تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة التحريم

سورة التحريم مدنية وآياتها اثنتا عشرة

بسم اللّه الرحمَن الرحيـم

١

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يَأَيّهَا النبي لِمَ تُحَرّمُ مَآ أَحَلّ اللّه لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللّه غَفُورٌ رّحِيمٌ }.

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : يا أيها النبي المحرّم على نفسه ما أحلّ اللّه له، يبتغي بذلك مرضاه أزواجه، لم تحرّم على نفسك الحلال الذي أحله اللّه لك، تلتمس بتحريمك ذلك مرضاة أزواجك.

واختلف أهل العلم في الحلال الذي كان اللّه جل ثناؤه أحله لرسوله، فحرّمه على نفسه ابتغاء مرضاة أزواجه، فقال بعضهم: كان ذلك مارية مملوكته القبطية، حرّمها على نفسه بيمين أنه لا يقربها طالبا بذلك رضا حفصة بنت عمر زوجته، لأنها كانت غارت بأن خلا بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في يومها وفي حجرتها. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٠٥ـ حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي، قال: ثني ابن أبي مريم، قال: حدثنا أبو غسان، قال: ثني زيد بن أسلم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أصاب أمّ إبراهيم في بيت بعض نسائه قال: فقالت: أي رسول اللّه في بيتي وعلى فراشي؟، فجعلها عليه حراما فقالت: يا رسول اللّه كيف تحرّم عليك الحلال؟، فحلف لها باللّه لا يصيبها، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: يا أيّها النبي لِمَ تُحَرّمُ ما أحَلّ اللّه لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أزْوَاجِكَ قال: زيد: فقوله أنت عليّ حرام لغو.

٢٦٦٠٦ـ حدثني يعقوب، قال: ثني ابن علية، قال: حدثنا داود ابن أبي هند، عن الشعبيّ، قال: قال مسروق إن النبي صلى اللّه عليه وسلم حرّم جاريته، وآلى منها، فجعل الحلال حراما، وقال في اليمين: قَدْ فَرَضَ اللّه لَكُمْ تَحِلّةَ أيمانِكُمْ.

حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا سفيان، عن داود، عن الشعبيّ، عن مسروق، قال: آلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وحرّم، فعوتب في التحريم، وأمر بالكفارة في اليمين.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، عن مالك، عن زيد بن أسلم، قال لها: أنت عليّ حرام، وواللّه لا أطؤك.

٢٦٦٠٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله يا أيّها النبي لِمَ تُحَرّمُ ما أحَلّ اللّه لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أزْوَاجِكَ قال: كان الشعبي يقول: حرّمها عليه، وحلف لا يقربها، فعوتب في التحريم، وجاءت الكفارة في اليمين.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وعامر الشعبيّ، أن النبي صلى اللّه عليه وسلم حرّم جاريته. قال الشعبيّ: حلف بيمين مع التحريم، فعاتبه اللّه في التحريم، وجعل له كفارة اليمين.

٢٦٦٠٨ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله يا أيّها النبي لِمَ تحَرّمُ ما أحَلّ اللّه لَكَ قال: إنه وَجَدَتِ امرأة من نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مع جاريته في بيتها، فقالت: يا رسول اللّه أنى كان هذا الأمر، وكنتُ أهونهنّ عليك؟ فقال لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (اسْكُتي لا تَذْكُرِي هَذَا لأَحَدٍ، هِيَ عَليّ حَرَامٌ إنْ قَرُبْتُها بَعْدَ هَذَا أبَدا) ، فقالت: يا رسول اللّه وكيف تحرم عليك ما أحلّ اللّه لك حين تقول: هي عليّ حرام أبدا؟ فقال: وَاللّه لا آتيها أبَدا، فقال اللّه : يا أيّها النبي لِمَ تُحَرّمُ ماأحَلّ اللّه لَكَ... الاَية، قد غفرت هذا لك، وقولك واللّه قَدْ فَرَضَ اللّه لَكُمْ تَحِلّةَ أيمانِكُمْ وَاللّه مَوْلاكُمْ وَهُوَ العَلِيمٌ الحَكِيمُ.

٢٦٦٠٩ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يا أيّها النبي لِمَ تُحَرّمُ ماأحَلّ اللّه لَكَ كانت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فتاة، فغشيها، فبصُرت به حفصة، وكان اليوم يومَ عائشة، وكانتا متظاهرتين، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (اكْتُمي عَليّ وَلا تَذْكُرِي لِعائِشَةَ ما رأيْتِ) ، فذكرت حفصة لعائشة، فغضبت عائشة. فلم تزل بنبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم حتى حلف أن لا يقربها أبدا، فأنزل اللّه هذه الاَية، وأمره أن يكفر يمينه، ويأتي جاريته.

٢٦٦١٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عامر، في قول اللّه يا أيّها النبي لِمَ تُحَرّمُ ماأحَلّ اللّه لَكَ في جارية أتاها، فأطلعت عليه حفصة، فقال: هي عليّ حرام، فاكتمي ذلك، ولا تخبري به أحدا فذكرت ذلك.

وقال آخرون: بل حرم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جاريته، فجعل اللّه عزّ وجلّ تحريمه إياها بمنزلة اليمين، فأوجب فيها من الكفارة مثل ما أوجب في اليمين إذا حنث فيها صاحبها. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦١١ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، في قوله قَدْ فَرَضَ اللّه لَكُمْ تَحِلّةَ أيمَانِكُمْ أمر اللّه النبي صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين إذا حرموا شيئا مما أحلّ اللّه لهم أن يكفروا أيمانهم بإطعام عشر مساكين أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، وليس يدخل ذلك في طلاق.

