تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة الجن

سورة الجن مكية وآياتها ثمان وعشرون

بسم اللّه الرحمَن الرحيـم

١

انظر تفسير الآية:٢

٢

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيّ أَنّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مّنَ الْجِنّ فَقَالُوَاْ إِنّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً }.

يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : قل يا محمد أوحى اللّه إليّ أنّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنّ هذا القرآن فَقالُوا لقومهم لما سمعوه إنّا سَمِعْنا قُرْآنا عَجَبا يَهْدِي إلى الرّشْدِ يقول: يدلّ على الحقّ وسبيل الصواب فآمَنّا بِهِ يقول: فصدّقناه وَلَن نُشْرِكَ برَبّنا أحَدا من خلقه.

وكان سبب استماع هؤلاء النفر من الجنّ القرآن، كما:

٢٧١١٨ـ حدثني محمد بن معمر، قال: حدثنا أبو هشام، يعني المخزومي، قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس ، قال: ما قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على الجنّ ولا رآهم انطلق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في نفر من أصحابه، عامدين إلى سوق عكاظ، قال: وقد حِيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأُرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأُرسلت علينا الشهب، فقالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث، قال: فانطلقوا فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حدث، قال: فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، يتتبعون ما هذا الذي حال بينهم وبين خبر المساء قال: فانطلق النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنخلة، وهو عامد إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر قال: فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا: هذا واللّه الذي حال بينكم وبين خبر السماء قال: فهنالك حين رجعوا إلى قومهم، فقالوا: يا قومنا إنا سَمِعْنا قرآنا عَجَبا يَهْدِي إلى الرّشْدِ فآمَنّا بِه وَلَنْ نُشْركَ بِرَبّنا أحَدا قال: فأنزل اللّه على نبيه صلى اللّه عليه وسلم : قُلْ أُوْحِيَ إليّ أنّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنّ وإنما أوحي إليه قول الجنّ.

٢٧١١٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن عاصم، عن ورقاء، قال: قدم رهط زوبعة وأصحابه مكة على النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فسمعوا قراءة النبي صلى اللّه عليه وسلم ، ثم انصرفوا، فذلك قوله: وَإذْ صَرَفْنا إلَيْكَ نَفَرا مِنَ الجِن يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمّا حَضَرُوه قالُوا أنْصِتُوا قال: كانوا تسعة فيهم زوبعة.

٢٧١٢٠ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: قُلْ أُوْحِيَ إليّ أنّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنّ هو قول اللّه وإذ صَرَفْنا إلَيْكَ نَفَرا مِنَ الجِنّ لم تُحرس السماء في الفترة بين عيسى ومحمد فلما بعث اللّه محمدا صلى اللّه عليه وسلم حرست السماء الدنيا، ورُميت الشياطين بالشهب، فقال إبليس: لقد حدث في الأرض حدث، فأمر الجنّ فتفرّقت في الأرض لتأتيه بخبر ما حدث. وكان أوّل من بُعث نفر من أهل نصِيبين وهي أرض باليمن، وهم أشراف الجنّ وسادتهم، فبعثهم إلى تهامة وما يلي اليمن، فمضى أولئك النفر، فأتوا على الوادي وادي نخلة، وهو من الوادي مسيرة ليلتين، فوجدوا به نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي صلاة الغداة فسمعوه يتلو القرآن فلما حضروه، قالوا: أنصتوا، فلما قُضِيَ، يعني فُرِغ من الصلاة، وَلّوْا إلى قومهم منذرين، يعني مؤمنين، لم يعلم بهم نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ولم يشعر أنه صُرِف إليه، حتى أنزل اللّه عليه: قُلْ أُوْحِيَ إليّ أنّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنّ.

٣

و قوله: وأنّهُ تَعالى جَدّ رَبّنا اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: فآمنا به ولن نُشرك بربنا أحدا، وآمنا بأنه تعالى أمر ربنا وسلطانه وقُدرته. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٢١ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، في قوله: وأنّهُ تَعالى جَدّ رَبّنا يقول: فعله وأمره وقُدرته.

