تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة الحاقة

سورة الحاقة مكية وآياتها ثنتان وخمسون

بسم اللّه الرحمَن الرحيـم

١

انظر تفسير الآية:٢

٢

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {الْحَاقّةُ * مَا الْحَآقّةُ }.

يقول تعالى ذكره: الساعة الْحاقّةُ التي تحقّ فيها الأمور، ويجب فيها الجزاء على الأعمال ما الْحاقّةُ يقول: أيّ شيء الساعة الحاقة. وذُكر عن العرب أنها تقول: لما عرف الحاقة متى والحقة متى، وبالكسر بمعنى واحد في اللغات الثلاث، وتقول: وقد حقّ عليه الشيء إذا وجب، فهو يحقّ حقوقا. والحاقة الأولى مرفوعة بالثانية، لأن الثانية بمنزلة الكناية عنها، كأنه عجب منها، فقال: الحاقة: ما هي كما يقال: زيد ما زيد. والحاقة الثانية مرفوعة بما، وما بمعنى أي، وما رفع بالحاقة الثانية، ومثله في القرآن وأصحَابُ اليَمِين ما أصحَابُ اليَمِينِ و القارِعَةُ ما القارِعَةُ فما في موضع رفع بالقارعة الثانية والأولى بجملة الكلام بعدها. وبنحو الذي قلنا في

قوله: الْحاقّةُ قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك:

٢٦٨٦٠ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، في قوله الْحاقّةُ قال: من أسماء يوم القيامة، عظمه اللّه ، وحذّره عباده.

٢٦٨٦١ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يمان، عن شريك، عن جابر، عن عكرِمة قال: الْحاقّةُ القيامة.

٢٦٨٦٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا بزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: الْحاقّةُ يعني الساعة أحقت لكل عامل عمله.

حدثني ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة الْحاقّةُ قال: أحقت لكلّ قوم أعمالهم.

٢٦٨٦٣ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: الْحاقّةُ يعني القيامة.

٢٦٨٦٤ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: الْحاقّةُ ما الْحاقّةُ و القَارعةُ ما القارعة و الواقعةُ و الطّامّة و الصّاخّة قال: هذا كله يوم القيامة الساعة، وقرأ قول اللّه : لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ خافِضَةٌ رَافِعَةٌ والخافضة من هؤلاء أيضا خفضت أهل النار، ولا نعلم أحدا أخفض من أهل النار، ولا أذلّ ولا أخرى ورفعت أهل الجنة، ولا نعلم أحدا أشرف من أهل الجنة ولا أكرم.

٣

و قوله: وَما أدْرَاكَ ما الْحاقّةُ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : وأيّ شيء أدراك وعرّفك أيّ شيء الحاقة.

٢٦٨٦٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان قال: ما في القرآن (وما يدريك) فلم يخبره، وما كان (وما أرداك) ، فقد أخبره.

٢٦٨٦٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَما أدْرَاكَ ما الْحاقّةُ تعظيما ليوم القيامة كما تسمعون.

٤

و قوله: كَذّبَتْ ثَمُودُ وعادٌ بالقارِعَةِ يقول تعالى ذكره: كذّبت ثمود قوم صالح، وعاد قوم هود بالساعة التي تقرع قلوب العباد فيها بهجومها عليهم. والقارعة أيضا: اسم من أسماء القيامة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٨٦٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: كَذّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بالقارِعَةِ أي بالساعة.

٢٦٨٦٨ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: كَذّبَتْ ثَمُودُ وعادٌ بالقارِعَةِ قال: القارعة: يوم القيامة.

٥

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَأَمّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِالطّاغِيَةِ }.

يقول تعالى ذكره: فأمّا ثَمُودُ قوم صالح، فأهلكهم اللّه بالطاغية.

واختلف في معنى الطاغية التي أهلك اللّه بها ثمود أهل التأويل، فقال بعضهم: هي طغيانهم وكفرهم باللّه . ذكر من قال ذلك:

٢٦٨٦٩ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول اللّه عز وجل: فأُهْلِكُوا بالطّاغِيَةِ قال: بالذنوب.

٢٦٨٧٠ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فأمّا ثمُودُ فأُهْلِكُوا بالطّاغِيَةِ فقرأ قول اللّه : كَذّبَتْ ثَمُودُ بطَغْوَاها وقال: هذه الطاغية طغيانهم وكفرهم بآيات اللّه . الطاغية طغيانهم الذي طغوا في معاصي اللّه وخلاف كتاب اللّه .

وقال آخرون: بل معنى ذلك: فأهلكوا بالصيحة التي قد جاوزت مقادير الصياح وطغت عليها. ذكر من قال ذلك:

٢٦٨٧١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فأَمّا ثَمُودُ فأُهْلِكُوا بالطّاغِيَةِ بعث اللّه عليهم صيحة فأهمدتهم.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة بالطّاغِيَةِ قال: أرسل اللّه عليهم صيحة واحدة فأهمدتهم.

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: فأُهلكوا بالصيحة الطاغية.

وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن اللّه إنما أخبر عن ثمود بالمعنى الذي أهلكها به، كما أخبر عن عاد بالذي أهلكها به، فقال: وأمّا عادٌ فأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ ولو كان الخبر عن ثمود بالسبب الذي أهلكها من أجله، كان الخبر أيضا عن عاد كذلك، إذ كان ذلك في سياق واحد، وفي إتباعه ذلك بخبره عن عاد بأن هلاكها كان بالريح الدليل الواضح على أن إخباره عن ثمود إنما هو ما بينت.

٦

و قوله: وأمّا عادٌ فأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ يقول تعالى ذكره: وأما عاد قوم هود فأهلكهم اللّه بريح صرصر، وهي الشديدة العصوف مع شدّة بردها عاتَيَةٍ يقول: عتت على خزانها في الهبوب، فتجاوزت في الشدّة والعصوف مقدارها المعروف في الهبوب والبرد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٨٧٢ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه عن ابن عباس ، قوله: وأمّا عادٌ فأُهْلَكُوا بَرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ يقول: بريح مهلكة باردة، عتت عليهم بغير رحمة ولا بركة، دائمة لا تَفْتُر.

٢٦٨٧٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وأمّا عادٌ فأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ والصرصر الباردة عتت عليهم حتى نقبت عن أفئدتهم.

