تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة الواقعة

سورة الواقعة مكية وآياتها ست وتسعون

بسم اللّه الرحمَن الرحيـم

١

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ }.

 يعني تعالى ذكره ب قوله: إذَا وَقَعَتِ الوَاقَعةُ: إذا نزلت صيحة القيامة، وذلك حين يُنفخ في الصور لقيام الساعة. كما:

٢٥٧٢٢ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: إذَا وَقَعتِ الوَاقِعَةُ يعني : الصيحة.

٢٥٧٢٣ـ حدثنا عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، في قوله: إذَا وَقَعَتِ الوَاقِعَةِ الواقعة والطامة والصاخة، ونحو هذا من أسماء القيامة، عظّمه اللّه ، وحذّره عباده.

٢

و قوله: لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ يقول تعالى: ليس لوقعة الواقعة تكذيب ولا مردودية ولا مثنوية، والكاذبة في هذا الموضع مصدر، مثل العاقبة والعافية. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٧٢٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ: أي ليس لها مثنوية، ولا رجعة، ولا ارتداد.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ قال: مثنوية.

٣

و قوله: خافِضَةٌ رَافِعَةٌ يقول تعالى ذكره: الواقعة حينئذٍ خافضة، أقواما كانوا في الدنيا، أعزّاء إلى نار اللّه .

و قوله: رَافِعَةٌ يقول: رفعت أقواما كانوا في الدنيا وُضَعاء إلى رحمة اللّه وجنته. و

قيل: خفضت فأسمعت الأدنى، ورفعت فأسمعت الأقصى. ذكر من قال في ذلك ما قلنا:

٢٥٧٢٥ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عبيد اللّه ، يعني العَتَكيّ، عن عثمان بن عبد اللّه بن سُراقة خافِضَةٌ رَافِعَةٌ قال: الساعة خفضت أعداء اللّه إلى النار، ورفعت أولياء اللّه إلى الجنة.

٢٥٧٢٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: خافِضَةٌ رَافِعَةٌ يقول: تخللت كلّ سهل وجبل، حتى أسمعت القريب والبعيد، ثم رفعت أقواما في كرامة اللّه ، وخفضت أقواما في عذاب اللّه .

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة خافِضَةٌ رَافِعَةٌ قال: أسمعت القريب والبعيد، خافضة أقواما إلى عذاب اللّه ، ورافعة أقواما إلى كرامة اللّه .

٢٥٧٢٧ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرِمة، قوله: خافِضَةٌ رَافِعَةٌ قال: خفضت وأسمعت الأدنى، ورفعت فأسمعت الأقصى قال: فكان القريب والبعيد من اللّه سواء.

٢٥٧٢٨ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس : خافِضَةٌ رَافِعَةٌ قال: سمّعت القريب والبعيد.

٢٥٧٢٩ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: خافِضَةٌ رَافِعَةٌ خفضت فأسمعت الأدنى ورفعت فأسمعت الأقصى، فكان فيها القريب والبعيد سواء.

٤

و قوله: إذَا رُجّتِ الأرْضُ رَجّا يقول تعالى ذكره: إذا زلزلت الأرض فحرّكت تحريكا من قولهم السهم يرتجّ في الغرض، بمعنى: يهتزّ ويضطرب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٧٣٠ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: إذَا رُجّتِ الأرْضُ رَجّا يقول: زلزلها.

٢٥٧٣١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قول اللّه : إذَا رُجّتِ الأرْضُ رَجّا قال: زلزلت.

٢٥٧٣٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إذَا رُجّتِ الأرْضُ رَجّا يقول: زلزلت زلزلة.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة إذا رُجّتِ الأرْضُ رَجّا قال: زلزلت زلزالاً.

٥

و قوله: وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا يقول تعالى ذكره: فتتت الجبال فتا، فصارت كالدقيق المبسوس، وهو المبلول، كما قال جلّ ثناؤه: وكانَتِ الجِبالُ كَثِيبا مَهِيلاً والبسيسة عند العرب: الدقيق والسويق تُلَتّ وتُتَخَذُوا زادا.

وذُكر عن لصّ من غَطَفان أنه أراد أن يخبز، فخاف أن يعجل عن الخبز قبل الدقيق وأكله عجينا، وقال:

لا تَخْبِزَا خَبْزا وبُسّا بَسّامَلْسا بِذَوْدِ الحَلَسِيّ مَلْسا

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٧٣٣ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس ، قوله: وَبُسّت الجِبالُ بَسّا يقول: فتتت فتا.

٢٥٧٣٤ـ حدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا قال: فتتت.

٢٥٧٣٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا قال: كما يبس السويق.

٢٥٧٣٦ـ حدثني أحمد بن عمرو البصريّ، قال: حدثنا حفص بن عمر العدني، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا قال: فُتّتْ فتا.

٢٥٧٣٧ـ حدثني إسماعيل بن موسى بن بنت السديّ، قال: أخبرنا بشر بن الحكم الأحمسيّ، عن سعيد بن الصلت، عن إسماعيل السديّ وأبي صالح وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا قال: فُتتت فتا.

حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد وَبُسّتِ الجِبالِ بَسّا قال: كما يبس السويق.

٦

٢٥٧٣٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول اللّه : وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا قال: صارت كثيبا مهيلاً كما قال اللّه .

حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: وَبُسّتِ الجِبالُ بَسّا قال: فُتتت فتا.

٦

و قوله: فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثّا اختلف أهل التأويل في معنى الهباء، فقال بعضهم: هو شعاع الشمس الذي يدخل من الكوّة كهيئة الغبار. ذكر من قال ذلك:

٢٥٧٣٩ـ حدثني علي، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، في قوله: فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثّا يقول: شعاع الشمس.

٢٥٧٤٠ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد هَباءً مُنْبَثّا قال: شعاع الشمس حين يدخل من الكوّة.

٢٥٧٤١ـ قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثّا قال: شعاع الشمس يدخل من الكوّة، وليس بشيء.

وقال آخرون: هو رهج الدوابّ. ذكر من قال ذلك:

٢٥٧٤٢ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليّ رضي اللّه عنه، قال: رهج الدوابّ.

وقال آخرون: هو ما تطاير من شرر النار الذي لا عين له. ذكر من قال ذلك:

٢٥٧٤٣ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: فَكانَتْ هَباء مُنْبَثّا قال: الهباء: الذي يطير من النار إذا اضطرمت، يطير منه الشرر، فإذا وقع لم يكن شيئا.

وقال آخرون: هو يبيس الشجر الذي تذروه الرياح. ذكر من قال ذلك:

٢٥٧٤٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، في قوله: فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثّا كَيبيس الشجر، تذروه الرياح يمينا وشمالاً.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: هَباءً مُنْبَثّا يقول: الهباء: ما تذروه الريح من حطام الشجر.

وقد بيّنا معنى الهباء في غير هذا الموضع بشواهده، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع.

وأما قوله: مُنْبَثّا فإنه يعني متفرّقا.

٧

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً }.

يقول تعالى ذكره: وكنتم أيها الناس أنواعا ثلاثة وضروبا. كما:

٢٥٧٤٥ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وكُنْتُمْ أزْوَاجا ثَلاثَةً قال: منازل الناس يوم القيامة.

٨

و قوله: فأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ وهذا بيان من اللّه عن الأزواج الثلاثة، يقول، جل ثناؤه: وكنتم أزواجا ثلاثة: أصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة، والسابقون، فجعل الخبر عنهم، مغنيا عن البيان عنهم، على الوجه الذي ذكرنا، لدلالة الكلام على معناه، فقال: فَأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ يعجّب نبيه محمدا منهم، وقال: ما أصحَابُ اليَمِينِ الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة، أيّ شيء أصحاب اليمين

٩

وأصحَابُ المَشأَمَةِ ما أصحَابُ المَشأَمَةِ يقول تعالى ذكره: وأصحاب الشمال الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار، والعرب تسمي اليد اليسرى: الشّؤْمي ومنه قول أعشى بني ثعلبة:

فأنْحَى على شُؤمَي يَدَيهِ فَذادَهابأظْمأَ مِنْ فَرْغ الذّؤَابَةِ أسْحَما

١٠

و قوله: والسّابِقُونَ السّابِقُونَ وهم الزوج الثالث وهم الذين سبقوا إلى الإيمان باللّه ورسوله، وهم المهاجرون الأوّلون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٧٤٦ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عبيد اللّه ، يعني العتكي، عن عثمان بن عبد اللّه بن سُراقة، قوله: وكُنْتُمْ أزْوَاجا ثَلاثَةً قال: اثنان في الجنة وواحد في النار، يقول: الحور العين للسابقين، والعُرُب الأتراب لأصحاب اليمين.

٢٥٧٤٧ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وكُنْتُمْ أزْوَاجا ثَلاثَةً قال: منازل الناس يوم القيامة.

٢٥٧٤٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا هوذة، قال: حدثنا عوف، عن الحسن، في قوله: وكُنْتُمْ أزْوَاجا ثَلاثَةً فأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ وأصحَابُ المَشأَمَةِ ما أصحَابُ المَشأَمَةِ والسّابِقُونَ السّابِقُونَ أُولَئِكَ المُقَرّبُونَ... إلى ثُلّةٌ مِنَ الأوّلِينَ وَثلّةٌ مِنَ الاَخِرِينَ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (سَوّى بَيَنَ أصحَابِ اليَمِينِ مِنَ الأُمَمِ السّابِقَةِ، وَبَيَنَ أصحَابِ اليَمِينِ مِنْ هَذِهِ الأُمّة، وكانَ السّابِقُونَ مِنَ الأُمَمِ أكْثَرُ مِنْ سَابِقِي هَذِهِ الأُمّةِ) .

٢٥٧٤٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فَأصْحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ: أي ماذا لهم، وماذا أعدّ لهم وأصحَابُ المَشأَمَةِ ما أصحَابُ المَشأَمَةِ: أي ماذا لهم وماذا أعدّ لهم

١١

والسّابِقُونَ السّابِقُونَ: أي من كلّ أمة.

٢٥٧٥٠ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن زيد يقول: وجدت الهوى ثلاثة أثلاث، فالمرء يجعل هواه علمه، فيديل هواه على علمه، ويقهر هواه علمه، حتى إن العلم مع الهوى قبيح ذليل، والعلم ذليل، الهوى غالب قاهر، فالذي قد جعل الهوى والعلم في قلبه، فهذا من أزواج النار، وإذا كان ممن يريد اللّه به خيرا استفاق واستنبه، فإذا هو عون للعلم على الهوى حتى يديل اللّه العلم على الهوى، فإذا حسُنت حال المؤمن، واستقامت طريقته كان الهوى ذليلاً، وكان العلم غالبا قاهرا، فإذا كان ممن يريد اللّه به خيرا، ختم عمله بإدالة العلم، فتوفاه حين توفاه، وعلمه هو القاهر، وهو العامل به، وهواه الذليل القبيح، ليس له في ذلك نصيب ولا فعل. والثالث: الذي قبح اللّه هواه بعلمه، فلا يطمع هواه أن يغلب العلم، ولا أن يكون معه نصف ولا نصيب، فهذا الثالث، وهو خيرهم كلهم، وهو الذي قال اللّه عزّ وجلّ في سورة الواقعة: وكُنْتُمْ أزْوَاجا ثَلاثَةً قال: فزوجان في الجنة، وزوج في النار، قال: والسابق الذي يكون العلم غالبا للّهوى، والاَخر: الذي ختم اللّه بإدالة العلم على الهوى، فهذان زوجان في الجنة، والاَخر: هواه قاهر لعلمه، فهذا زوج النار.

واختلف أهل العربية في الرافع أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة، فقال بعض نحويي البصرة: خبر قوله: فأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَة وأصحَابُ المَشأَمَةِ ما أصحَابُ المَشأَمَةِ قال: ويقول زيد: ما زيد، يريد: زيد شديد. وقال غيره: قوله: ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ لا تكون الجملة خبره، ولكن الثاني عائد على الأوّل، وهو تعجب، فكأنه قال: أصحاب الميمنة ما هم، والقارعة ما هي، والحاقة ما هي؟ فكان الثاني عائد على الأوّل، وكان تعجبا، والتعجب بمعنى الخبر، ولو كان استفهاما لم يجز أن يكون خبرا للابتداء، لأن الاستفهام لا يكون خبرا، والخبر لا يكون استفهاما، والتعجب يكون خبرا، فكان خبرا للابتداء.

و قوله: زيد وما زيد، لا يكون إلا من كلامين، لأنه لا تدخل الواو في خبر الابتداء، كأنه قال: هذا زيد وما هو: أي ما أشدّه وما أعلمه.

واختلف أهل التأويل في المعنيين ب قوله: والسّابِقُونَ السّابِقُونَ فقال بعضهم: هم الذين صلوا للقبلتين.

٢٥٧٥١ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن خارجة، عن قرة، عن ابن سيرين والسّابقون السّابِقُونَ الذين صلوا للقبلتين. وقال آخرون في ذلك بما:

٢٥٧٥٢ـ حدثني به عبد الكريم بن أبي عمير، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا أبو عمرو، قال: حدثنا عثمان بن أبي سودة، قال: السّابِقُونَ السّابِقُونَ أوّلهم رواحا إلى المساجد، وأسرعهم خفوقا في سبيل اللّه .

والرفع في السابقين من وجهين: أحدهما: أن يكون الأوّل مرفوعا بالثاني، ويكون معنى الكلام حينئذٍ والسابقون الأوّلون، كما يقال: السابق الأوّل، والثاني أن يكون مرفوعا بأولئك المقرّبون

يقول جلّ ثناؤه: أولئك الذين يقرّبهم اللّه منه يوم القيامة إذا أدخلهم الجنة.

١٢

و قوله: فِي جَنّاتِ النّعِيمِ يقول: في بساتين النعيم الدائم.

١٣

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {ثُلّةٌ مّنَ الأوّلِينَ }.

