تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآنللإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبريإمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)_________________________________سورة المجادلةمدنية وآياتها اثنتان وعشرون بسم اللّه الرحمَن الرحيم ١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ الّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيَ إِلَى اللّه وَاللّه يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنّ اللّه سَمِيعٌ بَصِيرٌ }. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : قَدْ سَمِعَ اللّه يا محمد قَوْلَ الّتي تجادلُكَ فِي زَوْجِها والتي كانت تجادل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في زوجها امرأة من الأنصار. واختلف أهل العلم في نسبها واسمها، فقال بعضهم: خولة بنت ثعلبة، وقال بعضهم: اسمها خُوَيلة بنت ثعلبة. وقال آخرون: هي خويلة بنت خويلد. وقال آخرون: هي خويلة بنت الصامت. وقال آخرون: هي خويلة ابنة الدليج وكانت مجادلتها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في زوجها، وزوجها أوس بن الصامت، مراجعتها إياه في أمره، وما كان من قوله لها: أنتِ عليّ كظهر أمي. ومحاورتها إياه في ذلك، وبذلك قال أهل التأويل، وتظاهرت به الرواية. ذكر من قال ذلك، والاَثار الواردة به: ٢٦٠٨٧ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا أبو داود، قال: سمعت أبا العالية يقول: إن خويلة ابنة الدليج أتت النبي صلى اللّه عليه وسلم وعائشة تغسل شقّ رأسه، فقالت: يا رسول اللّه ، طالت صحبتي مع زوجي، ونفضت له بطني، وظاهَرَ مني فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (حَرُمْتِ عَلَيْهِ) فقالت: أشكو إلى اللّه فاقتي، ثم قالت: يا رسول اللّه طالت صحبتي، ونفضت له بطني، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (حَرُمْتِ عَلَيْهِ) فجعل إذا قال لها: (حرمت عليه) ، هتفت وقالت: أشكو إلى اللّه فاقتي، قال: فنزل الوحي، وقد قامت عائشة تغسل شقّ رأسه الاَخر، فأومأت إليها عائشة أن اسكتي، قالت: وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي أخذه مثل السبات، فلما قضي الوحي، قال: (ادْعي زَوْجَكِ) ، فَتَلاها عَلَيْهِ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : قَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكي إلى اللّه واللّه يَسْمَع تَحاوُرَكُما... إلى قوله: والّذِين يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائهِمْ ثُمّ يَعُودُونَ لِمَا قالُوا: أي يرجع فيه فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أن يَتَماسّا أتَسْتَطَيعُ رَقَبَةً؟ قال: لا، قال: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ قال: يا رسول اللّه ، إني إذا لم آكل في اليوم ثلاث مرّات خشيت أن يعشو بصري قال: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فإطْعَامُ سِتّينَ مِسْكِينا قال: (أتَسْتَطيعُ أنْ تُطْعِمَ سِتّينَ مِسْكِينا؟) قال: لا يا رسول اللّه إلا أن تعينني، فأعانه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأطعم. ٢٦٠٨٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، . قال: ذُكر لنا أن خويلة ابنة ثعلبة، وكان زوجها أوس بن الصامت قد ظاهر منها، فجاءت تشتكي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقالت: ظاهر مني زوجي حين كبر سني، ورقّ عظمي فأنزل اللّه فيها ما تسمعون: قَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكي إلى اللّه فقرأ حتى بلغ لَعَفُوّ غَفُورٌ وَالّذِينَ يُظاهرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمّ يَعُودُونَ لِمَا قالُوا يريد أن يغشى بعد قوله ذلك، فدعاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال له: (أتَسْتَطِيعُ أنْ تحَرّرَ مُحَرّرا؟) قال: مالي بذلك يدان، أو قال: لا أجد، قال: (أتَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْن مُتَتَابِعَيْنِ؟) قال: لا واللّه إنه إذا أخطأه المأكل كل يوم مرارا يكلّ بصره، قال: (أتَسْتَطِيعُ أنْ تُطْعِمَ سِتّينَ مِسْكِينا؟) قال: لا واللّه ، إلا أن تعينني منك بعون وصلاة. قال بشر، قال يزيد: يعني دعاء فأعانه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بخمسة عشر صاعا، فجمع اللّه له، واللّه غفور رحيم. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: قَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكي إلى اللّه واللّه يَسْمَع تَحاوُرَكُما قال: ذاك أوس بن الصامت ظاهر من امرأته خويلة ابنة ثعلبة قالت: يا رسول كبر سني، ورق عظمي، وظاهر مني زوجي، قال: فأنزل اللّه : الّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهمْ... إلى قوله ثُمّ يَعُودُونَ لِمَا قالُوا يريد أن يغشى بعد قوله فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أنْ يَتَماسّا فدعاه إليه نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: هَلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً؟ قال: لا قال: أفَتَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْن مْتَتابِعينَ؟ قال: إنه إذا أخطأه أن يأكل كلّ يوم ثلاث مرّات يكلّ بصره قال: أتَسْتَطَيعُ أنْ تْطُعِمَ سِتّينَ مِسْكِينا؟ قال: لا، إلا أن يعينني فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بعون وصلاة، فأعانه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بخمسة عشر صاعا، وجمع اللّه له أمره، واللّه غفور رحيم. ٢٦٠٨٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبيد اللّه بن موسى، عن أبي حمزة، عن عكرمة، عن ابن عباس ، قال: كان الرجل إذا قال لامرأته في الجاهلية: أنت عليّ كظهر أمي حَرُمت في الإسلام، فكان أوّل من ظاهر في الإسلام أوس بن الصامت، وكانت تحته ابنة عمّ له يقال لها خويلة بنت خُوَيلد وظاهر منها، فأُسْقِطَ في يديه وقال: ما أراكِ إلا قد حَرُمْتِ عليّ، وقالت له مثلَ ذلك، قال: فانطلقي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: فأتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فوجدتْ عنده ماشطة تمشطُ رأسه، فأخبرته، فقال: (يا خُوَيْلَة ما أمرْنا فِي أمْرِكِ بِشَيْءٍ) ، فأنزل اللّه على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال: (يا خُوَيْلَةُ أبْشِرِي) ، قالت: خيرا، قال: فقرأ عليها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : قَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكي إلى اللّه ... إلى قوله: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أنُ يَتَماسّا قالت: وأيّ رقبة لنا، واللّه ما يجد رقبة غيري، قال: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيام شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَين قالت: واللّه لولا أنه يشرب في اليوم ثلاث مرّات لذهب بصره، قال: فَمَنْ لم يَستَطِعْ فإطعامُ سِتّينَ مِسْكِينا قالت: من أين؟ ما هي إلا أكلة إلى مثلها، قال: فرعاه بشطر وَسْق ثلاثين صاعا والوَسْق ستون صاعا فقال: (لِيُطْعِمْ سِتّينَ مِسْكِينا وَلِيُرَاجِعْكِ) . ٢٦٠٩٠ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: قَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكي إلى اللّه ... إلى قوله: فإطْعامُ سِتّينَ مِسْكِينا، وذلك أن خولة بنت الصامت امرأة من الأنصار ظاهر منها زوجها، فقال: أنت عليّ مثل ظهر أمي، فأتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقالت: إن زوجي كان تزوّجني، وأنا أحَبّ، حتى إذا كبرت ودخلت في السنّ قال: أنت عليّ مثل ظهر أمي، فتركني إلى غير أحد، فإن كنت تجد لي رُخصة يا رسول اللّه تَنْعَشني وإياه بها فحدّثني بها، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (ما أُمِرْتُ فِي شأنِكِ بِشَيْءٍ حتى الاَنَ، وَلَكِنْ ارْجِعي إلى بَيْتِكِ، فإنْ أُومَرْ بِشَيْءٍ لا أغْمِمْهُ عَلَيْكِ إنْ شاءَ اللّه ) فرجعت إلى بيتها، وأنزل اللّه على رسوله صلى اللّه عليه وسلم في الكتاب رخصتها ورخصة زوجها: قَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها... إلى قوله: وَللكافِرِينَ عَذَابٌ إليمٌ فأرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى زوجها فلما أتاه قال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (ما أرَدْتَ إلى يَمِينِكَ الّتِي أقْسَمْتَ عَلَيْها؟) فقال: وهل لها كفّارة؟ فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (هَلْ تَسْتَطيعُ أنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً؟) قال: إذا يذهب مالي كله، الرقبة غالية وأنا قليل المال، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (فَهَلْ تَسْتَطيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَين؟) قال: لا واللّه لولا أني آكل في اليوم ثلاث مرّات لكلّ بصري، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (هَلْ تَسْتَطيعُ أنْ تُطْعِمَ سِتّينَ مِسْكِينا؟) قال: لا واللّه إلا أن تعينني على ذلك بعون وصلاة، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إنّي مُعِينُكَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعا، وأنا دَاعٍ لَكَ بالبَرَكَةِ) فأصلح ذلك بينهما. قال: وجعل فيه تحرير رقبة لمن كان مُوسرا لا يكفر عنه إلا تحرير رقبة إذا كان موسرا من قبل أن يتماسا، فإن لم يكن موسرا فصيام شهرين متتابعين، لا يصلح له إلا الصوم إذا كان معسرا، إلا أن لا يستطيع، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، وذلك كله قبل الجماع. ٢٦٠٩١ـ حدثنا ابن حَميد، قال: حدثنا مهران، عن أبي معشر المدني، عن محمد بن كعب القرظيّ، قال: كانت خولة ابنة ثعلبة تحت أوس بن الصامت، وكان رجلاً به لمم، فقال في بعض هجراته: أنت عليّ كظهر أمي، ثم ندم على ما قال، فقال لها: ما أظنك إلا قد حرمتِ عليّ قالت: لا تقل ذلك، فواللّه ما أحبّ اللّه طلاقا. قالت: أئت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فسله، فقال: إني أجدني أستحي منه أن أسأله عن هذا، فقالت: فدعني أن أسأله، فقال لها: سليه فجاءت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقالت: يا نبيّ اللّه إن أوس بن الصامت أبو ولدي، وأحبّ الناس إليّ، قد قال كلمة، والذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقا، قال: أنت عليّ كظهر أمي، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (ما أرَاكِ إلاّ قَدْ حَرُمْتِ عَلَيْهِ) ، قالت: لا تقل ذلك با نبيّ اللّه ، واللّه ما ذكر طلاقا فرادت النبي صلى اللّه عليه وسلم مرارا، ثم قالت: اللّه م إنّي أشكو اليوم شدّة حالي ووحدتي، وما يشقّ عليّ من فراقه، اللّه م فأنزل على لسان نبيك، فلم تَرِمْ مكانها حتى أنزل اللّه قَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكي إلى اللّه إلى أن ذكر الكفارات، فدعاه النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: (أعْتِقْ رَقَبةً) ، فقال لا أجد، فقال: (صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَين) قال: لا أستطيع، إني لأصوم اليوم الواحد فيشقّ عليّ قال: (أطعمْ سِتّينَ مِسْكْينا؟) قال: أما هذا فَنَعَمْ. ٢٦٠٩٢ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر عن أبي إسحاق قَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها قال نزلت في امرأة اسمها خولة، وقال عكرمة اسمها خويلة، ابنة ثعلبة وزوجها أوس بن الصامت جاءت النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقالت: إن زوجها جعلها عليه كظهر أمه، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (ما أرَاكِ إلاّ قَدْ حَرُمْتِ عَلَيْهِ) ، وهو حينئذ يغسل رأسه، فقالت: انظر جُعلت فداك يا نبيّ اللّه ، فقال: (ما أرَاكِ إلاّ قَدْ حَرُمْتِ عَلَيْهِ) ، فقالت: انظر في شأني يا رسول اللّه ، فجعلت تجادله، ثم حوّل رأسه ليغسله، فتحوّلت من الجانب الاَخر، فقالت: انظر جعلني اللّه فداك يا نبيّ اللّه ، فقالت الغاسلة: أقصري حديثك ومخاطبتك يا خويلة، أما ترين وجه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم متربدا ليوحى إليه؟ فأنزل اللّه : قَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها... حتى بلغ ثُمّ يَعُودونَ لِمَا قالُوا قال قتادة : فحرمها، ثم يريد أن يعود لها فيطأها فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ... حتى بلغ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ قال أيوب: أحسبه ذكره عن عكرمة، أن الرجل قال: يا نبيّ اللّه ما أجد رقبة، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (ما أنا بِزَائِدِك) ، فأنزل اللّه عليه: صِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَينِ مِنْ قَبْلِ أنْ يَتَماسّا فقال: واللّه يا نبيّ اللّه ما أطيق الصوم، إني إذا لم آكل في اليوم كذا وكذا أكلة لقيت ولقيت، فجعل يشكو إليه، فقال: (ما أنا بِزَائِدِكَ) ، فنزلت: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإطْعامُ سِتينَ مِسْكِينا. ٢٦٠٩٣ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، قال: حدثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله اللّه عزّ وجلّ: الّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها قال: تجادل محمدا صلى اللّه عليه وسلم ، فهي تشتكي إلى اللّه عند كبره وكبرها حتى انتفض وانتفض رحمها. حدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله اللّه الّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها قال: محمدا في زوجها قد ظاهر منها، وهي تشتكي إلى اللّه ، ثم ذكر سائر الحديث نحوه. ٢٦٠٩٤ـ حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبان العطار، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن عروة، أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان: كتبت إليّ تسألني عن خويلة ابنة أوس بن الصامت، وإنها ليست بابنة أوس بن الصامت، ولكنها امرأة أوس، وكان أوس امرأ به لمم، وكان إذا اشتدّ به لممه تظاهر منها، وإذا ذهب عنه لممه لم يقل من ذلك شيئا، فجاءت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تستفتيه وتشتكي إلى اللّه ، فأنزل اللّه ما سمعت، وذلك شأنهما. ٢٦٠٩٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا أبي، قال: سمعت محمد بن إسحاق، يحدّث عن معمر بن عبد اللّه ، عن يوسف بن عبد اللّه بن سلام، قال: حدثتني خويلة امرأة أوس بن الصامت قالت: كان بيني وبينه شيء، تعنى زوجها، فقال: أنت عليّ كظهر أمي، ثم خرج إلى نادي قومه، ثم رجع فراودني عن نفسي، فقالت: كلا والذي نفسي بيده حتى ينتهي أمري وأمرك إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فيقضي فيّ وفيك أمره، وكان شيخا كبيرا رقيقا، فغلبته بما تغلب به المرأة القوية الرجل الضعيف، ثم خرجت إلى جارة لها، فاستعارت ثيابها، فأتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى جلست بين يديه، فذكرت له أمره، فما برحت حتى أنزل الوحي على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ثم قالت: لا يقدر على ذلك، قال: (إنا سنعينه على ذلك بفرق من تمر) قلت: وأنا أعينه بفرق آخر، فأطعم ستين مسكينا. ٢٦٠٩٦ـ حدثني أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن تميم، عن عروة، عن عائشة قالت: الحمد للّه الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأنا في ناحية البيت تشكو زوجها ما أسمع ما تقول، فأنزل اللّه عزّ وجل: قَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكي إلى اللّه ... إلى آخر الآية. حدثني عيسى بن عثمان الرملي، قال: حدثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة، قالت: تبارك الذي وسع سمعه الأصوات كلها، إن المرأة لتناجي النبي صلى اللّه عليه وسلم أسمع بعض كلامها، ويخفى عليّ بعض كلامها، إذ أنزل اللّه قَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها. ٢٦٠٩٧ـ حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة بن الزبير، قال: قالت عائشة: تبارك الذي وسع سمعه كلّ شيء، إني لأسمع كلام خولة ابنة ثعلبة، ويخفى عليّ بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهي تقول: يا رسول اللّه أكل شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبر سني، وانقطع ولدي، ظاهر مني، اللّه مّ إني أشكو إليك، قال: فما برحت حتى نزل جبريل عليه السلام بهؤلاء الاَيات قَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها قال: زوجها أوس بن الصامت. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة، قالت: الحمد اللّه الذي وسع سمعه الأصوات، إن خولة تشتكي زوجها إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فيخفى عليّ أحيانا بعض ما تقول، قالت: فأنزل اللّه عزّ وجلّ قَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكي إلى اللّه . ٢٦٠٩٨ـ حدثنا الربيع بن سليمان، قال: حدثنا أسد بن موسى، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن جميلة كانت امرأة أوس بن الصامت، وكان أمرأ به لمم، وكان إذا اشتد به لممه ظاهر من امرأته، فأنزل اللّه عزّ وجلّ آية الظهار. ٢٦٠٩٩ـ حدثني يحيى بن بشر القرقساني، قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الرحمن الأموي، قال: حدثنا خَصيف، عن مجاهد، عن ابن عباس ، قال: كان ظهار الجاهلية طلاقا، فأول من ظاهر في الإسلام أوس بن الصامت أخو عبادة بن الصامت من امرأته الخزرجية، وهي خولة بنت ثعلبة بن مالك فلما ظاهر منها حسبت أن يكون ذلك طلاقا، فأتت به نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقالت: يا رسول اللّه إن أوسا ظاهر مني، وإنّا إن افترقنا هلكنا، وقد نثرت بطني منه، وقدمت صحبته فهي تشكو ذلك وتبكي، ولم يكن جاء في ذلك شيء، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: قَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ الّتِي تجادِلُكَ فِي زَوْجِها... إلى قوله: وَللْكافِرينَ عَذَابٌ ألِيمٌ فدعاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: (أتَقْدِرُ عَلى رَقَبَةٍ تُعْتقُها؟) فقال: لا واللّه يا رسول اللّه ، ما أقدر عليها، فجمع له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى أعتق عنه، ثم راجع أهله. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد اللّه بن مسعود: (قَدْ سَمِعَ اللّه قَوْلَ التِي تُحاوِلُكَ فِي زَوْجِها) . و قوله: وَتَشْتَكي إلى اللّه يقول: وتشتكي المجادلة ما لديها من الهمّ بظهار زوجها منها إلى اللّه وتسأله الفرج وَاللّه يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما يعني تحاور رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، والمجادلة خولة ابنة ثعلبة إنّ اللّه سَمِيعٌ بَصِيرٌ يقول تعالى ذكره: إن اللّه سميع لما يتجاوبانه ويتحاورانه، وغير ذلك من كلام خلقه، بصير بما يعلمون، ويعمل جميع عباده. ٢القول فـي تأويـل قوله تعالى: {الّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مّن نّسَآئِهِمْ مّا هُنّ أُمّهَاتِهِمْ ... }. يقول تعالى ذكره: الذين يحرّمون نساءهم على أنفسهم تحريم اللّه عليهم ظهور أمهاتهم، فيقولون لهنّ: أنتن علينا كظهور أمهاتنا، وذلك كان طلاق الرجل امرأته في الجاهلية. كذلك: ٢٦١٠٠ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، قال: كان الظهار طلاقا في الجاهلية، الذي إذا تكلم به أحدهم لم يرجع في امرأته أبدا، فأنزل اللّه عزّ وجلّ فيه ما أنزل. واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة سوى نافع، وعامة قرّاء الكوفة خلا عاصم: (يَظّاهَرُونَ) بفتح الياء وتشديد الظاء وإثبات الألف، وكذلك قرأوا الأخرى بمعنى يتظاهرون، ثم أدغمت التاء في الظاء فصارتا ظاء مشدّدة. وذكر أنها في قراءة أُبي: (يَتَظاهَرُونَ) وذلك تصحيح لهذه القراءة وتقوية لها وقرأ ذلك نافع وأبو عمرو وكذلك بفتح الياء وتشديد الظاء، غير أنهما قرآه بغير ألف: (يَظّهّرونَ) . وقرأ ذلك عاصم: يُظاهِرُونَ بتخفيف الظاء وضم الياء وإثبات الألف. والصواب من القول في ذلك عندي أن كلّ هذه القراءات متقاربات المعاني. وأما (يَظّاهَرُونَ) فهو من تظاهر، فهو يتظاهر. وأما (يَظّهّرُونَ) فهو من تظهّر فهو يتظهّر، ثم أدغمت التاء في الظاء ف قيل: يظّهر. وأما يُظاهِرُونَ فهو من ظاهر يظاهر، فبأية هذه القراءات الثلاث قرأ ذلك القارىء فمصيب. و قوله: ما هُنّ أمّهاتِهِمْ يقول تعالى ذكره: ما نساؤهم اللائي يُظاهرن منهنّ بأمهاتهم، فيقولوا لهنّ: أنتن علينا كظهر أمهاتنا، بل هنّ لهم حلال. و قوله: إنْ أُمّهاتُهُمْ إلاّ اللاّئي وَلَدْنَهُمْ لا اللائي قالوا لهنّ ذلك. و قوله: وإنّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرا مِنَ القَوْلِ وَزُورا يقول جلّ ثناؤه: وإن الرجال ليقولون منكرا من القول الذي لا تُعرف صحته وزورا: يعني كذبا، كما: ٢٦١٠١ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة مُنْكَرا مِنْ القَوْلِ وَزُورا قال: الزور: الكذب وَإنّ اللّه لَعَفُوّ غَفُورٌ يقول جلّ ثناؤه: إن اللّه لذو عفو وصفح عن ذنوب عباده إذا تابوا منها وأنابوا، غفور لهم أن يعاقبهم عليها بعد التوبة. ٣القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نّسَآئِهِمْ ثُمّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ ...}.
يقول جلّ ثناؤه: والذين يقولون لنسائهم: أنتنّ علينا كظهور أمهاتنا. و قوله: ثُمّ يَعُودُونَ لمَا قالُوا اختلف أهل العلم في معنى العود لما قال المظاهر، فقال بعضهم: هو الرجوع في تحريم ما حرّم على نفسه من زوجته التي كانت له حلالاً قبل تظاهره، فيحلها بعد تحريمه إياها على نفسه بعزمه على غشيانها ووطئها. ذكر من قال ذلك: ٢٦١٠٢ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ثُمّ يَعُودُونَ لِما قالُوا قال: يريد أن يغشى بعد قوله. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، مثله. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ثُمّ يَعُودُونَ لِما قالُوا قال: حرّمها، ثم يريد أن يعود لها فيطأها. وقال آخرون نحو هذا القول، إلا أنهم قالوا: إمساكه إياها بعد تظهيره منها، وتركه فراقها عود منه لما قال، عَزَم على الوطء أو لم يعزم. وكان أبو العالية يقول: معنى قوله: لِمَا قالُوا: فيما قالوا. ٢٦١٠٣ـ حدثنا ابن المثنى، قال: ثني عبد الأعلى، قال: حدثنا داود، قال: سمعت أبا العالية يقول في قوله: ثُمّ يَعُودُونَ لِما قالُوا: أي يرجع فيه. واختلف أهل العربية في معنى ذلك، فقال بعض نحويي البصرة في ذلك المعنى: فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا، فمن لم يجد فصيام، فإطعام ستين مسكينا، ثم يعودون لما قالوا إنا لا نفعله فيفعلونه هذا الظهار، يقول: هي عليّ كظهر أمي، وما أشبه هذا من الكلام، فإذا أعتق رقبة أو أطعم ستين مسكينا عاد لما قد قال: هو عليّ حرام يفعله. وكأن قائل هذا القول كان يرى أن هذا من المقدّم الذي معناه التأخير. وقال بعض نحويي الكوفة ثُمّ يَعُودُونَ لِما قالُوا يصلح فيها في العربية: ثم يعودون إلى ما قالوا، وفيما قالوا، يريدون النكاح، يريد: يرجعون عما قالوا، وفي نقض ما قالوا، قال: ويجوز في العربية أن تقول: إن عاد لما فعل، تريد إن فعل مرّة أخرى، ويجوز إن عاد لما فعل: إن نقض ما فعل، وهو كما تقول: حلف أن يضربك، فيكون معناه: حلف لا يضربك، وحلف ليضربنك. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: معنى اللام في قوله لِمَا قالُوا بمعنى إلى أو في، لأن معنى الكلام: ثم يعودون لنقض ما قالوا من التحريم فيحللونه. وإن قيل معناه: ثم يعودون إلى تحليل ما حرّموا، أو في تحليل ما حرّموا فصواب، لأن كلّ ذلك عود له، فتأويل الكلام: ثم يعودون لتحليل ما حرّموا على أنفسهم مما أحله اللّه لهم. و قوله: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أنْ يَمَاسّا يقول: فعليه تحرير رقبة، يعني عتق رقبة عبد أو أمة، من قبل أن يماسّ الرجل المظاهر امرأته التي ظاهر منها أو تماسه. واختلف في المعنى بالمسيس في هذا الموضع نظير اختلافهم في قوله: وَإنْ طَلّقْتُمُوهُنّ مِنْ قَبْلِ أنْ تَمَسّوهُنّ وقد ذكرنا ذلك هنالك. وسنذكر بعض ما لم نذكره هنالك: ٢٦١٠٤ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، في قوله: وَالّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمّ يَعُودُونَ لِمَا قالُوا فهو الرجل يقول لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي فإذا قال ذلك، فليس يحلّ له أن يقربها بنكاح ولا غيره حتى يكفر عن يمينه بعتق رقبة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا والمسّ: النكاح فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا وإن هو قال لها: أنت عليّ كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا، فليس يقع في ذلك طهار حتى يحنث، فإن حنث فلا يقربها حتى يكفّر، ولا يقع في الظهار طلاق. ٢٦١٠٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عديّ، قال: حدثنا أشعث، عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا أن يغشى المظاهِرُ دون الفرج. ٢٦١٠٦ـ حدثنا عليّ بن سهل، قال: حدثنا زيد، قال: قال سفيان: إنما المظاهرة عن الجماع ولم ير بأسا أن يقضي حاجته دون الفرج أو فوق الفرج، أو حيث يشاء، أو يباشر. وقال آخرون: عني بذلك كلّ معاني المسيس، وقالوا: الآية على العموم. ذكر من قال ذلك: ٢٦١٠٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا وهيب، عن يونس، قال: بلغني عن الحسن أنه كره للمظاهر المسيس. و قوله: ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ يقول تعالى ذكره: أوجب ربكم ذلك عليكم عظة لكم تتعظون به، فتنتهون عن الظهار وقول الزور واللّه بِمَا تَعْمَلُونَ خَبُيرٌ يقول تعالى ذكره: واللّه بأعمالكم التي تعلمونها أيها الناس ذو خبرة لا يخفى عليه شيء منها، وهو مجازيكم عليها، فانتهوا عن قول المنكر والزور. ٤القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَمَن لّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسّا ...}. يقول تعالى ذكره: فمن لم يجد منكم ممن ظاهر من امرأته رقبة يحرّرها، فعليه صيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا والشهران المتتابعان هما اللذان لا فصل بينهما بإفطار في نهار شيء منهما إلا من عذر، فإنه إذا كان الإفطار بالعذر ففيه اختلاف بين أهل العلم، فقال بعضهم: إذا كان إفطاره لعذر فزال العذر بنى على ما مضى من الصوم. وقال آخرون: بل يستأنف، لأن من أفطر بعذر أو غير عذر لم يتابع صوم شهرين. ذكر من قال: إذا أفطر بعذر وزال العذر بنى وكان متابعا: ٢٦١٠٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن عديّ وعبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب أنه قال في رجلٍ صام من كفارة الظهار، أو كفارة القتل، ومرِضَ فأفطر، أو أفطر من عذر، قال: عليه أن يقضيَ يوما مكان يوم، ولا يستقبل صومه. حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا ابن عديّ، عن سعيد، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب، بمثله. ٢٦١٠٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب في المظاهر الذي عليه صوم شهرين متتابعين، فصام شهرا، ثم أفطر، قال: يتمّ ما بقي. حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا ابن عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة ، عن الحسن وسعيد بن المسيب في رجل صام من كفارة الظهار شهرا أو أكثر ثم مرض، قال: يعتدّ بما مضى إذا كان له عذر. ٢٦١١٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا سالم بن نوح، قال: حدثنا عمر بن عامر، عن قتادة ، عن الحسن في الرجل يكون عليه الصوم في قتل أو نذر أو ظهار، فصام بعضه ثم أفطر، قال: إن كان معذورا فإنه يقضي. ٢٦١١١ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن هشام، عن