يُسْكِنِ الرّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ على ظَهْرِهِ سفن هذا البحر تجرى بالريح فإذا أمسكت عنها الريح ركدت، قال اللّه عزّ وجلّ: إنّ فِي ذلك لاَياتٍ لكُلّ صَبّارٍ شَكُورٍ. ٢٣٧٢١ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ إنْ يَشأْ يُسْكِنِ الرّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ على ظَهْرِهِ لا تجري. ٢٣٧٢٢ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ على ظَهْرِهِ يقول: وقوفا. و قوله: إنّ في ذلكَ لاَياتٍ لِكُلّ صَبّارٍ شَكُورٍ يقول: إن في جري هذه الجواري في البحر بقُدرة اللّه لعظة وعبرة وحجة بينة على قُدرة اللّه على ما يشاء، لكل ذي صبر على طاعة اللّه ، شكور لنِعمه وأياديه عنده. ٣٤القول في تأويل قوله تعالى: {أَوْ يُوبِقْهُنّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ }. يقول تعالى ذكره: أو يوبقْ هذه الجواري في البحر بما كسبت ركبانها من الذنوب، واجترموا من الاَثام، وجزم يوبقهنّ، عطفا على يُسْكِنِ الرّيحِ ومعنى الكلام إن يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره ٣٥، أَوْ يُوبِقْهُنّ و يعني ب قوله: أَوْ يُوبِقْهُنّ أو يهلكهنّ بالغرق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٧٢٣ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: أوْ يُوبِقْهُنّ يقول: يهلكهنّ. ٢٣٧٢٤ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: أوْ يُوبِقْهُنّ: أو يهلكهنّ. ٢٣٧٢٥ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ أو يُوبِقْهُنّ قال: يغرقهن بما كسبوا. وبنحو الذي قلنا في قوله: بِمَا كَسَبُوا قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٧٢٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة أوْ يُوبِقْهُنّ بِمَا كَسَبُوا: أي بذنوب أهلها. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أوْ يُوبِقْهُنّ بِمَا كَسَبُوا قال: بذنوب أهلها. ٢٣٧٢٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أوْ يُوبِقْهُنّ بِمَا كَسَبوا قال: يوبقهنّ بما كسبت أصحابهنّ. و قوله: وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ يقول: ويصفح تعالى ذكره عن كثير من ذنوبكم فلا يعاقب عليها. و قوله: وَيَعْلَمَ الّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا يقول جلّ ثناؤه: ويعلم الذين يخاصمون رسوله محمدا صلى اللّه عليه وسلم من المشركين في آياته وعبره وأدلته على توحيده. واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة (وَيَعْلَمُ الّذِينَ) رفعا على الاستئناف، كما قال في سورة براءة: وَيَتُوبُ اللّه على مَنْ يَشاءُ وقرأته قرّاء الكوفة والبصرة وَيَعْلَمَ الّذِينَ نصبا كما قال في سورة آل عمران وَيَعْلَمَ الصّابِرِينَ على الصرف وكما قال النابغة: فإنْ يَهْلِكْ أبو قابُوسَ يَهْلِكْرَبِيعُ النّاسِ والشّهْرُ الحَرَامُ وَنُمْسِكَ بَعْدَهُ بذَناب عَيْشٍأجَبّ الظّهْرِ لَهُ سَنامُ والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان ولغتان معروفتان، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. و قوله: ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ يقول تعالى ذكره: ما لهم من محيد من عقاب اللّه إذا عاقبهم على ذنوبهم، وكفرهم به، ولا لهم منه ملجأ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٧٢٨ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط عن السديّ، قوله: ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ: ما لهم من ملجأ. ٣٦و قوله: فَمَا أُوتِيُتمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الحَياةِ الدّنيْا يقول تعالى ذكره: فما أعطيتم أيها الناس من شيء من رياش الدنيا من المال والبنين، فمتاع الحياة الدنيا، يقول تعالى ذكره: فهو متاع لكم تتمتعون به في الحياة الدنيا، وليس من دار الاَخرة، ولا مما ينفعكم في معادكم وَما عِنْدَ اللّه خَيْرٌ وأبْقَى يقول تعالى ذكره: والذي عند اللّه لأهل طاعته والإيمان به في