٢٦٦١٢ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: يا أيّها النبي لِمَ تُحَرّمُ ماأحَلّ اللّه لَكَ... إلى قوله وَهُوَ العَلِيمُ الْحَكِيمُ قال: كانت حفصة وعائشة متحابتين وكانتا زوجتي النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فذهبت حفصة إلى أبيها، فتحدثت عنده، فأرسل النبي صلى اللّه عليه وسلم إلى جاريته، فظلت معه في بيت حفصة، وكان اليوم الذي يأتي فيه عائشة، فرجعت حفصة، فوجدتهما في بيتها، فجعلت تنتظر خروجها، وغارت غيره شديدة، فأخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جاريته، ودخلت حفصة فقالت: قد رأيت من كان عندك، واللّه لقد سُئْتَنِي، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (واللّه لأُرْضِيَنّكِ فإنّي مُسِرّ إلَيْكِ سِرا فاحْفَظِيهِ) قالت: ما هو؟ قال: (إنّي أُشْهِدُكِ أنّ سُرّيّتِي هَذِهِ عَليّ حَرَامٌ رِضا لكِ) ، وكانت حفصة وعائشة تظاهران على نساء النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فانطلقت حفصة إلى عائشة، فأسرّت إليها أن أبشري إن النبي صلى اللّه عليه وسلم قد حرّم عليه فتاته، فلما أخبرت بسرّ النبي صلى اللّه عليه وسلم أظهر اللّه عزّ وجلّ النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فأنزل اللّه على رسوله لما تظاهرتا عليه يا أيّها النبي لِمَ تُحَرّمُ ماأحَلّ اللّه لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أزْوَاجِكَ... إلى قوله وَهُوَ العَلِيمُ الْحَكِيمُ.

٢٦٦١٣ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا هشام الدستوائي، قال: كتب إليّ يحيى يحدّث عن يعلى بن حكيم، عن سعيد بن جُبير، أن ابن عباس كان يقول: في الحرام يمين تكفرها. وقال ابن عباس : لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ يعني أن النبي صلى اللّه عليه وسلم حرّم جاريته، فقال اللّه وجلّ ثناؤه: يا أيّها النبي لِمَ تُحَرّمُ ماأحَلّ اللّه لَكَ... إلى قوله قَدْ فَرَضَ اللّه لَكُمْ تَحِلّةَ أيمَانِكُمْ فكفر يمينه، فصير الحرام يمينا.

٢٦٦١٤ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا معتمر، عن أبيه، قال: أنبأنا أبو عثمان أن النبي صلى اللّه عليه وسلم دخل بيت حفصة، فإذا هي ليست ثَمّ، فجاءته فتاته، وألقى عليها سترا، فجاءت حفصة فقعدت على الباب حتى قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حاجته، فقالت: واللّه لقد سئتني، جامعتها في بيتي، أو كما قالت قال: وحرّمها النبي صلى اللّه عليه وسلم ، أو كما قال.

٢٦٦١٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة يا أيّها النبي لِمَ تُحَرّمُ ماأحَلّ اللّه لَكَ... الاَية، قال: كان حرم فتاته القبطية أمّ ولده إبراهيم يقال لها مارية في يوم حفصة، وأسرّ ذلك إليها، فأطلعت عليه عائشة، وكانتا تظاهران على نساء النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فأحلّ اللّه له ما حرّم على نفسه، فأُمر أن يكفر عن يمينه، وعوتب في ذلك، فقال: قَدْ فَرَضَ اللّه لَكُمْ تَحِلّةَ أيمَانِكُمْ وَاللّه مَوْلاكُمْ وَهُوَ العَلِيمُ الْحَكِيمُ قال قتادة : وكان الحسن يقول حرّمها عليه، فجعل اللّه فيها كفارة يمين.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، أن النبي صلى اللّه عليه وسلم حرّمها يعني جاريته، فكانت يمينا.

٢٦٦١٦ـ حدثنا سعيد بن يحيى، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه ، عن ابن عباس ، قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: من المرأتان؟ قال: عائشة، وحفصة. وكان بدء الحديث في شأن أمّ إبراهيم القبطية، أصابها النبي صلى اللّه عليه وسلم في بيت حفصة في يومها، فوجدته حفصة، فقالت: يا نبيّ اللّه لقد جئت إليّ شيئا ما جئتَ إلى أحد من أزواجك بمثله في يومي وفي دوري، وعلى فراشي قال: (ألا تَرْضَيْنَ أنْ أُحَرّمَها فَلا أقْرَبَهَا؟) قالت: بلى، فحرّمها، وقال: (لا تَذْكُرِي ذلكَ لأَحَدٍ) ، فذكرته لعائشة، فأظهره اللّه عزّ وجلّ عليه، فأنزل اللّه : يا أيّها النبي لِمَ تُحَرّمُ ما أحَلّ اللّه لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أزْوَجكَ... الاَيات كلها، فبلغنا أن نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كفر يمينه، وأصاب جاريته.

وقال آخرون: كان ذلك شرابا يشربه، كان يعجبه ذلك. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦١٧ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا شعبة، عن قيس بن مسلم، عن عبد اللّه بن شدّاد بن الهاد، قال: نزلت هذه الاَية في شراب يا أيّها النبي لِمَ تُحَرّمُ ما أحَلّ اللّه لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أزْوَجكَ.

حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا أبو قَطن البغدادي عمرو بن الهيثم، قال: حدثنا شعبة، عن قيس بن مسلم، عن عبد اللّه بن شدّاد مثله.

٢٦٦١٨ـ قال: ثنا أبو قطن، قال: حدثنا يزيد بن إبراهيم، عن ابن أبي مليكة، قال: نزلت في شراب.

والصواب من القول في ذلك أن يقال: كان الذي حرّمه النبي صلى اللّه عليه وسلم على نفسه شيئا كان اللّه قد أحله له، وجائز أن يكون ذلك كان جاريته، وجائز أن يكون كان شرابا من الأشربة، وجائز أن يكون كان غير ذلك، غير أنه أيّ ذلك كان، فإنه كان تحريم شيء كان له حلالاً، فعاتبه اللّه على تحريمه على نفسه ما كان له قد أحله، وبين له تحلّة يمينه كان حلف بها مع تحريمه ما حرّم على نفسه.

