تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآنللإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبريإمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)_________________________________سورة الطورسورة الطور مكية وآياتها تسع وأربعون بسم اللّه الرحمَن الرحيم ١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالطّورِ}. يعني تعالى ذكره ب قوله: والطّورِ: والجبل الذي يُدعى الطور. وقد بيّنت معنى الطور بشواهده، وذكرنا اختلاف المختلفين فيه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقد: ٢٤٩٨٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول اللّه تبارك وتعالى: والطّورِ قال الجبل بالسّرْيانية. ٢و قوله: وكِتابٍ مَسْطُورٍ يقول: وكتاب مكتوب ومنه قول رُؤْبة: (إني وآياتٍ سُطِرْنَ سَطْرا ) وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٤٩٨٧ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وكِتاب مَسْطُورٍ قال: صحف. ٢٤٩٨٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، في قوله: وكِتابٍ مَسْطُورٍ والمسطور: المكتوب. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: مَسْطُورٍ قال: مكتوب. ٢٤٩٨٩ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: مَسْطُورٍ قال: مكتوب. ٣و قوله: فِي رَقَ مَنْشُورٍ يقول: في ورق منشور. و قوله: (في) من صلة مسطور، ومعنى الكلام: وكتاب سطر، وكُتب في ورق منشور. ٢٤٩٩٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فِي رَقّ مَنْشُورٍ وهو الكتاب. ٢٤٩٩١ـ حدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في رَقّ قال: الرقّ: الصحيفة. ٤و قوله: وَالبَيْتِ المَعْمُورِ يقول: والبيت الذي يعمر بكثرة غاشيته وهو بيت فيما ذُكر في السماء بحيال الكعبة من الأرض، يدخله كلّ يوم سبعون ألفا من الملائكة، ثم لا يعودون فيه أبدا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٤٩٩٢ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عديّ، عن سعيد، عن قتادة ، عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة، رجل من قومه قال: قال نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (رُفِعَ إليّ البَيْتُ المَعْمُورِ، فَقُلْتُ: يا جِبِريلُ ما هَذَا؟) قال: البَيْتُ المَعْمُورُ، يَدْخُلُهُ كُلّ يَوْم سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ إذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا آخِرَ ما عَلَيْهِمْ. حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا خالد بن الحارث، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة ، عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة رجل من قومه، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، بنحوه. ٢٤٩٩٣ـ حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب، عن خالد بن عُرعُرة، أن رجلاً قال لعليّ رضي اللّه عنه: ما البيت المعمور؟ قال: بيت في السماء يقال له الضراح، وهو بحيال الكعبة، من فوقها حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض، يصلي فيه كلّ يوم سبعون ألفا من الملائكة، ولا يعودون فيه أبدا. حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت خالد ابن عرعرة، قال: سمعت عليا رضي اللّه عنه، وخرج إلى الرحبة، فقال له ابن الكوّاء أو غيره: ما البيت المعمور؟ قال: بيت في السماء السادسة يقال له الضراح، يدخله كل يوم سبعون ألف مَلَك لا يعودون فيه أبدا. حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا طلق بن غنام، عن زائدة، عن عاصم، عن عليّ بن ربيعة، قال: سأل ابن الكوّاء عليا، رضي اللّه عنه عن البيت المعمور، قال: مسجد في السماء يقال له الضراح، يدخله كلّ يوم سبعون ألفا من الملائكة، لا يرجعون فيه أبدا. حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن عبيد المكتب، عن أبي الطفيل، قال: سأل ابن الكوّاء عليا عن البيت المعمرو، قال: بيت بحيال البيت العتيق في السماء يدخله كلّ يوم سبعون ألف مَلك على رسم راياتهم، يقال له الضراح، يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ثم لا يرجعون فيه أبدا. حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا بهرام، قال: حدثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن خالد بن عرعرة، عن عليّ رضي اللّه عنه، قال: سأله رجل عن البيت المعمور، قال: بيت في السماء يقال له الضريح قصد البيت، يدخله كلّ يوم سبعون ألف مَلك، ثم لا يعودون فيه. ٢٤٩٩٤ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: وَالبَيْتِ المَعْمُورِ قال: هو بيت حذاء العرش تعمره الملائكة، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ثم لا يعودون إليه. ٢٤٩٩٥ـ حدثنا عبد اللّه بن أحمد بن شبّويه، قال: حدثنا عليّ بن الحسن، قال: حدثنا حسين، قال: سُئل عكرمة وأنا جالس عنده عن البيت المعمور، قال: بيت في السماء بحيال الكعبة. ٢٤٩٩٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وَالبَيْتِ المَعْمُورِ قال: بيت في السماء يقال له الضراح. ٢٤٩٩٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَالبَيْتِ المَعْمُورِ ذكر لنا أن نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال يوما لأصحابه: (هَلْ تَدْرُونَ ما البَيْتُ المَعْمُورُ) قالوا: اللّه ورسوله أعلم، قال: (فإنّهُ مَسْجِدٌ فِي السّماءِ تَحْتَهُ الكَعْبَةُ لَوْ خَرّ لخَرّ عَلَيْها، أوْ عَلَيْهِ، يُصلّي فِيهِ كُلّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلكٍ إذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا آخِرَ ما عَلَيْهِمْ) . ٢٤٩٩٨ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَالبَيْتِ المَعْمُورِ يزعمون أنه يروح إليه كلّ يوم سبعون ألف مَلك من قبيلة إبليس، يقال لهم الجنّ. ٢٤٩٩٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَالبَيْتِ المَعْمُورِ قال: بيت اللّه الذي في السماء. وقال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إنّ بَيْتَ اللّه فِي السّماءِ لَيَدْخُلُهُ كُلّ يَوْمٍ طَلَعَتْ شَمْسُهُ سَبْعُونَ ألْفَ مَلكٍ، ثُمّ لا يَعُودُونَ فِيهِ أبَدا بَعْدَ ذلكَ) . ٢٥٠٠٠ـ حدثنا محمد بن مرزوق، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قال: (البَيْتُ المَعْمُورُ فِي السّماءِ السّابِعَةِ يَدْخُلُهُ كُلّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلك، ثُمّ لا يَعُودُونَ إلَيْهِ حتى تَقُومَ السّاعَةُ) . حدثنا محمد بن سِنان القَزّاز، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا سليمان عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (لَمّا عَرَجَ بِي المَلكُ إلى السّماءِ السّابِعَةِ انْتَهَيْتُ إلى بِناءٍ فَقُلْتُ للْمَلَكِ: ما هَذَا؟ قال: هَذَا بِناءٌ بَناهُ اللّه للْمَلائِكَةِ يَدْخُلُهُ كُلّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ، يُقَدّسُونَ اللّه ويُسَبّحُونَهُ، لا يَعُودُونَ فِيهِ) . ٥و قوله: وَالسّقْفِ المَرْفُوعِ يعني بالسقف في هذا الموضع: السماء، وجعلها سقفا، لأنها سماء للأرض، كسماء البيت الذي هو سقفه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٠١ـ حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن خالد بن عرعرة، أن رجلاً قال لعليّ رضي اللّه عنه: ما السقف المرفوع؟ قال: السماء. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن سماك، عن خالد بن عُرْعرة، عن عليّ، قال: السقف المرفوع: السماء. حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، قال: حدثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن خالد بن عُرْعُرة، عن عليّ رضي اللّه عنه قال: سأله رجل عن السقف المرفوع، فقال: السماء. حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت خالد بن عُرْعُرة، قال: سمعت عليّا يقول: والسقف المرفوع: هو السماء، قال: وَجَعَلْنَا السّماءَ سَقْفا مَحفُوظا وهُمْ عَنْ آياتِها مُعرِضُونَ. ٢٥٠٠٢ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد السقف المرفوع: قال: السماء. ٢٥٠٠٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَالسّقْفِ المَرْفُوعِ سقف السماء. ٢٥٠٠٤ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَالسّقْفِ المَرْفُوع: سقف السماء. ٦و قوله: وَالبَحْرِ المَسْجُورِ اختلف أهل التأويل في معنى البحر المسجور، فقال بعضهم: الموقد. وتأوّل ذلك: والبحر الموقد المحمّي. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٠٥ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن داود، عن سعيد بن المسيب، قال: قال عليّ رضي اللّه عنه لرجل من اليهود: أين جهنم؟ فقال: البحر، فقال: ما أراه إلا صادقا، والبَحْرِ المَسْجورِ وَإذَا البِحارِ سُجِرَتْ مخففة. ٢٥٠٠٦ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يعقوب، عن حفص بن حُمَيد، عن شمر بن عطية، في قوله: وَالبَحْرِ المَسْجُورِ قال: بمنزلة التنّور المسجور. ٢٥٠٠٧ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وَالبَحْرِ المَسْجُورِ قال: الموقَد. ٢٥٠٠٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَالبَحْرِ المَسْجُورِ قال: الموقد، وقرأ قول اللّه تعالى: وَإذَا البِحارُ سُجّرَتْ قال: أوقدت. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وإذا البحار مُلئت، وقال: المسجور: المملوء. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٠٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَالبَحْرِ المَسْجُورِ الممتلىء. وقال آخرون: بل المسجور: الذي قد ذهب ماؤه. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠١٠ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: والبَحْرِ المَسْجُورِ قال: سجره حين يذهب ماؤه ويفجر. وقال آخرون: المسجور: المحبوس. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠١١ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، في قوله: وَالبَحْرِ المَسْجُورِ يقول: المحبوس. وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: معناه: والبحر المملوء المجموع ماؤه بعضه في بعض، وذلك أن الأغلب من معاني السجر: الإيقاد، كما يقال: سجرت التنور، بمعنى: أوقدت، أو الامتلاء على ما وصفت، كما قال لبيد: فَتَوَسّطا عُرْضَ السّرِيّ وَصَدّعامَسْجُورَةً مُتَجاوِرا قُلاّمُها وكما قال النمر بن تولَب العُكْليّ: إذَا شاءَ طالَعَ مَسْجُورَةًتَرَى حَوْلَها النّبْعَ والسّا سمَا سَقْتْها رَوَاعِدُ مِنْ صَيّفٍوَإنْ مِنْ خَرِيفٍ فَلَنْ يَعْدَما فإذا كان ذلك الأغلب من معاني السّجْر، وكان البحر غير مُوقَد اليوم، وكان اللّه تعالى ذكره قد وصفه بأنه مسجور، فبطل عنه إحدى الصفتين، وهو الإيقاد صحّت الصفة الأخرى التي هي له اليوم، وهو الامتلاء، لأنه كلّ وقت ممتلىء. و قيل: إن هذا البحر المسجور الذي أقسم به ربنا تبارك وتعالى بحر في السماء تحت العرش. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠١٢ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، عن عليّ والبَحْرِ المَسْجُورِ قال: بحر في السماء تحت العرش. ٢٥٠١٣ـ قال: ثنا مهران، قال: وسمعته أنا من إسماعيل، قال: حدثنا مهران عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد، عن عبد اللّه بن عمرو وَالبَحْرِ المَسْجُورِ قال: بحر تحت العرش. ٢٥٠١٤ـ حدثني محمد بن عمارة، قال: حدثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قوله: والبَحْرِ المَسْجُورِ قال: بحر تحت العرش. ٧و قوله: إنّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ يقول تعالى ذكره لنبيه صلى اللّه عليه وسلم : إنّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ يا محمد، لكائن حالّ بالكافرين به يوم القيامة. كما: ٢٥٠١٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إنّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ وقع القسم ها هنا إنّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ وذلك يوم القيامة. ٨و قوله: مالَهُ مِنْ دَافِعٌ يقول: ما لذلك العذاب الواقع بالكافرين من دافع يدفعه عنهم، فينقذهم منه إذا وقع. ٩القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السّمَآءُ مَوْراً}. يقول تعالى ذكره: إن عذاب ربك لواقع يَوْمَ تَمُورُ السّماءُ مَوْرا فيوم من صلة واقع، و يعني ب قوله: تمور: تدور وتكفأ. وكان معمر بن المثنى يُنشد بيت الأعشى: كأنّ مِشْيَتَها مِنْ بَيْتِ جارَتِهامَوْرُ السّحابَةِ لا رَيْثٌ وَلا عَجَلُ فالمور على روايته: التكفؤ والترهيل في المشية، وأما غيره فإنه كان يرويه مرّ السحابة. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم فيه نحو الذي قلنا فيه. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠١٦ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: يَوْمَ تَمُورُ السّماءُ مَوْرا قال: يقول: تحريكا. ٢٥٠١٧ـ حدثنا ابن المثنى وعمرو بن مالك، قالا: حدثنا أبو معاوية الضرير، عن سفيان بن عُيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: يَوْمَ تَمُورُ السّماءُ مَوْرا قال: تدور السماء دَوْرا. حدثنا الحسن بن عليّ الصدائي، قال: حدثنا إبراهيم بن بشار، قال: حدثنا سفيان بن عيينة قال: أخبروني عن معاوية الضرير، عني، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد يَوْمَ تَمُورُ السّماءُ مَوْرا قال: تدور دورا. حدثنا هارون بن حاتم المقري، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: ثني أبو معاوية، عني، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد يَوْمَ تَمُورُ السّماءُ مَوْرا قال: تدور دورا. ٢٥٠١٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يَوْمَ تَمُورُ السّماءُ مَوْرا مورها: تحريكها. ٢٥٠١٩ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يَوْمَ تَمُورُ السّماءُ مَوْرا يعني : استدارتها وتحريكها لأمر اللّه ، وموج بعضها في بعض. حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، قال: قال الضحاك يَوْم تَمُورُ السّماءُ مَوْرا قال: تموج بعضها في بعض، وتحريكها لأمر اللّه . ٢٥٠٢٠ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يَوْمَ تَمُورُ السّماءُ مَوْرا قال: هذا يوم القيامة، وأما المور: فلا علم لنا به. وقال آخرون: مورها: تشققها. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٢١ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: يَوْمَ تَمُورُ السّماءُ مَوْرا قال: يوم تشقّق السماء. ١٠و قوله: وَتَسِيرُ الجِبالُ سَيْرا يقول: وتسير الجبال عن أماكنها من الأرض سيرا، فتصير هباء منبثا. ١١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ}. يقول تعالى ذكره: فالوادي الذي يسيل من قيح وصديد في جهنم، يوم تمور السماء مورا، وذلك يوم القيامة للمكذّبين بوقوع عذاب اللّه للكافرين، يوم تمور السماء موّرا. وكان بعض نحويّي البصرة يقول: أدخلت الفاء في قوله: فَوَيْلٌ يَوْمَئذٍ لأنه في معنى إذا كان كذا وكذا، فأشبه المجازاة، لأن المجازاة يكون خبرها بالفاء. وقال بعض نحوييّ الكوفة: الأوقات تكون كلها جزاء مع الاستقبال، فهذا من ذاك، لأنهم قد شبهوا (إن) وهي أصل الجزاء بحين، وقال: إن مع يوم إضمار فعل، وإن كان التأويل جزاء، لأن الإعراب يأخذ ظاهر الكلام، وإن كان المعنى جزاء. ١٢و قوله: الّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ يقول: الذين هم في فتنة واختلاط في الدنيا يلعبون، غافلين عما هم صائرون إليه من عذاب اللّه في الاَخرة. ١٣و قوله: يَوْمَ يُدَعّونَ إلى نارِ جَهَنّمَ دَعّا يقول تعالى ذكره: فويل للمكذّبين يوم يُدَعّونَ. و قوله: يَوْمَ يُدَعّونَ ترجمة عن قوله: يَوْمَئِذٍ وإبدال منه. وعنى ب قوله: يُدَعّونَ يدفعون بإرهاق وإزعاج، يقال منه: دَعَعْت في قفاه: إذا دفعت فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٢٢ـ حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: حدثنا أبو كدينة، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس يَوْمَ يُدَعّونَ إلَى نارِ جَهَنّمَ دَعّا قال: يدفع في أعناقهم حتى يردوا النار. حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: يَوْمَ يُدَعّونَ إلى نارِ جَهَنّمَ دَعّا يقول: يدفعون. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: يَوْمَ يُدَعّونَ إلى نارِ جَهَنّمَ دَعّا قال: يدفعون فيها دفعا. ٢٥٠٢٣ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة يَوْمَ يُدَعّونَ إلى نارِ جَهَنم دَعّا يقول: يدفعون إلى نار جهنم دفعا. ٢٥٠٢٤ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: يَوْمَ يُدَعّونَ إلى نارِ جَهَنّمَ قال: يُدفعون. ٢٥٠٢٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة يَوْمَ يُدَعّونَ إلى نارِ جَهَنّمَ دَعا قال: يزعجون إليها إزعاجا. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة بنحوه. ٢٥٠٢٦ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يَوْمَ يُدَعّونَ إلَى نارِ جَهَنّمَ دَعّا الدعّ: الدفع والإرهاق. ٢٥٠٢٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول اللّه : يَوْمَ يَدَعّونَ إلى نارِ جَهَنّمَ دَعّا قال: يُدفعون دفعا، وقرأ قول اللّه تبارك وتعالى: فَذَلِكَ الذِي يَدُعّ اليَتِيمَ قال: يدفعه، ويغلظ عليه. ١٤و قوله: هَذِهِ النّارُ التي كُنْتُمْ بِها تُكَذّبُونَ يقول تعالى ذكره: يقال لهم: هذه النار التي كنتم بها في الدنيا تكذّبون، فتجحدون أن تردّوها، وتصلوها، أو يعاقبكم بها ربكم، وترك ذكر يُقال لهم، اجتزاء بدلالة الكلام عليه. ١٥القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَفَسِحْرٌ هَـَذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ}. يقول تعالى ذكره مخبرا عما يقول لهؤلاء المكذّبين الذين وصف صفتهم إذا وردوا جهنم يوم القيامة: أفسحر أيها القوم هذا الذي وردتموه الاَن أم أنتم لا تعاينونه ولا تبصرونه؟ وقيل هذا لهم توبيخا لا استفهاما. ١٦و قوله: اصْلَوْها يقول: ذوقوا حرّ هذه النار التي كنتم بها تكذّبون، وَرِدُوها فاصبروا على ألمها وشدتها، أو لا تصبروا على ذلك، سواء عليكم صبرتم أو لم تصبروا إنّمَا تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يقول: ما تجزون إلا أعمالكم: أي لا تعاقبون إلا على معصيتكم في الدنيا ربكم وكفركم. ١٧القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إِنّ الْمُتّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَنَعِيمٍ}. يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا اللّه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه في جنات: يقول في بساتين ونعيم فيها، وذلك في الاَخرة. ١٨و قوله: فاكِهِينَ يقول: عندهم فاكهة كثيرة، وذلك نظير قول العرب للرجل يكون عنده تمر كثير: رجل تامر، أو يكون عنده لبن كثير، فيقال: هو لابن، كما قال الحُطَيئة: أغَرَرْتَنِي وَزَعَمْتَأنّكَ لابِنٌ في الصّيْفِ تامِرْ و قوله: بِما آتاهُمْ رَبّهُمْ يقول: عندهم فاكهة كثيرة بإعطاء اللّه إياهم ذلك وَوَقاهُمْ رَبّهُم عَذَابَ الجَحِيمِ يقول: ورفع عنهم ربهم عقابه الذي عذّب به أهل الجحيم. ١٩القول فـي تأويـل قوله تعالى: {كُلُواْ وَاشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}. يقول تعالى ذكره: كلوا واشربوا، يقال لهؤلاء المتقين في الجنات: كلوا أيها القوم مما آتاكم ربكم، واشربوا من شرابها هنيئا، لا تخافون مما تأكلون وتشربون فيها أذًى ولا غائلة بما كنتم تعملون في الدنيا للّه من الأعمال. ٢٠و قوله: مُتّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ قد جعلت صفوفا، وترك قوله: على نمارق، اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام عليه. و قوله: وَزَوّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ يقول تعالى ذكره: وزوّجنا الذكور من هؤلاء المتقين أزواجا بحور عين من النساء، يقول الرجل: زوّج هذا الخلف الفرد أو النعل الفرد بهذا الفرد، بمعنى: اجعلهما زوجا. وقد بيّنا معنى الزوج فيما مضى بما أغنى عن إعادته ها هنا، والحُور: جمع حَوْراء، وهي الشديدة بياض مقلة العين في شدّة سواد الحدقة. وقد ذكرت اختلاف أهل التأويل في ذلك، وبيّنت الصواب فيه عندنا بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع، والعِين: جمع عَيْناء، وهي العظيمة العَيْن في حُسن وسعة. ٢١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالّذِينَ آمَنُواْ وَاتّبَعَتْهُمْ ذُرّيّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ ...}. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: والذين آمنوا وأتبعناهم ذرّياتهم بإيمان، ألحقنا بهم ذرّياتهم المؤمنين في الجنة، وإن كانوا لم يبلغوا بأعمالهم درجات آبائهم، تكرمة لاَبائهم المؤمنين، وما ألتنا آباءهم المؤمنين من أجور أعمالهم من شيء. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٢٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ، في هذه الاَية: (وَالّذِينَ آمَنُوا وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهمْ بإِيمانٍ) فقال: إن اللّه تبارك وتعالى يرفع للمؤمن ذرّيته، وإن كانوا دونه في العمل، ليقرّ اللّه بهم عينه. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ، قال: إن اللّه تبارك وتعالى ليرفع ذرّية المؤمن في درجته، وإن كانوا دونه في العمل، ليقرّ بهم عينه، ثم قرأ (وَالّذِينَ آمَنُوا وَاتّبَعَتْهُمْ ذُرّيّتُهُمْ بإيمَانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرّياتِهِم وَما أَلَتْناهمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) . حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن عمرو بن مرّة الجملي، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ، قال: إن اللّه تبارك وتعالى ليرفع ذرّيّة المؤمن معه في درجته، ثم ذكر نحوه، غير أنه قرأ (وأَتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإِيمَانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ) . حدثني موسى بن بعد الرحمن المسروقي، قال: حدثنا محمد بن بشر، قال: حدثنا سفيان بن سعيد، عن سماعة، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ، نحوه. حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس ، أنه قال في هذه الاَية (وَالّذِينَ آمَنُوا وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإِيمَانٍ) قال: المؤمن ترفع له ذرّيته، فيلحقون به، وإن كانوا دونه في العمل. وقال آخرون: بل معنى ذلك: والذين آمنوا وأتبعناهم ذرّيّاتهم التي بلغت الإيمان بإيمان، ألحقنا بهم ذرياتهم الصغار التي لم تبلغ الإيمان، وما ألتنا الاَباء من عملهم من شيء. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٢٩ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: (وَالّذِينَ آمَنُوا وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإيمَانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ) يقول: الذين أدرك ذرّيتهم الإيمان، فعملوا بطاعتي، ألحقتهم بإيمانهم إلى الجنة، وأولادهم الصغار نلحقهم بهم. ٢٥٠٣٠ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَالّذِينَ آمَنُوا وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإيمَانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ) يقول: من أدرك ذريته الإيمان، فعملوا بطاعتي ألحقتهم بآبائهم في الجنة، وأولادهم الصغار أيضا على ذلك. وقال آخرون نحو هذا القول، غير أنهم جعلوا الهاء والميم في قوله: أَلْحَقْنا بِهِمْ من ذكر الذرّية، والهاء والميم في قوله: ذرّيتهم الثانية من ذكر الذين. وقالوا: معنى الكلام: والذين آمنوا واتبعتهم ذرّيتهم الصغار، وما ألتنا الكبار من عملهم من شيء. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٣١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَالّذِينَ آمَنُوا وأَتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإِيمَانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ) قال: أدرك أبناؤهم الأعمال التي عملوا، فاتبعوهم عليها واتبعتهم ذرّياتهم التي لم يدركوا الأعمال، فقال اللّه جل ثناؤه وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قال: يقول: لم نظلمهم من عملهم من شيء فننقصهم، فنعطيه ذرّياتهم الذين ألحقناهم بهم، الذين لم يبلغوا الأعمال ألحقتهم بالذين قد بلغوا الأعمال. وقال آخرون: بل معنى ذلك وَالّذِينَ آمَنُوا وَاتّبَعَتْهُمْ ذُرّيّتُهُمْ بإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِم ذُرّيّتَهُمْ فأدخلناهم الجنة بعمل آبائهم، وما ألتنا الاَباء من عملهم من شيء. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٣٢ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت داود يحدّث عن عامر، أنه قال في هذه الاَية (وَالّذِينَ آمَنُوا وأَتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإِيمَانٍ ألحقنا بهم ذرياتهم وَما أَلَتْناهُمْ مِنَ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) فأدخل اللّه الذرّية بعمل الاَباء الجنة، ولم ينقص اللّه الاَباء من عملهم شيئا، قال: فه و قوله: وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ. ٢٥٠٣٣ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عديّ، عن داود، عن سعيد بن جُبَير أنه قال في قول اللّه : (ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) قال: ألحق اللّه ذرّياتهم بآبائهم، ولم ينقص الاَباء من أعمالهم، فيردّه على أبنائهم. وقال آخرون: إنما عنى ب قوله: (ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ) : أعطيناهم من الثواب ما أعطينا الاَباء. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٣٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، قال: سمعت إبراهيم في قوله: (وأتْبَعْناهُمْ ذرّيّاتِهمْ بإيمَانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ) قال: أعطوا مثل أجور آبائهم، ولم ينقص من أجورهم شيئا. حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن قيس بن مسلم، عن إبراهيم (وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإِيمَانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِم) قال: أعطوا مثل أجورهم، ولم ينقص من أجورهم. ٢٥٠٣٥ـ قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع (وأتْبَعْناهُمْ ذُرّياتِهِمْ بإِيمَانٍ) يقول: أعطيناهم من الثواب ما أعطيناهم وَما ألَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يقول: ما نقصنا آباءهم شيئا. ٢٥٠٣٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: (وَالّذِينَ آمَنُوا وأَتْبَعْناهُمْ ذُرّياتِهِمْ) كذلك قالها يزيد (ذُرّياتِهمْ بإِيمَانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ) قال: عملوا بطاعة اللّه فألحقهم اللّه بآبائهم. وأولى هذه الأقوال بالصواب وأشبهها بما دلّ عليه ظاهر التنزيل، القول الذي ذكرنا عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ، وهو: والذين آمنوا باللّه ورسوله، وأتبعناهم ذرياتهم الذين أدركوا الإيمان بإيمان، وآمنوا باللّه ورسوله، ألحقنا بالذين آمنوا ذريتهم الذين أدركوا الإيمان فآمنوا، في الجنة فجعلناهم معهم في درجاتهم، وإن قصرت أعمالهم عن أعمالهم تكرمة منا لاَبائهم، وما ألتناهم من أجور عملهم شيئا. وإنما قلت: ذلك أولى التأويلات به، لأن ذلك الأغلب من معانيه، وإن كان للأقوال الاَخر وجوه. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإيمَانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة وَاتّبَعَتْهُمْ ذُرّيّتُهُمْ على التوحيد بإيمان (ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ) على الجمع، وقرأته قراء الكوفة وَاتّبَعَتْهُمْ ذُرّيّتُهُمْ بإيمَانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّتَهُم كلتيهما بإفراد. وقرأ بعض قرّاء البصرة وهو أبو عمرو (وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإيمَانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ) . والصواب من القول في ذلك أن جميع ذلك قراءات معروفات مستفيضات في قرأة الأمصار، متقاربات المعاني، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. و قوله: وما ألَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يقول تعالى ذكره: وما ألتنا الاَباء، يعني ب قوله: وَما ألَتْناهُمْ: وما نقصناهم من أجور أعمالهم شيئا، فنأخذه منهم، فنجعله لأبنائهم الذين ألحقناهم بهم، ولكنا وفّيناهم أجور أعمالهم، وألحقنا أبناءهم بدرجاتهم، تفضلاً منا عليهم. والألت في كلام العرب: النقص والبخس، وفيه لغة أخرى، ولم يقرأ بها أحد نعلمه، ومن الألت قول الشاعر: أبْلِغْ بني ثُعَلٍ عَنّي مُغَلْغَلَةًجَهْدَ الرّسالَةِ لا ألْتا وَلا كَذِبا يعني : لا نُقصان ولا زيادة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٣٧ـ حدثنا ابن بشار قال: حدثنا مؤمل قال: حدثنا سفيان، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ، وَما ألَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قال: ما نقصناهم. حدثني علي قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن ابن عباس قوله: وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يقول: ما نقصناهم. وحدثني موسى بن عبد الرحمن، قال: حدثنا