الاَخرة، خير مما أوتيتموه في الدنيا من متاعها وأبقى، لأن ما أوتيتم في الدنيا فإنه نافد، وما عند اللّه من النعيم في جنانه لأهل طاعته باقٍ غير نافد لِلّذِينَ آمنوا: يقول: وما عند اللّه للذين آمنوا به، وعليه يتوكلون في أمورهم، وإليه يقومون في أسبابهم، وبه يثقون، خير وأبقى مما أوتيتموه من متاع الحياة الدنيا. ٣٧القول في تأويل قوله تعالى: {وَالّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ }. يقول تعالى ذكره: وما عند اللّه للذين آمنوا وَالّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ، وكبائر فواحش الإثم، قد بيّنا اختلاف أهل التأويل فيها وبيّنا الصواب من القول عندنا فيها في سورة النساء، فأغنى ذلك عن إعادته ها هنا. وَالفَوَاحِشَ قيل: إنها الزنى: ذكر من قال ذلك: ٢٣٧٢٩ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ والفَوَاحِشَ قال: الفواحش: الزنى واختلفت القرّاء في قراءة قوله: كَبائِرَ الإثْمِ فقرأته عامة قرّاء المدينة على الجماع كذلك في النجم، وقرأته عامة قرّاء الكوفة (كَبِيرَ الإثْمِ) على التوحيد فيهما جميعا وكأن من قرأ ذلك كذلك، عنى بكبير الإثم: الشرك، كما كان الفرّاء يقول: كأني أستحب لمن قرأ كبائر الإثم أن يخفض الفواحش، لتكون الكبائر مضافة إلى مجموع إذ كانت جمعا، وقال: ما سمعت أحدا من القرّاء خفض الفواحش. والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء على تقارب معنييهما، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. و قوله: وَإذَا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ يقول تعالى ذكره: وإذا ما غضبوا على من اجترم إليهم جرما، هم يغفرون لمن أجرم إليهم ذنبه، ويصفحون عنه عقوبة ذنبه. و قوله: وَالّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبّهِمْ وأقامُوا الصّلاةَ يقول تعالى ذكره: والذين أجابوا لربهم حين دعاهم إلى توحيده، والإقرار بوحدانيته والبراءة من عبادة كل ما يعبد دونه وأقامُوا الصّلاةَ المفروضة بحدودها في أوقاتها وأمْرهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ يقول: وإذا حزبهم أمر تشاوروا بينهم، ومِمّا رَزْقْناهُمْ يُنْفِقُونَ يقول: ومن الأموال التي رزقناهم ينفقون في سبيل اللّه ، ويؤدّون ما فرض عليهم من الحقوق لأهلها من زكاة ونفقة على من تجب عليه نفقته. وكان ابن زيد يقول: عنى ٣٨ب قوله: وَالّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبّهِمْ... الاَية الأنصار. ٢٣٧٣٠ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، وقرأ وَالّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْم والفَوَاحِشَ وَإذَا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ قال: فبدأ بهم وَالّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبّهِمْ الأنصار وأقامُوا الصّلاةَ وليس فيهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ليس فيهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أيضا. ٣٩القول في تأويل قوله تعالى: {وَالّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ }. يقول تعالى ذكره: والذين إذا بغى عليهم باغٍ، واعتدى عليهم هم ينتصرون. ثم اختلف أهل التأويل في الباغي الذي حمد تعالى ذكره، المنتصر منه بعد بغيه عليه، فقال بعضهم: هو المشرك إذا بغى على المسلم. ذكر من قال ذلك: ٢٣٧٣١ـ حدثني يونس، قال: أخبرني ابن وهب قال: قال ابن زيد: ذكر المهاجرين صنفين، صنفا عفا، وصنفا انتصر، وقرأ وَالّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ والفَوَاحِشَ وَإذَا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ قال: فبدأ بهم وَالّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبّهِمْ... إلى قوله: ومِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وهم الأنصار. ثم ذكر الصنف الثالث فقال: وَالّذِينَ إذَا أصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ من المشركين. وقال آخرون: بل هو كل باغٍ بغي فحمد المنتصر منه. ذكر من قال ذلك: ٢٣٧٣٢ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: وَالّذِينَ إذَا أصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ قال: ينتصرون ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا. وهذا القول الثاني أولى في ذلك بالصواب، لأن اللّه لم يخصص من ذلك معنى دون معنى، بل حمد كلّ منتصر بحقّ ممن بغى عليه. فإن قال قائل: وما في الانتصار من المدح؟ قيل: إن في إقامة الظالم على سبيل الحقّ وعقوبته بما هو له أهل تقويما له، وفي ذلك أعظم المدح. ٤٠و قوله: وَجَزاءُ سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مِثْلُها وقد بيّنا فيما مضى معنى ذلك، وأن معناه: وجزاء سيئة المسيء عقوبته بما أوجبه اللّه عليه، فهي وإن كانت عقوبة من اللّه أوجبها عليه، فهي مَساءة له. والسيئة: إنما هي الفعلة من السوء، وذلك نظير قول اللّه عزّ وجلّ وَمَنْ جاءَ بالسّيّئَةِ فَلا يُجْزَى إلاّ مِثْلَها وقد قيل: إن معنى ذلك: أن يجاب القائل الكلمة القزعة بمثلها. ذكر من قال ذلك: ٢٣٧٣٣ـ حدثني يعقوب، قال: قال لي أبو بشر: سمعت ابن أبي نجيح يقول في قوله: وَجَزاءُ سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مِثْلُها قال: يقول أخزاه اللّه ، فيقول: أخزاه اللّه . ٢٣٧٣٤ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: وَجَزَاءُ سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مِثْلُها قال: إذا شتمك بشتيمة فاشتمه مثلها من غير أن تعتدي. وكان ابن زيد يقول في ذلك بما: ٢٣٧٣٥ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في: وَالّذِينَ إذَا أصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ من المشركين وَجَزاءُ سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مِثْلُها، فَمَنْ عَفا وأصْلَحَ... الاَية، ليس أمركم أن تعفوا عنهم لأنه أحبهم وَلَمَنِ انْتَصَر بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ، ثم نسخ هذا كله وأمره بالجهاد، فعلى قول ابن زيد هذا تأويل الكلام: وجزاء سيئة من المشركين إليكم، سيئة مثلها منكم إليهم، وإن عفوتم وأصلحتم في العفو، فأجركم في عفوكم عنهم إلى اللّه ، إنه لا يحبّ الكافرين وهذا على قوله كقول اللّه عزّ وجلّ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْل ما اعْتَدَى عَلَيْكُمْ، وَاتّقُوا اللّه ، وللذي قال من ذلك وجه. غير أن الصواب عندنا: أن تحمل الاَية على الظاهر ما لم ينقله إلى الباطن ما يجب التسليم له، وأن لا يحكم لحكم في آية بالنسخ إلا بخبر يقطع العذر، أو حجة يجب التسليم لها، ولم تثبت حجة في قوله: وَجَزاءُ سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مِثْلُها أنه مراد به المشركون دون المسلمين، ولا بأن هذه الاَية منسوخة، فنسلم لها بأن ذلك كذلك. و قوله: فَمَنْ عَفا وأصْلَحَ فَأجْرُهُ على اللّه يقول جلّ ثناؤه: فمن عفا عمن أساء إليه إساءته إليه، فغفرها له، ولم يعاقبه بها، وهو على عقوبته عليها قادر ابتغاء وجه اللّه ، فأجر عفوه ذلك على اللّه ، واللّه مثيبه عليه ثوابه إنّهُ لا يُحِبّ الظّالِمِينَ يقول: إن اللّه لا يحبّ أهل الظلم الذين يتعدّون على الناس، فيسيئون إليهم بغير ما أذن اللّه لهم فيه. ٤١القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَـَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مّن سَبِيلٍ }. يقول تعالى ذكره: ولمن انتصر ممن ظلمه من بعد ظلمه إياه فَأُولَئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ يقول: فأولئك المنتصرون منهم لا سبيل للمنتصر منهم عليهم بعقوبة ولا أذى، لأنهم انتصروا منهم بحقّ، ومن أخذ حقه ممن وجب ذلك له عليه، ولم يتعدّ، لم يظلم، فيكون عليه سبيل. وقد اختلف أهل التأويل في المعنيّ بذلك، فقال بعضهم: عني به كلّ منتصر ممن أساء إليه، مسلما كان المسيء أو كافرا. ذكر من قال ذلك: ٢٣٧٣٦ـ حدثني محمد بن عبد اللّه بن بزيع، قال: حدثنا معاذ، قال: حدثنا ابن عون، قال: كنت أسأل عن الانتصار وَلَمن انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ... الاَية، فحدثني