٢٦٨٧٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن المسيب، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس ، قال ما أرسل اللّه من ريح قطّ إلا بمكيال ولا أنزل قطرة قطّ إلا بمثقال، إلا يوم نوح ويوم عاد، فإن الماء يوم نوح طغى على خزانه، فلم يكن لهم عليه سبيل، ثم قرأ: إنّا لَمّا طَغَى الماءُ حَمَلْناكُمْ في الجارِيَةِ وإن الريح عتت على خزّانها فلم يكن لهم عليها سبيل، ثم قرأ: بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ.

٢٦٨٧٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، قال: حدثنا أبو سنان، عن غير واحد، عن عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه، قال: (لم تنزل قطرة من ماء إلا بكيل على يدي مَلك فلما كان يوم نوح أذن للماء دون الخُزّان، فطغى الماء على الجبال فخرج، فذلك قول اللّه : إنّا لَمّا طَغَى الماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الجارِيَةِ ولم ينزل من الريح شيء إلا بكيل على يدي مَلك إلاّ يوم عاد، فإنه أذن لها دون الخزّان، فخرجت، وذلك قول اللّه : بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ عتت على الخزّان) .

٢٦٨٧٦ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ قال: الصرصر: الشديدة، والعاتية: القاهرة التي عتت عليهم فقهرتهم.

٢٦٨٧٧ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: صَرْصَرٍ قال: شديدة.

٢٦٨٧٨ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: بِرِيحٍ صَرْصَرٍ يعني : باردة عاتية، عتت عليهم بلا رحمة ولا بركة.

٧

و قوله: سَخّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثمانِيَةَ أيّامٍ حُسُوما يقول تعالى ذكره: سخر تلك الرياح على عاد سبع ليال وثمانية أيام حسوما فقال بعضهم: عُنى بذلك تباعا. ذكر من قال ذلك:

٢٦٨٧٩ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: وثمانِيَةَ أيّامٍ حُسُوما يقول: تباعا.

٢٦٨٨٠ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: حُسُوما قال: متتابعة.

٢٦٨٨١ـ حدثنا ابن حميد، قال حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن ابن مسعود وَثَمانِيَةَ أيّامِ حُسُوما قال: متتابعة.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد اللّه بن مسعود مثل حديث محمد بن عمرو.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبد اللّه حُسُوما قال: تباعا.

٢٦٨٨٢ـ قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، قال: حدثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن عكرِمة، في قوله: حُسُوما قال: تباعا.

حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن عكرِمة أنه قال في هذه الاَية وَثَمانِيَةَ أيّامٍ حُسُوما قال: متتابعة.

٢٦٨٨٣ـ حدثنا نصر بن عليّ، قال: ثني أبي، قال: حدثنا خالد بن قيس، عن قتادة وَثمانِيَةَ أيّامٍ حُسُوما قال: متتابعة ليس لها فترة.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله وَثمانِيَةَ أيّامٍ حُسُوما قال: متتابعة ليس فيه تفتير.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله حُسُوما قال: دائمات.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن منصور، عن مجاهد، عن أبي معمر عبد اللّه بن سَخْبَرَةَ، عن ابن مسعود أيّامٍ حُسُوما قال: متتابعة.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان قال: قال مجاهد: أيّامٍ حُسُوما قال: تباعا.

٢٦٨٨٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان أيّامٍ حُسُوما قال: متتابعة، و أيام نحسات قال: مشائيم.

وقال آخرون: عنى ب قوله: حُسُوما الريح، وأنها تحسم كلّ شيء، فلا تبقى من عاد أحدا، وجعل هذه الحسوم من صفة الريح. ذكر من قال ذلك:

٢٦٨٨٥ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وثَمانِيَة حُسُوما قال: حسمتهم لم تُبق منهم أحدا، قال: ذلك الحسوم مثل الذي يقول: احسم هذا الأمر قال: وكان فيهم ثمانية لهم خلق يذهب بهم في كل مذهب قال: قال موسى بن عقبة: فلما جاءهم العذاب قالوا: قوموا بنا نردّ هذا العذاب عن قومنا قال: فقاموا وصفوا في الوادي، فأوحى اللّه إلى ملك الريح أن يقلع منهم كل يوم واحدا، وقرأ قول اللّه : سَخّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثمانِيَةَ أيّامٍ حُسُوما حتى بلغ: نخل خاوية قال: فإن كانت الريح لتمرّ بالظعينة فتستدبرها وحمولتها، ثم تذهب بهم في السماء، ثم تكبهم على الرؤوس، وقرأ قول اللّه : فَلَمّا رأَوْهُ عارِضا مُسْتَقْبِلَ أوْدِيَتِهِمْ هَذَا عارِضٌ مُمْطِرُنا قال: وكان أمسك عنهم المطر، فقرأ حتى بلغ: تُدَمّرُ كُلّ شَيْءٍ بأمْرِ رَبّها قال: وما كانت الريح تقلع من أولئك الثمانية كلّ يوم إلا واحدا قال: فلما عذّب اللّه قوم عاد، أبقى اللّه واحدا ينذر الناس، قال: فكانت امرأة قد رأت قومها، فقالوا لها: أنت أيضا، قالت: تنحيت على الجبل قال: وقد قيل لها بعد: أنت قد سلمت وقد رأيت، فكيف لا رأيت عذاب اللّه ؟ قالت: ما أدرى غير أن أَسْلَمَ ليلةٍ: ليلة لا ريح.

وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: عُنِي بقوله حُسُوما متتابعة، لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك. وكان بعض أهل العربية يقول: الحسوم: التباع، إذا تتابع الشيء فلم ينقطع أوّله عن آخره قيل فيه حسوم قال: وإنما أخذوا واللّه أعلم من حسم الداء: إذا كوى صاحبه، لأنه لحم يكوى بالمكواة، ثم يتابع عليه.

و قوله: فَتَرى القَوْمَ فِيها صَرْعَى يقول: فترى يا محمد قوم عاد في تلك السبع الليالي والثمانية الأيام الحسوم صرعى قد هلكوا كأنّهُمْ أعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ يقول: كأنهم أصول نخل قد خوت، كما:

٢٦٨٨٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة كأنّهُمْ أعْجازُ نخْلٍ خاوِيَةٍ: وهي أصول النخل.

٨

و قوله: فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ باقِيَة يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : فهل ترى يا محمد لعاد قوم هود من بقاء. و

قيل: عُنِي بذلك: فهل ترى منهم باقيا. وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من البصريين يقول: معنى ذلك: فهل ترى لهم من بقية، ويقول: مجازها مجاز الطاغية مصدر.

