تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة الرحمن

سورة الرحمن مدنيّة

وآياتها ثمان وسبعون

بسم اللّه الرحمَن الرحيـم

١

انظر تفسير الآية:٢

٢

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {الرّحْمَـَنُ * عَلّمَ الْقُرْآنَ }.

يقول تعالى ذكره: الرحمن أيها الناس برحمته إياكم علمكم القرآن، فأنعم بذلك عليكم، إذ بصّركم به ما فيه رضا ربكم، وعرّفكم ما فيه سخطه، لتطيعوه باتباعكم ما يرضيه عنكم، وعملكم بما أمركم به، وبتجنبكم ما يُسخطه عليكم، فتستوجبوا بذلك جزيل ثوابه، وتنجوا من أليم عقابه. وروي عن قتادة في ذلك ما:

٢٥٤١٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن مروان العقيلي، قال: حدثنا أبو العوام العجلي، عن قتادة ، أنه قال في تفسير الرّحْمَنُ عَلّمَ القُرْآنَ قال: نعمة واللّه عظيمة.

٣

و قوله: خَلَقَ الإنْسانَ يقول تعالى ذكره: خلق آدم وهو الإنسان في قول بعضهم. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حُمَيد، قال: قال: حدثنا مهران، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة خَلَقَ الإنْسانَ قال: الإنسان: آدم صلى اللّه عليه وسلم .

٢٥٤٢٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة خَلَقَ الإنْسانَ قال: الإنسان: آدم صلى اللّه عليه وسلم .

وقال آخرون: بل عنى بذلك الناس جميعا، وإنما وحد في اللفظ لأدائه عن جنسه، كما

قيل: إن الإنسان لفي خُسر والقولان كلاهما غير بعيدين من الصواب لاحتمال ظاهر الكلام إياهما.

٤

و قوله: عَلّمَهُ البَيانَ يقول تعالى ذكره: علّم الإنسان البيان.

ثم اختلف أهل التأويل في المعنيّ بالبيان في هذا الموضع، فقال بعضهم: عنى به بيان الحلال والحرام. ذكر من قال ذلك:

٢٥٤٢١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قولهعَلّمَهُ البَيانَ: علمه اللّه بيان الدنيا والاَخرة بين حلاله وحرامه، ليحتجّ بذلك على خلقه.

حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن سعيد، عن قتادة عَلّمَهُ البَيانَ الدنيا والاَخرة ليحتجّ بذلك عليه.

٢٥٤٢٢ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا أبو العوّام، عن قتادة ، في قوله: عَلّمَهُ البَيانَ قال: تَبَيّنَ له الخيرُ والشرّ، وما يأتي، وما يدع.

وقال آخرون: عنى به الكلام: أي أن اللّه عزّ وجلّ علم الإنسان البيان. ذكر من قال ذلك:

٢٥٤٢٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: عَلّمَهُ البَيانَ قال: البيان: الكلام.

والصواب من القول في ذلك أن يقال: معنى ذلك: أن اللّه علّم الإنسان ما به الحاجة إليه من أمر دينه ودُنياه من الحلال والحرام، والمعايش والمنطق، وغير ذلك مما به الحاجة إليه، لأن اللّه جل ثناؤه لم يخصص بخبره ذلك، أنه علّمه من البيان بعضا دون بعض، بل عمّ فقال: علّمه البيان، فهو كما عمّ جلّ ثناؤه.

٥

و قوله: الشّمْسُ والقَمَرُ بحُسْبانٍ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: الشمس والقمر بحسبان، ومنازل لها يجريان ولا يعدوانها. ذكر من قال ذلك:

٢٥٤٢٤ـ حدثنا محمد بن خلف العسقلاني، قال: حدثنا الفريابي، قال: حدثنا إسرائيل، قال: حدثنا سماك بن حرب، عن عكرِمة، عن ابن عباس ، في قوله: الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ قال: بحساب ومنازل يرسلان.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ قال: يجريان بعدد وحساب.

٢٥٤٢٥ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي مالك الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ قال: بحساب ومنازل.

٢٥٤٢٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ: أي بحساب وأجل.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ قال: يجريان في حساب.

٢٥٤٢٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ قال: يحسب بهما الدهر والزمان لولا الليل والنهار، والشمس والقمر لم يدرك أحد كيف يحسب شيئا لو كان الدهر ليلاً كله، كيف يحسب، أو نهارا كله كيف يحسب.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا أبو العوّام، عن قتادة الشّمْسُ والقَمَرُ بِحسْبانٍ قال: بحساب وأجل.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهما يجريان بقَدَر. ذكر من قال ذلك:

٢٥٤٢٨ـ حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: حدثنا عبد اللّه بن داود، عن أبي الصهباء، عن الضحاك ، في قوله: الشّمْسُ والقَمَرُ بِحُسْبانٍ قال: بقدر يجريان.

وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهما يدوران في مثل قطب الرحا. ذكر من قال ذلك:

٢٥٤٢٩ـ حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: حدثنا محمد بن يوسف، قال: حدثنا إسرائيل، قال: حدثنا أبو يحيى عن مجاهد وقال: حدثنا محمد بن يوسف، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: بِحُسْبانٍ قال: كحسبان الرحا.

حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول اللّه : بِحُسْبانٍ قال: كحسبان الرحا.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: الشمس والقمر يجريان بحساب ومنازل، لأن الحسبان مصدر من قول القائل: حسبته حسابا وحسبانا، مثل قولهم: كُفرته كفرانا، وغُفْرته غُفْرانا. وقد

قيل: إنه جمع حساب، كما الشهبان: جمع شهاب.

واختلف أهل العربية فيما رفع به الشمس والقمر، فقال بعضهم: رفعا بحسبان: أي بحساب، وأضمر الخبر، وقال: وأظنّ واللّه أعلم أنه قال: يجريان بحساب وقال بعض من أنكر هذا القول منهم: هذا غلط، بحسبان يرافع الشمس والقمر: أي هما بحساب، قال: والبيان يأتي على هذا: علّمه البيان أن الشمس والقمر بحسبان قال: فلا يحذف الفعل ويُضمر إلاّ شاذّا في الكلام.

٦

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالنّجْمُ وَالشّجَرُ يَسْجُدَانِ}.

اختلف أهل التأويل في معنى النجم في هذا الموضع مع إجماعهم على أن الشجر ما قام على ساق، فقال بعضهم: عني بالنجم في هذا الموضع من النبات: ما نجم من الأرض، مما ينبسط عليها، ولم يكن على ساق مثل البقل ونحوه. ذكر من قال ذلك:

٢٥٤٣٠ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، في قوله: والنّجْمُ قال: ما يُبَسط على الأرض.

٢٥٤٣١ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: والنّجْمُ قال: النجم كلّ شيء ذهب مع الأرض فرشا، قال: والعرب تسمي الثيل نجما.

٢٥٤٣٢ـ حدثني محمد بن خلف العسقلانيّ، قال: حدثنا رَوّاد بن الجرّاح، عن شريك، عن السديّ والنّجْمُ والشّجَرُ يَسْجَدَانِ قال: النجم: نبات الأرض.

٢٥٤٣٣ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان والنّجْمُ قال: النجم: الذي ليس له ساق.

وقال آخرون: عُنِي بالنجم في هذا الموضع: نجم السماء. ذكر من قال ذلك:

٢٥٤٣٤ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: والنّجْمُ قال: نجم السماء.

٢٥٤٣٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: والنّجْمُ يعني : نجم السماء.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة والنّجْمُ والشّجَرُ يَسْجُدانِ قال: إنما يريد النجم.

٢٥٤٣٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، عن الحسن، نحوه.

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عُنِي بالنجم: ما نجم من الأرض من نبت لعطف الشجر عليه، فكان بأن يكون معناه لذلك: ما قام على ساق وما لا يقوم على ساق يسجدان للّه، بمعنى: أنه تسجد له الأشياء كلها المختلفة الهيئات من خلقه أشبه وأولى بمعنى الكلام من غيره. وأما قوله: والشّجَرُ فإن الشجر ما قد وصفت صفته قبل. وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٤٣٧ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: والشّجَرُ يَسْجُدانِ قال: الشجر: كل شيء قام على ساق.

٢٥٤٣٨ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: والشّجَرُ قال: الشجر: كلّ شيء قام على ساق.

٢٥٤٣٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، في قوله: والشّجَرُ قال: الشجر: شجر الأرض.

٢٥٤٤٠ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان والشّجَرُ يَسْجُدانِ قال: الشجر الذي له سُوْق.

وأما قوله يَسْجُدانِ فإنه عُني به سجود ظلهما، كما قال جل ثناؤه وللّه يَسْجُدُ مَنْ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ طَوْعا وكَرْها وَظِلالُهُمْ بالغُدّوّ والاَصَالِ. كما:

٢٥٤٤١ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا تميم بن عبد المؤمن، عن زبرقان، عن أبي رزين وسعيد والنّجْمُ والشّجَرُ يَسْجُدانِ قالا: ظلهما سجودهما.

٢٥٤٤٢ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا أبو العوام، عن قتادة والنّجْمُ والشّجَرُ يَسْجُدَانِ ما نَزّل من السماء شيئا من خلقه إلاّ عَبّده له طوعا وكرها.

٢٥٤٤٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، عن الحسن، وهو قول قتادة .

٢٥٤٤٤ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: والنّجْمُ والشّجَرُ يَسْجُدانِ قال: يسجد بكرة وعشيا. وقيل والنّجْمُ والشّجَرُ يَسْجُدانِ فثنى وهو خبر عن جمعين.

وقد زعم الفراء أن العرب إذا جمعت الجمعين من غير الناس مثل السدر والنخل، جعلوا فعلهما واحدا، فيقولون الشاء والنعم قد أقبل، والنخل والسدر قد ارتوى، قال: وهذا أكثر كلامهم، وتثنيته جائزة.

٧

و قوله: والسّماءَ رَفَعَها يقول تعالى ذكره: والسماء رفعها فوق الأرض.

و قوله: وَوَضَعَ المِيزَانَ يقول: ووضع العدل بين خلقه في الأرض. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد اللّه (وخَفَضَ المِيزَانَ) والخفض والوضع: متقاربا المعنى في كلام العرب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٤٤٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وَوَضَعَ المِيزَانَ قال: العدل.

٨

و قوله: ألاّ تَطْغَوْا فِي المِيزَانِ يقول تعالى ذكره: ألا تظلموا وتبخَسُوا في الوزن. كما:

٢٥٤٤٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ألاّ تَطْغَوْا في المِيزَانِ اعدل يا ابن آدم كما تحبّ أن يعدل عليك، وأوف كما تحبّ أن يُوَفى لك، فإن بالعدل صلاح الناس.

وكان ابن عباس يقول: يا معشر المَوالِي، إنكم قد وليتم أمرين، بهما هلك من كان قبلكم، هذا المكيال والميزان.

٢٥٤٤٧ـ حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن مغيرة، عن مسلم، عن أبي المغيرة، قال: سمعت ابن عباس يقول في سُوق المدينة: يا معشر الموالي، إنكم قد بُليتم بأمرين أهلك فيهما أمتان من الأمم: المِكْيال، والمِيزان.

٢٥٤٤٨ـ قال: ثنا مروان، عن مغيرة، قال: رأى ابن عباس رجلاً يزن قد أرجح، فقال: أقم اللسان، أقم اللسان، أليس قد قال اللّه : وأقِيمُوا الْوَزْنَ بالقِسْط وَلا تُخْسِرُوا المِيزَانَ.

٩

و قوله: وأقِيمُوا الوَزْنَ بالقِسْطِ يقول: وأقيموا لسان الميزان بالعدل.

و قوله: وَلا تُخْسِرُوا المِيزَانَ يقول تعالى ذكره: ولا نتقصوا الوزن إذا وزنتم للناس وتظلموهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٤٤٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا أبو العوّام، عن قتادة والسّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ المِيزَانَ ألاّ تَطْغَوْا فِي المِيزَانِ وأقِيمُوا الوَزْنَ بالقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا المِيزَانَ قال قتادة قال ابن عباس : يا معشر الموالي إنكم وليتم أمرين بهما هلك من كان قبلكم، اتقى اللّه رجل عند مِيزانه، اتقى اللّه رجل عند مكياله، فإنما يعدله شيء يسير، ولا ينقصه ذلك، بل يزيده اللّه إن شاء اللّه .

٢٥٤٥٠ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأقِيمُوا الوَزْنَ بالقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا المِيزَانَ قال: نقصه، إذا نقصه فقد خَسّره تخسيره نقصه.

١٠

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالأرْضَ وَضَعَهَا لِلأنَامِ }.

يقول تعالى ذكره: وَالأَرْضَ وَضَعَها لِلاْءَنَامِ والأرض وَطّأها وهم الأنام. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٤٥١ـ حدثنا عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: للأَنامِ يقول: للخلق.

٢٥٤٥٢ـ حدثني محمد بن سعد، ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: والأرْضَ وَضَعَها للأَنامِ قال: كلّ شيء فيه الروح.

٢٥٤٥٣ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَية، قال: أخبرنا أبو رجاء، عن الحسن، في قوله: والأرْضَ وَضَعَها للأَنامِ قال: للخلق الجنّ والإنس.

٢٥٤٥٤ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: للأَنامِ قال: للخلائق.

٢٥٤٥٥ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة للأَنامِ قال: للخلق.

٢٥٤٥٦ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَضَعَها للأَنامِ قال: الأنام: الخلق.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا أبو العوّام، عن قتادة والأرْضَ وَضَعَها للأَنامِ قال: للخلق.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، مثله.

١١

و قوله: فِيها فاكِهَةٌ والنّخْلُ ذَاتُ الأكمَامِ يقول تعالى ذكره: في الأرض فاكهة، والهاء والألف فيها من ذكر الأرض. والنّخْلُ ذَاتُ الأكمامِ والأكمام: جمع كمّ، وهو ما تكممت فيه.

واختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: عنى بذلك تكمم النخل في الليف. ذكر من قال ذلك:

٢٥٤٥٧ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سألت الحسن، عن قوله: والنّخْلُ ذَاتُ الأكمامِ فقال: سَعَفة من ليف عُصِبَتْ بها.

٢٥٤٥٨ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة والحسن ذَاتُ الأكمامِ أكمامها: ليفها.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة والنّخْلُ ذَاتُ الأكمامِ: الليف الذي يكون عليها.

