٢القول فـي تأويـل قوله تعالى: {هُوَ الّذِيَ أَخْرَجَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأوّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ ...}. يعني تعالى ذكره ب قوله: هُوَ الّذِي أخْرَجَ الّذِينَ كَفَروا مِنْ أهْلِ الكِتابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأوّلِ الْحَشْرِ اللّه الذي أخرج الذين جحدوا نبوّة محمد صلى اللّه عليه وسلم من أهل الكتاب، وهم يهود بني النضير من ديارهم، وذلك خروجهم عن منازلهم ودورهم، حين صالحوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على أن يؤمنهم على دمائهم ونسائهم وذراريهم، وعلى أن لهم ما أقلّت الإبل من أموالهم، ويخلو له دورهم، وسائر أموالهم، فأجابهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى ذلك، فخرجوا من ديارهم، فمنهم من خرج إلى الشام، ومنهم من خرج إلى خيبر، فذلك قول اللّه عزّ وجلّ هُوَ الّذِي أخْرَجَ الّذِينَ كَفَروا مِنْ أهْلِ الكِتابِ مِنْ دِيارهِمْ لأوّل الْحَشْر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦١٦٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول اللّه عز وجل: هُوَ الّذِي أخْرَجَ الّذِينَ كَفَروا مِنْ أهْلِ الكِتابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأوّلِ الْحَشْرِ قال: النضير حتى قوله وَلِيُخْزيَ الفاسِقِينَ. ذكر ما بين ذلك كله فيهم: ٢٦١٦٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة هُوَ الّذِي أخْرَجَ الّذِينَ كَفَروا مِنْ أهْلِ الكِتابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأوّلِ الْحَشْرِ قيل: الشام، وهم بنو النضير حيّ من اليهود، فأجلاهم نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم من المدينة إلى خيبر، مَرْجِعَه من أحد. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري مِنْ دِيارِهِمْ لأَوّل الْحَشْرِ قال: هم بنو النضير قاتلهم النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى صالحهم على الجلاء، فأجلاهم إلى الشام، وعلى أن لهم ما أقلت الإبل من شيء إلا الحلقة، والحلقة: السلاح، كانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما مضى، وكان اللّه عزّ وجلّ قد كتب عليهم الجلاء، ولولا ذلك عذبهم في الدنيا بالقتل والسباء. ٢٦١٦٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: هُوَ الّذِي أخْرَجَ الّذِينَ كَفَروا مِنْ أهْلِ الكِتابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأوّلِ الْحَشْرِ قال: هؤلاء النضير حين أجلاهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . ٢٦١٦٩ـ حدثنا ابن حَميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، قال: حدثنا ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان، قال: نزلت في بني النضير سورة الحشر بأسرها، يذكر فيها ما أصابهم اللّه عزّ وجل به من نقمته، وما سلط عليهم به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وما عمل به فيهم، فقال: هُوَ الّذِي أخْرَجَ الّذِينَ كَفَروا مِنْ أهْلِ الكِتابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأوّلِ الْحَشْرِ... الاَيات. و قوله: لأَوّلِ الْحَشْرِ يقول تعالى ذكره: لأوّل الجمع في الدنيا، وذلك حشرهم إلى أرض الشام. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦١٧٠ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، قوله لأَوّلِ الْحَشْرِ قال: كان جلاؤهم أوّل الحشر في الدنيا إلى الشام. ٢٦١٧١ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة : تجيء نار من مَشرِق الأرض، تَحْشُر الناس إلى مغاربها، فتبيت معهم حيث باتُوا، وتَقِيل معهم حيث قالوا، وتأكل من تَخَلّف. ٢٦١٧٢ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عديّ، عن عوف، عن الحسن، قال: بلغني أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما أجلى بني النضير، قال: (امْضوا فَهَذَا أوّل الحَشْرِ، وَإنّا عَلى الأثَرِ) . ٢٦١٧٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لأَوّلِ الحَشْرِ قال: الشام حين ردّهم إلى الشام، وقرأ قول اللّه عزّ وجلّ: يا أيّها الّذِينَ أوتُوا الكِتابَ آمَنُوا بِمَا نَزّلْنا مَصَدّقا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أنْ نَطْمِسَ وُجُوها فَنرُدّها على أدْبارِها قال: من حيث جاءت، أدبارها أن رجعت إلى الشام، من حيث جاءت ردّوا إليه. و قوله: ما ظَنَنْتُمْ أنْ يخْرُجُوا يقول تعالى ذكره للمؤمنين من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ما ظننتم أن يخرج هؤلاء الذين أخرجهم اللّه من ديارهم من أهل الكتاب من مساكنهم ومنازلهم، وَظَنّوا أنّهُمْ ما نِعَتُهُمْ حُصُونُهمْ مِنَ اللّه وإنما ظنّ القوم فيما ذكر أن عبد اللّه بن أُبي وجماعة من المنافقين بعثوا إليهم لما حصرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأمرونهم بالثبات في حصونهم، ويعدونهم النصر، كما: ٢٦١٧٤ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان، أن رهطا من بني عوف ابن الخزرج منهم عبد اللّه بن أُبي ابن سلول ووديعة ومالك ابنا نوفل وسويد وداعس، بعثوا إلى بني النضير أن اثبتوا وتمنّعوا، فإنا لن نسلمكم، وإن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن خرجتم خرجنا معكم، فتربصوا لذلك من نصرهم، فلم يفعلوا، وكانوا قد تحصنوا في الحصون من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين نزل بهم. و قوله: فأتاهُمُ اللّه مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا يقول تعالى ذكره: فأتاهم أمر اللّه من حيث لم يحتسبوا أنه يأتيهم، وذلك الأمر الذي أتاهم من اللّه حيث لم يحتسبوا، قذف في قلوبهم الرعب بنزول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بهم في أصحابه، يقول جلّ ثناؤه: وَقَذَفَ في قُلُوبِهِمُ الرّعُبَ. و قوله: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بأيْدِيهِمْ وأيْدِي المُوءْمِنِينَ يعني جل ثناؤه ب قوله: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بني النضير من اليهود، وأنهم يخربون مساكنهم، وذلك أنهم كانوا ينظرون إلى الخشبة فيما ذُكر في منازلهم مما يستحسنونه، أو العمود أو الباب، فينزعون ذلك منها بأيديهم وأيدي المؤمنين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦١٧٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بأيْدِيهِمْ وأيْدِي المُوءْمِنِينَ جعلوا يخربونها من أجوافها، وجعل المؤمنون يخربون من ظاهرها. ٢٦١٧٦ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزّهريّ، قال: لما صالحوا النبي صلى اللّه عليه وسلم كانوا لا يعجبهم خشبة إلا أخذوها، فكان ذلك خرابها. وقال قتادة : كان المسلمون يخربون ما يليهم من ظاهرها، وتخربها اليهود من داخلها. ٢٦١٧٧ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن رومان، قال: احتملوا من أموالهم، يعني بني النضير، ما استقلت به الإبل، فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه، فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به، قال: فذلك قوله: يُخْربُونَ بُيُوتَهُمْ بأيْدِيهِمْ وأيْدِي المُوءْمِنِينَ وذلك هدمهم بيوتهم عن نُجف أبوابهم إذا احتملوها. ٢٦١٧٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول اللّه عز وجل: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بأيْدِيهِمْ وأيْدِي المُوءْمِنِينَ قال: هؤلاء النضير، صالحهم النبي صلى اللّه عليه وسلم على ما حملت الإبل، فجعلوا يقلعوا الأوتاد يخربون بيوتهم. وقال آخرون: إنما قيل ذلك كذلك، لأنهم كانوا يخربون بيوتهم ليبنوا بنقضها ما هدم المسلمون من حصونهم. ذكر من قال ذلك: ٢٦١٧٩ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بأيْدِيهِمْ وأيْدِي المُوءْمِنِينَ فاعْتَبِرُوا يا أُولي الأبْصَارِ قال: يعني بني النضير، جعل المسلمون كلما هدموا شيئا من حصونهم جعلوا ينقضون بيوتهم ويخربونها، ثم يبنون ما يخرب المسلمون، فذلك هلاكهم. ٢٦١٨٠ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بأيْدِيهِمْ وأيْدِي المُوءْمِنِينَ يعني أهل النضير جعل المسلمون كلما هدموا من حصنهم جعلوا ينقضون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، ثم يبنون ما خرّب المسلمون. واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والمدينة والعراق سوى أبي عمرو: يُخْرِبُونَ بتخفيف الراء، بمعنى يخرجون منها ويتركونها معطلة خرابا، وكان أبو عمرو يقرأ ذلك (يخرّبون) بالتشديد في الراء بمعنى يهدّمون بيوتهم. وقد ذكر عن أبي عبد الرحمن السلمي والحسن البصري أنهما كانا يقرآن ذلك نحو قراءة أبي عمرو. وكان أبو عمرو فيما ذكر عنه يزعم أنه إنما اختار التشديد في الراء لما ذكرت من أن الإخراب: إنما هو ترك ذلك خرابا بغير ساكن، وإن بني النضير لم يتركوا منازلهم، فيرتحلواعنها، ولكنهم خربّوبها بالنقض والهدم، وذلك لا يكون فيما قال إلا بالتشديد. و قوله: فاعْتَبرُا يا أولي الأبصارِ يقول تعالى ذكره: فاتعظوا يا معشر ذوي الأفهام بما أحلّ اللّه بهؤلاء اليهود الذين قذف اللّه في قلوبهم الرعب، وهم في حصونهم من نقمته، واعلموا أن اللّه ولّى من والاه، وناصر رسوله على كلّ من ناوأه، ومحلّ من نقمته به نظير الذي أحلّ ببني النضير. وإنما عنى بالأبصار في هذا الموضع أبصار القلوب، وذلك أن الاعتبار بها يكون دون الإبصار بالعيون. |
﴿ ٢ ﴾