يقول تعالى ذكره: جماعة من الأمم الماضية،

١٤

وقليل من أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وهم الاَخرون وقيل لهم الاَخرون: لأنهم آخر الأمم على سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ يقول: فوق سُرر منسوجة، قد أدخل بعضها في بعض، كما يوضن حلق الدرع بعضها فوق بعض مضاعفة ومنه قول الأعشى:

وَمِنْ نَسْج دَاوُدَ مَوْضُونَةًتُساقُ مَعَ الحَيّ عِيْرا فَعِيْرَا

ومنه وضين الناقة، وهو البطان من السيور إذا نسج بعضه على بعض مضاعفا كالحلق حلق الدرع. وقيل: وضين، وإنما هو موضون، صرف من مفعول إلى فعيل،

كما قيل: قتيل لمقتول. وحُكي سماعا من بعض العرب أزيار الاَجرّ موضون بعضها على بعض، يراد مشرج صفيف.

وقيل: إنما قيل لها سُرر موضونة، لأنها مشبكة بالذهب والجوهر. ذكر من قال ذلك:

١٥

٢٥٧٥٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس على سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ قال: مرمولة بالذهب.

٢٥٧٥٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن الحصين، عن مجاهد على سُرُر مَوْضُونَةٍ قال: مرمولة بالذهب.

٢٥٧٥٥ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: على سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ قال: يعني الأسرة المرملة.

حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن حصين، عن مجاهد، قال: الموضونة: المرملة بالذهب.

٢٥٧٥٦ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرِمة، قوله: على سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ قال: مشبكة بالدرّ والياقوت.

حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: مَوْضُونَةٍ قال: مرمولة بالذهب.

٢٥٧٥٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: على سُرُرٍ مَوْضُونَة والموضونة: المرمولة، وهي أوثر السرر.

٢٥٧٥٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا سليمان، قال: حدثنا أبو هلال، عن قتادة ، في قوله: مَوْضُونَةٍ قال مرمولة.

٢٥٧٥٩ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، في قوله: على سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ قال: مرملة مشبكة.

٢٥٧٦٠ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: على سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ الوضن: التشبيك والنسج، يقول: وسطها مشبك منسوج.

٢٥٧٦١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: على سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ الموضونة: المرمولة بالجلد ذاك الوضين منسوجة.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنها مصفوفة. ذكر من قال ذلك:

٢٥٧٦٢ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: على سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ يقول: مصفوفة.

١٦

و قوله: مُتّكِئِينَ عليها مُتَقابِلينَ يقول تعالى ذكره متكئين على السّرر الموضونة، متقابلين بوجوههم، لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض. كما:

٢٥٧٦٣ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: على سُرُرٍ متَقابِلينَ قال: لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد اللّه (مُتّكِئِينَ عَلَيْها ناعِمِينَ) .

٢٥٧٦٤ـ حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن أبي إسحاق، في قراءة عبد اللّه ، يعني ابن مسعود (مُتّكِئِينَ عَلَيْها ناعِمِينَ) .

وقد بينا ذلك في غير هذا الموضع، وذكرنا ما فيه من الرواية.

١٧

و قوله: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلّدُونَ يقول تعالى ذكره: يطوف على هؤلاء السابقين الذين قرّبهم اللّه في جنات النعيم، ولدان على سنّ واحدة، لا يتغيرون ولا يموتون. ذكر من قال ذلك:

٢٥٧٦٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مُخَلّدُونَ قال: لا يموتون.

وقال آخرون: عنى بذلك أنهم قرّطون مسوّرون.

والذي هو أولى بالصواب في ذلك قول من قال معناه: إنهم لا يتغيرون، ولا يموتون، لأن ذلك أظهر معنييه، والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يشمط: إنه لمخلد، وإنما هو مفعل من الخلد.

١٨

و قوله: بأكْوَابٍ وأبارِيقَ والأكواب: جمع كوب، وهو من الأباريق ما اتسع رأسه، ولم يكن له خرطوم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٧٦٦ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: بأكوابٍ قال: الأكواب: الجرار من الفضة.

٢٥٧٦٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد بأكْوَابٍ وأبارِيقَ قال: الأباريق: ما كان لها آذان، والأكواب ما ليس لها آذان.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: الأكواب ليس لها آذان.

٢٥٧٦٨ـ حدثنا يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سئل الحسن عن الأكواب، قال: هي الأباريق التي يصبّ لهم منها.

٢٥٧٦٩ـ حدثنا أبو كُرَيب، وأبو السائب، قالا: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي، قال: مر أبو صالح صاحب الكلبي قال: فقال أبي، قال لي الحسن وأنا جالس: سله، فقلت: ما الأكواب؟ قال: جرار الفضة المستديرة أفواهها، والأباريق ذوات الخراطيم.

حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد بأكْوَابٍ قال: ليس لها عرى ولا آذان.

٢٥٧٧٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: بأكْوَابٍ وأبارِيقَ والأكواب التي يغترف بها ليس لها خراطيم، وهي أصغر من الأباريق.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: بأكْوَابٍ وأبارِيقَ قال: الأكواب التي دون الأباريق ليس لها عُرًى.

٢٥٧٧١ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: الأكواب جرار ليست لها عرى، وهي بالنبطية كوبا، وإياها عنى الأعشى ب قوله:

صَرِيفِيّةٌ طَيّبٌ طَعْمُهالَهَا زَبَدٌ بَينَ كُوب ودَنّ

وأما الأباريق: فهي التي لها عرى.

و قوله: وكأسٍ مِنْ مَعِينٍ وكأس خمر من شراب معين، ظاهر العيون، جار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٧٧٢ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: وكأسٍ مِنْ مَعِينٍ: قال الخمر.

٢٥٧٧٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَكأْسٍ مِنْ مَعِينٍ أي من خمر جارية.

٢٥٧٧٤ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وكأسٍ مِنْ مَعِينٍ الكأس: الخمر.

حدثنا أبو سنان، قال: حدثنا سليمان، قال: حدثنا أبو هلال، عن قتادة ، في قوله: وكأْسٍ مِن مَعِينٍ قال: الخمر الجارية.

حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك ، مثله.

١٩

و قوله: لا يُصَدّعُونَ عَنْها يقول: لا تصدع رؤوسهم عن شربها فتسكر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٧٧٥ـ حدثني إسماعيل بن موسى السديّ، قال: أخبرنا شريك، عن سالم، عن سعيد، قوله: لا يُصَدّعُونَ عَنْها قال: لا تصدّع رؤوسهم.

٢٥٧٧٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة لا يُصَدّعُونَ عَنْها ليس لها وجع رأس.

٢٥٧٧٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا سليمان، قال: حدثنا أبو هلال، عن قتادة لا يُصَدّعُونَ عَنْها قال: لا تصدّع رؤوسهم.

٢٥٧٧٨ـ حدثنا ابن حمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد لا يُصَدّعُونَ عَنْها يقول: لا تصدّع رؤوسهم.

٢٥٧٧٩ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لا يُصَدّعُونَ عَنْها يعني : وجع الرأس.

و قوله: وَلا يُنْزِفُونَ اختلفت القرّاء في قراءته، فقرأت عامة قرّاء المدينة والبصرة (يُنْزَفُونَ) بفتح الزاي، ووجهوا ذلك إلى أنه لا تنزف عقولهم. وقرأته عامة قرّاء الكوفة لا يُنْزِفُونَ بكسر الزاي بمعنى: ولا ينفد شرابهم.

والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب فيها الصواب.

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك على نحو اختلاف القرّاء فيه. وقد ذكرنا اختلاف أقوالهم في ذلك، وبيّنا الصواب من القول فيه في سورة الصافات، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع، غير أنا سنذكر قول بعضهم في هذا الموضع لئلا يظنّ ظانّ أن معناه في هذا الموضع مخالف معناه هنالك. ذكر قول من قال منهم: معناه لا تنزف عقولهم.

٢٥٧٨٠ـ حدثنا إسماعيل بن موسى، قال: أخبرنا شريك، عن سالم، عن سعيد وَلا يُنْزِفُونَ قال: لا تنزف عقولهم.

٢٥٧٨١ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد وَلا يُنْزِفُونَ قال: لا تنزف عقولهم.

وحدثنا ابن حميد، مرة أخرى فقال ولا تذهب عقولهم.

٢٥٧٨٢ـ حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَلا يُنْزَفُونَ لا تنزف عقولهم.

٢٥٧٨٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، في قوله: وَلا يُنْزِفُونَ قال: لا يغلب أحد على عقله.

٢٥٧٨٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، في قوله: وَلا يُنْزِفُونَ قال: لا يغلب أحد على عقله.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا سليمان، قال: حدثنا أبو هلال، عن قتادة في قول اللّه : وَلا يُنْزِفُونَ قال: لا تغلب على عقولهم.

٢٠

و قوله: وَفاكِهَةٍ مِمّا يَتَخَيّرُونَ يقول تعالى ذكره: ويطوف هؤلاء الولدان المخلدون على هؤلاء السابقين بفاكهة من الفواكه التي يتخيّرونها من الجنة لأنفسهم، وتشتهيها نفوسهم

٢١

ولَحْمِ طَيْرٍ مِمّا يَشْتَهُونَ يقول: ويطوفون أيضا عليهم بلحم طير مما يشتهون من الطير الذي تشتهيه نفوسهم.

٢٢

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَحُورٌ عِينٌ }.

اختلفت القرّاء في قراءة قوله: وحُورٌ عِينٌ فقرأته عامة قرّاء الكوفة وبعض المدنيين (وحُورٍ عِينٍ) بالخفض إتباعا لإعرابها إعراب ما قبلها من الفاكهة واللحم، وإن كان ذلك مما لا يُطاف به، ولكن لما كان معروفا معناه المراد أتبع الاَخر الأوّل في الإعراب، كما قال بعض الشعراء:

إذَا ما الغانِياتُ بَرَزْنَ يَوْماوَزَجّجْن الْحَوَاجِبَ والعُيُونا

فالعيون تكَحّل، ولا تزجّج إلا الحواجب، فردّها في الإعراب على الحواجب، لمعرفة السامع معنى ذلك وكما قال الاَخر:

تَسْمَعُ للأَحْشاءِ مِنْهُ لَغَطَاوللْيَدَيْنِ جُسأَةً وَبَدَدَا

والجسأة: غلظ في اليد، وهي لا تُسمع.

وقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة ومكة والكوفة وبعض أهل البصرة بالرفع وحُورٌ عِينٌ على الابتداء، وقالوا: الحور العين لا يُطاف بهنّ، فيجوز العطف بهنّ في الإعراب على إعراب فاكهة ولحم، ولكنه مرفوع بمعنى: وعندهم حور عين، أو لهم حور عين.

والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القرّاء مع تقارب معنييهما، فبأيّ القراءتين قرأ القارىء فمصيب. والحور جماعة حَوْراء: وهي النقية بياض العين، الشديدة سوادها. والعين: جمع عيناء، وهي النجلاء العين في حُسن.

٢٣

و قوله: كأمْثالِ اللّؤْلُوِ المَكْنُونِ يقول: هنّ في صفاء بياضهنّ وحسنهن، كاللؤلؤ المكنون الذي قد صين في كِنَ.

٢٤

و قوله: جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ يقول تعالى ذكره: ثوابا لهم من اللّه بأعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا، وعوضا من طاعتهم إياه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٧٨٥ـ حدثنا أبو هشام الرفاعيّ، قال: حدثنا ابن يمان، عن ابن عُيينة، عن عمرو، عن الحسن وحُورٌ عِينٌ قال: شديدة السواد: سواد العين، شديدة البياض: بياض العين.

٢٥٧٨٦ـ قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن رجل، عن الضحاك وحُورٌ عِينٌ قال: بِيض عِين، قال: عظام الأعين.

٢٥٧٨٧ـ حدثنا ابن عباس الدوريّ، قال: حدثنا حجاج، قال: قال ابن جُرَيج، عن عطاء الخُراسانيّ، عن ابن عباس ، قال: الحُور: سُود الحَدَق.

٢٥٧٨٨ـ حدثنا الحسن بن عرفة، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الأسلميّ، عن عباد بن منصور الباجيّ، أنه سمع الحسن البصريّ يقول: الحُور: صوالح نساء بني آدم.

٢٥٧٨٩ـ قال: ثنا إبراهيم بن محمد، عن ليث بن أبي سليم، قال: بلغني أن الحور العين خُلقن من الزعفران.

٢٥٧٩٠ـ حدثنا الحسن بن يزيد الطحان، قال: حدثتنا عائشة امرأة ليث، عن ليث، عن مجاهد، قال: خلق الحُور العين من الزعفران.

حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: حدثنا عمرو بن سعد، قال: سمعت ليثا، ثني، عن مجاهد، قال: حور العين خُلقن من الزعفران.

وقال آخرون: بل معنى قوله: حُورٌ أنهنّ يحار فيهنّ الطرف. ذكر من قال ذلك:

٢٥٧٩١ـ حدثنا أبو هشام، قال: حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد وحُورٌ عِينٌ قال: يحار فيهنّ الطرف.

وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: كأمْثالِ اللّؤْلُؤِ قال أهل التأويل، وجاء الأثر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .

٢٥٧٩٢ـ حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، قال: حدثنا أحمد بن الفرج الصّدَفيّ الدّمْياطيّ، عن عمرو بن هاشم، عن ابن أبي كريمة، عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن أمه، عن أمّ سلمة، قالت: قلت يا رسول اللّه أخبرني عن قول اللّه كأمْثالِ اللّؤلُؤِ المَكْنُونِ قال: (صفاؤُهُنّ كَصَفاءِ الدّرّ الّذِي فِي الأصْدَافِ الّذِي لا تَمُسّهُ الأيْدي) .

٢٥

و قوله: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوا وَلا تأثِيما يقول: لا يسمعون فيها باطلاً من القول ولا تأثيما، يقول: ليس فيها ما يُؤثمهم.

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوا وَلا تَأثِيما والتأثيم لا يُسمع، وإنما يُسمع اللغو، كما

قيل: أكلت خبزا ولبنا، واللبن لا يُؤكل، فجازت إذ كان معه شيء يؤكل.

٢٦

و قوله: إلاّ قِيلاً سَلاما سّلاما يقول: لا يسمعون فيها من القول إلا قيلاً سلاما: أي أسلم مما تكره. وفي نصب قوله: سَلاما سَلاما وجهان: إن شئت جعلته تابعا للقيل، ويكون السلام حينئذٍ هو القيل، فكأنه

قيل: لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما، إلا سلاما سلاما، ولكنهم يسمعون سلاما سلاما. والثاني: أن يكون نصبه بوقوع القيل عليه، فيكون معناه حينئذٍ: إلا قيلَ سلامٍ فإن نوّن نصب قوله: سَلاما سَلاما بوقوع قِيلٍ عليه.