حدثني محمد بن سعد، قال: حدثنا أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله وأنّهُ تَعالى جَدّ رَبّنا يقول: تعالى أمر ربنا.

٢٧١٢٢ـ حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المُثّنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة في هذه الاَية: تَعالى جَدّ رَبّنا قال: أمر ربنا.

٢٧١٢٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن السديّ: تَعالى جَدّ رَبّنا قال: أمر ربنا.

٢٧١٢٤ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: تَعالى جَدّ رَبّنا ما اتّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَدا قال: تعالى أمره أن يتخذ ولا يكون الذي قالوا: صاحبة ولا ولدا، وقرأ: قُلْ هُوَ اللّه أحَدٌ اللّه الصّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلم يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أحَدُ قال: لا يكون ذلك منه.

وقال آخرون: عني بذلك جلال ربنا وذكره. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٢٥ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: قال عكرِمة، في قوله: جَد رَبّنا قال: جلال ربنا.

٢٧١٢٦ـ حدثني محمد بن عمارة، قال: ثني خالد بن يزيد، قال: حدثنا أبو إسرائيل، عن فضيل، عن مجاهد، في قوله: وأنّهُ تَعالى جَدّ رَبّنا قال: جلال ربنا.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران عن سفيان، عن سليمان التّيْمِيّ قال: قال عكرِمة: تَعالى جَدّ رَبّنا جلال ربنا.

٢٧١٢٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وأنّهُ تَعالى جَدّ رَبّنا: أي تعالى جلاله وعظمته وأمره.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله تعالى جَد رَبّنا قال: تعالى: أمر ربنا تعالت عظمته.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: تعالى غنى ربنا. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٢٨ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا المعتمر، عن أبيه، قال: قال الحسن، في قوله تعالى: جَدّ رَبّنا قال: غنى ربنا.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن سليمان التيمي، عن الحسن تَعالى جَدّ رَبّنا قال: غنى ربنا.

حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: تَعالى جَد رَبّنا قال: غِنَى ربنا.

حدثنا الحسن بن عرفة، قال: حدثنا هشيم، عن سليمان التيمي، عن الحسن وعكرِمة، في قول اللّه : وأنّهُ تَعالى جَدّ رَبّنا قال أحدهما: غناه، وقال الاَخر: عظمته.

وقال آخرون: عَنِي بذلك الجدّ الذي هو أبو الأب، قالوا: ذلك كان من كلام جهلة الجنّ. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٢٩ـ حدثني أبو السائب، قال: ثني أبو جعفر محمد بن عبد اللّه بن أبي سارة، عن أبيه، عن أبي جعفر: تَعالى جَدّ رَبّنا قال: كان كلاما من جهلة الجنّ.

وقال آخرون: عُنِي بذلك: ذِكْره. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٣٠ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول اللّه : تَعالى جَدّ رَبّنا قال: ذكره.

وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: عُنِي بذلك: تعالت عظمة ربنا وقُدرته وسطانه.

وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لأن للجدّ في كلام العرب معنيين: أحدهما الجَدّ الذي هو أبو الأب، أو أبو الأم، وذلك غير جائز أن يوصف به هؤلاء النفر الذين وصفهم اللّه بهذه الصفة، وذلك أنهم قد قالوا: فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ومن وصف اللّه بأن له ولدا أو جدّا أو هو أبو أب أو أبو أمّ، فلا شكّ أنه من المشركين. والمعنى الاَخر: الجَدّ الذي بمعنى الحظّ يقال: فلان ذو جدّ في هذا الأمر: إذا كان له حظّ فيه، وهو الذي يُقال له بالفارسية (البَخْت) ، وهذا المعنى الذي قصده هؤلاء النفر من الجنّ بقيلهم: وأنّهُ تَعالى جَدّ رَبّنا إن شاء اللّه . وإنما عَنَوا أن حظوته من المُلك والسلطان والقدرة والعظمة عالية، فلا يكون له صاحبة ولا ولد، لأن الصاحبة إنما تكون للضعيف العاجز الذي تضطرّه الشهوة الباعثة إلى اتخاذها، وأن الولد إنما يكون عن شهوة أزعجته إلى الوِقاع الذي يحدث منه الولد، فقال النفر من الجن: علا مُلكُ ربنا وسُلطانه وقدرته وعظمته أن يكون ضعيفا ضعف خلقه الذين تضطرّهم الشهوة إلى اتخاذ صاحبة، أو وِقاع شيء يكون منه ولد.