فإن قائل قائل: وما برهانك على أنه صلى اللّه عليه وسلم كان حلف مع تحريمه ما حرم، فقد علمت قول من قال: لم يكن من النبي صلى اللّه عليه وسلم في ذلك غير التحريم، وأن التحريم هو اليمين؟

قيل: البرهان على ذلك واضح، وهو أنه لا يعقل في لغة عربية ولا عجمية أن قول القائل لجاريته، أو لطعام أو شراب، هذا عليّ حرام يمين، فإذا كان ذلك غير معقول، فمعلوم أن اليمين غير قول القائل للشيء الحلال له: هو عليّ حرام. وإذا كان ذلك كذلك صحّ ما قلنا، وفسد ما خالفه، وبعد، فجائز أن يكون تحريم النبي صلى اللّه عليه وسلم ما حرّم على نفسه من الحلال الذي كان اللّه تعالى ذكره، أحله له بيمين، فيكون قوله لِمَ تُحَرّمُ ما أحَلّ اللّه معنا: لم تحلف على الشيء الذي قد أحله اللّه أن لا تقربه، فتحرّمه على نفسك باليمين.

وإنما قلنا: إن النبي صلى اللّه عليه وسلم حرّم ذلك، وحلف مع تحريمه، كما:

٢٦٦١٩ـ حدثني الحسن بن قزعة، قال: حدثنا مسلمة بن علقمة، عن داود ابن أبي هند، عن الشعبيّ، عن مسروق، عن عائشة قالت: آلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وحرم، فأُمِرَ في الإيلاء بكفارة، وقيل له في التحريم لِمَ تُحَرّمُ ما أحَلّ اللّه لَكَ.

و قوله: وَاللّه غَفُورٌ رَحِيمٌ يقول تعالى ذكره: واللّه غفور يا محمد لذنوب التائبين من عباده من ذنوبهم، وقد غفر لك تحريمك على نفسك ما أحله اللّه لك، رحيم بعباده أن يعاقبهم على ما قد تابوا منه من الذنوب بعد التوبة.

٢

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللّه لَكُمْ تَحِلّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللّه مَوْلاَكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }.

يقول تعالى ذكره: قد بين اللّه عزّ وجلّ لكم تحلة أيمانكم، وحدّها لكم أيها الناس وَاللّه مَوْلاكُمْ يتولاكم بنصره أيها المؤمنون وَهُوَ العَلِيمُ بمصالحكم الْحَكِيمُ في تدبيره إياكم، وصرفكم فيما هو أعلم به.

٣

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَإِذَ أَسَرّ النبي إِلَىَ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً ...}.

يقول تعالى ذكره: وَإذْ أسَرّ النبي محمد صلى اللّه عليه وسلم إلى بَعْض أزْوَاجِهِ، وهو في قول ابن عباس وقتادة وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن بن زيد والشعبي والضحاك بن مزاحم: حَفْصَةُ. وقد ذكرنا الرواية في ذلك قبل.

و قوله: حَديثا والحديث الذي أسرّ إليها في قول هؤلاء هو قوله لمن أسرّ إليه ذلك من أزواجه تحريمُ فتاته، أو ما حرّم على نفسه مما كان اللّه جل ثناؤه قد أحله له، وحلفه على ذلك

و قوله: (لا تَذْكُرِي ذَلِكَ لأَحَدٍ) .

و قوله: فَلَمّا نَبّأَتْ بِهِ يقول تعالى ذكره: فلما أخبرت بالحديث الذي أسرّ إليها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صاحبتها وأظْهَرَهُ عَلَيْهِ يقول: وأظهر اللّه نبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم على أنها قد أنبأت بذلك صاحبتها.

و قوله: عَرّفَ بَعْضَهُ وأعْرَضَ عَنْ بَعْض اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار غير الكسائي: عَرّفَ بتشديد الراء، بمعنى: عرّف النبي صلى اللّه عليه وسلم حفصة بعض ذلك الحديث وأخبرها به، وكان الكسائي يذكر عن الحسن البصريّ وأبي عبد الرحمن السلمي وقتادة ، أنهم قرأوا ذلك: (عَرَفَ) بتخفيف الراء، بمعنى: عرف لحفصة بعض ذلك الفعل الذي فعلته من إفشائها سرّه، وقد استكتمها إياه: أي غضب من ذلك عليها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وجازاها عليه من قول القائل لمن أساء إليه: لأعرفنّ لك يا فلان ما فعلت، بمعنى: لإجازينك عليه قالوا: وجازاها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على ذلك من فعلها بأن طلقها.

وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه عَرّفَ بَعْضَهُ بتشديد الراء، بمعنى: عرّف النبي صلى اللّه عليه وسلم حفصة، يعني ما أظهره اللّه عليه من حديثها صاحبتها لإجماع الحجة من القرّاء عليه.

و قوله: وأعْرَضَ عَنْ بَعْض يقول: وترك أن يخبرها ببعض. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٢٠ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَإذْ أسَرّ النبي إلى بَعْضِ أزْوَاجِهِ حَدِيثا قوله لها: لا تذكريه فَلَمّا نَبّأَتْ بِهِ وأظْهَرَهُ اللّه عَلَيْهِ عَرّفَ بَعْضهُ وأعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ وكان كريما صلى اللّه عليه وسلم .