٢٧

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ الْيَمِينِ }.

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم وأصحَابُ اليَمِينِ وهم الذين يُؤخذ بهم يوم القيامة ذات اليمين، الذي أُعطوا كتبهم بأيمانهم يا محمد ما أصحَابُ اليَمِينَ أيّ شيء هم وما لهم، وماذا أعدّ لهم من الخير، و

قيل: إنهم أطفال المؤمنين. ذكر من قال ذلك:

٢٥٧٩٣ـ حدثنا محمد بن معمر، قال: حدثنا أبو هشام المخزوميّ، قال: حدثنا عبد الواحد، قال: حدثنا الأعمش، قال: حدثنا عثمان بن قيس، أنه سمع زاذان أبا عمرو يقول: سمعت عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه يقول: وأصحَابُ اليَمِينِ ما أصحَابُ اليَمِينِ قال: أصحاب اليميين: أطفال المؤمنين.

٢٥٧٩٤ـ حدثنا بشر، قال:

٢٨

حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، في قوله: وأصحَابُ اليَمِينِ ما أصحَابُ اليَمِينِ: أي ماذا لهم، وماذا أعدّ لهم، ثم ابتدأ الخبر عما ذا أعدّ لهم في الجنة، وكيف يكون حالهم إذا هم دخلوها؟ فقال: هم فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ يعني : في ثمر سدر موقر حملاً قد ذهب شوكه.

وقد اختلف في تأويله أهل التأويل، فقال بعضهم: يعني بالمخضود: الذي قد خُضد من الشوك، فلا شوك فيه. ذكر من قال ذلك:

٢٥٧٩٥ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، في قوله: سِدْرٍ مَخْضُود قال: خضده وقره من الحمل، ويقال: خُضِد حتى ذهب شوكه فلا شوك فيه.

٢٥٧٩٦ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا المعتمر، عن أبيه فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ قال: زعم محمد بن عكرِمة قال: لا شوك فيه.

٢٥٧٩٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن حبيب، عن عكرمة، في قوله: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ قال: لا شوك فيه.

٢٥٧٩٨ـ حدثنا ابن بشار، حدثنا هوذة بن خليفة، قال: حدثنا عوف، عن قسامة بن زُهَير، في قوله: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ قال: خُضِد من الشوك، فلا شوك فيه.

٢٥٧٩٩ـ حدثنا أبو حُمَيد الحمصي أحمد بن المغيرة، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا عمرو بن عمرو بن عبد اللّه الأحموسيّ، عن السفر بن نُسَير في قول اللّه عزّ وجلّ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ قال: خُضِد شوكه، فلا شوك فيه.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فِي سِدْرٍ مَخُضُودٍ قال: كنا نحدّث أنه المُوقَر الذي لا شوك فيه.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا سليمان، قال: حدثنا قتادة ، في قوله: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ قال: ليس فيه شوك.

٢٥٨٠٠ـ حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص في سِدْوٍ مَخْضُودٍ قال: لا شوك له.

حدثنا مهران، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عكرِمة فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ قال: لا شوك فيه.

وحدثني به ابن حُمَيد مرّة أخرى، عن مهران بهذا الإسناد، عن عكرِمة، فقال: لا شوك له، وهو المُوقَر.

وقال آخرون: بل عُنِي به أنه المُوقَر حَمْلاً. ذكر من قال ذلك:

٢٥٨٠١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مَخْضُودٍ قال: يقولون هذا الموقَرُ حَمْلاً.

حدثني محمد بن سنان القزّاز، قال: حدثنا أبو حُذَيفة، قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ قال: الموقَر.

حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ قال: الموقَر.

٢٥٨٠٢ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: سِدْرٍ مَخْضُودٍ يقول: مُوقَر.

٢٥٨٠٣ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ قال: ثمرها أعظم من القِلال.

٢٩

و قوله: وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ أما الفرّاء فعلى قراءة ذلك بالحاء وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وكذا هو في مصاحف أهل الأمصار. ورُوي عن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه كان يقرأ (وَطَلْعٍ مَنْضُودٍ) بالعين.

٢٥٨٠٤ـ حدثنا عبد اللّه بن محمد الزهريّ، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا زكريا، عن الحسن بن سعد، عن أبيه رضي اللّه عنه، قرأها (طَلْعٍ مَنْضُودٍ) .

٢٥٨٠٥ـ حدثنا سعيد بن يحيى الأموي، قال: ثني أبي، قال: حدثنا مجاهد، عن الحسن بن سعد، عن قيس بن سعد، قال: قرأ رجل عند عليّ وَطَلْحَ مَنْضُودٍ فقال عليّ: ما شأن الطلح، إنما هو: وَطَلْعٍ مَنْضُودٍ، ثم قرأ طَلْعُها هَضِيمٌ فقلنا أو لا نحوّلهُا، فقال: إن القرآن لا يهاج اليوم ولا يحوّل. وأما الطلح فإن المعمر بن المثنى كان يقول: هو عند العرب شجر عظام كثير الشوك، وأنشد لبعض الحُداة:

بَشّرَها دَلِيلُها وَقالاغَدا تَرَيْنَ الطّلْحَ والْحِبالا

وأما أهل التأويل من الصحابة والتابعين فإنهم يقولون: إنه هو الموز.

٢٥٨٠٦ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا بشر بن المفضل، قال: حدثنا سليمان التيميّ، عن أبي سعيد، مولى بني رَقاشِ، قال: سألت ابن عباس عن الطلح، فقال: هو الموز.

حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا سليمان التيميّ، قال: حدثنا أبو سعيد الرقاشيّ، أنه سمع ابن عباس يقول: الطلح المنضود: هو الموز.

حدثني يعقوب وأبو كُرَيب، قالا: حدثنا ابن عُلَية، عن سليمان، قال: حدثنا أبو سعيد الرّقاشيّ، قال قلت لابن عباس : ما الطلح المنضود؟ قال: هو الموز.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا المعتمر، عن أبيه، قال: حدثنا أبو سعيد الرقاشيّ، قال: سألت ابن عباس عن الطلح، فقال: هو الموز.

حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن التيمي، عن أبي سعيد الرقاشيّ، عن ابن عباس وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ قال: الموز.

٢٥٨٠٧ـ قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الكلبيّ، عن الحسن بن سعيد، عن عليّ رضي اللّه عنه وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ قال: الموز.

حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن رجل من أهل البصرة أنه سمع ابن عباس يقول في الطلح المنضود: هو الموز.

٢٥٨٠٨ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ قال: موزكم لأنهم كانوا يُعجبون بوجَ وظلاله من طلحه وسدره.

٢٥٨٠٩ـ حدثنا محمد بن سنان، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، في قوله: وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ قال: الموز.

٢٥٨١٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا هوذة بن خليفة، عن عوف، عن قسامة، قال: الطلح المنضود: هو الموز.

٢٥٨١١ـ قال: ثنا سليمان، قال: حدثنا أبو هلال، عن قتادة ، في قول اللّه : وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ قال: الموز.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ قال: الموز.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ كنا نحدّث أنه الموز.

٢٥٨١٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ قال اللّه أعلم، إلا أن أهل اليمن يسمون الموز الطلح.

و قوله: مَنْضُودٍ يعني أنه قد نُضِدَ بعضُه على بعض، وجمع بعضه إلى بعض. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٨١٣ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: وَطَلْحَ مَنْضُودٍ قال: بعضه على بعض.

حدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ متراكم، لأنهم يعجبون بوجّ وظلاله من طلحة وسدره.

و قوله: وَظِلَ مَمْدُودٍ يقول: وهم في ظلّ دائم لا تنسخه الشمس فتذهبه، وكلّ ما لا انقطاع له فإنه ممدود، كما قال لبيد:

غَلَبَ البَقاءَ وكنْتُ غَيرَ مُغَلّبِدَهْرٌ طَوِيلٌ دائم مَمْدُودُ

وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الاَثار، وقال به أهل العلم. ذكر من قال ذلك:

٢٥٨١٤ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون وَظِل مَمْدُودٍ قال: خمس مئة ألف سنة.

٢٥٨١٥ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن زياد مولى بني مخزوم، عن أبي هريرة، قال: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام، اقرأوا إن شئتم وَظِلَ مَمْدُودٍ فبلغ ذلك كعبا، فقال: صدق والذي أنزل التوراة على لسان موسى، والفرقان على لسان محمد، لو أن رجلاً ركب حِقّة أو جَذَعة ثم دار بأصل تلك الشجرة ما بلغها، حتى يسقط هَرِما، إن اللّه غرسها بيده، ونفخ فيها من روحه، وإن أفنانها لمن وراء سور الجنة وما في الجنة نهر إلا وهو يخرج من أصل تلك الشجرة.

حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا حكام، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن زياد مولى لبني مخزوم، أنه سمع أبا هريرة يقول: ثم ذكر نحوه، إلا أنه قال: وما في الجنة من نهر.

٢٥٨١٦ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون وَظِلَ مَمْدُودٍ قال: مسيرة سبعين ألفَ سنة.

٢٥٨١٧ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو يحيى بن سليمان، عن هلال بن عليّ، عن عبد الرحن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إنّ فِي الجَنّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرّاكِبُ فِي ظِلّها مِئَةَ سَنَةَ، اقْرَأُوا إنْ شِئْتُمْ وَظِلَ مَمْدُودٍ) .

حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين بن محمد، عن زياد، قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: (إنّ فِي الجَنّة شَجَرَةً يَسِيرُ الرّاكِبُ فِي ظِلّها مِئَةَ عامٍ، اقْرَأُوا إنْ شِئْتُمْ وَظِلّ مَمْدُودٍ) .

حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين بن محمد، عن زياد، قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: (إنّ فِي الجَنّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرّاكِبُ في ظِلّها مِئَةَ عامٍ لا يَقْطَعُها، وَاقْرَأُوا إنْ شِئْتُمْ وَظِلَ مَمْدُودٍ) .

٢٥٨١٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا شعبة، عن أبي الضحى، قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إنّ فِي الجَنّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرّاكِبُ فِي ظِلّها مِئَةَ عامٍ لا يَقْطَعُها، شَجَرَةُ الخُلْدِ) .

٢٥٨١٩ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت أبا الضحاك يحدّث، عن أبي هريرة، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (إنّ فِي الجَنّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرّاكِبُ فِي ظِلّها سَبْعِينَ أو مِئَةَ عامٍ، هِيَ شَجَرَةُ الخُلْدِ) .

٢٥٨٢٠ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا عمران، عن قتادة ، عن أنس، أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (إنّ فِي الجَنّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرّاكِبُ فِي ظِلّها مِئَةَ عامٍ لا يقْطَعُها) .

قال: ثنا أبو داود، قال: حدثنا عمران، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، مثل ذلك.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم مثله.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا عبدة وعبد الرحمن، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إن فِي الجَنّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرّاكِبُ فِي ظِلّها مِئَةَ سَنَةٍ لا يَقْطَعُها، وَاقْرَأُوا إنْ شِئْتُمْ قوله: وَظِلَ مَمْدُودٍ) .

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا فردوس، قال: حدثنا ليث، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إنّ فِي الجَنّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرّاكِبِ فِي ظِلّها مِئَةَ سَنَة) .

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا المحاربيّ، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، مثله.

٢٥٨٢١ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا خالد بن الحارث، قال: حدثنا عوف، عن الحسن، قال: بلغني أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إنّ فِي الجَنّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرّاكِبُ فِي ظِلّها مِئَةَ عامٍ لا يَقْطَعُها) .

٢٥٨٢٢ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا خالد، قال: حدثنا عوف، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وبمثله عن خلاس.

٢٥٨٢٣ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو حصين، قال: كنا على باب في موضع ومعنا أبو صالح وشقيق، يعني الضبيّ، فحدّث أبو صالح، فقال: حدثني أبو هريرة، قال: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها سبعين عاما، فقال أبو صالح أتكذّب أبا هريرة، فقال: ما أكذّب أبا هريرة، ولكني أكذّبك قال: فشقّ على القرّاء يومئذٍ.

٣٠

حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا سليمان، قال: حدثنا أبو هلال، عن قتادة وَظلَ مَمْدُودٍ قال: حدثنا، عن أنس بن مالك، قال: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها.

قال: ثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَظِلَ مَمْدُود قال قتادة : حدثنا أنس بن مالك، أن نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إنّ فِي الجَنّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرّاكِبُ فِي ظِلّها مِئَةَ عامٍ لا يَقْطَعُها) .

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، عن أنس، أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (إنّ فِي الجَنّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرّاكِبُ فِي ظِلّها مِئَةَ عامٍ لا يقْطَعُها) .

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، ع معمر، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، مثل ذلك أيضا.

٣١

و قوله: وَماءٍ مَسْكُوبٍ يقول تعالى ذكره وفيه أيضا ماء مسكوب، يعني مصبوب سائل في غير أخدود. كما:

٢٥٨٢٤ـ حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان وماءٍ مَسْكُوبٍ قال: يجري في غير أخدود.

٣٢

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ }.

يقول وَفاكِهَةٍ كَثِيرةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ يقول تعالى ذكره وفيها فاكِهَةٍ كَثِيرَة لا ينقطع عنهم شيء منها أرادوه في وقت من الأوقات، كما تنقطع فواكه الصيف في الشتاء في الدنيا، ولا يمنعهم منها، ولايحول بينهم وبينها شوك على أشجارها، أو بعدها منهم، كما تمتنع فواكه الدنيا من كثير ممن أرادها ببعدها على الشجرة منهم، أو بما على شجرها من الشوك، ولكنها إذا اشتهاها أحدهم وقعت في فيه أو دنت منه حتى يتناولها بيده. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. وقد ذكرنا الرواية فيما مضى قبل، ونذكر بعضا آخر منها:

٣٣

٢٥٨٢٥ـ حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا سليمان، قال: حدثنا أبو هلال، قال: حدثنا قتادة ، في قوله: لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ قال: لا يمنعه شوك ولا بعد.

٣٤

و قوله: وَفُرُشٍ مَرْقُوعَةٍ يقول تعالى ذكره: ولهم فيها فرش مرفوعة طويلة، بعضها فوق بعض، كما يقال: بناء مرفوع. وكالذي:

٢٥٨٢٦ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا رشْدين بن سعد، عن عمرو بن الحارث، عن درّاج أبي السمح عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، في قوله: وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ قال: (إن ارتفاعها لكما بين السماء والأرض، وإن ما بين السماء والأرض لمسيرة خمس مئة عام) .

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثنا عمرو، عن درّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وَفُرُشٍ مَرْقُوعَةٍ (وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنّ ارْتِفاعها...) ثم ذكر مثله.

٣٥

و قوله: إنّا أنْشأناهُنّ إنْشاءً فجَعَلْناهُنّ أبْكارا عُرُبا يقول تعالى ذكره: إنا خلقناهن خلقا فأوجدناهنّ قال أبو عبيدة: يعني بذلك: الحور العين اللاتي ذكرهنّ قبل، فقال: وَحُورٌ عينٌ كأمْثالِ اللّؤْلُؤِ المَكْنُونِ إنّا أنْشأناهُنّ إنْشاءً، وقال الأخفش: أضمرهنّ ولم يذكرهنّ قبل ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٨٢٧ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة إنّا أنْشأناهُنّ إنْشاءً قال: خلقناهنّ خَلقا.

٢٥٨٢٨ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا معاوية بن هشام، عن شيبان، عن جابر الجُعفي، عن يزيد بن مرّة، عن سلمة بن يزيد، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في هذه الاَية إنّا أنْشأْناهُنّ إنْشاءً قال: (مِنَ الثّيّب والأبْكارِ) .

٣٦

و قوله: فجَعَلْناهُنّ أبْكارا يقول: فصيرناهنّ أبكارا عذارى بعد إذ كنّ. كما:

٢٥٨٢٩ـ حدثنا حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن عبيدة، عن يزيد بن أبان الرقاشي، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم : إنّا أنْشأناهُنّ إنْشاءً قال: (عَجائِزَكُنّ فِي الدّنْيا عُمْشا رُمْصا) .

حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن موسى بن عُبيدة، عن يزيد بن أبان الرقاشيّ، عن أنس بن مالك، قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (إنّا أنْشأناهُنّ إنْشاءً قال: أنْشأَ عَجائِزَكُنّ فِي الدّنْيا عُمْشا رُمْصا) .

حدثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد، قال: حدثنا محمد بن ربيعة الكلابيّ، عن موسى بن عُبيدة الرّبَذِيّ، عن يزيد الرّقاشيّ، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، في قوله: إنّا أنْشأناهُنّ إنْشاءً قال: (مِنْهُنّ العَجائِزُ اللاّتِي كُنّ فِي الدّنْيا عُمْشا رُمْصا) .

حدثنا سوار بن عبد اللّه بن داود، عن موسى بن عبيدة الرّبَذِيّ، عن يزيد الرّقاشيّ، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، في قوله: إنّا أنْشأْناهُنّ إنْشاءً قال: (هُنّ اللّوَاتِي كُنّ فِي الدّنْيا عَجائِزَ عُمْشا رُمْصا) .

٢٥٨٣٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عمرو بن عاصم، قال: حدثنا المعتمر، عن أبيه، عن قتادة ، عن صفوان بن محرز في قوله: إنّا أنْشأْناهُنّ إنْشاءً فجَعَلْناهُنّ أبْكارا قال: فهنّ العُجُز الرّمْصُ.

٢٥٨٣١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا سليمان، قال: حدثنا أبو هلال، قال: حدثنا قتادة ، فِي قوله: إنّا أنْشأْناهُنّ إنْشاءً فجَعَلْناهُنّ أبْكارا قال: إن منهن العُجُزَ الرّجّفَ، أنشأهن اللّه في هذا الخلق.

٢٥٨٣٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إنّا أنْشأْناهُنّ إنْشاءً قال قتادة : كان صفوان بن محرز يقول: إن منهنّ العُجُزَ الرّجّف، صيرهنّ اللّه كما تسمعون.

٢٥٨٣٣ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: قوله: أبْكارا يقول: عَذَارى.

٢٥٨٣٤ـ حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، قال: حدثنا محمد بن الفرج الصّدَفي الدّمياطيّ، عن عمرو بن هاشم، عن ابن أبي كريمة، عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن أمّ سلمة، زوج النبي صلى اللّه عليه وسلم أنها قالت: قلت يا رسول اللّه ، أخبرني عن قول اللّه : إنّا أنْشأْناهُنّ إنْشاءً فَجَعَلْناهُنّ أبْكارا عُرُبا أتْرَابا لأصحَابِ اليَمِينِ قال: (هُنّ اللّوَاتي قُبِضْنَ فِي الدّنْيا عَجائِزَ رُمْصا شُمْطا، خَلَقَهُنّ اللّه بَعْدَ الكِبَر فَجَعَلَهُنّ عَذَارَى) .

٢٥٨٣٥ـ حدثنا أبو عبيد الوَصّابيّ، قال: حدثنا محمد بن حمير، قال: حدثنا ثابت بن عجلان، قال: سمعت سعيد بن جبير، يحدّث عن ابن عباس ، في قوله: إنّا أنْشأْناهُنّ إنْشاءً فَجَعَلْناهُنّ أبْكارا

٣٧

عُرُبا أتْرَابا قال: هن من بني آدم، نساءكنّ في الدنيا ينشئهنّ اللّه أبكارا عذارى عربا.

و قوله: عُرُبا يقول تعالى ذكره: فجعلناهنّ أبكارا غنجات متحببات إلى أزواجهنّ يحسنّ التبعل وهي جمع، واحدهن عَرُوب، كما واحد الرسل رسول، وواحد القطف قطوف ومنه قول لبيد:

وفي الْحُدُوجِ عَرُوبٌ غيرُ فاحِشَةٍرَيّا الرّوَادِفِ يَعْشَى دونَها البَصَرُ

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٨٣٦ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا إسماعيل بن أبان، وإسماعيل بن صبيح، عن أبي إدريس، عن ثور بن زيد، عن عكرِمة، عن ابن عباس عُرُبا أتْرَابا قال: المَلَقَة.

٢٥٨٣٧ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: عُرُبا يقول: عواشق.

٢٥٨٣٨ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس عُرُبا قال: العرب المتحببات المتودّدات إلى أزواجهنّ.

٢٥٨٣٩ـ حدثني سليمان بن عبيد اللّه الغيلاني، قال: حدثنا أيوب، قال: أخبرنا قرة، عن الحسن، قال: العرب: العاشق.

٢٥٨٤٠ـ حدثني محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن سماك، عن عكرِمة، أنه قال في هذه الاَية عُرُبا قال: العرب المغنوجة.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يمان، عن شعبة، عن سماك بن عكرِمة قال: هي المغنوجة.

حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا عُمارة بن أبي حفصة، عن عكرِمة، في قوله: عُرُبا قال: غنِجات.

٢٥٨٤١ـ حدثني عليّ بن الحسن الأزديّ، قال: حدثنا يحيى بن يمان، عن أبي إسحاق التيميّ، عن صالح بن حيان، عن أبي بريدة عُرُبا قال: الشّكِلة بلغة مكة، والغِنجة بلغة المدينة.

٢٥٨٤٢ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يمان، قال: سمعت إبراهيم التيمي يعني ابن الزبرقان، عن صالح ابن حيان، عن أبي يزيد بنحوه.

٢٥٨٤٣ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن عثمان بن بشار، عن تميم بن حذلم، قوله: عُرُبا قال: حسن تبعّل المرأة.

حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن عثمان بن بشار، عن تميم بن حذلم في عُرُبا قال: العَرِبة: الحسنة التبعل. قال: وكانت العرب تقول للمرأة إذا كانت حسنة التبعل: إنها لعَرِبة.

٢٥٨٤٤ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يمان، عن أُسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه عُرُبا قال: حسنات الكلام.

٢٥٨٤٥ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد، قال: عواشق.

٢٥٨٤٦ـ قال: ثنا ابن يمان، عن شريك، عن خصيف، عن مجاهد، وعكرِمة، مثله.

قال: ثنا ابن إدريس، عن حصين، عن مجاهد في عُرُبا قال: العرب المتحببات.

حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد عُرُبا قال: العرب: العواشق.

٢٥٨٤٧ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جُبير، مثله.

٢٥٨٤٨ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن غالب أبي الهُذَيل، عن سعيد بن جُبَير عُرُبا قال: العرب اللاتي يشتهين أزواجهنّ.

٢٥٨٤٩ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يمان، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: المشتهية لبعولتهنّ.

٢٥٨٥٠ـ قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا عثمان بن الأسود، عن عبد اللّه بن عبيد اللّه ، قال: العرب: التي تشتهي زوجها.

٢٥٨٥١ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن عثمان بن الأسود، عن عبد اللّه بن عبيد بن عمير عُرُبا قال: العَرِبة: التي تشتهي زوجها ألا ترى أن الرجل يقول للناقة: إنها لعَرِبة؟

٢٥٨٥٢ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة عُرُبا قال: عُشّقا لأزواجهنّ.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: عُرُبا أتْرَابا يقول: عشّق لأزواجهنّ، يحببن أزواجهنّ حبا شديدا.

٢٥٨٥٣ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، يقول: سمعت الضحاك يقول: العُرُب: المتحببات.

حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: عُرُبا أتْرَابا قال: متحببات إلى أزواجهن.

٢٥٨٥٤ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: عُرُبا قال: العُرُب: الحسنة الكلام.

٢٥٨٥٥ـ حدثنا ابن البرقيّ، قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سُئل الأوزاعيّ، عن عُرُبا قال: سمعت يحيى يقول: هنّ العواشق.

٢٥٨٥٦ـ حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، قال: حدثنا محمد بن الفرج الصّدَفيّ الدّمياطِيّ، عن عمرو بن هاشم، عن أبي كريمة، عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن أمه، عن أمّ سلمة، قالت: قلت يا رسول اللّه ، أخبرني عن قوله: عُرُبا أتْرَابا قال: (عُرُبا مُتَعَشّقاتٍ مُتَحَبّباتٍ، أتْرَابا على مِيلادٍ وَاحِدٍ) .

حدثني محمد بن حفص أبو عبيد الوصّابيّ، قال: حدثنا محمد بن حمير، قال: حدثنا ثابت بن عجلان، قال: سمعت سعيد بن جُبَير يحدّث عن ابن عباس عُرُبا والعَرَب: الشّوْق.

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعض قرّاء المدينة وبعض قرّاء الكوفيين عُرُبا بضم العين والراء. وقرأه بعض قرّاء الكوفة والبصرة (عُرْبا) بضم العين وتخفيف الراء، وهي لغة تميم وبكر، والضم في الحرفين أولى القراءتين بالصواب لما ذكرت من أنها جمع عروب، وإن كان فعول أو فعيل أو فعال أذا جُمع، جُمع على فُعُل بضم الفاء والعين، مذكرا كان أو مؤنثا، والتخفيف في العين جائز، وإن كان الذي ذكرت أقصى الكلامين عن وجه التخفيف.

و قوله: أتْرَابا يعني أنهنّ مستويات على سنّ واحدة، واحدتهنّ تِرْب، كما يقال: شَبَه وأَشْباه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٨٥٧ـ حدثني عليّ بن الحسين بن الحارث، قال: حدثنا محمد بن ربيعة، عن سلمة بن سابور، عن عطية، عن ابن عباس ، قال: الأتراب: المستويات.

٢٥٨٥٨ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: أتْرَابا قال: أمثالاً.

٢٥٨٥٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة أتْرَابا يعني : سنّا واحدة.

حدثني ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، مثله.

٢٥٨٦٠ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: أتْرَابا قال: الأتراب: المستويات.

٣٨

و قوله: لاِءَصحَابِ اليَمِينِ يقول تعالى ذكره: أنشأنا هؤلاء اللواتي وصف صفتهنّ من الأبكار للذين يؤخذ بهم ذات اليمين من موقف الحساب إلى الجنة.

٣٩

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {ثُلّةٌ مّنَ الأوّلِينَ }.

يقول تعالى ذكره: الذين لهم هذه الكرامة التي وصف صفتها في هذه الاَيات ثُلّتان، وهي جماعتان وأمتان وفرقتان: ثُلّةٌ مِنَ الأوّلِينَ، يعني جماعة من الذين مضوا قبل أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وَثُلّةٌ مِنَ الاَخِرِينَ، يقول: وجماعة من أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم ، وقال به أهل التأويل. ذكر الرواية بذلك:

٤٠

٢٥٨٦١ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، قال: قال الحسن ثُلّةٌ مِنَ الأوّلِينَ من الأمم وَثُلّةٌ مِنَ الاَخِرِينَ: أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم .

٢٥٨٦٢ـ حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ثُلّةٌ مِنَ الأوّلِينَ قال: أمة.