٩

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ }.

يقول تعالى ذكره: وَجاءَ فِرْعَوْنُ مصر. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: وَمَنْ قَبْلَهُ فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة ومكة خلا الكسائيّ: وَمَنْ قَبْلَهُ بفتح القاف وسكون الباء، بمعنى: وجاء من قبل فرعون من الأمم المكذبة بآيات اللّه كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط بالخطيئة. وقرأ ذلك عامة قرّاء البصرة والكسائي: (وَمَنْ قِبَلِهِ) بكسر القاف وفتح الباء، بمعنى: وجاء مع فرعون من أهل بلده مصر من القبط.

والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وقوله وَالمُؤْتَفِكاتُ بالخاطِئَةِ يقول: والقرى التي ائتفكت بأهلها فصار عاليها سافلها بالخاطِئةِ يعني بالخطيئة. وكانت خطيئتها: إتيانها الذكران في أدبارهم. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله وَالمُؤْتَفِكاتُ قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٨٨٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالمُؤْتَفِكاتُ قرية لوط. وفي بعض القراءة: (وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ مَعَهُ) .

٢٦٨٨٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالمُؤْتَفِكاتُ بالخاطِئَةِ قال: المؤتفكات: قوم لوط، ومدينتهم وزرعهم، وفي قوله: وَالمُؤْتَفِكَةَ أهْوَى قال: أهواها من السماء: رمى بها من السماء أوحى اللّه إلى جبريل عليه السلام، فاقتلعها من الأرض، ربضها ومدينتها، ثم هوى بها إلى السماء ثم قلبهم إلى الأرض، ثم أتبعهم الصخر حجارة، وقرأ قول اللّه : حِجارَةً مِنْ سِجّيل مَنْضُودٍ مُسَوّمَةً قال: المسوّمة: المُعَدّة للعذاب.

٢٦٨٨٩ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالمُؤْتَفِكاتُ بالخاطِئَةَ يعني المكذّبين.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وَالمُؤْتَفِكاتُ هم قوم لوط، ائتفكت بهم أرضُهم.

وبما قلنا في قوله: بالخاطِئَةِ قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٨٩٠ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بالخاطِئَةِ قال: الخطايا.

١٠

و قوله: فَعَصَوْا رَسُولَ رَبّهِمْ

يقول جلّ ثناؤه: فعصى هؤلاء الذين ذكرهم اللّه ، وهم فرعون ومن قبله والمؤتفكات رسول ربهم.

و قوله: فأخَذَهُمْ أخْذَةً رَابِيَةً يقول: فأخذهم ربهم بتكذيبهم رسله أخذة، يعني أخذة زائدة شديدة نامية، من قولهم: أربيت: إذا أخذ أكثر مما أعطى من الربا يقال: أربيتَ فرَبا رِباك، والفضة والذهب قد رَبَوا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٨٩١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: ينا عيسى، وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أخْذَةً رَابِيَةً قال: شديدة.

٢٦٨٩٢ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: فأخَذَهُمْ أخْذَةً رَابِيَةً يعني أخذة شديدة.

٢٦٨٩٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله اللّه : فأخَذَهُمْ أخْذَةً رَابِيَةً قال: كما يكون في الخير رابية كذلك يكون في الشرّ رابية، قال: ربا عليهم: زاد عليهم، وقرأ قول اللّه عزّ وجلّ: إنّ الّذِينَ كَفَرُوا وَصَدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّه زِدْناهُمْ عَذَابا فَوْقَ العَذَابِ، وقرأ قول اللّه عزّ وجلّ: وَالّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وآتاهُمْ تَقْوَاهُمْ يقول: ربا لهؤلاء الخير ولهؤلاء الشرّ.

١١

و قوله: إنّا لَمّا طَغَى المَاءُ حَمَلْناكُمْ فِي الجارِيَةِ يقول تعالى ذكره: إنا لما كثر الماء فتجاوز حدّه المعروف، كان له، وذلك زمن الطوفان.

و

قيل: إنه زاد فعلاً فوق كلّ شيء بقدر خمس عشرة ذراعا. ذكر من قال ذلك، ومن قال في قوله: طَغَى مثل قولنا:

٢٦٨٩٤ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة إنّا لَمّا طَغَى المَاءُ قال: بلغنا أنه طغى فوق كلّ شيء خمس عشرة ذراعا.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إنّا لَمّا طَغَى المَاءُ حَمَلْناكُمْ في الجارِيَةِ ذاكم زمن نوح طغى الماء على كلّ خمس عشرة ذراعا بقدر كل شيء.

٢٦٨٩٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب القُميّ، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جُبير، في قوله: إنّا لَمّا طَغَى المَاءُ حَمَلْناكُمْ في الجارِيَةِ قال: لم تنزل من السماء قطرة إلا بعلم الخزّان، إلا حيث طغى الماء، فإنه قد غضب لغضب اللّه ، فطغى على الخزان، فخرج ما لا يعلمون ما هو.

٢٦٨٩٦ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: إنّا لَمّا طَغَى المَاءُ حَمَلْناكُمْ فِي الجارِيَةِ إنما يقول: لما كثر.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله إنّا لَمّا طَغَى المَاءُ يعني كثر الماء ليالي غرّق اللّه قوم نوح.

٢٦٨٩٧ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إنّا لمّا طَغَى المَاءُ حَمَلْناكُم قال محمد ابن عمرو في حديثه: طما وقال الحارث: ظهر.

٢٦٨٩٨ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، عن الضحاك ، في قوله: لَمّا طَغَى المَاءُ: كثر وارتفع.

و قوله: حَمَلْناكُمْ فِي الجارِيَةِ يقول: حملناكم في السفينة التي تجري في الماء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٨٩٩ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: حَمَلْناكُمْ فِي الجارِيَةِ الجارية: السفينة.

٢٦٩٠٠ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: حَمَلْناكُمْ فِي الجارِيَةِ والجارية: سفينة نوح التي حملتم فيها.

و

قيل: حملناكم، فخاطب الذين نزل فيهم القرآن، وإنما حمل أجدادهم نوحا وولده، لأن الذين خوطبوا بذلك ولد الذين حملوا في الجارية، فكان حمل الذين حملوا فيها من الأجداد حملاً لذرّيتهم على ما قد بيّنا من نظائر ذلك في أماكن كثيرة من كتابنا هذا.