وقال آخرون: يعني بالأكمام: الرّفَات. ذكر من قال ذلك:

٢٥٤٥٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا أبو العوّام، عن قتادة وَالنّخْلُ ذَاتُ الأكمامِ قال: أكمامها رُفاتها.

وقال آخرون: بل معنى الكلام: والنخل ذات الطلع المتكمم في كمامه. ذكر من قال ذلك:

٢٥٤٦٠ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: والنّخْلُ ذَاتُ الأكمامِ و

قيل له: هو الطلع، قال: نعم، وهو في كم منه حتى ينفتق عنه قال: والحبّ أيضا في أكمام. وقرأ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أكمامِها.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن اللّه وصف النخل بأنها ذات أكمام، وهي متكممة في ليفها، وطلعها متكمم في جُفّهِ، ولم يخصص اللّه الخبر عنها بتكممها في ليفها ولا تكمم طلعها في جفه، بل عمّ الخبر عنها بأنها ذات أكمام.

والصواب أن يقال: عني بذلك ذان ليف، وهي به مُتَكَممة وذات طَلْع هو في جُفّه متكَمّم فيُعَمّم، كما عَمّ جلّ ثناؤه.

١٢

و قوله: والحَبّ ذُو العَصْفِ والرّيحانِ يقول تعالى ذكره: وفيها الحبّ، وهو حبّ البُرّ والشعير ذو الورق، والتبن: هو العَصْف، وإياه عنى علقمة بن عَبَدَة:

تَسْقِي مَذَانِبَ قَدْ مالَتْ عَصِيفَتُهاحَدُورَها مِنْ أتِيّ المَاء مَطْمومُ

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٤٦١ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: والحَبّ ذُو العَصْفِ والرّيْحانُ يقول: التبن.

٢٥٤٦٢ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: والحَبّ ذُو العَصْفِ والرّيْحانُ قال: العصف: ورق الزرع الأخضر الذي قطع رؤوسه فهو يسمى العصف إذا يبس.

٢٥٤٦٣ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد والحَبّ ذُو العَصْفِ البقل من الزرع.

٢٥٤٦٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: والحَبّ ذُو العَصْفِ وعصفه تبنه.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، قال: العصف: التبن.

٢٥٤٦٥ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن الضحاك والحَبّ ذِو العَصْفِ قال: الحبّ البرّ والشعير، والعصف: التّبن.

٢٥٤٦٦ـ حدثنا سعيد بن يحيى، قال: حدثنا عبد اللّه بن المبارك الخُراسانيّ، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي مالك قوله: والحَبّ ذُو العَصْفِ والرّيْحانُ قال: الحبّ أوّل ما ينبت.

٢٥٤٦٧ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا روقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: والحَبّ ذُو العَصْفِ والرّيْحانُ قال: العصف: الورق من كل شيء. قال: يقال للزرع إذا قُطع: عصافة، وكلّ ورق فهو عصافة.

حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثني يونس بن محمد، قال: حدثنا عبد الواحد، قال: حدثنا أبو روق عطية بن الحارث، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والحَبّ ذُو العَصْفِ قال: العصف: التبن.

٢٥٤٦٨ـ حدثنا سليمان بن عبد الجبار، قال: حدثنا محمد بن الصلت، قال: حدثنا أبو كُدَينة، عن عطاء، عن سعيد، عن ابن عباس ذُو العَصْفِ قال: العصف: الزرع.

وقال بعضهم: العصف: هو الحبّ من البرّ والشعير بعينه. ذكر من قال ذلك:

٢٥٤٦٩ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والحَبّ ذُو العَصْفِ والرّيْحانُ أما العصف: فهو البرّ والشعير.

وأما قوله: والرّيْحانُ فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: هو الرزق. ذكر من قال ذلك:

٢٥٤٧٠ـ حدثني زيد بن أخزم الطائي، قال: حدثنا عامر بن مدرك، قال: حدثنا عتبة بن يقظان، عن عكرِمة، عن ابن عباس ، قال: كلّ ريحان في القرآن فهو رزق.

٢٥٤٧١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد والرّيْحانُ قال: الرزق.

٢٥٤٧٢ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن الضحاك والرّيْحانُ: الرزق، ومنهم من يقول: ريحاننا.

٢٥٤٧٣ـ حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: حدثنا محمد بن الصلت، قال: حدثنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس والرّيْحانُ قال: الريح.

حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثني يونس بن محمد، قال: حدثنا عبد الواحد، قال: حدثنا أبو روق عطية بن الحارث، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَالرّيْحانُ قال: الرزق والطعام.

وقال آخرون: هو الريحان الذي يشمّ. ذكر من قال ذلك:

٢٥٤٧٤ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قال: الرّيْحانُ ما تنبت الأرض من الريحان.

٢٥٤٧٥ـ حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والرّيْحانُ أما الريحان: فما أنبتت الأرض من ريحان.

٢٥٤٧٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، عن الحسن والرّيْحانُ قال: ريحانكم هذا.

٢٥٤٧٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والرّيْحانُ: الرياحين التي توجد ريحها.

وقال آخرون: هو خُضرة الزرع. ذكر من قال ذلك:

٢٥٤٧٨ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: والرّيْحانُ يقول: خُضرة الزرع.

وقال آخرون: هو ما قام على ساق. ذكر من قال ذلك:

٢٥٤٧٩ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: الرّيْحانُ ما قام على ساق.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عُنِي به الرزق، وهو الحبّ الذي يؤكل منه.

وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصواب، لأن اللّه جل ثناؤه أخبر عن الحبّ أنه ذو العصف، وذلك ما وصفنا من الورق الحادث منه، والتبن إذا يبس، فالذي هو أولى بالريحان، أن يكون حبه الحادث منه، إذ كان من جنس الشيء الذي منه العصف، ومسموع من العرب تقول: خرجنا نطلب رَيْحان اللّه ورزقه، ويقال: سبحانَك وريحانَك: أي ورزقك، ومنه قول النْمر بن تَوْلب:

سَلامُ الإلهِ وَرَيْحانُهُوجَنّتُهُ وسَماءٌ دِرَرْ

وذُكر عن بعضهم أنه كان يقول: العصف: المأكول من الحبّ والريحان: الصحيح الذي لم يؤكل.

واختلفت القراء في قراءة قوله: والرّيْحانُ فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض المكيين وبعض الكوفيين بالرفع عطفا به على الحبّ، بمعنى: وفيها الحبّ ذو العصف، وفيها الريحان أيضا. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين (والرّيْحانِ) بالخفض عطفا به على العصف، بمعنى: والحبّ ذو العصف وذو الريحان.

وأولى القراءتين في ذلك بالصواب: قراءة من قرأه بالخفص للعلة التي بينت في تأويله، وأنه بمعنى الرزق. وأما الذين قرأوه رفعا، فإنهم وجّهوا تأويله فيما أرى إلى أنه الريحان الذي يشمّ، فلذلك اختاروا الرفع فيه وكونه خفضا بمعنى: وفيها الحبّ ذو الورق والتبن، وذو الرزق المطعوم أولى وأحسن لما قد بيّناه قبل.

١٣

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَبِأَيّ آلآءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ}.

 يعني تعالى ذكره ب قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ: فبأيّ نِعَم ربكما معشر الجنّ والإنس من هذه النعم تكذّبان. كما:

٢٥٤٨٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سهل السراج، عن الحسن فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ فبأيّ نعمة ربكما تكذّبان.

٢٥٤٨١ـ قال عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس ، في قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ قال: لا بأيتها يا ربّ.

٢٥٤٨٢ـ حدثنا محمد بن عباد بن موسى وعمرو بن مالك النضري، قالا: حدثنا يحيى بن سليمان الطائفي، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر، قال: إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قرأ سورة الرحمن، أو قُرئت عنده، فقال: (ما لِي أسْمَعُ الجِنّ أحْسَنَ جَوَابا لِرَبّها مِنْكُمْ؟) قالوا: ماذا يا رسول اللّه ؟ قال: (ما أتَيْتُ على قَوْلِ اللّه : فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تكَذّبانِ؟ إلاّ قالَتِ الجِنّ: لا بِشَيْءٍ مِنْ نِعْمَةِ رَبّنا نُكَذّبُ) .

٢٥٤٨٣ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول: فبأيّ نعمة اللّه تكذّبان.

٢٥٤٨٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول للجنّ والإنس: بأيّ نِعم اللّه تكذّبان.

حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش وغيره، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه كان إذا قرأ فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ قال: لا بأيتها ربنا.

٢٥٤٨٥ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ قال: الاَلاء: القدرة، فبأيّ آلائه تكذّب خلقكم كذا وكذا، فبأيّ قُدرة اللّه تكذّبان أيها الثّقَلان، الجنّ والإنس.

فإن قال لنا قائل: وكيف

قيل: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ فخاطب اثنين، وإنما ذكر في أوّل الكلام واحد، وهو الإنسان؟

قيل: عاد بالخطاب في قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ إلى الإنسان والجانّ، ويدلّ على أن ذلك كذلك ما بعد هذا من الكلام،

١٤

وه

و قوله: خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ. وقد قيل: إنما جعل الكلام خطابا لاثنين، وقد ابتدىء الخبر عن واحد، لما قد جرى من فعل العرب، تفعل ذلك وهو أن يخاطبوا الواحد بفعل الاثنين، فيقولون: خلياها يا غلام، وما أشبه ذلك مما قد بيّناه من كتابنا هذا في غير موضع.

و قوله: خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ يقول تعالى ذكره: خلق اللّه الإنسان وهو آدم من صلصال: وهو الطين اليابس الذي لم يطبخ، فإنه من يبسه له صلصلة إذا حرّك ونقر كالفخار يعني أنه من يُبسه وإن لم يكن مطبوخا، كالذي قد طُبخ بالنار، فهو يصلصل كما يصلصل الفخار، والفخار: هو الذي قد طُبخ من الطين بالنار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٤٨٦ـ حدثني عبيد اللّه بن يوسف الجبيريّ، قال: حدثنا محمد بن كثير، قال: حدثنا مسلم، يعني الملائيّ، عن مجاهد، عن ابن عباس ، قوله: مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ قال: هو من الطين الذي إذا مطرت السماء فيبست الأرض كأنه خزف رقاق.

٢٥٤٨٧ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال: خلق اللّه آدم من طين لازب، واللازب: اللّزِج الطيب من بعد حمأ مسنون مُنْتن. قال: وإنما كان حَمَأً مسنونا بعد التراب، قال: فخلق منه آدم بيده، قال: فمكث أربعين ليلة جسدا ملقًى، فكان إبليس يأتيه فيضربه برجله، فيصلصل فيصوّت، قال: فهو قول اللّه تعالى: كالفَخّارِ يقول: كالشيء المنفرج الذي ليس بمصمت.

٢٥٤٨٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن سعيد وعبد الرحمن، قالا: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال: الصلصال: التراب المدقق.

حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قال: الصّلصال: التراب المدقّق.

حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ يقول: الطين اليابس.

٢٥٤٨٩ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرِمة، في قوله: مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ قال: الصلصال: طين خُلط برمل فكان كالفخار.

٢٥٤٩٠ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ والصلصال: التراب اليابس الذي يُسمع له صلصلة فهو كالفخار، كما قال اللّه عزّ وجلّ.

٢٥٤٩١ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ قال: من طين له صلصلة كان يابسا، ثم خلق الإنسان منه.

٢٥٤٩٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ قال: يبس آدم في الطين في الجنة، حتى صار كالصلصال، وهو الفخار، والحمأ المسنون: المنتن الريح.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا أبو العوّام، عن قتادة خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ قال: من تراب يابس له صلصلة.

٢٥٤٩٣ـ قال: ثنا أبو عاصم، قال: حدثنا شبيب، عن عكرِمة، عن ابن عباس خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخّارِ قال: ما عُصِر، فخرج من بين الأصابع، ولو وجّه موجّه قوله: صلصال إلى أنه فعلال من قولهم صلّ اللحم: إذا أنتن وتغيرت ريحه، كما قيل من صرّ الباب صرصر، وكبكب من كَبّ، كان وجها ومذهبا.

١٥

و قوله: وَخَلَقَ الجانّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ يقول تعالى ذكره: وخلق الجانّ من مارج من نار، وهو ما اختلط بعضه ببعض، من بين أحمر وأصفر وأخضر، من قولهم: مَرِج أمر القوم: إذا اختلط، ومن قول النبي صلى اللّه عليه وسلم لعبد اللّه بن عمرو: (كَيْفَ بِكَ إذَا كُنْتَ فِي حُثالَةٍ مِنَ النّاسِ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وأماناتُهُمْ) وَذلكَ هُوَ لَهَبُ النّارِ وَلِسانُهُ.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٤٩٤ـ حدثنا عبد اللّه بن يوسف الجبيريّ أبو حفص، قال: حدثنا محمد بن كثير، قال: حدثنا مسلم، عن مجاهد، عن ابن عباس ، في قوله: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ قال: من أوسطها وأحسنها.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: وَخَلَقَ الجانّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ يقول: خلقه من لهب النار من أحسن النار.

حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ يقول: خالص النار.

٢٥٤٩٥ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك عن ابن عباس ، قال: خلقت الجنّ الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار، وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا ألهبت.

٢٥٤٩٦ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرِمة، في قوله: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ قال: من أحسن النار.

٢٥٤٩٧ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ قال: اللّه ب الأصفر والأخضر الذي يعلو النار إذا أوقدت.

وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله، إلاّ أنه قال: والأحمر.

٢٥٤٩٨ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد وَخَلَقَ الجانّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ قال: هو اللّه ب المنقطع الأحمر.

٢٥٤٩٩ـ قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الضحاك ، في قوله: وَخَلَقَ الجانّ مِنْ مارجٍ مِنْ نارٍ قال: أحسن النار.

٢٥٥٠٠ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ قال: من لهب النار.

٢٥٥٠١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَخَلَقَ الجانّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ: أي من لهب النار.

٢٥٥٠٢ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، في قوله: مِنْ مارِجٍ مِنْ نار قال: من لهب النار.

٢٥٥٠٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَخَلَقَ الجانّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ قال: المارج: اللّه ب.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا أبو العوّام، عن قتادة وَخَلَقَ الجانّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ قال: من لهب من نار.

