تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآنللإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبريإمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)_________________________________سورة الجمعةسورة الجمعة مدنية وآياتها إحدى عشرة بسم اللّه الرحمَن الرحيـم ١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يُسَبّحُ للّه مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ الْمَلِكِ الْقُدّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }. يقول تعالى ذكره: يسبح للّه كلّ ما في السموات السبع، وكلّ ما في الأرضين من خلقه، ويعظمه طوعا وكرها المَلِكِ القُدّوسِ الذي له ملك الدنيا والاَخرة وسلطانهما، النافذ أمره في السموات والأرض وما فيهما، القدّوس: وهو الطاهر من كلّ ما يضيف إليه المشركون به، ويصفونه به مما ليس من صفاته المبارك العَزِيزِ يعني الشديد في انتقامه من أعدائه الْحَكِيمِ في تدبيره خلقه، وتصريفه إياهم فيما هو أعلم به من مصالحهم. ٢القول فـي تأويـل قوله تعالى: {هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الاُمّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ...}. يقول تعالى ذكره: اللّه الذي بعث في الأميين رسولاً منهم، فقوله هو كناية من اسم اللّه ، والأميون: هم العرب. وقد بيّنا فيما مضى المعنى الذي من أجله قيل للأميّ أميّ. وبنحو الذي قلنا في الأميين في هذا الموضع قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٣٦٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الأُمّيّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ قال: العرب. ٢٦٣٦١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت سفيان الثوريّ يحدّث لا أعلمه إلا عن مجاهد أنه قال: هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الأُمّيّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِهِ: العرب. ٢٦٣٦٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الأُمّيّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ قال كان هذا الحيّ من العرب أمة أمّيّة، ليس فيها كتاب يقرؤونه، فبعث اللّه نبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم رحمة وهُدى يهديهم به. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الأُمّيّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ قال: كانت هذه الأمة امّيّة لا يقرؤون كتابا. ٢٦٣٦٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: هُوَ الّذِي بَعَثَ فِي الأُمّيّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ قال: إنما سميت أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم الأميين، لأنه لم ينزّل عليهم كتابا. وقال جل ثناؤه رَسُولاً مِنْهُمْ يعني من الأميين وإنما قال منهم، لأن محمدا صلى اللّه عليه وسلم كان أمّيّا، وظهر من العرب. و قوله: يَتْلُو عَلَيْهِمْ آياتِهِ يقول جلّ ثناؤه: يقرأ على هؤلاء الأميين آيات اللّه التي أنزلها عليه وَيُزَكّيهِمْ يقول: ويطهرهم من دنس الكفر. و قوله: وَيُعَلّمُهُمُ الكِتابَ يقول: ويعلمهم كتاب اللّه ، وما فيه من أمر اللّه ونهيه، وشرائع دينه وَالْحكْمَةَ يعني بالحكمة: السنن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٣٦٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَيُعَلّمُهُمُ الكِتابَ وَالْحِكْمَةَ أي السنة. ٢٦٣٦٥ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قال: وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الكِتابَ وَالْحِكْمَةَ أيضا كما علم هؤلاء يزكيهم بالكتاب والأعمال الصالحة، ويعلمهم الكتاب والحكمة كما صنع بالأوّلين، وقرأ قول اللّه عزّ وجلّ: والسّابقُونَ الأوّلُونَ مِنَ المُهاجِرِينَ والأنْصَارِ وَالّذِينَ اتّبَعُوهُمْ بإحْسانٍ ممن بقي من أهل الإسلام إلى أن تقوم الساعة، قال: وقد جعل اللّه فيهم سابقين، وقرأ قول اللّه عزّ وجلّ: والسّابِقُونَ أُولَئِكَ المُقَرّبُونَ، وقال: ثُلّةٌ مِنَ الأوّلِين وَقَلِيلٌ مِنَ الاَخِرينَ فثلة من الأوّلين سابقون، وقليل السابقون من الاَخرين، وقرأ: وأصحَابُ اليَمِينِ ما أصحَابُ اليَمِينِ... حتى بلغ ثُلّةٌ مِنَ الأوّلِينَ، وَثُلّةٌ مِنَ الاَخرِينَ أيضا، قال: والسابقون من الأوّلين أكثروهم من الاَخرين قليل، وقرأ وَالّذِينَ جاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبّنا اغْفِرْ لَنا ولإخْوَانِنا الّذِينَ سَبَقُونا بالإيمَانِ... الاَية، قال: هؤلاء من أهل الإسلام إلى أن تقوم الساعة. و قوله: وَإنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ يقول تعالى ذكره: وقد كان هؤلاء الأميون من قبل أن يبعث اللّه فيهم رسولاً منهم في جَوْر عن قصد السبيل، وأخذ على غير هدى مُبِين يقول: يبين لمن تأمله أنه ضلال وجَوْر عن الحقّ وطريق الرشد. ٣القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }. يقول تعالى ذكره: وهو الذي بعث في الأميين رسولا منهم، وفي آخرين منهم لما يلحقوا بهم فآخرون في موضع خفض عطفا على الأميين. وقد اختلف في الذين عُنوا ب قوله: وآخَرِينَ مِنْهُمْ، فقال بعضهم: عُنِي بذلك العجم. ذكر من قال ذلك: ٢٦٣٦٦ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثني ابن علية، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال: هم الأعاجم. حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: حدثنا فضيل بن طلحة، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال: هم الأعاجم. حدثنا أبو السائب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال: الأعاجم. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عاصم، قال: حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال: الأعاجم. حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت سفيان الثوريّ لا أعلمه إلا عن مجاهد: وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال: العجم. ٢٦٣٦٧ـ حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثنا يحيى بن معين، قال: حدثنا هشام بن يوسف، عن عبد الرحمن بن عمر بن عبد الرحمن بن العاص، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن عمر، أنه قال: له: أما إن سورة الجمعة أنزلت فينا وفيكم في قتلكم الكذّاب، ثم قرأ: يُسَبّحُ للّه ما في السّمَوَاتِ وَما في الأرْض. حتى بلغ وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال: فأنتم هم. حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال: الأعاجم. ٢٦٣٦٨ـ حدثني محمد بن معمر، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا عبد العزيز وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني سليمان بن بلال، جميعا عن ثور بن زيد، عن أبي الغيث، عن أبي هريرة، قال: كنا جلوسا عند النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فنزلت عليه سورة الجمعة، فلما قرأ: وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال رجل: من هؤلاء يا رسول اللّه ؟ قال: فلم يراجعه النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى سأله مرّة أو مرّتين أو ثلاثا، قال: وفينا سلمان الفارسيّ، فوضع النبي صلى اللّه عليه وسلم يده على سلمان فقال: (لَوْ كانَ الإيمَانُ عنْدَ الثّرَيّا لَنالَهُ رِجالٌ مِنْ هَولاءِ) . حدثني أحمد بن عبد الرحمن، قال: حدثنا عمي، قال: حدثنا سليمان بن بلال المدنّي، عن ثور بن زيد، عن سالم أبي الغيث، عن أبي هريرة، قال: كنا جلوسا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فذكر نحوه. وقال آخرون: إنما عُني بذلك جميع من دخل في الإسلام من بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم كائنا من كان إلى يوم القيامة. ذكر من قال ذلك: ٢٦٣٦٩ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول اللّه : وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال: من ردف الإسلام من الناس كلهم. ٢٦٣٧٠ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول اللّه عز وجل: وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قال: هؤلاء كلّ من كان بعد النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى يوم القيامة، كلّ من دخل في الإسلام من العرب والعجم. وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي قول من قال: غُني بذلك كلّ لاحق لحق بالذين كانوا صحبوا النبي صلى اللّه عليه وسلم في إسلامهم من أيّ الأجناس لأن اللّه عزّ وجلّ عمّ ب قوله: وآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ كلّ لاحق بهم من آخرين، ولم يخصص منهم نوعا دون نوع، فكلّ لاحق بهم فهو من الاَخرين الذي لم يكونوا في عداد الأوّلين الذين كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يتلو عليهم آيات اللّه و قوله: لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ يقول: لم يجيئوا بعد وسيجيئون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٣٧١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: لَمّا يَلْحَقُوا بِهِمْ يقول: لم يأتوا بعد. و قوله: وَهُوَ العَزِيزُ الْحكِيم يقول: واللّه العزيز في انتقامه ممن كفر به منهم، الحكيم في تدبيره خلقه. ٤و قوله: ذلكَ فَضْلُ اللّه يُوءْتِيهِ مِن يَشاءُ يقول تعالى ذكره: هذا الذي فعل تعالى ذكره من بعثته في الأميين من العرب، وفي آخرين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته، ويفعل سائر ما وصف، فضل اللّه ، تفضل به على هؤلاء دون غيرهم يُؤتيهِ مَنْ يَشاءُ يقول: يؤتي فضله ذلك من يشاء من خلقه، لا يستحقّ الذمّ ممن حرمه اللّه إياه، لأنه لم يمنعه حقا كان له قبله ولا ظلمه في صرفه عنه إلى غيره، ولكنه علم مَنْ هُو له أهل، فأودعه إياه، وجلعه عنده. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٣٧٢ـ حدثنا ابن سنان القزاز، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن شبيب، عن عكرمة، عن ابن عباس في: ذلكَ فَضْلُ اللّه يُوءْتِيهِ مَنْ يَشاءُ قال: الفضل: الدين واللّه ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ يقول: اللّه ذو الفضل على عباده، المحسن منهم والمسيىء، والذين بعث فيهم الرسول منهم وغيرهم، العظيم الذي يقلّ فضل كلّ ذي فضل عنده. ٥القول فـي تأويـل قوله تعالى: {مَثَلُ الّذِينَ حُمّلُواْ التّوْرَاةَ ثُمّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً ...}. يقول تعالى ذكره: مثل الذين أوتوا التوراة من اليهود والنصارى، فحملوا العمل بها ثُمّ لَمْ يَحْمِلُوها يقول: ثم لم يعملوا بما فيها، وكذّبوا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم ، وقد أمروا بالإيمان به فيها واتباعه والتصديق به كَمَثَلِ الْحِمارِ يحمِلُ أسْفارا يقول: كمثل الحمار يحمل على ظهره كتبا من كتب العلم، لا ينتفع بها، ولا يعقل ما فيها، فكلك الذين أوتوا التوراة التي فيها بيان أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم مثلهم إذا لم ينتفعوا بما فيها، كمثل الحمار الذي يحمل أسفارا فيها علم، فهو لا يعقلها ولا ينتفع بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٣٧٣ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، في قوله: يَحْمِلُ أسْفارا قال: يحمل كتبا لا يدري ما فيها، ولايعقلها. ٢٦٣٧٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة مَثَلُ الّذِينَ حُمّلُوا التّوْراة ثُمّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يحْمِلُ أسْفارا قال: يحمل كتابا لا يدري ماذا عليه، ولا ماذا فيه. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله كَمَثَلِ الْحِمارِ يحْمِلُ أسْفارا قال: كمثل الحمار الذي يحمل كتبا، لا يدري ما على ظهره. ٢٦٣٧٥ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: كَمَثَلِ الْحِمارِ يحْمِلُ أسْفارا كتبا، والكتاب بالنبطية يسمى سِفْرا ضرب اللّه هذا مثلاً للذين أعطوا التوراة ثم كفروا. ٢٦٣٧٦ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: مَثَلُ الّذِينَ حُمّلُوا التّوْراةَ ثُمّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يحْمِلُ أسْفارا والأسفار: الكتب، فجعل اللّه مثل الذي يقرأ الكتاب ولا يتبع ما فيه، كمثل الحمار يحمل كتاب اللّه الثقيل، لا يدري ما فيه، ثم قال: بِئْسَ مَثَلُ القَوْم الّذِينَ كَذّبُوا بآياتِ اللّه ... الاَية. ٢٦٣٧٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول اللّه : كَمَثَلِ الْحِمارِ يحْمِلُ أسْفارا قال: الأسفارُ: التوراة التي يحملها الحمار على ظهره، كما تحمل المصاحف على الدواب، كمثل الرجل يسافر فيحمل مصحفه، قال: فلا ينتفع الحمارُ بها حين يحملها على ظهره، كذلك لم ينتفع هؤلاء بها حين لم يعلموا بها وقد أوتوها، كما لم ينتفع بها هذا وهي على ظهره. ٢٦٣٧٨ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ عن ابن عباس في قوله كَمَثَلِ الْحِمارِ يحْمِلُ أسْفارا يقول: كتبا. والأسفار: جمع سفر، وهي الكتاب العظام. و قوله: بِئْسَ مثلُ القَوْمِ الّذِينَ كَذّبُوا بآياتِ اللّه يقول: بئس هذا المثل، مثل القوم الذين كذّبوا بآيات اللّه ، يعني بأدلته وحججه واللّه لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ يقول تعالى ذكره: واللّه لا يوفّق القوم الذين ظلموا أنفسهم، فكفروا بآيات ربهم. ٦القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قُلْ يَأَيّهَا الّذِينَ هَادُوَاْ إِن زَعمْتُمْ أَنّكُمْ أَوْلِيَآءُ للّه مِن دُونِ النّاسِ فَتَمَنّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : قل يا محمد لليهود: يا أيّها الّذِينَ هادُوا إنْ زَعَمْتُمْ أنّكُمْ أوْلِياءُ للّه مِنْ دُونِ النّاسِ سواكم فَتَمّنُوا المَوْتَ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ في قيلكم، إنكم أولياء للّه من دون الناس، فإن اللّه لا يعذّب أولياءه، بل يكرمهم وينعمهم، وإن كنتم محقين فيما تقولون فتمنوا الموت لتستريحوا من كرب الدنيا وهمومها وغمومها، وتصيروا إلى روح الجنان ونعيمها بالموت. ٢٦٣٧٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: قُلْ يا أيّها الّذِينَ هادُوا قل يا أيها الذين تابوا: لليهود، قال موسى: إنّا هُدْنا إلَيْكَ: إنا تبنا إليك. ٧القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَلاَ يَتَمَنّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدّمَتْ أَيْديهِمْ وَاللّه عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ }. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : وَلا يَتَمَنّوْنَهُ أبَدا يقول: ولا يتمنى اليهود الموت أبدا بِمَا قَدّمَتْ أيْدِيهِمْ يعني : بما اكتسبوا في هذه الدنيا من الاَثام، واجترحوا من السيئات وَاللّه عَلِيمٌ بالظّالِمِينَ يقول: واللّه ذو علم بمن ظلم من خلقه نفسه، فأوبقها بكفره باللّه . ٨القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قُلْ إِنّ الْمَوْتَ الّذِي تَفِرّونَ مِنْهُ فَإِنّهُ مُلاَقِيكُمْ ...}. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : قُلْ يا محمد لليهود إنّ المَوْتَ الّذِي تَفِرّونَ مِنْهُ فتكرهونه، وتأبون أن تتمنوه فإنّهُ مُلاقِيكُمْ ونازل بكم ثُمّ تَرُدّونَ إلى عالمِ الغَيْبِ والشّهادَةِ ثم يردّكم ربكم من بعد مماتكم إلى عالم الغيب والشهادة، عالم غيب السموات والأرض والشهادة: يعني وما شهد فظهر لرأي العين، ولم يغب عن أبصار الناظرين. ٢٦٣٨٠ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، قال: تلا قتادة : ثُمّ تُرَدّونَ إلى عالمِ الغَيْبِ والشّهادَةِ فقال: إن اللّه أذلّ ابن آدم بالموت لا أعلمه إلا رفعه. فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يقول: فيخبركم حينئذ ما كنتم في الدنيا تعملون من الأعمال، سيئها وحسنها، لأنه محيط بجميعها، ثم يجازيكم على ذلك المحسن بإحسانه، والمسيء بما هو أهله. ٩القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا نُودِيَ لِلصّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ ...}. يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من عباده: يا أيها الذين صدّقوا اللّه ورسوله إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمْعَةِ وذلك هو النداء، ينادى بالدعاء إلى صلاة الجمعة عند قعود الإمام على المنبر للخطبة ومعنى الكلام: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللّه يقول: فامضوا إلى ذكر اللّه ، واعملوا له وأصل السعي في هذا الموضع العمل، وقد ذكرنا الشواهد على ذلك فيما مضى قبل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٣٨١ـ حدثنا الحسن بن عرفة، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن شُرَحْبيل بن مسلم الخَوْلانيّ، في قول اللّه : فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللّه قال: فاسعوا في العمل، وليس السعي في المشي. ٢٦٣٨٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ للَصّلاةِ مِنْ يَوْم الجُمُعَةِ فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللّه والسعي يا بن آدم أن تسعى بقلبك وعملك، وهو المضي إليها. ٢٦٣٨٣ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عدّي، عن شعبة، قال: أخبرني مغيرة، عن إبراهيم أنه قيل لعمر رضي اللّه عنه: إن أُبيّا يقرؤها: فاسْعَوْا قال: أما إنه أقرؤنا وأعلمنا بالمنسوخ وإنما هي (فامضوا) . ٢٦٣٨٤ـ حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري، قال: أخبرنا سفيان، عن الزهريّ، عن سالم، عن أبيه، قال: ما سمعت عمر يقرؤها قطّ إلاّ فامضوا. حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يمان، قال: حدثنا حنظلة، عن سالم بن عبد اللّه ، قال: كان عمر رضي اللّه عنه يقرؤها: (فامْضُوا إلى ذِكْرِ اللّه ) . حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن حنظلة، عن سالم بن عبد اللّه أن عمر بن الخطاب قرأها: فامضوا. حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثنا حنظلة بن أبي سفيان الجمحيّ، أنه سمع سالم بن عبد اللّه يحدّث عن أبيه، أنه سمع عمر بن الخطاب يقرأ: (إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمْعَةِ فامْضُوا إلى ذِكْرِ اللّه ) . قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني سالم بن عبد اللّه بن عمر، أن عبد اللّه قال: لقد توفى اللّه عمر رضي اللّه عنه، وما يقرأ هذه الاَية التي ذكر اللّه فيها الجمعة: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمْعَةِ إلا (فامضوا) إلى ذكر اللّه . ٢٦٣٨٥ـ حدثني أبو السائب، قال: حدثنا معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: كان عبد اللّه يقرؤها: (فامْضُوا إلى ذِكْرِ اللّه ) ويقول: لو قرأتها فاسعوا، لسعيت حتى يسقط ردائي. حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا ابن عدّي، عن شعبة، عن سليمان، عن إبراهيم، قال: قال عبد اللّه : لو كان السعي لسعيت حتى يسقط ردائي، قال: ولكنها: (فامْضُوا إلى ذِكْرِ اللّه ) قال: هكذا كان يقرؤها. ٢٦٣٨٦ـ حدثني عليّ بن الحسين الأزدي، قال: حدثنا يحيى بن يمان الأزدي، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع عن أبي العالية أنه كان يقرؤها: (فامْضُوا إلى ذِكْرِ اللّه ) . حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يمان، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، أنه قرأها: (فامْضُوا إلى ذِكْرِ اللّه ) . ٢٦٣٨٧ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن ابن جُرَيج، عن عطاء، قال: هي للأحرار. ٢٦٣٨٨ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن منصور عن رجل، عن مسروق، قال: عند الوقت. ٢٦٣٨٩ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن رجل، عن مسروق إذَا نُودِيَ للصّلاةِ قال: عند الوقت. ٢٦٣٩٠ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، قال: هو عند العزمة عند الخطبة، عند الذكر. حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ قال: النداء عند الذكر عزيمة. حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ قال: العزمة عند الذكر عند الخطبة. قال: ثنا مهران، عن سفيان عن المُغيرة والأعمش، عن