١٢

و قوله: لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً يقول: لنجعل السفينة الجارية التي حملناكم فيها لكم تذكرة، يعني عبرة وموعظة تتعظون بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٩٠١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً فأبقاها اللّه تذكرة وعبرة وآية حتى نظر إليها أوائل هذه الأمة، وكم من سفينة قد كانت بعد سفينة نوح قد صارت رمادا.

و قوله: وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ يعني حافظة عقلت عن اللّه ما سمعت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٩٠٢ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس وَتَعِيَها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ يقول: حافظة.

٢٦٩٠٣ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَة يقول: سامعة، وذلك الإعلان. ذكر من قال ذلك:

٢٦٩٠٤ـ حدثنا نصر بن عليّ، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا خالد بن قيس، عن قتادة وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ قال: أذن عقلت عن اللّه .

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ أذن عقلت عن اللّه ، فانتفعت بما سمعت من كتاب اللّه .

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أُذُنٌ وَاعِيَةٌ قال: أذن سمعت، وعقلت ما سمعت.

٢٦٩٠٥ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: الضحاك يقول في قوله: وَتَعِيَها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ سمعتها أذن ووعت.

٢٦٩٠٦ـ حدثنا عليّ بن سهل، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن عليّ بن حوشب، قال: سمعت مكحولاً يقول: قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ثم التفت إلى عليّ، فقال: (سأَلْتُ اللّه أنْ يَجْعَلَها أُذُنَكَ) ، قال عليّ رضي اللّه عنه: فما سمعت شيئا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فنسيته.

٢٦٩٠٧ـ حدثني محمد بن خلف، قال: ثني بشر بن آدم، قال: حدثنا عبد اللّه بن الزبير، قال: ثني عبد اللّه بن رستم، قال: سمعت بُرَيدة يقول: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول لعليّ: (يا عَليّ إنّ اللّه أمَرَنِي أنْ أُدْنِيَكَ وَلا أُقْصِيَكَ، وأنْ أُعَلّمَكَ، وأنْ تَعيَ، وحَقّ على اللّه أنْ تَعِيَ) ، قال: فنزلت وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ.

حدثني محمد بن خلف، قال: حدثنا الحسن بن حماد، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أبو يحيى التيميّ عن فضيل بن عبد اللّه ، عن أبي داود، عن بُرَيدة الأسلميّ، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول لعليّ: (إنّ اللّه أمَرَني أنْ أُعَلّمَكَ وأنْ أُدْنِيَكَ وَلا أجْفُوَكَ وَلا أُقْصِيَكَ) ، ثم ذكر مثله.

٢٦٩٠٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَتَعِيها أُذُنٌ وَاعِيَةٌ قال: واعية يحذرون معاصي اللّه أن يعذّبهم اللّه عليها، كما عذّب من كان قبلهم تسمعها فتعيها، إنما تعي القلوب ما تسمع الاَذان من الخير والشرّ من باب الوعي.

١٣

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ }.

يقول تعالى ذكره: فإذَا نُفِخَ فِي الصّورِ إسرافيل نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وهي النفخة الأولى،

١٤

وحُمِلَتِ الأرْضُ والجِبالُ فَدُكّتا دَكّةً وَاحِدَةً يقول: فزلزلتا زلزلة واحدة.

وكان ابن زيد يقول في ذلك ما:

٢٦٩٠٩ـ حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وحُمِلَتِ الأرْضُ والجِبالُ فَدُكّتا دَكّةً وَاحِدَةً قال: صارت غبارا.

وقيل: فَدُكّتا وقد ذكر قبل الجبال والأرض، وهي جماع، ولم يقل: فدككن، لأنه جعل الجبال كالشيء الواحد، كما قال الشاعر:

هُمَا سَيّدَانِ يَزْعُمانِ وإنّمايَسُودانِنا إنْ يَسّرَتْ غَنَماهُمَا

وكما قيل: أنّ السّمَوَاتِ والأرْضَ كانَتا رَتْقا. فيومئذٍ وقعت الواقعة

يقول جلّ ثناؤه:

١٥

فيومئذٍ وقعت الْوَاقِعَةُ الصيحة الساعة، وقامت القيامة.

١٦

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَانشَقّتِ السّمَآءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ }.

يقول تعالى ذكره: وانصدعت السماء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ يقول: منشقة متصدّعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٩١٠ـ حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقيّ، قال: حدثنا أبو أسامة، عن الأجلح، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم، قال: (إذا كان يوم القيامة أمر اللّه السماء الدنيا بأهلها، ونزل من فيها من الملائكة، فأحاطوا بالأرض ومن عليها، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة، فصفوا صفا دون صفّ ثم نزل الملك الأعلى على مجنّبته اليسرى جهنم، فإذا رآها أهل الأرض ندّوا، فلا يأتون قطرا من أقطار الأرض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، فذلك قوله اللّه : إنّي أخافُ عَلَيْكُمْ يَوْم التّنادِ يَوْمَ تُوَلّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللّه مِنْ عاصِمٍ وذلك قوله: وَجاءَ رَبّكَ وَالمَلَكُ صَفّا صَفّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنّمَ،

و قوله: يا مَعْشَرَ الجِنّ والإنْسِ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِنْ أقْطارِ السّمَواتِ والأرْضِ فانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إلاّ بِسُلْطانٍ وذلك قوله: وَانْشَقّتِ السّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالمَلَك على أرْجائها) .

٢٦٩١١ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: وَانْشَقّتِ السّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ يعني : متمزّقة ضعيفة.

والملكُ على أرجائها يقول تعالى ذكره: والملك على أطراف السماء حين تشقق وحافاتها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

١٧

٢٦٩١٢ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: والمَلَكُ على أرْجائها يقول: والملك على حافات السماء حين تشقّق ويقال: على شقة، كلّ شيء تشقّق عنه.

٢٦٩١٣ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وَالمَلَكُ على أرْجائها قال: أطرافها.

٢٦٩١٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: وَالمَلَكُ على أرْجائها قال: على حافات السماء.

٢٦٩١٥ـ حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: حدثنا أبو أُسامة، عن الأجلح، قال: قلت للضحاك: ما أرجاؤها، قال: حافاتها.

٢٦٩١٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال ثني سعيد: عن قتادة والملكُ على أرجائها على حافاتها.

٢٦٩١٧ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر وَالمَلَكُ على أرْجائها قال: بلغني أنها أقطارها، قال قتادة : على نواحيها.

٢٦٩١٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان وَالمَلَكُ على أرْجائها قال: نواحيها.