٢٥٨٦٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: حدثنا الحسن، عن حديث عمران بن حصين، عن عبد اللّه بن مسعود قال: (تحدثنا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذات ليلة حتى أكرينا في الحديث، ثم رجعنا إلى أهلينا، فلما أصبحنا غدونا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (عُرِضَتْ عَليّ الأنْبِياءُ اللّيْلَةَ بأتْباعِها مِنْ أُمَمِها، فَكانَ النبي يَجِيءُ مَعَهُ الثّلّةُ مِنْ أُمّتِهِ، والنبي مَعَهُ العِصَابَةُ مِنْ أُمّتِهِ والنبي مَعَهُ النّفَرُ مِن أُمّتِهِ، والنبي مَعَهُ الرّجُلُ مِنْ أُمّتِهِ، والنبي ما مَعَهُ مِنْ أُمّتِهِ أحَد مِنْ قَوْمِهِ، حتى أتى عَليّ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ في كَبْكَبَةٍ مِنْ بني إسْرَائِيلَ فَلَمّا رأيْتُهُمْ أعْجَبُونِي، فَقُلْتُ أيْ رَبّ مَنْ هَؤُلاءِ؟ قال: هَذَا أخُوكَ مُوسَى بنُ عِمْرَانَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ بَني إسْرائِيلَ فقُلْتُ رَبّ، فأيْنَ أُمّتِي؟ فَ

قِيلَ: انْظُرْ عَنْ يَمِينِكَ، فإذَا ظِرَابُ مَكّةَ قَدْ سُدّتْ بِوُجُوهِ الرّجالِ فَقُلْتُ: (مَنْ هَؤُلاءِ؟

قِيلَ: هَؤُلاء أُمّتُكَ، فَ

قِيلَ: أرَضِيتَ؟ فَقُلْتُ: (رَبّ رَضِيتُ رَبّ رَضِيتُ

قِيلَ: انْظُر عَنْ يَسارِكَ، فَإذَا الأُفُقُ قَدْ سُدّ بِوُجُوهِ الرّجَالِ، فَقُلْتُ: (رَبّ مَنْ هَؤُلاءِ؟

قِيلَ: هَؤُلاءِ أُمّتُكَ، فَ

قِيلَ: أرَضِيتَ؟ فَقُلتُ رَضِيتُ، رَبّ رَضِيتُ فَ

قِيلَ: إنّ مَعَ هُؤُلاءِ سَبْعِينَ ألْفا مِنْ أُمّتِكَ يَدْخُلُونَ الجَنّةَ لا حِسابَ عَلَيْهِمْ قال: فأنشأ عُكّاشة بن محصن، رجل من بني أسد بن خُزيمة، فقال: يا نبيّ اللّه ادعُ ربك أن يجعلني منهم، قال: (اللّه مّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ، ثم أنشأ رجل آخر فقال: يا نبيّ اللّه ادع ربك أن يجعلني منهم، قال: سَبَقَك بها عُكّاشَةُ، فقال نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم : فَدًى لَكُمْ أبي وأمّي إنْ اسْتطَعْتُمْ أنْ تَكُونوا مِنَ السّبْعِينَ فَكُونُوا مِنْ أهْلِ الأُفُقِ، فإنّي رأيْتُ ثمّ أُناسا يَتَهَرّشُونَ كَثِيرا، أو قال يَتَهَوّشُونَ قال: فتراجع المؤمنون، أو قال فتراجعنا على هؤلاء السبعين، فصار من أمرهم أن قالوا: نراهم ناسا وُلدوا في الإسلام، فلم يزالوا يعملون به حتى ماتوا عليه، فنمي حديثهم ذاك إلى نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال: لَيْسَ كَذاكَ، وَلَكِنّهُمُ الّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ، وَلا يكْتَوُون، وَلا يَتَطَيّرُونَ، وَعَلى رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ. ذُكر أن نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال يومئذٍ: (إنّي لأَرْجُو أنْ يَكُونَ مَنْ تَبِعَنِي مِنْ أُمّتِي رُبْعَ أهْلِ الجَنّةِ، فكّبرنا، ثم قال: إنّي لاَءَرْجُو أنْ تَكُونُوا الشّطْرَ، فكبرنا، ثم تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الاَية: ثُلّةٌ مِنَ الأوّلِينَ وَثُلّةٌ مِنَ الاَخِرِينَ.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا الحسن بن بشر البجَليّ، عن الحكم بن عبد الملك، عن قتادة ، عن الحسن عن عمران بن حصين، عن عبد اللّه بن مسعود، قال: تحدّثنا لَيْلَةً عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، حتى أكرينا أو أكثرنا، ثم ذكر نحوه، إلاّ أنه قال: فإذَا الظّرَابُ ظِرابُ مَكّةَ مَسْدُودَةٌ بِوُجُوهِ الرّجالِ وقال أيضا: فإني رأيْتُ عِنْدَهُ أُناسا يَتَهاوَشُونَ كَثِيرا قال: فقلنا: من هؤلاء السبعون ألفا فاتفق رأينا على أنهم قوم وُلدوا في الإسلام ويموتون عليه قال: فذكرنا ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: (لا، وَلَكِنّهُمْ قَوْمٌ لا يَكْتَوُونَ) وقال أيضا: ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : إني لأَرْجُو أنْ تكُونُوا رُبْعَ أهْلِ الجَنّةِ، فكبر أصحابه ثم قال: (إنّي لأَرْجُوا أنْ تكُونُوا ثُلُثَ أهْلِ الجَنّةِ) ، فكبر أصحابه ثم قال: (إنّي لأَرْجُو أنْ تَكُونُوّ شَطْرَ أهْلِ الجَنّةِ) ، ثم قرأ ثُلّةٌ مِن الأوّلِين وَثُلّةٌ مِنَ الاَخِرِينَ.

٢٥٨٦٤ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن عوف، عن عبد اللّه بن الحارث، قال: كلهم في الجنة.

٢٥٨٦٥ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، أنه بلغه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (أتَرْضُوْنَ أنْ تَكُونُوا رُبُعَ أهْلِ الجَنّة؟ قالوا: نعم، قال: أتَرْضُوْنَ أنْ تكُونُوا ثُلُثَ أهْلِ الجَنّةِ؟ قالوا: نعم، قال وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنّي لأَرْجُو أنْ تَكُونُوا شَطْرَ أهْل الجَنّةِ، ثم تلا هذه الاَية ثُلّةٌ مِنَ الأوّلِينَ وَثُلّةٌ مِنَ الاَخِرِينَ) .

٢٥٨٦٦ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن بُدَيل بن كعب أنه قال: أهل الجنة عشرون ومئة صفّ، ثمانون صفا منها من هذه الأمة.

وفي رفع ثُلّةٌ وجهان: أحدهما الاستئناف، والاَخر ب قوله: لأصحاب اليمين ثلتان، ثلة من الأوّلين وقد رُوي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم خبر من وجه عنه صحيح أنه قال: (الثّلّتانِ جَمِيعا مِنْ أُمّتِي) . ذكر من قال ذلك:

٢٥٨٦٧ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن أبان بن أبي عياش، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ثُلّةٌ مِنَ الأوّلِينَ وَثُلّةٌ مِنَ الاَخِرِينَ قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (هُمَا جَمِيعا مِنْ أُمّتِي) .

٤١

و قوله: وأصحَابُ الشّمالِ ما أصحَابُ الشّمالِ يقول تعالى ذكره معجبا نبيه محمدا من أهل النار وأصحَابُ الشّمالِ الذين يؤخذ بهم ذات الشمال من موقف الحساب إلى النار ما أصحَابُ الشّمالِ ماذا لهم، وماذا أعدّ لهم. كما:

٢٥٨٦٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وأصحَابُ الشّمال ما أصحَابُ الشمّالِ: أي ماذا لهم، وماذا أُعدّ لهم.

٤٢

فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ

٤٣

و قوله: وَظِلّ مِنْ يَحْمُومٍ يقول تعالى ذكره: وظلّ من دُخان شديد السواد. والعرب تقول لكلّ شيء وصَفَتْه بِشدّة السواد: أسود يَحْموم. وبنحو الذي قلنا قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٨٦٩ـ حدثني بن أبي الشوارب، قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا سليمان الشيبانيّ، قال: ثني يزيد بن الأصمّ، قال: سمعت ابن عباس يقول في وَظِلّ مِنْ يَحْمُومٍ قال: هو ظلّ الدخان.

حدثنا محمد بن عبيد المحاربيّ، قال: حدثنا قبيصة بن ليث، عن الشيبانيّ، عن يزيد بن الأصمّ، عن ابن عباس ، مثله.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت الشيباني، عن يزيد بن الأصمّ، عن ابن عباس ، بمثله.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن الشيباني، عن يزيد بن الأصمّ، عن ابن عباس وَظِلّ مِنْ يَحْمُومٍ قال: هو الدخان.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا إبراهيم بن طُهمان، عن سماك بن حرب، عن عكرِمة، عن ابن عباس وَظِلّ مِنْ يَحْمُومِ قال: الدخان.

حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: وَظِلّ مِنْ يَحْمُومٍ يقول: من دخان حَميم.

٢٥٨٧٠ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن سماك، عن عكرمة، أنه قال في هذه الاَية وَظِلّ مِنْ يَحْمُومٍ قال: الدخان.

٢٥٨٧١ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا عثام، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي مالك، في قوله: وَظِلَ مِنْ يَحْمُومٍ قال: دخان حميم.

حدثنا سعيد بن يحيى الأموي، قال: حدثنا ابن المبارك، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي مالك بمثله.

٢٥٨٧٢ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد وَظِلّ مِنْ يَحْمُومٍ قال: الدخان.

قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، مثله.

حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: مِنْ يَحْمُومٍ قال: من دخان حميم.

حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن سليمان الشيباني، عن يزيد بن الأصمّ، عن ابن عباس ، ومنصور، عن مجاهد وَظِلَ مِنْ يَحْمُومٍ قالا: دخان.

٢٥٨٧٣ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وَظِلّ مِنْ يَحْمُومٍ قال: من دخان.

٢٥٨٧٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَظِلَ مِنْ يَحْمومٍ كنا نحدّث أنها ظلّ الدخان.

٢٥٨٧٥ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَظِلّ مِنْ يَحْمُومٍ قال: ظلّ الدخان دخان جهَنم، زعم ذلك بعض أهل العلم.

٤٤

و قوله: لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ يقول تعالى ذكره: ليس ذلك الظلّ ببارد، كبرد ظلال سائر الأشياء، ولكنه حارّ، لأنه دخان من سعير جهنم، وليس بكريم لأنهم مؤلم من استظلّ به، والعرب تتبع كلّ منفيّ عنه صفة حمد نفي الكرم عنه، فتقول: ما هذا الطعام بطيب ولا كريم، وما هذا اللحم بسمين ولا كريم وما هذه الدار بنظيفة ولا كريمة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٨٧٦ـ حدثني محمد بن عبد اللّه بن بزيع، قال: حدثنا النضر، قال: حدثنا جويبر، عن الضحاك ، في قوله: لا بارِد ولاَ كَرِيمٍ قال: كلّ شراب ليس بعذب فليس بكريم. وكان قتادة يقول في ذلك ما:

٢٥٨٧٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ قال: لا بارد المنزل، ولا كريم المنظر.

٤٥

و قوله: إنّهُمُ كانُوا قَبْلَ ذلكَ مُترَفِينَ يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء الذين وصف صفتهم من أصحاب الشمال، كانوا قبل أن يصيبهم من عذاب اللّه ما أصابهم في الدنيا مترفين، يعني منعمين. كما:

٢٥٨٧٨ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس إنّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلكَ مُتْرَفِينَ يقول: منعمين.

٤٦

و قوله: وكانُوا يُصِرّونَ على الْحِنْثِ العَظِيمِ

يقول جلّ ثناؤه: وكانوا يقيمون على الذنب العظيم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٨٧٩ـ حدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، يُصِرّون: يدمنون.

حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: يدهنون، أو يدمنون.

٢٥٨٨٠ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وكانُوا يُصِرّونَ قال: لا يتوبون ولا يستغفرون، والإصرار عند العرب على الذنب: الإقامة عليه، وترك الإقلاع عنه.

و قوله: عَلى الْحِنْثِ العَظِيمِ يعني : على الذنب العظيم، وهو الشرك باللّه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٨٨١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد على الْحِنْثِ العَظِيمِ قال: على الذنب.

٢٥٨٨٢ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا أبو تُمَيلة، قال: حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك ، في قوله: الْحِنْثِ العَظِيمِ قال: الشرك.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: على الْحِنْثِ العَظِيمِ يعني : الشرك.

٢٥٨٨٣ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة الْحِنْثِ العَظِيمِ قال: الذنب.

٢٥٨٨٤ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد وكانُوا يُصِرّونَ على الْحِنْثِ العَظِيمِ قال: الحنث العظيم: الذنب العظيم، قال: وذلك الذنب العظيم الشرك لا يتوبون ولا يستغفرون.

٢٥٨٨٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وكانُوا يُصِرّونَ على الْحِنْثِ العَظِيمِ وهو الشرك.

حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد، على الْحِنْثِ العَظِيمِ قال: الذنب العظيم.

٤٧

انظر تفسير الآية:٥٠

٤٨

انظر تفسير الآية:٥٠

٤٩

انظر تفسير الآية:٥٠

٥٠

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنّا لَمَبْعُوثُونَ }.

يقول تعالى ذكره: وكانوا يقولون كفرا منهم بالبعث، وإنكارا لإحياء اللّه خلقه من بعد مماتهم: أئذا كنا ترابا في قبورنا من بعد مماتنا، وعظاما نخرة، أئنا لمبعوثون منها أحياء كما كنا قبل الممات،

أو آباؤنا الأوّلون الذين كانوا قبلنا، وهم الأوّلون، يقول اللّه لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم :

قل يا محمد لهؤلاء إن الأوّلين من آبائكم والاَخرين منكم ومن غيركم،

لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم، وذلك يوم القيامة.

٥١

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {ثُمّ إِنّكُمْ أَيّهَا الضّآلّونَ الْمُكَذّبُونَ }.

٥٢

يقول تعالى ذكره لأصحاب الشمال: ثم إنكم أيها الضالون عن طريق الهدى، المكذّبون بوعيد اللّه ووعده، لاَكلون من شجر من زقوم:

٥٣

و قوله: فَمالِئُونَ مِنْها البُطُونَ يقول: فمالئون من الشجر الزّقوم بطونهم:

واختلف أهل العربية في وجه تأنيث الشجر في قوله: فَمالِئُونَ مِنْها البُطُونَ: أي من الشجر، فَشارِبُونَ عَلَيْهِ لأن الشجر تؤنث وتذكر، وأنث لأنه حمله على الشجرة، لأن الشجرة قد تدلّ على الجميع، فتقول العرب: نبتت قبلنا شجرة مرّة وبقلة رديئة، وهم يعنون الجميع. وقال بعض نحويي الكوفة لاَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقّومٍ، وفي قراءة عبد اللّه (لاَكِلُونَ مِنْ شَجَرَةٍ مِنْ زَقّومٍ) على واحدة، فمعنى شجر وشجرة واحد، لأنك إذا قلت أخذت من الشاء، فإن نويت واحدة أو أكثر من ذلك، فهو جائز، ثم قال: فَمالِئُونَ مِنْها البُطُونَ يريد من الشجرة ولو قال: فمالئون منه إذا لم يذكر الشجر كان صوابا يذهب إلى الشجر في منه، ويؤنث الشجر، فيكون منها كناية عن الشجر والشجر يؤنث ويذكر، مثل التمر يؤنث ويذكر.

والصواب من القول في ذلك عندنا القول الثاني، وهو أن قوله: فَمَالِئُونَ مِنْها مراد به من الشجر أنث للمعنى، وقال فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مذكرا للفظ الشجر.

٥٤

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ }.