١٦

و قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبان يقول تعالى ذكره فبأيّ نعمة ربكما معشر الثقلين من هذه النعم تكذّبان؟

١٧

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {رَبّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبّ الْمَغْرِبَيْنِ }.

يقول تعالى ذكره: ذلكم أيها الثقلان رَبّ المَشْرِقَينِ يعني بالمشرقين: مشرق الشمس في الشتاء، ومشرقها في الصيف.

و قوله: وَرَبّ المَغْرِبَينِ يعني : وربّ مغرب الشمس في الشتاء، ومغربها في الصيف. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥٠٤ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن ابن أبزى، قوله: رَبّ المَشْرقَينِ وَرَبّ المَغْرِبَينِ قال: مشارق الصيف ومغارب الصيف، مشرقان تجري فيهما الشمس ستون وثلاث مئة في ستين وثلاث مئة بُرْج، لكلّ برج مطلع، لا تطلع يومين من مكان واحد. وفي المغرب ستون وثلاث مئة برج، لكل برج مغيب، لا تغيب يومين في برج.

٢٥٥٠٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: رَبّ المَشْرِقَينِ وَرَبّ المَغْرِبَينِ قال: مشرق الشتاء ومغربه، ومشرق الصيف ومغربه.

٢٥٥٠٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: رَبّ المَشْرِقَينِ وَرَبّ المَغْرِبَينِ فمشرقها في الشتاء، ومشرقها في الصيف.

٢٥٥٠٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا أبو العوّام، عن قتادة قوله: رَبّ المَشْرِقَينِ وَرَبّ المَغْرِبَينِ قال: مشرق الشتاء ومغربه، ومشرق الصيف ومغربه.

٢٥٥٠٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: رَبّ المَشْرِقَينِ وَرَبّ المَغْرِبَينِ قال: أقصر مشرق في السنة، وأطول مشرق في السنة وأقصر مغرب في السنة، وأطول مغرب في السنة.

١٨

و قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول: فبأيّ نعم ربكما معشر الجنّ والإنس من هذه النعم التي أنعم بها عليكم من تسخيره الشمس لكم في هذين المشرقين والمغربين تجري لكما دائبة بمرافقكما، ومصالح دنياكما ومعايشكما تكذبان.

١٩

و قوله: مَرَجَ البَحْرَيْن يَلْتَقِيانِ يقول تعالى ذكره: مرج ربّ المشرقين وربّ المغربين البحرين يلتقيان، يعني ب قوله: مَرَجَ: أرسل وخلى، من قولهم: مرج فلان دابته: إذا خلاها وتركها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥٠٩ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: مَرَجَ البَحْرَين يقول: أرسل.

واختلف أهل العلم في البحرين اللذين ذكرهما اللّه جل ثناؤه في هذه الاَية، أيّ البحرين هما؟ فقال بعضهم: هما بحران: أحدهما في السماء، والاَخر في الأرض. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥١٠ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن ابن أبزى مَرَجَ البَحْرَيْن يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ قال: بحر في السماء، وبحر في الأرض.

٢٥٥١١ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر عن سعيد، في قوله: مَرَجَ البَحْرَيْن يَلْتَقِيانِ قال: بحر في السماء، وبحر في الأرض.

٢٥٥١٢ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، في قوله: مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ قال: بحر في السماء والأرض يلتقيان كلّ عام.

وقال آخرون: عنى بذلك بحر فارس وبحر الروم. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥١٣ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن زياد مولى مصعب، عن الحسن مَرَجَ البَحْرَيْن يَلْتَقِيانِ قال: بحر الروم، وبحر فارس واليمن.

٢٥٥١٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: مَرَجَ البَحْرَيْن يَلْتَقِيانِ فالبحران: بحر فارس، وبحر الروم.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ قال: بحر فارس وبحر الروم.

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: عُنِيَ به بحر السماء، وبحر الأرض، وذلك أن اللّه قال يَخْرُجُ منْهُما اللّؤْلُؤُ وَالمَرْجانُ واللؤلؤ والمرجان إنما يخرج من أصداف بحر الأرض عن قَطْر ماء السماء، فمعلوم أن ذلك بحر الأرض وبحر السماء.

٢٠

و قوله: بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ يقول تعالى ذكره: بينهما حاجز وبعدٌ، لا يُفسد أحدهما صاحبه فيبغي بذلك عليه، وكل شيء كان بين شيئين فهو برزخ عند العرب، وما بين الدنيا والاَخرة برزخ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥١٥ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن ابن أبزى بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ لا يبغي أحدهما على صاحبه.

٢٥٥١٦ـ قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا فطر، عن مجاهد، قوله: بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغيانِ قال: بينهما حاجز من اللّه ، لا يبغي أحدهما على الاَخر.

٢٥٥١٧ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغيانِ يقول: حاجز.

٢٥٥١٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغيانِ والبرزخ: هذه الجزيرة، هذا اليبَس.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، قال: البرزخ الذي بينهما: الأرض التي بينهما.

٢٥٥١٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا أبو العوّام، عن قتادة بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ قال: حُجِز المالح عن العذب، والعذب عن المالح، والماء عن اليبس، واليبس عن الماء، فلا يبغي بعضه على بعض بقوّته ولطفه وقُدرته.

٢٥٥٢٠ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ قال: منعهما أن يلتقيا بالبرزخ الذي جعل بينهما من الأرض. قال: والبرزخ بعد الأرض الذي جعل بينهما.

واختلف أهل التأويل في معنى قوله: لا يَبْغِيانِ فقال بعضهم: معنى ذلك: لا يبغي أحدهما على صاحبه. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن ابن أبزى لا يَبْغِيانِ: لا يبغي أحدهما على صاحبه.

قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا فطر، عن مجاهد، مثله.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا أبو العوّام، عن قتادة مثله.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهما لا يختلطان. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥٢١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: لا يَبْغِيانِ قال: لا يختلطان.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا يبغيان على اليَبَس. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥٢٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: لا يَبْغِيانِ على اليبس، وما أخذ أحدهما من صاحبه فهو بغي، فحجز أحدهما عن صاحبه بقدرته ولطفه وجلاله تبارك وتعالى.

وقال آخرون: بل معناه: لا يبغيان أن يلتقيا. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥٢٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لا يَبْغِيانِ قال: لا يبغي أحدهما أن يلتقي مع صاحبه.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن اللّه وصف البحرين اللذين ذكرهما في هذه الاَية أنهما لا يبغيان، ولم يخصص وصفهما في شيء دون شيء، بل عمّ الخبر عنهما بذلك، فالصواب أن يُعَمّ كما عمّ جلّ ثناؤه، فيقال: إنهما لا يبغيان على شيء، ولا يبغي أحدهما على صاحبه، ولا يتجاوزان حدّ اللّه الذي حدّه لهما.

٢١

و قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره: فبأيّ نعم اللّه ربكما معشر الجنّ والإنس تكذّبان من هذه النعم التي أنعم عليكم من مَرْجه البحرين، حتى جعل لكم بذلك حلية تلبسونها كذلك.

٢٢

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا الّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ}.

يقول تعالى ذكره: يخرج من هذين البحرين اللذين مرجهما اللّه ، وجعل بينهما برزخا اللؤلؤ والمرجان.

واختلف أهل التأويل في صفة اللؤلؤ والمرجان، فقال بعضهم: اللؤلؤ: ما عظم من الدر، والمرجان: ما صغُر منه. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥٢٤ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس اللّؤلُؤُ وَالمَرْجانُ قال: اللؤلؤ: العظام.

٢٥٥٢٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يخْرُجُ مِنْهُما اللّؤْلُؤُ وَالمَرْجانُ أما اللؤلؤ فعظامه، وأما المرجان فصغاره، وإن للّه فيهما خزانة دلّ عليها عامة بني آدم، فأخرجوا متاعا ومنفعة وزينة، وبُلغة إلى أجل.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: يَخْرُجُ مِنْهُما اللّؤْلُؤُ وَالمَرْجانُ قال: اللؤلؤ الكبار من اللؤلؤ، والمرجان: الصغار منه.

٢٥٥٢٦ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: اللّؤْلُؤُ وَالمَرْجانُ أما المرجان: فاللؤلؤ الصغار، وأما اللؤلؤ: فما عظُم منه.

٢٥٥٢٧ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، يَخْرُجُ مِنْهُما اللّؤلُؤُ وَالمَرْجانُ قال: اللؤلؤ: ما عظُم منه، والمرجان: اللؤلؤ الصغار.

٢٥٥٢٨ـ وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: المرجان: هو اللؤلؤ الصغار.

٢٥٥٢٩ـ وحدثنا عمرو بن سعيد بن بشار القرشي، قال: حدثنا أبو قتيبة، قال: حدثنا عبد اللّه بن ميسرة الحراني، قال: ثني شيخ بمكة من أهل الشأم، أنه سمع كعب الأحبار يُسأل عن المرجان، فقال: هو البسذ.

قال أبو جعفر: البسذ له شُعَب، وهو أحسن من اللؤلؤ.

وقال آخرون: المرجان من اللؤلؤ: الكبار، واللؤلؤ منها: الصغار. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥٣٠ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، أو قيس بن وهب، عن مرّة، قالَ: المرجان: اللؤلؤ العظام.

٢٥٥٣١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، حدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: المرجان، قال: ما عظم من اللؤلؤ.

حدثني محمد بن سنان القزاز، قال: حدثنا الحسين بن الحسن الأشقر، قال: حدثنا زُهير، عن جابر، عن عبد اللّه بن يحيى، عن عليّ، عن عكرمة، عن ابن عباس ، قال: المرجان: عظيم اللؤلؤ.

وقال آخرون: المرجان: جيد اللؤلؤ. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥٣٢ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا شريك، عن موسى بن أبي عائشة، قال: سألت مرّة عن اللؤلؤ والمرجان قال: المرجان: جيد اللؤلؤ.

وقال آخرون: المرجان: حجر. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥٣٣ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن عمرو بن ميمون الأودي عن ابن مسعود اللّؤْلُؤُ وَالمَرْجانُ قال: المرجان حجر.

والصواب من القول في اللؤلؤ، أنه هو الذي عرفه الناس مما يخرج من أصداف البحر من الحبّ وأما المرجان، فإني رأيت أهل المعرفة بكلام العرب لا يتدافعون أنه جمع مرجانة، وأنه الصغار من اللؤلؤ، قد ذكرنا ما فيه من الاختلاف بين متقدمي أهل العلم، واللّه أعلم بصواب ذلك.

وقد زعم بعض أهل العربية أن اللؤلؤ والمرجان يخرج من أحد البحرين، ولكن

قيل: يخرج منهما، كما يقال أكلت: خبزا ولبنا،

وكما قيل: وَرأيْتُ زَوْجَكِ فِي الوَغَىمُتَقَلّدا سَيْفا وَرُمْحا

وليس ذلك كما ذهب إليه، بل ذلك كما وصفت من قبل من أن ذلك يخرج من أصداف البحر، عن قطر السماء، فلذلك

قيل: يَخْرُجُ مِنْهُما اللّؤلُؤُ يعني بهما: البحران. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥٣٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن عبد اللّه الرازي، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ، قال: إن السماء إذا أمطرت، فتحت الأصداف أفواهها، فمنها اللؤلؤ.

حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي، قال: حدثنا أبو يحيى الحماني، قال: حدثنا الأعمش، عن عبد اللّه بن عبد اللّه ، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس ، قال: إذا نزل القطر من السماء تفتّحت الأصداف فكان لؤلؤا.

حدثني عبد اللّه بن محمد بن عمرو الغزي، قال: حدثنا الفريابي، قال: ذكر سفيان، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن عبد اللّه ، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس ، قال: إن السماء إذا أمطرت تفتحت لها الأصداف، فما وقع فيها من مطر فهو لؤلؤ.

٢٥٥٣٥ـ حدثنا محمد بن إسماعيل الفزاري، قال: أخبرنا محمد بن سوار، قال: حدثنا محمد بن سليمان الكوخي بن أخي عبد الرحمن بن الأصبهاني، عن عبد الرحمن الأصبهاني، عن عكرِمة، قال: ما نزلت قطرة من السماء في البحر إلاّ كانت بها لؤلؤة أو نبتت بها عنبرة، فيما يحسب الطبري.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله: يَخْرُجُ مِنْهُما اللّؤْلُؤُ والمَرْجانُ فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة: (يُخْرَجُ) على وجه ما لم يسمّ فاعله. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة وبعض المكيين بفتح الياء.

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب، لتقارب معنييهما.

٢٣

و قوله: فَبِأَيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره: فبأيّ نِعم ربكما معشر الثقلين التي أنعم بها عليكم فيما أخرج لكم من نافع هذين البحرين تكذّبان.

٢٤

و قوله: وَلَهُ الجَوَارِ المُنْشَئاتُ فِي البَحْرِ كالأعْلام يقول تعالى ذكره: ولربّ المشرقين والمغربين الجواري، وهي السفن الجارية في البحار.

و قوله: المُنْشَئاتُ فِي البَحْرِ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الكوفة (المُنْشِئاتُ) بكسر الشين، بمعنى: الظاهرات السير اللاتي يقبلن ويدبرن. وقرأ ذلك عامة قرّاء البصرة والمدينة وبعض الكوفيين المُنْشَئاتُ بفتح الشين، بمعن المرفوعات القلاع اللاتي تقبل بهنّ وتدبر.

والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى متقاربتاه، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. ذكر من قال في تأويل ذلك ما ذكرناه فيه:

٢٥٥٣٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: المُنْشَئاتُ فِي البَحْرِ قال: ما رفع قلعه من السفن فهي منشئات، وإذا لم يرفع قلعها فليست بمنشأة.

٢٥٥٣٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَلَهُ الجَوَارِ المُنْشَئاتُ فِي البَحْرِ كالأعْلام يعني : السفن.

٢٥٥٣٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَلَهُ الجوَارِ المُنْشَئاتُ فِي البَحْرِ كالأعْلامِ يعني السفن.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَلَهُ الجَوَارِ المُنْشَئاتُ فِي البَحْرِ كالأعْلامِ قال السفن.