الحسن، قال: إن أفطر من عذر أتمّ، وإن كان من غير عذر استأنف. ٢٦١١٢ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، عن حجاج، عن عطاء، قال: من كان عليه صوم شهرين متتابعين فمرض فأفطر، قال: يقضي ما بقي عليه. ٢٦١١٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن جُرَيج، عن عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار في الرجل يفطر في اليوم الغيم، يظنّ أن الليل قد دخل عليه في الشهرين المتتابعين أنه لا يزيد على أن يبدّله، ولا يستأنف شهرين آخرين. ٢٦١١٤ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، عن عبد الملك، عن عطاء قال: إن جامع المعتكف وقد بقي عليه أيام من اعتكافه قال: يتمّ ما بقي، والمظاهر كذلك. ٢٦١١٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن ابن جُرَيج، عن عطاء، قال: إذا كان شيئا ابتلي به بنى على صومه، وإذا كان شيئا هو فعله استأنف، قال: سفيان: هذا معناه. ٢٦١١٦ـ حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، عن عامر في رجل ظاهر، فصام شهرين متتابعين إلا يومين ثم مرض، قال: يتمّ ما بقي. حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت إسماعيل عن الشعبيّ بنحوه. حدثنا أبو كُرَيب ويعقوب قالا: حدثنا هشيم، عن إسماعيل، عن الشعبي في رجل عليه صيام شهرين متتابعين، فصام فمرض فأفطر، قال: يقضي ولا يستأنف. ذكر من قال: يستقبل من أفطر بعذر أو غير عذر: ٢٦١١٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم في رجل عليه صيام شهرين متتابعين فأفطر، قال: يستأنف، والمرأة إذا حاضت فأفطرت تقضي. حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: إذا مرض فأفطر استأنف، يعني من كان عليه صوم شهرين متتابعين فمرض فأفطر. ٢٦١١٨ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا هشيم، عن جابر، عن أبي جعفر، قال: يستأنف. وأولى القولين عندنا بالصواب قول من قال: يبني المفطر بعذر، ويستقبل المفطر بغير عذر، لإجماع الجميع على أن المرأة إذا حاضت في صومها الشهرين المتتابعين بعذر، فمثله، لأن إفطار الحائض بسبب حيضها بعذر كان من قِبل اللّه ، فكلّ عذر كان من قبل اللّه فمثله. و قوله: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فإطْعام سِتّينَ مِسْكِينا يقول تعالى ذكره: فمن لم يستطع منهم الصيام فعليه إطعام ستين مسكينا. وقد بيّنا وجه الإطعام في الكفارات فيما مضى قبل، فأغنى ذلك عن إعادته. و قوله: ذَلكَ لِتُوءْمِنُوا باللّه وَرَسُولِهِ يقول جلّ ثناؤه: هذا الذي فرضتُ على من ظاهر منكم ما فرضت في حال القدرة على الرقبة، ثم خففت عنه مع العجز بالصوم، ومع فقد الاستطاعة على الصوم بالإطعام، وإنما فعلته كي تقرّ الناس بتوحيد اللّه ورسالة الرسول محمد صلى اللّه عليه وسلم ، ويصدّقوا بذلك، ويعملوا به، وينتهوا عن قول الزور والكذب وَتِلْكَ حُدُودُ اللّه يقول تعالى ذكره: وهذه الحدود التي حدّها اللّه لكم، والفروض التي بينها لكم حدود اللّه فلا تتعدّوها أيها الناس وَللْكافِرِينَ بها، وهم جاحدو هذه الحدود وغيرها من فرائض اللّه أن تكون من عند اللّه عَذَابٌ ألِيمٌ يقول: عذاب مؤلم. ٥القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إِنّ الّذِينَ يُحَآدّونَ اللّه وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ...}. يقول تعالى ذكره: إن الذين يخالفون اللّه في حدوده وفرائضه، فيجعلون حدودا غير حدوده، وذلك هو المحادّة للّه ولرسوله، وأما قتادة فإنه كان يقول في معنى ذلك ما: ٢٦١١٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إنّ الّذِينَ يُحادّونَ اللّه وَرَسُولَهُ يقول: يعادون اللّه ورسوله. وأما قوله: كُبِتُوا كمَا كُبِتَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فإنه يعني : غيظوا وأخزوا كما غيظ الذين من قبلهم من الأمم الذين حادّوا اللّه ورسوله، وخزُوا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦١٢٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة كُبِتُوا كمَا كُبِتَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ خُزوا كما خزي الذين من قبلهم. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول: معنى كُبِتُوا أهلكوا. وقال آخر منهم: يقول: معناه غيظوا وأخزوا يوم الخندق كمَا كُبِتَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يريد من قاتل الأنبياء من قبلهم. و قوله: وَقَدْ أنْزَلْنا آياتٍ بَيّناتٍ يقول: وقد أنزلنا دلالات مفصلات، وعلامات محكمات تدلّ على حقائق حدود اللّه . و قوله: واللْكافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ يقول تعالى ذكره: ولجاحدي تلك الاَيات البيّنات التي أنزلناها على رسولنا محمد صلى اللّه عليه وسلم ، ومنكريها عذاب يوم القيامة مهين: يعني مذلّ في جهنم. ٦القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّه جَمِيعاً فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوَاْ أَحْصَاهُ اللّه وَنَسُوهُ وَاللّه عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }. يقول تعالى ذكره: وللكافرين عذاب معين في يوم يبعثهم اللّه جميعا، وذلك يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللّه جَمِيعا من قبورهم لموقف القيامة فَيُنَبّئُهُمْ اللّه بِمَا عَمِلُوا أحْصَاهُ اللّه وَنَسُوهُ يقول تعالى ذكره: أحصى اللّه ما عملوا، فعدّه عليهم، وأثبته وحفظه، ونسيه عاملوه واللّه على كلّ شيء شهيد يقول: وَاللّه جلّ ثناؤه على كُلّ شَيْء عملوه وغير ذلك من أمر خلقه شهيد يعني شاهد يعلمه ويحيط به فلا يغرب عنه شيء منه. ٧القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّه يَعْلَمُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ ... }. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : ألم تنظر يا محمد بعين قبلك فترى أنّ اللّه يَعْلَمُ ما فِي السّمَوَاتِ وَما فِي الأرْضِ من شيء، لا يخفى عليه صغير ذلك وكبيره يقول جلّ ثناؤه: فكيف يخفى على من كانت هذه صفته أعمال هؤلاء الكافرين وعصيانهم ربهم، ثم وصف جل ثناؤه قربه من عباده وسماعه نجواهم، وما يكتمونه الناس من أحاديثهم، فيتحدثونه سرّا بينهم، فقال: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ من خلقه إلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ يسمع سرّهم ونجواهم، لا يخفى عليه شيء من أسرارهم وَلا خَمْسَةٍ إلاّ هُوَ سادِسُهُمْ يقول: ولا يكون من نجوى خمسة إلا هو سادسهم كذلك وَلا أدْنَى مِنْ ذلكَ يقول: ولا أقلّ من ثلاثة وَلا أكْثَرَ من خمسة إلاّ هُوَ مَعَهُمْ إذا تناجوا أيْنَما كانُوا يقول: في أيّ موضع ومكان كانوا. وعنى بقوله هُو رَابِعُهُمْ بمعنى أنه مشاهدهم بعلمه، وهو على عرشه، كما: ٢٦١٢١ـ حدثني عبد اللّه بن أبي زياد، قال: ثني نصر بن ميمون المضروب، قال: حدثنا بكير بن معروف، عن مقاتل بن حيان، عن الضحاك ، في قول ما يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ... إلى قوله هُوَ مَعَهُمْ قال: هو فوق العرش وعلمه معهم أيْنَما كانُوا ثُمّ يُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ القِيامَة إنّ اللّه بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. و قوله: ثُمّ يُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ القِيامَةِ يقول تعالى ذكره: ثم يخبر هؤلاء المتناجين وغيرهم بما عملوا من عمل مما يحبه و يسخطه يوم القيامة إنّ اللّه بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يقول: إن اللّه بنجواهم وأسرارهم، وسرائر أعمالهم، وغير ذلك من أمورهم وأمور عباده عليم. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ فقرأت قرّاء الأمصار ذلك ما يَكُونُ مِنْ نَجْوَى بالياء، خلا أبي جعفر القارىء، فإنه قرأه: (ما تَكُونُ) بالتاء. والياء هي الصواب في ذلك، لإجماع الحجة عليها، ولصحتها في العربية. ٨القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ نُهُواْ عَنِ النّجْوَىَ ثُمّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ ... }. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ نُهُوا عَنِ النّجْوَى من اليهود ثُمّ يَعودُون فقد نهى اللّه عزّ وجلّ إياهم عنها، ويتناجون بينهم بالإثم والعدوان ومعصية الرسول. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
