تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآنللإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبريإمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)_________________________________سورة الحديدمدنية وآياتها تسع وعشرون القول في تفسير السورة التي يذكر فيها الحديد: بسم اللّه الرحمن الرحيم ١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {سَبّحَ للّه مَا فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }. يعني تعالى ذكره ب قوله: سَبّحَ للّه ما في السّمَوَاتِ والأرْضِ أن كلّ ما دونه من خلقه يسبحه تعظيما له، وإقرارا بربوبيته، وإذعانا لطاعته، كما قال جلّ ثناؤه: تُسَبّحُ لَهُ السّمَوَاتُ السّبْعُ والأرْضُ وَمَنْ فِيهِنّ وَإنْ مِنْ شَيْءٍ إلاّ يُسَبّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقُهُونَ تَسْبِيحَهُمْ. و قوله: وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ يقول: ولكنه جلّ جلاله العزيز في انتقامه ممن عصاه، فخالف أمره مما في السموات والأرض من خلقه الحَكِيمُ فِي تَدْبِيرِهِ أمرهم، وتصريفه إياهم فيما شاء وأحبّ. ٢و قوله: لَهُ مُلْكُ السّمَوَاتِ والأرْضِ يقول تعالى ذكره: له سلطان السموات والأرض وما فيهنّ ولا شيء فيهنّ يقدر على الامتناع منه، وهو في جميعهم نافذ الأمر، ماضي الحكم. و قوله: يُحْيِي ويُمِيتُ يقول يحيي ما يشاء من الخلق بأن يوجده كيف يشاء، وذلك بأن يحدث من النطفة الميتة حيوانا بنفخ الروح فيها من بعد تارات يقلبها فيها، ونحو ذلك من الأشياء، ويميت ما يشاء من الأحياء بعد الحياة بعد بلوغه أجله فيفنيه وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يقول جلّ ثناؤه: وهو على كل شيء ذو قدرة، لا يتعذّر عليه شيء أراده، من إحياء وإماتة، وإعزاز وإذلال، وغير ذلك من الأمور. ٣القول فـي تأويـل قوله تعالى: {هُوَ الأوّلُ وَالاَخِرُ وَالظّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }. يقول تعالى ذكره: هو الأوّل قبل كل شيء بغير حدّ والاَخر يقول: والاَخر بعد كل شيء بغير نهاية. وإنما قيل ذلك كذلك، لأنه كان ولا شيء موجود سواه، وهو كائن بعد فناء الأشياء كلها، كما قال جلّ ثناؤه: كُلّ شَيْءٍ هالكٌ إلاّ وَجْهَهُ. و قوله: والظّاهِرُ يقول: وهو الظاهر عل كل شيء دونه، وهو العالي فوق كل شيء، فلا شيء أعلى منه والباطِنُ يقول: وهو الباطن جميع الأشياء، فلا شيء أقرب إلى شيء منه، كما قال: وَنَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ حَبْل الوَرِيدِ. وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الخبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وقال به أهل التأويل. ذكر من قال ذلك، والخبر الذي روي فيه: ٢٥٩٨٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: هُوَ الأوّلُ والاَخِرُ والظّاهِرُ والباطِنُ ذُكر لنا أن نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم بينما هو جالس في أصحابه، إذ ثار عليهم سحاب، فقال: (هَلْ تَدْرُونَ ما هَذَا؟) قالوا: اللّه ورسوله أعلم، قال: (فإنّها الرّقِيعَ مَوْجٌ مَكْفُوفٌ، وَسَقْفٌ مَحْفُوظٌ، ) قال: (فَهَلْ تَدْرُونَ كَمْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَها) ؟ قالوا: اللّه ورسوله أعلم؟ قال: (مَسِيرَةُ خَمْسٍ مِئَةِ سَنَةٍ) ، قال: (فَهَلْ تَدْرُونَ ما فَوْقَ ذلكَ؟) فقالوا مثل ذلك، قال: (فَوْقَها سَماءٌ أُخْرَى وَبَيْنَهُما مَسِيرِةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ) ، قال: (هَلْ تَدْرُونَ ما فَوْقَ ذلك؟) فقالوا مثل قولهم الأوّل، قال: (فإنّ فَوْقَ ذلكَ العَرْشَ، وَبَيْنَهُ وَبَينَ السّماءِ السّابِعَةِ مِثْلُ ما بَينَ السّماءَيْن) ، قال: هَلْ (تَدْرُونَ ما الّتِي تَحْتَكُمْ؟) قالوا: اللّه ورسوله أعلم قال: (فإنّها الأرْضُ) ، قال: (فَهَلْ تَدْرُونَ ما تَحْتَها؟) قالوا له مثل قولهم الأوّل، قال: (فإنّ تَحْتَها أرْضا أُخْرَى، وَبَيْنَهُما مَسِيرَةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ) ، حتى عدّ سبع أرضين، بين كلّ أرضيْن مسيرة خمس مئة سنة، ثم قال: (وَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ دُلّيَ أحَدكُمْ بِحَبْل إلى الأرْضِ الأُخْرى لَهَبَطَ على اللّه ) ، ثُمّ قرأ هُوَ الأوّلُ والاَخَرُ والظّاهِرُ والباطِنُ وَهُوْ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. و قوله: وَهُوَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يقول تعالى ذكره: وهو بكلّ شيء ذو علم، لا يخفى عليه شيء، فلا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، إلا في كتاب مبين. ٤و قوله: هُوَ الّذِي خَلَقَ السّمَواتِ والأرْضَ فِي سِتّةِ أيّامِ يقول تعالى ذكره: هو الذي أنشأ السموات السبع والأرضين، فدبرهنّ وما فيهنّ، ثم استوى على عرشه، فارتفع عليه وعلا. و قوله: يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الأرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها يقول تعالى ذكره مخبرا عن صفته، وأنه لا يخفى عليه خافية من خلقه يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الأرْضِ من خلقه. يعني ب قوله: يَلِجُ: يدخل وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السّماءِ إلى الأرض من شيء قطّ وَما يَعْرُجُ فِيها فيصعد إليها من الأرض وَهُوَ مَعَكُمْ أيْنَما كُنْتُمْ يقول: وهو شاهد لكم أيها الناس أينما كنتم يعلمكم، ويعلم أعمالكم، ومتقلبكم ومثواكم، وهو على عرشه فوق سمواته السبع وَاللّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير يقول: واللّه بأعمالكم التي تعملونها من حسن وسيىء، وطاعة ومعصية، ذو بصر، وهو لها محص، ليجازي المحسن منكم بإحسانه، والمسيء بإساءته يَوْمَ تُجْزَى كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ. ٥القول فـي تأويـل قوله تعالى: {لّهُ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَإِلَى اللّه تُرْجَعُ الاُمُورُ }. يقول تعالى ذكره: له سلطان السموات والأرض نافذ في جميعهنّ، وفي جميع ما فيهنّ أمره وَإلى اللّه تُرْجَعُ الأُمُورُ يقول جلّ ثناؤه: وإلى اللّه مصير أمور جميع خلقه، فيقضي بينهم بحكمه. ٦و قوله: يُولِجُ اللّيْلَ فِي النّهار يعني ب قوله: يُولِجُ اللّيْلَ فِي النّهارِ يدخل ما نقص من ساعات الليل في النهار، فيجعله زيادة في ساعاته وَيُولِجُ النّهارَ فِي اللّيْلِ يقول: ويدخل ما نقص من ساعات النهار في الليل، فيجعله زيادة في ساعات الليل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل: وقد ذكرنا الرواية بما قالوا فيما مضى من كتابنا هذا، غير أن نذكر في هذا الموضع بعض ما لم نذكر هنالك إن شاء اللّه تعالى: ٢٥٩٨٩ـ حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، في قوله: يُولِجُ اللّيْلَ فِي النّهار وَيُولِجُ النّهارَ فِي اللّيْلِ قال: قصر هذا في طول هذا، وطول هذا في قصر هذا. ٢٥٩٩٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، في قوله: يُولِجُ اللّيْلَ فِي النّهارِ وَيُولِجُ النّهارَ فِي اللّيْلِ قال: دخول الليل في النهار، ودخول النهار في الليل. ٢٥٩٩١ـ حدثني أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، في قوله: يُولِجُ اللّيْلَ فِي النّهارِ وَيُولِجُ النّهارَ فِي اللّيْلِ قال: قصر أيام الشتاء في طول ليله، وقصر ليل الصيف في طول نهاره. و قوله: وَهُوَ عَلِيمٌ بذَاتِ الصّدُورِ يقول: وهو ذو علم بضمائر صدور عباده، وما عزمت عليه نفوسهم من خير أو شرّ، أو حدّثت بهما أنفسهم، لا يخفى عليه من ذلك خافية. ٧القول فـي تأويـل قوله تعالى: {آمِنُواْ بِاللّه وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ مِمّا جَعَلَكُم مّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ }. يقول تعالى ذكره: آمنوا باللّه أيها الناس، فأقرّوا بوحدانيته وبرسوله محمد صلى اللّه عليه وسلم فصدّقوه فيما جاءكم به من عند اللّه واتبعوه، وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه، يقول جلّ ثناؤه: وأنفقوا مما خوّلكم اللّه من المال الذي أورثكم عمن كان قبلكم، فجعلكم خلفاءهم فيه في سبيل اللّه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٥٩٩٢ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول اللّه : مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ قال: المعمرين فيه بالرزق. و قوله: فالّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وأنْفَقُوا يقول: فالذين آمنوا باللّه ورسوله منكم أيها الناس وأنفقوا مما خولهم اللّه عمن كان قبلهم ورزقهم من المال في سبيل اللّه لَهُمْ أجْرٌ كَبِيرٌ يقول: لهم ثواب عظم. ٨القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بِاللّه وَالرّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُمْ مّؤْمِنِينَ }. يقول تعالى ذكره: وما لكم لا تؤمنون باللّه ، وما شأنكم أيها الناس لا تقرّون بوحدانية اللّه ، ورسوله محمد صلى اللّه عليه وسلم يدعوكم إلى الإقرار بوحدانيته، وقد أتاكم من الحجج على حقيقة ذلك، ما قطع عذركم، وأزال الشكّ من قلوبكم، وقد أخذ ميثاقكم، قيل: عني بذلك وقد أخذ منكم ربكم ميثاقكم في صُلب آدم، بأن اللّه ربكم لا إله لكم سواه. ذكر من قال ذلك: ٢٥٩٩٣ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وَقَدْ أخَذَ مِيثاقَكُمْ قال: في ظهر آدم. واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والعراق غير أبي عمرو وَقَدْ أخَذَ مِيثاقَكُمْ بفتح الألف من أخذ ونصب الميثاق، بمعنى: وقد أخذ ربكم ميثاقكم. وقرأ ذلك أبو عمرو: (وقَدْ أُخِذَ مِيثاقُكُمْ) بضمّ الألف ورفع الميثاق، على وجه ما لم يسمّ فاعله. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب، وإن كان فتح الألف من أخذ ونصب الميثاق أعجب القراءتين إليّ في ذلك لكثرة القرأة بذلك، وقلة القراء بالقراءة الأخرى. و قوله: إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يقول: إن كنتم تريدون أن تؤمنوا باللّه يوما من الأيام، فالاَن أحرى الأوقات، أن تؤمنوا لتتابع الحجج عليكم بالرسول وإعلامه، ودعائه إياكم إلى ما قد تقرّرت صحته عندكم بالإعلام والأدلة والميثاق المأخوذ عليكم. ٩هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن اللّه بكم لرؤوف رحيم القول في تأويل قوله تعالى: {هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمت إلي النور} يقول تعالى ذكره: اللّه الذي ينزل على عبده محمد {آيات بينات} يعني مفصلات {ليخرجكم من الظلمات إلى النور} يقول جل ثناؤه: ليخرجكم أيها الناس من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان، ومن الضلالة إلى الهدى.