عليّ بن زيد بن جدعان، عن أمّ محمد امرأة أبيه، قال ابن عون: زعموا أنها كانت تدخل على أمّ المؤمنين قالت: قالت أمّ المؤمنين: دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وعندنا زينب بنت جحش، فجعل يصنع بيده شيئا، ولم يفطن لها، فقلت بيدي حتى فطّنته لها، فأمسك، وأقبلت زينب تقحم لعائشة، فنهاها، فأبت أن تنتهي، فقال لعائشة: (سُبيها) فسبتها وغلبتها وانطلقت زينب فأتت عليا، فقالت: إن عائشة تقع بكم وتفعل بكم، فجاءت فاطمة، فقال لها: (إنها حِبّة أبيك ورَبّ الكَعْبَة) ، فانصرفت وقالت لعليّ: إني قلت له كذا وكذا، فقال كذا وكذا قال: وجاء عليّ إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فكلّمه في ذلك. ٢٣٧٣٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَلَمَنِ انْتَصَر بَعْدَ ظُلْمِهِ... الاَية، قال: هذا في الخمش يكون بين الناس. ٢٣٧٣٨ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ قال: هذا فيما يكون بين الناس من القصاص، فأما لو ظلمك رجل لم يحلّ لك أن تظلمه. وقال آخرون: بل عُنِي به الانتصار من أهل الشرك، وقال: هذا منسوخ. ذكر من قال ذلك: ٢٣٧٣٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَلَمَنِ انْتَصَر بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ قال: لمن انتصر بعد ظلمه من المؤمنين انتصر من المشركين وهذا قد نسخ، وليس هذا في أهل الإسلام، ولكن في أهل الإسلام الذي قال اللّه تبارك وتعالى: ادْفَعْ بالّتِي هِيَ أحْسَنُ، فإذَا الّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كأنّهُ وَلِيّ حَمِيمٌ. والصواب من القول أن يقال: إنه معنيّ به كلّ منتصر من ظالمه، وأن الاَية محكمة غير منسوخة للعلة التي بينت في الاَية قبلها. ٤٢و قوله: إنّمَا السّبِيلُ على الّذِينَ يَظْلِمُونَ النّاسَ يقول تبارك وتعالى: إنما الطريق لكم أيها الناس على الذين يتعدّون على الناس ظلما وعدوانا، بأن يعاقبوهم بظلمهم لا على من انتصر ممن ظلمه، فأخذ منه حقه. و قوله: وَيَبْغُونَ فِي الأرْضِ بغَيْرِ الحَقّ يقول: ويتجاوزون في أرض اللّه الحدّ الذي أباح لهم ربهم إلى ما لم يأذن لهم فيه، فيفسدون فيها بغير الحقّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ يقول: فهؤلاء الذين يظلمون الناس، ويبغون في الأرض بغير الحقّ، لهم عذاب من اللّه يوم القيامة في جهنم مؤلم موجع. ٤٣القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الاُمُورِ }. يقول تعالى ذكره: ولمن صبر على إساءة إليه، وغفر للمسيء إليه جرمه إليه، فلم ينتصر منه، وهو على الانتصار منه قادر ابتغاء وجه اللّه وجزيل ثوابه إنّ ذلكَ لِمنْ عَزْم الأُموُرِ يقول: إن صبره ذلك وغفرانه ذنب المسيء إليه، لمن عزم الأمور التي ندب إليها عباده، وعزم عليهم العمل به ٤٤وَمَنْ يُضْلِل اللّه فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيّ مِنْ بَعْدِهِ يقول: ومن خذ له اللّه عن الرشاد، فليس له من وليّ يليه، فيهديه لسبيل الصواب، ويسدّده من بعد إضلال اللّه إياه وَتَرَى الظّالِمِينَ لَمّا رأَوُا العَذَابَ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : وترى الكافرين باللّه يا محمد يوم القيامة لما عاينوا عذاب اللّه يقولون لربهم: هَلْ لنا يا ربّ إلى مَرَدَ مِنْ سَبِيلٍ؟ وذلك كقوله وَلَو تَرَى إذِ المُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبّهِمْ رَبّنا أبْصَرْنا وَسِمعْنا... الاَية، استعتب المساكين في غير حين الاستعتاب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٧٤٠ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: هَلْ إلى مَرَدّ مِنْ سَبِيلٍ يقول: إلى الدنيا. واختلف أهل العربية في وجه دخول (إن) في قوله: إنّ ذَلكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ مع دخول اللام في قوله: وَلَمِنْ صَبَر وَغَفَرَ فكان نحويّ أهل البصرة يقول في ذلك: أما اللام التي في قوله: وَلَمَنْ صَبَرَ وغَفَرَ فلام الابتداء، وأما إن ذلك فمعناه واللّه أعلم: إن ذلك منه من