إبراهيم، عن ابن مسعود، قال: لو قرأتها فاسْعَوْا لسعيت حتى يسقط ردائي، وكان يقرؤها: (فامْضُوا إلى ذِكْرِ اللّه ) . قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن الشعبيّ، عن ابن مسعود قال: قرأها فامْضُوا. ٢٦٣٩١ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن أبي حيان، عن عكرمة فاسْعَوْا إلى ذِكْر اللّه قال: السعي: العمل. ٢٦٣٩٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وسألته عن قول اللّه : إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللّه قال: إذا سمعتم الداعي الأوّل، فأجيبوا إلى ذلك وأسرعوا ولا تبطئوا قال: ولم يكن في زمان النبي صلى اللّه عليه وسلم أذان إلا أذانان: أذان حين يجلس على المنبر، وأذان حين تُقام الصلاة قال: وهذا الاَخر شيء أحدثه الناس بعد قال: لا يحلّ له البيع إذا سمع النداء الذي يكون بين يدي الإمام إذا قعد على المنبر وقرأ فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللّه وَذَرُوا البَيْعَ قال: ولم يأمرهم يذرون شيئا غيره، حرّم البيع ثم أذن لهم فيه إذا فرغوا من الصلاة، قال: والسعي أن يُسرع إليها، أن يُقبِل إليها. ٢٦٣٩٣ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة : إن في حرف ابن مسعود (إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فامْضُوا إلى ذِكْرِ اللّه ) . ٢٦٣٩٤ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللّه السعي: هو العمل، قال اللّه : إنّ سَعْيَكُمْ لَشَتّى. و قوله: وَذَرُوا البَيْعَ يقول: ودعوا البيع والشراء إذا نودي للصلاة عند الخطبة. وكان الضحاك يقول في ذلك ما: ٢٦٣٩٥ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن جُوَيبر، عن الضحاك ، قال: إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء. حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن جُوَيبر، عن الضحاك إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ قال: إذا زالت الشمس حرم البيع والشراء. ٢٦٣٩٦ـ حدثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل السديّ، عن أبي مالك، قال: كان قوم يجلسون في بقيع الزبير، فيشترون ويبيعون إذا نودي للصلاة يوم الجمعة، ولا يقومون، فنزلت: إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ. وأما الذكر الذي أمر اللّه تبارك وتعالى بالسعي إليه عباده المؤمنين، فإنه موعظة الإمام في خطبته فيما قيل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٣٩٧ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ قال: العزمة عند الذكر عند الخطبة. ٢٦٣٩٨ـ حدثنا عبد اللّه بن محمد الحنفي، قال: حدثنا عبدان، قال: أخبرنا عبد اللّه ، قال: أخبرنا منصور رجل من أهل الكوفة، عن موسى بن أبي كثير، أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللّه قال: فهي موعظة الإمام فإذا قضيت الصلاة بعد. و قوله: ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يقول: سعيكم إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة إلى ذكر اللّه ، وترك البيع خير لكم من البيع والشراء في ذلك الوقت، إن كنتم تعلمون مصالح أنفسكم ومضارّها. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: مِنْ يَوْم الجُمُعَةِ فقرأت ذلك عامة قرّاء الأمصار: الجُمُعَةِ بضم الميم والجيم، خلا الأعمش فإنه قرأها بتخفيف الميم. والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار لإجماع الحجة من القرّاء عليه. ١٠القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصّلاَةُ فَانتَشِرُواْ فِي الأرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللّه وَاذْكُرُواْ اللّه كَثِيراً لّعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ }. يقول تعالى ذكره: فإذا قُضيت صلاة الجمعة يوم الجمعة، فانتشروا في الأرض إن شئتم، ذلك رخصة من اللّه لكم في ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٣٩٩ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن مجاهد أنه قال: هي رخصة، يعني قوله: فإذَا قُضِيَتِ الصّلاةُ فانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ. ٢٦٤٠٠ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فإذَا قُضِيَتِ الصّلاةُ فانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ قال: هذا إذن من اللّه ، فمن شاء خرج، ومن شاء جلس. ٢٦٤٠١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: أذن اللّه لهم إذا فرغوا من الصلاة، فإذَا قُضِيَتِ الصّلاةُ فانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّه فقد أحللته لكم. و قوله: وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّه . ذُكر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في تأويل ذلك ما: ٢٦٤٠٢ـ حدثني العباس بن أبي طالب، قال: حدثنا عليّ بن المعافى بن يعقوب الموصليّ، قال: حدثنا أبو عامر الصائغ من الموصل، عن أبي خلف، عن أنس، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في قوله فإذَا قُضِيَتِ الصّلاةُ فانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّه قال: (لَيْسَ لِطَلَبِ دْنُيا، وَلَكِنْ عِيادَةُ مَرِيضٍ، وَحُضُورُ جَنازَةٍ، وَزِيارَةُ أخٍ فِي اللّه ) . وقد يحتمل قوله: وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّه أن يكون معنيا به: والتمسوا من فضل اللّه الذي بيده مفاتيح خزائنه لدنياكم وآخرتكم. و قوله: وَاذْكُرُوا اللّه كَثِيرا لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ يقول: واذكروا اللّه بالحمد له، والشكر على ما أنعم به عليكم من التوفيق لأداء فرائضه، لتفلحوا، فتدركوا طلباتكم عند ربكم، وتصلوا إلى الخلد في جناته. ١١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضّوَاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً ...}. يقول تعالى ذكره: وإذا رأى المؤمنون عير تجارة أو لهوا انْفَضّوا إلَيْها يعني أسرعوا إلى التجارة وَتَركُوكَ قائما يقول للنبيّ صلى اللّه عليه وسلم : وتركوك يا محمد قائما على المنبر وذلك أن التجارة التي رأوها فانفضّ القوم إليها، وتركوا النبي صلى اللّه عليه وسلم قائما كانت زيتا قدم به دحية بن خليفة من الشام. ذكر من قال ذلك: ٢٦٤٠٣ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل السديّ، عن أبي مالك، قال: قدم دحية بن خليفة بتجارة زيت من الشام، والنبي صلى اللّه عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فلما رأوه قاموا إليه بالبقيع خشوا أن يسبقوا إليه، قال: فنزلت وَإذَا رَأَوْا تِجارَةً أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها وَتَرَكُوكَ قائما. ٢٦٤٠٤ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يمان، قال: حدثنا سفيان، عن السديّ، عن قرة إذَا نُودِيَ للصّلاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ قال: جاء دحية الكلبي بتجارة والنبي صلى اللّه عليه وسلم قائم في الصلاة يوم الجمعة، فتركوا النبي صلى اللّه عليه وسلم وخرجوا إليه، فنزلت وَإذَا رَأَوْا تِجارَةً أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها وَتَرَكُوكَ قائما حتى ختم السورة. ٢٦٤٠٥ـ حدثني أبو حصين عبد اللّه بن أحمد بن يونس، قال: حدثنا عبثر، قال: حدثنا حصين، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبد اللّه ، قال: كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الجمعة، فمرّت عير تحمل الطعام، قال: فخرج الناس إلا اثني عشر رجلاً، فنزلت آية الجمعة.