٢٦٩١٩ـ حدثني الحارث، قال: حدثنا الأشيب، قال: حدثنا ورقاء، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن المسيب: الأرجاء حافات السماء.

٢٦٩٢٠ـ قال: ثنا الأشيب، قال: حدثنا أبو عوانة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبير وَالمَلَكُ على أرْجائها قال: على ما لم يَهِ منها.

حدثنا محمد بن سنان القزاز، قال: حدثنا حسين الأشقر، قال: حدثنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس ، في قوله والمَلَكُ على أرْجائها قال: على ما لم يَهِ منها.

و قوله: وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ اختلف أهل التأويل في الذي عنى بقوله ثَمانِيَةٌ فقال بعضهم: عنى به ثمانية صفوف من الملائكة، لا يعلم عدّتهنّ إلا اللّه . ذكر من قال ذلك:

٢٦٩٢١ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا طلق عن ظهير، عن السديّ، عن أبي مالك عن ابن عباس : وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ قال: ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا اللّه .

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ين عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، في قوله وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ قال: هي الصفوف من وراء الصفوف.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرِمة، عن ابن عباس ، في قوله وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ قال: ثمانية صفوف من الملائكة.

٢٦٩٢٢ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ قال بعضهم: ثمانية صفوف لا يعلم عدتهنّ إلا اللّه . وقال بعضهم: ثمانية أملاك على خلق الوعلة.

وقال آخرون: بل عنى به ثمانية أملاك. ذكر من قال ذلك:

٢٦٩٢٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةً قال: ثمانية أملاك، وقال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (يَحْمِلُهُ اليَوْمَ أرْبَعَةٌ، وَيَوْم القِيامَةِ ثَمَانِيَةٌ) ، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إنّ أقْدامَهُمْ لَفِي الأرْضِ السّابِعَةِ، وَإنّ مَناكِبَهُمْ لخَارِجَةٌ مِنَ السّمَوَاتِ عَلَيْها العَرْشُ)

قال ابن زيد: الأربعة، قال: بلغنا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال:

(لَمّا خَلَقَهُمُ اللّه قالَ: تَدْرُونَ لِمَ خَلَقْتُكُمْ؟ قالُوا: خَلَقْتَنا رَبّنا لِمَا تَشاءُ، قالَ لَهُمْ: تَحْمِلُونَ عَرْشِي، ثُمّ قالَ: سَلُوني مِنَ القُوّةِ ما شِئْتُمْ أجْعَلْها فِيكُمْ، فَقالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: قَدْ كانَ عَرْشُ رَبّنا على المَاءِ، فاجَعْلْ فِيّ قُوّةَ المَاءِ، قالَ: قَدْ جَعَلْتُ فيكَ قُوّةَ المَاءِ وقال آخَرُ: اجَعَلْ فِيّ قُوّة السّمَوَات، قالَ: قَدْ جَعَلْتُ فِيكَ قُوّةَ السّمَوَاتِ وقالَ آخَرُ: اجْعَلْ فيّ قُوّةَ الأرْضِ، قالَ: قَدْ جَعَلْتُ فِيكَ قُوّةَ الأرْضِ والجِبالِ وقالَ آخَرُ: اجْعَلْ فِيّ قُوّةَ الرّياح، قالَ: قَدْ جَعَلْتُ فِيكَ قُوّةَ الرّياحِ ثُمّ قال: احْمِلُوا، فَوَضَعُوا العَرْش على كَوَاهِلِهِمْ، فَلَمْ يَزُولُوا قالَ: فَجاءَ عِلْمٌ آخَرُ، وإنّمَا كانَ عِلْمُهُمُ الّذِي سأَلُوهُ القُوّةَ، فَقالَ لَهُمْ: قُولُوا: لا حَوْلَ وَلا قُوّةَ إلاّ باللّه ، فَقالُوا: لا حَوْلَ وَلا قُوّةَ إلاّ باللّه ، فَجَعَلَ اللّه فِهِمْ مِنَ الْحَوْلِ والقُوّةِ ما لمْ يَبْلُغْهُ عِلْمُهُمْ، فَحَمَلُوا) .

٢٦٩٢٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: بلغنا أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (هُمُ اليَوْمَ أرْبَعَةٌ) ، يعني حملة العرش (وَإذَا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ أيّدَهُمُ اللّه بأرْبَعَةٍ آخَرِينَ فَكانُوا ثَمانِيَةً وَقَدْ قالَ اللّه : وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ) .

٢٦٩٢٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن ميسرة، قوله: وَيحْمِلُ عَرْشَ رَبّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ قال: أرجلهم في التخوم لا يستطيعون أن يرفعوا أبصارهم من شعاع النور:

١٨

و قوله: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُم خافِيَةُ يقول تعالى ذكره: يومئذٍ أيها الناس تعرضون على ربكم، و

قيل: تعرضون ثلاث عرضات. ذكر من قال ذلك:

٢٦٩٢٦ـ حدثنا الحسن بن قزعة الباهليّ، قال: حدثنا وكيع بن الجراح، قال: حدثنا عليّ بن عليّ الرفاعيّ، عن الحسن، عن أبي موسى الأشعري، قال: (تُعرض الناس ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير. وأما الثالثة، فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي، فآخذٌ بيمينه، وآخذٌ بشماله) .

٢٦٩٢٧ـ حدثنا مجاهد بن موسى، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سليمان بن حيان، عن مروان الأصغر، عن أبي وائل عن عبد اللّه ، قال: (يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات: عرضتان معاذير وخصومات، والعرضة الثالثة تطيّر الصحف في الأيدي) .

٢٦٩٢٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خافِيَةٌ ذُكر لنا أن نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول: (يُعرضُ الناس ثلاث عرضات يوم القيامة، فأما عرضتان ففيهما خصومات ومعاذير وجدال. وأما العرضة الثالثة فتطيّر الصحف في الأيدي) .

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، بنحوه.

و قوله: لا تَخْفَى مِنْكُمْ خافِيَةٌ

يقول جلّ ثناؤه: لا تخفى على اللّه منكم خافية، لأنه عالم بجميعكم، محيط بكلكم.

١٩

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقْرَؤُاْ كِتَابيَهْ }.

يقول تعالى ذكره: فأما من أعطي كتاب أعماله بيمينه، فيقول تعالى اقْرءَوُا كِتَابِيَهْ، كما:

٢٦٩٢٩ـ حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول اللّه : هاؤُمُ اقْرَءُوا كِتابِيَهْ قال: تعالوا.