عزم الأمور، وقال: قد تقول: مررت بالدار الذراع بدرهم: أي الذراع منها بدرهم، ومررت ببرّ قفيز بدرهم، أي قفيز منه بدرهم. قال: وأما ابتداء (إن) في هذا الموضع، فمثل قُلْ إنّ المَوْتَ الّذِي تَفِرّونَ مِنْهُ فَإنّهُ مُلاَقِيكُمْ يجوز ابتداء الكلام، وهذا إذا طال الكلام في هذا الموضع. وكان بعضهم يستخطيء هذا القول ويقول: إن العرب إذا أدخلت اللام في أوائل الجزاء أجابته بجوابات الأيمان بما، ولا، وإنّ واللام: قال: وهذا من ذاك، كما قال: لئن أُخْرِجُوا لا يَخْرَجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلّنّ الأدْبارَ ثُمّ لا يُنْصَرُونَ فجاء بلا وباللام جوابا للام الأولى. قال: ولو قال: لئن قمت إني لقائم لجاز ولا حاجة به إلى العائد، لأن الجواب في اليمين قد يكون فيه العائد، وقد لا يكون ألا ترى أنك تقول: لئن قمت لأقومنّ، ولا أقوم، وإني لقائم فلا تأتي بعائد. قال: وأما قولهم: مررت بدار الذراع بدرهم وببرّ قفيز بدرهم، فلا بدّ من أن يتصل بالأوّل بالعائد، وإنما يحذف العائد فيه، لأن الثاني تبعيض للأوّل مررت ببرّ بعضه بدرهم، وبعضه بدرهم فلما كان المعنى التبعيض حذف العائد. قال: وأما ابتداء (إن) في كل موضع إذا طال الكلام، فلا يجوز أن تبتديء إلا بمعنى: قل إن الموت الذي تفرّون منه، فإنه جواب للجزاء، كأنه قال: ما فررتم منه من الموت، فهو ملاقيكم. وهذا القول الثاني عندي أولى في ذلك بالصواب للعلل التي ذكرناها. ٤٥القول في تأويل قوله تعالى: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذّلّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيّ ...}. يقول تعالى ذكره: وترى يا محمد الظالمين يعرضون على النار خاشِعِينَ مِنَ الذّلّ يقول: خاضعين متذللين. كما: ٢٣٧٤١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، : الخشوع: الخوف والخشية للّه عزّ وجلّ، وقرأ قول اللّه عزّ وجلّ: لَمّا رأَوُا العَذَابَ... إلى قوله: خاشِعِينَ مِنَ الذّلّ قال: قد أذلهم الخوف الذي نزل بهم وخشعوا له. ٢٣٧٤٢ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: خاشِعِينَ قال: خاضعين من الذلّ. و قوله: يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيّ يقول: ينظر هؤلاء الظالمون إلى النار حين يعرضون عليها من طرف خفيّ. واختلف أهل التأويل في معنى قوله: مِنْ طَرْفٍ خَفِيَ فقال بعضهم: معناه: من طرف ذليل. وكأن معنى الكلام: من طرف قد خَفِي من ذلّةٍ. ذكر من قال ذلك: ٢٣٧٤٣ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذّلّ... إلى قوله: مِنْ طَرْفٍ خَفِيّ يعني بالخفيّ: الذليل. ٢٣٧٤٤ـ حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى: وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله عزّ وجلّ: مِنْ طَرْفٍ خَفِيّ قال: ذليل. وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهم يسارقون النظر. ذكر من قال ذلك: ٢٣٧٤٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيّ قال: يسارقون النظر. ٢٣٧٤٦ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ مِنْ طَرْفٍ خَفِيّ قال: يسارقون النظر. واختلف أهل العربية في ذلك، فقال بعض نحويي البصرة في ذلك: جعل الطرف العين، كأنه قال: ونظرهم من عين ضعيفة، واللّه أعلم. قال: وقال يونس: إن مِنْ طَرْفٍ مثل بطرفٍ، كما تقول العرب: ضربته في السيف، وضربته بالسيف. وقال آخر منهم: إنما قيل: مِنْ طَرْفٍ خَفِيّ لأنه لا يفتح عينيه، إنما ينظر ببعضها. وقال آخرون منهم: إنما قيل: مِنْ طَرْفٍ خَفِيّ لأنهم ينظرون إلى النار بقلوبهم، لأنهم يُحشرُون عُميا. والصواب من القول في ذلك، القول الذي ذكرناه عن ابن عباس ومجاهد، وهو أن معناه: أنهم ينظرون إلى النار من طرف ذليل، وصفه اللّه جل ثناؤه بالخفاء للذلة التي قد ركبتهم، حتى كادت أعينهم أن تغور، فتذهب. و قوله: وَقالَ الّذِينَ آمَنُوا إنّ الخاسِرِينَ الّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهُم وأهْلِيهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ يقول تعالى ذكره: وقال الذين