تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة الملك

سورة الملك مكية وآياتها ثلاثون

بسم اللّه الرحمَن الرحيـم

١

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {تَبَارَكَ الّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }.

 يعني بقوله تعالى ذكره: تَبارَكَ: تعاظم وتعالى الّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ بيده مُلك الدنيا والاَخرة وسُلطانهما نافذ فيهما أمره وقضاؤه وَهُوَ على كلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يقول: وهو على ما يشاء فعله ذو قدرة لا يمنعه من فعله مانع، ولا يحول بينه وبينه عجز.

٢

و قوله: الّذِي خَلَقَ الموت والْحَياةَ فأمات من شاء وما شاء، وأحيا من أراد وما أراد إلى أجل معلوم لِيَبْلُوَكُمْ أيّكُمْ أحْسَنُ عَمَلاً يقول: ليختبركم فينظر أيكم له أيها الناس أطوع، وإلى طلب رضاه أسرع. وقد:

٢٦٦٧٣ـ حدثني ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: الّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَياةَ قال: أذلّ اللّه ابن آدم بالموت، وجعل الدنيا دار حياة ودار فناء، وجعل الاَخرة دار جزاء وبقاء.

٢٦٦٧٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة الّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوكُمُ ذكر أن نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول: (إنّ اللّه أذَلّ ابْنَ آدَمَ بالمَوْتِ) .

و قوله: وَهُوَ العَزِيزُ يقول: وهو القويّ الشديد انتقامه ممن عصاه، وخالف أمره الغَفُورُ ذنوب من أناب إليه وتاب من ذنوبه.

٣

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {الّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مّا تَرَىَ فِي خَلْقِ الرّحْمَـَنِ مِن تَفَاوُتِ ...}.

يقول تعالى ذكره: مخبرا عن صفته الّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِباقا طبقا فوق طبق، بعضها فوق بعض.

و قوله: ما تَرَى في خَلْقِ الرّحْمَنِ مِنْ تَفاوُت

يقول جلّ ثناؤه: ما ترى في خلق الرحمن الذي خلق لا في سماء ولا في أرض، ولا في غير ذلك من تفاوت، يعني من اختلاف. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٧٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ما تَرَى فِي خَلْقِ الرّحْمَنِ مِنْ تَفاوُتٍ: ما ترى فيهم من اختلاف.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله منْ تَفَاوُتٍ قال: من اختلاف.

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: مِنْ تَفاوُتٍ بألف. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: (مِنْ تَفَوّتٍ) بتشديد الواو بغير ألف.

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان بمعنى واحد، كما

قيل: ولا تُصَاعِرْ، ولا تُصَعّر وتعهّدت فلانا، وتعاهدته وتظهّرت، وتظاهرت وكذلك التفاوت والتفوّت.

و قوله: فارّجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ يقول: فرد البصر، هل ترى فيه من صُدوع؟ وهي من قول اللّه : تَكادُ السّمَوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِن فَوْقِهِن بمعنى يتشققن ويتصدّعْنَ، والفُطُور مصدر فُطِر فطُورا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٧٦ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ قال: الفطور: الوَهْيُ،

٢٦٦٧٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله هَلْ تَرَى مِنْ فُطُور يقول: هل ترى من خلل يا ابن آدم.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة مِنْ فُطُورٍ قال: من خلل.

٢٦٦٧٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ قال: من شقوق.

٤

و قوله: ثُمّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرّتَيْنِ

يقول جلّ ثناؤه: ثم ردّ البصر يا ابن آدم كرّتين، مرّة بعد أخرى، فانظر هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ أو تفاوت يَنْقَلِبْ إلَيْكَ البَصَرُ خاسِئا يقول: يرجع إليك بصرك صاغرا مُبْعَدا من قولهم للكلب: اخسأ، إذا طردوه أي ابعد صاغرا وَهُوَ حَسِيرٌ يقول: وهو مُعْيٍ كالّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٧٩ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ثُمّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرّتَيْن يقول: هل ترى في السماء من خَللِ يَنْقَلِبْ إليكَ البَصَرُ خاسِئا وَهُوَ حَسِيرٌ بسواد الليل.