٢٦١٢٢ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ نُهُوا عَن النّجْوَى قال: اليهود. قوله: ثُمّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ يقول جلّ ثناؤه: ثم يرجعون إلى ما نهوا عنه من النجوى وَيَتَناجُونَ بالإثْمِ والعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرّسُولِ يقول جلّ ثناؤه: ويتناجون بما حرّم اللّه عليهم من الفواحش والعدوان، وذلك خلاف أمر اللّه ومعصية الرسول محمد صلى اللّه عليه وسلم . واختلفت القرّاء في قراءة قوله: وَيَتَناجَوْنَ فقرأت ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين والبصريين وَيَتَناجَوْنَ على مثال يتفاعلون، وكان يحيى وحمزة والأعمش يقرأون (وَيَنْتَجُونَ) على مثال يفتعلون. واعتلّ الذين قرأوه: يَتَنَاجَوْنَ ب قوله: إذَا تَنَاجَيْتُمْ ولم يقل: إذا انتجيتم. و قوله: وَإذا جاءُوكَ حَيّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ اللّه يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : وإذا جاءك يا محمد هؤلاء الذين نهوا عن النجوى، الذين وصف اللّه جل ثناؤه صفتهم، حيوك بغير التحية التي جعلها اللّه لك تحية، وكانت تحيتهم التي كانوا يحيونه بها التي أخبر اللّه أنه لم يحيه بها فيما جاءت به الأخبار، أنهم كانوا يقولون: السام عليك. ذكر الرواية الواردة بذلك: ٢٦١٢٣ـ حدثنا ابن حُمَيد وابن وكيع قالا: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة قالت: جاء ناس من اليهود إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم، فقلت: السام عليكم، وفعل اللّه بكم وفعل، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (يا عائِشَةُ إنّ اللّه لا يُحِبّ الفُحْشَ) ، فقلت: يا رسول اللّه ، ألست ترى ما يقولون؟ فقال: (أَلَسْتِ تَرَيْنَنِي أرُدّ عَلَيْهِمْ ما يَقُولُونَ؟ أقُول: عَلَيْكُمْ) وهذه الآية في ذلك نزلت وإذَا جاءوكَ حَيّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ اللّه وَيَقُولُونَ فِي أنْفُسِهمْ لَوْلا يُعَذّبُنا اللّه بِمَا نَقُول، حَسْبُهُمْ جَهَنّم يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ المَصِيرِ. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة قالت: كان اليهود يأتون النبي صلى اللّه عليه وسلم فيقولون: السام عليكم، فيقول: (عَلَيْكمْ) قالت عائشة: السام عليكم وغَضَبُ اللّه فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (إنّ اللّه لا يحِبّ الفاحِشَ المُتَفَحّشَ) ، قالت: إنهم يقولون: السام عليكم، قال: (إنّي أقُول: عَلَيْكُمْ) ، فنزلت: وإذَا جاءوكَ حَيّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ اللّه قال: فإن اليهود يأتون النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فيقولون: السام عليكم. ٢٦١٢٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق وإذَا جاءوكَ حَيّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ اللّه قال: كانت اليهود يأتون النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فيقولون: السام عليكم. ٢٦١٢٥ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله وإذَا جاءوكَ حَيّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ اللّه ... إلى فَبِئْسَ المَصِيرُ قال: كان المنافقون يقولون لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا حيوه: سام عليكم، فقال اللّه حَسْبُهُمْ جَهَنّم يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ المَصِير. ٢٦١٢٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وإذَا جاءوكَ حَيّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ اللّه قال: يقولون: سام عليكم، قال: هم أيضا يهود.
٢٦١٢٧ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله حَيّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ اللّه قال: اليهود كانت تقول: سام عليكم. ٢٦١٢٨ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري أن عائشة فطنت إلى قولهم، فقالت: وعليكم السامة واللعنة، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (مَهْلاً يا عائِشَة إنّ اللّه يحِبّ الرّفْقَ في الأمْرِ كُلّهِ) ، فقالت: يا نبيّ اللّه ألم تسمع ما يقولون؟ قال: (أفَلَمْ تَسْمَعي ما أردّ عَلَيْهِمْ؟ أقُول: عَلَيْكُمْ) . ٢٦١٢٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، عن أنس بن مالك أنّ نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم بينما هو جالس مع أصحابه، إذ أتى عليهم يهوديّ، فسلم عليهم، فردّوا عليه، فقال نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (هَلْ تَدْرُونَ ما قالَ؟) قالوا: سلّم يا رسول اللّه ، قال: (بَلْ قالَ: سأْمٌ عَلَيْكُمْ، أي تسأمون دينكم) ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (أقُلْت سأَمٌ عَلَيْكُمْ؟) قال: نعم، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (إذَا سَلّمَ عَلَيْكُمْ أحَدٌ مِنْ أهْلِ الكِتابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكَ) : أي عليك ما قلت. ٢٦١٣٠ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وإذَا جاءوكَ حَيّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيّكَ بِهِ اللّه قال: هؤلاء يهود، جاء ثلاثة نفر منهم إلى باب النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فتناجوا ساعة، ثم استأذن أحدهم، فأذن له النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال: السام عليكم، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (عَلَيْكَ) ، ثُمّ الثاني، ثُمّ الثّالِثُ قال ابن زيد: السام: الموت. وقوله جلّ ثناؤه: وَيَقُولُونَ فِي أنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذّبُنا اللّه بِمَا نَقُولُ يقول جل ثناؤه: ويقول محيوك بهذه التحية من اليهود: هلا يعاقبنا اللّه بما نقول لمحمد صلى اللّه عليه وسلم ، فيعجل عقوبته لنا على ذلك، يقول اللّه : حسبْ قائلي ذلك يا محمد جهنم، وكفاهم بها يصلونها يوم القيامة، فبئس المصير جهنم. ٩القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ...}. يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا اللّه ورسوله إذَا تَناجَيْتُمْ بينكم فَلا تَتَناجَوْا بالإثْمِ وَالعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرّسُولِ وَ لكن تَنَاجَوْا بالْبِرّ يعني طاعة اللّه وما يقرّبكم منه والتّقْوَى يقول: وباتقائه بأداء ما كلّفكم من فرائضه واجتناب معاصيه وَاتّقُوا اللّه الّذِي إلَيْهِ تُحْشَرونَ يقول: وخافوا اللّه الذي إليه مصيركم، وعنده مجتمعكم في تضييع فرائضه، والتقدّم على معاصيه أن يعاقبكم عليه عند مصيركم إليه. ١٠القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إِنّمَا النّجْوَىَ مِنَ الشّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُواْ ...}. يقول تعالى ذكره: إنما المناجاة من الشيطان، ثم اختلف أهل العلم في النجوى التي أخبر اللّه أنها من الشيطان، أيّ ذلك هو، فقال بعضهم: عُنِي بذلك مناجاة المنافقين بعضهم بعضا. ذكر من قال ذلك: ٢٦١٣١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، ، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إنّمَا النّجْوَى مِن الشّيْطان لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا كان المنافقون يتناجون بينهم، وكان ذلك يغيظ المؤمنين، ويكبر عليهم، فأنزل اللّه في ذلك القرآن إنّمَا النّجْوَى مِن الشّيْطان لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارّهِمْ شَيْئا... الآية. وقال آخرون بما: ٢٦١٣٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول اللّه عزّ وجلّ إنّمَا النّجْوَى مِنَ الشّيْطانِ لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارّهِمْ شَيْئا إلاّ بإذْنِ اللّه قال: كان الرجل يأتي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يسأله الحاجة ليرى الناس أنه قد ناجى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال: وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم لا يمنع ذلك من أحد. قال: والأرض يومئذ حرب على أهل هذا البلد، وكان إبليس يأتي القوم فيقول لهم: إنما يتناجون في أمور قد حضرت، وجموع قد جمعت لكم وأشياء، فقال اللّه : إنّمَا النّجْوَى مِنَ الشّيْطانِ لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا... إلى آخر الآية. ٢٦١٣٣ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، قال: كان المسلمون إذا رأوا المنافقين خلوا يتناجون، يشقّ عليهم، فنزلت إنّمَا النّجْوَى مِنَ الشّيْطانِ لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا. وقال آخرون: عُنِي بذلك أحلام النوم التي يراها الإنسان في نومه فتحزنه. ذكر من قال ذلك: ٢٦١٣٤ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يحيى بن داود البلخي، قال: سئل عطية، وأنا أسمع الرؤيا، فقال: الرؤيا على ثلاث منازل، فمنها وسوسة الشيطان، فذلك قوله إنّمَا النّجْوَى مِنَ الشّيْطَانِ ومنها ما يحدّث نفسه بالنهار فيراه بالليل ومنها كالأخذ باليد. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عُنِي به مناجاة المنافقين بعضهم بعضا بالإثم والعدوان، وذلك أن اللّه جل ثناؤه تقدم بالنهي عنها بقوله إذَا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بالإثْم والعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرّسُولِ ثم عما في ذلك من المكروه على أهل الإيمان، وعن سبب نهيه إياهم عنه، فقال: إنّمَا النّجْوَى مِنَ الشّيْطانِ لِيَحْزُنَ الّذِينَ آمَنُوا فبين بذلك إذ كان النهي عن رؤية المرء في منامه كان كذلك، وكان عقيب نهيه عن النجوى بصفة أنه من صفة ما نهى عنه. و قوله: وَلَيْسَ بِضَارّهِمْ شَيْئا إلاّ بإذْنِ اللّه يقول تعالى ذكره: وليس التناجي بضارّ المؤمنين شيئا إلا بإذن اللّه ، يعني بقضاء اللّه وقَدَره. وقوله وَعَلى اللّه فَلْيَتَوَكّلِ المُوءْمِنُونَ يقول تعالى ذكره: وعلى اللّه فليتوكل في أمورهم أهل الإيمان به، ولا يحزنوا من تناجي المنافقين ومن يكيدهم بذلك، وأن تناجيهم غير ضارّهم إذا حفظهم ربهم. ١١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسّحُواْ فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُواْ ...}. يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا اللّه ورسوله إذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسّحُوا فِي المَجالِسِ يعني بقوله تفسّحُوا توسعوا من قولهم مكان فسيح إذا كان واسعا. واختلف أهل التأويل في المجلس الذي أمر اللّه المؤمنين بالتفسح فيه، فقال بعضهم: ذلك كان مجلس النبي صلى اللّه عليه وسلم خاصة. ذكر من قال ذلك: ٢٦١٣٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: تَفَسّحُوا فِي المجالس قال: مجلس النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يقال ذاك خاصة. حدثنا الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ٢٦١٣٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسّحُوا فِي المجالس... الآية، كانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلاً ضنّوا بمجلسهم عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأمرهم أن يفسح بعضهم لبعض. ٢٦١٣٧ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: إذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسّحُوا فِي المجالس قال: كان هذا للنبيّ صلى اللّه عليه وسلم ومن حوله خاصة يقول: استوسعوا حتى يصيب كلّ رجل منكم مجلسا من النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وهي أيضا مقاعد للقتال. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله تَفَسّحُوا فِي المَجْلِسِ قال: كان الناس يتنافسون في مجلس النبي صلى اللّه عليه وسلم فقيل لهم: إذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسّحُوا فِي المَجْلِس فافْسَحُوا. ٢٦١٣٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول اللّه : إذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسّحُوا فِي المَجالِس فافْسَحُوا يَفْسَحِ اللّه لَكُمْ قال: هذا مجلس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، كان الرجل يأتي فيقول: افسحوا لي رحمكم اللّه ، فيضنّ كلّ أحد منهم بقربه من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأمرهم اللّه بذلك، ورأى أنه خير لهم. وقال آخرون: بل عُنِي بذلك في مجالس القتال إذا اصطفوا للحرب. ذكر من قال ذلك: ٢٦١٣٩ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسّحُوا فِي المجالس يَفْسَحِ اللّه لَكُمْ قال: ذلك في مجلس القتال. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن اللّه تعالى ذكره أمر المؤمنين أن يتفسحوا في المجلس، ولم يخصص بذلك مجلس النبي صلى اللّه عليه وسلم دون مجلس القتال، وكلا الموضعين يقال له مجلس، فذلك على جميع المجالس من مجالس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومجالس القتال. واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار: (تَفَسّحُوا فِي المجْلِسِ) على التوحيد غير الحسن البصري وعاصم، فإنهما قرآ ذلك فِي المَجالِسِ على الجماع. وبالتوحيد قراءة ذلك عندنا لإجماع الحجة من القرّاء عليه. و قوله: فافْسَحُوا يقول: فوسعوا يَفْسَحِ اللّه لَكُمْ يقول: يوسع اللّه منازلكم في الجنة وإذَا قِيلَ انْشُزُوا فانْشُزُوا يقول تعالى ذكره: وإذا قيل ارتفعوا، وإنما يُراد بذلك: وإذا قيل لكم قوموا إلى قتال عدوّ، أو صلاة، أو عمل خير، أو تفرّقوا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقوموا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦١٤٠ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وَإذَا قِيلَ انْشُزُوا فانْشُزُوا إلى وَاللّه بِمَا تَعْمَلونَ خَبِيرٌ قال: إذا قيل: انشزوا فانشزوا إلى الخير والصلاة. ٢٦١٤١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: فانْشُزُوا قال: إلى كلّ خير، قتال عدّو، أو أمر بالمعروف، أو حقّ ما كان. ٢٦١٤٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَإذَا قِيلَ انْشُزُوا فانْشُزُوا يقول: إذا دعيتم إلى خير فأجيبوا. وقال الحسن: هذا كله في الغزو. ٢٦١٤٣ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَإذَا قِيلَ انْشُزُوا فانْشُزُوا كان إذا نودي للصلاة تثاقل رجال، فأمرهم اللّه إذا نودي للصلاة أن يرتفعوا إليها، يقوموا إليها. ٢٦١٤٤ـ وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله وَإذَا قِيلَ انْشُزُوا فانْشُزُوا قال: انشزوا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال: هذا في بيته إذا قيل انشزوا، فارتفعوا عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فإن له حوائج، فأحبّ كلّ رجل منهم أن يكون آخر عهده برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال: وَإذَا قِيلَ انْشُزُوا فانْشُزُوا. وإنما اخترت التأويل الذي قلت في ذلك، لأن اللّه عزّ وجلّ أمر المؤمنين إذا قيل لهم انشزوا، أن ينشزوا، فعمّ بذلك الأمر جميع معاني النشوز من الخيرات، فذلك على عمومه حتى يخصه ما يجب التسليم له. واختلفت القرّاء في قراة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة فانْشُزُوا بضم الشين، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة بكسرها. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، ولغتان مشهورتان بمنزلة يعكُفون ويعكِفون، ويعرُشون ويعرشون، فبأيّ القراءتين قرأ القارىء فمصيب. و قوله: يَرْفَعِ اللّه الّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالّذِينَ أُوتُوا العِلْم دَرَجاتٍ يقول تعالى ذكره: يرفع اللّه المؤمنين منكم أيها القوم بطاعتهم ربهم فما أمرهم به من التفسح في المجلس إذا قيل لهم تفسحوا، أو بنشوزهم إلى الخيرات إذا قيل لهم انشزوا إليها، ويرفع اللّه الذين أوتوا العلم من أهل الإيمان على المؤمنين الذين يؤتوا العلم بفضل علمهم درجات، إذا عملوا بما أمروا به، كما: ٢٦١٤٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يَرْفَعِ اللّه الّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالّذِينَ أُوتُوا العِلْم دَرَجاتٍ إن بالعلم لأهله فضلاً، وإن له على أهله حقا، ولعمري للحقّ عليك أيها العالم فضل، واللّه معطى كل ذي فضل فضله. وكان مطرف بن عبد اللّه بن الشّخّير يقول: فضل العلم أحبّ إليّ من فضل العبادة، وخير دينكم الورع. وكان عبد اللّه بن مطرف يقول: إنك لتلقى الرجلين أحدهما أكثر صوما وصلاة وصدقة، والاَخر أفضل منه بونا بعيدا، قيل له: وكيف ذاك؟ فقال: هو أشدّهما ورعا للّه عن محارمه. ٢٦١٤٦ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله يَرْفَعِ اللّه الّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالّذِينَ أُوتُوا العِلْم دَرَجاتٍ في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به. و قوله: واللّه بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ يقول تعالى ذكره: واللّه بأعمالكم أيها الناس ذو خبرة، لا يخفى عليه المطيع منكم ربه من العاصي، وهو مجاز جميعكم بعمله المحسن بإحسانه، والمسيىء بالذي هو أهله، أو يعفو. ١٢القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ الرّسُولَ فَقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ...}. يقول تعالى ذكره: ياأيها الذين صدقوا اللّه ورسوله، إذا ناجيتم رسول اللّه ، فقدّموا أمام نجواكم صدقة تتصدّقون بها على أهل المسكنة والحاجة ذَلكَ خَيْرٌ لَكُمْ يقول: وتقديمكم الصدقة أمام نجواكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، خير لكم عند اللّه وأطْهَرُ لقلوبكم من المآثم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦١٤٧ـ حدثني محمد بن عمر، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: فَقَدّمُوا بَينَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً قال: نُهُوا عن مناجاة النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى يتصدّقوا، فلم يناجه إلا عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه، قدّم دينارا فتصدّق به، ثم أنزلت الرّخصة في ذلك. ٢٦١٤٨ـ حدثنا محمد بن عبيد بن محمد المحاربي، قال: حدثنا المطلب بن زياد، عن ليث، عن مجاهد، قال: قال عليّ رضي اللّه عنه: إن في كتاب اللّه عزّ وجلّ لاَية ما عمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا ناجَيْتُمُ الرّسُولَ فَقَدّمُوا بَينَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة قال: فُرضت، ثم نُسخت. حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: حدثنا أبو أسامة، عن شبل بن عباد، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا ناجَيْتُمُ الرّسُولَ فَقَدّمُوا بَينَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة قال: نهوا عن مناجاة النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى يتصدّقوا، فلم يناجه إلا عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه، قدّم دينارا صدقةً تصدّق به، ثم أنزلت الرخصة. حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثا، عن مجاهد، قال: قال عليّ رضي اللّه عنه: آية من كتاب اللّه لم يعمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي، كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم، فكنت إذا جئت إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم تصدقت بدرهم، فنسخت