٢١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالّذِينَ آمَنُواْ وَاتّبَعَتْهُمْ ذُرّيّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ ...}. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: والذين آمنوا وأتبعناهم ذرّياتهم بإيمان، ألحقنا بهم ذرّياتهم المؤمنين في الجنة، وإن كانوا لم يبلغوا بأعمالهم درجات آبائهم، تكرمة لاَبائهم المؤمنين، وما ألتنا آباءهم المؤمنين من أجور أعمالهم من شيء. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٢٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ، في هذه الاَية: (وَالّذِينَ آمَنُوا وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهمْ بإِيمانٍ) فقال: إن اللّه تبارك وتعالى يرفع للمؤمن ذرّيته، وإن كانوا دونه في العمل، ليقرّ اللّه بهم عينه. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ، قال: إن اللّه تبارك وتعالى ليرفع ذرّية المؤمن في درجته، وإن كانوا دونه في العمل، ليقرّ بهم عينه، ثم قرأ (وَالّذِينَ آمَنُوا وَاتّبَعَتْهُمْ ذُرّيّتُهُمْ بإيمَانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرّياتِهِم وَما أَلَتْناهمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) . حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن عمرو بن مرّة الجملي، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ، قال: إن اللّه تبارك وتعالى ليرفع ذرّيّة المؤمن معه في درجته، ثم ذكر نحوه، غير أنه قرأ (وأَتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإِيمَانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ) . حدثني موسى بن بعد الرحمن المسروقي، قال: حدثنا محمد بن بشر، قال: حدثنا سفيان بن سعيد، عن سماعة، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ، نحوه. حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس ، أنه قال في هذه الاَية (وَالّذِينَ آمَنُوا وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإِيمَانٍ) قال: المؤمن ترفع له ذرّيته، فيلحقون به، وإن كانوا دونه في العمل. وقال آخرون: بل معنى ذلك: والذين آمنوا وأتبعناهم ذرّيّاتهم التي بلغت الإيمان بإيمان، ألحقنا بهم ذرياتهم الصغار التي لم تبلغ الإيمان، وما ألتنا الاَباء من عملهم من شيء. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٢٩ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: (وَالّذِينَ آمَنُوا وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإيمَانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ) يقول: الذين أدرك ذرّيتهم الإيمان، فعملوا بطاعتي، ألحقتهم بإيمانهم إلى الجنة، وأولادهم الصغار نلحقهم بهم. ٢٥٠٣٠ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (وَالّذِينَ آمَنُوا وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإيمَانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ) يقول: من أدرك ذريته الإيمان، فعملوا بطاعتي ألحقتهم بآبائهم في الجنة، وأولادهم الصغار أيضا على ذلك. وقال آخرون نحو هذا القول، غير أنهم جعلوا الهاء والميم في قوله: أَلْحَقْنا بِهِمْ من ذكر الذرّية، والهاء والميم في قوله: ذرّيتهم الثانية من ذكر الذين. وقالوا: معنى الكلام: والذين آمنوا واتبعتهم ذرّيتهم الصغار، وما ألتنا الكبار من عملهم من شيء. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٣١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: (وَالّذِينَ آمَنُوا وأَتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإِيمَانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ) قال: أدرك أبناؤهم الأعمال التي عملوا، فاتبعوهم عليها واتبعتهم ذرّياتهم التي لم يدركوا الأعمال، فقال اللّه جل ثناؤه وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قال: يقول: لم نظلمهم من عملهم من شيء فننقصهم، فنعطيه ذرّياتهم الذين ألحقناهم بهم، الذين لم يبلغوا الأعمال ألحقتهم بالذين قد بلغوا الأعمال. وقال آخرون: بل معنى ذلك وَالّذِينَ آمَنُوا وَاتّبَعَتْهُمْ ذُرّيّتُهُمْ بإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِم ذُرّيّتَهُمْ فأدخلناهم الجنة بعمل آبائهم، وما ألتنا الاَباء من عملهم من شيء. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٣٢ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت داود يحدّث عن عامر، أنه قال في هذه الاَية (وَالّذِينَ آمَنُوا وأَتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإِيمَانٍ ألحقنا بهم ذرياتهم وَما أَلَتْناهُمْ مِنَ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) فأدخل اللّه الذرّية بعمل الاَباء الجنة، ولم ينقص اللّه الاَباء من عملهم شيئا، قال: فه و قوله: وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ. ٢٥٠٣٣ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عديّ، عن داود، عن سعيد بن جُبَير أنه قال في قول اللّه : (ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) قال: ألحق اللّه ذرّياتهم بآبائهم، ولم ينقص الاَباء من أعمالهم، فيردّه على أبنائهم. وقال آخرون: إنما عنى ب قوله: (ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ) : أعطيناهم من الثواب ما أعطينا الاَباء. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٣٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، قال: سمعت إبراهيم في قوله: (وأتْبَعْناهُمْ ذرّيّاتِهمْ بإيمَانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ) قال: أعطوا مثل أجور آبائهم، ولم ينقص من أجورهم شيئا. حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن قيس بن مسلم، عن إبراهيم (وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإِيمَانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِم) قال: أعطوا مثل أجورهم، ولم ينقص من أجورهم. ٢٥٠٣٥ـ قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع (وأتْبَعْناهُمْ ذُرّياتِهِمْ بإِيمَانٍ) يقول: أعطيناهم من الثواب ما أعطيناهم وَما ألَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يقول: ما نقصنا آباءهم شيئا. ٢٥٠٣٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: (وَالّذِينَ آمَنُوا وأَتْبَعْناهُمْ ذُرّياتِهِمْ) كذلك قالها يزيد (ذُرّياتِهمْ بإِيمَانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ) قال: عملوا بطاعة اللّه فألحقهم اللّه بآبائهم. وأولى هذه الأقوال بالصواب وأشبهها بما دلّ عليه ظاهر التنزيل، القول الذي ذكرنا عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ، وهو: والذين آمنوا باللّه ورسوله، وأتبعناهم ذرياتهم الذين أدركوا الإيمان بإيمان، وآمنوا باللّه ورسوله، ألحقنا بالذين آمنوا ذريتهم الذين أدركوا الإيمان فآمنوا، في الجنة فجعلناهم معهم في درجاتهم، وإن قصرت أعمالهم عن أعمالهم تكرمة منا لاَبائهم، وما ألتناهم من أجور عملهم شيئا. وإنما قلت: ذلك أولى التأويلات به، لأن ذلك الأغلب من معانيه، وإن كان للأقوال الاَخر وجوه. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: (وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإيمَانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة وَاتّبَعَتْهُمْ ذُرّيّتُهُمْ على التوحيد بإيمان (ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ) على الجمع، وقرأته قراء الكوفة وَاتّبَعَتْهُمْ ذُرّيّتُهُمْ بإيمَانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّتَهُم كلتيهما بإفراد. وقرأ بعض قرّاء البصرة وهو أبو عمرو (وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإيمَانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ) . والصواب من القول في ذلك أن جميع ذلك قراءات معروفات مستفيضات في قرأة الأمصار، متقاربات المعاني، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. و قوله: وما ألَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يقول تعالى ذكره: وما ألتنا الاَباء، يعني ب قوله: وَما ألَتْناهُمْ: وما نقصناهم من أجور أعمالهم شيئا، فنأخذه منهم، فنجعله لأبنائهم الذين ألحقناهم بهم، ولكنا وفّيناهم أجور أعمالهم، وألحقنا أبناءهم بدرجاتهم، تفضلاً منا عليهم. والألت في كلام العرب: النقص والبخس، وفيه لغة أخرى، ولم يقرأ بها أحد نعلمه، ومن الألت قول الشاعر: أبْلِغْ بني ثُعَلٍ عَنّي مُغَلْغَلَةًجَهْدَ الرّسالَةِ لا ألْتا وَلا كَذِبا يعني : لا نُقصان ولا زيادة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٥٠٣٧ـ حدثنا ابن بشار قال: حدثنا مؤمل قال: حدثنا سفيان، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ، وَما ألَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قال: ما نقصناهم. حدثني علي قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن ابن عباس قوله: وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يقول: ما نقصناهم. وحدثني موسى بن عبد الرحمن، قال: حدثنا موسى بن بشر، قال: حدثنا سفيان بن سعيد، عن سماعة عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس وَما ألَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قال: وما نقصناهم. ٢٥٠٣٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وَما ألَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قال: ما نقصنا الاَباء للأبناء. حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: ما نقصنا الاَباء للأبناء، وَما ألَتْناهُمْ قال: وما نقصناهم. حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وَما ألَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قال: نقصناهم. ٢٥٠٣٩ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس وَما ألَتنْاهُمْ مِنْ عَمَلِهمْ مِنْ شَيْءٍ يقول: ما نقصنا آباءهم شيئا. قال ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، مثله. ٢٥٠٤٠ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي المعلى، عن سعيد بن جُبَير وَما أَلَتْناهُمْ قال: وما ظلمناهم. ٢٥٠٤١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يقول: وما ظلمناهم من عملهم من شيء. حدثني محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وَما أَلَتَنْاهُمْ مِنْ عَمَلِهمْ مِنْ شَيْءٍ يقول: وما ظلمناهم. ٢٥٠٤٢ـ وحُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَما أَلَتْناهُمْ يقول: وما ظلمناهم. ٢٥٠٤٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ قال: يقول: لم نظلمهم من عملهم من شيء: لم ننتقصهم فنعطيه ذرّياتهم الذين ألحقناهم بهم لم يبلغوا الأعمال ألحقهم بالذين قد بلغوا الأعمال وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قال: لم يأخذ عمل الكبار فيجزيه الصغار، وأدخلهم برحمته، والكبار عملوا فدخلوا بأعمالهم. و قوله: كُل امْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ يقول: كلّ نفس بما كسبت وعملت من خير وشرّ مرتهنة لا يؤاخذ أحد منهم بذنب غيره، وإنما يعاقب بذنب نفسه. |
﴿ ٢١ ﴾