٢٦٦٨٠ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، في قوله خاسئا وَهُوَ حَسِيرٌ يقول: ذليلاً..

و قوله: وَهُوَ حَسِيرٌ يقول: مرجف.

٢٦٦٨١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يَنْقَلِبْ إلَيْكَ البَصَرُ خاسِئا أي حاسرا وَهُوَ حَسيرٌ أي مُعْيٍ.

حدثني ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله خاسِئا قال: صاغرا، وَهُوَ حَسِيرٌ يقول: مُعْيٍ لم ير خَلَلاً ولا تفاوتا.

وقال بعضهم: الخاسىء والحسير واحد. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٨٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فارْجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ... الاَية، قال: الخاسىء، والخاسر واحد حَسَر طرفُه أن يَرى فيها فَطْرًا، فرجع وهو حسير قبل أن يرى فيها فَطْرا قال: فإذا جاء يوم القيامة انفطرت ثم انشقت، ثم جاء أمر أكبر من ذلك انكشطت.

٥

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَلَقَدْ زَيّنّا السّمَآءَ الدّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لّلشّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السّعِيرِ }.

يقول تعالى ذكره: وَلَقَدْ زَيّنا السّماءَ الدّنْيَا بِمَصَابِيحَ وهي النجوم، وجعلها مصابيح لإضاءتها، وكذلك الصبح إنما قيل له صبح للضوء الذي يضيء للناس من النهار وَجَعلْناها رُجُوما للشّياطِينِ يقول: وجعلنا المصابيح التي زيّنا بها السماء الدنيا رجوما للشياطين تُرْجم بها. وقد:

٢٦٦٨٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَلَقَدْ زَيّنا السّماءَ الدّنْيا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوما للشّاطِينِ إن اللّه جل ثناؤه إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصال: خلقها زينة للسماء الدنيا، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدي بها فمن يتأوّل منها غير ذلك، فقد قال برأيه، وأخطأ حظه، وأضاع نصيبه، وتكلّف ما لا علم له به.

و قوله: وأعْتَدْنا لَهُمْ عَذَابَ السّعِيرِ

يقول جلّ ثناؤه: وأعتدنا للشياطين في الاَخرة عذاب السعير، تُسْعَر عليهم فتُسْجَر.

٦

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَلِلّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ عَذَابُ جَهَنّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }.

يقول تعالى ذكره: وَللّذِينَ كَفَرُوا بِرَبّهِمْ الذي خلقهم في الدنيا عَذَابُ جَهَنّمَ في الاَخرة وَبِئْسَ المَصِيرُ يقول: وبئس المصير عذاب جهنم.

٧

و قوله: إذَا أُلْقُوا فِيها يعني إذا ألقى الكافرون في جهنم سَمِعُوا لهَا يعني لجهنم شَهِيقا يعني بالشهيق: الصوت الذي يخرج من الجوف بشدّة كصوت الحمار، كما قال رؤبة في صفة حمار:

حَشْرَج في الجَوْفِ سَحِيلاً أوْ شَهَقْ

حتّى يُقالَ ناهِقٌ وَما نَهَقْ

و قوله: وَهيَ تَفُورُ يقول: تَغْلِي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٨٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد سَمِعُوا لَهَا شَهِيقا وَهِي تَفُورُ يقول: تغلي كما يغلي القِدْر.

٨

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {تَكَادُ تَمَيّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ }.

يقول تعالى ذكره: تَكادُ جهنم تَمَيّزُ يقول: تتفرّق وتتقطع مِنَ الغَيْظِ على أهلها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٨٥ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: تَكادُ تَمَيّزُ مِنَ الغَيْظِ يقول: تتفرّق.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله تَكادُ تَمَيّزُ مِنَ الغَيْظِ تكاد يفارق بعضها بعضا وتنفطر.

