٢

و قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا صدّقوا اللّه ورسوله، لم تقولون القول الذي لا تصدّقونه بالعمل، فأعمالكم مخالفة أقوالكم كَبُرَ مَقْتا عِنْدَ اللّه أنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ يقول: عظم مقتا عند ربكم قولكم ما لا تفعلون.

واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله أُنْزلت هذه الآية، فقال بعضهم: أُنزلت توبيخا من اللّه لقوم من المؤمنين، تمنوا معرفة أفضل الأعمال، فعرّفهم اللّه إياه، فلما عرفوا قصروا، فعوتبوا بهذه الآية. ذكر من قال ذلك:

٢٦٣٣٣ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، في قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ قال: كان ناس من المؤمنين قبل أن يُفرض الجهاد يقولون: لوددنا أن اللّه دلنا على أحبّ الأعمال إليه، فنعمل به، فأخبر اللّه نبيه أن أحبّ الأعمال إليه إيمان باللّه لا شكّ فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقرّوا به فلما نزل الجهاد، كره ذلك أُناس من المؤمنين، وشقّ عليهم أمره، فقال اللّه : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتا عِنْدَ اللّه أنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ قال: كان قوم يقولون: واللّه لو أنا نعلم ما أحبّ الأعمال إلى اللّه لعملناه، فأنزل اللّه على نبيه صلى اللّه عليه وسلم : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتا... إلى قوله بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ فدلهم على أحبّ الأعمال إليه.

٢٦٣٣٤ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن محمد بن جحادة، عن أبي صالح، قال: قالوا: لو كنا نعلم أيّ الأعمال أحبّ إلى اللّه وأفضل، فنزلت: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا هَلْ أدُلّكُمْ على تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ ألِيمٍ فكرهوا، فنزلت: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ.

٢٦٣٣٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول اللّه لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ... إلى قوله: مَرْصُوصٌ فيما بين ذلك في نفر من الأنصار فيهم عبد اللّه بن رواحة، قالوا في مجلس: لو نعلم أيّ الأعمال أحبّ إلى اللّه لعملنا بها حتى نموت، فأنزل اللّه هذا فيهم، فقال عبد اللّه بن رواحة: لا أزال حبيسا في سبيل اللّه حتى أموت، فقُتل شهيدا.

وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في توبيخ قوم من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، كان أحدهم يفتخر بالفعل من أفعال الخير التي لم يفعلها، فيقول فعلت كذا وكذا، فعذلهم اللّه على افتخارهم بما لم يفعلوا كذبا. ذكر من قال ذلك:

٢٦٣٣٦ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ قال: بلغني أنها كانت في الجهاد، كان الرجل يقول: قاتلت وفعلت، ولم يكن فعل، فوعظهم اللّه في ذلك أشدّ الموعظة.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ يؤذنهم ويعلمهم كما تسمعون كَبُرَ مَقْتا عِنْدَ اللّه وكانت رجال تخبر في القتال بشيء لم يفعلوه ولم يبلغوه، فوعظهم اللّه في ذلك موعظة بليغة، فقال: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ... إلى قوله: كأنّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ.

٢٦٣٣٧ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ أنزل اللّه هذا في الرجل يقول في القتال ما لم يفعله من الضرب والطعن والقتل قال اللّه : كَبُرَ مَقْتا عِنْدَ اللّه أنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ.

وقال آخرون: بل هذا توبيخ من اللّه لقوم من المنافقين، كانوا يَعِدُونَ المؤمنين النصر وهم كاذبون. ذكر من قال ذلك:

٢٦٣٣٨ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول اللّه : كَبُرَ مَقْتا عِنْدَ اللّه أنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ يقول للنبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه: لو خرجتم خرجنا معكم، وكنا في نصركم، وفى، وفى، فأخبرهم أنه كَبُرَ مَقْتا عِنْدَ اللّه أنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ.

وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال: عنى بها الذين قالوا: لو عرفنا أحبّ الأعمال إلى اللّه لعملنا به، ثم قصروا في العمل بعدما عرفوا.

وإنما قلنا: هذا القول أولى بها، لأن اللّه جل ثناؤه خاطب بها المؤمنين، فقال: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا ولو كانت نزلت في المنافقين لم يسموْا، ولم يوصفوا بالإيمان، ولو كانوا وصفوا أنفسهم بفعل ما لم يكونوا فعلوه، كانوا قد تعمدوا قيل الكذب، ولم يكن ذلك صفة القوم، ولكنهم عندي أمّلوا بقوله م: لو علمنا أحبّ الأعمال إلى اللّه عملناه أنهم لو علموا بذلك عملوه فلما علموا ضعفت قوى قوم منهم، عن القيام بما أملوا القيام به قبل العلم، وقوي آخرون فقاموا به، وكان لهم الفضل والشرف.

﴿ ٢