٥

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللّه لَوّوْاْ رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدّونَ وَهُم مّسْتَكْبِرُونَ }.

يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء المنافقين: تعالوا إلى رسول اللّه يستغفر لكم لوّوا رؤوسهم، يقول: حرّكوها وهزّوها استهزاء برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وباستغفاره وبتشديدها الواو من (لوّوا) قرأت القرّاء على وجه الخبر عنهم أنهم كرّروا هز رؤوسهم وتحريكها، وأكثروا، إلاّ نافعا فإنه قرأ ذلك بتخفيف الواو: (لوَوْا) على وجه أنهم فعلوا ذلك مرّة واحدة.

والصواب من القول في ذلك قراءة من شدّد الواو لإجماع الحجة من القرّاء عليه.

و قوله: ورأيْتَهُمْ يَصُدّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ يقول تعالى ذكره: ورأيتهم يُعْرضون عما دُعوا إليه وجوههم وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ يقول: وهم مستكبرون عن المصير إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ليستغفر لهم وإنما عُنِي بهذه الاَيات كلها فيما ذُكر عبدُ اللّه بن أُبيّ ابن سَلُول، وذلك أنه قال لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتى ينفضّوا، وقال: لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الأعَزّ مِنْها الأذَلّ فسمع بذلك زيد بن أرقم، فأخبر به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فدعاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فسأله عما أخبر به عنه، فحلف أنه ما قاله، و

قيل له: لو أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فسألته أن يستغفر لك، فجعل يلوي رأسه ويحرّكه استهزاء، و يعني ذلك أنه غير فاعل ما أشاروا به عليه، فأنزل اللّه عزّ وجلّ فيه هذه السورة من أوّلها إلى آخرها.

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وجاءت الأخبار. ذكر الرواية التي جاءت بذلك:

٢٦٤١٨ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن أرقم، قال: خرجت مع عمي في غزاة، فسمعت عبد اللّه بن أُبي ابن سلول يقول لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتى ينفضّوا، لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ قال: فذكرت ذلك لعمي، فذكره عمي لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأرسل إليّ، فحدثته، فأرسل إلى عبد اللّه عليّا رضي اللّه عنه وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، قال: فكذّبني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وصدّقه، فأصابني همّ لم يصبني مثله قطّ فدخلت البيت، فقال لي عمي: ما أردت إلى أن كذّبك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومقتك، قال: حتى أنزل اللّه عزّ وجلّ إذَا جاءَكَ المُنافِقُونَ قال: فبعث إليّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقرأها، ثم قال: (إن اللّه عَزّ وَجَلّ قَدْ صَدّقَكَ يا زيد) .

٢٦٤١٩ـ حدثنا أبو كُرَيب والقاسم بن بشر بن معروف، قال: حدثنا يحيى بن بكير، قال: حدثنا شعبة، قال الحكم: أخبرني، قال: سمعت محمد بن كعب القرظيّ قال: سمعت زيد بن أرقم قال: لما قال عبد اللّه بن أُبي ابن سلول ما قال: لا تنفقوا على من عند رسول اللّه حتى ينفضوا، وقال: لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ قال: سمعته فأتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فذكرت ذلك، فلامني ناس من الأنصار، قال: وجاء هو، فحلف ما قال ذلك، فرجعت إلى المنزل فنمت قال: فأتاني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أو بلغني، فأتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال: (إنَ اللّه تَبَارَكَ وَتَعالى قَد صدّقَكَ وَعَذَرَكَ) قال: فنزلت الاَية هُمُ الّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مِنْ عِنْدْ رَسُولِ اللّه ... الاَية.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا هاشم أبو النضر، عن شعبة، عن الحكم، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي، قال: سمعت زيد بن أرقم يحدّث بهذا الحديث.

حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن محمد بن كعب القرظي، عن زيد بن أرقم، قال: كنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في غزوة، فقال عبد اللّه بن أُبي بن سلول: لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الأعَزّ مِنْها الأذَلّ قال: فأتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخبرته، فحلف عبد اللّه بن أُبي انه لم يكن شيء من ذلك، قال: فلامني قومي وقالوا: ما أردتَ إلى هذا، قال: فانطلقت فنمت كئيبا أو حزينا، قال: فأرسل إليّ نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، أو أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال: (إنّ اللّه قَدْ أنْزَلَ عُذْرَكَ وَصَدّقَكَ) ، قال: ونزلت هذه الاَية: هُمُ الّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا على مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّه حتى يَنْفَضّوا... حتى بلغ لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الأعَزّ مِنْها الأذَلّ.

٢٦٤٢٠ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عديّ، قال: أخبرني ابن عون، عن محمد، قال: سمعها زيد بن أرقم فرفعها إلى وليه، قال: فرفعها وَلّيه إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قال: فقيل لزيد: وَفَتْ أذنك.

٢٦٤٢١ـ حدثنا أحمد بن منصور الرّمادّي، قال: حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان، قال: ثني أبي، قال: ثني بشير بن مسلم أنه قيل لعبد اللّه بن أُبي ابن سلول: يا أبا حباب إنه قد أنزل فيك آي شداد، فأذهب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يستغفر لك، فلوى رأسه وقال: أمرتموني أن أومن فآمنت، وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فأعطيت، فما بقي إلا أن أسجد لمحمد.

٢٦٤٢٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَإذَا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللّه لَوّوْا... الاَية كلها قرأها إلى الفاسِقِينَ أنزلت في عبد اللّه بن أُبي، وذلك أن غلاما من قرابته انطلق إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فحدّثه بحديث عنه وأمر شديد، فدعاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فإذا هو يحلف وبتبرأ من ذلك، وأقبلت الأنصار على ذلك الغلام، فلاموه وعَذَلوه وقيل لعبد اللّه : لو أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فجعل يلوي رأسه: أي لستُ فاعلاً، وكذب عليّ، فأنزل اللّه ما تسمعون.

٢٦٤٢٣ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وَإذَا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللّه لَوّوْا رُءُوسَهُمْ قال: عبد اللّه بن أُبي،

قيل له: تعالَ ليستغفر لك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فلوى رأسه وقال: ماذا قلت؟.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، قال: قال له قومه: لو أتيت النبي صلى اللّه عليه وسلم فاستغفر لك، فجعل يلوي رأسه، فنزلت فيه وَإذَا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللّه .

﴿ ٥