٢٦٦٨٦ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله تَكادُ تَمَيّزُ مِنَ الغَيْظِ يقول: تفرّق.

٢٦٦٨٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: تَكادُ تَمَيّزُ مِنَ الغَيْظِ قال: التميز: التفرّق من الغيظ على أهل معاصي اللّه غضبا للّه، وانتقاما له.

و قوله: كُلّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سألَهُمْ

يقول جلّ ثناؤه: كلما ألقي في جهنم جماعة سألهم خَزَنَتُها، ألَمْ يأْتِكُمْ نَذِيرٌ يقول: سأل الفوجَ خزنةُ جهنم، فقالوا لهم: ألم يأتكم في الدنيا نذيرٌ ينذركم هذا العذاب الذي أنتم فيه؟ فأجابهم المساكين فقالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ ينذرنا هذا، فَكَذّبْناهُ وَقُلْنَا له: ما نَزّلَ اللّه مِنْ شَيْءٍ إن أنْتُمْ إلاّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ يقول: في ذهاب عن الحقّ بعيد.

١٠

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَقَالُواْ لَوْ كُنّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنّا فِيَ أَصْحَابِ السّعِيرِ }.

يقول تعالى ذكره: وقال الفوج الذي ألقي في النار للخَزَنة: لَوْ كُنّا في الدنيا نَسْمَعُ أوْ نَعْقِلُ من النّذُر ما جاءونا به النصيحة، أو نعقل عنهم ما كانوا يدعوننا إليه ما كُنّا اليوم فِي أصحَابِ السّعِيرِ يعني أهل النار.

١١

و قوله: فاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ يقول: فأقرّوا بذنبهم ووحّد الذنب، وقد أضيف إلى الجمع، لأن فيه معنى فعل، فأدّى الواحد عن الجمع، كما يقال: خرج عطاء الناس، وأعطية الناس فَسُحْقا لأصحَاب السّعِيرِ يقول: فبُعدا لأهل النار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٨٨ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس ، قوله: فَسُحْقا لأصحَابٍ السّعِيرِ يقول: بُعدا.

٢٦٦٨٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير فَسُحْقا لأصَحابِ السّعِيرِ قال: سُحقا: واد في جهنم.

والقرّاء على تخفيف الحاء من السّحْق، وهو الصواب عندنا لأن الفصيح من كلام العرب ذلك، ومن العرب من يحرّكها بالضمّ.

١٢

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إِنّ الّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }.

يقول تعالى ذكره: إن الذين يخافون ربهم بالغيب: يقول: وهم لم يرَوْه لَهَمْ مَغْفِرَةً يقول: لهم عفو من اللّه عن ذنوبهم وأجْرٌ كَبِيرٌ يقول: وثواب من اللّه لهم على خشيتهم إياه بالغيب جزيل.

١٣

و قوله: وأسِرّوا قَوْلَكُمْ أو اجْهَرُوا بِهِ

يقول جلّ ثناؤه: وأخفوا قولكم وكلامكم أيها الناس أو أعلنوه وأظهروه إنّهُ عَلِيمٌ بذَاتِ الصّدُورِ يقول: إنه ذو علم بضمائر الصدور التي لم يُتَكَلّم بها، فكيف بما نطق به وتكلم به، أخفى ذلك أو أعلن، لأن من لم تخف عليه ضمائر الصدور فغيرها أحرى أن لا يخفي عليه.

١٤

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ }.

يقول تعالى ذكره: ألا يَعْلَمُ الربّ جلّ ثناؤه مَنْ خَلَقَ من خلقه؟ يقول: كيف يخفى عليه خلقه الذي خلق وَهُوَ اللّطِيفُ بعباده الخَبِيرُ بهم وبأعمالهم.

١٥

و قوله: هُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولاً يقول تعالى ذكره: اللّه الذي جعل لكم الأرض ذَلُولاً سْهلاً، سَهّلها لكم فامْشُوا فِي مَناكِبها.