 

و قوله: فَلَمّا نَبّأَها بِهِ يقول: فلما خبر حفصة نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم بما أظهره اللّه عليه من إفشائها سرّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى عائشة قالت منْ أنْبأَكَ هَذَا يقول: قالت حفصةُ لرسول اللّه : من أنبأك هذا الخبر وأخبرك به قالَ نَبّأَنَي العَلِيمُ الخَبِيرُ يقول تعالى ذكره: قال محمد نبيّ اللّه لحفصة: خبرني به العليم بسرائر عباده، وضمائر قلوبهم، الخبير بأمورهم، الذي لا يخفى عنه شيء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٢١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فَلَمّا نَبّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أنْبَأَكَ هَذَا ولم تشكّ أن صاحبتها أخبرت عنها قالَ نَبّأَنِي الْعَلِيمُ الخَبِيرُ.

٤

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إِن تَتُوبَآ إِلَى اللّه فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ...}.

يقول تعالى ذكره: إن تتوبا إلى اللّه أيتها المرأتان فقد مالت قلوبكما إلى محبة ما كرهه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من اجتنابه جاريته، وتحريمها على نفسه، أو تحريم ما كان له حلالاً مما حرّمه على نفسه بسبب حفصة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٢٢ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: إنْ تَتُوبا إلى اللّه فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما يقول: زاغت قلوبكما، يقول: قد أثمت قلوبكما.

٢٦٦٢٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا محمد بن طلحة، عن زبيد، عن مجاهد قال: كنا نرى أن قوله: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما شيء هين، حتى سمعت قراءة ابن مسعود: (إن تَتُوبا إلى اللّه فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما) .

٢٦٦٢٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما: أي مالت قلوبكما.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن قتادة فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما مالت قلوبكما.

٢٦٦٢٥ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما يقول: زاغت.

٢٦٦٢٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان صٍغَتْ قُلُوبَكُما قال: زاغت قلوبكما.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ابن زيد، قال اللّه عزّ وجلّ: إنْ تَتُوبا إلى اللّه فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما قال: سرهما أن يجتنب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جاريته، وذلك لهما موافق صَغَتْ قُلُوبَكُما إلى أن سرّهما ما كره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .

و قوله: وَإنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ يقول تعالى ذكره للتي أسّر إليها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حديثه، والتي أفشت إليها حديثه، وهما عائشة وحفصة رضي اللّه عنهما. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٢٧ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد اللّه بن أبي ثور، عن ابن عباس قال: لم أزل حريصا على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، اللتين قال اللّه جلّ ثناؤه: إنْ تَتْوبا إلى اللّه فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما قال: فحجّ عمر، وحججت معه، فلما كان ببعض الطريق عدل عمر، وعدلت معه بإداوة، ثم أتاني فسكبت على يده وتوضأ فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم اللتان قال اللّه لهما: إنْ تَتُوبا إلى اللّه فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما قال عمر: واعجبا لك يا بن عباس قال الزهري: وكره واللّه ما سأله ولم يكتم، قال: هي حفصة وعائشة قال: ثم أخذ يسوق الحديث، فقال: كنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة، ثم ذكر الحديث بطوله.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن أشهب، عن مالك، عن أبي النضر، عن عليّ بن حسين، عن ابن عباس ، أنه سأل عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه عن المتطاهرتين على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال: عائشة وحفصة.

٢٦٦٢٨ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن عبيد بن حنين أنه سمع ابن عباس يقول: مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن المتظاهرتين، فما أجد له موضعا أسأله فيه حتى خرج حاجا، وصحبته حتى إذا كان بمرّ الظّهران ذهب لحاجته، وقال: أدركني بإداوة من ماء فلما قضى حاجته ورجع، أتيته بالإداوة أصبها عليه، فرأيت موضعا، فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان المتظاهرتان على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؟ فما قضيت كلامي حتى قال: عائشة وحفصة رضي اللّه عنهما.

٢٦٦٢٩ـ حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: حدثنا عمر بن يونس، قال: حدثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثنا سماك أبو زميل، قال: ثني عبد اللّه بن عباس ، قال: ثني عمر بن الخطاب، قال: لما اعتزل نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم نساءه، دخلت عليه وأنا أرى في وجهه الغضب، فقلت: يا رسول اللّه ما شقّ عليك من شأن النساء، فلئن كنت طلقتهن فإن اللّه معك وملائكته، وجبرائيل وميكائيل، وأنا وأبو بكر معك، وقلما تكلمت وأحمد اللّه بكلام، إلا رجوت أن يكون اللّه مصدّق قولي، فنزلت هذه الاَية، آية التخيير: عَسَى رَبّهُ إنْ طَلّقَكُنّ أنْ يُبْدِلَهُ أزْوَاجا خَيْرا مِنْكُنّ، وَإنْ تَظاهَرَا عَلَيْهِ فإنّ اللّه هُوَ مُوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ... الاَية، وكانت عائشة ابنة أبي بكر وحفصة تتظاهران على سائر نساء النبي صلى اللّه عليه وسلم .

٢٦٦٣٠ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَإنْ تَظَاهَرَ عَلَيْهِ يقول: على معصية النبي صلى اللّه عليه وسلم وأذاه.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قال ابن عباس لعمر: يا أمير المؤمنين إني أريد أن أسألك عن أمر وإني لأهابك، قال: لا تهبني، فقال: من اللتان تظاهرتا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؟ قال: عائشة وحفصة.

و قوله: فإنّ اللّه هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ يقول: فإن اللّه هو وليه وناصره، وصالح المؤمنين، وخيار المؤمنين أيضا مولاه وناصره.

و

قيل: عني بصالح المؤمنين في هذا الموضع: أبو بكر، وعمر رضي اللّه عنهما. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٣١ـ حدثني عليّ بن الحسن الأزدي، قال: حدثنا يحيى بن يمان، عن عبد الوهاب، عن مجاهد، في قوله وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال: أبو بكر وعمر.

٢٦٦٣٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك ، في قوله: وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال: خيار المؤمنين أبو بكر الصدّيق وعمر.

حدثنا إسحاق بن إسرائيل، قال: حدثنا الفضل بن موسى السيناني من قرية بمرو يقال لها سينان عن عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله: وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال: أبو بكر وعمر.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ يقول: خيار المؤمنين.

وقال آخرون: عُنِي بصالح المؤمنين: الأنبياء صلوات اللّه عليهم. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٣٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال: هم الأنبياء.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، قوله وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال: هم الأنبياء.

٢٦٦٣٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال الأنبياء.

والصواب من القول في ذلك عندي: أن قوله: وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ وإن كان في لفظ واحد، فإنه بمعنى الجميع، وهو بمعنى قوله إنّ الإنْسانَ لَفِي خَسْر فالإنسان وإن كان في لفظ واحد، فإنه بمعنى الجميع، وهو نظير قول الرجل: لا تَقريَنّ إلا قارىء القرآن، يقال: قارىء القرآن، وإن كان في اللفظ واحدا، فمعناه الجمع، لأنه قد أذن لكلّ قارىء القرآن أن يقريه، واحدا كان أو جماعة.

و قوله: وَالمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلكَ ظَهِيرٌ يقول: والملائكة مع جبريل وصالح المؤمنين لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أعوان على من آذاه، وأراد مساءته. والظهير في هذا الموضع بلفظ واحد في معنى جمع. ولو أخرج بلفظ الجميع ل

قيل: والملائكة بعد ذلك ظهراء. وكان ابن زيد يقول في ذلك ما:

٢٦٦٣٥ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وَإنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فإن اللّه هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْريلُ وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال: وبدأ بصالح المؤمنين ها هنا قبل الملائكة، قال: والمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلكَ ظَهِيرٌ.

٥

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {عَسَىَ رَبّهُ إِن طَلّقَكُنّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مّنكُنّ ...}.

يقول تعالى ذكره: عسى ربّ محمد إن طلقكنّ يا معشر أزواج محمد صلى اللّه عليه وسلم أن يبدله منكنّ أزواجا خيرا منكن.

و

قيل: إن هذه الاَية نزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تحذيرا من اللّه نساءه لما اجتمعن عليه في الغيرة. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٣٦ـ حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم، قالا: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: اجتمع على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نساؤه في الغيرة فقلت لهنّ: عسى ربه إن طلقهن أن يبدله أزواجا خيرا منكنّ، قال: فنزل كذلك.

٢٦٦٣٧ـ حدثنا يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن حميد، عن أنس، عن عمر، قال: يلغني عن بعض أمهاتنا، أمهات المؤمنين شدّة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأذاهنّ إياه، فاستقريتهنّ امرأة امرأة، أعظها وأنهاها عن أذى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأقول: إن أبيتنّ أبدله اللّه خيرا منكن، حتى أتيت، حسبت أنه قال على زينب، فقالت: يا بن الخطاب، أما في رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما يعظ نساءه حتى تعظهنّ أنت؟ فأمسكت، فأنزل اللّه عَسَى رَبّهُ إنْ طَلّقَكُنّ أنْ يُبْدِلَهُ أزْوَاجا خَيْرا مِنْكُنّ.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن حميد، عن أنس، قال: قال عمر بن الخطاب: يلغني عن أمهات المؤمنين شيء، فاستقريتهنّ أقول: لتكففن عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، أو ليبدلنه اللّه أزواجا خيرا منكنّ، حتى أتيت على إحدى أمهات المؤمنين، فقالت: يا عمر أما في رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما يعظ نساءه حتى تعظهنّ أنت؟ فكففت، فأنزل اللّه عَسَى رَبّهُ إنْ طَلّقَكُنّ أنْ يُبْدلَهُ أزْوَجا خَيْرا مِنْكُنّ مُسْلِماتٍ مُوءْمِناتٍ... الاَية.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله: أنْ يُبْدِلَهُ فقرأ ذلك بعض قرّاء مكة والمدينة والبصرة بتشديد الدال: (يبدّله أزواجا) من التبديل وقرأه عامة قرّاء الكوفة: يُبْدِ له بتخفيف الدال من الإبدال.

والصواب من القول أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.

و قوله: مُسْلِماتٍ يقول: خاضعات للّه بالطاعة مُوءْمِناتٍ يعني مصدّقات باللّه ورسوله.

وقوله قَانِتات يقول: مطيعات للّه، كما:

٢٦٦٣٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول اللّه قانتاتٍ قال: مطيعات.

٢٦٦٣٩ـ حدثني ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله قانِتاتٍ قال مطيعات.

و قوله: تائِباتٍ يقول: راجعات إلى ما يحبه اللّه منهنّ من طاعته عما يكرهه منهنّ عابِدَاتٍ يقول: متذللات للّه بطاعته. وقوله سائحاتٍ يقول: صائمات.

واختلف أهل التأويل في معنى قوله: سائحات فقال بعضهم: معنى ذلك: صائمات. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٤٠ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله سائحات قال: صائمات.

٢٦٦٤١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله سَائحاتٍ قال: صائمات.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، قال السّائحات: الصائمات.

٢٦٦٤٢ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: سائحاتٍ يعني : صائمات.

وقال آخرون: السائحات: المهاجرات. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٤٣ـ حدثنا إسحق بن إسرائيل، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراورديّ، عن زيد بن أسلم، قال: السائحات: المهاجرات.

٢٦٦٤٤ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله سائحات قال: مهاجرات ليس في القرآن، ولا في أمة محمد سياحة إلا الهجرة، وهي التي قال اللّه السّائحُونَ.

وقد بيّنا الصواب من القول في معنى السائحين فيما مضى قبل بشواهده مع ذكرنا أقوال المختلفين فيه، وكرهنا إعادته.

وكان بعض أهل العربية يقول: نرى أن الصائم إنما سمي سائحا، لأن السائح لا زاد معه، وإنما يأكل حيث يجد الطعام، فكأنه أُخذ من ذلك.