آمنوا باللّه ورسوله: إن المغبونين الذين غبنوا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة في الجنة. كما: ٢٣٧٤٧ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، قوله: الّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهُمْ وأهْلِيهِمْ يَوْمَ القِيامةِ قال: غبنوا أنفسهم وأهليهم في الجنة. و قوله: ألا إنّ الظّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ يقول تعالى ذكره: ألا إن الكافرين يوم القيامة في عذاب لهم من اللّه مُقيم عليهم، ثابت لا يزول عنهم، ولا يَبيد، ولا يخفّ. ٤٦القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَهُم مّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مّن دُونِ اللّه وَمَن يُضْلِلِ اللّه فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ}. يقول تعالى ذكره: ولم يكن لهؤلاء الكافرين حين يعذّبهم اللّه يوم القيامة أولياء يمنعونهم من عذاب اللّه ولا ينتصرون لهم من ربهم على ما نالهم به من العذاب من دون اللّه وَمَنْ يُضْلِلِ اللّه فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ يقول: ومن يخذله عن طريق الحقّ فما له من طريق إلى الوصول إليه، لأن الهداية والإضلال بيده دون كلّ أحد سواه. ٤٧و قوله: اسْتَجِيبُوا لِرَبّكُمْ يقول تعالى ذكره للكافرين به: أجيبوا أيها الناس داعيَ اللّه وآمنوا به واتبعوه على ما جاءكم به من عند ربكم، مِنْ قَبْلِ أَنْ يأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدّ لَهُ مِنَ اللّه : يقول: لا شيء يردّ مجيئه إذا جاء اللّه به، وذلك يوم القيامة ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ يقول جلّ ثناؤه: مالكم أيها الناس من معقل تحترزون فيه، وتلجأون إليه، فتعتصمون به من النازل بكم من عذاب اللّه على كفركم به، كان في الدنيا وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ يقول: ولا أنتم تقدرون لما يحلّ بكم من عقابه يومئذٍ على تغييره، ولا على انتصار منه إذا عاقبكم بما عاقبكم به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٧٤٨ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ قال: من مَحْرَز. و قوله: مِنْ نَكِيرِ قال: ناصر ينصركم. ٢٣٧٤٩ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ تلجأون إليه وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ يقول: من عزّ تعتزون. ٤٨القول في تأويل قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاّ الْبَلاَغُ ...}. يقول تعالى ذكره: فإن أعرض هؤلاء المشركون يا محمد عما أتيتهم به من الحقّ، ودعوتهم إليه من الرشد، فلم يستجيبوا لك، وأبَوْا قبوله منك، فدعهم، فإنا لن نرسلك إليهم رقيبا عليهم، تحفظ عليهم أعْمالهم وتحصيها إنْ عَلَيْكَ إلاّ البَلاغُ يقول: ما عليك يا محمد إلا أن تبلغهم ما أرسلناك به إليهم من الرسالة، فإذا بلغتهم ذلك، فقد قضيت ما عليك وَإنّا إذَا أذَقْنا الإنْسانَ منّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها يقول تعالى ذكره: فإنا إذا أغنينا ابن آدم فأعطيناه من عندنا سعة، وذلك هو الرحمة التي ذكرها جلّ ثناؤه، فرح بها: يقول: سرّ بما أعطيناه من الغِنى، ورزقناه من السّعة وكثرة المال، وَإنْ تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يقول: وإن أصابتهم فاقة وفقر وضيق عيش بِما قَدّمَتْ أيْدِيهِمْ يقول: بما أسلفت من معصية اللّه عقوبة له على معصيته إياه، جحد نعمة اللّه ، وأيس من الخير فإنّ الإنْسانَ كَفُورٌ يقول تعالى ذكره: فإن الإنسان جحود نعم ربه، يعدّد المصائب، ويجحد النعم. وإنما قال: وَإنْ تُصْبِهُمْ سَيّئَةٌ فأخرج الهاء والميم مخرج كناية جمع الذكور، وقد ذكر الإنسان قبل ذلك بمعنى الواحد، لأنه بمعنى الجمع. ٤٩القول في تأويل قوله تعالى: {للّه مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذّكُورَ }. يقول تعالى ذكره: للّه سلطان السموات السبع والأرضين، يفعل في سلطانه ما يشاء، ويخلق ما يحبّ خلقه، يهب لمن يشاء من خلقه من الولد الإناث دون الذكور، بأن