واختلف أهل العلم في معنى مَناكِبها فقال بعضهم: مناكبها: جبالها. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٩٠ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: فِي مَناكِبها يقول: جبالها.

٢٦٦٩١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، عن بشير بن كعب أنه قرأ هذه الاَية: فامْشُوا فِي مَناكِبها فقال لجارية له: إن دَرَيْت ما مناكُبها، فأنت حرّة لوجه اللّه قالت: فإن مناكبها: جبالها، فكأنما سُفِع في وجهه، ورغب في جاريته. فسأل، منهم من أمره، ومنهم من نهاه، فسأل أبا الدرداء، فقال: الخير في طمأنينة، والشرّ في ريبة، فَذرْ ما يريبك إلى ما لا يَريبك.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي، عن قتادة ، عن بشير بن كعب، بمثله سواء.

٢٦٦٩٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فامْشُوا في مَناكِبها: جبالها.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله فِي مَناكِبها قال: في جبالها.

وقال آخرون: مَناكِبها: أطرافها ونواحيها. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٩٣ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: فامْشُوا فِي مَناكِبها يقول: امشوا في أطرافها.

٢٦٦٩٤ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن سعيد، عن قتادة ، أن بشير بن كعب العدويّ، قرأ هذه الاَية فامْشُوا فِي مَناكِبها فقال لجاريته: إن أخبرتني ما مناكبها، فأنت حرّة، فقالت: نواحيها فأراد أن يتزوّجها، فسأل أبا الدرداء، فقال: إن الخير في طمأنينة، وإن الشرّ في ريبة، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك.

٢٦٦٩٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فامْشُوا فِي مَناكِبها قال: طرقها وفجاجها.

وأولى القولين عند بالصواب قول من قال: معنى ذلك: فامشوا في نواحيها وجوانبها، وذلك أن نواحيها نظير مناكب الإنسان التي هي من أطرافه.

و قوله: وكُلُوا مِنْ رزْقِهِ يقول: وكلوا من رزق اللّه الذي أخرجه لكم من مناكب الأرض، وَإلَيْهِ النّشُورُ يقول تعالى ذكره: وإلى اللّه نشركم من قبوركم.

١٦

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَأَمِنتُمْ مّن فِي السّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ }.

١٧

يقول تعالى ذكره: أأَمنْتُمْ مَنْ فِي السّماءِ أيها الكافرون أنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فإذا هِيَ تَمُورُ يقول: فإذا الأرض تذهب بكم وتجيء وتضطرب أمْ أمِنْتُمْ مَنْ فِي السّماءِ وهو اللّه أنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِبا وهو التراب فيه الحصباء الصغار فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ يقول: فستعلمون أيها الكفرة كيف عاقبة نذيري لكم، إذ كذبتم به، ورددتموه على رسولي.

١٨

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَذّبَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ }.

يقول تعالى ذكره: ولقد كذّب الذين من قبل هؤلاء المشركين من قريش من الأمم الخالية رسلهم. فَكَيْفَ كانَ نَكيرِ يقول: فكيف كان نكيرى تكذيبهم إياهم

١٩

أو لَمْ يَرَوْا إلى الطّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافّاتٍ يقول: أو لم ير هؤلاء المشركون إلى الطير فوقهم صافات أجنحتهنّ ويَقْبِضْنَ يقول: ويقبضن أجنحتهنّ أحيانا. وإنما عُنِي بذلك أنها تَصُفّ أجنحتها أحيانا، وتقبض أحيانا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٩٦ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، مقال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: صَافّاتٍ قال: الطير يصفّ جناحه كما رأيت، ثم يقبضه.

٢٦٦٩٧ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: صَافّاتٍ ويَقْبِضْنَ بسطهنّ أجنحتهنّ وقبضهنّ.