وقد بين عن صحة ما قلنا في ذلك إخبار اللّه عنهم أنهم إنما نزّهوا اللّه عن اتخاذ الصاحبة والولد ب قوله: وأنّهُ تَعالى جَدّ رَبّنا ما اتّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدا يقال منه: رجل جدّي وجديد ومجدود: أي ذو حظّ فيما هو فيه ومنه قول حاتم الطائي:

أُغْزُوا بني ثُعْلٍ فالغَزْوُ جَدّكُمُعُدّوا الرّوَابي وَلا تَبْكُوا لِمَنْ قُتِلا

وقال آخر:

يُرَفّعُ جَدّكَ إنّي امْرُوٌسَقَتْنِي إلَيْكَ الأعادِي سِجالا

و قوله: ما اتّخَذَ صَاحِبَةً يعني زوجة وَلا وَلَدا.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله وأنّهُ تَعالى فقرأه أبو جعفر القارىء وستة أحرف أُخر بالفتح، منها: إنّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ وأنّ المَساجِدَ للّه وأنّهُ كان يَقُولُ سَفِيهُنا وأنّهُ كانَ رِجال مِنَ الإنْس وأنّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللّه يَدْعُوهُ وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا على الطّرِيقَةِ وكان نافع يكسرها إلا ثلاثة أحرف: أحدها: قُلْ أُوحِيَ إليّ أنّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ والثانية وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا، والثالثة وأنّ المَساجِدَ للّه. وأما قرّاء الكوفة غير عاصم، فإنهم يفتحون جميع ما في آخر سورة النجم وأوّل سورة الجنّ إلا قوله فَقالُوا إنّا سمِعْنا،

و قوله: قالَ إنّمَا أدْعُو رَبّي وما بعده إلى آخر السورة، وأنهم يكسرون ذلك غير قوله: لِيَعْلَمَ أنْ قَدْ أبْلَغُوا رِسالاتِ رَبّهِمْ. وأما عاصم فإنه كان يكسر جميعها إلا قوله: وأنّ المَساجِدَ للّه فإنه كان يفتحها، وأما أبو عمرو، فإنه كان يكسر جميعها إلا قوله: وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا على الطّرِيقَةِ فإنه كان يفتح هذه وما بعدها فأما الذين فتحوا جميعها إلا في موضع القول، ك قوله: فَقالُوَا إنّا سَمِعْنا

و قوله: قالَ إنّمَا أدْعُو رَبّي ونحو ذلك، فإنهم عطفوا أن في كلّ السورة على قوله فآمنا به، وآمنا بكلّ ذلك، ففتحوها بوقوع الإيمان عليها. وكان الفرّاء يقول: لا يمنعنك أن تجد الإيمان يقبح في بعض ذلك من الفتح، وأن الذي يقبح مع ظهور الإيمان قد يحسن فيه فعل مضارع للإيمان، فوجب فتح أنّ كما قالت العرب:

إذَا ما الغانِياتُ بَرَزْنَ يَوْماوزَجّجْنَ الْحَوَاجِبَ والعُيُونا

فنصب العيون لاتباعها الحواجب، وهي لا تزجج، وإنما تكحل، فأضمر لها الكحل، كذلك يضمر في الموضع الذي لا يحسن فيه آمنّا صدّقنا وآمّنا وشهدنا. قال: وبقول النصب قوله: وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا على الطّرِيقَةِ فينبغي لمن كسر أن يحذف (أن) من (لو) لأن (أن) إذا خُففت لم تكن حكاية. ألا ترى أنك تقول: أقول لو فعلت لفعلت، ولا تدخل (أن) . وأما الذين كسروها كلهم وهم في ذلك يقولون: وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا فكأنهم أضمروا يمينا مع (لو) وقطعوها عن النسق على أوّل الكلام، فقالوا: واللّه أن لو استقاموا قال: والعرب تدخل (أن) في هذا الموضع مع اليمين وتحذفها، قال الشاعر:

فَأُقْسِمُ لَوْ شَيْءٌ أتانا رَسُولُهُسِوَاكَ وَلَكِنَ لَمْ نَجدْ لَكَ مَدْفَعا

قالوا: وأنشدنا آخر:

أمَا وَاللّه أنْ لَوْ كُنْتَ حراوَما بالْحُرّ أنْتَ وَلا العَتِيقِ

وأدخل (أن) من كسرها كلها، ونصب وأنّ المَساجِدَ للّه فإنه خصّ ذلك بالوحي، وجعل وأنْ لَوْ مضمرة فيها اليمين على ما وصفت. وأما نافع فإن ما فتح من ذلك فإنه ردّه على قوله: أُوحِيَ إليّ وما كسره فإنه جعله من قول الجنّ. وأحبّ ذلك إليّ أن أقرأ به الفتح فيما كان وحيا، والكسر فيما كان من قول الجنّ، لأن ذلك أفصحها في العربية، وأبينها في المعنى، وإن كان للقراءات الأُخر وجوه غير مدفوعة صحتها.

٤

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَأَنّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللّه شَطَطاً }.

يقول عزّ وجلّ مخبرا عن قيل النفر من الجنّ الذين استمعوا القرآن أنّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهنا وهو إبليس. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٣١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة أنّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا على اللّه شَطَطا وهو إبليس.

٢٧١٣٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن رجل من المكيين، عن مجاهد سَفيهُنا على اللّه شَطَطا قال: إبليس: ثم قال سفيان: سمِعت أن الرجل إذا سجد جلس إبليس يبكي يقول: يا ويله أمر بالسجود فعصَى، فله النار، وأمر ابن آدم بالسجود فسجد، فله الجنة.

٢٧١٣٣ـ حدثني ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، قال: تلا قتادة :

٥

 وأنّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا على اللّه شَطَطا وأنّا ظَنَنّا أنْ لَنْ تَقُولُ الإنْسُ والجِنّ على اللّه كَذِبا فقال: عصاه واللّه سفيه الجنّ، كما عصاه سفيه الإنس.

وأما الشّطط من القول، فإنه ما كان تعدّيا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٣٤ـ حدثني يونس، قال: حدثنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأنّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا على اللّه شَطَطا قال: ظلما.

و قوله: وأنّا ظَنَنّا أنْ لَنْ تَقُولَ الإنْسُ والجنّ على اللّه كَذِبا يقول: قالوا: وأنا حسبنا أن لن تقول بنو آدم والجنّ على اللّه كذبا من القول والظنّ ههنا بمعنى الشكّ، وإنما أنكر هؤلاء النفر من الجنّ أن تكون علمت أن أحدا يجتريء على الكذب على اللّه لما سمعت القرآن، لأنهم قبل أن يسمعوه وقبل أن يعلموا تكذيب اللّه الزاعمين أن للّه صاحبة وولدا، وغير ذلك من معاني الكفر كانوا يحسبوا أن إبليس صادق فيما يدعو بني آدم إليه من صنوف الكفر فلما سمعوا القرآن أيقنوا أنه كان كاذبا في كلّ ذلك، فلذلك قالوا: وأنّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا على اللّه شَطَطا فسموه سفيها.

٦

و قوله: وأنّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء النفر: وأنه كان رجال من الإنس يستجيرون برجال من الجنّ في أسفارهم إذا نزلوا منازلهم.