موسى بن بشر، قال: حدثنا سفيان بن سعيد، عن سماعة عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس وَما ألَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قال: وما نقصناهم. ٢٥٠٣٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وَما ألَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قال: ما نقصنا الاَباء للأبناء. حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: ما نقصنا الاَباء للأبناء، وَما ألَتْناهُمْ قال: وما نقصناهم. حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وَما ألَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قال: نقصناهم. ٢٥٠٣٩ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس وَما ألَتنْاهُمْ مِنْ عَمَلِهمْ مِنْ شَيْءٍ يقول: ما نقصنا آباءهم شيئا. قال ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، مثله. ٢٥٠٤٠ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي المعلى، عن سعيد بن جُبَير وَما أَلَتْناهُمْ قال: وما ظلمناهم. ٢٥٠٤١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يقول: وما ظلمناهم من عملهم من شيء. حدثني محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وَما أَلَتَنْاهُمْ مِنْ عَمَلِهمْ مِنْ شَيْءٍ يقول: وما ظلمناهم. ٢٥٠٤٢ـ وحُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَما أَلَتْناهُمْ يقول: وما ظلمناهم. ٢٥٠٤٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ قال: يقول: لم نظلمهم من عملهم من شيء: لم ننتقصهم فنعطيه ذرّياتهم الذين ألحقناهم بهم لم يبلغوا الأعمال ألحقهم بالذين قد بلغوا الأعمال وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قال: لم يأخذ عمل الكبار فيجزيه الصغار، وأدخلهم برحمته، والكبار عملوا فدخلوا بأعمالهم. و قوله: كُل امْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ يقول: كلّ نفس بما كسبت وعملت من خير وشرّ مرتهنة لا يؤاخذ أحد منهم بذنب غيره، وإنما يعاقب بذنب نفسه. ٢٢القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مّمّا يَشْتَهُونَ }. يقول تعالى ذكره: وأمددنا هؤلاء الذين آمنوا باللّه ورسوله، واتبعتهم ذريتهم بإيمان في الجنة، بفاكهة ولحم مما يشتهون من اللحمان. ٢٣و قوله: يَتَنازَعُونَ فِيها كأسا يقول: يتعاطون فيها كأس الشراب، ويتداولونها بينهم، كما قال الأخطل: نازَعْتُهُ طَيّبَ الرّاحِ الشّمُولِ وَقَدْصَاحَ الدّجاجُ وَحانَتْ وَقْعَةُ السّارِي و قوله: لا لَغْوٌ فِيها يقول: لا باطل في الجنة، والهاء في قوله (فيها) من ذكر الكأس، ويكون المعنى لما فيها الشراب بمعنى: أن أهلها لا لغو عندهم فيها ولا تأثيم، واللغو: الباطل. و قوله: وَلا تَأْثِيمٌ يقول: ولا فعل فيها يُؤثم صاحبه. و قيل: عنى بالتأثيم: الكذب. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٤٤ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: لا لَغْوٌ فِيها يقول: لا باطل فيها. و قوله: وَلا تَأثِيمٌ يقول: لا كذب. ٢٥٠٤٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: لا لَغْوٌ فِيها قال: لا يستبون وَلا تَأْثِيمٌ يقول: ولا يؤثمون. ٢٥٠٤٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ: أي لا لغو فيها ولا باطل، إنما كان الباطل في الدنيا مع الشيطان. وحدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ قال: ليس فيها لغو ولا باطل، إنما كان اللغو والباطل في الدنيا. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ بالرفع والتنوين على وجه الخبر، على أنه ليس في الكأس لغو ولا تأثيم. وقرأه بعض قرّاء البصرة (لا لَغْوَ فِيها وَلا تَأْثِيمَ) نصبا غير منوّن على وجه التبرئة. والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب، وإن كان الرفع والتنوين أعجب القراءتين إليّ لكثرة القرأة بها، وأنها أصحّ المعنيين. ٢٤القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لّهُمْ كَأَنّهُمْ لُؤْلُؤٌ مّكْنُونٌ}. يقول تعالى ذكره: ويطوف على هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في الجنة غلمان لهم، كأنهم لؤلؤ في بياضه وصفائه مكنون، يعني : مصون في كنّ، فهو أنقى له، وأصفى لبياضه. وإنما عنى بذلك أن هؤلاء الغلمان يطوفون على هؤلاء المؤمنين في الجنة بكؤوس الشراب التي وصف جل ثناؤه صفتها. وقد: ٢٥٠٤٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمان لَهُمْ كأنّهُمْ لُؤلؤٌ مَكْنُونٌ ذُكر لنا أن رجلاً قال: يا نبيّ اللّه هذا الخادم، فكيف المخدوم؟ قال: (والذي نفس محمد بيده، إن فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب) . وحدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: كأنّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ قال: بلغني أنه قيل: يا رسول اللّه هذا الخادم مثل اللؤلؤ، فكيف المخدوم؟ قال: (وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنّ فَضْلَ ما بَيْنَهُمَا كَفَضْلِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ على النجوم) . ٢٥و قوله: وأقْبَلَ بَعَضُهُمْ عَلى بَعْضٍ... الاَية، يقول تعالى ذكره: وأقبل بعض هؤلاء المؤمنين في الجنة على بعض، يسأل بعضهم بعضا. وقد قيل: إن ذلك يكون منهم عند البعث من قبورهم. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٤٨ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس في قوله: وأقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ قال: إذا بعثوا في النفخة الثانية. ٢٦القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قَالُوَاْ إِنّا كُنّا قَبْلُ فِيَ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ}. يقول تعالى ذكره: قال بعضهم لبعض: إنا أيها القوم كنا في أهلنا في الدنيا مُشفقين خائفين من عذاب اللّه وجلين أن يعذّبنا ربنا اليوم فَمَنّ اللّه عَلَيْنا بفضله وَوَقانا عَذَابَ السّمُومِ يعني : عذاب النار، يعني فنجّانا من النار، وأدخلنا الجنة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٧٢٥٠٤٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: عَذَابَ السّمُومِ قال: عذاب النار. و قوله: إنّا كُنّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ يقول: إنا كنا في الدنيا من قبل يومنا هذا ندعوه: نعبده مخلصين له الدين، لا نُشرك به شيئا إنّهُ هُوَ البَرّ يعني : اللطيف بعباده. كما: ٢٨٢٥٠٥٠ـ حدثنا عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: إنّه هُوَ البَرّ يقول: اللطيف. و قوله: الرّحِيمُ يقول: الرحيم بخلقه أن يعذّبهم بعد توبتهم. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: إنّهُ هُوَ البَرّ فقرأته عامة قرّاء المدينة (أنّهُ) بفتح الألف، بمعنى: إنا كنا من قبل ندعوه لأنه هو البرّ، أو بأنه هو البرّ. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة بالكسر على الابتداء. والصواب من القول في ذلك، أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. ٢٩القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَذَكّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ}. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : فذكر يا محمد من أرسلت إليه من قومك وغيرهم، وعظهم بنعم اللّه عندهم فَما أنْتَ بنِعْمَةِ رَبّكَ بكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ يقول فلست بنعمة اللّه عليك بكاهن تتكهَن، ولا مجنون له رئيّ يخبر عنه قومه ما أخبره به، ولكنك رسول اللّه ، واللّه لا يخذلك، ولكنه ينصرك. ٣٠و قوله: أمْ يَقُولُونَ شاعِر نَتَرَبّصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ يقول جلّ ثناؤه: بل يقول المشركون: يا محمد لك: هو شاعر نتربص به حوادث الدهر، يكفيناه بموت أو حادثة متلفة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت عباراتهم عنه، فقال بعضهم فيه كالذي قلنا. وقال بعضهم: هو الموت. ذكر من قال: عنى ب قوله: رَيْبَ المَنُونِ: حوادث الدهر. ٢٥٠٥١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: رَيْبَ المَنُون قال: حوادث الدهر. حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، قال: قال مجاهد رَيْبَ المَنُونِ حوادث الدهر. ذكر من قال: عنى به الموت. ٢٥٠٥٢ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: رَيْبَ المَنُونِ يقول: الموت. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: نَتَرَبَصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ قال: يتربصون به الموت. ٢٥٠٥٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: أمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ قال: قال ذلك قائلون من الناس تربصوا بمحمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، الموت يكفيكموه، كما كفاكم شاعر بني فلان وشاعر بني فلان. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: رَيْبَ المَنُونِ قال: هو الموت، نتربص به الموت، كما مات شاعر بني فلان، وشاعر بني فلان. ٢٥٠٥٤ـ وحدثني سعيد بن يحيى الأموي، قال: ثني أبي، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن عبد اللّه بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس أن قريشا لما اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم قال قائل منهم: احبسوه في وثاق، ثم تربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك مَن قبله من الشّعراء زُهير والنابغة، إنما هو كأحدهم، فأنزل اللّه في ذلك من قولهم: أمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبّصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ. ٢٥٠٥٥ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: نَتَرَبّصُ بِهِ رَيْبَ المَنُونِ الموت، وقال الشاعر: تَرَبّصْ بِها رَيْبَ المَنُونِ لَعَلّهاسَيَهْلِكُ عَنْها بَعُلُها أو (تُسَرّحُ) وقال آخرون: معنى ذلك: ريب الدنيا، وقالوا: المنون: الموت. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٥٦ـ حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا مهران، عن أبي سنان رَيْبَ المَنُونِ قال: ريب الدنيا، والمنون: الموت. ٣١و قوله: قُلْ تَرَبّصُوا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يقولون لك: إنك شاعر نتربص بك ريب المنون، تربصوا: أي انتظروا وتمهَلوا فيّ ريب المنون، فإني معكم من المتربصين بكم، حتى يأتي أمر اللّه فيكم. ٣٢القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَـَذَآ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}. يقول تعالى ذكره: أتأمر هؤلاء المشركين أحلامهم بأن يقولوا لمحمد صلى اللّه عليه وسلم : هو شاعر، وأن ما جاء به شعر أمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ يقول جلّ ثناؤه: ما تأمرهم بذلك أحلامهم وعقولهم (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) قد طَغَوا على ربهم، فتجاوزوا ما أذن لهم وأمرهم به من الإيمان إلى الكفر به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٥٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أمْ تَأْمُرُهُمْ أحْلامُهُمْ بِهَذَا قال: كانوا يعدّون في الجاهلية أهل الأحلام، فقال اللّه : أم تأمرهم أحلامهم بهذا أن يعبدوا أصناما بُكما. صما، ويتركوا عبادة اللّه ، فلم تنفعهم أحلامهم حين كانت لدنياهم، ولم تكن عقولهم في دينهم، لم تنفعهم أحلامهم. وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة، يتأوّل قوله: أمْ تَأْمُرُوهُمْ أحْلامُهُمْ: بل تأمرهم. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله أمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ أيضا قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٥٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد، في قوله: أمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ قال: بل هم قوم طاغون. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد أمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ قال: بل هم قوم طاغون. ٣٣و قوله: أمْ يَقُولُونَ تَقَوّلَهُ يقول تعالى ذكره: أم يقول هؤلاء المشركون: تقوّل محمد هذا القرآن وتخلّقه. و قوله: بَلْ لا يُؤْمِنُونَ يقول جلّ ثناؤه: كذبوا فيما قالوا من ذلك، بل لا يؤمنون فيصدّقوا بالحقّ الذي جاءهم من عند ربهم. ٣٤و قوله: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ يقول: جلّ ثناؤه: فليأت قائلو ذلك له من المشركين بقرآن مثله، فإنهم من أهل لسان محمد صلى اللّه عليه وسلم ، ولن يتعذّر عليهم أن يأتوا من ذلك بمثل الذي أتى به محمد صلى اللّه عليه وسلم إن كانوا صادقين في أن محمدا صلى اللّه عليه وسلم تقوّله وتخلّقه. ٣٥القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}. يقول تعالى ذكره: أخلق هؤلاء المشركون من غير شيء، أي من غير آباء ولا أمّهات، فهم كالجماد، لا يعقلون ولا يفهمون للّه حجة، ولا يعتبرون له بعبرة، ولا يتعظون بموعظة. وقد قيل: إن معنى ذلك: أم خلقوا لغير شيء، كقول القائل: فعلت كذا وكذا من غير شيء، بمعنى: لغير شيء. و قوله: أمْ هُمُ الخالِقُونَ يقول: أم هم الخالقون هذا الخلق، فهم لذلك لا يأتمرون لأمر اللّه ، ولا ينتهون عما نهاهم عنه، لأن للخالق الأمر والنهي ٣٦أمْ خَلَقُوا السّمَوَاتِ والأرْضَ يقول: أخلقوا السموات والأرض فيكونوا هم الخالقين، وإنما معنى ذلك: لم يخلقوا السموات والأرض، بَلْ لا يُوقِنُونَ يقول: لم يتركوا أن يأتمروا لأمر ربهم، وينتهوا إلى طاعته فيما أمر ونهى، لأنهم خلقوا السموات والأرض، فكانوا بذلك أربابا، ولكنهم فعلوا، لأنهم لا يوقنون بوعيد اللّه وما أعدّ لأهل الكفر به من العذاب في الاَخرة. ٣٧القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ}. يقول تعالى ذكره: أعند هؤلاء المكذّبين بآيات اللّه خزائن ربك يا محمد، فهم لاستغنائهم بذلك عن آيات ربهم معرضون، أم هم المسيطرون. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: أم هم المسلّطون. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٥٩ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: أمْ هُمْ المُسَيْطِرُونَ يقول: المسلّطون. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أم هم المُنْزِلُونَ. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٦٠ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: أمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبّكَ أمْ هُمُ المُسَيْطِرُونَ قال: يقول أم هم المنزلون. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أم هم الأرباب، وممن قال ذلك معمر بن المثنى، قال: يقال: سيطرتَ عليّ: أي اتخذتني خولاً لك. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: أم هم الجبّارون المتسلطون المستكبرون على اللّه ، وذلك أن المسيطر في كلام العرب الجبار المتسلط، ومنه قول اللّه : لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ يقول: لست عليهم بجبار مسلط. ٣٨و قوله: أَمْ لَهُمْ سُلّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ يقول: أم لهم سلم يرتقون فيه إلى السماء يستمعون عليه الوحي، فيدّعون أنهم سمعوا هنالك من اللّه أن الذي هم عليه حقّ، فهم بذلك متمسكون بما هم عليه. و قوله: فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ يقول: فإن كانوا يدّعون ذلك فليأت من يزعم أنه استمع ذلك، فسمعه بسلطان مبين، يعني بحجة تبين أنها حقّ، كما أتى محمد صلى اللّه عليه وسلم بها على حقيقة قوله، وصدقه فيما جاءهم به من عند اللّه . والسّلّم في كلام العرب: السبب والمرقاة ومنه قول ابن مقبل: لا تُحْرِزِ المَرْءَ أَحْجاءُ الْبِلادِ وَلاتُبْنَى لَهُ في السّمَواتِ السّلالِيمُ ومنه قوله: جعلت فلانا سَلّما لحاجتي: إذا جعلته سببا لها. ٣٩القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ}. يقول تعالى ذكره للمشركين به من قريش: ألربكم أيها القوم البنات ولكم البنون؟ ذلك إذن قسمة ضيزى، و قوله: أمْ تَسألُهُمْ أجْرا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : أتسأل هؤلاء المشركين الذين أرسلناك إليهم يا محمد على ما تدعوعهم إليه من توحيد اللّه وطاعته ثوابا وعوضا من أموالهم، فهم من ثِقل ما حملتهم من الغرم لا يقدرون على إجابتك إلى ما تدعوهم إليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٦١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، ٤٠قوله: أمْ تَسأَلُهُمْ أجْرا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ يقول: هل سألتَ هؤلاء القوم أجرا يُجْهدهم، فلا يستطيعون الإسلام. ٢٥٠٦٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وَهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أمْ تَسأَلُهُمْ أجْرا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ قال: يقول: أسألتهم على هذا أجرا، فأثقلهم الذي يُبْتَغَى أخذَه منهم. ٤١و قوله: أمْ عِنْدَهُمُ الغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ يقول تعالى ذكره: أم عندهم علم الغيب، فهم يكتبون ذلك للناس، فينبئونهم بما شاؤوا، ويخبرونهم بما أرادوا. ٤٢القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ الْمَكِيدُونَ}. يقول تعالى ذكره: بل يريد هؤلاء المشركون يا محمد بك، وبدين اللّه كيدا فالّذِينَ كَفَرُوا هُمُ المَكِيدُونَ يقول: فهم المكيدون الممكورُ بهم دونك، فثق باللّه ، وامض لما أمرك به. ٤٣و قوله: أمْ لَهُمْ إلَهٌ غَيرُ اللّه : يقول جلّ ثناؤه: أمْ لَهُم معبود يستحق عليهم العبادةُ غير اللّه ، فيجوز لهم عبادته، يقول: ليس لهم إله غير اللّه الذي له العبادة من جميع خلقه سُبْحانَ اللّه عَمّا يُشْرِكُونَ يقول: تنزيها للّه عن شركهم وعبادتهم معه غيرَه. ٤٤القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مّنَ السّمَآءِ سَاقِطاً يَقُولُواْ سَحَابٌ مّرْكُومٌ }. يقول تعالى ذكره: وإن ير هؤلاء المشركون قِطْعا من السماء ساقطا، والكِسْف: جمع كِسْفة، مثل التمر جمع تمرة، والسّدْر جمع سِدْرة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٦٣ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: كِسْفا يقول: قِطْعا. ٢٥٠٦٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَإنْ يَرْوا كِسْفا يقول: وإن يروا قِطْعا مِنَ السّماءِ ساقِطا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ يقول جلّ ثناؤه: يقولوا لذلك الكِسْف من السماء الساقط: هذا سحاب مركوم، يعني بقوله مركوم: بعضه على بعض. وإنما عنى بذلك جل ثناؤه المشركين من قريش الذين سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الاَيات، فقالوا له: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حتى تُفَجّرَ لنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعا... إلى قوله: عَلَيْنا كِسْفا، فقال اللّه لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : وإن ير هؤلاء المشركون ما سألوا من الاَيات، فعاينوا كِسَفا من السماء ساقطا، لم ينتقلوا عما هم عليه من التكذيب، ولقالوا. إنما هذا سحاب بعضه فوق بعض، لأن اللّه قد حتم عليهم أنهم لا يؤمنون. كما: ٢٥٠٦٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة يقولوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ يقول: لا يصدّقوا بحديث، ولا يؤمنوا بآية. ٢٥٠٦٦ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَإنْ يَرَوْا كِسْفا مِنَ السّماءِ ساقِطا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ قال: حين سألوا الكِسْف قالوا: أسقط علينا كِسْفا من السماء إن كنت من الصادقين قال: يقول: لو أنا فعلنا لقالوا: سحاب مركوم. ٤٥و قوله: فَذَرْهُمْ حتى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : فدع يا محمد هؤلاء المشركين حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يهلكون، وذلك عند النفخة الأولى. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: فِيهِ يُصْعَقُونَ فقرأته عامة قرّاء الأمصار سوى عاصم بفتح الياء من (يَصْعَقُونَ) ، وقرأه عاصم يُصْعَقُونَ بضم الياء، والفتح أعجب القراءتين إلينا، لأنه أفصح اللغتين وأشهرهما، وإن كانت الأخرى جائزة، وذلك أن العرب تقول: صعق الرجل وصُعِق، وسَعد وسُعد. وقد بيّنا معنى الصّعْق بشواهده، وما قال فيه أهل التأويل فيما مضى بما أغنى عن إعادته. ٤٦القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ}. يعني جل ثناؤه ب قوله: يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شيْئَا يوم القيامة، حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون، ثم بين عن ذلك اليوم أيّ يوم هو، فقال: يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا، يعني : مَكرهم أنه لا يدفع عنهم عن عذاب اللّه شيئا، فاليوم الثاني ترجمة عن الأوّل. و قوله: وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ يقول: ولا هم ينصرهم ناصر، فيستقيد لهم ممن عذّبهم وعاقبهم. ٤٧و قوله: وَإنّ لِلّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابا دُونَ ذلكَ اختلف أهل التأويل في العذاب الذي توعّد اللّه به هؤلاء الظلمة من دون يوم الصعقة، فقال بعضهم: هو عذاب القبر. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٦٧ـ حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري، قال: أخبرنا شريك، عن أبي إسحاق، عن البراء عَذَابا دُونَ ذَلِكَ قال: عذاب القبر. ٢٥٠٦٨ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: وَإنّ لِلّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابا دُونَ ذلكَ يقول: عذاب القبر قبل عذاب يوم القيامة. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، أن ابن عباس كان يقول: إنكم لتجدون عذاب القبر في كتاب اللّه وَإنّ لِلّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابا دُونَ ذلكَ. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، أن ابن عباس كان يقول: إن عذاب القبر في القرآن. ثم تلا وَإنّ لِلّذِينَ ظَلمُوا عَذَابا دُونَ ذلكَ. وقال آخرون: عنى بذلك الجوع. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٦٩ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: عَذَابا دُونَ ذلكَ قال: الجوع. وقال آخرون: عنى بذلك: المصائب التي تصيبهم في الدنيا من ذهاب الأموال والأولاد. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٧٠ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَإنّ لِلّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابا دُونَ ذَلكَ قال: دون الاَخرة في هذه الدنيا يعذّبهم به من ذهاب الأموال والأولاد، قال: فهي للمؤمنين أجر وثواب عند اللّه ، عدا مصائبهم ومصائب هؤلاء، عجلهم اللّه إياها في الدنيا، وقرأ فَلا تُعْجِبْكَ أمْوَالُهُمْ وَلا أوْلادُهُمْ... إلى آخر الاَية. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن اللّه تعالى ذكره أخبر أن للذين ظلموا أنفسهم بكفرهم به عذابا دون يومهم الذي فيه يصعقون، وذلك يوم القيامة، فعذاب القبر دون يوم القيامة، لأنه في البرزخ، والجوع الذي أصاب كفار قريش، والمصائب التي تصيبهم في أنفسهم وأموالهم وأولادهم دون يوم القيامة، ولم يخصص اللّه نوعا من ذلك أنه لهم دون يوم القيامة دون نوع بل عمّ فقال وَإنّ لِلّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابا دُونَ ذَلِكَ فكلّ ذلك لهم عذاب، وذلك لهم دون يوم القيامة، فتأويل الكلام: وإن للذين كفروا باللّه عذابا من اللّه دون يوم القيامة وَلِكنّ أكْثرَهُمْ لا يَعْلمُونَ بأنهم ذائقو ذلك العذاب. ٤٨القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ فَإِنّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ حِينَ تَقُومُ }. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبّكَ يا محمد الذي حكم به عليك، وامض لأمره ونهيه، وبلّغ رسالاته فإنّكَ بأَعْيُنِنا يقول جلّ ثناؤه: فإنك بمرأى منا نراك ونرى عملك، ونحن نحوطك ونحفظك، فلا يصل إليك من أرادك بسوء من المشركين. و قوله: وَسَبّحْ بِحمْدِ رَبّكَ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: إذا قمت من نومك فقل: سبحان اللّه وبحمده. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٧١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، في قوله: وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ حِينَ تَقُومُ قال: من كل منامة، يقول حين يريد أن يقوم: سبحانَك وبحمدك. حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص عوف بن مالك وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قال: سبحان اللّه وبحمده. ٢٥٠٧٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ حِينَ تَقُومُ قال: إذا قام لصلاة من ليل أو نهار. وقرأ يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلى الصّلاةِ قال: من نوم، ذكره عن أبيه. وقال بعضهم: بل معنى ذلك: إذا قمت إلى الصلاة المفروضة فقل: سبحانك اللّه مّ وبحمدك. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٧٣ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا ابن المبارك، عن جُوَيبر، عن الضحاك . وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ حِينَ تقومُ قال: إذا قام إلى الصلاة قال: سبحانك اللّه مّ وبحمدك، وتبارك اسمك ولا إله غيرك. ٢٥٠٧٤ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ حِينَ تَقُومُ إلى الصلاة المفروضة. وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: وصلّ بحمد ربك حين تقوم من مَنامك، وذلك نوم القائلة، وإنما عنى صلاة الظهر. وإنما قلت: هذا القول أولى القولين بالصواب، لأن الجميع مجمعون على أنه غير واجب أن يقال في الصلاة: سبحانك وبحمدك، وما رُوي عن الضحاك عند القيام إلى الصلاة، فلو كان القول كما قاله الضحاك لكان فرضا أن يُقال لأن قوله: وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ أمر من اللّه تعالى بالتسبيح، وفي إجماع الجميع على أن ذلك غير واجب الدليل الواضح على أن القول في ذلك غير الذي قاله الضحاك . فإن قال قائل: ولعله أُريد به الندب والإرشاد. قيل: لا دلالة في الاَية على ذلك، ولم تقم حجة بأن ذلك معنيّ به ما قاله الضحاك ، فيجعل إجماع الجميع على أن التسبيح عند القيام إلى الصلاة مما خير المسلمون فيه دليلاً لنا على أنه أُريد به الندب والإرشاد. وإنما قلنا: عُنِي به القيام من نوم القائلة، لأنه لا صلاة تجب فرضا بعد وقت من أوقات نوم الناس المعروف إلا بعد نوم الليل، وذلك صلاة الفجر، أو بعد نوم القائلة، وذلك صلاة الظهر فلما أمر بعد قوله: وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ حِينَ تَقُومُ بالتسبيح بعد إدبار النجوم، وذلك ركعتا الفجر بعد قيام الناس من نومها ليلاً، عُلِم أن الأمر بالتسبيح بعد القيام من النوم هو أمر بالصلاة التي تجب بعد قيام من نوم القائلة على ما ذكرنا دون القيام من نوم الليل. ٤٩و قوله: وَمِنَ اللّيْلِ فَسَبّحْهُ يقول: ومن الليل فعظّم ربك يا محمد بالصلاة والعبادة، وذلك صلاة المغرب والعشاء. وكان ابن زيد يقول في ذلك ما: ٢٥٠٧٥ـ حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَمِنَ اللّيْلِ فَسَبّحْهُ قال: ومن الليل صلاة العشاء وَإدْبارَ النّجُومِ يعني حين تدبر النجوم للأفول عند إقبال النهار. وقيل: عُنِي بذلك ركعتا الفجر. ذكر بعض من قال ذلك: ٢٥٠٧٦ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: فَسَبّحْهُ وَإدْبارَ النّجُومِ قال: هما السجدتان قبل صلاة الغداة. ٢٥٠٧٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَمِنَ اللّيْلِ فَسَبّحْهُ وَإدْبارَ النّجُومِ كنا نحدّث أنهما الركعتان عند طلوع الفجر. قال: وذُكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه كان يقول: لهما أحبّ إليّ من حُمْر النّعَم. ٢٥٠٧٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفي، عن سعيد بن هشام عن عائشة، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال في ركعتي الفجر (هُمَا خَيرٌ مِنَ الدّنيْا جَمِيعا) . حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وَإدْبارَ النّجُومِ قال: ركعتان قبل صلاة الصبح. ٢٥٠٧٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عديّ وحماد بن مسعدة قالا: حدثنا حميد، عن الحسن، عن علي، في قوله: وَإدْبارَ النّجُومِ قال: الركعتان قبل صلاة الصبح. ٢٥٠٨٠ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، قال: قال عليّ رضي اللّه عنه إدْبارَ النّجُومِ الركعتان قبل الفجر. وقال آخرون: عنى بالتسبح إدْبارَ النّجُومِ: صلاة الصبح الفريضة. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٨١ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَإدْبارَ النّجُومِ قال: صلاة الغداة. ٢٥٠٨٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَإدْبارَ النّجُومِ قال: صلاة الصبح. وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: عني بها: الصلاة المكتوبة صلاة الفجر، وذلك أن اللّه أمر فقال: وَمِنَ اللّيْلِ فَسَبّحْهُ وَإدْبارَ النّجُومِ والركعتان قبل الفريضة غير واجبتين، ولم تقم حجة يجب التسليم لها، أن قوله فسبحه على الندب، وقد دللنا في غير موضع من كتبنا على أمر اللّه على الفرض حتى تقوم حجة بأنه مراد به الندب، أو غير الفرض بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. |
﴿ ٠ ﴾