و قوله: ما يُمْسِكُهُنّ إلاّ الرّحْمَنُ يقول: ما يمسك الطير الصافات فوقكم إلا الرحمن يقول: فلهم بذلك مذكر إن ذكروا، ومعتبر إن اعتبروا، يعلمون به أن ربهم واحد لا شريك له إنّهُ بِكُلّ شَيْء بَصِيرٌ يقول: إن اللّه بكل شيء ذو بصر وخبرة، لا يدخل تدبيره خلل، ولا يرى في خلقه تفاوت.

٢٠

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَمّنْ هَـَذَا الّذِي هُوَ جُندٌ لّكُمْ يَنصُرُكُمْ مّن دُونِ الرّحْمَـَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلاّ فِي غُرُورٍ }.

يقول تعالى ذكره: للمشركين به من قريش: من هذا الذي هو جند لكم أيها الكافرون به، ينصركم من دون الرحمن إن أراد بكم سوءا، فيدفع عنكم ما أراد بكم من ذلك إن الكافِرونَ إلاّ فِي غُرُور يقول تعالى ذكره: ما الكافرون باللّه إلا في غرور من ظنهم أن آلهتهم تقرّبهم إلى اللّه زلفى، وأنها تنفع أو تضرّ.

٢١

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَمّنْ هَـَذَا الّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لّجّواْ فِي عُتُوّ وَنُفُورٍ }.

يقول تعالى ذكره: أم من هذا الذي يطعمكم ويسقيكم، ويأتي بأقواتكم إن أمسك بكم رزقه الذي يرزقه عنكم.

و قوله: بَلْ لَجّوا فِي عُتُق وَنُفُور يقول: بل تمادوا في طغيان ونفور عن الحقّ واستكبار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٩٨ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: بَلْ لَجّوا فِي عُتُوّ وَنُفُورٍ يقول: في ضلال.

٢٦٦٩٩ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول اللّه : بَلْ لَجّوا فِي عُتُوّ وَنُفُور قال: كفور.

٢٢

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَىَ وَجْهِهِ أَهْدَىَ أَمّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ }.

يقول تعالى ذكره: أَفَمَنْ يَمْشِي أيها الناس مُكِبّا على وَجْهِهِ لا يبصر ما بين يديه، وما عن يمينه وشماله أهْدَى: أشدّ استقامة على الطريق، وأهدى له، أمْ مَنْ يَمْشِي سَويّا مَشْيٍ بني آدم على قدميه على صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ يقول: على طريق لا اعوجاج فيه وقيل مُكِبّا لأنه فعل غير واقع، وإذا لم يكن واقعا أدخلوا فيه الألف، فقالوا: أكبّ فلان على وجهه، فهو مكبّ ومنه قول الأعشي:

مُكبّا عَلى رَوْقَيْه يحْفِرُ عِرْقَهاعَلَى ظَهْر عُرْيان الطّرِيقةِ أهْيَما

فقال: مكبا، لأنه فعل غير واقع، فإذا كان واقعا حُذفت منه الألف، ف

قيل: كببت فلانا على وجهه وكبّه اللّه على وجهه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٧٠٠ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: أفَمَنْ يَمْشي مُكِبّا على وَجْهِهِ أهْدَى أمْ مَنْ يَمْشي سَويّا على صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ يقول: من يمشي في الضلالة أهدى، أم من يمشي مهتديا؟.

٢٦٧٠١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: مُكبّا على وَجْهِهِ قال: في الضلالة أمْ مَنْ يَمْشي سَوِيّا على صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ قال: حقّ مستقيم.

٢٦٧٠٢ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: أفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّا على وَجْهِهِ يعني الكافر أهدى أمْ مَنْ يَمْشي سَوِيّا المؤمن؟ ضرب اللّه مثلاً لهما.