وكان ذلك من فعلهم فيما ذُكر لنا، كالذي:

٢٧١٣٥ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: وأنّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ قال: كان رجال من الإنس يبيت أحدهم بالوادي في الجاهلية فيقول: أعوذ بعزيز هذا الوادي، فزادهم ذلك إثما.

٢٧١٣٦ـ حدثنا الحسن بن عرفة، قال: حدثنا هشيم، عن عوف، عن الحسن، في قوله: وأنّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ قال: كان الرجل منهم إذا نزل الوادي فبات به، قال: أعوذ بعزيز هذا الوادي من شرّ سفهاء قومه.

٢٧١٣٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم في قوله: وأنّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِن كانوا إذا نزلوا الوادي قالوا: نعوذ بسيد هذا الوادي من شرّ ما فيه، فتقول الجنّ: ما نملك لكم ولا لأنفسنا ضرّا ولا نفعا.

قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، في قوله: وأنّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ قال: كانوا في الجاهلة إذا نزلوا بالوادي قالوا: نعوذ بسيد هذا الوادي، فيقول الجنيون: تتعوّذون بنا ولا نملك لأنفسنا ضرّا ولا نفعا

٢٧١٣٨ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ قال: كانوا يقولون إذا هبطوا واديا: نعوذ بعظماء هذا الوادي.

٢٧١٣٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وأنّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ ذُكر لنا أن هذا الحيّ من العرب كانوا إذا نزلوا بواد قالوا: نعوذ بأعزّ أهل هذا المكان قال اللّه : فَزَادُوهُمْ رَهَقا: أي إثما، وازدادت الجنّ عليهم بذلك جراءة.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ كانوا في الجاهلية إذا نزلوا منزلاً يقولون: نعوذ بأعزّ أهل هذا المكان.

٢٧١٤٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس وأنّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ قال: كانوا يقولون: فلان من الجنّ ربّ هذا الوادي، فكان أحدهم إذا دخل الوادي يعوذ بربّ الوادي من دون اللّه ، قال: فيزيده بذلك رهقا، وهو الفَرَق.

٢٧١٤١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأنّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ فَزَادُوهُمْ رَهَقا قال: كان الرجل في الجاهلية إذا نزل بواد قبل الإسلام قال: إن أعوذ بكبير هذا الوادي، فلما جاء الإسلام عاذوا باللّه وتركوهم.

و قوله: فَزَادُوهُمْ رَهَقا اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: فزاد الإنس بالجنّ باستعاذتهم بعزيزهم، جراءة عليهم، وازدادوا بذلك إثما. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٤٢ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس فَزَادُوهُمْ رَهَقا فزادهم ذلك إثما.

٢٧١٤٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: قال اللّه : فَزَادُوهُمْ رَهَقا: أي إثما، وازدادت الجنّ عليهم بذلك جراءة.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فَزَادُوهُمْ رَهَقا يقول: خطيئة.

٢٧١٤٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم فَزَادُوهُمْ رَهَقا قال: فيزدادون عليهم جراءة.

قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم فَزَادُوهُمْ رَهَقا قال: ازدادوا عليهم جراءة.

وقال آخرون: بل عُنِي بذلك أن الكفار زادوا بذلك طغيانا. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٤٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله فَزَادُوهُمْ رَهَقا قال: زاد الكفار طغيانا.

وقال آخرون: بل عُنِي بذلك فزادوهم فَرَقا. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٤٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس فَزَادُوهُمْ رَهَقا قال: فيزيدهم ذلك رهقا، وهو الفَرَق.

٢٧١٤٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله فَزَادُوهُمْ رَهَقا قال: زادهم الجنّ خوفا.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: فزاد الإنس الجنّ بفعلهم ذلك إثما، وذلك زادوهم به استحلالاً لمحارم اللّه . والرهق في كلام العرب: الإثم وغِشيان المحارم ومنه قول الأعشى:

لا شَيْءَ يَنْفَعُنِي مِنْ دُونِ رُؤْيَتِهاهلْ يَشْتَفِي وَامِقٌ ما لم يُصِبْ رَهَقا

يقول: ما لم يغْشَ محرما.