٢٦٩٣٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: كان بعض أهل العلم يقول: وجدت أكيس الناس من قال: هاؤُمُ اقْرَءُوا كِتابِيَهْ.

٢٠

و قوله: إنّي ظَنَنْتُ أنّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ يقول: أني علمت أني ملاق حسابيه إذا وردت يوم القيامة على ربي. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: إنّي ظَنَنْتُ قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٩٣١ـ حدثني عليّ، حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله إنّي ظَنَنْت أنّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ يقول: أيقنت.

٢٦٩٣٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إنّي ظَنَنْتُ إنّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ: ظنّ ظنا يقينا، فنفعه اللّه بظنه.

٢٦٩٣٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إنّي ظَنَنْتُ أنّي مُلاقٍ حسابِيَهْ قال: إن الظنّ من المؤمن يقين، وإن (عسى) من اللّه واجب فَعَسَى أولئِكَ أنْ يَكُونُوا مِنَ المُهتدينَ فَعَسَى أنْ يكُونُوا مِنَ المُفْلِحِينَ.

٢٦٩٣٤ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة إنّي ظَنَنْتُ أنّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ قال: ما كان من ظنّ الاَخرة فهو علم.

٢٦٩٣٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، قال: كلّ ظنّ في القرآن إنّي ظَنَنْتُ يقول: أي علمت.

٢١

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رّاضِيَةٍ }. يقول تعالى ذكره: فالذي وصفت أمره، وهو الذي أوتي كتابه بيمينه، في عيشة مرضية، أو عيشة فيها الرضا، فوصفت العيشة بالرضا وهي مرضية، لأن ذلك مدح للعيشة، والعرب تفعل ذلك في المدح والذمّ فتقول: هذا ليل نائم، وسرّ كاتم، وماء دافق، فيوجهون الفعل إليه، وهو في الأصل مفعول لما يراد من المدح أو الذمّ، ومن قال ذلك لم يجز له أن يقول للضارب مضروب، ولا للمضروب ضارب، لأنه لا مدح فيه ولا ذمّ.

٢٢

و قوله: فِي جَنّةٍ عالِيَةٍ يقول: في بستان عال رفيع، و (في) من قوله في جَنّةٍ من صلة عيشة.

و قوله: قُطُوفُها دَانِيَةٌ يقول: ما يقطف من الجنة من ثمارها دانٍ قريب من قاطفه.

وذُكر أن الذي يريد ثمرها يتناوله كيف شاء قائما وقاعدا، لا يمنعه منه بُعد، ولا يحول بينه وبينه شوك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٩٣٦ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء يقول في هذه الاَية قُطُوفُها دَانِيَةٌ قال: يتناول الرجل من فواكهها وهو نائم.

٢٦٩٣٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة

٢٣

قوله: قُطُوفُها دَانِيَةٌ: دنت فلا يردّ أيديهم عنها بعد ولا شوك.

٢٤

و قوله: وكُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئا بِمَا أسْلَفْتُمْ فِي الأيّام الخالِيَةِ يقول لهم ربهم جل ثناؤه: كلوا معشر من رضيت عنه، فأدخلته جنتى من ثمارها، وطيب ما فيها من الأطعمة، واشربوا من أشْرِبتها، هَنِيئا لَكُمْ لا تتأذون بما تأكلون، ولا بما تشربون، ولا تحتاجون من أكل ذلك إلى غائط ولا بول بِمَا أسْلَفْتُمْ فِي الأيّامِ الخالِيَةِ يقول: كلوا واشربوا هنيئا: جزاء من اللّه لكم، وثوابا بما أسلفتم، أو على ما أسلفتم: أي على ما قدّ متم في دنياكم لاَخرتكم من العمل بطاعة اللّه في الأيام الخالية، يقول: في أيام الدنيا التي خلت فمضت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٩٣٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال اللّه كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنيئا بِمَا أسْلَفْتُمْ فِي الأيام الخالِيَة إن أيامكم هذه أيام خالية: هي أيام فانية، تؤدي إلى أيام باقية، فاعملوا في هذه الأيام، وقدّموا فيها خيرا إن استطعتم، ولا قوّة إلا باللّه .

٢٦٩٣٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: بِمَا أسلْفَتُمْ فِي الأيّام الخالِيَةِ قال: أيام الدنيا بما عملوا فيها.

٢٥

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ }.

٢٦

يقول تعالى ذكره: وأما من أعطى يومئذٍ كتاب أعماله بشماله، فيقول: يا ليتني لم أعط كتابيه، وَلَمْ أدْرِ ما حِسابِيَهْ يقول: ولم أدر أيّ شيء حسابيه.

٢٧

و قوله: يا لَيْتَها كانَتِ القاضِيَةَ يقول: يا ليت الموتة التي منها في الدنيا كانت هي الفراغ من كلّ ما بعدها، ولم يكن بعدها حياة ولا بعث والقضاء: هو الفراغ. و

قيل: إنه تمنّى الموت الذي يقضى عليه، فتخرج منه نفسه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٩٤٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يا لَيْتَها كانَتِ القاضِيَةَ تمنى الموت، ولم يكن في الدنيا شيء أكره عنده من الموت.

٢٦٩٤١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يا لَيْتَها كانَتِ القاضِيَةَ الموت.

٢٨

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {مَآ أَغْنَىَ عَنّي مَالِيَهْ }.

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الذي أوتي كتابه بشماله: ما أغْنَى عَنّى ماليَهْ يعني أنه لم يدفع عنه ماله الذي كان يملكه في الدنيا من عذاب اللّه شيئا

٢٩

هَلَكَ عَنّى سُلْطانِيَهْ يقول: ذهبت عنى حججى، وضلت، فلا حجة لي أحتجّ بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٩٤٢ـ حدثني محمد بن سعد، مقال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس هَلَكَ عَنّى سُلْطانِيَهْ يقول: ضلت عنى كلّ بينة فلم تغن عنى شيئا.

٢٦٩٤٣ـ حدثني عبد الرحمن بن الأسود الطّفاويّ، قال: حدثنا محمد بن ربيعة، عن النضر بن عربي، قال: سمعت عكرِمة يقول: هَلَكَ عَنّى سُلْطانِيَهْ قال: حُجتي.

٢٦٩٤٤ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله هَلَكَ عَنّى سُلْطَانِيَهْ قال: حُجتي.

