تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة القلم

سورة القلم مكية وآياتها ثنتان وخمسون

بسم اللّه الرحمَن الرحيـم

١

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {نَ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ }.

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ن، فقال بعضهم: هو الحوت الذي عليه الأرَضُون. ذكر من قال ذلك:

٢٦٧١٥ـ حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عديّ، عن شعبة، عن سليمان، عن أبي ظَبْيان، عن ابن عباس ، قال: (أوّل ما خلق اللّه من شيء القلم، فجرى بما هو كائن، ثم رفع بخار الماء، فخلقت منه السموات، ثم خلق النون فبسطت الأرض على ظهر النون، فتحرّكت الأرض فمادت، فأثبتت بالجبال، فإن الجبال لتفخر على الأرض) ، قال: وقرأ: ن والقَلَمِ وما يَسْطُرُونَ.

حدثنا تميم بن المنتصر، قال: حدثنا إسحاق، عن شريك، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، أو مجاهد عن ابن عباس ، بنحوه، إلا أنه قال: فَفُتِقَتْ مِنْهُ السموات.

٢٦٧١٦ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا سفيان، قال: ثني سليمان، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس ، قال: (أوّل ما خلق اللّه القلم، قال: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب القدر، قال: فجرى بما يكون من ذلك اليوم إلى قيام الساعة، ثم خلق النون، ورفع بخار الماء، ففُتِقت منه السماء وبُسِطتَ الأرض على ظهر النون، فاضطرب النون، فمادت الأرض، فأثبتت بالجبال، فإنها لتفخر على الأرض) .

حدثنا واصل بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن فُضَيل، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس قال: (أوّل ما خلق اللّه من شيء القلم، فقال له: اكتب، فقال: وما أكتب؟ قال: اكتب القدر، قال فجرى القلم بما هو كائن من ذلك إلى قيام الساعة، ثم رفع بخار الماء ففتق منه السموات، ثم خلق النون فدُحيت الأرض على ظهره، فاضطرب النون، فمادت الأرض، فأُثبتت بالجبال فإنها لتفخر على الأرض) .

حدثنا واصل بن عبد الأعلى، قال: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس نحوه.

٢٦٧١٧ـ حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، أن إبراهيم بن أبي بكر، أخبره عن مجاهد، قال: كان يقال النون: الحوت الذي تحت الأرض السابعة.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، قال: قال معمر. حدثنا الأعمش، أن ابن عباس قال: إنْ أوّل شيء خُلق القلم، ثم ذكر نحو حديث واصل عن ابن فضيل، وزاد فيه: ثم قرأ ابن عباس ن وَالقَلم وَما يَسْطُرُونَ.

٢٦٧١٨ـ حدثنا بن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن أبي الضحى مسلم بن صبيح، عن ابن عباس ، قال: إن أوّل شيء خلق ربي القلم، فقال له: اكتب، فكتب ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، ثم خلق النون فوق الماء، ثم كبس الأرض عليه.

وقال آخرون: ن حرف من حروف الرحمن. ذكر من قال ذلك:

٢٦٧١٩ـ حدثنا عبد اللّه بن أحمد المروزي، قال: حدثنا عليّ بن الحسين، قال: حدثنا أبي، عن يزيد، عن عكرِمة، عن ابن عباس الر، وحم، ون حروف الرحمن مقطعة.

حدثني محمد بن معمر، قال: حدثنا عباس بن زياد الباهلي، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس ، قوله الر، وحم، ون قال: اسم مقطع.

وقال آخرون: ن: الدواة، والقلم: القلم. ذكر من قال ذلك:

٢٦٧٢٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، قال: حدثنا أخي عيسى بن عبد اللّه ، عن ثابت البناني، عن ابن عباس قال: إن اللّه خلق النون وهي الدواة، وخلق القلم، فقال: اكتب، فقال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، من عمل معمول، برّ أو فجور، أو رزق مقسوم حلال أو حرام، ثم ألزم كلّ شيء من ذلك شأنه دخوله في الدنيا ومقامه فيها كم، وخروجه منها كيف ثم جعل على العباد حفظة وللكتاب خزانا، فالحفظة ينسخون كلّ يوم من الخزان عمل ذلك اليوم، فإذا فني الرزق وانقطع الأثر، وانقضى الأجل، أتت الحفظة الخزنة يطلبون عمل ذلك اليوم، فتقول لهم الخزنة: ما نجد لصاحبكم عندنا شيئا، فترجع الحفظة فيجدونهم قد ماتوا قال: فقال ابن عباس : ألستم قوما عربا تسمعون الحفَظة يقولون: إنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل؟.

٢٦٧٢١ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن وقتادة ، في قوله ن قال: هو الدواة.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الحكم بن بشير، قال: حدثنا عمرو، عن قتادة ، قال: النون الدواة.

وقال آخرون: ن: لوح من نوره ذكر من قال ذلك:

٢٦٧٢٢ـ حدثنا الحسن بن شبيب المكتّب، قال: حدثنا محمد بن زياد الجزري، عن فرات بن أبي الفرات، عن معاوية بن قرّة، عن أبيه، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ن وَالقَلَمِ وما يَسْطُرُونَ: (لوح من نور يجري بما هو كائن إلى يوم القيامة) .

وقال آخرون: ن: قَسَم أقسم اللّه به. ذكر من قال ذلك:

٢٦٧٢٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، في قوله: ن وَالقَلَمِ ومَا يَسْطُرُونَ يُقْسِم اللّه بما شاء.

٢٦٧٢٤ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله اللّه : ن وَالقَلَمِ ومَا يَسْطُرُونَ قال: هذا قسم أقسم اللّه به.