٧

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَأَنّهُمْ ظَنّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لّن يَبْعَثَ اللّه أَحَداً }.

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء النفر من الجنّ وأنّهُمْ ظَنّوا كما ظَنَنْتُمْ أنْ لَنْ يَبْعَثَ اللّه أحَدا يعني أن الرجال من الجنّ ظنوا كما ظنّ الرجال من الإنس أن لن يبعث اللّه أحدا رسولاً إلى خلقه، يدعوهم إلى توحيده. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٤٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن الكلبيّ وأنّهُمْ ظَنّوا كمَا ظَنَنْتُمْ: ظنّ كفار الجنّ كما ظنّ كفرة الإنس أن لن يبعث اللّه رسولاً.

٨

و قوله: وإنّا لَمَسْنا السّماءَ يقول عزّ وجلّ مخبرا عن قيل هؤلاء النفر: وأنا طلبنا السماء وأردناها، فَوَجَدْناها مُلِئَتْ يقول: فوجدناها ملئت حَرَسا شَدِيدا يعني حَفَظَة وشُهُبا، وهي جمع شهاب، وهي النجوم التي كانت تُرجم بها الشياطين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٤٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن زياد، عن سعيد بن جُبير، قال: كانت الجنّ تستمع، فلما رجموا قالوا: إن هذا الذي حدث في السماء لشيء حدث في الأرض قال: فذهبوا يطلبون حتى رأوُا النبي صلى اللّه عليه وسلم خارجا من سوق عكاظ يصلي بأصحابه الفجر، فذهبوا إلى قومهم منُذرين.

٩

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَأَنّا كُنّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الاَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رّصَداً }.

يقول عزّ وجلّ: وإنا كنا معشر الجنّ نقعد من السماء مقاعد لنسمع ما يحدث، وما يكون فيها، فَمَنْ يَسْتَمِع الاَنَ فيها منا يَجدْ لَهُ شِهابا رَصَدا يعني : شهاب نار قد رصد له به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٥٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله وأنّا لَمَسْنا السّماءَ... إلى قوله: فَمَنْ يَسْتَمِعِ الاَنَ يَجدْ لَهُ شِهابا رَصَدا كانت الجنّ تسمع سمع السماء فلما بعث اللّه نبيه، حُرست السماء، ومُنعوا ذلك، فتفقّدت الجنّ ذلك من أنفسها.

وذُكر لنا أن أشراف الجنّ كانوا بنصيبين، فطلبوا ذلك، وضربوا له حتى سقطوا على نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو يصلي بأصحابه عامدا إلى عكاظ.

٢٧١٥١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله وأنّا لَمَسْنا السّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَسا وشُهُبا... حتى بلغ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الاَنَ يَجدْ لَهُ شِهابا رَصَدا فلما وجدوا ذلك رجعوا إلى إبليس، فقالوا: منع منا السمع، فقال لهم: إن السماء لم تُحرس قطّ إلا على أحد أمرين: إما لعذاب يريد اللّه أن ينزله على أهل الأرض بغتة، وإما نبيّ مرشد مصلح قال: فذلك قول اللّه : وأنّا لا نَدْرِي أشَرّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْض أمْ أرَاد بِهِمْ رَبّهُمْ رَشَدا.

و قوله: وأنّا لا نَدْرِي أشَرّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْض أمْ أرَادَ بِهِمْ رَبّهُمْ رَشَدا يقول عزّ وجلّ مخبرا عن قيل هؤلاء النفر من الجنّ: وأنا لا ندري أعذابا أراد اللّه أن ينزله بأهل الأرض، بمنعه إيانا السمع من السماء ورجمه من استمع منا فيها بالشهب أمْ أرَادَ بِهِمْ رَبّهُمْ رَشَدا يقول: أم أراد بهم ربهم الهدى بأن يبعث منهم رسولاً مرشدا يرشدهم إلى الحقّ. وهذا التأويل على التأويل الذي ذكرناه عن ابن زيد قبل.