٢٦٤٠٦ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، قال: قال الحسن: إن أهل المدينة أصابهم جوع وغلاء سعر، فقدمت عير والنبي صلى اللّه عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فسمعوا بها، فخرجوا والنبي صلى اللّه عليه وسلم قائم، كما قال اللّه عزّ وجلّ. ٢٦٤٠٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله وَإذَا رَأَوْا تِجارَةً أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها وَتَرَكُوكَ قائما قال: جاءت تجارة فانصرفوا إليها، وتركوا النبي صلى اللّه عليه وسلم قائما وإذا رأوا لهوا ولعبا قُلْ ما عِنْدَ اللّه خَيْرٌ مِنَ اللّه وِ وَمِنَ التّجارَةِ وَاللّه خَيْرُ الرازِقينَ. ٢٦٤٠٨ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: وإذَا رَأَوْا تجارَةً أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها قال: رجال كانوا يقومون إلى نواضحهم وإلى السفر يبتغون التجارة. ٢٦٤٠٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة : بينما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يخطب الناس يوم الجمعة، فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة، فقال: كم أنتم؟ فعدّوا أنفسهم فإذا اثنا عشر رجلاً وامرأة ثم قام في الجمعة الثانية فجعل يخطبهم قال سفيان: ولا أعلم إلا أن في حديثه ويعظهم ويذكرهم، فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت عصابة، فقال: كم أنتم، فعدّوا أنفسهم، فإذا اثنا عشر رجلاً وامرأة ثم قام في الجمعة الثالثة فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة، فقال كم أنتم؟ فعدّوا أنفسهم، فإذا اثنا عشر رجلاً وامرأة، فقال: (وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوِ اتّبَعَ آخِرُكمْ أوّلكمْ لالْتَهَبَ عَلَيْكُمُ الوَادي نارا) وأنزل اللّه عزّ وجلّ: (وَإذَا رَأَوْا تِجارَةً أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها وَتَركُوكَ قائما) . حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله انْفَضوا إلَيْها وَتَركُوكَ قَائما قال: لو اتبع آخرهم أوّلهم لالتهب عليهم الوادي نارا. قال: ثنا ابن ثور، قال معمر، قال قتادة : لم يبق مع النبي صلى اللّه عليه وسلم يومئذ إلا اثنا عشر رجلاً وامرأة معهم. حدثنا محمد بن عمارة الرازي، قال: حدثنا محمد بن الصباح، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن سالم وأبي سفيان، عن جابر، في قوله وَتَرَكُوكَ قائما قال: قدمت عير فانفضّوا إليها، ولم يبق مع النبي صلى اللّه عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا. حدثنا عمرو بن عبد الحميد الاَمُلى، قال: حدثنا جرير، عن حصين، عن سالم، عن جابر أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يخطب قائما يوم الجمعة، فجاءت عير من الشام، فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلاً، قال: فنزلت هذه الاَية في الجمعة وَإذَا رَأَوْا تِجارَةَ أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها وَتَركُوكَ قائما. وأما اللّه و، فإنه اختُلف من أيّ أجناس اللّه و كان، فقال بعضهم: كان كَبَرا ومزامير. ذكر من قال ذلك: ٢٦٤١٠ـ حدثنا محمد بن سهل بن عسكر، قال: حدثنا يحيى بن صالح، قال: حدثنا سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد اللّه ، قال: كان الجواري إذا نكحوا كانوا يمرّون بالكبر والمزامير ويتركون النبي صلى اللّه عليه وسلم قائما على المنبر، وينفضون إليها، فأنزل اللّه وَإذَا رَأَوْا تِجارَةَ أوْ لَهْوا انْفَضّوا إلَيْها. وقال آخرون: كان طبلاً. ذكر من قال ذلك: ٢٦٤١١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: اللّه و: الطبل. حدثني الحارث، قال: حدثنا الأشيب، قال: حدثنا ورقاء، قال: ذكر عبد اللّه بن أبي نجيح، عن إبراهيم بن أبي بكير، عن مجاهد أن اللّه و: هو الطبل. والذي هو أولى بالصواب في ذلك الخبر الذي رويناه عن جابر، لأنه قد أدرك أمر القوم ومشاهدهم. و قوله: قُلْ ما عِنْدَ اللّه خَيْرٌ مِنَ اللّه وِ وَمِنَ التّجارَةِ يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : قل لهم يا محمد الذي عند اللّه من الثواب، لمن جلس مستمعا خطبة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وموعظته يوم الجمعة إلى أن يفرغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم منها، خير له من اللّه و ومن التجارة التي ينفضون إليها وَاللّه خَيْرُ الرازِقِينَ يقول: واللّه خير رازق، فإليه فارغبوا في طلب أرزاقكم، وإياه فأسألوا أن يوسع عليكم من فضله دون غيره. |
﴿ ٠ ﴾