وقال آخرون: بل عنى بذلك أن الكافر يحشره اللّه يوم القيامة على وجهه، فقال: أفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّا على وَجْهِهِ يوم القيامة أهْدَى أمْ مَنْ يَمْشِي سَويّا يومئذٍ. ذكر من قال ذلك:

٢٦٧٠٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: أفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّا على وَجْهِهِ أهْدَى: (هو الكافر أكبّ على معاصي اللّه في الدنيا، حشره اللّه يوم القيامة على وجهه) ، ف

قيل: يا نبيّ اللّه كيف يحشر الكافر على وجهه؟ قال: (إن الذي أمشاه على رجليه قادر أن يحشره يوم القيامة على وجهه) .

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّا على وَجْهِهِ قال: (هو الكافر يعمل بمعصية اللّه ، فيحشره اللّه يوم القيامة على وجهه) . قال معمر: قيل للنبي صلى اللّه عليه وسلم : كيف يمشون على وجوههم؟ قال: (إنّ الّذِي أمْشاهُم على أقْدامِهِمْ قادِرٌ عَلى أنْ يُمْشِيَهُمْ على وُجُوهِهِمْ) .

٢٦٧٠٤ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة يَمْشِي سَوِيّا على صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ قال: المؤمن عمل بطاعة اللّه ، فيحشره اللّه على طاعته.

٢٣

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الّذِيَ أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلاً مّا تَشْكُرُونَ }.

يقول تعالى ذكره: قل يا محمد للذين يكذّبون بالبعث من المشركين. اللّه الذي أنشأكم فخلقكم، وَجَعَلَ لَكُمُ السّمْعَ تسمعون به والأبْصَارَ تبصرون بها والأفْئِدَةَ تعقلون بها قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ يقول: قليلاً ما تشكرون ربكم على هذه النعم التي أنعمها عليكم.

٢٤

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }.

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : قل يا محمد، اللّه الّذِي ذَرأكُمْ فِي الأرْضِ يقول: اللّه الذي خلقكم في الأرض وإلَيْهِ تُحْشَرُونَ يقول: وإلى اللّه تحشرون، فتجمعون من قبوركم لموقف الحساب

٢٥

وَيَقُولُونَ مَتى هَذَا الوَعْدُ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

 

يقول جلّ ثناؤه: ويقول المشركون: متى يكون ما تعدنا من الحشر إلى اللّه إن كنتم صادقين في وعدكم إيانا ما تعدوننا.

٢٦

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قُلْ إِنّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللّه وَإِنّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مّبِينٌ }.

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : قل يا محمد لهؤلاء المستعجليك بالعذاب وقيام الساعة: إنما علم الساعة، ومتى تقوم القيامة عند اللّه لا يعلم ذلك غيره وإنّمَا أنا نَذِير مُبِين يقول: وما أنا إلا نذير لكم أنذركم عذاب اللّه على كفركم به مُبينٌ: قد أبان لكم إنذاره.

٢٧

و قوله: فَلَمّا رأَوْهُ زُلْفَة سِيئَتْ وُجُوهُ الّذِينَ كَفَرُوا يقول تعالى ذكره: فلما رأى هؤلاء المشركون عذاب اللّه زلفة: يقول: قريبا، وعاينون، سيئت وجوه الذين كفروا يقول: ساء اللّه بذلك وجوه الكافرين. وبنحو الذي قلنا في قوله: زُلْفَة قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٧٠٥ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: فَلَمّا رأَوْهُ زُلْفَة سِيئَتْ قال: لما عاينوه.

حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا يحيى بن أبي بكير، قال: حدثنا شعبة، عن أبي رجاء، قال: سألت الحسن، عن قوله: فَلَمّا رأَوْهُ زُلْفَة قال: معاينة.

٢٦٧٠٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فَلَمّا رأَوْهُ زُلْفَةً قال: قد اقترب.

٢٦٧٠٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فَلَمّا رأَوْهُ زُلْفَةَ سِيئَتْ وُجوهُ الّذِينَ كَفَرُوا لما عاينت من عذاب اللّه .