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠١٣- حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: {من الظلمات إلى النور} قال: من الضلالة إلى الهدى..قوله: {وإن اللّه بكم لرؤوف رحيم} يقول تعالى ذكره: وإن اللّه بإنزاله على عبده ما أنزل عليه من الآيات البينات لهدايتكم، وتبصيركم الرشاد، لذو رأفة بكم ورحمة، فمن رأفته ورحمته بكم فعل ذلك ١٠القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلاّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّه وَللّه مِيرَاثُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ...}. يقول تعالى ذكره: وما لكم أيها الناس لا تنفقوا مما رزقكم اللّه في سبيل اللّه وإلى اللّه صائرٌ أموالكم إن لم تنفقوها في حياتكم في سبيل اللّه ، لأن له ميراث السموات والأرض، وإنما حثهم جل ثناؤه بذلك على حظهم، فقال لهم: أنفقوا أموالكم في سبيل اللّه ، ليكون ذلكم لكم ذخرا عند اللّه من قبل أن تموتوا، فلا تقدروا على ذلك، وتصير الأموال ميراثا لمن له السموات والأرض. و قوله: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْح وَقاتَلَ. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: لا يستوي منكم أيها الناس من آمن قبل فتح مكة وهاجر. ذكر من قال ذلك: ٢٥٩٩٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أنْفَقَ مِن قَبْلِ الفَتْحِ وَقاتَلَ قال: آمن فأنفق، يقول: من هاجر ليس كمن لم يهاجر. حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْحِ يقول: من آمن. ٢٥٩٩٦ـ قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: يقول غير ذلك. وقال آخرون: عني بالفتح فتح مكة، وبالنفقة: النفقة في جهاد المشركين. ذكر من قال ذلك: ٢٥٩٩٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْحِ وَقاتَلَ أُولَئِكَ أعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الّذِينَ أنْفَقُوا مِنْ بَعْدِ وَقاتَلُوا وكُلاّ وَعَدَ اللّه الْحُسْنَى قال: كان قتالان، أحدهما أفضل من الاَخر، وكانت نفقتان إحداهما أفضل من الأخرى، كانت النفقة والقتال من قبل الفتح (فتح مكة) أفضل من النفقة والقتال بعد ذلك. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: مِنْ قَبْلِ الفَتْحِ قال: فتح مكة. ٢٥٩٩٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد اللّه بن عياش، قال: قال زيد بن أسلم في هذه الآية لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أنْفَقَ مِن قَبْلِ الفَتحِ قال: فتح مكة. وقال آخرون: عني بالفتح في هذا الموضع: صلح الحديبية. ذكر من قال ذلك: ٢٥٩٩٩ـ حدثني إسحاق بن شاهين، قال: حدثنا خالد بن عبد اللّه ، عن داود، عن عامر، قال: فصل ما بين الهجرتين فتح الحديبية، يقول تعالى ذكره: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْح وَقاتَلَ... الآية. ٢٦٠٠٠ـ حدثني حُمَيد بن مسعدة، قال: حدثنا بشر بن المفضل، قال: حدثنا داود، عن عامر، في هذه الآية، قوله: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ منْ أنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْحِ وَقاتَل قال: فتح الحديبية، قال: فصل ما بين العمرتين فتح الحديبية. ٢٦٠٠١ـ حدثني ابن المثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا داود، عن عامر، قال: فصل ما بين الهجرتين فتح الحديبية. وأُنزلت لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أنْفَقَ مِنْ قَبْلَ الفَتْحِ... إلى وَاللّه بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فقالوا: يا رسول اللّه فتحٌ هو؟ قال: (نَعَمْ عَظِيمٌ) . حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا داود، عن عامر، قال: فصل ما بين الهجرتين فتح الحديبية، ثم تلا هنا الآية لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ... الآية. ٢٦٠٠٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدريّ، قال: قال لنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عام الحديبية: (يُوشِكُ أنْ يأتِي قَوْمٌ تَحَقِرُونَ أعمالَكُمْ مَعَ أعمالِهِمْ) ، قلنا: من هم يا رسول اللّه ، أقريش هم؟ قال: (لا، وَلَكَنْ أهْلُ اليَمَنِ أرَقّ أفْئِدَةً وألْيَنُ قُلُوبا) ، فقلنا: هم خير منا يا رسول اللّه ، فقال: (لَوْ كانَ لأَحَدَهِمْ جَبَلٌ مِنْ ذَهَب فأنْفَقَهُ ما أدْرَكَ مُدّ أحَدِكُمْ وَلا نَصِيفَهُ، ألا إنّ هَذَا فَصْلُ ما بَيْنَنا وَبَينَ النّاسِ، لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْحِ... الآية، إلى قوله: وَاللّه بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) . حدثني ابن البَرْقيّ، قال: حدثنا ابن أبي مريم، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: أخبرني زيد بن أسلم، عن أبي سعيد التمار، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (يُوشِكُ أنْ يأَتِي قَوْمٌ تَحَقِرُونَ أعمالَكُمْ مع أعمالَهُمْ) ، فقلنا: من هم يا رسولَ اللّه ، أقريش؟ قال: (لا، هُمْ أرَقّ أفْئَدَةً وألْيَنُ قُلُوبا) ، وأشار بيده إلى اليمن، فقال: (هُمْ أهْلُ اليَمَنِ، ألا إنّ الإيمانَ يمانِ، والْحِكْمَةُ يَمانِيَةٌ) فقلنا: يا رسول اللّه هم خير منا؟ قال: (وَالّذِي نَفْسِي بِيَده لَوْ كان لأحَدِهِمْ جَبَلُ ذَهَب يُنْفِقَهُ ما أدْرَكَ مُدّ أحَدِكُمْ وَلا نَصِيفَهُ) ، ثم جمع أصابعه، ومدّ خنصره وقال: (إلا إنّ هَذَا فَصْلُ ما بَيْنَنا وَبَيَنَ النّاسِ) لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْحِ وَقاتَل أُولَئِكَ أعْظَمُ دَرَجةً مِنَ الّذِينَ أنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وكُلاّ وَعَدَ اللّه الْحُسْنَى. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي أن يقال: معنى ذلك لا يستوي منكم أيها الناس من أنفق في سبيل اللّه من قبل فتح الحُدَيبية للذي ذكرنا من الخبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، الذي رويناه عن أبي سعيد الخُدريّ عنه، وقاتل المشركين بمن أنفق بعد ذلك، وقاتل وترك ذكر من أنفق بعد ذلك، وقاتل استغناء بدلالة الكلام الذي ذُكر عليه من ذكره أُولَئِكَ أعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الّذِينَ أنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين أنفقوا في سبيل اللّه من قبل فتح الحديبية، وقاتلوا المشركين أعظم درجة في الجنة عند اللّه من الذين أنفقوا من بعد ذلك، وقاتلوا. و قوله: وَكُلاّ وَعَدَ اللّه الْحُسْنَى يقول تعالى ذكره: وكلّ هؤلاء الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، والذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، وعد اللّه الجنة بإنفاقهم في سبيله، وقتالهم أعداءه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠٠٣ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مِنَ الّذِينَ أنْفَقُوا وآمَنُوا وكُلاّ وَعَدَ اللّه الْحُسْنَى قال: الجنة. ٢٦٠٠٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وكُلاّ وَعَدَ اللّه الْحُسْنَى قال: الجنة. و قوله: وَاللّه بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ يقول تعالى ذكره: واللّه بما تعملون من النفقة في سبيل اللّه ، وقتال أعدائه، وغير ذلك من أعمالكم التي تعملون، خبير لا يخفى عليه منها شيء، وهو مجازيكم على جميع ذلك يوم القيامة. ١١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {مّن ذَا الّذِي يُقْرِضُ اللّه قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ }. يقول تعالى ذكره: من هذا الذي ينفق في سبيل اللّه في الدنيا محتسبا في نفقته مبتغيا ما عند اللّه ، وذلك هو القرض الحسن، يقول: فيضاعف له ربه قرضه ذلك الذي أقرضه، بإنفاقه في سبيله، فيجعل له بالواحدة سبع مئة. وكان بعض نحويّي البصرة يقول في قوله: مَنْ ذَا الّذِي يُقْرِضُ اللّه قَرْضا حَسَنا فهو كقول العرب: لي عندك قرض صدق، وقرض سَوْء إذا فعل به خيرا وأنشد ذلك بيتا للشنفري: سَنجْزِي سَلامانَ بنَ مُفْرِجَ قَرْضَهابِمَا قَدّمَتْ أيْدِيهِمْ فأزَلّتِ وَلَهُ أجْرٌ كَرِيمٌ يقول: وله ثواب وجزاء كريم، يعني بذلك الأجر: الجنة، وقد ذكرنا الرواية عن أهل التأويل في ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته. ١٢القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىَ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ...}. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: يَوْمَ تَرَى المُؤْمِنِينٌ وَالمُؤْمِناتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَينَ أيْدِيهِمْ وبأيمانِهِمْ فقال بعضهم: معنى ذلك: يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يضيء نورهم بين أيديهم وبأيمانهم. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠٠٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يَوْمَ تَرَى المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ... الآية، ذُكر لنا أن نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول: (مِنَ المُؤْمِنِينَ مَنْ يُضِيءُ نُورُهُ مِنع المَدِينَةِ إلى عَدَنَ أبَيْنَ فَصَنْعاءَ، فَدُونَ ذلكَ، حتى إنّ مِنَ المُؤْمِنِينَ مَنْ لا يُضِيء نُورُهُ إلاّ مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ) . حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، بنحوه. ٢٦٠٠٦ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي يذكر عن المنهال، عن عمرو، عن قيس بن سكن، عن عبد اللّه ، قال: يؤتون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة، ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم، وأدناهم نورا على إبهامه يطفأ مرة ويقدُ مرّة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى إيمانهم وهداهم بين أيديهم، وبأيمانهم: كتبهم. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠٠٧ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يَسْعَى نُورُهُمْ بَينَ أيْدِيهِمْ وَبأيمانِهِمْ: كتبهم، يقول اللّه : فأما من أوتي كتابه بيمينه، وأما نورهم فهداهم. وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي ذكرناه عن الضحاك ، وذلك أنه لو عنى بذلك النور الضوء المعروف، لم يخصّ عنه الخبر بالسعي بين الأيدي والأيمان دون الشمائل، لأن ضياء المؤمنين الذي يؤتونه في الاَخرة يضيء لهم جميع ما حولهم، وفي خصوص اللّه جل ثناؤه الخبر عن سعيه بين أيديهم وبأيمانهم دون الشمائل، ما يدلّ على أنه معنيّ به غير الضياء، وإن كانوا لا يخلون من الضياء. فتأويل الكلام إذ كان الأمر على ما وصفنا: وكلاّ وعد اللّه الحسنى يوم ترون المؤمنين والمؤمنات يسعى ثواب إيمانهم وعملهم الصالح بين أيديهم، وفي أيمانهم كتب أعمالهم تتطاير. و يعني ب قوله: يَسْعَى يمضي، والباء في قوله: وبأيمانِهِمْ بمعنى في. وكان بعض نحويي البصرة يقول: الباء في قوله: وبأيمانِهِمْ بمعنى على أيمانهم. و قوله: يَومَ تَرَى من صلة وعد. و قوله: بُشْرَاكُمُ اليَوْمَ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ يقول تعالى ذكره يقال لهم: بشارتكم اليوم أيها المؤمنون التي تبشرون بها جنات تجري من تحتها الأنهار، فأبشروا بها. و قوله: خالِدِينَ فِيها يقول: ماكثين في الجنات، لا ينتقلون عنها ولا يتحولون. و قوله: ذلكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمِ يقول: خلودهم في الجنات التي وصفها هو النجح العظيم الذي كانوا يطلبونه بعد النجاة من عقاب اللّه ، ودخول الجنة خالدين فيها. ١٣القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلّذِينَ آمَنُواْ انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نّورِكُمْ ...}. يقول تعالى ذكره: هو الفوز العظيم في يوم يقول المنافقون والمنافقات، واليوم من صلة الفوز للذين آمنوا باللّه ورسله: انظرونا. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: انْظُرُونا فقرأت ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة انْظُرُونا موصولة بمعنى: انتظرونا، وقرأته عامة قرّاء الكوفة (أنْظُرُونا) مقطوعة الألف من أنظرت بمعنى: أخرونا، وذكر الفرّاء أن العرب تقول: أنظرني وهم يريدون: انتظرني قليلاً وأنشد في ذلك بيت عمرو بن كلثوم: أبا هِنْدٍ فَلا تَعْجَلْ عَلَيْناوأنْظِرْنا نُخَبّرْكَ اليعقِينَا قال: فمعنى هذا: انتظرنا قليلاً نخبرك، لأنه ليس ها هنا تأخير، إنما هو استماع كقولك للرجل: اسمع مني حتى أخبرك. والصواب من القراءة في ذلك عندي الوصل، لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب إذا أريد به انتظرنا، وليس للتأخير في هذا الموضع معنى، فيقال: أنظرونا، بفتح الألف وهمزها. و قوله: نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ يقول: نستصبح من نوركم، والقبس: الشعلة. و قوله: قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فالْتَمِسُوا نُورا يقول جلّ ثناؤه: فيجابون بأن يقال لهم: ارجعوا من حيث جئتم، واطلبوا لأنفسكم هنالك نورا، فإنه لا سبيل لكم إلى الاقتباس من نورنا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠٠٨ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: يَوْمَ يَقُولُ المُنافِقُونَ وَالمُنافِقاتُ... إلى قوله: وَبِئْسَ المَصِيرُ قال ابن عباس : بينما الناس في ظلمة، إذ بعث اللّه نورا فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه، وكان النور دليلاً من اللّه إلى الجنة فلما رأى المنافقون المؤمنين قد انطلقوا، تبعوهم، فأظلم اللّه على المنافقين، فقالوا حينئذٍ: انظرونا نقتبس من نوركم، فإنا كنا معكم في الدنيا قال المؤمنون: ارجعوا من حيث جئتم من الظلمة، فالتمسوا هنالك النور. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: يَوْمَ يَقُولُ المُنافِقُونَ وَالمُنافِقاتُ لِلّذِينَ آمَنُوا... الآية، كان ابن عباس يقول: بينما الناس في ظلمة، ثم ذكر نحوه. و قوله: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ يقول تعالى ذكره: فضرب اللّه بين المؤمنين والمنافقين بسُور، وهو حاجز بين أهل الجنة وأهل النار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠٠٩ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: بِسُورٍ لَهُ بَابٌ قال: كالحجاب في الأعراف. ٢٦٠١٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ السور: حائط بين الجنة والنار. ٢٦٠١١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ قال: هذا السور الذي قال اللّه وَبَيْنَهُما حِجابٌ. وقد قيل: إن ذلك السور ببيت المقدس عند وادي جهنم. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠١٢ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا الحسن بن بلال، قال: حدثنا حماد، قال: أخبرنا أبو سنان، قال: كنت مع عليّ بن عبد اللّه بن عباس ، عند وادي جهنم، فحدّث عن أبيه قال: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ فقال: هذا موضع السور عند وادي جهنم. ٢٦٠١٣ـ حدثني إبراهيم بن عطية بن رُدَيح بن عطية، قال: ثني عمي محمد بن رُدَيح بن عطية، عن سعيد بن عبد العزيز، عن أبي العوّام، عن عُبادة بن الصامت أنه كان يقول: بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ، قال: هذا باب الرحمة. ٢٦٠١٤ـ حدثنا ابن البرقي، قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد بن عطية بن قيس، عن أبي العوّام مؤذّنِ بيت المقدس، قال: سمعت عبد اللّه بن عمرو بن العاص يقول: إن السور الذي ذكره اللّه في القرآن: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ هو السور الشرقيّ، باطنه المسجد، وظاهره وادي جهنم. ٢٦٠١٥ـ حدثني محمد بن عوف، قال: حدثنا أبو المُغيرة، قال: حدثنا صفوان، قال: حدثنا شريج أن كعبا كان يقول في الباب الذي في بيت المقدس: إنه الباب الذي قال اللّه : فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ. و قوله: لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرّحْمَةُ يقول تعالى ذكره: لذلك السور باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبل ذلك الظاهر العذاب: يعني النار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠١٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ: أي النار. ٢٦٠١٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: باطِنُهُ فِيهِ الرّحْمَةُ قال: الجنة وما فيها. ١٤و قوله: يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى يقول تعالى ذكره: ينادي المنافقون المؤمنين حين حُجز بينهم بالسور، فبقوا في الظلمة والعذاب، وصار المؤمنون في الجنة، ألم نكن معكم في الدنيا نصلي ونصوم، ونناكحكم ونوارثكم؟ قالوا: بلى، يقول: قال المؤمنون: بلى، بل كنتم كذلك، ولكنكم فَتَنتم أنفسكم، فنافقتم، وفِتْنتهم أنفسَهم في هذا الموضع كانت النفاق. وكذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠١٨ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فَتَنْتُمْ أنْفُسَكُمْ قال: النفاق، وكان المنافقون مع المؤمنين أحياء يناكحونهم، ويغشَوْنهم، ويعاشرونهم، وكانوا معهم أمواتا، ويعطون النور جميعا يوم القيامة، فيطفأ النور من المنافقين إذا بلغوا السور، ويماز بينهم حينئذٍ. و قوله: وَتَرَبّصْتُمْ يقول: وتلبثتم بالإيمان، ودافعتم بالإقرار باللّه ورسوله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠١٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَتَرَبّصْتُمْ قال: بالإيمان برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وقرأ فَتَرَبّصُوا إنّا مَعَكُمْ مُتَرَبّصُونَ. ٢٦٠٢٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَتَرَبّصْتُمْ يقول: تربصوا بالحق وأهله و قوله: وَارْتَبْتُمْ يقول: وشككتم في توحيد اللّه ، وفي نبوّة محمد صلى اللّه عليه وسلم . كما: ٢٦٠٢١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَارْتَبْتُمْ: شكوا. ٢٦٠٢٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَارْتَبْتُمْ كانوا في شكّ من اللّه . و قوله: وَغَرّتْكُمُ الأمانِيّ يقول: وخدعتكم أمانيّ نفوسكم، فصدتكم عن سبيل اللّه وأضلتكم حتى جاءَ أمْرُ اللّه يقول: حتى جاء قضاء اللّه بمناياكم، فاجتاحتكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠٢٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَغَرّتْكُمُ الأمانِيّ حتى جاءَ أمْرُ اللّه كانوا على خُدعة من الشيطان، واللّه ما زالوا عليها حتى قذفهم اللّه في النار. و قوله: وَغَرّكُمْ باللّه الغَرُورُ يقول: وخدعكم باللّه الشيطان، فأطمعكم بالنجاة من عقوبته، والسلامة من عذابه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠٢٤ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الغَرُورُ: أي الشيطان. ٢٦٠٢٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَغَرّكُمْ باللّه الغَرُورُ: أي الشيطان. ٢٦٠٢٦ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَغَرّكُمْ باللّه الغَرُورِ: الشيطان. ١٥القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ الّذِينَ كَفَرُواْ مَأْوَاكُمُ النّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل المؤمنين لأهل النفاق، بعد أن ميز بينهم في القيامة فالْيَوْمَ أيها المنافقون لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ يعني : عوضا وبدلاً يقول: لا يؤخذ ذلك منكم بدلاً من عقابكم وعذابكم، فيخلصكم من عذاب اللّه وَلا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا يقول: ولا تؤخذ الفدية أيضا من الذين كفروا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠٢٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا يعني المنافقين، ولا من الذين كفروا. ٢٦٠٢٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ من المنافقين وَلا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا معكم مأوَاكُمُ النّارُ. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: فالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ فقرأت ذلك عامة القرّاء بالياء يُؤْخَذُ، وقرأه أبو جعفر القارىء بالتاء. وأولى القراءتين بالصواب الياء وإن كانت الأخرى جائزة. و قوله: مأْوَاكُمُ النّارُ يقول: مثواكم ومسكنكم الذي تسكنونه يوم القيامة النار. و قوله: هِيَ مَوْلاكُمْ يقول: النار أولى بكم. و قوله: وَبِئْسَ المَصِيرُ يقول: وبئس مصير من صار إلى النار. ١٦القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلّذِينَ آمَنُوَاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّه وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقّ ...}. يقول تعالى ذكره: أَلمْ يَأَنِ للّذِينَ آمَنُوا: ألم يحن للذين صدّقوا اللّه ورسوله أن تلين قلوبهم لذكر اللّه ، فتخضع قلوبهم له، ولما نزل من الحقّ، وهو هذا القرآن الذي نزّله على رسوله صلى اللّه عليه وسلم . ذكر من قال ذلك: ٢٦٠٢٩ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: أَلَمْ يَأَنِ لِلّذِينَ آمَنُوا أنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّه قال: تطيع قلوبهم. ٢٦٠٣٠ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرِمة ألَمْ يأَنِ لِلّذِينَ آمَنُوا أنْ تَخْشعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّه .... ٢٦٠٣١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: أَلَمْ يأنِ لِلّذِينَ آمَنُوا أنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّه ... الآية. ذُكر لنا أن شدّاد بن أوس كان يروي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال: (إن أوّلَ ما يُرْفَعُ مِنَ النّاس الخُشُوعُ) . حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، قال: كان شدّاد بن أوس يقول أوّل ما يرفع من الناس الخشوع. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: وَما نَزَلَ مِنَ الحَقّ فقرأته عامة القرّاء غير شيبة ونافع بالتشديد (نَزّل) ، وقرأه شيبة ونافع، وما نزل بالتخفيف، وبأيّ القراءتين قرأ القارىء فمصيب، لتقارب معنييهما. و قوله: وَلا يَكُونُوا كالّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِن قَبْل فَطالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ يقول تعالى ذكره: ألم يأن لهم أن ولا يكونوا، يعني الذين آمنوا من أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم كالّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ يعني من بني إسرائيل، و يعني بالكتاب الذي أوتوه من قبلهم التوراة والإنجيل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠٣٢ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا جرير، عن مُغيرة، عن أبي معشر، عن إبراهيم، قال: جاء عتريس ابن عرقوب إلى ابن مسعود، فقال: يا عبد اللّه هلك من لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر، فقال عبد اللّه : هلك من لم يعرف قلبه معروفا، ولم ينكر قلبه منكرا، إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد، وقست قلوبهم اخترعوا كتابا من بين أيديهم وأرجلهم، استهوته قلوبهم، واستحلته ألسنتهم، وقالوا: نعرض بني إسرائيل على هذا الكتاب، فمن آمن به تركناه، ومن كفر به قتلناه قال: فجعل رجل منهم كتاب اللّه في قرن، ثم جعل القَرَن بين ثندُوَتَيْهِ فلما قيل له: أتؤمن بهذا؟ قال: آمنت به، ويومىء إلى القرن الذي بين ثندُوَتَيْهِ، ومالي لا أومن بهذا الكتاب، فمن خير مللّهم اليوم ملة صاحب القرن. و يعني ب قوله: فَطالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ ما بينهم وبين موسى صلى اللّه عليه وسلم ، وذلك الأمد الزمان. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠٣٣ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: الأَمَدُ قال: الدهر. و قوله: فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ عن الخيرات، واشتدّت على السكون إلى معاصي اللّه وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ يقول جلّ ثناؤه: وكثير من هؤلاء الذين أوتوا الكتاب من قبل أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم فاسقون. ١٧القول فـي تأويـل قوله تعالى: {اعْلَمُوَاْ أَنّ اللّه يُحْيِـي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيّنّا لَكُمُ الاَيَاتِ لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ }. يقول تعالى ذكره: اعْلَمُوا أيها الناس أنّ اللّه يُحْيِي الأرْضَ الميتة التي لا تنبت شيئا بَعْدَ مَوْتِها يعني : بعد دثورها ودروسها، يقول: وكما نحيي هذه الأرض الميتة بعد دروسها، كذلك نهدي الإنسان الضّالّ عن الحقّ إلى الحقّ، فنوفّقه ونسدّده للإيمان حتى يصير مؤمنا من بعد كفره، ومهتديا من بعد ضلاله. و قوله: قَدْ بَيّنا لَكُمُ الاَياتِ لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ يقول: قد بيّنا لكم الأدلة والحجج لتعقلوا. ١٨و قوله: إنّ المُصّدّقِينَ وَالمُصّدّقاتِ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار، خلا ابن كثير وعاصم بتشديد الصاد والدال، بمعنى أن المتصدّقين والمتصدّقات، ثم تُدغم التاء في الصاد، فتجعلها صادا مشدّدة، كما قيل: يا أيها المُزّمّلُ يعني المتزمل. وقرأ ابن كثير وعاصم (إنّ المُصَدّقِينَ والمُصَدقاتِ) بتخفيف الصاد وتشديد الدال، بمعنى: إن الذين صدقوا اللّه ورسوله. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان صحيح معنى كلّ واحدة منهما فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. فتأويل الكلام إذن على قراءة من قرأ ذلك بالتشديد في الحرفين: أعني في الصاد والدال، أن المتصدّقين من أموالهم والمتصدّقات وأقْرَضُوا للّه قَرْضا حَسَنا يعني بالنفقة في سبيله، وفيما أمر بالنفقة فيه، أو فيما ندب إليه يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أجْرٌ كَرِيمٌ يقول: يضاعف اللّه لهم قروضهم التي أقرضوها إياه، فيوفيهم ثوابها يوم القيامة، وَلَهُمْ أجْرٌ كَرِيمٌ يقول: ولهم ثواب من اللّه على صدقهم، وقروضهم إياه كريم، وذلك الجنة. ١٩القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالّذِينَ آمَنُواْ بِاللّه وَرُسُلِهِ أُوْلَـَئِكَ هُمُ الصّدّيقُونَ وَالشّهَدَآءُ عِندَ رَبّهِمْ ...}. يقول تعالى ذكره: والذين أقرّوا بوحدانية اللّه وإرساله رسله، فصدّقوا الرسل وآمنوا بما جاؤوهم به من عند ربهم، أولئك هم الصّدّيقون. و قوله: والشّهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: والشهداء عند ربهم منفصل من الذي قبله، والخبر عن الذين آمنوا باللّه ورسله، متناه عند قوله: الصّدّيقُونَ، والصدّيقون مرفوعون ب قوله: هم، ثم ابتدىء الخبر عن الشهداء ف قيل: والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم، والشهداء في قولهم مرفوعون ب قوله: لَهُمْ أجْرَهُمْ وَنُورُهُمْ. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠٣٤ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، في قوله: وَالّذِينَ آمَنُوا باللّه وَرُسِلِهِ أُولَئِكَ هُمْ الصّدّيقُونَ قال: هذه مفصولة والشّهَداءُ عِنْدَ رَبّهِمْ لَهُمْ أجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ. ٢٦٠٣٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق أُولَئِكَ هُمُ الصّديقُونَ والشّهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ لَهُمْ أجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ قال: هي للشهداء خاصة. حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: هي خاصة للشهداء. ٢٦٠٣٦ـ قال: ثنا مهران، عن سفيان عن أبي الضحى أُولَئِكَ هُمُ الصّدّيقُونَ ثم استأنف الكلام فقال: والشهداء عند ربهم. ٢٦٠٣٧ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: وَالّذِينَ آمَنُوا باللّه وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصّدّيقُون هذه مفصولة، سماهم اللّه صدّيقين بأنهم آمنوا باللّه وصدّقوا رسله، ثم قال: والشّهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ لَهُمْ أجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ هذه مفصولة. وقال آخرون: بل قوله: والشهداء من صفة الذين آمنوا باللّه ورسله قالوا: إنما تناهى الخبر عن الذين آمنوا عند قوله: والشُهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ ثم ابتدىء الخبر عما لهم، ف قيل: لهم أجرهم ونورهم. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠٣٨ـ حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرنا أبو قيس أنه سمع هذيلاً يحدّث، قال: ذكروا الشهداء، فقال عبد اللّه : الرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، والرجل يقاتل للدنيا، والرجل يقاتل للسمعة، والرجل يقاتل للمغنم قال شعبة شيئا هذا معناه: والرجل يقاتل يريد وجه اللّه ، والرجل يموت على فراشه وهو شهيد، وقرأ عبد اللّه هذه الآية وَالّذِينَ آمَنُوا باللّه وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصّدّيقُونَ والشّهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ. ٢٦٠٣٩ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، وليث عن مجاهد والّذِينَ آمَنُوا باللّه وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصّدّيقُونَ والشّهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ لَهُمْ أجْرُهُم وَنُورُهُمْ قال: كلّ مؤمن شهيد، ثم قرأها. ٢٦٠٤٠ـ حدثني صالح بن حرب أبو معمر، قال: حدثنا إسماعيل بن يحيى، قال: حدثنا ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن البراء بن عازب، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (مُؤْمِنُو أُمّتِي شُهَداءُ) . قال: ثم تلا النبي صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية وَالّذِينَ آمَنُوا باللّه وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصّدّيقُونَ والشّهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ. ٢٦٠٤١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: الصّدّيقُونَ والشّهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ قال: بالإيمان على أنفسهم باللّه . وقال آخرون: الشهداء عند ربهم في هذا الموضع: النبي ون الذين يشهدون على أممهم من قول اللّه عزّ وجلّ فَكَيْفَ إذَا جِئْنا مِنْ كُلّ أُمّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ على هَؤُلاءِ شَهِيدا. والذي هو أولى الأقوال عندي في ذلك بالصواب قول من قال: الكلام والخبر عن الذين آمنوا، متناه عند قوله: أُولَئِكَ هُمُ الصّدّيقُونَ وإن قوله: والشّهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ خبر مبتدأ عن الشهداء. وإنما قلنا: إن ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصواب، لأن ذلك هو الأغلب من معانيه في الظاهر، وأنّ الإيمان غير موجب في المتعارف للمؤمن اسم شهيد لا بمعنى غيره، إلا أن يُراد به شهيد على ما آمن به وصدّقه، فيكون ذلك وجها، وإن كان فيه بعض البعد، لأن ذلك ليس بالمعروف من معانيه، إذا أطلق بغير وصل، فتأويل قوله: والشُهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ لَهُمْ أجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ إذن والشهداء الذين قُتلوا في سبيل اللّه ، أو هلكوا في سبيله عند ربهم، لهم ثواب اللّه إياهم في الاَخرة ونورهم. و قوله: وَالّذِينَ كَفَرُوا وكَذّبُوا بآياتِنا أُولَئِكَ أصحَابُ الجَحِيمِ يقول تعالى ذكره: والذين كفروا باللّه وكذّبوا بأدلته وحججه، أولئك أصحاب الجحيم. ٢٠القول فـي تأويـل قوله تعالى: {اعْلَمُوَاْ أَنّمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ ...}. يقول تعالى ذكره: اعلموا أيها الناس أن متاع الحياة الدنيا المعجلة لكم، ما هي إلا لعب ولهو تتفكّهون به، وزينة تتزيّنون بها، وتفاخر بينكم، يفخر بعضكم على بعض بما أولى فيها من رياشها وَتكاثُرٌ في الأمْوَالِ والأوْلادِ يقول تعالى ذكره: ويباهي بعضكم بعضا بكثرةِ الأموال والأولاد كَمَثَلِ غَيْثٍ أعْجَبَ الكُفّارَ نَباتُهُ ثُمّ يَهِيجُ يقول تعالى ذكره: ثم ييبس ذلك النبات فَتَراهُ مُصْفَرّا بعد أن كان أخضرَ نضِرا. و قوله: ثُمّ يَكُونُ حُطاما يقول تعالى ذكره: ثم يكون ذلك النبات حطاما، يعني به أنه يكون نبتا يابسا متهشما وفِي الاَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ يقول تعالى ذكره: وفي الاَخرة عذاب شديد للكفار وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللّه وَرِضْوَانٌ لأهل الإيمان باللّه ورسوله. كما: ٢٦٠٤٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: اعْلَمُوا أنّمَا الْحَياةُ الدّنيْا لَعِبٌ ولَهْوٌ... الآية، يقول: صار الناس إلى هذين الحرفين في الاَخرة. وكان بعض أهل العربية يقول في قوله: وفِي الاَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللّه وَرِضْوَانٌ ذكر ما في الدنيا، وأنه على ما وصف، وأما الاَخرة فإنها إما عذاب، وإما جنة. قال: والواو فيه وأو بمنزلة واحدة. و قوله: وَما الْحَياةُ الدّنيْا إلاّ مَتاعُ الغُرُورِ يقول تعالى ذكره: وما زينة الحياة الدنيا المعجلة لكم أيها الناس، إلا متاع الغرور. ٢٦٠٤٣ـ حدثنا عليّ بن حرب الموصلي، قال: حدثنا المحاربيّ: عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الجَنّةِ خَيْرٌ مِنَ الدّنْيا وَما فيها) . ٢١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {سَابِقُوَاْ إِلَىَ مَغْفِرَةٍ مّن رّبّكُمْ وَجَنّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السّمَآءِ وَالأرْضِ...}. يقول تعالى ذكره: سابِقُوا أيها الناس إلى عمل يوجب لكم مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبّكُمْ وَجَنّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السّماءِ والأرْضِ أُعِدّتْ هذه الجنة لِلّذِينَ آمَنُوا باللّه وَرُسُلِهِ يعني الذين وحّدوا اللّه ، وصدّقوا رسله. و قوله: ذَلِكَ فَضْلُ اللّه يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ يقول جلّ ثناؤه: هذه الجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض التي أعدّها اللّه للذين آمنوا باللّه ورسله، فضل اللّه تفضل به على المؤمنين، واللّه يؤتي فضله من يشاء من خلقه، وهو ذو الفضل العظيم عليهم، بما بسط لهم من الرزق في الدنيا، ووهب لهم من النّعم، وعرّفهم موضع الشكر، ثم جزاهم في الاَخرة على الطاعة ما وصف أنه أعدّه لهم. ٢٢القول فـي تأويـل قوله تعالى: {مَآ أَصَابَ مِن مّصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلاَ فِيَ أَنفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مّن قَبْلِ أَن نّبْرَأَهَآ إِنّ ذَلِكَ عَلَى اللّه يَسِيرٌ }. يقول تعالى ذكره: ما أصابكم أيها الناس من مصيبة في الأرض بجدوبها وقحوطها، وذهاب زرعها وفسادها وَلا فِي أنْفُسِكُمْ بالأوصاب والأوجاع والأسقام إلاّ فِي كِتابٍ يعني إلا في أمّ الكتاب مِنْ قَبْل أنْ نَبْرأها يقول: من قبل أن نبرأ الأنفس، يعني من قبل أن نخلقها. يقال: قد برأ اللّه هذا الشيء، بمعنى: خلقه فهو بارئه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠٤٤ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، في قوله: ما أصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أنْفُسِكُمْ إلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أنْ نَبْرَأَها قال: هو شيء قد فرغ منه من قبل أن نبرأ النفس. ٢٦٠٤٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: ثن سعيد، عن قتادة ، في قوله: ما أصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ أما مصيبة الأرض: فالسنون. وأما في أنفسكم: فهذه الأمراض والأوصاب مِنْ قَبْلِ أن نَبْرَأَها: من قبل أن نخلقها. ٢٦٠٦٥حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: ما أصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ قال: هي السنون وَلا فِي أنْفُسِكُمْ قال: الأوجاع والأمراض. قال: وبلغنا أنه ليس أحد يصيبه خدَش عود، ولا نَكْبة قدم، ولاخَلَجَانُ عِرْقٍ إلا بذنب، وما يعفو عنه أكثر. ٢٦٠٤٦ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن منصور بن عبد الرحمن، قال: كنت جالسا مع الحسن، فقال رجل: سله عن قوله: ما أصَابَ مِنْ مُصِيبَة فِي الأرْضِ وَلا في أنْفُسِكُم إلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْل أنْ نَبْرَأها فسألته عنها، فقال: سبحان اللّه ، ومن يشكّ في هذا؟ كلّ مصيبة بين السماء والأرض ففي كتاب اللّه من قبل أن تبرأ النسمة. ٢٦٠٤٧ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ما أصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أنْفُسِكُمْ إلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْل أن نبرَأها يقول: هو شيء قد فرغ منه من قبل أن نبرأها: من قبل أن نبرأ الأنفس. ٢٦٠٤٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قول اللّه جلّ ثناؤه: فِي كِتابٍ مِنْ قَبْل أنْ نَبْرَأها قال: من قبل أن نخلقها، قال: المصائب والرزق والأشياء كلها مما تحبّ وتكره فرغ اللّه من ذلك كله قبل أن يبرأ النفوس ويخلقها. وقال آخرون: عُنِي بذلك: ما أصاب من مصيبة في دين ولا دنيا. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠٤٩ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، في قوله: ما أصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أنْفُسِكُمْ إلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْل أنْ نَبْرَأَها يقول: في الدين والدنيا إلا في كتاب من قبل أن نخلقها. واختلف أهل العربية في معنى في التي بعد قوله: إلا فقال بعض نحويّي البصرة: يريد واللّه أعلم بذلك: إلا هي في كتاب، فجاز فيه الإضمار. قال: ويقول: عندي هذا ليس إلا يريد إلا هو. وقال غيره منهم، قوله: فِي كِتابٍ من صلة ما أصاب، وليس إضمار هو بشيء، وقال: ليس قوله عندي هذا ليس إلا مثله، لأن إلاّ تكفي من الفعل، كأنه قال: ليس غيره. و قوله: إنّ ذلكَ على اللّه يَسِيرٌ يقول تعالى ذكره: إن خلق النفوس، وإحصاء ما هي لاقية من المصائب على اللّه سهل يسير. ٢٣القول فـي تأويـل قوله تعالى: {لّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىَ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَاللّه لاَ يُحِبّ كُلّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ }. يعني تعالى ذكره: ما أصابكم أيها الناس من مصيبة في أموالكم ولا في أنفسكم، إلا في كتاب قد كُتب ذلك فيه من قبل أن نخلق نفوسكم لِكَيْلا تَأسُوْا يقول: لكيلا تحزنوا على ما فاتَكُمْ من الدنيا، فلم تدركوه منها وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ منها. ومعنى قوله: بِما آتاكُمْ إذا مدّت الألف منها: بالذي أعطاكم منها ربكم وملّككم وخَوّلكم وإذا قُصرت الألف، فمعناها: بالذي جاءكم منها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠٥٠ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس لِكَيْلا تَأْسَوْا على ما فاتَكُمْ من الدنيا وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ منها. ٢٦٠٥١ـ حُدثت عن الحسين بن يزيد الطحان، قال: حدثنا إسحاق بن منصور، عن قيس، عن سماك، عن عكرِمة، عن ابن عباس لِكَيْلا تَأسَوْا على ما فاتَكُمْ قال: الصبر عند المصيبة، والشكر عند النعمة. حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن سماك البكري، عن عكرِمة، عن ابن عباس لِكَيْلا تَأْسَوْا على ما فاتَكُمْ قال: ليس أحد إلا يحزن ويفرح، ولكن من أصابته مصيبة فجعلها صبرا، ومن أصابه خير فجعله شكرا. ٢٦٠٥٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول اللّه عز وجل: لِكَيْلا تَأْسَوْا على ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ قال: لا تأسوا على ما فاتكم من الدنيا، ولا تفرحوا بما آتاكم منها. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: بِما آتاكُمْ فقرأ ذلك عامة قرّاء الحجاز والكوفة بِما آتاكُمْ بمدّ الألف. وقرأه بعض قرّاء البصرة (بِما أتاكُمْ) بقصر الألف وكأن من قرأ ذلك بقصر الألف اختار قراءته كذلك، إذ كان الذي قبله على ما فاتكم، ولم يكن على ما أفاتكم، فيردّ الفعل إلى اللّه ، فألحق قوله: (بِمَا أتاكُمْ) به، ولم يردّه إلى أنه خبر عن اللّه . والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان صحيح معناهما، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب، وإن كنت أختار مدّ الألف لكثرة قارئي ذلك كذلك، وليس للذي اعتلّ به منه معتلو قارئيه بقصر الألف كبير معنى، لأن ما جعل من ذلك خبرا عن اللّه ، وما صرف منه إلى الخبر عن غيره، فغير خارج جميعه عند سامعيه من أهل العلم أنه من فعل اللّه تعالى، فالفائت من الدنيا من فاته منها شيء، والمدرك منها ما أدرك عن تقدّم اللّه عزّ وجلّ وقضائه، وقد بين ذلك جل ثناؤه لمن عقل عنه ب قوله: ما أصَابَ مِنْ مُصيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أنْفُسِكُم إلاّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أنْ نَبْرَأَها فأخبر أن الفائت منها بإفاتته إياهم فاتهم، والمدرك منها بإعطائه إياهم أدركوا، وأن ذلك محفوظ لهم في كتاب من قبل أن يخلقهم. و قوله: واللّه لا يُحِبّ كُلّ مُختالٍ فَخورٍ يقول: واللّه لا يحبّ كلّ متكبر بما أوتي من الدنيا، فخور به على الناس. ٢٤القول فـي تأويـل قوله تعالى: {الّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلّ فَإِنّ اللّه هُوَ الْغَنِيّ الْحَمِيدُ }. يقول تعالى ذكره: واللّه لا يحبّ كلّ مختال فخور، الباخلين بما أوتوا في الدنيا على اختيالهم به وفخرهم بذلك على الناس، فهم يبخلون بإخراج حق اللّه الذي أوجبه عليهم فيه، ويشِحّون به، وهم مع بخلهم به أيضا يأمرون الناس بالبخل. و قوله: وَمَنْ يَتَولّ فإنّ اللّه هُوَ الغَنِيّ الحَمِيدُ يقول تعالى ذكره: ومن يُدْبِرْ مُعْرِضا عن عظة اللّه فإنّ اللّه هُوَ الغَنِيّ الْحَمِيدُ يقول تعالى ذكره: ومن يدبر معرضا عن عظة اللّه ، تاركا العمل بما دعاه إليه من الإنفاق في سبيله، فرِحا بما أوتي من الدنيا مختالاً به فخورا بخيلاً، فإن اللّه هو الغنيّ عن ماله ونفقته، وعن غيره من سائر خلقه، الحميد إلى خلقه بما أنعم به عليهم من نِعمه. واختلف أهل العربية في موضع جواب قوله: الّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيأْمَرُونَ النّاس بالبُخْلِ فقال بعضهم: استغنى بالأخبار التي لأشباههم، ولهم في القرآن، كما قال: وَلَوْ أنّ قُرْآنا سُيّرَتْ بِهِ الجِبالُ أوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرْضُ أوْ كُلّمَ بِهِ المَوْتَى، ولم يكن في ذا الموضع خبر واللّه أعلم بما ينزل، هو كما أنزل، أو كما أراد أن كون. وقال غيره من أهل العربية: الخبر قد جاء في الآية التي قبل هذه الّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيأْمُرُونَ النّاسَ بالبُخْلِ وَمنْ يَتَولّ فإنّ اللّه هُوَ الغَنِيّ الْحَمِيدُ عطف بجزاءين على جزاء، وجعل جوابهما واحدا، كما تقول: إن تقم وإن تحسن آتك، لا أنه حذف الخبر. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: فإنّ اللّه هُوَ الغَنِيّ الْحَمِيدُ فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة (فإنّ اللّه الغَنِيّ) بحذف هو من الكلام، وكذلك ذلك في مصاحفهم بغير هو. وقرأته عامة قرّاء الكوفة فإنّ اللّه هُوَ الغَنِيّ الْحَمِيدُ بإثبات هو في القراءة، وكذلك هو في مصاحفهم. والصواب من القول أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.) ٢٥القول فـي تأويـل قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ ...}. يقول تعالى ذكره: لقد أرسلنا رسلنا بالمفصّلات من البيان والدلائل، وأنزلنا معهم الكتاب بالأحكام والشرائع، والميزان بالعدل. كما: ٢٦٠٥٣ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة الكِتابَ وَالمِيزَانَ قال: الميزان: العدل. ٢٦٠٥٤ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأنْزَلْنا مَعَهُمْ الكِتابَ والميزان بالحق قال: الميزان: ما يعمل الناس، ويتعاطون عليه في الدنيا من معايشهم التي يأخذون ويعطون، يأخذون بميزان، ويعطون بميزان، يعرف ما يأخذ وما يعطي. قال: والكتاب فيه دين الناس الذي يعملون ويتركون، فالكتاب للاَخرة، والميزان للدنيا. و قوله: لِيَقُومَ النّاسُ بالقِسْطِ يقول تعالى ذكره: ليعمل الناس بينهم بالعدل. و قوله: وأنْزَلْنا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ يقول تعالى ذكره: وأنزلنا لهم الحديد فيه بأس شديد: يقول: فيه قوّة شديدة، ومنافع للناس، وذلك ما ينتفعون به منه عند لقائهم العدوّ، وغير ذلك من منافعه. وقد: ٢٦٠٥٥ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين، عن علباء بن أحمر، عن عكرِمة عن ابن عباس ، قال: ثلاثة أشياء نزلت مع آدم صلوات اللّه عليه: السندان والكلبتان، والميقعة، والمطرقة. ٢٦٠٥٦ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأنْزَلْنا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ قال: البأس الشديد: السيوف والسلاح الذي يقاتل الناس بها وَمَنافِعُ للنّاسَ بعد، يحفرون بها الأرض والجبال وغير ذلك. ٢٦٠٥٧ـ حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: قوله: وأنْزَلْنا الْحْدَيدَ فِيهِ بأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ للنّاسِ وجُنَة وسلاح، وأنزله ليعلم اللّه من ينصره. و قوله: وَلِيَعْلَمَ اللّه مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بالغَيْبِ يقول تعالى ذكره: أرسلنا رسلنا إلى خلقنا وأنزلنا معهم هذه الأشياء ليعدلوا بينهم، وليعلم حزب اللّه من ينصر دين اللّه ورسله بالغيب منه عنهم. و قوله: إنّ اللّه قَويّ عَزيزٌ يقول تعالى ذكره: إن اللّه قويّ على الانتصار ممن بارزه بالمعاداة، وخالف أمره ونهيه، عزيز ف انتقامه منهم، لا يقدر أحد على الانتصار منه مما أحلّ به من العقوبة. ٢٦القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرّيّتِهِمَا النّبُوّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مّنْهُمْ فَاسِقُونَ }. يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا أيها الناس نوحا إلى خلقنا، وإبراهيم خليله إليهم رسولاً وَجَعَلْنا فِي ذُرّيّتِهِما النُبُوّةَ وَالكِتابَ وكذلك كانت النبوّة في ذرّيتهما، وعليهم أنزلت الكتب: التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان، وسائر الكتب المعروفة فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ يقول: فمن ذرّيتهما مهتدٍ إلى الحقّ مستبصر وكَثِيرٌ مِنْهُمْ يعني من ذرّيتهما فاسِقُونَ يعني ضُلاّل، خارجون عن طاعة اللّه إلى معصيته. ٢٧القول فـي تأويـل قوله تعالى: {ثُمّ قَفّيْنَا عَلَىَ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ ...}. يقول تعالى ذكره: ثم أتبعنا على آثارهم برسلنا الذين أرسلناهم بالبيّنات على آثار نوح إبراهيم برسلنا، وأتبعنا بعيسى ابن مريم وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الّذِينَ اتّبَعُوهُ يعني : الذين اتبعوا عيسى على منهاجه وشريعته رأَفَةً وهو أشدّ الرحمة وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيّةً ابْتَدَعُوها يقول: أحدثوها ما كَتَبَناها عَلَيْهِمْ يقول: ما افترضنا تلك الرهبانية عليهم إلاّ ابْتِغاءِ رِضْوَانِ اللّه يقول: لكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان اللّه فَمَا رَعَوْها حَقّ رِعايَتِها. واختلف أهل التأويل في الذين لم يرعوا الرهبانية حقّ رعايتها، فقال بعضهم: هم الذين ابتدعوها، لم يقوموا بها، ولكنهم بدّلوا وخالفوا دين اللّه الذي بعث به عيسى: فتنصّروا وتهوّدوا. وقال آخرون: بل هم قوم جاؤوا من بعد الذين ابتدعوها فلم يرعوها حقّ رعايتها، لأنهم كانوا كفارا ولكنهم قالوا: نفعل كالذي كانوا يفعلون من ذلك أوّليا، فهم الذين وصف اللّه بأنهم لم يرعوها حق رعايتها. وبنحو الذي قلنا في تأويل هذه الأحرف إلى الموضع الذي ذكرنا أن أهل التأويل فيه مختلفون في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠٥٨ـ حدثني بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الّذِينَ اتّبَعُوه رأفَةً ورحْمَةً فهاتان من اللّه ، والرهبانية ابتدعها قوم من أنفسهم، ولم تُكتب عليهم، ولكن ابتغوا بذلك وأرادوا رضوان اللّه ، فما رعوها حقّ رعايتها، ذُكر لنا أنهم رفضوا النساء، واتخذوا الصوامع. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وَرهْبانِيّةً ابْتَدَعُوها قال: لم تُكتب عليهم، ابتدعوها ابتغاء رضوان اللّه . ٢٦٠٥٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ قال فلم؟ قال: ابتدعوها ابتغاء رضوان اللّه تطوّعا، فما رَعوْها حقّ رعايتها. ذكر من قال: الذين لم يرعوا الرهبانية حقّ رعايتها كانوا غير الذين ابتدعوها. ولكنهم كانوا المريدي الاقتداء بهم. حدثنا الحسين بن الحريث (أبو عمار المَرْوَزِيّ) قال: حدثنا الفضل بن موسى، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ، قال: كانت ملوك بعد عيسى بدّلوا التوراة والإنجيل، وكان فيهم مؤمنون يقرأون التوراة والإنجيل، فقيل لملكهم: ما نجد شيئا أشدّ علينا من شتم يشتُمناه هؤلاء أنهم يقرأون وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللّه فأُولَئِكَ هُمُ الكافِرُونَ هؤلاء الاَيات مع ما يعببوننا به في قراءتهم، فادعهم فليقرأوا كما نقرأ، وليؤمنوا كما آمنا به، قال: فدعاهم فجمعهم وعرض عليهم القتل، أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل، إلا ما بدّلوا منها، فقالوا: ما تريدون إلى ذلك فدعونا قال: فقالت طائفة منهم: ابنوا لنا أسطوانة، ثم ارفعونا إليها، ثم أعطونا شيئا نرفع به طعامنا وشرابنا، فلا نردّ عليكم، وقالت طائفة منهم: دعونا نسيح في الأرض، ونهيم ونشرب كما تشرب الوحوش، فإن قدرتم علينا بأرضكم فاقتلونا، وقالت طائفة: ابنوا لنا دورا في الفيافي، ونحتفر الاَبار، ونحترث البقول، فلا نردّ عليكم، ولا نمرّ بكم، وليس أحد من أولئك إلا وله حميم فيهم قال: ففعلوا ذلك، فأنزل اللّه جل ثناؤه وَرَهْبانِيّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إلاّ ابْتِغاءَ رِضْوَانِ اللّه فَما رَعَوْها حَق رِعايَتِها الاَخرون قالوا: نتعبد كما تعبد فلان، ونسيح كما ساح فلان. ونتخذ دورا كما اتخذ فلان، وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم قال: فلما بعث النبي صلى اللّه عليه وسلم ولم يبق منهم إلا قليل، انحطّ رجل من صومعته، وجاء سائح من سياحته، وجاء صاحب الدار من داره، وآمنوا به وصدّقوه، فقال اللّه جل ثناؤه يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّه وآمَنُوا برسوله يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْن مِنْ رَحْمَتِهِ قال: أجرين لإيمانهم بعيسى، وتصديقهم بالتوراة والإنجيل، وإيمانهم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وتصديقهم به. قال وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورا تَمْشُونَ بِهِ القرآن، واتباعهم النبي صلى اللّه عليه وسلم وقال: لِئَلاّ يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ ألاّ يَقْدِرُونَ على شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللّه وأنّ الفَضْلَ بِيَدٍ اللّه يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللّه ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ. ٢٦٠٦٠ـ حدثنا يحيى بن أبي طالب، قال: حدثنا داود بن المحبر، قال: حدثنا الصعق بن حزن، قال: حدثنا عقيل الجعديّ، عن أبي إسحاق الهمدانيّ، عن سويد بن غفلة، عن عبد اللّه بن مسعود، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (اخْتَلَفَ مَنْ كانَ قَبْلَنا على إحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، نَجا مِنْهُمْ ثَلاثٌ وَهَلَكَ سائِرُهُمْ: فِرْقَةٌ مِنَ الثّلاثِ وَازَتِ المُلُوكَ وَقاتَلَتْهُمْ على دِينِ اللّه وَدِينِ عِيسَى ابنِ مَرْيَمَ صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِمْ، فَقَتَلَتْهُمُ المُلُوكُ وَفِرْقَةٌ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ طاقَةٌ بِموَازَاة المُلُوكِ، فأقامُوا بَينَ ظَهْرَانيْ قَوْمِهِمْ يَدْعُونَهُمْ إلى دِينِ اللّه وَدِينِ عِيَسى ابن مَرْيَم صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِ، فَقَتَلَتْهُمُ المُلُوكُ، وَنَشَرْتهُمْ بالمِناشِير وَفِرْقَةٌ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ طاقَةٌ بِمُوَازَاةِ المُلُوكِ، وَلا بالمُقام بَينَ ظَهْرَانِي قَوْمِهِمْ يَدْعُوَنَهُمْ إلى دِينِ اللّه وَدِينِ عِيسَى صَلَواتُ اللّه عَلَيْهِ، فَلَحِقُوا بالبَرَارِي والجِبالِ، فَتَرَهّبُوا فِيها) فَهُوَ قَوْلُ اللّه عَزّ وَجَلّ وَرَهْبانِيّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ قال: (ما فعلوها إلا ابتغاء رضوان اللّه ) فَمَا رَعَوْها حَقّ رِعايَتِها قال: (ما رعاها الذين من بعدهم حقّ رعايتها) فآتَيْنا الّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أجْرَهُمْ قال: (وهم الذين آمنوا بي، وصدّقوني) . قال وكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ قال: (فهم الذين جحدوني وكذّبوني) . حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس وَرَهْبانِيّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها قال الاَخرون ممن تعبد من أهل الشرك، وفني من فني منهم، يقولون: نتعبّد كما تعبد فلان، ونسيح كما ساح فلان، وهم في شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم. ذكر من قال: الذين لم يرعوها حقّ رعايتها: الذين ابتدعوها. ٢٦٠٦١ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: وَجَعَلْنا فِي قُلُوب الّذِينَ اتّبَعُوهُ رأفَةً وَرَحْمَةً... إلى قوله: حَقّ رِعايِتها يقول: ما أطاعوني فيها، وتكلّموا فيها بمعصية اللّه ، وذلك أن اللّه عزّ وجلّ كتب عليهم القتال قبل أن يبعث محمدا صلى اللّه عليه وسلم ، فلما استخرج أهل الإيمان، ولم يبق منهم إلا قليل، وكثر أهل الشرك وذهب الرسل وقهروا، اعتزلوا في الغيران، فلم يزل بهم ذلك حتى كفرت طائفة منهم، وتركوا أمر اللّه عزّ وجلّ ودينه، وأخذوا بالبدعة وبالنصرانية وباليهودية، فلم يرعوها حقّ رعايتها وثبتت طائفة على دين عيسى ابن مريم صلوات اللّه عليه، حين جاءهم بالبينات وبعث اللّه عزّ وجلّ محمدا رسولاً صلى اللّه عليه وسلم وهم كذلك فذلك قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّه وآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْن مِنْ رَحْمَتِهِ. إلى وَاللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ. ٢٦٠٦٢ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَرَهْبانِيّةً ابْتَدَعُواها ما كَتَبْناها عَلَيْهمْ كان اللّه عزّ وجل كتب عليهم القتال قبل أن يبعث محمد صلى اللّه عليه وسلم فلما استخرج أهل الإيمان، ولم يبق منهم إلا القليل، وكثر أهل الشرك، وانقطعت الرسل، اعتزلوا الناس، فصاروا في الغيران، فلم يزالوا كذلك حتى غيرت طائفة منهم، فتركوا دين اللّه وأمره وعهده الذي عهده إليهم، وأخذوا بالبدع، فابتدعوا النصرانية واليهودية، فقال اللّه عزّ وجلّ لهم: ما رَعَوْها حَقّ رِعايَتِها وثبتت طائفة منهم على دين عيسى صلوات اللّه عليه، حتى بَعث اللّه محمدا صلى اللّه عليه وسلم ، فآمنوا به. ٢٦٠٦٣ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا زكريا بن أبي مريم، قال: سمعت أبا أمامة الباهليّ يقول: إن اللّه كتب عليكم صيام رمضان، ولم يكتب عليكم قيامه، وإنما القيام شيء ابتدعتموه، وإن قوما ابتدعوا بدعة لم يكتبها اللّه عليهم، ابتغوا بها رضوان اللّه ، فلم يرعوها حقّ رعايتها، فعابهم اللّه بتركها، فقال: وَرَهْبانِيّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إلاّ ابْتِغاءَ رِضْوَانِ اللّه فَما رَعَوْها حَقّ رِعايتِها. وأولى الأقوال في ذلك بالصحة أن يقال: إن الذين وصفهم اللّه بأنهم لم يرعوا الرهبانية حقّ رعايتها، بعض الطوائف التي ابتدعتها، وذلك أن اللّه جل ثناؤه أخبر أنه آتى الذين آمنوا منهم أجرهم قال: فدلّ بذلك على أن منهم من قد رعاها حقّ رعايتها، فلو لم يكن منهم من كان كذلك لم يكن مستحقّ الأجر الذي قال جلّ ثناؤه: فآتَيْنا الّذِينَ آمَنوا مِنْهُمْ أجْرَهُمْ إلا أن الذين لم يرعوها حقّ رعايتها ممكن أن يكونوا كانوا على عهد الذين ابتدعوها، وممكن أن يكونوا كانوا بعدهم، لأن الذين هم من أبنائهم إذا لم يكونوا رعوها، فجائز في كلام العرب أن يقال: لم يرعها القوم على العموم. والمراد منهم البعض الحاضر، وقد مضى نظير ذلك في مواضع كثيرة من هذا الكتاب. و قوله: فآتَيْنا الّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أجْرَهُمْ يقول تعالى ذكره: فأعطينا الذين آمنوا باللّه ورسله من هؤلاء الذين ابتدعوا الرهبانية ثوابهم على ابتغائهم رضوان اللّه ، وإيمانهم به وبرسوله في الاَخرة، وكثير منهم أهل معاص، وخروج عن طاعته، والإيمان به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠٦٤ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فآتَيْنا الّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أجْرَهُمْ قال: الذين رعوا ذلك الحقّ. ٢٨القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّه وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رّحْمَتِهِ ...}. يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا اللّه ورسوله من أهل الكتابين التوراة والإنجيل، خافوا اللّه بأداء طاعته، واجتناب معاصيه، وآمنوا برسوله محمد صلى اللّه عليه وسلم . كما: ٢٦٠٦٥ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّه وَآمِنُوا بِرُسُولِهِ يعني الذين آمنوا من أهل الكتاب. ٢٦٠٦٦ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّه وآمِنُوا بِرَسُولِهِ يعني : الذين آمنوا من أهل الكتاب. و قوله: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ يُعطكم ضعفين من الأجر لإيمانكم بعيسى صلى اللّه عليه وسلم ، والأنبياء قبل محمد صلى اللّه عليه وسلم ، ثم إيمانكم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم حين بعث نبيا. وأصل الكِفل: الحظّ، وأصله: ما يكتفل به الراكبُ، فيحبسه ويحفظه عن السقوط يقول: يُحَصّنكم هذا الكِفْل من العذاب، كما يُحَصّن الكِفْل الراكب من السقوط. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠٦٧ـ حدثنا أبو عمار المَرْوَزِيّ، قال: حدثنا الفضل بن موسى، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قال: أجرين، لإيمانهم بعيسى صلى اللّه عليه وسلم ، وتصديقهم بالتوراة والإنجيل، وإيمانهم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم ، وتصديقهم به. قال: ثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قال: أجْرَين: إيمانهم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم ، وإيمانهم بعيسى صلى اللّه عليه وسلم ، والتوراة والإنجيل. وبه عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس وهارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عباس يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قال: أجرين. ٢٦٠٦٨ـ حدثنا عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ يقول: ضعفين. ٢٦٠٦٩ـ قال: ثنا مهران، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جُبَير، قال: بعث النبي صلى اللّه عليه وسلم جعفرا في سبعين راكبا إلى النجاشيّ يدعوه، فقدم عليه، فدعاه فاستجاب له وآمن به فلما كان انصرافه، قال ناس ممن قد آمن به من أهل مملكته، وهم أربعون رجلاً: ائذن لنا، فنأتي هذا النبي ، فنسلم به، ونساعد هؤلاء في البحر، فإنّا أعلم بالبحر منهم، فقدموا مع جعفر على النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وقد تهيأ النبي صلى اللّه عليه وسلم لوقعة أُحُدُ فلما رأوا ما بالمسلمين من الخَصاصة وشدّة الحال، استأذنوا النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قالوا: يا نبيّ اللّه إن لنا أموالاً، ونحن نرى ما بالمسلمين من الخصاصة، فإن أذِنت لنا انصرفنا، فجئنا بأموالنا، وواسينا المسلمين بها. فَأَذنَ لهم، فانصرفوا، فأتوا بأموالهم، فواسوا بها المسلمين، فأنزل اللّه فيهم الّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ... إلى قوله: ومِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ فكانت النفقة التي واسَوْا بها المسلمين فلما سمع أهل الكتاب ممن لم يؤمن ب قوله: يُؤْتَوْنَ أجْرَهُمْ مَرّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا فَخَروا على المسلمين، فقالوا: يا معشر المسلمين، أما من آمن منا بكتابكم وكتابنا فله أجره مرّتين، ومن لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجوركم، فما فضلكم علينا، فأنزل اللّه يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّه وآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ فجعل لهم أجرهم، وزادهم النورَ والمغفرة، ثم قال: لِكَيْلا يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ. وهكذا قرأها سعيد بن جُبَير لِكَيْلا يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ ألاّ يَقْدِرُونَ على شَيْءٍ. ٢٦٠٧٠ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْن مِنْ رَحَمَتِهِ قال: ضعفين. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس : يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قال والكفلان أجران بإيمانهم الأوّل، وبالكتاب الذي جاء به محمد صلى اللّه عليه وسلم . ٢٦٠٧١ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّه وآمِنُوا بِرَسُولِهِ يعني الذين آمنوا من أهل الكتاب يُؤْتِكُم كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ يقول: أجرين بإيمانكم بالكتاب الأوّل، والذي جاء به محمد صلى اللّه عليه وسلم . ٢٦٠٧٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَحْمَتِهِ قال: أجرين: أجر الدنيا، وأجر الاَخرة. ٢٦٠٧٣ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا حكام، عن سفيان، قال: حدثنا عنبسة، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص عن أبي موسى يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ قال: الكفلان: ضعفان من الأجر بلسان الحَبَشة. ٢٦٠٧٤ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن الشعبيّ، قال: إن الناس يوم القيامة على أربع منازل: رجل كان مؤمنا بعيسى، فآمن بمحمد صلى اللّه عليه وسلم ، فله أجران. ورجل كان كافرا بعيسى، فأمن بمحمد صلى اللّه عليه وسلم ، فله أجر. ورجل كان كافرا بعيسى، فكفر بمحمد صلى اللّه عليه وسلم ، فباء بغضب على غضب. ورجل كان كافرا بعيسى من مشركي العرب، فمات بكفره قبل محمد فباء بغضب. ٢٦٠٧٥ـ حدثني العباس بن الوليد، قال: أخبرني أبي، قال: سألت سعيد بن عبد العزيز، عن الكفل كم هو؟ قال: ثلاث مئة وخمسون حسنة، والكفلان: سبع مئة حسنة. قال سعيد: سأل عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه حبرا من أحبار اليهود: كم أفضل ما ضعفت لكم الحسنة؟ قال: كفل ثلاث مئة وخمسون حسنة قال: فحمد اللّه عمر على أنه أعطانا كفلين، ثم ذكر سعيد قول اللّه عزّ وجل في سورة الحديد يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ فقلت له: الكفلان في الجمعة مثل هذا؟ قال: نعم. وبنحو الذي قلنا في ذلك صحّ الخبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . ذكر من قال ذلك: ٢٦٠٧٦ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا معمر بن راشد، عن فراس، عن الشعبيّ، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (ثَلاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أجْرَهُمْ مَرّتَيْن: رَجُلٌ آمَنَ بالكِتابِ الأوّلِ والكِتابِ الاَخِرِ، وَرَجُلٌ كانَت لَهُ أمّةٌ فأدّبَها وأحْسَنَ تَأدِيبَهَا، ثُمّ أعْتَقَها فَتزَوّجَها، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أحْسَنَ عِبادَةَ رَبّهِ، وَنَصَحَ لِسَيّدِهِ) . حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، قال: ثني صالح بن صالح الهمداني، عن عامر، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبي موسى، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، بنحوه. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثني عبد الصمد، قال: حدثنا شعبة، عن صالح بن صالح، سمع الشعبيّ يحدّث، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، بنحوه. ٢٦٠٧٧ـ حدثني محمد بن عبد الحكم، قال: أخبرنا إسحاق بن الفرات، عن يحيى بن أيوب، قال: قال يحيى بن سعيد أخبرنا نافع، أن عبد اللّه بن عمر، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (إنّمَا آجالُكُم فِي آجالِ مَن خَلا مِنَ الأُمَم، كمَا بَينَ صَلاةِ العَصْرِ إلى مَغْرِبِ الشّمْس، وإنما مَثَلُكُم وَمَثَلُ اليَهُودِ والنّصَارَى كمَثَلِ رَجُلٍ اسْتأجَرَ عُمّالاً، فَقالَ: مَن يَعْمَل مِن بُكْرَةٍ إلى نِصفِ النّهارِ على قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، ألا فَعَمِلَت اليَهُودُ ثُمّ قالَ: مَن يَعْمَلُ مِنْ نِصفِ النّهارِ إلى صَلاةِ العَصْر على قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، ألا فَعَمِلَتِ النّصَارَى ثُمّ قالَ: مَن يعْمَل مِن صَلاةِ العَصْر إلى مَغارِبِ الشّمْس على قِيرَاطَيْن قِيرَاطَيْن، ألا فَعَمِلْتُم) . ٢٦٠٧٨ـ حدثني عليّ بن سهل، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن عبد اللّه بن دينار، أنه سمع ابن عمر يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (مَثَلُ هَذهِ الأُمّةِ) ، أو قال (أُمّتِي وَمَثَلُ اليَهُودِ والنّصَارَى، كمَثَلِ رَجُلٍ قالَ: مَنْ يَعْمَلُ لي مِن غَدوَةٍ إلى نِصْفِ النّهارِ على قِيرَاط) قالَتِ اليَهودُ: نَحْنُ، فَعَملُوا قال: (فَمَن يَعْمَلُ مِن نِصفِ النّهارِ إلى صَلاة العَصْر على قِيرَاطٍ؟) قالَتِ النّصَارَى: نَحْنُ، فَعَمِلُوا، (وأنْتُم المُسْلِمُونَ تَعْمَلُونَ مِن صَلاةِ العَصْر إلى اللّيْلِ على قِيرَاطَيْن) ، فَغَضِبَتِ اليَهُودُ والنّصَارَى وقالُوا: نَحْنُ أكْثَرُ عَمَلاً، وأقَلّ أجْرا، قالَ (هَل ظَلَمْتُكُمْ مِن أُجُورِكُمْ شَيْئا؟) قالُوا: لا، قال: (فَذَاكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أشاءُ) . ٢٦٠٧٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني الليث وابن لهيعة، عن سليمان بن عبد الرحمن، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أُمامة الباهليّ، أنه قال: شهدت خطبة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم حجة الوداع، فقال قولاً كثيرا حسنا جميلاً، وكان فيها: (مَن أسْلَمَ مِن أهْلِ الكِتابَيْنِ فَلَهُ أجْرُهُ مَرّتَيْنِ، وَلَهُ مِثْلُ الّذِي لَنَا، وَعَلَيْهِ مِثْلُ الّذِي عَلَيْنَا وَمَن أسْلَمَ مِنَ المُشْركينَ فَلَهُ أجْرُهُ، وَلَهُ مِثْلُ الذِي لَنا، وَعَلَيْهِ مِثْلُ الّذِي عَلَيْنا) . و قوله: ويَجْعَلْ لَكُم نُورا تَمْشُونَ بِهِ اختلف أهل التأويل في الذي عنى به النور في هذا الموضع، فقال بعضهم: عنى به القرآن. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠٨٠ـ حدثنا أبو عمار المروزي، قال: حدثنا الفضل بن موسى، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ويَجْعَل لَكُم نُورا تَمْشُونَ بِهِ قال: الفرقان واتباعهم النبي صلى اللّه عليه وسلم . حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ويَجْعَلْ لَكُمْ نُورا تَمْشُونَ بِهِ قال: الفرقان، واتباعهم النبي صلى اللّه عليه وسلم . حدثنا أبو كُرَيب، وأبو هشام، قالا: حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ويَجْعَلْ لَكُمْ نُورا تَمْشُونَ بِهِ قال: القرآن. ٢٦٠٨١ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء، عن سعيد، مثله. وقال آخرون: عُنِي بالنور في هذا الموضع: الهدى. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠٨٢ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: تَمْشُونَ بِهِ قال: هدى. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن اللّه تعالى ذكره وعد هؤلاء القوم أن يجعل لهم نورا يمشون به، والقرآن، مع اتباع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نور لمن آمن بهما وصدّقهما وهدى، لأن من آمن بذلك، فقد اهتدى. و قوله: وَيَغْفِرْ لَكُمْ يقول: ويصفح لكم عن ذنوبكم فيسترها عليكم وَاللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ يقول تعالى ذكره: واللّه ذو مغفرة ورحمة. ٢٩القول فـي تأويـل قوله تعالى: {لّئَلاّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاّ يَقْدِرُونَ عَلَىَ شَيْءٍ مّن فَضْلِ اللّه ...}. يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبمحمد صلى اللّه عليه وسلم من أهل الكتاب، يفعل بكم ربكم هذا لكي يعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من فضل اللّه الذي آتاكم وخصّكم به، لأنهم كانوا يرون أن اللّه قد فضّلهم على جميع الخلق، فأعلمهم اللّه جل ثناؤه أنه قد آتى أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم من الفضل والكرامة، ما لم يؤتهم، وأن أهل الكتاب حسدوا المؤمنين لما نزل قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّه وآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ويَجْعَلْ لَكُمْ نُورا تَمْشُون بِهِ وَيَغْفِرْ بَكُمْ وَاللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ فقال اللّه عزّ وجلّ: فعلت ذلك ليعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من فضل اللّه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠٨٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّه وآمِنُوا بِرَسُولِهِ... الآية، قال: لما نزلت هذه الآية، حَسدَ أهل الكتاب المسلمين عليها، فأنزل اللّه عزّ وجلّ لِئَلاّ يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ ألاّ يَقْدِرُونَ... الآية، قال: ذُكر لنا أن نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول: (إنّمَا مَثَلُنا وَمَثَلُ أهْلِ الكِتابَيْنِ قَبْلَنا، كمَثَلِ رَجُلٍ اسْتأْجَرَ أُجَرَاءَ يَعْمَلُونَ إلى اللّيْلِ على قِيرَاطٍ، فَلَمّا انْتَصَفَ النّهارُ سَئِمُوا عَمَلَهُ وَمَلّوا، فحاسَبَهُمْ، فأَعطَاهُمْ عَلى قَدْرِ ذَلكَ، ثُمّ اسْتأْجَرَ أُجُرَاءَ إلى اللّيْلِ عَلى قِيرَاطَيْنِ، يَعْمَلُونَ لَهُ بَقِيّةَ عَمَلِهِ، فَ قِيلَ لَهُ: ما شأْنُ هَؤُلاءِ أقَلّهُمْ عَمَلاً، وأكْثَرُهُمْ أجْرا؟ قال: مالي أُعْطي مَنْ شِئْتُ، فأرْجُوا أنْ نَكُونَ نَحْنُ أصحَابَ القِيرَاطَينِ) . حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة كِفْلَينِ مِنْ رَحْمَتِهِ قال: بلغنا أنها حين نزلت حسد أهل الكتاب المسلمين، فأنزل اللّه لِئَلاّ يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ ألاّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللّه . ٢٦٠٨٤ـ حدثنا أبو عمار، قال: حدثنا الفضل بن موسى، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس لِئَلاّ يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ الذين يتسمعون ألاّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللّه . حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ، مثله. و قيل: لِئَلاّ يَعْلَمَ إنما هو ليعلم. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد اللّه (لِكَيْ يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ ألاّ يَقْدِرُونَ) لأن العرب تجعل (لا) صلة في كلّ كلام دخل في أوّله أو آخره جحد غير مصرّح، كقوله في الجحد السابق، الذي لم يصرّح به ما مَنَعَكَ ألاّ تَسْجُدَ إذْ أمَرْتُكَ، و قوله: وَما يَشْعِرُكُمْ أنّها إذَا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ، و قوله: وَحَرَامٌ عَلى قَرْيَةٍ أهْلَكْناها... الآية، ومعنى ذلك: أهلكناها أنهم يرجعون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٠٨٥ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن عُلَية، قال: أخبرنا أبو هارون الغَنويّ، قال: قال: خطاب بن عبد اللّه لِئَلاّ يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ ألاّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللّه . ٢٦٠٨٦ـ قال: ثنا ابن عُلَية، عن أبي المعلىّ، قال: كان سعيد بن جُبَير يقول (لِكَيْلا يَعْلَمَ أهْلُ الكِتابِ) . و قوله: وأنّ الفَضْلَ بِيَدِ اللّه يقول تعالى ذكره: وليعلموا أن الفضل بيد اللّه دونهم، ودون غيرهم من الخلق يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ يقول: يعطي فضله ذلك من يشاء من خلقه، ليس ذلك إلى أحد سواه وَاللّه ذُو الفَضْل العَظِيم يقول تعالى ذكره: واللّه ذو الفضل على خلقه، العظيم فضله. |
﴿ ٠ ﴾