وذُكر عن الكلبي في ذلك ما:

٢٧١٥٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، عن الكلبي في قوله: وأنّا لا نَدْرِي أشَرّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْض أمْ أرَادَ بِهِمْ رَبّهُمْ رَشَدا أن يطيعوا هذا الرسول فيرشدهم أو يعصوه فيهلكهم.

وإنما قلنا القول الأوّل لأن قوله: وأنّا لا نَدْرِي أشَرّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْض عقيب

١٠

 قوله: وأنّا كُنّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ للسّمْعِ... الاَية، فكان ذلك بأن يكون من تمام قصة ما وليه وقرب منه أولى بأن يكون من تمام خبر ما بعد عنه.

١١

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَأَنّا مِنّا الصّالِحُونَ وَمِنّا دُونَ ذَلِكَ كُنّا طَرَآئِقَ قِدَداً }.

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيلهم: وأنّا مِنّا الصّالِحُونَ وهم المسلمون العاملون بطاعة اللّه وَمنّا دُونَ ذلكَ يقول: ومنا دون الصالحين كُنّا طَرائقَ قدَدا يقول: وأنا كنا أهواء مختلفة، وفِرَقا شتى، منا المؤمن والكافر. والطرائق: جمع طريقة، وهي طريقة الرجل ومذهبه. والقِدد: جمع قدّة، وهي الضروب والأجناس المختلفة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٥٣ـ حدثنا محمد بن حميد الرازي، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرِمة، في قوله: طَرَائقَ قِدَدا يقول: أهواء مختلفة.

٢٧١٥٤ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: وأنّا مِنّا الصّالِحُونَ وَمِنّا دُونَ ذَلكَ كُنّا طَرَائِقَ قِدَدا يقول: أهواء شتى، منا المسلم، ومنا المشرك.

٢٧١٥٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة : كُنّا طَرَائِقَ قِدَدا كان القوم على أهواء شتّى.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة طَرَائِقَ قِدَدا قال: أهواء.

٢٧١٥٦ـ حدثني ابن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: كُنّا طَرَائِقَ قِدَدا قال: مسلمين وكافرين.

٢٧١٥٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان كُنّا طَرَائِقَ قِدَدا قال: شتّى، مؤمن وكافر.

٢٧١٥٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: كُنّا طَرَائِقَ قِدَدا قال: صالح وكافر وقرأ قول اللّه : وأنّا مِنّا الصّالِحُونَ وَمِنّا دُونَ ذَلكَ.

١٢

و قوله: وأنّا ظَنَنّا أنْ لَنْ نُعْجِزَ اللّه فِي الأرْضِ يقول: وأنا علمنا أن لن نُعجز اللّه في الأرض إن أراد بنا سوءا وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبا إن طلبنا فنفوته. وإنما وصفوا اللّه بالقدرة عليهم حيث كانوا.

١٣

وأنّا لَمّا سَمِعْنا الهُدَى آمَنّا بِهِ

يقول: قالوا: وأنا لما سمعنا القرآن الذي يهدي إلى الطريق المستقيم آمنا به، يقول: صدّقنا به، وأقررنا أنه حق من عند اللّه ، فمن يؤمن بربه فَلا يَخافُ بَخْسا وَلا رَهَقا يقول: فمن يصدّق بربه فلا يخاف بخسا: يقول: لا يخاف أن ينقص من حسناته، فلا يجازي عليها ولا رَهَقا: ولا إثما يحمل عليه من سيئات غيره، أو سيئة يعملها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٥٩ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: فَلا يخافُ بَخْسا وَلا رَهَقا يقول: لا يخاف نقصا من حسناته، ولا زيادة في سيئاته.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله فَلا يَخافُ بَخْسا وَلا رَهَقا يقول: ولا يخاف أن يبخس من عمله شيء.

٢٧١٦٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَلا يخافُ بَخْسا: أي ظلما، أن يظلم من حسناته فينقص منها شيئا، أو يحمل عليه ذنب غيره وَلا رَهَقا ولا مأثما.