يقول تعالى ذكره: فشاربٌ أصحابُ الشمال على الشجر من الزّقوم إذا أكلوه، فملأوا منه بطونهم من الحميم الذي انتهى غليه وحرّه.

وقد قيل: إن معنى قوله: فَشارِبُونَ عَلَيْهِ: فشاربون على الأكل من الشجر من الزقوم.

٥٥

و قوله: فَشارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة شُرْبَ الهِيمِ بضم الشين، وقرأ ذلك بعض قرّاء مكة والبصرة والشأم (شَرْبَ الهِيمِ) اعتلالاً بأن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال لأيام مني: (إنّها أيّامُ أكْلٍ وشُرْبٍ) .

والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنهما قراءتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما علماء من القرّاء مع تقارب معنييهما، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب في قراءته، لأن ذلك في فتحه وضمه نظير فتح قولهم: الضّعف والضّعف بضمه. وأما الهِيم، فإنها جمع أهيم، والأنثى هيماء والهيم: الإبل التي يصيبها داء فلا تروى من الماء. ومن العرب من يقول: هائم، والأنثى هائمة، ثم يجمعونه على هيم، كما قالوا: عائط وعِيط، وحائل وحول ويقال: إن الهيم: الرمل، بمعنى أن أهل النار يشربون الحميم شرب الرمل الماء. ذكر من قال عنى بالهيم الإبل العطاش:

٢٥٨٨٦ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: شُرْبَ الهِيِمْ يقول: شرب الإبل العطاش.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: فَشارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ قال: الإبل الظماء.

٢٥٨٨٧ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن عمران بن حدير، عن عكرمة، في قوله: فَشارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ قال: هي الإبل المِراض، تَمَصّ الماء مَصّا ولا تَرْوَى.

٢٥٨٨٨ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، في قوله: فَشارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ قال: الإبل يأخذها العُطاش، فلا تزال تشرب حتى تهلك.

حدثنا ابن حُمَيْد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرِمة فَشارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ قال: هي الإبل يأخذها العطاش.

قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن عباس ، قال: هي الإبل العطاش.

٢٥٨٨٩ـ حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: شُرْبَ الهِيمِ قال: الإبل الهيم.

٢٥٨٩٠ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فَشارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ الهيم: الإبل العطاش، تشرب فلا تروى، يأخذها داء يقال له الهُيام.

٢٥٨٩١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فَشارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ قال: داء بالإبل لا تَرْوَى معه. ذكر من قال هي الرملة:

٢٥٨٩٢ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان فَاشرِبُونَ شَرْبَ الهِيمِ قال: السّهْلة.

٥٦

و قوله: هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدّينِ يقول تعالى ذكره: هذا الذي وصفت لكم أيها الناس، أن هؤلاء المكذّبين الضالين يأكلونه من شجر من زقوم، يشربون عليه من الحميم، هو نزلهم الذي ينزلهم ربهم يوم الدين، يعني : يوم يدين اللّه عباده.

٥٧

و قوله: نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْلا تُصَدّقونَ يقول تعالى ذكره لكفار قريش والمكذّبين بالبعث: نحن خلقناكم أيها الناس ولم تكونوا شيئا، فأوجدناكم بشرا، فهلا تصدّقون من فعل ذلك بكم في قيله لكم: إنه يبعثكم بعد مماتكم وبِلاكم في قبوركم، كهيأتكم قبل مماتكم.

٥٨

انظر تفسير الآية:٥٩

٥٩

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مّا تُمْنُونَ }.

يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذّبين بالبعث: أفرأيتم أيها المُنكرون قُدرة اللّه على إحيائكم من بعد مماتكم النطف التي تمنون في أرحام نسائكم،

أأنتم تخلقون تلك أم نحن الخالقون.

٦٠

و قوله: نَحْنُ قَدّرْنا بَيْنَكُمُ المَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ يقول تعالى ذكره: نحن قدرنا بينكم أيها الناس الموت، فعجّلناه لبعض، وأخّرناه عن بعض إلى أجل مسمى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٨٩٣ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: قَدّرْنا بَيْنَكُمُ المَوْتَ قال: المستأخر والمستعجل.

و قوله: وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلى أنْ نُبَدّل أمْثالَكُمْ، يقول تعالى ذكره: وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ أيها الناس في أنفسكم وآجالكم، فمفتات علينا فيها في الأمر الذي قدّرناه لها من حياة وموت بل لا يتقدم شيء من أجلنا، ولا يتأخر عنه.

٦١

و قوله: على أنْ نُبَدّل أمْثالَكُمْ يقول: على أنْ نُبَدّل منكم أمْثالَكَمْ بعد مهلككم فنجيء بآخرين من جنسكم.

و قوله: وَنُنْشِئَكُمْ فِيما لا تَعْلَمُون يقول: ونبدلكم عما تعلمون من أنفسكم فيما لا تعلمون منها من الصور. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٨٩٤ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وَنُنْشِئَكُمْ في أيّ خلق شئنا.

٦٢

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النّشْأَةَ الاُولَىَ فَلَوْلاَ تَذَكّرُونَ }.

يقول تعالى ذكره: ولقد علمتم أيها الناس الإحداثة الأولى التي أحدثناكموها، ولم تكونوا من قبل ذلك شيئا. وبنحو الذين قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٨٩٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: النّشأَةَ الأُولى قال: إذ لم تكونوا شيئا.

٢٥٨٩٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النّشأَةَ الأُولى يعني خلق آدم لستَ سائلاً أحدا من الخلق إلا أنبأك أن اللّه خلق آدم من طين.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النّشأَةَ الأُولى قال: هو خلق آدم.

٢٥٨٩٧ـ حدثني محمد بن موسى الحرسي، قال: حدثنا جعفر بن سليمان، قال: سمعت أبا عمران الجوني يقرأ هذه الاَية وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النّشأَةَ الأُولى قال: هو خلق آدم.

و قوله: فَلَوْلا تَذَكّرُونَ يقول تعالى ذكره: فهلا تذكرون أيها الناس، فتعلموا أن الذي أنشأكم النشأة الأولى، ولم تكونوا شيئا، لا يتعذّر عليه أن يعيدكم من بعد مماتكم وفنائكم أحياء.

٦٣

و قوله: أفَرأيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ يقول تعالى ذكره: أفرأيتم أيها الناس الحرث الذي تحرثونه

٦٤

أأنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ يقول: أأنتم تصيرونه زرعا، أم نحن نجعله كذلك؟ وقد:

٢٥٨٩٨ـ حدثني أحمد بن الوليد القرشي، قال: حدثنا مسلم بن أبي مسلم الحرميّ، قال: حدثنا مخلد بن الحسين، عن هاشم، عن محمد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (لا تَقُولَنّ زَرَعْتُ وَلَكِنْ قُلْ حَرَثْتُ) قال أبو هريرة ألم تسمع إلى قول اللّه : (أفُرأيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ ءأنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ؟) .

٦٥

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ * إِنّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ }.

يقول تعالى ذكره: لو نشاء جعلنا ذلك الزرع الذي زرعناه حُطاما، يعني هشيما لا يُنتفع به في مطعم وغذاء.

و قوله: فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: فظلتم تتعجبون مما نزل بكم في زرعكم من المصيبة باحتراقه وهلاكه. ذكر من قال ذلك:

٢٥٨٩٩ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ قال: تعجبون.

٢٥٩٠٠ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ قال: تعجبون.

٢٥٩٠١ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ قال: تعجبون.

وقال آخرون: معنى ذلك: فظلتم تلاومون بينكم في تفريطكم في طاعة ربكم جلّ ثناؤه، حتى نالكم بما نالكم من إهلاك زرعكم. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٠٢ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرِمة، في قوله: فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ يقول: تلاومون.

قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سماك بن حرب البكري، عن عكرِمة فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ قال: تلاومون.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: فظلتم تندمون على ما سلف منكم من معصية اللّه التي أوجب لكم عقوبته، حتى نالكم في زرعكم ما نالكم. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٠٣ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثني ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن فَظَلْتُمْ تَتَفكّهُونَ قال: تندمون.

٢٥٩٠٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ قال تندمون.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: فظلتم تعجبون. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٠٥ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فَظَلْتُمْ تَفَكّهُونَ قال: تعجبون حين صنع بحرثكم ما صنع به، وقرأ قول اللّه عزّ وجلّ إنّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُمونَ وقرأ قول اللّه : وَإَذَا انْقَلَبُوا إلى أهْلِهِمْ انْقَلَبُوا فَكِهِين قال: هؤلاء ناعمين، وقرأ قول اللّه جل ثناؤه: فأخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنّاتٍ وَعُيُونٍ... إلى قوله: كانُوا فِيها فاكِهِينَ.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى فَظَلْتُم: فأقمتم تعجبون مما نزل بزرعكم وأصله من التفكه بالحديث إذا حدّث الرجلُ الرجلَ بالحديث يعجب منه، ويلهى به، فكذلك ذلك. وكأن معنى الكلام: فأقمتم تتعجبون يُعَجّب بعضكم بعضا مما نزل بكم.

٦٦

و قوله: إنّا لَمُغْرَمُونَ اختلف أهل التأويل في معناه، فقال بعضهم: إنا لموَلع بنا. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٠٦ـ حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: حدثنا زيد بن الحباب، قال: أخبرني الحسين بن واقد، قال: ثني يزيد النحويّ، عن عكرِمة، في قول اللّه تعالى ذكره: إنّا لَمُغْرَمُونَ قال: إنا لمولَع بنا.

٢٥٩٠٧ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، قال: قال مجاهد، في قوله: إنّا لَمُغْرَمُونَ أي لمولع بنا.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنا لمعذّبون. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٠٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إنّا لَمَغْرَمُونَ: أي معذّبون وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنا لملقون للشرّ. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٠٩ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد إنّا لَمُغْرَمُونَ قال: مُلْقون للشرّ.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: إنا لمعذّبون، وذلك أن الغرام عند العرب: العذاب ومنه قول الأعشى:

إنْ يُعاقِبْ يَكُنْ غَرَاما وَإنْ يُعْطِ جَزِيلاً فإنّهُ لا يُبالي

 يعني ب قوله: يكن غراما: يكن عذابا. وفي الكلام متروك اكتفى بدلالة الكلام عليه، وهو: فظلتم تفكهون (تقولون) إنا لمغرمون، فترك تقولون من الكلام لما وصفنا.

٦٧

و قوله: بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ يعني بذلك تعالى ذكره أنهم يقولون: ما هلك زرعنا وأصبنا به من أجل إنّا لَمُغْرَمُونَ ولكنا قوم محرومون، يقول: إنهم غير مجدودين، ليس لهم جَدّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩١٠ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قال: حُورِفنا فحرمنا.

٢٥٩١١ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قال: أي محارَفون.

٦٨

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَآءَ الّذِي تَشْرَبُونَ }.

يقول تعالى ذكره: أفرأيتم أيها الناس الماء الذي تشربون، ءأنتم أنزلتموه من السحاب فوقكم إلى قرار الأرض، أم نحن منزلوه لكم. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله المُزن، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٦٩

٢٥٩١٢ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: مِنَ المُزْنِ قال السحاب.

٢٥٩١٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: أأنْتُمْ أنْزَلْتُمُوهُ مِنَ المُزْنِ أي من السّحاب.

٢٥٩١٤ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أأَنْتُمْ أنْزَلْتُمُوهُ مِنَ المُزْنِ قال: المزن: السحاب اسمها، أنزلتموه من المزن، قال: السحاب.

٢٥٩١٥ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، في قوله: أنْزَلْتُمُوهُ مِنَ المُزْنِ قال: المزن: السماء والسحاب.

٧٠

و قوله: لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجا يقول تعالى ذكره: لو نشاء جعلنا ذلك الماء الذي أنزلناه لكم من المزن مِلحا، وهو الأجاج، والأجاج من الماء: ما اشتدّت ملوحته، يقول: لو نشاء فعلنا ذلك به فلم تنتفعوا به في شرب ولا غرس. ولا غرس ولا زرع.

و قوله: فَلَوْلا تَشْكُرُونَ يقول تعالى ذكره: فهلا تشكرون ربكم على إعطائه ما أعطاكم من الماء العذب لشربكم ومنافعكم، وصلاح معايشكم، وتركه أن يجعله أُجاجا لا تنتفعون به.

٧١

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ النّارَ الّتِي تُورُونَ }.

يقول تعالى ذكره: أفرأيتم أيها الناس النار التي تستخرجون من زَنْدكم

٧٢

أأنْتُمْ أنْشأْتُم شَجَرَتَهَايقول: أأنتم أحدثتم شجرتها واخترعتم أصلها أمْ نَحْنُ المُنْشِئُونَ؟ يقول: أم نحن اخترعنا ذلك وأحدثناه؟.

٧٣

و قوله: نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً يقول: نحن جعلنا النار تذكرة لكم تذكرون بها نار جهنم، فتعتبرون وتتعظون بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩١٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: تَذْكِرَةً قال: تذكرة النار الكبرى.

٢٥٩١٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: أفَرأيْتُمُ النّارَ التي تُورُونَ أأَنْتُمْ أنْشأْتُمْ شَجَرَتها أمْ نَحْنُ المُنْشِئُونَ نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً للنار الكبرى.

ذُكر لنا أن نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (نارُكُمْ هَذِهِ التي تُوقِدُونَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزءا مِنْ نارِ جَهَنّمِ، ) قالوا: يا نبيّ اللّه إن كان لكافية، قال: (قَدْ ضُرِبَتْ بالمَاءِ ضَرْبَتَيْن أوْ مَرّتَينِ، ليَسْتَنْفِعَ بِها بَنُوا آدَمَ وَيَدْنُو مِنْها) .

٢٥٩١٨ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد تَذْكِرَةً قال: للنار الكبرى التي في الاَخرة.

و قوله: وَمَتاعا للْمُقْوِينَ اختلف أهل التأويل في معنى المقوين، فقال بعضهم: هم المسافرون. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩١٩ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، في قوله: للّمُقْوِينَ قال: للمسافرين.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: وَمَتاعا للْمُقْوِينَ قال: يعني المسافرين.

٢٥٩٢٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَمَتاعا للْمُقْوِينَ قال للمُرْمل: المسافر.

حدثني ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: للْمُقْوِينَ قال: للمسافرين.

٢٥٩٢١ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَمَتاعا للْمُقْوِينَ قال: للمسافرين.

وقال آخرون: عُنِي بالْمُقْوِين: المستمتعون بها. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٢٢ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، قوله: وَمَتاعا للْمُقْوِينَ للمستمتعين الناس أجمعين.

٢٥٩٢٣ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد وَمَتاعا للْمُقْوِينَ للمستمتعين المسافر والحاضر.

٢٥٩٢٤ـ حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب الشهيد، قال: حدثنا عتاب بن بشر، عن خصيف في قوله: وَمَتاعا للْمُقْوِينَ قال: للخلق.

وقال آخرون: بل عُنِي بذلك: الجائعون. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٢٥ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ابن زيد، في قوله: وَمَتاعا للْمُقْوِينَ قال: المقوي: الجائع. في كلام العرب، يقول: أقويت منه كذا وكذا: ما أكلت منه كذا وكذا شيئا.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال: عُنِي بذلك للمسافر الذي لازاد معه، ولا شيء له، وأصله من قولهم: أقوت الدار: إذا خلت من أهلها وسكانها كما قال الشاعر:

أقْوَى وأقْفَرَ مِنْ نُعْمٍ وغَيّرَهاهُوجُ الرّياحِ بهابي التّرْبِ مَوّارِ

 يعني ب قوله: (أقوى) : خلا من سكانه، وقد يكون المقوي: ذا الفرس القويّ، وذا المال الكثير في غير هذا الموضع.

٧٤

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَسَبّحْ بِاسْمِ رَبّكَ الْعَظِيمِ }. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : فسبح يا محمد بذكر ربك العظيم، وتسميته.

٧٥

و قوله: فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النّجُومِ اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِع النّجُومِ فقال بعضهم: عُنِي ب قوله: فَلا أُقْسِمُ: أقسم. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٢٦ـ حدثنا بن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن ابن جُرَيج، عن الحسن بن مسلم، عن سعيد بن جُبَير فَلا أُقْسِمُ قال: أقسم.

وقال بعض أهل العربية: معنى قوله: فَلا فليس الأمر كما تقولون ثم استأنف القسم بعد فقيل أُقسم.

و قوله: بِمَوَاقِعِ النّجُومِ اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: فلا أقسم بمنازل القرآن، وقالوا: أنزل القرآن على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نجوما متفرّقة. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٢٧ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا حُصَين، عن حكيم بن جُبَير، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ، قال: نزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم فرق في السنين بعد. قال: وتلا ابن عباس هذه الاَية فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النّجُومِ قال: نزل متفرّقا.

٢٥٩٢٨ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرِمة، في

قوله: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النّجُومِ قال: أنزل اللّه القرآن نجوما ثلاث آيات وأربع آيات وخمس آيات.

٢٥٩٢٩ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا المعتمر، عن أبيه، عن عكرِمة: إن القرآن نزل جميعا، فوضع بمواقع النجوم، فجعل جبريل يأتي بالسورة، وإنما نزل جميعا في ليلة القدر.

٢٥٩٣٠ـ حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده، عن الأعمش، عن مجاهد فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النّجُومِ قال: هو مُحْكَم القرآن.

٢٥٩٣١ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النّجُوم وَإنّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ قال: مستقرّ الكتاب أوّله وآخره.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: فلا أقسم بمساقط النجوم. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٣٢ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: بِمَواقِعِ النّجُومِ قال في السماء ويقال مطالعها ومساقطها.

٢٥٩٣٣ـ حدثني بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النّجُومِ: أي مساقطها.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: بمنازل النجوم. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٣٤ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النّجُومِ قال: بمنازل النجوم.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: بانتثار النجوم عند قيام الساعة. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٣٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، في قوله: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النّجومِ قال: قال الحسن انكدارها وانتثارها يوم القيامة.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: فلا أقسم بمساقط النجوم ومغايبها في السماء، وذلك أن المواقع جمع موقع، والموقع المفعل، من وقع يقع موقعا، فالأغلب من معانيه والأظهر من تأويله ما قلنا في ذلك، ولذلك قلنا: هو أولى معانيه به.

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الكوفة بموقع على التوحيد، وقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين بمواقع: على الجماع.

والصواب من القول في ذلك، أنهما قراءتان معروفتان بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.

٧٦

و قوله: وَإنّهُ لَقَسمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ يقول تعالى ذكره وإن هذا القسم الذي أقسمت لقسم لو تعلمون ما هو، وما قدره، قسم عظيم من المؤخر الذي معناه التقديم، وإنما هو: وإنه لقسم عظيم لو تعلمون عظمه.

٧٧

و قوله: إنّهُ لقُرآنٌ كَرِيمٌ يقول تعالى ذكره: فلا أقسم بمواقع النجوم أن هذا القرآن لقرآن كريم، والهاء في قوله: (إنه) من ذكر القرآن.

٧٨

و قوله: فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ يقول تعالى ذكره: هو في كتاب مصون عند اللّه لا يمسه شيء من أذى من غبار ولا غيره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٣٦ـ حدثني إسماعيل بن موسى، قال: أخبرنا شريك، عن حكيم، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ الكتاب الذي في السماء.

٢٥٩٣٧ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ قال: القرآن في كتابه المكنون الذي لا يمسه شيء من تراب ولا غبار.

٢٥٩٣٨ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في

٧٩

 قوله: لا يَمُسّهُ إلا المُطَهّرُونَ زعموا أن الشياطين تنزّلت به على محمد، فأخبرهم اللّه أنها لا تقدر على ذلك، ولا تستطيعه، وما ينبغي لهم أن ينزلوا بهذا، وهو محجوب عنهم، وقرأ قول اللّه : وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ إنّهُمْ عَنِ السّمْعِ لَمَعْزُولُونَ.

٢٥٩٣٩ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عبيد اللّه ، يعني العتكي، عن جابر بن زيد وأبي نهيك، في قوله: فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ قال: هو كتاب في السماء.

 قوله: لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ يقول تعالى ذكره: لا يمسّ ذلك الكتاب المكنون إلا الذين قد طهّرهم اللّه من الذنوب. واختلف أهل التأويل في الذين عنوا ب قوله: إلاّ المُطَهّرُونَ فقال بعضهم: هم الملائكة. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٤٠ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قال: إذا أراد اللّه أن ينزل كتابا نسخته السفرة، فلا يمسه إلا المطهرون، قال: يعني الملائكة.

٢٥٩٤١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن الربيع بن أبي راشد، عن سعيد بن جُبَير لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال: الملائكة الذين في السماء.

حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن الربيع بن أبي راشد، عن سعيد بن جُبَير لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال: الملائكة.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن الربيع بن أبي راشد، عن سعيد بن جُبَير. لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال: الملائكة.

٢٥٩٤٢ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عبيد اللّه ، يعني العتكي، عن جبار بن زيد وأبي نهيك في قوله: لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ يقول: الملائكة.

٢٥٩٤٣ـ قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرِمة لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال الملائكة.

٢٥٩٤٤ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال الملائكة.

٢٥٩٤٥ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا جرير، عن عاصم، عن أبي العالية لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال: الملائكة.

وقال آخرون: هم حملة التوراة. والإنجيل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٤٦ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن أبيه، عن عكِرمة لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال: حملة التوراة والإنجيل.

وقال آخرون في ذلك: هم الذين قد طهروا من الذنوب كالملائكة والرسل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٤٧ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا مروان، قال: أخبرنا عاصم الأحول، عن أبي العالية الرياحي، في قوله: لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال: ليس أنتم، أنتم أصحاب الذنوب.

٢٥٩٤٨ـ حدثني يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال: الملائكة والأنبياء والرسل التي تنزل به من عند اللّه مطهرة، والأنبياء مطهرة، فجبريل ينزل به مُطَهّر، والرسل الذين تجيئهم به مُطَهّرون فذلك قوله: لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ والملائكة والأنبياء والرسل من الملائكة، والرسل من بني آدم، فهؤلاء ينزلون به مطهرون، وهؤلاء يتلونه على الناس مطهرون، وقرأ قول اللّه بأيْدِي سَفَرةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ قال: بأيدي الملائكة الذين يحصون على الناس أعمالهم.

وقال آخرون: عنى بذلك: أنه لا يمسه عند اللّه إلا المطهرون. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٤٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ ذاكم عند ربّ العالمين، فأما عندكم فيمسه المشرك النجس، والمنافق الرّجِس.

٢٥٩٥٠ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، قوله: لا يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ قال لا يمسه عند اللّه إلا المطهرون، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسيّ النجس، والمنافق الرجس. وقال في حرف ابن مسعود (ما يَمَسّهُ إلاّ المُطَهّرُونَ) .

والصواب من القول من ذلك عندنا، أن اللّه جلّ ثناؤه، أخبر أن لا يمسّ الكتاب المكنون إلا المطهرون فعمّ بخبره المطهرين، ولم يخصص بعضا دون بعض فالملائكة من المطهرين، والرسل والأنبياء من المطهرين وكل من كان مطهرا من الذنوب، فهو ممن استثني، وعني ب قوله: إلاّ المُطَهّرُونَ.

٨٠

و قوله: تَنْزِيلٌ مِنْ رَبّ العالمِينَ يقول: هذا القرآن تنزيل من ربّ العالمين، نزّله من الكتاب المكنون. كما:

٢٥٩٥١ـ حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عبيد اللّه العتكي، عن جابر بن زيد وأبي نهيك، في قوله: تَنْزِيلٌ مِنْ رَبّ العالَمِينَ قال: القرآن من ذلك الكتاب.

٨١

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَفَبِهَـَذَا الْحَدِيثِ أَنتُمْ مّدْهِنُونَ }.

يقول تعالى ذكره: أفبهذا القرآن الذي أنبأتكم خبره، وقصصت عليكم أمره أيها الناس أنتم تلينون القول للمكذّبين به، ممالأة منكم لهم على التكذيب به والكفر.

واختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم في ذلك نحو قولنا فيه. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٥٢ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول اللّه : أفَبِهَذَا الحَدِيثِ أنْتُمْ مُدْهِنُونَ قال: تريدون أن تمالئوهم فيه، وتركنوا إليهم.

وقال آخرون: بل معناه: أفبهذا الحديث أنتم مكذّبون. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٥٣ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: أفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أنْتُمْ مُدْهِنُونَ يقول: مكذّبون غير مصدّقين.

٢٥٩٥٤ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: أنْتُمْ مُدْهِنُونَ يقول: مكذّبون.

٨٢

و قوله: وَتَجْعَلُونَ رِزقَكمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ يقول: وتجعلون شكر اللّه على رزقه إياكم التكذيب، وذلك كقول القائل الاَخر: جعلت إحساني إليك إساءة منك إليّ، بمعنى: جعلت: شكر إحساني، أو ثواب إحساني إليك إساءة منك إليّ.

وقد ذُكر عن الهيثم بن عديّ: أن من لغة أزد شنوءة: ما رزق فلان: بمعنى ما شكر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف فيه منهم. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٥٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا سفيان، قال: ثني عبد الأعلى الثعلبي، عن أبي عبد الرحمن السلميّ، عن عليّ رضي اللّه عنه وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ قال: شكركم.

٢٥٩٥٦ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، عن عبد الأعلى الثعلبي، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عليّ رفعه وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ قال: (شكركم تقولون مُطرنا بنوء كذا وكذا، وبنجم كذا وكذا) .

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا يحيى بن أبي بكر، عن إسرائيل، عن عبد الأعلى، عن أبي عبد الرحمن، عن عليّ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبون قال: (شُكْرَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ) ، قال: (يَقُولُونَ مُطِرْنا بنَوْءِ كَذا وكَذا) .

٢٥٩٥٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ، قال: ما مُطر قوم قط إلا أصبح بعضهم كافرا، يقولون: مُطرنا بنوء كذا وكذَا، وقرأ ابن عباس وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن عطية، قال: حدثنا معاذ بن سليمان، عن جعفر، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ، أنه كان يقرأ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُون ثم قال: ما مُطر الناس ليلة قطّ، إلا أصبح بعض الناس مشركين يقولون: مُطرنا بنوء كذا وكذا. قال: وقال وتجعلون شكركم أنكم تكذّبون.

حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ، في قوله: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ يقول: شكركم على ما أنزلت عليكم من الغيث والرحمة تقولون: مُطرنا بنوء كذا وكذا قال: فكان ذلك منهم كفرا بما أنعم عليهم.

٢٥٩٥٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا سفيان، عن إسماعيل بن أمية، قال: أحسبه أو غيره أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سمع رجلاً ومطروا يقول: مُطرنا ببعض عثانين الأسد، فقال: (كَذَبْتَ بَلْ هُوَ رِزْقُ اللّه ) .

٢٥٩٥٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا سفيان، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إنّ اللّه لَيُصَبّحُ القَوْمَ بالنّعْمَةِ، أوْ يُمَسّيهِمِ بِها، فَيُصْبِحُ بِها قَوْمٌ كافِرِينَ يَقُولُونَ: مُطِرْنا بَنْوْءِ كَذَا وكَذا) قال محمد: فذكرت هذا الحديث لسعيد بن المسيب، فقال: ونحن قد سمعنا من أبي هريرة، وقد أخبرني من شهد عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه وهو يستسقي، فلما استسقى التفت إلى العباس فقال: يا عباس يا عمّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، كم بقي من نوء الثريا؟ فقال: العلماء بها يزعمون أنها تعترض في الأفق بعد سقوطها سبعا، قال: فما مضت سابعة حتى مُطروا.

٢٥٩٦٠ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن عبد الأعلى، عن أبي عبد الرحمن، عن عليّ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ قال: كان يقرأها (وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ أنّكُم تُكَذبُونَ) يقول: جعلتم رزق اللّه بنوء النجم، وكان رزقهم في أنفسهم بالأنواء أنواء المطر إذا نزل عليهم المطر، قالوا: رزُقنا بنوء كذا وكذا، وإذا أمسك عنهم كذّبوا، فذلك تكذيبهم.

٢٥٩٦١ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن عطاء الخراساني، في قوله: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ قال: كان ناس يمطرون فيقولون: مُطرنا بنوء كذا، مُطرنا بنوء كذا.

٢٥٩٦٢ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وَتَجْعَلُونَ رِزقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبونَ قال: قولهم في الأنواء: مُطرنا بنوء كذا ونوء كذا، يقول: قولوا هو من عند اللّه وهو رزقه.