و قوله: كالأعْلام يقول: كالجبال، شبّه السفن بالجبال، والعرب تسمي كل جبل طويل علما ومنه قوله جرير:

(إذا قَطَعْنا عَلَما بَدَا عَلَمُ )

٢٥

و قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبان يقول تعالى ذكره: فبأيّ نعم ربكما معشر الجنّ والإنس التي أنعمها عليكم بإجرائه الجواري المنشئات في البحر جارية بمنافعكم تكذّبان.

٢٦

انظر تفسير الآية:٢٧

٢٧

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَىَ وَجْهُ رَبّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ }.

يقول تعالى ذكره: كلّ من على ظهر الأرض من جنّ وإنس فإنه هالك، ويبقى وجه ربك يا محمد ذو الجلال والإكرام وذو الجلال والإكرام من نعت الوجه فلذلك رفع ذو. وقد ذُكر أنها في قراءة عبد اللّه بالياء (ذي الجَلال والإكْرَام) على أنه من نعت الربّ وصفته.

٢٨

و قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره: فبأيّ نِعَم ربكما معشر الثقلين من هذه النعم تكذّبان.

٢٩

و قوله: يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السّمَواتِ والأرْضِ يقول تعالى ذكره: إليه يَفْزع بمسألة الحاجات كلّ من في السموات والأرض، من مَلَك وإنس وجنّ وغيرهم، لا غنى بأحد منهم عنه. كما:

٢٥٥٣٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ، كُلّ يَوْم هُوَ فِي شأْنٍ لا يستغني عنه أهل السماء ولا أهل الأرض، يُحْيى حَيا، ويُمِيت ميتا ويربي صغيرا، ويذلّ كبيرا، وهو مَسْأَل حاجات الصالحين، ومنتهى شكواهم، وصريخ الأخيار.

٢٥٥٤٠ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: يَسْئَلُهُ مَن فِي السّمَوَاتِ والأرضِ، كُلّ يَوْمٍ هُوَ فِي شأنٍ قال: يعني مسألة عباده إياه الرزق والموت والحياة، كلّ يوم هو في ذلك.

و قوله: كُلّ يَومٍ هُوَ فِي شأنِ يقول تعالى ذكره من كلّ يوم في شأن خلقه، فيفرج كرب ذي كرب ويرفع قوما ويخفض آخرين، وغير ذلك من شئون خلقه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥٤١ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن يونس بن خباب، والأعمش عن مجاهد، عن عبيد بن عمير كُلّ يَومٍ هُوَ فِي شأنٍ قال: يجيب داعيا، ويعطي سائلاً، أو يفكّ عانيا، أو يشفي سقيما.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن عبيد بن عمير في قوله: كُلّ يَومٍ هُوَ فِي شأنٍ قال: يفكّ عانيا، ويشفي سقيما، ويجيب داعيا.

٢٥٥٤٢ـ وحدثني إسماعيل بن إسرائيل اللاَل، قال: حدثنا أيوب بن سويد، عن سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد، في قوله: كُلّ يَومٍ هُوَ فِي شأنٍ قال: من شأنه أن يطعي سائلاً، ويفكّ عانيا، ويجيب داعيا، ويشفي سقيما.

٢٥٥٤٣ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: كُلّ يَومٍ هُوَ فِي شأنٍ قال: كلّ يوم هو يجيب داعيا، ويكشف كربا، ويجيب مضطرّا، ويغفر ذنبا.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن الأعمش، عن مجاهد، عن عبيد بن عمير كُلّ يَوْمٍ هُوَ فِي شأْنٍ يجيب داعيا، ويعطى سائلاً، ويفكّ عانيا، ويتوب على قوم ويغفر.

٢٥٥٤٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مروان، قال: حدثنا أبو العوّام، عن قتادة يَسْئَلَهُ مَنْ فِي السّمَواتِ والأرْضِ كُلّ يَوْمٍ هُوَ فِي شأْنٍ قال: يخلق مخلقا، ويميت ميتا، ويحدث أمرا.

٢٥٥٤٥ـ حدثني عبد اللّه بن محمد بن عمرو الغزي، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي، قال: حدثنا عمرو بن بكر السكسكي، قال: حدثنا الحارث بن عبدة بن رباح الغساني، عن أبيه عبدة بن رباح، عن منيب بن عبد اللّه الأزدي، عن أبيه قال: تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الاَية: كُلّ يَوْمٍ هُوَ فِي شأْنٍ فقلنا: يا رسول اللّه ، وماذلك الشأن؟ قال: (يَغْفِرُ ذَنْبا، ويُفَرّجُ كَرْبا، ويَرْفَعُ أقْوَاما، وَيَضَعُ آخَرِينَ) .

٢٥٥٤٦ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا عبيد اللّه بن موسى، عن أبي حمزة الثمالي، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس : إن اللّه خلق لوحا محفوظا من درّة بيضاء، دفناه ياقوتة حمراء، قلمه نور، وكتابه نور، عرضه ما بين السماء والأرض، ينظر فيه كلّ يوم ثلاث مئة وستين نظرة، يخلق بكل نظرة، ويُحيي ويميت، ويُعزّ ويُذلّ، ويفعل ما يشاء.

٣٠

و قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره: فبأيّ نِعَم ربكما معشر الجنّ والإنس التي أنعم عليكم من صرفه إياكم في مصالحكم، وما هو أعلم به منكم من تقليبه إياكم فيما هو أنفع لكم تكذبان.

٣١

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيّهَا الثّقَلاَنِ}.

اختلفت القرّاء في قراءة قوله: سَنَفْرُغُ لَكُم أيّها الثّقَلانِ فقرأته قرّاء المدينة والبصرة وبعض المكيين سَنَفْرُغُ لَكُمْ بالنون. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة (سَيَفْرُغُ لَكُمْ) بالياء وفتحها ردّا على قوله: يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ ولم يقل: يسألنا من في السموات، فأتبعوا الخبر الخبر.

والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.

وأما تأويله: فإنه وعيد من اللّه لعباده وتهدّد، كقول القائل الذي يتهدّد غيره ويتوعده، ولا شغل له يشغله عن عقابه، لأتفرغنّ لك، وسأتفرّغ لك، بمعنى: سأجدّ في أمرك وأعاقبك، وقد يقول القائل للذي لا شغل له، قد فرغت لي، وقد فرغت لشتمي: أي أخذت فيه وأقبلت عليه، وكذلك قوله جلّ ثناؤه: سَنَفْرُغُ لَكُمْ سنحاسبكم، ونأخذ في أمركم أيها الإنس والجنّ، فنعاقب أهل المعاصي، ونثيب أهل الطاعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥٤٧ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أيّها الثّقَلانِ قال: وَعيد من اللّه للعباد، وليس باللّه شغل، وهو فارغ.

٢٥٥٤٨ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أنه تلا سَنَفْرُغُ لَكُمْ أيّها الثّقَلانِ قال: دنا من اللّه فراغ لخلقه.

٢٥٥٤٩ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن جُويبر، عن الضحاك سَنَفْرُغُ لَكُمْ أيّها الثّقَلانِ قال: وعيد، وقد يُحتمل أن يوجه معنى ذلك إلى: سنفرُغ لكم من وعدناكم ما وعدناكم من الثواب والعقاب.

٣٢

و قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ: فبأيّ نعم ربكما معشر الثقلين التي أنعمها عليكم، من ثوابه أهل طاعته، وعقابه أهل معصيته تكذّبان؟.

٣٣

و قوله: يا مَعْشَرَ الجِنّ والإنْسِ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطارِ السّمَوَاتِ والأرْضِ فانْفُذُوا

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا فقال بعضهم: معنى ذلك: إن استطعتم أن تجوزوا أطراف السموات والأرض، فتعجزوا ربكم حتى لا يقدر عليكم، فجوزوا ذلك، فإنكم لا تجوزونه إلا بسلطان من ربكم، قالوا: وإنما هذا قول يقال لهم يوم القيامة. قالوا: ومعنى الكلام: سنفرغ لكم أيها الثقلان، فيقال لهم: يَا مَعْشَرَ الجِنّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطَار السّمَواتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥٥٠ـ حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقيّ، قال: حدثنا أبو أسامة، عن الأجلح، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم، قال: إذا كان يوم القيامة أمر اللّه السماء الدنيا فتشقّقت بأهلها، ونزل من فيها من الملائكة، فأحاطوا بالأرض ومن عليها بالثانية، ثم بالثالثة، ثم بالرابعة، ثم بالخامسة، ثم بالسادسة، ثم بالسابعة، فصفوا صفا دون صف، ثم ينزل الملك الأعلى على مجنّبته اليسرى جهنم، فإذا رآها أهل الأرض ندّوا، فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه

فذلك قول اللّه : إنّي أخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التّنادِ، يَوْمَ تُوَلّونَ مُدْبِرِينَ،

وذلك قوله: وَجاءَ رَبّكَ وَالمَلَكُ صَفّا صَفّا، وجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنّمَ،

و قوله: يا مَعْشَرَ الجِنّ والإنْسِ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطارِ السّمَوَاتِ والأرْضِ فانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إلاّ بسُلْطانٍ،

وذلك قوله: وَانْشَقّتِ السّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ والمَلَكُ على أرْجائها.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض، فانفدوا هاربين من الموت، فإن الموت مُدرككم، ولا ينفعكم هربكم منه. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥٥١ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: يا مَعْشَرَ الجِنّ والإنْسِ... الاَية، يعني بذلك أنه لا يجيرهم أحد من الموت، وأنهم ميتون لا يستطيعون فرارا منه، ولا محيصا، لو نفذوا أقطار السموات والأرض كانوا في سُلطان اللّه ، ولأخذهم اللّه بالموت.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والأرض فاعلموا. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥٥٢ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني أبي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، في قوله: يا مَعَشَرَ الجِنّ والإنْسِ إنِ اسْتَطَعْتُم أن تَنْفُذُوا مِن أقْطارِ السّمَوَاتِ والأرْضِ فانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إلاّ بسُلْطانٍ يقول: إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والأرض فاعلموه، لن تعلموه إلا بسلطان، يعني البينة من اللّه جلّ ثناؤه.

وقال آخرون: معنى قوله: لا تَنْفُذُونَ لا تخرجون من سلطاني. ذكر من قال ذلك:

حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: لا تَنْفُذُونَ إلاّ بسُلْطانٍ يقول: لا تخرجون من سلطاني.

وأما الأقطار فهي جمع قُطْر، وهي الأطراف. كما:

٢٥٥٥٣ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطارِ السّمَوَاتِ والأرْضِ قال: من أطرافها.

وقوله جلّ ثناؤه: وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أقْطارِها يقول: من أطرافها.

وأما قوله: إلاّ بسُلْطانٍ فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه، فقال بعضهم: معناه: إلا بينة وقد ذكرنا ذلك قبل.

وقال آخرون: معناه: إلا بحجة. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥٥٤ـ حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن رجل، عن عِكرمة لا تَنْفُذُونَ إلاّ بسُلْطانٍ قال: كلّ شيء في القرآن سلطان فهو حجة.

٢٥٥٥٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: بسُلْطانٍ قال: بحجة.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: إلا بملك وليس لكم ملك. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥٥٦ـ حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا أبو العوّام، عن قتادة فانْفُذُوا لا تَنْفُذُون إلاّ بسُلْطانٍ قال: لا تنفذون إلا بملك وليس لكم ملك.

٢٥٥٥٧ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة لا تَنْفُذُونَ إلاّ بِسُلْطانٍ قال: إلا بسلطان من اللّه ، إلا بملكة منه.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة لا تَنْفُذُونَ إلاّ بسُلْطانٍ يقول إلا بملكة من اللّه .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: إلا بحجة وبينة، لأن ذلك هو معنى السلطان في كلام العرب، وقد يدخل الملك في ذلك، لأن الملك حجة.

٣٤

و قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره: فبأيّ نعم ربكما تكذّبنان معشر الثقلين التي أنعمت عليكم، من التسوية بين جميعكم، لا يقدرون على خلاف أمر أراده بكم تكذّبان.

٣٥

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مّن نّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ }. يقول تعالى ذكره: يُرْسَلُ عَليكُمَا أيها الثقلان يوم القيامة شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وهو لهبها من حيث تشتعل وتؤجّج بغير دخان كان فيه ومنه قول رُؤْبة بن العجّاج:

إنّ لَهُمْ مِنْ وَقْعِنا أقْياظاونارُ حَرْب تُسْعِرُ الشّوَاظا

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥٥٨ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: شُوَاظٌ مِنْ نارٍ يقول: لَهَب النار.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُوَاظٌ مِنْ نارٍ يقول: لهب النار.

٢٥٥٥٩ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: شُوَاظٌ مِنْ نارٍ قال: لهب النار.

٢٥٥٦٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد الزّبيري، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُوَاظٌ مِنْ نارٍ قال: اللّه ب المتقطع.

٢٥٥٦١ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا حكام، قال: حدثنا عمرو، عن منصور، عن مجاهد يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُوَاظٌ مِنْ نارٍ قال: الشّواظ: الأخضر المتقطع من النار.

قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد في قوله يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُوَاظٌ مِنْ نارٍ قال الشّواظ: هذا اللّه ب الأخضر المتقطع من النار.

٢٥٥٦٢ـ قال: ثنا مهران، عن سفيان، في قوله: يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُوَاظٌ مِنْ نارٍ قال: الشواظ: اللّه ب الأخضر المتقطع من النار.

٢٥٥٦٣ـ قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الضحاك : الشّوَاظُ: اللّه ب.

٢٥٥٦٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُوَاظٌ مِنْ نارٍ: أي لهب من نار.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة شُوَاظٌ مِنْ نارٍ قال: لهب من نار.

٢٥٥٦٥ـ وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُوَاظٌ مِنْ نارٍ قال: الشواظ: اللّه ب، وأما النحاس فاللّه أعلم بما أراد به.

وقال آخرون: الشّواظ: هو الدخان الذي يخرج من اللّه ب.

٢٥٥٦٦ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله شُوَاظٌ مِنْ نارٍ الدخان الذي يخرج من اللّه ب ليس بدخان الحطب.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله: شُوَاظٌ، فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة والبصرة، غير ابن أبي إسحاق شُوَاظٌ بضم الشين، وقرأ ذلك ابن أبي إسحاق، وعبد اللّه بن كثير (شِوَاظٌ مِنْ نارٍ) بكسر الشين، وهما لغتان، مثل الصِوار من البقر، والصّوار بكسر الصاد وضمها. وأعجب القراءتين إليّ ضمّ الشين، لأنها اللغة المعروفة، وهي مع ذلك قراءة القرّاء من أهل الأمصار.