٢٦٩٤٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله هَلَكَ عَنّى سُلْطانِيَهْ أما واللّه ما كلّ من دخل النار كان أمير قرية يجبيها، ولكن اللّه خلقهم، وسلطهم على أقرانهم، وأمرهم بطاعة اللّه ، ونهاهم عن معصية اللّه .

٢٦٩٤٦ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: هَلَكَ عَنّى سُلْطَانِيَهْ يقول: بينتي ضلّت عني.

وقال آخرون: عنى بالسلطان في هذا الموضع: الملك. ذكر من قال ذلك:

٢٦٩٤٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: هَلَكَ عَنّى سُلْطانِيَهْ قال: سلطان الدنيا.

٣٠

و قوله: خُذُوهُ فَغُلّوهُ يقول تعالى ذكره لملائكته من خزّان جهنم: خُذُوهُ فَغُلّوهُ

٣١

ثُمّ الجَحِيمَ صَلّوهُ يقول: ثم في جهنم أوردوه ليصلى فيها

٣٢

ثُمّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِرَاعا فاسْلُكُوهُ يقول: ثم اسكلوه في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا بذراعٍ اللّه أعلم بقدر طولها.

وقيل: إنها تدخل في دُبُره، ثم تخرج من منخريه. وقال بعضهم: تدخل في فيه، وتخرج من دبره. ذكر من قال ذلك:

٢٦٩٤٨ـ حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن نسير بن دعلوق، قال: سمعت نَوْفا يقول: فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِرَاعا قال: كلّ ذراع سبعون باعا، الباع: أبعد ما بينك وبين مكة.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا سفيان، قال: ثني نسير، قال: سمعت نوفا يقول في رحبة الكوفة في إمارة مصعب بن الزبير في قوله فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِرَاعا قال: الذراع: سبعون باعا، الباع: أبعد ما بينك وبين مكة.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن نسير بن ذعلوق أبي طعمة، عن نوف البكالي فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعا قال: كلّ ذراع سبعون باعا، كلّ باع أبعد مما بينك وبين مكة وهو يومئذٍ في مسجد الكوفة.

٢٦٩٤٩ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس .

 قوله: فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِرَاعا فاسْلُكُوهُ قال: بذراع الملك فاسلكوه، قال: تسلك في دُبره حتى تخرج من منخريه، حتى لا يقوم على رجليه.

٢٦٩٥٠ـ حدثنا بن المثنى، قال: حدثنا يعمر بن بشير المنقري، قال: حدثنا ابن المبارك، قال: أخبرنا سعيد بن يزيد، عن أبي السمح، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (لَوْ أنّ رَصَاصَةً مِثْلَ هَذِهِ، وأشار إلى جمجمة، أُرْسلَتْ مِنَ السّماءِ إلى الأرْضِ، وَهيَ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِئَةِ سَنَةٍ، لَبَلَغَتِ الأرْضَ قَبْل اللّيْل، وَلَوْ أنّها أُرْسِلَتْ مِنْ رأسِ السّلْسِلَةِ لَسارَتْ أرْبَعِينَ خَرِيفا اللّيْلَ والنّهارَ قَبْلَ أّ تَبْلُغَ قَعْرَها أوْ أصْلَها) .

٢٦٩٥١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن ابن المبارك، عن مجاهد، عن جُويبر، عن الضحاك ، فاسْلُكُوهُ قال: السلك: أن تدخل السلسلة في فيه، وتخرج من دبره.

وقيل: ثُمّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِرَاعا فاسْلُكُوهُ وإنما تسلك السلسلة في فيه، كما قالت العرب: أدخلت رأسي في القلنسوة، وإنما تدخل القلنسوة في الرأس، وكما قال الأعشي:

إذَا ما السّرَابُ ارْتَدَى بالأَكَمْ

وإنما يرتدي الأكم بالسراب وما أشبه ذلك، وإنما قيل ذلك كذلك لمعرفة السامعين معناه، وإنه لا يشكل على سامعه ما أراد قائله.

٣٣

و قوله: إنّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ باللّه العَظِيمِ يقول: افعلوا ذلك به جزاء له على كفره باللّه في الدنيا، إنه كان لا يصدّق بوحدانية اللّه العظيم.

٣٤

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَلاَ يَحُضّ عَلَىَ طَعَامِ الْمِسْكِينِ}.

يقول تعالى ذكره مخبرا عن هذا الشقيّ الذي أوتي كتابه بشماله: إنه كان في الدنيا لا يحضّ الناس على إطعام أهل المسكنة والحاجة.

٣٥

و قوله: فَلَيْسَ لَهُ اليَوْمَ هَا هُنا حَمِيمٌ

يقول جلّ ثناؤه: فليس له اليوم وذلك يوم القيامة ها هنا، يعني في الدار الاَخرة حميم، يعني قريب يدفع عنه، ويغيثه مما هو فيه من البلاء، كما:

٢٦٩٥٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فَلَيْسَ لَهُ اليَوْمَ ها هُنا حَمِيمٌ القريب في كلام العرب

٣٦

ولا طَعامٌ إلا مَنْ غِسْلِينٍ

يقول جلّ ثناؤه: ولا له طعام كما كان لا يحضّ في الدنيا على طعام المسكين، إلا طعام من غسلين، وذلك ما يسيل من صديد أهل النار.

وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: كلّ جرح غسلته فخرج منه شيء فهو غسلين، فعلين من الغسل من الجراح والدّبر، وزيد فيه الياء والنون بمنزلة عفرين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٩٥٣ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: وَلا طَعامٌ إلاّ مِنْ غِسْلِينٍ صديد أهل النار.

٢٦٩٥٤ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله وَلا طَعامٌ إلاّ مِنْ غِسْلِينٍ قال: ما يخرج من لحومهم.

٢٦٩٥٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَلا طَعامٌ إلاّ مِنْ غِسْلِينٍ شرّ الطعام وأخبثه وأبشعه.

وكان ابن زيد يقول في ذلك ما:

٢٦٩٥٦ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَلا طَعامٌ إلاّ مِنْ غِسلِينٍ قال: الغسلين والزقوم لا يعلم أحد ما هو.

٣٧

و قوله: لا يأْكُلُهُ إلاّ الخاطِئُونَ يقول: لا يأكل الطعام الذي من غسلين إلا الخاطئون، وهم المذنبون الذين ذنوبهم كفر باللّه .

٣٨

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ }.