٢٥٩٦٣ـ حُدثت ، عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ يقول: جعل اللّه رزقكم في السماء، وأنتم تجعلونه في الأنواء.

٢٥٩٦٤ـ حدثني أبو صالح الصراري، قال: حدثنا أبو جابر (محمد بن عبد الملك الأزدي) قال: حدثنا جعفر بن الزبير، عن القاسم بن أبي أُمامة، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (ما مُطِر قَوْمٌ مِنْ لَيْلَةٍ إلاّ أصْبَحَ قَوْمٌ بِها كافِرِينَ، ثم قال: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذبُون) يقول قائِلٌ مُطِرْنا بنَجْمِ كَذَا وكَذَا.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وتجعلون حظكم منه التكذيب. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٦٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُم تُكَذّبُونَ أما الحسن فكان يقول: بئسما أخذ قوم لأنفسهم لم يرزقوا من كتاب اللّه إلا التكذيب به.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، قال: قال الحسن، في قوله: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أنّكُمْ تُكَذّبُونَ خسر عبد لا يكون حظه من كتاب اللّه إلا التكذيب.

٨٣

و قوله: فَلَوْلا إذا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ يقول تعالى ذكره: فهلا إذا بلغت النفوس عند خروجها من أجسادكم أيها الناس حلاقيمكم

٨٤

وأنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ يقول ومن حضرهم منكم من أهليهم حينئذٍ إليهم ينظر، وخرج الخطاب ها هنا عاما للجميع، والمراد به: من حضر الميت من أهله وغيرهم وذلك معروف من كلام العرب وهو أن يخاطب الجماعة بالفعل، كأنهم أهله وأصحابه، والمراد به بعضهم غائبا كان أو شاهدا، فيقول: قتلتم فلانا، والقاتل منهم واحد، إما غائب، وإما شاهد. وقد بيّنا نظائر ذلك في مواضع كثيرة من كتابنا هذا.

٨٥

يقول: وَنَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِنْكُمْ يقول: ورسلنا الذين يقبضون روحه أقرب إليه منكم، وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ.

وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول:

قيل فَلَوْلا إذَا بَلَغَتِ الْحُلْقومَ وأنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ كأنه قد سمع منهم، واللّه أعلم: إنا نقدر على أن لا نموت، فقال: فَلَوْلا إذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، ثم قال فَلَوْلا إنْ كُنْتُمْ غَيرَ مَدِينِينَ أي غير مجزيين ترجعون تلك النفوس وأنتم ترون كيف تخرج عند ذلك إن كنتم صادقين بأنكم تمتنعون من الموت.

٨٦

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ }.

يقول تعالى ذكره: فهلاّ إن كنتم أيها الناس غير مدينين.

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: مَدِينِينَ فقال بعضهم: غير محاسبين. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٦٦ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: فَلَوْلا إنْ كُنْتُمْ غَيرَ مَدِينِينَ يقول: غير محاسبين.

٢٥٩٦٧ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: غِيرَ مَدِينِينَ قال: محاسبين.

٢٥٩٦٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَلَوْلا إنْ كُنْتُمْ غَيرَ مَدِينِينَ: أي محاسبين.

٢٥٩٦٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول اللّه : فَلَوْلا إنْ كُنْتُمْ غَيرَ مدِينِينَ قال: كانوا يجحدون أن يُدانوا بعد الموت، قال: وهو مالك يوم الدين، يوم يُدان الناس بأعمالهم، قال: يدانون: يحاسبون.

٢٥٩٧٠ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: أخبرنا أبو رجاء، عن الحسن، في قوله: فَلَوْلا إنْ كُنْتُمْ غَيَرَ مَدِينِينَ قال: غير محاسبين.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا سليمان، قال: حدثنا أبو هلال، عن قتادة فَلَوْلا إنْ كُمْتُمْ غَيَرَ مَدِينِينَ قال: غير مبعوثين، غير محاسبين.

وقال آخرون: معناه: غير مبعوثين. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٧١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا هوذة، قال: حدثنا عوف، عن الحسن فَلَوْلا إنْ كُنْتُمْ غَيرَ مَدِينِينَ غير مبعوثين يوم القيامة، ترجعونها إن كنتم صادقين.

وقال آخرون: بل معناه: غير مجزيين بأعمالكم.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: غير محاسبين فمجزيين بأعمالكم من قولهم: كما تدين تدان، ومن قول اللّه : مالِكِ يَوْمِ الدّينِ.

٨٧

و قوله: تَرْجِعُوَنها إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ يقول: تردّون تلك النفوس من بعد مصيرها إلى الحلاقيم إلى مستقرّها من الأجساد إن كنتم صادقين، إن كنتم تمتنعون من الموت والحساب والمجازاة، وجواب قوله: فَلَوْلا إذَا بَلَغَتِ الْحَلْقُومَ، وجواب قوله: فَلَوْلا إنْ كُنْتُمْ غَيرَ مَدِينِينَ جواب واحد وه

و قوله: تَرْجِعُوَنها وذلك نح

و قوله: فإمّا يأْتِيَنّكُمْ مِنّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ جعل جواب الجزاءين جوابا واحدا. وبنحو الذي قلنا في قوله: تَرْجِعُوَنها قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٧٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: تَرْجِعُوَنها قال: لتلك النفس إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.

٨٨

انظر تفسير الآية:٨٩

٨٩

و قوله: فأمّا إنْ كانَ مِنَ المُقَرّبِينَ فَرَوْحَ وَرَيْحانٌ يقول تعالى ذكره: فأما إن كان الميت من المقرّبين الذين قرّبهم اللّه من جواره في جنانه فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ يقول: فله روح وريحان.

واختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار فَرَوْحٌ بفتح الراء، بمعنى: فله برد. وَرَيْحانٌ يقول: ورزق واسع في قول بعضهم، وفي قول آخرين فله راحة وريحان وقرأ ذلك الحسن البصريّ (فَرُوحٌ) بضم الراء، بمعنى: أن روحه تخرج في ريحانة.

وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأه بالفتح لإجماع الحجة من القرّاء عليه، بمعنى: فله الرحمة والمغفرة، والرزق الطيب الهنّي.

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: فَرَوْحٌ ورَيْحانٌ فقال بعضهم: معنى ذلك: فراحة ومستراح. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٧٣ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ يقول: راحة ومستراح.

٢٥٩٧٤ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: فأمّا إنْ كانَ مِنَ المُقَرّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ قال: يعني بالريحان: المستريح من الدنيا وَجَنّةُ نَعِيمٍ يقول: مغفرة ورحمة.

وقال آخرون: الرّوح: الراحة، والرّيْحان: الرزق. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٧٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ قال: راحة.

و قوله: وريحان قال: الرزق.

وقال آخرون: الرّوْح: الفرح، والرّيْحان: الرزق. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٧٦ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا إدريس، قال: سمعت أبي، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جُبَير، في قوله: فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ قال: الرّوْح: الفرح، والرّيحان: الرزق.

وأما الذين قرأوا ذلك بضم الراء فإنهم قالوا: الرّوح: هي رُوح الإنسان، والرّيحان: هو الريحان المعروف. وقالوا: معنى ذلك: أن أرواح المقرّبين تخرج من أبدانهم عند الموت برَيحان تشمه. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٧٧ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا المعتمر، عن أبيه، عن الحسن فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ قال: تخرج رُوحه في ريحانة.

٢٥٩٧٨ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية فأما إنْ كانَ مِنَ المقرّبين قال: لم يكن أحد من المقرّبين يفارق الدنيا، والمقرّبون السابقون، حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيشمه، ثم يُقبض.

وقال آخرون ممن قرأ ذلك بفتح الراء: الرّوْح: الرحمة، والرّيحان: الريحان المعروف. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٧٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ قال: الروح: الرحمة، والريحان: يُتَلَقى به عند الموت.

وقال آخرون منهم: الرّوْح: الرحمة، والرّيحان: الاستراحة. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٨٠ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ الرّوْح: المغفرة والرحمة، والرّيحان: الاستراحة.

٢٥٩٨١ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن منذر الثوريّ، عن الربيع بن خثيم فأمّا إنْ كانَ مِنَ المُقَرّبِينَ قال: هذا عند الموت فَرَوْحٌ وَرَيحانٌ قال: يُجاء له من الجنة.

٢٥٩٨٢ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا قرة، عن الحسن، في قوله: فأمّا إنْ كانَ مِنَ المُقَربِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنةُ نَعِيمٍ قال: ذلك في الاَخرة، فقال له بعض القوم قال: أما واللّه إنهم ليرون عند الموت.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا حماد، قال: حدثنا قُرة، عن الحسن، بمثله.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي: قول من قال: عُني بالرّوْح: الفرح والرحمة والمغفرة، وأصله من قولهم: وجدت رَوْحا: إذا وجد نسيما يَسَترْوح إليه من كَرَبِ الحرّ. وأما الرّيحان، فإنه عندي الريحان الذي يُتَلقى به عند الموت، كما قال أبو العالية والحسن، ومن قال في ذلك نحو قولهما، لأن ذلك الأغلب والأظهر من معانيه.

و قوله: وَجَنّةُ نَعِيمٍ يقول: وله مع ذلك بستان نعيم يتنعم فيه.

٢٥٩٨٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وجنة نعيم، قال: قد عُرِضت عليه.

٩٠

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَأَمّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ}.

يقول تعالى ذكره: وأمّا إنْ كانَ الميت مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ الذين يُؤخذ بهم إلى الجنة من ذات أيمانهم

٩١

فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ. ثم اختلف في معنى قوله: فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ فقال أهل التأويل فيه ما:

٢٥٩٨٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وأمّا إنْ كانَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ فسلام لك من أصحاب اليمين قال: سلام من عند اللّه ، وسلم ت عليه ملائكة اللّه .

٢٥٩٨٥ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وأمّا إنْ كانَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَاب اليَمِينٍ قال: سلم مما يكره.

وأما أهل العربية، فإنهم اختلفوا في ذلك، فقال بعض نحوّيي البصرة وأمّا إنْ كانَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ: أي فيقال سلم لك. وقال بعض نحويّي الكوفة: قوله: فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَابِ اليَمِينِ: أي فذلك مسلم لك أنك من أصحاب اليمين، وألقيت (أن) ونوى معناها، كما تقول: أنت مصدّق مسافر عن قليل، إذا كان قد قال: إني مسافر عن قليل، وكذلك يجب معناه أنك مسافر عن قليل، ومصدّق عن قليل. قال:

و قوله: فَسَلامٌ لَكَ معناه: فسلم لك أنت من أصحاب اليَمين. قال: وقد يكون كالدعاء له، ك قوله: فسُقيا لك من الرجال. قال: وإن رفعت السلام فهو دعاء، واللّه أعلم بصوابه.

وقال آخر منهم قوله: فأمّا إنْ كانَ مِنَ المُقَرّبِينَ فإنه جمع بين جوابين، ليعلم أن أمّا جزاء. قال: وأما قوله: فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أصحَاب اليَمِينِ قال: وهذا أصل الكلمة مسلم لك هذا، ثم حذفت (أن) وأقيم (مِنْ) مَقامها. قال: وقد

قيل: فسلام لك أنت من أصحاب اليَمِينِ، فهو على ذاك: أي سلام لك، يقال: أنت من أصحاب اليمين، وهذا كله على كلامين. قال: وقد قيل مسلم: أي كما تقول: فسلام لك من القوم، كما تقول: فسُقيا لك من القوم، فتكون كلمة واحدة.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: معناه: فسلام لك إنك من أصحاب اليمين، ثم حُذفت واجتزىء بدلالة مِنْ عليها منها، فسلمت من عذاب اللّه ، ومما تكره، لأنك من أصحاب اليمين.

٩٢

و قوله: وأمّا إنْ كانَ مِنَ المُكَذّبِينَ الضّآلّينَ يقول تعالى: وأما إن كان الميت من المكذّبين بآيات اللّه ، الجائرين عن سبيله،

٩٣

فله نُزل من حميم قد أغلي حتى انتهى حرّه، فهو شرابه.

٩٤

وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ يقول: وحريق النار يحرق بها والتصلية: التفعلة من صلاّة اللّه النار فهو يصليه تصلية، وذلك إذا أحرقه بها.

٩٥

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إِنّ هَـَذَا لَهُوَ حَقّ الْيَقِينِ }.

يقول تعالى ذكره: إن هذا الذي أخبرتكم به أيها الناس من الخبر عن المقرّبين وأصحاب اليمين، وعن المكذّبين الضآلين، وما إليه صائرة أمورهم لَهُوَ حَقّ اليَقِينِ يقول: لهو الحقّ من الخبر اليقين لا شكّ فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٥٩٨٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد إنّ هَذَا لَهُوَ حَقّ اليَقِينِ قال: الخبر اليقين.

٢٥٩٨٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وأمّا إنْ كانَ مِنَ المُكَذْبِينَ الضّآلّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إنّ هَذَا لَهُوَ حَقّ اليَقِينِ حتى ختم، إن اللّه تعالى ليس تاركا أحدا من خلقه حتى يوقفه على اليقين من هذا القرآن. فأما المؤمن فأيقن في الدنيا، فنفعه ذلك يوم القيامة. وأما الكافر، فأيقن يوم القيامة حين لا ينفعه.

واختلف أهل العربية في وجه إضافة الحقّ إلى اليقين، والحقّ يقين، فقال بعض نحويي البصرة، قال: حقّ اليقين، فأضاف الحقّ إلى اليقين، كما قال: ذلكَ دِينُ القَيّمَةِ: أي ذلك دين الملّة القيمة، وذلك حقّ الأمر اليقين. قال: وأما هذا رجل السّوء، فلا يكون فيه هذا الرجل السّوء، كما يكون في الحقّ اليقن، لأن السوء ليس بالرجل، واليقين هو الحقّ. وقال بعض أهل الكوفة: اليقين نعت للحقّ، كأنه قال: الحقّ اليقين، والدين القيم، فقد جاء مثله في كثير من الكلام والقرآن وَلَدَارُ الاَخِرَةُ والدارُ الاَخِرَةُ قال: فإذا أضيف توهم به غير الأوّل.

٩٦

و قوله: فَسَبّحْ باسْم رَبّكَ العَظِيمِ يقول تعالى ذكره: فسبح بتسمية ربك العظيم بأسمائه الحسنى.

﴿ ٠