و قوله: ثَيّباتٍ وهنّ اللواتي قد افترعن وذهبت عذرتهنّ وأبْكارا وهنّ اللواتي لم يجامعن، ولم يفترعن.

٦

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ قُوَاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النّاسُ ...}.

يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا اللّه ورسوله قُوا أنْفُسَكُمْ يقول: علموا بعضكم بعضا ما تقون به من تعلمونه النار، وتدفعونها عنه إذا عمل به من طاعة اللّه ، واعملوا بطاعة اللّه .

و قوله: وأهْلِيكُمْ نارا يقول: وعلموا أهليكم من العمل بطاعة اللّه ما يقون به أنفسهم من النار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٤٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن رجل، عن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه في قوله: قُوا أنْفُسَكُمْ وأهْلِيكُمْ نارا وَقُودَها النّاسُ والْحِجارَةُ قال: علّموهم، أدّبوهم.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن رجل، عن علي قُوا أنْفُسَكُمْ وأهْلِيكُمْ نارا يقول: أدّبوهم، علّموهم.

حدثني الحسين بن يزيد الطحان، قال: حدثنا سعيد بن خثيم، عن محمد بن خالد الضبيّ، عن الحكم، عن عليّ بمثله.

٢٦٦٤٦ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله قُوا أنْفُسَكُمْ وأهْلِيكُمْ نارا يقول: أعملوا بطاعة اللّه ، واتقوا معاصي اللّه ، ومروا أهليكم بالذكر ينْجيكم اللّه من النار.

٢٦٦٤٧ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول اللّه : قُوا أنْفُسَكُمْ وأهْلِيكُمْ نارا قال: اتقوا اللّه ، وأوصوا أهليكم بتقوى اللّه .

٢٦٦٤٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قُوا أنْفُسَكُمْ وأهْلِيكُمْ نارا وَقودُها النّاسُ والْحِجارَةُ قال: قال يقيهم أن يأمرهم بطاعة اللّه ، وينهاهم عن معصيته، وأن يقوم عليهم بأمر اللّه يأمرهم به ويساعدهم عليه، فإذا رأيت للّه معصية ردعتهم عنها، وزجرتهم عنها.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله قُوا أنْفُسَكُمْ وأهْلِيكُمْ نارا قال: مروهم بطاعة اللّه ، وانهوهم عن معصيته.

و قوله: وَقُودَها النّاسُ يقول: حطبها الذي يوقد على هذه النار بنو آدم وحجارة الكبريت.

و قوله: عَلَيْها مَلائِكَةُ غِلاظٌ شِدَادٌ يقول: على هذه النار ملائكة من ملائكة اللّه ، غلاظ على أهل النار، شداد عليهم لا يَعْصُونَ اللّه ما أمَرَهُمْ يقول: لا يخالفون اللّه في أمره الذي يأمرهم به وَيَفْعَلُونَ ما يُوءْمَرُونَ يقول: وينتهون إلى ما يأمرهم به ربهم.

٧

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَعْتَذِرُواْ الْيَوْمَ إِنّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }.

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيله يوم القيامة للذين جحدوا وحدانيته في الدنيا يا أيّها الّذِينَ كَفَرُوا باللّه لا تَعْتَذِرُوا اليَوْمَ إنّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يقول: يقال لهم: إنما تثابون اليوم، وذلك يوم القيامة، وتعطون جزاء أعمالكم التي كنتم في الدنيا تعملون، فلا تطلبوا المعاذير منها.

٨

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوَاْ إِلَى اللّه تَوْبَةً نّصُوحاً ...}.

يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا اللّه تُوبُوا إلى اللّه يقول: ارجعوا من ذنوبكم إلى طاعة اللّه ، وإلى ما يرضيه عنكم تَوْبَةً نَصُوحا يقول: رجوعا لا تعودون فيها أبدا. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله نَصُوحا قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٤٩ـ حدثنا هناد بن السّريّ، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن النعمان بن بشير، قال: سُئل عمر عن التوبة النصوح، قال: التوبة النصوح: أن يتوب الرجل من العمل السيء، ثم لا يعود إليه أبدا.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، عن عمر، قال: التوبة النصوح: أن تتوب من الذنب ثم لا تعود فيه، أو لا تريد أن تعود.

حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت النعمان بن بشير يخطب، قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يقول: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلى اللّه تَوْبَةً نَصُوحا قال: يذنب الذنب ثم لا يرجع فيه.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، قال: سألت عمر عن قوله تُوبُوا إلى اللّه تَوْبَةً نَصُوحا قال: هو العبد يتوب من الذنب ثم لا يعود فيه أبدا.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: التوبة النصوح، أن يتوب من الذنب فلا يعود.

حدثنا به ابن حميد مرّة أخرى، قال: أخبرني عن عمر بهذا الإسناد، فقال: التوبة النصوح: الذي يذنب ثم لا يريد أن يعود.

٢٦٦٥٠ـ حدثني أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه تَوْبَةً نَصُوحا قال: يتوب ثم لا يعود.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه قال: التوبة النصوح: الرجل يذنب الذنب ثم لا يعود فيه.

٢٦٦٥١ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلى اللّه تَوْبَةً نَصُوحا أن لا يعود صاحبها لذلك الذنب الذي يتوب منه، ويقال: توبته أن لا يرجع إلى ذنب تركه.

٢٦٦٥٢ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثني الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: تَوْبَةً نَصُوحا قال: يستغفرون ثم لا يعودون.

٢٦٦٥٣ـ حدثني نصر بن عبد الرحمن الأوديّ، قال: حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك ، في قوله: تَوْبَةً نَصُوحا قال: النصوح: أن تحول عن الذنب ثم لا تعود له أبدا.

٢٦٦٥٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلى اللّه تَوْبَةً نَصُوحا قال: هي الصادقة الناصحة.