وأما قوله: ونُحاسٌ فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّ به، فقال بعضهم: عُنِي به الدخان. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥٦٧ـ حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: حدثنا موسى بن عمير، عن أبي صالح، عن ابن عباس ، في قوله: ونُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرَانِ قال: النحاس: الدخان.

حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس ، قوله: ونُحاسٌ دخان النار.

٢٥٥٦٨ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، قوله: ونُحاسٌ قال: دخان.

وقال آخرون: عني بالنحاس في هذا الموضع: الصّفر. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥٦٩ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، ونُحاسٌ قال: النحاس: الصفر يعذّبون به.

٢٥٥٧٠ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ونُحاسٌ قال: يذاب الصفر من فوق رؤوسهم.

قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد ونُحاسٌ قال: يذاب الصفر فيصبّ على رأسه.

٢٥٥٧١ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان ونُحاسٌ يذاب الصفر فيصبّ على رؤوسهم.

٢٥٥٧٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ونُحاسٌ قال: توعدهما بالصّفر كما تسمعون أن يعذّبهما به.

٢٥٥٧٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا أبو العوّام، عن قتادة يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُوَاظٌ مِنْ نارٍ ونُحاسٌ قال: يخوّفهم بالنار وبالنحاس.

وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: عُنِي بالنحاس: الدخان، وذلك أنه جل ثناؤه ذكر أنه يرسل على هذين الحيّين شواظ من نار، وهو النار المحضة التي لا يخلطها دخان. والذي هو أولى بالكلام أنه توعدهم بنار هذه صفتها أن يُتبع ذلك الوعد بما هو خلافها من نوعها من العذاب دون ما هو من غير جنسها، وذلك هو الدخان، والعرب تسمي الدخان نُحاسا بضم النون، ونِحاسا بكسرها، والقرّاء مجمعة على ضمها، ومن النّحاس بمعنى الدخان، قول نابغة بني ذُبيان:

يَضُوءُ كَضَوْء سِرَاج السّليطِ لمْ يجْعَل اللّه فيهِ نُحاسا

 يعني : دخانا.

و قوله: فَلا تَنْتَصِرَانِ يقول تعالى ذكره: فلاتنتصران أيها الجن والإنس منه إذا هو عاقبكما هذه العقوبة، ولا تُستنقذان منه. كما:

٢٥٥٧٤ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فَلا تَنْتَصِرَانِ قال: يعني الجنّ والإنس.

٣٦

فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ

٣٧

قال:

و قوله: فإذَا انْشَقّتِ السّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كالدّهانِ يقول تعالى ذكره: فإذا انشقّت السماء وتفطّرت، وذلك يوم القيامة، فكان لونها لون البرذون الورد الأحمر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥٧٥ـ حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: حدثنا محمد بن الصلت، قال: حدثنا أبو كدينة، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس فَكانَتْ وَرْدَةً كالدّهانِ قال: كالفرس الورد.

٢٥٥٧٦ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: فإذَا انْشَقّتِ السّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كالدّهانِ يقول: تغير لونها.

٢٥٥٧٧ـ حدثنا عبد اللّه بن أحمد بن حبويه، قال: حدثنا شهاب بن عباد، قال: حدثنا إبراهيم بن حميد، عن إسماعيل ابن أبي خالد عن أبي صالح في قوله: وَرْدَةً كالدّهانِ قال كلون البرذون الورد، ثم كانت بعد كالدهان.

٢٥٥٧٨ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فَكانَتْ وَرْدَةً كالدّهانِ يقول: تتغير السماء فيصير لونها كلون الدابة الوردة.

٢٥٥٧٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَرْدَةً كالدّهان هي اليوم خضراء كما ترون، ولونها يوم القيامة لون آخر.

٢٥٥٨٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا ابن العوّام، عن قتادة ، في قوله: فإذَا انْشَقّتِ السّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كالدّهانِ قال: هي اليوم خضراء، ولونها يومئذٍ الحمرة.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وَرْدَةً كالدّهانِ قال: إنها اليوم خضراء، وسيكون لها يومئذٍ لون آخر.

٢٥٥٨١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فَكانَتْ وَرْدَةً كالدّهان قال: مشرقة كالدهان.

واختلف أهل التأويل في معنى قوله: كالدّهانِ فقال بعضهم: معناه كالدهن صافية الحمرة مشرقة. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥٨٢ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وَرْدَةً كالدّهانِ قال: كالدهن.

٢٥٥٨٣ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: كالدّهانِ يعني : خالصة.

وقال آخرون: عني بذلك: فكانت وردة كالأديم، وقالوا: الدهان: جماع، واحدها دهن.

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عني به الدهن في إشراق لونه، لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب.

٣٨

و قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره: فبأيّ قدرة ربكما معشر الجنّ والإنس على ما أخبركم بأنه فاعل بكم تكذّبان.

٣٩

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لاّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنّ }.

يقول تعالى ذكره: فيومئذٍ لا يسأل الملائكة المجرمين عن ذنوبهم، لأن اللّه قد حفظها عليهم، ولا يسأل بعضهم عن ذنوب بعض ربهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥٨٤ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ وَلا جانّ يقول تعالى ذكره: لا يسألهم عن أعمالهم، ولا يسأل بعضهم عن بعض وهو مثل قوله: وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ المُجْرِمُونَ ومثل قوله لمحمد صلى اللّه عليه وسلم وَلا تُسْئَلُ عَنْ أصحَابِ الجَحِيمِ.

٢٥٥٨٥ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة في قوله: لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ وَلا جانّ قال: حفظ اللّه عزّ وجلّ عليهم أعمالهم.

٢٥٥٨٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ وَلا جانّ قال: كان مجاهد يقول: لا يسأل الملائكة عن المجرم يعرفون بسيماهم.

٢٥٥٨٧ـ حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا أبو العوّام، عن قتادة فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَل عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ وَلا جانّ قال: قد كانت مسألة ثم ختم على ألسنة القوم فتتكلم أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون.

٤٠

و قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره: فبأيّ نعم ربكما معشر الثقلين، التي أنعم عليكم من عدله فيكم، أنه لم يعاقب منكم إلاّ مجرما...

٤١

و قوله: يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بسِيماهُمْ يقول تعالى ذكره تعرف الملائكة المجرمين بعلاماتهم وسيماهم التي يسوّمهم اللّه بها من اسوداد الوجوه، وازرقاق العيون. كما:

٢٥٥٨٨ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور عن معمر، عن الحسن، في

قوله: يُعْرَفُ المُجْرِمونَ بسِيماهُمْ قال: يعرفون باسوداد الوجوه، وزُرقة العيون.

٢٥٥٨٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن مروان قال: حدثنا أبو العوّام، عن قتادة يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بسِيماهُمْ قال: زرق العيون، سود الوجوه.

و قوله: فَيُؤْخَذُ بالنّوَاصِي والأقْدَامِ يقول تعالى ذكره: فتأخذهم الزبانية بنواصيهم وأقدامهم فتسحبهم إلى جهنم، وتقذفهم فيها

٤٢

فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره: فبأيّ نعم ربكما معشر الجنّ والإنس التي أنعم عليكم بها من تعريفه ملائكته أهل الإجرام من أهل الطاعة منكم حتى خصوا بالإذلال والإهانة المجرمين دون غيرهم.

٤٣

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {هَـَذِهِ جَهَنّمُ الّتِي يُكَذّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ}.

يقول تعالى ذكره: يقال لهؤلاء المجرمين الذين أخبر جل ثناؤه أنهم يعرفون يوم القيامة بسيماهم حين يؤخذ بالنواصي والأقدام: هذه جهنم التي يكذّب بها المجرمون، فترك ذكر (يقال) اكتفاء بدلالة الكلام عليه منه. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد اللّه (هذه جهنم التي كنتما بها تكذّبان تصليانها، لا تموتان فيها ولا تحييان) .

٤٤

و قوله: يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَينَ حَمِيمٍ آنٍ يقول تعالى ذكره: يطوف هؤلاء المجرمون الذين وصف صفتهم في جهنم بين أطباقها وَبينَ حَمِيمٍ آنٍ يقول: وبين ماء قد أسخن وأغلي حتى انتهى حرّه وأنى طبخه وكل شيء قد أدرك وبلغ فقد أنى ومنه قوله: غَيرَ ناظِرِينَ إناهُ يعني : إدراكه وبلوغه، كما قال نابغة بني ذُبيان:

ويُخْضَبْ لِحْيَةٌ غَدَرَتْ وخانَتْبأحمَرَ مِنْ نَجِيعِ الجَوْفِ آني

يعني : مدرك.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥٩٠ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس ، قوله: وَبينَ حَمِيمٍ آنٍ يقول: انتهى حرّه.

٢٥٥٩١ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: وَبَين حَمِيم آنٍ يقول: غلي حتى انتهى غليه.

٢٥٥٩٢ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وَبينَ حَمِيمٍ آنٍ قال: قد بلغ إناه.

٢٥٥٩٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: الاَني الذي قد انتهى حرّه.

٢٥٥٩٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا شبيب، عن بشر، عن عكرِمة، عن ابن عباس يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَينَ حَمِيمٍ آنٍ قال: الاَني: ما اشتدّ غليانه ونضجه.

٢٥٥٩٥ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: حَمِيمٍ آنٍ هو الذي قد انتهى غَلْيه.

٢٥٥٩٦ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا أبو العوّام، عن قتادة وَبَينَ حَمِيمٍ آنٍ قال: أنى طبخها منذ يوم خلق اللّه السموات والأرض.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَينَ حَمِيمٍ آنٍ يقول: حميم قد أنى طبخه منذ خلق اللّه السموات والأرض.

٢٥٥٩٧ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن حَمِيمٍ آنٍ يقول: حميم قد آن منتهى حرّه.

٢٥٥٩٨ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان حَمِيمٍ آنٍ قال: قد انتهى حرّه.

وقال بعضهم: عني بالاَني: الحاضر. ذكر من قال ذلك:

٢٥٥٩٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ قال: يطوفون بينها وبين حميم حاضر، الاَني: الحاضر.

٤٥

و قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول: فبأيّ نِعَم ربكما معشر الجنّ والإنس التي أنعمها عليكم بعقوبته أهل الكفر به وتكريمه أهل الإيمان به تكذّبان.

٤٦

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنّتَانِ}.

يقول تعالى ذكره: ولمن اتقى اللّه من عباده، فخاف مقامه بين يديه، فأطاعه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه جنتان، يعني بستانين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وإن اختلفت ألفاظهم في البيان عن تأويله، غير أن معنى جميعهم يقول إلى هذا. ذكر من قال ذلك:

٢٥٦٠٠ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال: وعد اللّه جل ثناؤه المؤمنين الذين خافوا مقامه، فأدّوا فرائضه الجنة.

٢٥٦٠١ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ يقول: خاف ثم اتقى، والخائف: من ركب طاعة اللّه ، وترك معصيته.

٢٥٦٠٢ـ حدثني أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن مجاهد، في قوله: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ هو الرجل يهم بالذنب فيذكر مقام ربه فينزع.

حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين، عن منصور، عن مجاهد، قوله: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال: الرجل يهمّ بالذنب فيذكر مقامه بين يدي اللّه فيتركه، فله جنتان.

قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، قوله: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال: الرجل يهمّ بالمعصية، فيذكر اللّه عزّ وجلّ فيدعها.

قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ولَمنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال: في الذي إذا همّ بمعصية تركها.

حدثنا نصر بن عليّ، قال: حدثنا إسحاق بن منصور، عن مجاهد، قوله: ولِمَنْ خاف مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال: هو الرجل يهمّ بمعصية اللّه تعالى، ثم يتركها مخافة اللّه .

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال: يذنب الذنب فيذكر مقام ربه فيدعه.

٢٥٦٠٣ـ حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن منصور، عن إبراهيم في هذه الاَية ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال: إذا أراد أن يذنب أمسك مخافة اللّه .

٢٥٦٠٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال: إن المؤمنين خافوا ذاكم المقام فعملوا له، ودانوا له، وتعبّدوا بالليل والنهار.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا أبو العوّام، قال: حدثنا قتادة ، في قوله: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال: إن اللّه مقاما قد خافه المؤمنون.

٢٥٦٠٥ـ حدثني محمد بن موسى، قال: حدثنا عبد اللّه بن الحارث القرشيّ، قال: حدثنا شعبة بن الحجاج، قال: حدثنا سعيد الجريريّ، عن محمد بن سعد، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ) قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: (وإنْ زَنى وسَرَقَ وإنْ رَغِمَ أنْفِ أبي الدّرْداءِ) .

وحدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري، قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا محمد بن جعفر، عن محمد بن أبي حرملة، عن عطاء بن يسار، قال: أخبرني أبو الدرداء أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قرأ يوما هذه الاَية ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ فقلت وإن زنى وإن سرق يا رسول اللّه ؟ قال: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال: فقلت: يا رسول اللّه وإن زنى وإن سرق؟ قال: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ فقلت: وإن زنى وإن سرق يا رسول اللّه ؟ فقال: (وَإنْ زَنى وإنْ سَرَقَ رَغْمَ أنْفِ أبي الدّرْدَاءِ) .

٢٥٦٠٦ـ حدثنا عليّ بن سهل، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي بكر، عن أبي موسى، عن أبيه، قال حماد لا أعلمه إلا رفعة في قوله: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال جنتان من ذهب للمقرّبين أو قال: للسابقين، وجنتان من ورِق لأصحاب اليمين.

٢٥٦٠٧ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا المعتمر، عن أبيه، قال: حدثنا سيار، قال: قيل لأبي الدرداء في هذه الاَية ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ ف

قيل: وإن زنى وإن سرق، فقال: وإن زنى وإن سرق. وقال: إنه إن خاف مقام ربه لم يزن ولم يسرق.

حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن ابن المبارك، عن سعيد الجريريّ، عن رجل، عن أبي الدرداء (ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ) فقال أبو الدرداء: وإن زنى وإن سرق، قال: (نعم، وإن رَغِمَ أنْفُ أبي الدرداء) .