فلم يعمل بها أحد قبلي يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا ناجَيْتُمُ الرّسُولَ فَقَدّمُوا بَينَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة. ٢٦١٤٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا ناجَيْتُمُ الرّسُولَ فَقَدّمُوا بَينَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً قال: سأل الناس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة، فوعظهم اللّه بهذه الآية. وكان الرجل تكون له الحاجة إلى نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فلا يستطيع أن يقضيها حتى يقدّم بين يديه صدقة، فاشتد ذلك عليهم، فأنزل اللّه عزّ وجل الرخصة بعد ذلك فإنْ لَمْ تَجِدُوا فإنّ اللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة إذَا ناجَيْتُمُ الرّسُولَ فَقَدّمُوا بَينَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً قال: إنها منسوخة ما كانت إلا ساعة من نهار. ٢٦١٥٠ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا ناجَيْتُمُ الرّسُولَ فَقَدّمُوا بَينَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً... إلى فإنّ اللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ قال: كان المسلمون يقدّمُونَ بين يدي النجوى صدقة، فلما نزلت الزكاة نُسخ هذا. ٢٦١٥١ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: فَقَدّمُوا بَينَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً وذاك أن المسلمين أكثروا المسائل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى شقوا عليه، فأراد اللّه أن يخفف عن نبيه فلما قال ذلك صبر كثير من الناس، وكفوا عن المسألة، فأنزل اللّه بعد هذا فإذَا لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللّه عَلَيْكُمْ فأَقِيمُوا الصّلاةَ وآتُوا الزّكاةَ فوسّع اللّه عليهم، ولم يضيق. ٢٦١٥٢ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن عثمان بن أبي المغيرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن عليّ بن علقمة الأنماريّ، عن عليّ، قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (ما تَرَى؟ دِينارٌ؟) قال: لا يطيقون، قال: (نِصْفُ دِينارٍ؟) قال: (ما تَرَى؟) قال: شعيرة، فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم : (إنّكَ لَزَهِيدٌ) قال عليّ رضي اللّه عنه: فبي خفف اللّه عن هذه الأمة، و قوله: إذَا ناجَيْتُمُ الرّسُولَ فَقَدّمُوا بَينَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً فنزلت أأشْفَقْتُمْ أنْ تُقدّمُوا بَينَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقاتٍ. ٢٦١٥٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا ناجَيْتُمُ الرّسُولَ فَقَدّمُوا بَينَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً لئلا يناجي أهل الباطل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فيشُقّ ذلك على أهل الحقّ، قالوا: يا رسول اللّه ما نستطيع ذلك ولا نطيقه، فقال اللّه عزّ وجلّ: أأشْفَقْتُمْ أنْ تُقدّمُوا بَينَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقاتٍ فإذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللّه عَلَيْكُمْ فأقِيمُوا الصّلاَةَ وآتُوا الزّكاةَ وقال: لا خَيْرَ في كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ، إلاّ مَنْ أمَرَ بِصدَقَةٍ أوْ مَعْرُوفٍ أوْ إصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ، من جاء يناجيك في هذا فاقبل مناجاته، ومن جاء يناجيك في غير هذا فاقطع أنت ذاك عنه لا تناجه. قال: وكان المنافقون ربما ناجوا فيما لا حاجة لهم فيه، فقال اللّه عزّ وجلّ: ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ نَهُوا عَنِ النّجْوَى ثُمّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بالإثْم والعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرّسُولِ قال: لأن الخبيث يدخل في ذلك. ٢٦١٥٤ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسين، عن يزيد، عن عكرمة والحسن البصري قالا: قال في المجادلة: إذَا ناجَيْتُمُ الرّسُولَ فَقَدّمُوا بَينَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَة ذلكَ خَيْرٌ لَكُمْ وأطْهَرُ فإنْ لَمْ تَجدُوا فإنّ اللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ فنسختها الآية التي بعدها، فقال: أأشْفَقْتُمْ أنْ تُقدّمُوا بَينَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقاتٍ فإذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللّه عَلَيْكُمْ فأقِيمُوا الصّلاة وآتُوا الزّكاةَ وأطِيعُوا اللّه وَرَسُولَهُ وَاللّه خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. و قوله: فإنْ لَمْ تَجِدُوا يقول تعالى ذكره: فإن لم تجدوا ما تتصدّقُون به أمام مناجاتكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فإنّ اللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ يقول: فإن اللّه ذو عفو عن ذنوبكم إذا تبتم منها، رحيم بكم أن يعاقبكم عليها بعد التوبة، وغير مؤاخذكم بمناجاتكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبل أن تقدّموا بين يدي نجواكم إياه صدقة. ١٣القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ وَتَابَ اللّه عَلَيْكُمْ ...}. يقول تعالى ذكره: أشقّ عليكم وخشيتم أيها المؤمنون بأن تقدموا بين يدي نجواكم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صدقات الفاقة، وأصل الإشفاق في كلام العرب: الخوف والحذر، ومعناه في هذا الموضع: أخشيتم بتقديم الصدقة الفاقة والفقر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦١٥٥ـ حدثني محمد بن عمر، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أأشْفَقْتُمْ قال: شقّ عليكم تقديم الصدقة، فقد وُضِعَتْ عنكم، وأمروا بمناجاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بغير صدقة حين شقّ عليهم ذلك. حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: حدثنا أبو أُسامة، عن شبل بن عباد المكّي، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ٢٦١٥٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة أأشْفَقْتُمْ أنْ تُقدّمُوا بَينَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقاتٍ فإذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللّه عَلَيْكُمْ فأقِيمُوا الصّلاة وآتُوا الزّكاةَ فريضتان واجبتان لا رجعة لأحد فيهما، فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من أمر الصدقة في النجوى. و قوله: فإذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللّه عَلَيْكُمْ يقول تعالى ذكره: فإذ لم تقدّموا بين يدي نجواكم صدقات، ورزقكم اللّه التوبة من ترككم ذلك، فأدّوا فرائض اللّه التي أوجبها عليكم، ولم يضعها عنكم من الصلاة والزكاة، وأطيعوا اللّه ورسوله، فيما أمركم به، وفيما نهاكم عنه. وَاللّه خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلونَ يقول جلّ ثناؤه: واللّه ذو خبرة وعلم بأعمالكم، وهو محصيها عليكم ليجازيكم بها. ١٤القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ تَوَلّوْاْ قَوْماً غَضِبَ اللّه عَلَيْهِم مّا هُم مّنكُمْ وَلاَ مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : ألم تنظر بعين قلبك يا محمد، فترى إلى القوم الذين. تولّوْا قوما غضب اللّه عليهم، وهم المنافقون تولّوا اليهود وناصحوهم، كما: ٢٦١٥٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ تَوَلّوْا قَوْما غَضِبَ اللّه عَلَيْهِمْ إلى آخر الآية، قال: هم المنافقون تولّوا اليهود وناصحوهم. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة تَوَلّوْا قَوْما غَضِبَ اللّه عَلَيْهِمْ قال: هم اليهود تولاهم المنافقون. ٢٦١٥٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول اللّه عزّ وجلّ ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ تَوَلّوْا قَوْما غَضِبَ اللّه عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ قال: هؤلاء كفرة أهل الكتاب اليهود والذين تولوهم المنافقون تولوا اليهود، وقرأ قول اللّه : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لإخْوَانِهِمُ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أهْلِ الكِتابِ حتى بلغ وَاللّه يَشْهَدُ إنّهُمْ لَكاذِبُونَ لئن كانَ ذلكَ لا يَفْعَلُونَ وقال: هؤلاء المنافقون قالوا: لا ندع حلفاءنا وموالينا يكونوا معا لنصرتنا وعزّنا، ومن يدفع عنا نخشى أن تصيبنا دائرة، فقال اللّه عزّ وجلّ: فَعَسَى اللّه أنْ يأتِي بالفَتْحِ أوْ أمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ حتى بلغ: فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللّه وقرأ حتى بلغ: أوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرِ قال: لا يَبرزون. قوله: ما هُمْ مِنْكُمْ يقول تعالى ذكره: ما هؤلاء الذين تولّوا هؤلاء القوم الذين غضب اللّه عليهم، منكم يعني : من أهل دينكم وملتكم، ولا منهم ولا هم من اليهود الذين غضب اللّه عليهم، وإنما وصفهم بذلك منكم جل ثناؤه لأنهم منافقون إذا لقوا اليهود، قالوا أنّا مَعَكمْ إنّما نَحنُ مُسْتَهزئون وَإذا لَقُوا الذّين آمَنُوا قَالوَا آمَنّا. وقوله ويَحْلِفُونَ على الكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ يقول تعالى ذكره: ويحلفون على الكذب، وذلك قولهم لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : نشهد إنك لرسول اللّه وهم كاذبون غير مصدّقين به، ولا مؤمنين به، كما قال جلّ ثناؤه: وَاللّه يَشْهَدُ إنّ المُنافِيِنَ لَكاذِبُونَ وقد ذُكِر أن هذه الآية نزلت في رجل منهم عاتبه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على أمر بلغه عنه، فحلف كذبا. ذكر الخبر الذي رُوي بذلك: ٢٦١٥٩ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن سماك، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ يَنْظُرُ بعَيْنِ شَيْطانٍ، أو بعَيْنَيْ شَيْطانٍ) ، قال: فدخل رجل أزرق، فقال له: (علامَ تسبني أو تشتمني؟) قال: فجعل يحلف، قال: فنزلت هذه الآية التي في المجادلة: وَيحْلِفُونَ على الكَذِبِ وَهَمْ يَعْلَمُونَ والآية الأخرى. ١٥القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَعَدّ اللّه لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ...}. يقول تعالى ذكره: أعدّ اللّه لهؤلاء المنافقين الذين تولّوُا اليهود عذابا في الاَخرة شديدا إنّهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ في الدنيا بغشهم المسلمين. ونصحهم لأعدائهم من اليهود. ١٦و قوله: اتّخَذُوا أيمانَهُمْ جُنّةً يقول جلّ ثناؤه: جعلوا حلفهم وأيمانهم جنة يسجنون بها من القتل ويدفعون بها عن أنفسهم وأموالهم وذراريهم، وذلك أنهم إذا اطلع منهم على النفاق، حلفوا للمؤمنين باللّه إنهم لمنهم فَصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّه يقول جلّ ثناؤه: فصدّوا بأيمانهم التي اتخذوها جنة المؤمنين عن سبيل اللّه فيهم، وذلك أنهم كفرة، وحكم اللّه وسبيله في أهل الكفر به من أهل الكتاب القتل، أو أخذ الجزية، وفي عبدة الأوثان القتل، فالمنافقون يصدّون المؤمنين عن سبيل اللّه فيهم بأيمانهم إنهم مؤمنون، وإنهم منهم، فيحولون بذلك بينهم وبين قتلهم، ويمتنعون به مما يمتنع منه أهل الإيمان باللّه . وقوله فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ يقول: فلهم عذاب مُذِلّ لهم في النار. ١٧القول فـي تأويـل قوله تعالى: {لّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مّنَ اللّه شَيْئاً أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }. يقول تعالى ذكره: لن تغني عن هؤلاء المنافقين يوم القيامة أموالهم، فيفتدوا بها من عذاب اللّه المهين لهم ولا أولادهم، فينصرونهم ويستنقذونهم من اللّه إذا عاقبهم أُولَئِكَ أصحَابُ النّارِ يقول: هؤلاء الذين تولوا قوما غضب اللّه عليهم، وهم المنافقون أصحاب النار، يعني أهلها الذين هم فيها خالدون، يقول: هم في النار ماكثون إلى غير نهاية. ١٨القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّه جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنّهُمْ عَلَىَ شَيْءٍ أَلاَ إِنّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ }. يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين ذكرهم هم أصحاب النار، يوم يبعثهم اللّه جميعا، فيوم من صلة أصحاب النار. وعُني بقوله يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللّه جَمِيعا من قبورهم أحياء كهيئاتهم قبل مماتهم، فيحلفون له كما يحلفون لكم كاذبين مبطلين فيها، كما: ٢٦١٦٠ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: فَيَحْلِفُونَ لَهُ قال: إن المنافق حلف له يوم القيامة كما حلف لأوليائه في الدنيا. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، في قوله: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّه جَمِيعا... الآية، واللّه حالفَ المنافقون ربهم يوم القيامة، كما حالفوا أولياءه في الدنيا. ٢٦١٦١ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن سماك بن حرب البكري، عن سعيد بن جُبَير، قال: كان النبي صلى اللّه عليه وسلم في ظلّ حجرة قد كاد يَقْلِصُ عنه الظلّ، فقال: (إنّهُ سَيأْتِيكُمْ رَجُلٌ، أو يَطْلُعُ رَجُلٌ بعَيْنِ شَيْطانٍ فَلا تُكَلّمُوهُ) فلم يلبث أن جاء، فاطلع فإذا رجل أزرق، فقال له: (عَلامَ تَشْتُمُنِي أنْتَ وَفُلانٌ وَفُلانٌ) ؟ قال: فذهب فدعا أصحابه، فحلفوا ما فعلوا، فنزلت: يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللّه جَمِيعا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيحْسَبُونَ أنّهُمْ على شَيْءٍ ألا إنّهُمْ هُمُ الكاذبُونَ. و قوله: وَيحْسَبُونَ أنّهُمْ على شَيْءٍ يقول: ويظنون أنهم في أيمانهم وحلفهم باللّه كاذبين على شيء من الحقّ، إلا إنّهُمْ هُمُ الكاذِبُونَ فيما يحلفون عليه. ١٩القول فـي تأويـل قوله تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللّه أُوْلَـَئِكَ حِزْبُ الشّيْطَانِ أَلاَ إِنّ حِزْبَ الشّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ }. يعني تعالى ذكره ب قوله: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشّيْطانُ غلب عليهم الشيطان فأنْساهُمْ ذِكْرَ اللّه أُولَئِكَ حِزْبُ الشّيْطانِ يعني جنده وأتباعه ألا إنّ حِزْبَ الشّيْطانِ هُمُ الخاسِرُونَ يقول: ألا إن جند الشيطان وأتباعه هم الهالكون المغبونون في صَفْقَتِهِمْ. ٢٠القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إِنّ الّذِينَ يُحَآدّونَ اللّه وَرَسُولَهُ أُوْلَـَئِكَ فِي الأذَلّينَ }. يقول تعالى ذكره: إن الذين يخالفون اللّه ورسوله في حدوده، وفيما فرض عليهم من فرائضه فيعادونه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦١٦٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إنّ الّذِينَ يُحادّونَ اللّه وَرَسُولَهُ يقول: يعادون اللّه ورسوله. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، بنحوه. ٢٦١٦٣ـ حدثني محمد بن عمر، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: يُحادّونَ اللّه وَرَسُولَهُ قال: يعادون. يشاقّون. و قوله: أُولَئكَ فِي الأَذّلِينَ يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين يحادّون اللّه ورسوله في أهل الذلة، لأن الغلبة للّه ورسوله. ٢١و قوله: كَتَبَ اللّه لأَغْلِبَنّ أنا وَرُسُلِي يقول: قضى اللّه وخطّ في أمّ الكتاب، لأغلبنّ أنا ورسلي مَن حادّني وشاقّني. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦١٦٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله كَتَبَ اللّه لأَغْلِبَنّ أنا وَرُسُلِي... الآية، قال: كتب اللّه كتابا وأمضاه. و قوله: إنّ اللّه قَوِيّ عَزِيزٌ يقول: إن اللّه جل ثناؤه ذو قوّة وقدرة على كلّ من حادّه، ورسوله أن يهلكه، ذو عزّة فلا يقدر أحد أن ينتصر منه إذا هو أهلك وليه، أو عاقبه، أو أصابه في نفسه بسوء. ٢٢القول فـي تأويـل قوله تعالى: {لاّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّه وَالْيَوْمِ الاَخِرِ يُوَآدّونَ مَنْ حَآدّ اللّه وَرَسُولَهُ ...}. يعني جل ثناؤه ب قوله: لا تَجِدُ قَوْما يُوءْمِنُونَ باللّه وَاليَوْمِ الاَخِرِ يُوَادّونَ مَنْ حادّ اللّه وَرَسُولَهُ لا تجد يا محمد قوما يصدّقون اللّه ، ويقرّون باليوم الاَخر يوادّون من حادّ اللّه ورسوله وشاقّهما وخالف أمر اللّه ونهيه وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ يقول: ولو كان الذين حادّوا اللّه ورسوله آباءهم أوْ أبْناءَهُمْ أوْ إخْوَانَهُمْ أوْ عَشِيرَتَهُمْ وإنما أخبر اللّه جل ثناؤه نبيه عليه الصلاة والسلام بهذه الآية (ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب اللّه عليهم) ليسوا من أهل الإيمان باللّه ولا باليوم الاَخر، فلذلك تولّوُا الذين تولّوْهم من اليهود. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦١٦٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: لا تَجِدُ قَوْما يُوءْمِنُونَ باللّه وَاليَوْمِ الاَخِرِ يُوَادّونَ مَنْ حادّ اللّه وَرَسُولَهُ لا تجد يا محمد قوما يؤمنون باللّه واليوم الاَخر، يوادّون من حادّ اللّه ورسوله: أي من عادى اللّه ورسولَه. و قوله: أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ يقول جلّ ثناؤه: هؤلاء الذين لا يوادّون من حادّ اللّه ورسوله ولو كانوا آباءهم، أو أبناءهم، أو إخوانهم، أو عشيرتهم، كتب اللّه في قلوبهم الإيمان. وإنما عُنِي بذلك: قضى لقلوبهم الإيمان، ففي بمعنى اللام، وأخبر تعالى ذكره أنه كتب في قلوبهم الإيمان لهم، وذلك لمّا كان الإيمان بالقلوب، وكان معلوما بالخبر عن القلوب أن المراد به أهلها، اجتزى بذكرها مِنْ ذكر أهلها. و قوله: وأيّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ يقول: وقوّاهم بِبرْهان منه ونور وهدى وَيُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ يقول: ويدخلهم بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار خالِدِينَ فِيها يقول: ماكثين فيها أبدا رِضِيَ اللّه عَنْهُمُ بطاعتهم إياه في الدنيا وَرَضُوا عَنْهُ في الاَخرة بإدخاله إياهم الجنةَ أُولَئِكَ حِزْبُ اللّه يقول: أولئك الذين هذه صفتهم جند اللّه وأولياؤه ألا إنّ حِزْبَ اللّه يقول: ألا إن جند اللّه وأولياءه هُمُ المُفْلِحون يقول: هم الباقون المُنْجَحون بإدراكهم ما طلبوا، والتمسوا ببيعتهم في الدنيا، وطاعتهم ربهم. |
﴿ ٠ ﴾