٢٦٦٥٥ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ابن زيد، في قول اللّه : تُوبُوا إلى اللّه تَوْبَةً نَصُوحا قال: التوبة النصوح الصادقة، يعلم أنها صدق ندامة على خطيئته، وحبّ الرجوع إلى طاعته، فهذا النصوح.

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة الأمصار خلا عاصم: نَصُوحا بفتح النون على أنه من نعت التوبة وصفتها، وذُكر عن عاصم أنه قرأه: (نُصُوحا) بضمّ النون، بمعنى المصدر من قولهم: نصح فلان لفلان نصوحا.

وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ بفتح النون على الصفة للتوبة لإجماع الحجة على ذلك.

و قوله: عَسَى رَبّكُمْ أن يُكَفّرَ عَنْكُمْ سَيّآتِكُمْ يقول: عسى ربكم أيها المؤمنون أن يمحو سيئات أعمالكم التي سلفت منكم وَيُدْخِلَكُمْ جَنّاتٍ تجري مِنْ تَحْتِها الأنْهارُ يقول: وأن يدخلكم بساتين تجري من تحت أشجارها الأنهار يَوْمَ لا يَخْزِي اللّه النبي محمدا صلى اللّه عليه وسلم وَالّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَينَ أيْدِيهِمْ يقول: يسعى نورهم أمامهم وبأيمَانِهِمْ يقول: وبأيمانهم كتابهم، كما:

٢٦٦٥٦ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: يَوْمَ لا يَخْزِي اللّه النبي وَالّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ... إلى قوله: وبأيمَانِهِمْ يأخذون كتابهم فيه البشرى.

يَقُولُونَ رَبّنا أتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِر لَنا يقول جل ثناؤه مخبرا عن قيل المؤمنين يوم القيامة: يقولون ربنا أتمم لنا نورنا، يسألون ربهم أن يبقي لهم نورهم، فلا يطفئه حتى يجوزوا الصراط، وذلك حين يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٥٧ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: رَبّنا أتْمِمْ لَنا نُورَنا قال: قول المؤمنين حين يُطْفأ نور المنافقين.

٢٦٦٥٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن عاصم، عن الحسن، قال: ليس أحد إلا يعطى نورا يوم القيامة، يعطى المؤمن والمنافق، فيطفأ نور المنافق، فيخشى المؤمن أن يطفأ نوره، فذلك قوله: رَبّنا أتْمِمْ لَنا نُورَنا.

٢٦٦٥٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن يزيد بن شجرة، قال: كان يذكرنا ويبكي، ويصدّق قوله فعله، يقول: يا أيها الناس إنكم مكتوبون عند اللّه عزّ وجلّ بأسمائكم وسيماكم، ومجالسكم ونجواكم وخلائكم، فإذا كان يومُ القيامة

قيل: يا فلانُ بْنَ فلان هاكَ نورَك، ويا فلانُ بْنَ فلان، لا نور لك.

و قوله: وَاغْفِرْ لَنا يقول: واستر علينا ذنوبنا، ولا تفضحنا بها بعقوبتك إيانا عليهاإنّكَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يقول: إنك على إتمام نورنا لنا، وغفران ذنوبنا، وغير ذلك من الأشياء ذو قدرة.

٩

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يَأَيّهَا النبي جَاهِدِ الْكُفّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }.

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم يا أيّها النبي جاهِد الكُفّارَ بالسيف وَالمُنافِقينَ بالوعيد واللسان. وكان قتادة يقول في ذلك ما:

٢٦٦٦٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يا أيّها النبي جاهِدِ الكُفّارَ والمُنافِقِينَ قال: أمر اللّه نبيه عليه الصلاة والسلام أن يجاهد الكفار بالسيف، ويغلظ على المنافقين بالحدود.

وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ يقول: واشدد عليهم في ذات اللّه ومَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ يقول: ومكثهم جهنم، ومصيرهم الذي يصيرون إليه نار جهنم وَبِئْسَ المَصِيرُ قال: وبئس الموضع الذي يصيرن إليه جهنم.

١٠

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {ضَرَبَ اللّه مَثَلاً لّلّذِينَ كَفَرُواْ امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ ...}.

يقول تعالى ذكره: مَثّل اللّه مثلاً للذين كفروا من الناس وسائر الخلق امرأة نوح وامرأة لوط، كانتا تحت عبدين من عبادنا، وهما نوح ولوط فخانتاهما.

ذُكر أن خيانة امرأة نوح زوجها أنها كانت كافرة، وكانت تقول للناس: إنه مجنون. وأن خيانة إمرأة لوط، أن لوطا كان يُسِرّ الضيف، وتَدُلّ عليه. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٦١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سلمان بن قيس، عن ابن عباس ، قوله: فَخانَتاهُما قال: كانت امرأة نوح تقول للناس: إنه مجنون. وكانت امرأة لوط تَدُلّ على الضيف.

حدثنا محمد بن منصور الطوسي، قال: حدثنا إسماعيل بن عمر، قال: حدثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن قيس، قال: سمعت ابن عباس قال في هذه الاَية: أما امرأة نوح، فكانت تخبر أنه مجنون وأما خيانة امرأة لوط، فكانت تَدُلّ على لوط.

٢٦٦٦٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن أبي عامر الهمداني، عن الضحاك كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صَالِحَيْنِ قال: ما بغت امرأة نبيّ قط فَخانَتاهُما قال: في الدين خانتاهما.

٢٦٦٦٣ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله ضَرَبَ اللّه مَثَلاً للّذِينَ كَفَرُوا امْرأةَ نُوح وَامْرأةَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صَالِحَيْنِ فَخانَتاهُما قال: كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما، فكانت امرأة نوح تطلع على سر نوح، فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، فكان ذلك من أمرها وأما امرأة لوط فكانت إذا ضاف لوطا أحد خبرت به أهل المدينة ممن يعمل السوء فَلَمْ يُغُنِيا عَنْهُما مِنَ اللّه شَيْئا.