يجعل كل ما حملت زوجته من حمل منه أنثى وَيَهبُ لِمُنْ يَشاءُ الذّكُورَ يقول: ويهب لمن يشاء منهم الذكور، بأن يجعل كلّ حمل حملته امرأته ذكرا لا أنثى فيهم. ٢٣٧٥٠ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَانا وَإناثا قال: يخلط بينهم يقول: التزويج: أن تلد المرأة غلاما، ثم تلد جارية، ثم تلد غلاما، ثم تلد جارية. ٢٣٧٥١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إناثا، وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذّكُورَ قادر واللّه ربنا على ذلك أن يهب للرجل ذكورا ليست معهم أنثى، وأن يهب للرجل ذكرانا وإناثا، فيجمعهم له جميعا، وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيما لا يولد له. ٢٣٧٥٢ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، في قول اللّه عز وجل: يَهَبُ لَمَنْ يَشاءُ إناثا، وَيَهبُ لِمَنْ يَشاءُ الذّكُورَ ليست معهم إناث ٥٠أوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَانا وَإناثا قال: يهب لهم إناثا وذكرانا، ويجعل من يشاء عقيما لا يُولدَ له. ٢٣٧٥٣ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيما يقول: لا يُلْقِح. ٢٣٧٥٤ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيما لا يلد واحدا ولا اثنين. ٢٣٧٥٥ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد اللّه ، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إناثا، وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذّكُورَ ليس فيهم أنثى أوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَانا وَإناثا تلد المرأة ذكرا مرّة وأنثى مرّة وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيما لا يُولد له. وقال ابن زيد: في معنى قوله: أوْ يُزَوّجُهُمْ ما: ٢٣٧٥٦ـ حدثني يونس، قال: ابن وهب، قال: قال ابن زيد: في قوله: أوْ يُزَوّجُهُمْ ذُكْرَانا وَإناثا قال: أو يجعل في الواحد ذكرا وأنثى توأما، هذا قوله: أوْ يُزَوّجَهُمْ ذُكْرَانا وَإناثا. و قوله: إنّهُ عَلِيم قَدِيرٌ يقول تعالى ذكره: إن اللّه ذو علم بما يخلق، وقُدرة على خلق ما يشاء لا يعزب عنه علم شيء من خلقه، ولا يعجزه شيء أراد خلقه. ٥١القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلّمَهُ اللّه إِلاّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ...}. يقول تعالى ذكره: وما ينبغي لبشر من بني آدم أن يكلمه ربه إلا وحيا يوحي اللّه إليه كيف شاء، أو إلهاما، وإما غيره أوْ مِنْ وَرَاءِ حِجابٍ يقول: أو يكلمه بحيث يسمع كلامه ولا يراه، كما كلم موسى نبيه صلى اللّه عليه وسلم أوْ يُرْسِلَ رَسُولاً يقول: أو يرسل اللّه من ملائكته رسولاً، إما جبرائيل، وإما غيره فَيُوحِيَ بإذْنِهِ ما يَشاءُ يقول: فيوحي ذلك الرسول إلى المرسل إليه بإذن ربه ما يشاء، يعني : ما يشاء ربه أن يوحيه إليه من أمر ونهي، وغير ذلك من الرسالة والوحي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٧٥٧ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، في قوله عزّ وجلّ: وَما كانَ لِبَشَر أنْ يُكَلّمَهُ اللّه إلاّ وَحْيا يوحي إليه أوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ موسى كلمه اللّه من وراء حجاب، أوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بإذْنِهِ ما يَشاءُ قال: جبرائيل يأتي بالوحي. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: أوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فيوحي، فقرأته عامة قرّاء الأمصار فَيُوحِيَ بنصب الياء عطفا على يُرْسِلَ، ونصبوا يُرْسِلَ عطفا بها على موضع الوحي، ومعناه، لأن معناه وما كان لبشر أن يكلمه اللّه إلا أن يوحي إليه أو يرسل إليه رسولاً فيوحيَ بإذنه ما يشاء. وقرأ ذلك نافع المدني (فيُوحِي) بإرسال الياء بمعنى الرفع عطفا به على يُرْسِلُ، وبرفع يُرْسِلُ على الابتداء. و قوله: إنّهُ عَلِيّ حَكِيمٌ يقول تعالى ذكره إنه يعني نفسه جلّ ثناؤه: ذو علوّ على كل شيء وارتفاع عليه، واقتدار. حكيم: يقول: ذو حكمة في تدبيره خلقه. ٥٢القول في تأويل قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ ...}. يعني تعالى ذكره ب قوله: وكَذلكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحا مِنْ أمْرِنا وكما كنا نوحي في سائر رسلنا، كذلك أوحينا إليك يا محمد هذا القرآن، روحا من أمرنا: يقول: وحيا ورحمة من أمرنا. واختلف أهل التأويل في معنى الروح في هذا الموضع، فقال بعضهم: عنى به الرحمة. ذكر من قال ذلك: ٢٣٧٥٨ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ، عن الحسن في قوله: رُوحا مِنْ أمْرِنا قال: رحمة من أمرنا. وقال آخرون: معناه: وحيا من أمرنا. ذكر من قال ذلك: ٢٣٧٥٩ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: وكَذلكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحا مِنْ أمْرِنا قال: وحيا من أمرنا. وقد بيّنا معنى الروح فيما مضى بذكر اختلاف أهل التأويل فيها بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. و قوله: مَا كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ وَلا الإيمَانُ يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : ماكنت تدري يا محمد أيّ شيء الكتاب ولا الإيمان اللذين أعطيناكهما وَلَكِنْ جَعَلْناهُ نُورا يقول: ولكن جعلنا هذا القرآن، وهو الكتاب نورا، يعني ضياءً للناس، يستضيئون بضوئه الذي بيّن اللّه فيه، وهو بيانه الذي بيّن فيه، مما لهم فيه في العمل به الرشاد، ومن النار النجاة نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا يقول: نهدي بهذا القرآن، فالهاء في قوله (به) من ذكر الكتاب. و يعني ب قوله: نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ: نسدّد إلى سبيل الصواب، وذلك الإيمان باللّه مَنْ نَشاءُ منْ عِبادِنا يقول: نهدي به من نشاء هدايته إلى الطريق المستقيم من عبادنا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٣٧٦٠ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ وَلا الإيمانُ يعني محمدا صلى اللّه عليه وسلم وَلَكِنْ جَعَلْناهُ نُورا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا يعني بالقرآن. وقال جل ثناؤه وَلَكِنْ جَعَلْناهُ فوحد الهاء، وقد ذكر قبل الكتاب والإيمان، لأنه قصد به الخبر عن الكتاب. وقال بعضهم: عنى به الإيمان والكتاب، ولكن وحد الهاء، لأن أسماء الأفعال يجمع جميعها الفعل، كما يقال: إقبالك وإدبارك يعجبني، فيوحدهما وهما اثنان. و قوله: وَإنّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : وإنك يا محمد لتهدي إلى صراط مستقيم عبادنا، بالدعاء إلى اللّه ، والبيان لهم. كما: ٢٣٧٦١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَإنّكَ لَتَهْدي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ قال تبارك وتعالى وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ داعٍ يدعوهم إلى اللّه عزّ وجلّ. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وَإنّكَ لَتَهْدي إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ قال: لكل قوم هاد. ٢٣٧٦٢ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ وَإنّكَ لَتَهْدِي إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يقول: تدعو إلى دين مستقيم، ٥٣صِراطِ اللّه الّذِي لَهُ ما فِي السّمّواتِ وما في الأرْضِ يقول جلّ ثناؤه: وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، وهو الإسلام، طريق اللّه الذي دعا إليه عباده، الذي لهم مُلك جميع ما في السموات وما في الأرض، لا شريك له في ذلك. والصراط الثاني: ترجمة عن الصراط الأوّل. وقوله جلّ ثناؤه: ألا إلى اللّه تَصِيرُ الامُورُ يقول جلّ ثناؤه: ألا إلى اللّه أيها الناس تصير أموركم في الاَخرة، فيقضي بينكم بالعدل. فإن قال قائل: أو ليست أمورهم في الدنيا إليه؟ قيل: هي وإن كان إليه تدبير جميع ذلك، فإن لهم حكاما ووُلاة ينظرون بينهم، وليس لهم يوم القيامة حاكم ولا سلطان غيره، فلذلك قيل: إليه تصير الأمور هنالك وإن كانت الأمور كلها إليه وبيده قضاؤها وتدبيرها في كل حال. |
﴿ ٠ ﴾