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فَلَمّا رأَوْهُ زُلْفَةً قال: لما رأوا عذاب اللّه زُلفة، يقول: سيئت وجوههم حين عاينوا من عذاب اللّه وخزيه ما عاينوا.

٢٦٧٠٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فَلَمّا رأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ

قيل: الزلفة حاضر قد حضرهم عذاب اللّه عزّ وجلّ.

وَقِيلَ هَذَا الّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدّعُونَ يقول: وقال اللّه لهم: هذا العذاب الذي كنتم به تذكرون ربكم أن يعجله لكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٧٠٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَقِيلَ هَذَا الّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدّعُونَ قال: استعجالهم بالعذاب.

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار هَذَا الّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدّعُونَ بتشديد الدال بمعنى تفتعلون من الدعاء.

وذُكر عن قتادة والضحاك أنهما قرءا ذلك: (تَدْعُونَ) بمعنى تفعلون في الدنيا.

٢٦٧١٠ـ حدثني أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا حجاج، عن هارون، قال: أخبرنا أبان العطار وسعيد بن أبي عُروبة، عن قتادة أنه قرأها: (الذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدْعُونَ) خفيفة ويقول: كانوا يدعون بالعذاب، ثم قرأ: وَإذْ قالُوا اللّه مّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِندِكَ فأمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ أوِ ائْتِنا بعَذَابٍ أليمٍ.

والصواب من القراءة في ذلك، ما عليه قرّاء الأمصار لإجماع الحجة من القرّاء عليه.

٢٨

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللّه وَمَن مّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }.

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : قُلْ يا محمد للمشركين من قومك: أرأَيْتُمْ أيها الناس إنْ أهْلَكَنِيَ اللّه فأماتني وَمَنْ مَعي أوْ رَحِمَنَا فأخرّ في آجالنا فَمَنْ يُجِيرُ الكافِرِينَ باللّه مِنْ عَذَاب موجع مؤلم، وذلك عذاب النار. يقول: ليس ينجى الكفار من عذاب اللّه موتُنا وحياتنا، فلا حاجة بكم إلى أن تستعجلوا قيام الساعة، ونزول العذاب، فإن ذلك غير نافعكم، بل ذلك بلاء عليكم عظيم.

٢٩

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الرّحْمَـَنُ آمَنّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مّبِينٍ }.

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : قل يا محمد: ربنا الرّحْمَنُ آمَنّا بِهِ يقول: صدّقنا به وَعَلَيْهِ تَوَكّلْنا يقول: وعليه اعتمدنا في أمورنا، وبه وثقنا فيها فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يقول: فستعلمون أيها المشركون باللّه الذي هو في ذهاب عن الحقّ، والذي هو على غير طريق مستقيم منا ومنكم إذا صرنا إليه، وحشرنا جميعا.

٣٠

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مّعِينٍ }.

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : قُل يا محمد لهؤلاء المشركين: أرأَيْتُمْ أيها القوم العادلون باللّه إن أصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْرا يقول: غائرا لا تناله الدلاء فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ يقول: فمن يجيئكم بماء معين، يعني بالمعين: الذي تراه العيون ظاهرا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٧١١ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِين يقول: بماء عذب.

٢٦٧١٢ـ حدثنا ابن عبد الأعلى بن واصل، قال: ثني عبيد بن قاسم البزاز، قال: حدثنا شريك، عن سالم، عن سعيد بن جُبير في قوله: إنْ أصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْرا لا تناله الدلاء فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ قال: الظاهر.

٢٦٧١٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: قُلْ أرأيْتُمْ إنْ أصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْرا: أي ذاهبا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاء مَعِينٍ قال: الماء المعين: الجاري.

٢٦٧١٤ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: ماؤُكُمْ غَوْرا ذاهبا فَمَنْ يَأَتِيكُمْ بمَاءٍ مَعِين جارِ.

وقيل غورا فوصف الماء بالمصدر، كما يقال: ليلة عم، يراد: ليلة عامة.

﴿ ٠