يقول تعالى ذكره: فلا، ما الأمر كما تقولون معشر أهل التكذيب بكتاب اللّه ورسله، أقسم بالأشياء كلها التي تبصرون منها، والتي لا تبصرون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٩٥٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ ومَا لا تُبْصِرُونَ قال: أقسم بالأشياء، حتى أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون.

٣٩

٢٦٩٥٨ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، في قوله: فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ يقول: بما ترون وبما لا ترون.

٤٠

و قوله: إنّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَريمٍ يقول تعالى ذكره: إن هذا القرآن رسول كريم، وهو محمد صلى اللّه عليه وسلم يتلوه عليهم.

٤١

و قوله: وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ماتُؤْمِنُونَ

يقول جلّ ثناؤه: ما هذا القرآن بقول شاعر لأن محمدا لا يُحسن قول الشعر، فتقولوا هو شعر قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ يقول: تصدّقُون قليلاً به أنتم، وذلك خطاب من اللّه لمشركي قريش

٤٢

وَلا بِقَوْلِ كاهِن قَلِيلاً ما تَذَكّرُونَ يقول: ولا هو بقول كاهن، لأن محمدا ليس بكاهن، فتقولوا: هو من سجع الكهان قلِيلاً ما تَذَكّرُونَ يقول: ولا هو بقول كاهن، لأن محمدا ليس بكاهن، فتقولوا: هو من سجع الكهان قَلِيلاً ما تَذَكّرُونَ يقول: تتعظون به أنتم، قليلاً ما تعتبرون به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٩٥٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَما هُوَ بقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنونَ طهّره اللّه من ذلك وعصمه وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكّرُونَ طهّره اللّه من الكهانة، وعصمه منها.

٤٣

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {تَنزِيلٌ مّن رّبّ الْعَالَمِينَ }.

يقول تعالى ذكره: ولكنه تَنْزِيلٌ من ربّ العالَمِينَ نزل عليه

٤٤

وَلَوْ تَقَوّلَ عَلَيْنا محمد بَعْضَ الأقاوِيلِ الباطلة، وتكذب علينا

٤٥

لأَخَذْنا مِنْهُ باليَمِين يقول: لأخذنا منه بالقوّة منا والقدرة، ثم لقطعنا منه نياط القلب. وإنما يعني بذلك أنه كان يعاجله بالعقوبة، ولا يؤخره بها.

وقد قيل: إن معنى قوله لاَءَخَذْنَا مِنْهُ باليَمِينِ: لأخذنا منه باليد اليمنى من يديه قالوا: وإنما ذلك مثل، ومعناه: إنا كنا نذله ونهينه، ثم نقطع منه بعد ذلك الوتين قالوا: وإنما ذلك كقول ذي السلطان إذا أراد الاستخفاف ببعض من بين يديه لبعض أعوانه، خذ بيده فأقمه، وافعل به كذا وكذا قالوا:

وكذلك معنى قوله: لأَخَذْنا مِنْهُ باليَمِين: أي لأهناه كالذي يفعل بالذي وصفنا حاله. وبنحو الذي قلنا في معني قوله الوَتِينَ قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٤٦

٢٦٩٦٠ـ حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: حدثنا محمد بن الصلت، قال: حدثنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس : ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الوَتِينَ قال: نياط القلب.

حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس بمثله.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس بمثله.

حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، قال: قال ابن عباس الوَتِينَ: نِياط القلب.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير بنحوه.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، قال: حدثنا سفيان، عن سعيد بن جبير بمثله.

حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله ثُمّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الوَتِينَ يقول: عرق القلب.

٢٦٩٦١ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله ثُمّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الوَتِينَ يعني : عرقا في القلب، ويقال: هو حبل في القلب.

٢٦٩٦٢ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: الوَتِينَ قال: حبل القلب الذي في الظهر.

٢٦٩٦٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: ثُمّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الوَتِينَ قال: حبل القلب.

٢٦٩٦٤ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لَقَطَعْنا مِنْهُ الوَتِينَ وتين القلب: وهو عرق يكون في القلب، فإذا قطع مات الإنسان.

٢٦٩٦٥ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ثُمّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الوَتِينَ قال: الوتين: نياط القلب الذي القلب متعلق به، وإياه عنى الشماخ بن ضرار التغلبي ب قوله:

إذَا بَلّغْتِني وحَمَلْتِ رَحْلِىعَرَابَةَ فاشْرَقي بدَمِ الوَتِينِ

٤٧

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَمَا مِنكُمْ مّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}.

يقول تعالى ذكره: فما منكم أيها الناس من أحد عن محمد لو تقوّل علينا بعض الأقاويل، فأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين، حاجزين يحجزوننا عن عقوبته، وما نفعله به. وقيل: حاجزين، فجمع، وهو فعل لأحد، وأحد في لفظ واحد ردّا على معناه، لأن معناه الجمع، والعرب تجعل أحدا للواحد والاثنين والجمع، كما قيل لا نُفَرّقُ بَينَ أحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وبين: لا تقع إلا على اثنين فصاعدا

٤٨

و قوله: وَإنّهُ لَتَذْكِرَةٌ للْمُتّقِينَ يقول تعالى ذكره: وإن هذا القرآن لتذكرة، يعني عظة يتذكر به، ويتعظ به للمتقين، وهم الذين يتقون عقاب اللّه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٦٩٦٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَإنّهُ لَتَذْكِرَةٌ للْمُتّقِينَ قال: القرآن.

٤٩

و قوله: وَإنّا لَنَعْلَمُ أنّ مِنْكُمْ مُكَذّبِينَ يقول تعالى ذكره: وإنا لنعلم أن منكم مكذّبين أيها الناس بهذا القرآن وَإنّهُ لَحَسْرَةٌ على الكافِرِينَ

يقول جلّ ثناؤه: وإن التكذيب به لحسرة وندامة على الكافرين بالقرآن يوم القيامة وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٥٠

٢٦٩٦٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَإنّهُ لَحَسْرَةٌ على الكافِرِينَ ذاكم يوم القيامة.

٥١

وَإنّهُ لَحَقّ اليّقِينِ يقول: وإنه للحقّ اليقين الذين لا شكّ فيه أنه من عند اللّه ، لم يتقوّله محمد صلى اللّه عليه وسلم

٥٢

فَسَبّحْ باسْمِ رَبّكَ العَظِيمِ بذكر ربك وتسميته العظيم، الذي كلّ شيء في عظمته صغير.

﴿ ٠