٢٥٦٠٨ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن الصلت، عن عمرو بن ثابت، عمن ذكره، عن أبي وائل، عن ابن مسعود في قوله: ولِمَنْ خافَ مقامَ رَبهِ جَنّتانِ قال: وإن زنى وإن سرق.

٢٥٦٠٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال: جنتا السابقين، فقرأ ذَوَاتا أفْنانٍ فقرأ حتى بلغ كأَنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ ثم رجع إلى أصحاب اليمين، فقال: وَمِنْ دُونِهِما جَنّتانِ فذكر فضلهما وما فيهما.

٢٥٦١٠ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال: مقامه حين يقوم العباد يوم القيامة، وقرأ يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ العَالَمِينَ وقال: ذاك مقام ربك.

٤٧

و قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره: فبأيّ نعم ربكما أيها الثقلان التي أنعم عليكم بإثابته المحسن منكم ما وصف جل ثناؤه في هذه الاَيات تكذّبان.

٤٨

و قوله: ذَوَاتا أفْنانٍ يقول: ذواتا ألوان، واحدها فن، وهو من قولهم: افتنّ فلان في حديثه: إذا أخذ في فنون منه وضروب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٦١١ـ حدثني الحسين بن يزيد الطحان، قال: حدثنا عبد السلام بن حرب، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ، في قوله: ذَوَاتا أفْنانٍ قال: ذواتا ألوان.

٢٥٦١٢ـ حدثنا الفضل بن إسحاق، قال: حدثنا أبو قُتيبة، قال: حدثنا عبد اللّه بن النعمان، عن عكرمة ذَوَاتا أفْنانٍ قال: ظلّ الأغصان على الحيطان، قال: وقال الشاعر:

ما هاجَ شَوْقَكَ مِنْ هَديلِ حَمامَةٍتَدْعُو على فَنن الغُصُونِ حَماما

تَدْعُوا أبا فَرْخَين صَادَفَ ضَارياذا مخْلَبَين مِنَ الصّقُورِ قَطاما

٢٥٦١٣ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد ذَوَاتا أفْنانٍ قال: ذواتا ألوان.

٢٥٦١٤ـ قال: ثنا مهران، عن أبي سنان ذَوَاتا أفْنانٍ قال: ذواتا ألوان.

٢٥٦١٥ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ذَوَاتا أفْنانٍ يقول: ألوان من الفاكهة.

وقال آخرون: ذواتا أغصان. ذكر من قال ذلك:

٢٥٦١٦ـ حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن رجل من أهل البصرة، عن مجاهد ذَوَاتا أفْنانٍ قال: ذواتا أغصان.

وقال آخرون: معنى ذلك: ذواتا أطراف أغصان الشجر. ذكر من قال ذلك:

٢٥٦١٧ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: ذَوَاتا أفْنانٍ يقول: فيما بين أطراف شجرها، يعني : يمسّ بعضها بعضا كالمعروشات، ويقال ذواتا فضول عن كلّ شيء.

وقال آخرون: بل عنى بذلك فضلهما وسعتهما على ما سواهما. ذكر من قال ذلك:

٢٥٦١٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ذَوَاتا أفْنانٍ يعني : فضلهما وسعتهما على ما سواهما.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: ذَوَاتا أفْنانٍ قال: ذواتا فضل على ما سواهما.

٤٩

و قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره: فبأيّ نعم ربكما معشر الثقلين التي أنعم عليكما بإثابته هذا الثواب أهل طاعته تكذّبان.

٥٠

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ}.

يقول تعالى ذكره في هاتين الجنتين عينا ماء تجريان خلالهما،

٥١

فبأيّ آلاء ربكما تكذّبان.

٥٢

و قوله: فِيهِما مِنْ كُلّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ يقول تعالى ذكره: فيهما من كلّ نوع من الفاكهة ضربان،

٥٣

فبأيّ آلاء ربكما التي أنعم بها على أهل طاعته من ذلك تكذّبان.

٥٤

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {مُتّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنّتَيْنِ دَانٍ }.

يقول تعالى ذكره: وَلِمَنْ خافَ مَقَامَ رَبّه جَنّتانِ يتنعمون فيهما مُتّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ، فنصب متكئين على الحال من معنى الكلام الذي قبله لأن الذي قبله بمعنى الخبر عمن خاف مقام ربه أنه في نَعْمة وسرور، يتنعمون في الجنتين.

و قوله: على فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ اسْتَبْرَقٍ وَجَنى الجَنّتَين يقول تعالى ذكره: بطائن هذه الفرش من غليظ الديباج، والإستبرق عند العرب: ما غلظ من الديباج وخشن.

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول: يسمى المتاع الذي ليس في صفاقة الديباج ولا خفة العَرَقة استبرقا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٦١٩ـ حدثني عمران بن موسى القَزّاز، قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: حدثنا يحيى بن أبي إسحاق، قال قال لي سالم بن عبد اللّه : ما الإستبرق؟ قال: قلت: ما غلظ من الديباج وخشن منه.

٢٥٦٢٠ـ حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن أبي عَرُوبة، عن قتادة ، عن عكرِمة، في قوله: اسْتَبْرَق قال: الديباج الغليظ.

٢٥٦٢١ـ وحدثنا إسحاق بن زيد الخطابيّ، قال: حدثنا الفريابيّ، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم عن ابن مسعود في قوله: فُرُشٍ بَطائِنُها مِنِ اسْتَبرَقٍ قال: قد أخبرتم بالبطائن، فكيف لو أخبرتم بالظواهر؟.

٢٥٦٢٢ـ حدثنا الرفاعيْ، قال: حدثنا ابن اليمان، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن هبيرة، قال: هذه البطائن فما ظنكم بالظواهر؟.

٢٥٦٢٣ـ حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: حدثنا أبو داود، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال:

قيل له: هذه البطائن من إستبرق فما الظواهر؟ قال: هذا مما قال اللّه فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِن قُرّةِ أَعْيُنٍ وقد زعم أهل العربية أن البطانة قد تكون ظهارة، والظهارة تكون بطانة، وذلك أن كل واحد منهما قد يكون وجها. قال: وتقول العرب: هذا ظهر السماء، وهذا بطن السماء لظاهرها الذي نراه.

و قوله: وَجَنى الجَنّتَينِ دانٍ يقول: وثمر الجنتين الذي يجتني قريب منهم، لأنهم لا يتعبون بصعود نخلها وشجرها، لاجتناء ثمرها، ولكنهم يجتنونها من قعود بغير عناء. كما:

٢٥٦٢٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَجَنى الجَنّتَينِ دَانٍ ثمارهم دانية، لا يردّ أيديهم عنه بعد ولا شوك. ذُكر لنا أن نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا يَقْطَعُ رَجُلٌ ثَمَرَة مِنَ الجَنّةِ، فَتَصِلُ إلى فِيهِ حتى يُبَدّلَ اللّه مَكانَها خَيْرا مِنْها) .

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وَجَنى الجَنّتَينِ دَانٍ قال: لا يردّ يده بعد ولا شوك.

٢٥٦٢٥ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: وَجَنى الجَنَتينِ دَانٍ يقول: ثمارها دانية.

٥٥

و قوله: فَبأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره فبأيّ آلاء ربكما معشر الثقلين التي أنعم عليكما من أثاب أهل طاعته منكم هذا الثواب، وأكرمهم هذه الكرامة تكذّبان.

٥٦

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فِيهِنّ قَاصِرَاتُ الطّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنّ }.

يقول تعالى ذكره في هذه الفرش التي بطائنها من إستبرق قاصِرَاتُ الطّرْفِ وهنّ النساء اللاتي قد قُصرَ طرفهنّ على أزواجهنّ، فلا ينظرن إلى غيرهم من الرجال. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٦٢٦ـ حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثني أبي، عن أبي يحيى، عن مجاهد، في قوله: فِيهِنّ قاصِرَاتُ الطّرْفِ قال: قَصُر طرفهنّ عن الرجال، فلا ينظرن إلا إلى أزواجهنّ.

٢٥٦٢٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فِيهِنّ قاصِرَاتُ الطّرْفِ... الاَية، يقول: قُصِر طرفهنّ على أزواجهنّ، فلا يردن غيرهم.

٢٥٦٢٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: قاصِراتُ الطّرْفِ قال: لا ينظرن إلا إلى أزواجهنّ، تقول: وعزّة ربي وجلاله وجماله، إن أرى في الجنة شيئا أحسن منَك، فالحمد للّه الذي جعلك زوجي، وجعلني زوجَك.

و قوله: لَمْ يَطْمِثْهُنّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جانّ يقول: لم يمسهن إنس قبل هؤلاء الذين وصف جل ثناؤه صفتهم، وهم الذين قال فيهم ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ ولا جان يقال منه: ما طمث هذا البعيرَ حبلٌ قطّ: أي ما مَسّهُ حبل.

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين يقول: الطمث هو النكاح بالتدمية، ويقول: الطمث هو الدم، ويقول: طمثها إذا دماها بالنكاح. وإنما عنى في هذا الموضع أنه لم يجامعهنّ إنس قبلهم ولا جانّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٦٢٩ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: لَمْ يَطْمِثْهُنّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جانّ يقول: لم يُدْمِهنّ إنس ولا جانّ.

٢٥٦٣٠ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل، عن رجل عن عليّ لَمْ يَطْمِثْهُنّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جانّ قال: منذ خلقهنّ.

٢٥٦٣١ـ حدثنا الحسين بن يزيد الطحان، قال: حدثنا أبو معاوية الضرير، عن مغيرة بن مسلم، عن عكرمة، قال: لا تقل للمرأة طامث، فإن الطّمْث هو الجماع، إن اللّه يقول: لَمْ يَطْمِثْهُنّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جانّ.

٢٥٦٣٢ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: لَمْ يَطْمِثْهُنّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جانّ قال: لم يَمَسّهنّ شيء إنس ولا غيره.

٢٥٦٣٣ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: لَمْ يَطْمِثْهُنّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جانّ قال: لم يَمَسّهنّ.

٢٥٦٣٤ـ حدثنا عمرو بن عبد الحميد الاَملي، قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن عاصم، قال: قلت لأبي العالية امرأة طامث، قال: ما طامث؟ فقال رجل: حائض، فقال أبو العالية: حائض، أليس يقول اللّه عزّ وجل لَمْ يَطْمِثْهُنّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جانّ.

فإن قال قائل: وهل يجامع النساءَ الجنّ، فيقال: لَمْ يَطْمِثْهُنّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جانّ؟ فإن مجاهدا روي عنه ما.

٢٥٦٣٥ـ حدثني به محمد بن عمارة الأسدي، قال: حدثنا سهل بن عامر، قال: حدثنا يحيى بن يَعْلَى الأسلميّ عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد، قال: إذا جامع ولم يسمّ، انطوى الجانّ على إحليله فجامع معه، فذلك قوله: لَمْ يَطْمِثْهُنّ إنْس قَبْلَهُمْ وَلا جانّ.

وكان بعض أهل العلم ينتزع بهذه الاَية في أن الجنّ يدخلون الجنة. ذكر من قال ذلك:

٢٥٦٣٦ـ حدثني أبو حُمَيد أحمد بن المغيرة الحمصي، قال: ثني أبو حَيْوة شريح بن يزيد الحضرمي، قال: ثني أرطاة بن المنذر، قال: سألت ضَمْرة بن حبيب: هل للجنّ من ثواب؟ قال: نعم، ثم نزع بهذه الاَية لَمْ يَطْمِثْهُنّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جانّ فالإنسيات للإنس، والجنيات للجنّ.

٥٧

و قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره فبأيّ آلاء ربكما معشر الجنّ والإنس من هذه النعم التي أنعمها على أهل طاعته تكذّبان.

٥٨

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {كَأَنّهُنّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ}.

يقول تعالى ذكره كأن هؤلاء القاصرات الطرف اللواتي هنّ في هاتين الجنتين في صفائهن الياقوت الذي يرى السلك الذي فيه من ورائه، فكذلك يرى مخّ سوقهنّ من وراء أجسامهنّ، وفي حسنهنّ الياقوت والمرجان. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر الأثر الذي رُوي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بذلك:

٢٥٦٣٧ـ حدثني محمد بن حاتم، قال: حدثنا عبيدة، عن حُمَيد، عن عطاء بن السائب، عن عمرو بن ميمون، عن ابن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (إنّ المَرأةَ مِنْ أهْل الجَنّةِ لَيُرَى بَياضُ ساقِها مِنْ وَرَاءِ سَبْعِينَ حُلّةً مِنْ حَرِيرٍ ومُخّها، وذلكَ أنّ اللّه تَبارَكَ وَتَعالى يَقُولُ: كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ أمّا الياقُوتُ فإنّهُ لَوْ أدْخَلْتَ فِيهِ سِلْكا ثُمّ اسْتَصْفَيْتَهُ لرأيْتَهُ مِنْ وَرَائِهِ) .

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن عطاء بن السائب، عن عمرو بن ميمون، قال: قال ابن مسعود: إن المرأة من أهل الجنة لتلبس سبعين حلة من حرير، يرى بياض ساقها وحسن ساقها من ورائهنّ، ذلكم بأن اللّه يقول: كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ ألا وإنما الياقوت حجر فلو جعلت فيه سلكا ثم استصفيته، لنظرت إلى السلك من وراء الحجر.

٢٥٦٣٨ـ قال: ثنا ابن علية، قال: حدثنا أبو رجاء، عن الحسن، في قوله: كأنّهُنّ الياقُوتُ والمَرْجانُ في بياض المرجان.

حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: حدثنا ابن فضيل، قال: حدثنا عطاء بن السائب، عن عمرو بن ميمون، قال: أخبرنا عبد اللّه : إن المرأة من أهل الجنة لتلبس سبعين حلة من حرير، فيرى بياض ساقها وحسنه، ومخّ ساقها من وراء ذلك، وذلك لأن اللّه قال: كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ ألا ترى أن الياقوت حجر فإذا أدخلت فيه سلكا، رأيت السلك من وراء الحجر.

٢٥٦٣٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: (إن المرأة من الحور العين لتلبس سبعين حلة، فيرى مخّ ساقها كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء) .

٢٥٦٤٠ـ حدثني محمد بن عبيد المحاربيّ، قال: حدثنا المطلب بن زياد، عن السديّ، في قوله: كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ قال: صفاء الياقوت وحسن المرجان.

٢٥٦٤١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ صفاء الياقوت في بياض المرجان. ذُكر لنا أن نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (مَنْ دَخَلَ الجَنّةَ فَلَهُ فِيها زَوْجَتانِ يُرَى مُخّ سُوقِهِما مِنْ وَرَاءِ ثِيابِهِما) .

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا أبو العوّام، عن قتادة كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ قال: شبّه بهنّ صفاء الياقوت في بياض المرجان.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ في صفاء الياقوت وبياض المرجان.

٢٥٦٤٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ قال: كأنهنّ الياقوت في الصفاء، والمرجان في البياض، الصفاء: صفاء الياقوتة، والبياض: بياض اللؤلؤ.

٢٥٦٤٣ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ قال: في صفاء الياقوت وبياض المرجان.

٥٩

و قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذْبانِ يقول تعالى ذكره: فبأيّ نعم ربكما التي أنعم عليكم معشر الثقلين من إثابته أهل طاعته منكم بما وصف في هذه الاَيات تكذّبان.

٦٠

و قوله: هَلْ جَزَاءُ الإحْسانِ إلاّ الإحْسانُ يقول تعالى ذكره: هل ثواب خوف مقام اللّه عزّ وجلّ لمن خافه فأحسن في الدنيا عمله، وأطاع ربه، إلا أن يحسن إليه في الاَخرة ربّهُ، بأن يجازيه على إحسانه ذلك في الدنيا ما وصف في هذه الاَيات من قوله: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ... إلى قوله: كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وإن اختلفت ألفاظهم بالعبارة عنه. ذكر من قال ذلك:

٢٥٦٤٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا أبو العوّام، عن قتادة هَلْ جَزاءُ الإحْسانِ إلاّ الإحْسانُ قال: عملوا خيرا فجوزوا خيرا.

٢٥٦٤٥ـ حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا عبيدة بن بكار الأزدي، قال: ثني محمد بن جابر، قال: سمعت محمد بن المنكدر يقول في قول اللّه جلّ ثناؤه: هَلْ جَزَاءُ الإحْسانِ إلاّ الإحْسانُ قال: هل جزاء من أنعمت عليه بالإسلام إلا الجنة.

٢٥٦٤٦ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: هَلْ جَزاءُ الإحْسانِ إلاّ الإحْسانُ قال: ألا تراه ذكرهم ومنازلهم وأزواجهم، والأنهار التي أعدّها لهم، وقال: هَلْ جَزَاءُ الإحْسانِ إلاّ الإحْسانُ حين أحسنوا في هذه الدنيا أحسنا إليهم أدخلناهم الجنة.

٢٥٦٤٧ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، قال: حدثنا سفيان، عن سالم بن أبي حفصة، عن أبي يعلى، عن محمد بن الحنفية هَلْ جَزاءُ الإحْسانِ إلا الإحْسانُ قال: هي مسجّلة للبرّ والفاجر.

٦١

و قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول: فبأيّ نعم ربكما معشر الثقلين التي أنعم عليكم من إثابته المحسن منكم بإحسانه تكذّبان؟

٦٢

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَمِن دُونِهِمَا جَنّتَانِ }

يقول تعالى ذكره: ومن دون هاتين الجنتين اللتين وصف اللّه جل ثناؤه صفتهما التي ذكر أنهما لمن خاف مقام ربه جنتان. ثم اختلف أهل التأويل في معنى قوله: وَمِنْ دُونِهِما في هذا الموضع، فقال بعضهم: معنى ذلك: ومن دونهما في الدّرَج. ذكر من قال ذلك:

٢٥٦٤٨ـ حدثنا محمد بن منصور الطوسيّ، قال: حدثنا إسحاق بن سليمان، قال: حدثنا عمرو بن أبي قيس، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ، في قوله: وكانَ عَرْشُهُ على المَاءِ قال: كان عرش اللّه على الماء، ثم اتخذ لنفسه جنة، ثم اتخذ دونها جنة أخرى، ثم أطبقهما بلؤلؤة واحدة قال: وَمِنْ دُونِهِما جَنّتانِ وهي التي لا تعلم، أو قال: وهما التي لا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعملون. قال: وهي التي لا تعلم الخلائق ما فيهما، أو ما فيها، يأتيهم كلّ يوم منها أو منهما تحفة.

٢٥٦٤٩ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يعقوب، عن عنبسة، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جُبَير بنحوه.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ومن دونهما في الفضل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٦٥٠ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَمِنْ دُونِهِما جَنّتانِ هما أدنى من هاتين لأصحاب اليمين.

٦٣

و قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبان يقول: فبأيّ نعم ربكما التي أنعم عليكم بإثابته أهل الإحسان ما وصف من هاتين الجنتين تكذّبان؟.

٦٤

و قوله: مُدْهامّتانِ يقول تعالى ذكره. مسوادّتان من شدة خضرتهما. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٦٥١ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: مُدْهامّتانِ يقول: خضراوان.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: مُدْهامّتانِ قال: خضراوان من الريّ، ويقال: ملتفتان.

٢٥٦٥٢ـ حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: أخبرنا محمد بن بشر، قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن حارثة بن سليمان السلميّ، قال: سمعت ابن الزّبَير وهو يفسّر هذه الاَية على المنبر، وهو يقول: هل تدرون ما مُدْهامّتانِ؟ خضراوان من الريّ.

حدثني محمد بن عمارة هو الأسديّ، قال: حدثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن حارثة بن سليمان، هكذا قال، قال ابن الزّبَير مُدْهامّتانِ خضراوان من الريّ.

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن حارثة بن سليمان، أن ابن الزّبَير قال: مُدْهامّتانِ قال: هما خضراوان من الريّ.

حدثنا الفضل بن الصباح، قال: حدثنا ابن فضيل، عن عطاء، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس مُدْهامّتانِ قال: خضراوان.

٢٥٦٥٣ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية مُدْهامّتانِ قال: خضراوان من الرّيّ.

٢٥٦٥٤ـ حدثني محمد بن عمارة، قال: حدثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قوله: مُدْهامّتانِ قال: خضراوان من الريّ.

٢٥٦٥٥ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يعقوب، عن عنبسة، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جُبَير مُدْهامّتانِ قال: علاهما الريّ من السواد والخضرة.

٢٥٦٥٦ـ قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد بن جُبَير مُدْهامّتانِ قال: خضراوان.

٢٥٦٥٧ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: مُدْهامّتانِ قال: مسوادّتان.

٢٥٦٥٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: مُدْهامّتانِ يقول: خضراوان من الريّ ناعمتان.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: مُدْهامّتانِ قال: خضراوان من الريّ: إذا اشتدت الخضرة ضربت إلى السواد.

٢٥٦٥٩ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: مُدْهامّتانِ قال: ناعمتان.

٢٥٦٦٠ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن أبي سنان مُدْهامّتانِ قال: مسوادّتان من الريّ.

٢٥٦٦١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ جَنّتانِ قال: جنتا السابقين، فقرأ ذَوَاتا أفْنانٍ، وقرأ كأنّهُنّ الياقُوتُ وَالمَرْجانُ، ثم رجع إلى أصحاب اليمين فقال وَمِنْ دُونِهِما جَنّتانِ فذكر فضلهما وما فيهما، قوله: مُدْهامّتانِ من الخضرة من شدة خضرتهما، حتى كادتا تكونان سَوْداوين.

حدثني محمد بن سنان القزّاز، قال: حدثنا الحسين بن الحسن الأشقر، قال: حدثنا أبو كُدَينة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ، في قوله: مُدْهامّتانِ قال: خضراوان.

٦٥

و قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول: فبأيّ نِعَم ربكما التي أنعم عليكم بإثابته أهل الإحسان ما وصف في هاتين الجنتين تكذّبان.

٦٦

و قوله: فِيهِما عَيْنانِ نَضّاخَتانِ يقول تعالى ذكره في هاتين الجنتين اللتين من دون الجنتين اللتين هما لمن خاف مقام ربه، عينان نضاختان، يعني فوّارتان.

واختلف أهل التأويل في المعنى الذي تنضخان به، فقال بعضهم: تنضخان بالماء. ذكر من قال ذلك:

٢٥٦٦٢ـ حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك عن عكرِمة، في قوله: فِيهِما عَيْنانِ نَضّاخَتانِ قال: ينضخان بالماء.

٢٥٦٦٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: نَضّاخَتانِ قال: تنضخان بالماء.

٢٥٦٦٤ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: فِيهِما عَيْنانِ نَضّاخَتانِ يقول: نضاختان بالماء.

وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهما ممتلئتان. ذكر من قال ذلك:

٢٥٦٦٥ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: عَيْنانِ نَضّاخَتانِ قال: ممتلئتان لا تنقطعان.

وقال آخرون: تنضخان الماء والفاكهة. ذكر من قال ذلك:

٢٥٦٦٦ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا يحيى بن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: فِيهِما عَيْنانِ نَضّاخَتانِ قال: بالماء والفاكهة.

وقال آخرون: نضاختان بألوان الفاكهة. ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد فِيهِما عَيْنانِ نَضّاخَتانِ قال: نضاختان بألوان الفاكهة.

وقال آخرون: نضاختان بالخير. ذكر من قال ذلك:

٢٥٦٦٧ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: فِيهِما عَيْنانِ نَضّاخَتانِ يقول: نضاختان بالخير.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عُنِي بذلك أنهما تنضخان بالماء، لأنه المعروف بالعيون إذ كانت عيون ماء.

٦٧

و قوله: فَبِأيْ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره: فبأيّ نِعَم ربكما التي أنعم عليكم بإثابته محسنكم هذا الثواب الجزيل تكذّبان؟.

٦٨

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمّانٌ}.

يقول تعالى ذكره: وفي هاتين الجنتين المدهامّتين فاكهة ونخل ورمّان.

وقد اختلف في المعنى الذي من أجله أعيد ذكر النخل والرمان وقد ذُكر قبل أن فيهما الفاكهة، فقال بعضهم: أعيد ذلك لأن النخل والرمان ليسا من الفاكهة.

وقال آخرون: هما من الفاكهة وقالوا: قلنا هما من الفاكهة، لأن العرب تجعلهما من الفاكهة، قالوا: فإن قيل لنا: فكيف أعيدا وقد مضى ذكرهما مع ذكر سائر الفواكه؟ قلنا: ذلك ك قوله: حافِظوا على الصّلَوَاتِ والصّلاةِ الوُسْطَى فقد أمرهم بالمحافظة على كلّ صلاة، ثم أعاد العصر تشديدا لها، كذلك أعيد النخل والرمّان ترغيبا لأهل الجنة. وقال: وذلك ك قوله: أَلمْ تَرَ أنّ اللّه يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السّمَواتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ، ثم قال: وكَثِيرٌ مِنَ النّاس وكَثِيرٌ حَقّ عَلَيْهِ العذَابُ، وقد ذكرهم في أوّل الكلمة في قوله: مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ.

٢٥٦٦٨ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن رجل، عن سعيد بن جُبير، قال: نخل الجنة جذوعها من ذهب، وعروقها من ذهب، وكرانيفها من زمرد، وسعفها كسوة لأهل الجنة، ورطبها كالدلاء، أشدّ بياضا من اللبن، وألين من الزبد، وأحلى من العسل، ليس له عَجَم.

٢٥٦٦٩ـ قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن وهب الذماري، قال: بلغنا أن في الجنة نخلاً جذوعها من ذهب، وكرانيفها من ذهب، وجريدها من ذهب، وسعفها كسوة لأهل الجنة، كأحسن حلل رآها الناس قط، وشماريخها من ذهب، وعراجينها من ذهب، وثفاريقها من ذهب، ورطبها أمثال القِلال، أشدّ بياضا من اللبن والفضة، وأحلى من العسل والسكر، وألين من الزّبد والسّمْن

٦٩

و قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكما تكَذْبانِ يقول: فبأيّ نِعَم ربكما تكذّبان، يقول: فبأيّ نعم ربكما التي أنعمها عليكم بهذه الكرامة التي أكرم بها محسنكم تكذّبان.

٧٠

و قوله: فِيهِنّ خَيْرَاتٌ حِسانٌ يقول تعالى ذكره: في هذه الجنان الأربع اللواتي اثنتان منهنّ لمن يخاف مقام ربه، والأُخريان منهنّ من دونهما المدهامتان خيرات الأخلاق، حِسان الوجوه. كما:

٢٥٦٧٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فِيهِنّ خَيْرَاتٌ حِسانٌ يقول: في هذه الجنان خيرات الأخلاق، حِسان الوجوه.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: خَيْراَتٌ حِسانٌ قال: خيرات في الأخلاق، حِسان في الوجوه.

٢٥٦٧١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فِيهِنّ خَيْرَاتٌ حِسانٌ قال: الخيرات الحسان: الحور العين.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا أبو العوام، عن قتادة فِيهِنّ خَيْرَاتٌ حِسانٌ قال: خيرات الأخلاق، حِسان الوجوه.

٢٥٦٧٢ـ حدثنا أبو هشام، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن جابر، عن القاسم بن أبي بزّة، عن أبي عبيد، عن مسروق، عن عبد اللّه فِيهِنّ خَيْرَاتٌ حِسانٌ قال: في كل خيمة زوجة.

٢٥٦٧٣ـ حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: حدثنا محمد بن الفرج الصّدَفيّ الدمياطي عن عمرو بن هاشم، عن ابن أبي كريمة، عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن أمه، عن أمّ سلمة قالت قلت: يا رسول اللّه أخبرني عن قوله: فِيهِنّ خَيْرَاتٌ حِسانٌ قال: (خَيْرَاتُ الأخْلاقِ، حِسانُ الوُجُوهِ) .

٧١

 قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول: فبأيّ نِعَم ربكما التي أنعم عليكما بما ذكر تكذّبان.

٧٢

القول فـي تأويـل قوله تعالى: حُورٌ مّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ

يقول تعالى ذكره مخبرا عن هؤلاء الخيرات الحسان حُورٌ يعني بقول حور: بِيض، وهي جمع حوراء، والحوراء: البيضاء.