وقال آخرون: هي اسم من أسماء السورة.

وقال آخرون: هي حرف من حروف المعجم وقد ذكرنا القول فيما جانس ذلك من حروف الهجاء التي افتتحت بها أوائل السور، والقول في قوله نظير القول في ذلك.

واختلفت القرّاء في قراءة: ن، فأظهر النون فيها وفي يس عامة قرّاء الكوفة خلا الكسائيّ، وعامة قرّاء البصرة، لأنها حرف هجاء، والهجاء مبني على الوقوف عليه وإن اتصل، وكان الكسائي يُدغم النون الاَخرة منهما ويخفيها بناء على الاتصال.

والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان فصيحتان بأيتهما قرأ القارىء أصاب، غير أن إظهار النون أفصح وأشهر، فهو أعجب إليّ. وأما القلم: فهو القلم المعروف، غير أن الذي أقسم به ربنا من الأقلام: القلم الذي خلقه اللّه تعالى ذكره، فأمره فجرى بكتابة جميع ما هو كائن إلى يوم القيامة.

٢٦٧٢٥ـ حدثني محمد بن صالح الأغاطي، قال حدثنا عباد بن العوّام، قال: حدثنا عبد الواحد بن سليم، قال: سمعت عطاء، قال: سألت الوليد بن عبادة بن الصامت: كيف كانت وصية أبيك حين حشره الموت؟ فقال: دعاني فقال: أي بنيّ اتق اللّه واعلم أنك لن تتقي اللّه ، ولن تبلغ العلم حتى تؤمن باللّه وحده، والقدرِ خيره وشرّه، إني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (إنّ أوّلَ ما خَلَقَ اللّه خَلَقَ القَلَمَ، فَقالَ لَهُ: اكْتُبْ، قالَ: يا رَبّ ومَا أكْتُبْ؟ قالَ: اكْتُبَ القَدَرَ، قالَ: فَجَرَى القَلَمُ فِي تِلْكَ السّاعَةِ بِمَا كانَ، ومَا هُوَ كائِنٌ إلى الأبَدِ) .

٢٦٧٢٦ـ حدثني محمد بن عبد اللّه الطوسي، قال: حدثنا عليّ بن الحسن بن شقيق، قال: أخبرنا عبد اللّه بن المبارك، قال: أخبرنا رباح بن زيد، عن عمرو بن حبيب، عن القاسم بن أبي بزّة، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس أنه كان يحدّث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (أوّلُ شَيْءٍ خَلَقَ اللّه القَلَمَ، وأمَرَهُ فَكَتَبَ كُلّ شَيْءٍ) .

حدثنا موسى بن سهل الرملي، قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: حدثنا ابن المبارك بإسناده عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، نحوه.

حدثنا موسى بن سهل الرملي، قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: حدثنا ابن المبارك بإسناده عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، نحوه

٢٦٧٢٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن أبي هاشم، عن مجاهد قال: قلت لابن عباس : إن ناسا يكذّبون بالقدر، فقال: إنهم يكذّبون بكتاب اللّه ، لاَخذنّ بشَعْر أحدهم، فلا يقصّن به، إن اللّه كان على عرشه قبل أن يخلق شيئا، فكان أوّل ما خلق اللّه القلم، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة، فإنما يجري الناس على أمر قد فُرِغ منه.

حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا عبد الصمد، قال: حدثنا شعبة، قال: حدثنا أبو هاشم، أنه سمع مجاهدا، قال: سمعت عبد اللّه لا ندري ابن عمر أو ابن عباس قال: إن أوّل ما خلق اللّه القلم، فجرى القلم بما هو كائن وإنما يعمل الناس اليوم فيما قد فُرِغ منه.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني معاوية بن صالح وحدثني عبد اللّه بن آدم، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا الليث بن سعد عن معاوية بن صالح، عن أيوب بن زياد، قال: ثني عباد بن الوليد بن عبادة بن الصامت، قال: أخبرني أبي، قال: قال أبي عُبادة بن الصامت: يا بنيّ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (إنّ أوّلَ ما خَلَقَ اللّه القَلَمَ، فَقالَ لَهُ: اكْتُبْ فَجَرَى فِي تِلْكَ السّاعَةِ بِمَا هُوَ كائِنٌ إلى يَوْمِ القِيامَةِ) .

٢٦٧٢٨ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ن وَالقَلَمِ قال: الذي كُتِبَ به الذكر.

حدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، أخبره عن إبراهيم بن أبي بكر، عن مجاهد، في قوله: ن والقَلَمِ قال: الذي كتب به الذكر.

و قوله: ومَا يَسْطُرُون يقول: والذي يخُطّون ويكتبون. وإذا وُجّهَ التأويل إلى هذا الوجه كان القسم بالخلق وأفعالهم. وقد يحتمل الكلام معنى آخر، وهو أن يكون معناه: وسطرهم ما يسطرون، فتكون (ما) بمعنى المصدر. وإذا وُجه التأويل إلى هذا الوجه، كان القسم بالكتاب، كأنه

قيل: ن والقلم والكتاب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٧٢٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَما يَسْطُرُونَ قال: وما يَخُطّون.

٢٦٧٣٠ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: ومَا يَسْطُرُونَ يقول: يكتبون.

٢٦٧٣١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ومَا يَسْطُرُون قال: وما يكتبون.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ومَا يَسْطُرُونَ: وما يكتبون.

يقال منه: سطر فلان الكتاب فهو يَسْطُر سَطْرا: إذا كتبه ومنه قول رُؤبة بن العجّاج:

إنّي وأسْطارٍ سُطِرْنَ سَطْرَا

﴿ ١