٢٦٦٦٤ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن أبي سعيد، أنه سمع عكرمة يقول في هذه الاَية فَخانَتاهُما قال: في الدين.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، في قوله كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صَالِحَيْنِ فَخانَتاهُما قال: وكانت خيانتهما أنهما كانتا مشركتين.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: عبيد بن سليمان، عن الضحاك فَخانَتاهُما قال: كانتا مخالفتين دين النبي صلى اللّه عليه وسلم كافرتين باللّه .

٢٦٦٦٥ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، عن أبي معاوية البجلي، قال: سألت سعيد بن جبير: ما كانت خيانة امرأة لوط وامرأة نوح؟ فقال: أما امرأة لوط، فإنها كانت تدلّ على الأضياف وأما امرأة نوح فلا علم لي بها.

و قوله: فَلَمْ يُغْنيا عَنْهُما مِنَ اللّه شَيْئا يقول: فلم يغن نوح ولوط عن امرأتيهما من اللّه لما عاقبهما على خيانتهما أزواجهما شيئا، ولم ينفعهما أن كانت أزواجهما أنبياء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٦٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ضَرَبَ اللّه مَثَلاً لِلّذِينَ كَفَرُوا امْرأةَ نُوحٍ وامْرأةَ لُوط... الاَية، هاتان زوجتا نَبِيّي اللّه لما عصتا ربهما، لم يغن أزواجهما عنهما من اللّه شيئا.

٢٦٦٦٧ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ضَرَبَ اللّه مَثَلاً لِلّذِينَ كَفَرُوا امْرأةَ نُوحٍ وامْرأةَ لُوطٍ... الاَية، قال: يقول اللّه : لم يغن صلاح هذين عن هاتين شيئا، وامرأة فرعون لم يضرّها كفر فرعون.

و قوله: وَقِيلَ ادْخُلا النّارَ مَعَ الدّاخِلِينَ قال اللّه لهما يوم القيامة: ادخلا أيتها المرأتان نار جهنم مع الداخلين فيها.

١١

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللّه مَثَلاً لّلّذِينَ آمَنُواْ امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ ...}. يقول تعالى ذكره: وضرب اللّه مثلاً للذين صدّقوا اللّه ووحدوه، امرأة فرعون التي آمنت باللّه ووحدته، وصدّقت رسوله موسى، وهي تحت عدوّ من أعداء اللّه كافر، فلم يضرّها كفر زوجها، إذ كانت مؤمنة باللّه ، وكان من قضاء اللّه في خلقه أن لا تزر وازرة وزر أخرى، وأن لكلّ نفس ما كسبت، إذ قالت: رَبّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتا في الْجَنّةِ، فاستجاب اللّه لها فبنى لها بيتا في الجنة، كما:

٢٦٦٦٨ـ حدثني إسماعيل بن حفص الأُبُلّي، قال: حدثنا محمد بن جعفر، عن سليمان التيميّ، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: كانت امرأة فرعون تعذّب بالشمس. فإذا انصرف عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها، وكانت ترى بيتها في الجنة.

حدثنا محمد بن عبيد المحاربيّ، قال: حدثنا أسباط بن محمد، عن سليمان التيميّ، عن أبي عثمان، قال: قال سليمان: كانت امرأة فرعون، فذكر نحوه.

٢٦٦٦٩ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن هشام الدستوائي، قال: حدثنا القاسم بن أبي بَزّة، قال: كانت امرأة فرعون تسأل من غلب؟ فيقال: غلب موسى وهارون. فتقول: آمنت بربّ موسى وهارون فأرسل إليها فرعون، فقال: انظروا أعظم صخرة تجدونها، فإن مضت على قولها فألقوها عليها، وإن رجعت عن قولها فهي امرأته فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء، فأبصرت بيتها في السماء، فمضت على قولها، فانتزع اللّه روحها، وأُلقيت الصخرة على جسد ليس فيه روح.

٢٦٦٧٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَضَربَ اللّه مَثَلاً لِلّذِينَ آمَنُوا امْرأةَ فِرْعَوْنَ وكان أعتى أهل الأرض على اللّه ، وأبعده من اللّه ، فواللّه ما ضرّ امرأته كُفر زوجها حين أطاعت ربها، لتعلموا أن اللّه حكم عدل، لا يؤاخذ عبده إلا بذنبه.

و قوله: ونجّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعمَلِه وتقول: وأنقذني من عذاب فرعون، ومن أن أعمل عمله، وذلك كفره باللّه .

و قوله: وَنجّنِي مِنَ القَوْمِ الظّالِمِينَ تقول: وأخلصني وأنقذني من عمل القوم الكافرين بك، ومن عذابهم.

١٢

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الّتِيَ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رّوحِنَا ...}.

يقول تعالى ذكره: وَضَرَبَ اللّه مَثَلاً لِلّذِينَ آمَنُوا مَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الّتِي أحْصَنَتْ فَرْجَها يقول: التي منعت جيب درعها جبريل عليه السلام، وكلّ ما كان في الدرع من خرق أو فتق، فإنه يسمى فَرْجا، وكذلك كلّ صدع وشقّ في حائط، أو فرج سقف فهو فرج.

و قوله: فَنَفَخْنا فِيهِ منْ رُوحِنا يقول: فنفخنا فيه في جيب درعها، وذلك فرجها، من روحنا من جبرئيل، وهو الروح. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٧١ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا فنفخنا في جيبها من روحنا.

وَصَدّقَتْ بِكَلِماتِ رَبّها يقول: آمنت بعيسى، وهو كلمة اللّه وكُتُبِهِ يعني التوراة والإنجيل وكانَتْ مِنَ القانِتِينَ يقول: وكانت من القوم المطيعين. كما:

٢٦٦٧٢ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة منَ القانِتِينَ من المطيعين.

﴿ ٠