وقد بيّنا معنى الحور فيما مضى بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٦٧٤ـ حدثنا أبو هشام، قال: حدثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد حُورٌ قال: بيض.

قال: ثنا أبو نعيم، عن إسرائيل، عن مسلم، عن مجاهد حُورٌ قال: بيض.

٢٥٦٧٥ـ قال: ثنا وكيع، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد حُورٌ قال: النساء.

٢٥٦٧٦ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: حُورٌ مَقْصُورَات الحوراء: العَيْناء الحسناء.

٢٥٦٧٧ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان: الحور: سواد في بياض.

٢٥٦٧٨ـ قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: الحور: البيض قلوبهم وأنفسهم وأبصارهم.

وأما قوله: مَقْصُورَاتٌ فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: تأويله أنهنّ قُصِرْن على أزواجهنّ، فلا يبغين بهم بدلاً، ولا يرفعن أطرافهنّ إلى غيرهم من الرجال. ذكر من قال ذلك:

٢٥٦٧٩ـ حدثنا أبو هشام، قال: حدثنا عبيد اللّه ، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد: مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: قُصِر طرفهنّ وأنفسهنّ على أزواجهنّ.

حدثنا أبو هشام، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد مَقْصُورَاتٌ قال: قُصِر طرفهنّ على أزواجهنّ فلا يردن غيرهم.

حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: قَصَرْن أنفسَهنّ وأبصارهنّ على أزواجهنّ، فلا يردن غيرهم.

٢٥٦٨٠ـ حدثنا أبو هشام، قال: حدثنا عبيد اللّه وابن اليمان، عن أبي جعفر، عن الربيع مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: قصرن طرفهنّ على أزواجهنّ.

حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: قصرن أنفسهنّ وقلوبهنّ وأبصارهنّ على أزواجهنّ، فلا يردن غيرهم.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: قصر طرفهنّ على أزواجهنّ فلا يردن غيرهم.

حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا جرير، عن منصور عن مجاهد، قوله: مَقْصُورَاتٌ قال: مقصورات على أزواجهنّ فلا يردن غيرهم.

وقال آخرون: عُنِي بذلك أنهنّ محبوسات في الحِجال. ذكر من قال ذلك:

٢٥٦٨١ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يمان، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: محبوسات في الخيام.

٢٥٦٨٢ـ حدثنا جعفر بن محمد البزوري، قال: حدثنا عبيد اللّه بن موسى، عن أبي جعفر، عن الربيع، بمثله.

٢٥٦٨٣ـ حدثنا أبو هشام الرفاعيّ، قال: حدثنا أبو نعيم، عن إسرائيل، عن مجاهد، عن ابن عباس مَقْصُورَاتٌ قال: محبوسات.

٢٥٦٨٤ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يمان، قال: أخبرنا أبو معشر السندي، عن محمد بن كعب، قال: محبوسات في الحِجال.

٢٥٦٨٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيام قال: لا يبرحن الخيام.

٢٥٦٨٦ـ حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال: حدثنا عثام بن عليّ، عن إسماعيل، عن أبي صالح، في قوله: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: عَذارَى الجنة.

حدثنا أبو كُرَيب وأبو هشام قالا: حدثنا عثام بن عليّ، عن إسماعيل، عن أبي صالح، مثله.

٢٥٦٨٧ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: مَقْصُورَاتٌ قال: المحبوسات في الخيام لا يخرجن منها.

٢٥٦٨٨ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: محبوسات، ليس بطوّافات في الطرق.

والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن اللّه تبارك وتعالى وصفهنّ بأنهنّ مقصورات في الخيام والقصر: هو الحبس ولم يخصص وصفهنّ بأنهنّ محبوسات على معنى من المعنيين اللذين ذكرنا دون الاَخر بل عمّ وصفهنّ بذلك. والصواب أن يعمّ الخبر عنهنّ بأنهنّ مقصورات في الخيام على أزواجهنّ، فلا يردن غيرهم، كما عمّ ذلك.

و قوله: فِي الخِيامِ يعني بالخيام: البيوت، وقد تسمي العرب هوادج النساء خياما ومنه قول لبيد:

شاقَتْكَ ظُعْنُ الحَيّ يَوْمَ تَحَمّلُوافَتَكَنّسُوا قُطُنا تُصِرّ خِيامُها

وأما في هذه الاَية فإنه عُنِيَ بها البيوت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٦٨٩ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا يحيى، عن سعيد، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثنا عبد الملك بن ميسرة، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: الدرّ المجوّف.

حدثنا الحسن بن عرفة، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا شعبة، عن عبد الملك، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه ، مثله.

٢٥٦٩٠ـ حدثني يحيى بن طلحة اليربوعيّ، قال: حدثنا فضيل بن عياش، عن هشام، عن محمد، عن ابن عباس في قوله: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: الخيمة لؤلؤة أربعة فراسخ في أربعة فراسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب.

٢٥٦٩١ـ حدثنا أبو هشام، قال: حدثنا أبو نعيم، عن إسرائيل، عن مسلم، عن مجاهد، عن ابن عباس فِي الخِيامِ قال: بيوت اللؤلؤ.

٢٥٦٩٢ـ حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسيّ، قال: حدثنا محمد بن عبيد، قال: حدثنا إدريس الأودي، عن شمر بن عطية، عن أبي الأحوص، قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: أتدرون ما حور مقصورات في الخيام؟ الخيام: درّ مجوّف.

٢٥٦٩٣ـ قال: ثنا محمد بن عبيد، قال: حدثنا مسعر، عن عبد الملك، عن أبي الأحوص، في قوله: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: درّ مجوّف.

وبه عن أبي الأحوص قال: الخيمة: درّة مجوّفة فرسخ في فرسخ، لها أربعة آلاف مصراع من ذهب.

قال: ثنا أبو داود، قال: حدثنا همام، عن قتادة ، عن عكرِمة، عن ابن عباس ، قال: الخيمة في الجنة من درّة مجوّفة، فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف مصراع.

٢٥٦٩٤ـ حدثني أحمد بن المقدام، قال: حدثنا المعتمر، قال: سمعت أبي يحدّث، عن قتادة ، عن خليد العصريّ قال: لقد ذكر لي أن الخيمة لؤلؤة مجوّفة لها سبعون مِصْراعا، كلّ ذلك من درّ.

٢٥٦٩٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جُبير أنه قال: الخيام: درّ مجوّف.

٢٥٦٩٦ـ قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: الخيام: درّ مجوّف.

حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: حدثنا وكيع ويعلى عن منصور، عن مجاهد: في الخيام: قال: الدرّ المجوف.

حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد فِي الخِيامِ قال: خيام درّ مجوّف.

٢٥٦٩٧ـ قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن حرب بن بشير، عن عمرو بن ميمون، قال: الخيام: الخيمة: درّة مجوّفة.

٢٥٦٩٨ـ حدثنا أبو هشام، قال: حدثنا وكيع، عن سَلَمة بن نُبَيط، عن الضحاك ، قال: الخيمة: درّ مجوّفة.

٢٥٦٩٩ـ حدثنا أبو هشام، قال: حدثنا ابن اليمان، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب فِي الخِيام: في الحجال.

٢٥٧٠٠ـ قال: ثنا عبيد اللّه وابن اليمان، عن أبي جعفر، عن الربيع فِي الخِيامِ قال: في الحجال.

٢٥٧٠١ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو بن أبي قيس، عن منصور، عن مجاهد: في الخِيامِ قال: خيام اللؤلؤ.

حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فِي الخِيامِ الخيام اللؤلؤ والفضة، كما يقال واللّه أعلم.

٢٥٧٠٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ ذُكر لنا أن ابن عباس كان يقول: الخيمة درّ مجوّفة، فرسخ في فرسخ، لها أربعة آلاف باب من ذهب.

وقال قتادة : كان يقال: مسكن المؤمن في الجنة، يسير الراكب الجواد فيه ثلاث ليال وأنهاره وجنانه وما أعدّ اللّه له من الكرامة.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، قال: قال ابن عباس : الخيمة: درّة مجوّفة، فرسخ في فرسخ، لها أربعة آلاف باب من ذهب.

٢٥٧٠٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال يقال: خيامهم في الجنة من لؤلؤ.

٢٥٧٠٤ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: الخيام: الدرّ المجوّف.

٢٥٧٠٥ـ حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثني حِرْميّ بن عمارة، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني عمارة، عن أبي مجلز أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال في قول اللّه : حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: (دُرّ مُجَوّفٌ) .

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول كان ابن مسعود يحدّث، عن نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (هِيَ الدّرّ المُجَوّفُ) يعني الخيام في قوله: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ.

حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيامِ قال: في خيام اللؤلؤ.

٧٣

و قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول: فبأيّ نعم ربكما التي أنعم عليكما من الكرامة بإثابة محسنكم هذه الكرامة تكذّبان.

٧٤

و قوله: لمْ يَطْمِثْهُنّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جانّ يقول تعالى ذكره: لم يمسهنّ بنكاح فيدميهن إنس قبلهم ولا جانّ.

وقرأت قرّاء الأمصار لَمْ يَطْمِثْهُنّ بكسر الميم في هذا الموضع وفي الذي قبله. وكان الكسائي يكسر إحداهما، ويضمّ الأخرى.

والصواب من القراءة في ذلك: ما عليه قرّاء الأمصار لأنها اللغة الفصيحة، والكلام المشهور من كلام العرب.

٧٥

و قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبانِ يقول تعالى ذكره: فبأيّ نِعَم ربكما التي أنعم عليكم بها مما وصف تكذبان.

٧٦

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {مُتّكِئِينَ عَلَىَ رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيّ حِسَانٍ}.

يقول تعالى ذكره: ينعم هؤلاء الذين أكرمهم جل ثناؤه هذه الكرامة التي وصفها في هذه الاَيات في الجنتين اللتين وصفهما مُتّكِئِينَ على زَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيّ حِسانِ.

واختلف أهل التأويل في معنى الرفرف، فقال بعضهم: هي رياض الجنة، واحدتها: رفرفة. ذكر من قال ذلك:

٢٥٧٠٦ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبَير أنه قال فِي هذه الاَية مُتّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال: رياض الجنة.

حدثنا عباس بن محمد، قال: حدثنا أبو نوح، قال: أخبرنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبَير، مثله.

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا سعيد بن جُبَير، فِي قوله: مُتّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال: الرفرف: رياض الجنة.

وقال آخرون: هي المحابس. ذكر من قال ذلك:

٢٥٧٠٧ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: مُتّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْر يقول: المحابس.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: مُتّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال: الرفرف: فضول المحابس والبسط.

٢٥٧٠٨ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: مُتّكِئينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال: هي البسط أهل المدينة يقولون: هي البسط.

٢٥٧٠٩ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن كُهيل الحضرميّ، عن رجل يقال له غزوان رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال: فضول المحابس.

٢٥٧١٠ـ قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن هارون، عن عنترة، عن أبيه، قال: فضول الفُرُش والمحابس.

٢٥٧١١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن مروان، في قوله: رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال: فضول المحابس.

٢٥٧١٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: مُتّكِئِينَ على رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال: الرفرف الخضر: المحابس.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال: محابس خضر.

٢٥٧١٣ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: رَفْرَفٍ خُضْرٍ قال: هي المحابس.

٢٥٧١٤ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: مُتّكِئِينَ على رَفرَفٍ خُضْرٍ قال: الرفرف: المحابس.

وقال آخرون: بل هي المرافق.

٢٥٧١٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: قال الحسن: الرفرف: مرافق خُضْر، وأما العبقريّ، فإنه الطنافس الثخان، وهي جماع، واحدها: عبقرية. وقد ذُكر أن العرب تسمي كل شيء من البسط عبقريا.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٧١٦ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: وعَبْقَرِيّ حِسانٍ قال: الزرابيّ.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، وعَبْقَرِيّ حِسانٍ قال: العبقريّ: الزرابيّ الحسان.

٢٥٧١٧ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبَير، في قوله: عَبْقَرِيَ حِسانٍ قال: العبقريّ: عتاق الزرابيّ.

٢٥٧١٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: العبقريّ. الزرابيّ.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن مروان، قال: حدثنا أبو العوّام، عن قتادة عَبْقَرِيّ حِسانٍ قال: الزرابيّ.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وعَبْقَرِيّ حِسانٍ قال: زرابيّ.

٢٥٧١٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَعَبْقَرِيّ حِسانٍ قال: العبقريّ: الطنافس.

وقال آخرون: العبقريّ: الديباج. ذكر من قال ذلك:

٢٥٧٢٠ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد وَعَبْقَرِيّ حِسانٍ قال: هو الديباج.

والقرّاء في جميع الأمصار على قراءة ذلك على رَفْرَفٍ خُضْر وَعَبْقَرِيّ حِسانٍ بغير ألف في كلا الحرفين. وذُكر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم خبر غير محفوظ، ولا صحيح السند (على رَفارِفَ خُضْرٍ وعَباقِرِيّ) بالألف والإجراء.

وذُكر عن زُهير الفرقبي أنه كان يقرأ (على رَفارِفَ خُضْرٍ) بالألف وترك الإجراء (وَعَباقِرِيّ حِسانٍ) بالألف أيضا، وبغير إجراء.

وأما الرفارف في هذه القراءة، فإنها قد تحتمل وجه الصواب.

وأما العباقريّ، فإنه لا وجه له في الصواب عند أهل العربية، لأن ألف الجماع لا يكون بعدها أربعة أحرف، ولا ثلاثة صحاح.

وأما القراءة الأولى التي ذُكرت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فلو كانت صحيحة، لوجب أن تكون الكلمتان غير مجراتين.

٧٧

و قوله: فَبِأيّ آلاءِ رَبّكُما تُكَذّبان يقول تعالى ذكره: فبأيّ نِعم ربكما التي أنعم عليكم من إكرامه أهل الطاعة منكم هذه الكرامة تكذّبان.

٧٨

و قوله: تَبارَك اسْمُ رَبّكَ يقول تعالى ذكره: تبارك ذكر ربك يا محمد ذي الجَلالِ يعني ذي العظمة والإكْرَامِ يعني : ومن له الإكرام من جميع خلقه. كما:

٢٥٧٢١ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: ذِي الجَلالِ والإكْرَامِ يقول: ذو العظمة والكبرياء.

﴿ ٠