٢٧١٦١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فَلا يَخافُ بخْسا وَلا رَهَقا قال: لا يخاف أن يبخس من أجره شيئا، ولا رهقا فيظلم ولا يعطى شيئا.

١٤

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَأَنّا مِنّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـَئِكَ تَحَرّوْاْ رَشَداً }.

يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل النفر من الجن: وأنّا مِنّا المُسْلِمُون الذين قد خضعوا للّه بالطاعة

وَمِنّا القاسِطُونَ وهم الجائرون عن الإسلام وقصد السبيل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٦٢ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: وأنّا مِنّا المُسْلِمُونَ وَمِنّا القاسِطُونَ قال: العادلون عن الحقّ.

٢٧١٦٣ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: القاسِطُونَ قال: الظالمون.

٢٧١٦٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: القاسِطُونَ الجائرون.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: القاسِطُونَ قال: الجائرون.

٢٧١٦٥ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: المقسط: العادل، والقاسط: الجائر وذكر بيت شعر:

قَسَطْنا على الأمْلاكِ فِي عَهْدِ تُبّعٍوَمِنْ قَبْل ما أدْرَي النّفوسَ عِقابَها

وقال: وهذا مثل الترب والمترب قال: والترب: المسكين، وقرأ: أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبَة قال: والمترب: الغنيّ.

و قوله: فَمَنْ أسْلَمَ فأُولَئِكَ تَحَرّوْا رَشَدا يقول: فمن أسلم وخضع للّه بالطاعة، فأولئك تعمدوا وترجّوا رشدا في دينهم.

١٥

وأما القاسطون يقول: الجائرون عن الإسلام، فكانُوا لِجَهَنّمَ حَطَبا توقد بهم.

١٦

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَأَلّوِ اسْتَقَامُواْ عَلَى الطّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُم مّآءً غَدَقاً }.

يقول تعالى ذكره: وأن لو استقام هؤلاء القاسطون على طريقة الحقّ والاستقامة لأَسْقَيْناهُمْ ماءً غدَقا يقول: لو سعنا عليهم في الرزق، وبسطناهم في الدنيا لنفتنهم فيه، يقول لنختبرهم فيه. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٦٦ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: وأنْ لَو اسْتَقامُوا على الطّرِيقَةِ لأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقا يعني بالاستقامة: الطاعة. فأما الغدق فالماء الطاهر الكثير لِنَفْتنَهُمْ فِيهِ يقول: لنبتليهم به.

٢٧١٦٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن عبيد اللّه بن أبي زياد، عن مجاهد وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا على الطّرِيقَةِ طريقة الإسلام لأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقا قال: نافعا كثيرا، لأعطيناهم مالاً كثيرا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ حتى يرجعوا لما كتب عليهم من الشقاء.

حدثنا إسحاق بن زيد الخطابي، قال: حدثنا الفريابي، عن سفيان، عن عبيد اللّه بن أبي زياد، عن مجاهد مثله.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن عبيد اللّه بن أبي زياد، عن مجاهد

١٧

 وَأنْ لَوِ اسْتَقامُوا على الطّرِيقَةِ قال: طريقة الحقّ لأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقا يقول مالاً كثيرا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ قال: لنبتليهم به حتى يرجعوا إلى ما كتب عليهم من الشقاء.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن ابن مجاهد، عن أبيه، مثله.

قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن مجاهد وَأنْ لَوِ اسْتَقامُوا على الطّرِيقَةِ قال: الإسلام لأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقا قال الكثير لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ قال: لنبتليهم به.

قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، عن غير واحد، عن مجاهد ماءً غَدَقا قال الماء. والغدق: الكثير لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ حتى يرجعوا إلى علمي فيهم.

حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: لأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقا قال: لأعطيناهم مالاً كثيرا، قوله: لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ قال: لنبتليهم.

٢٧١٦٨ـ حدثني أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن بعض أصحابه، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جُبير في قوله: وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا على الطّرِيقَةِ قال: الدين لأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقا قال: مالاً كثيرا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ يقول: لنبتليهم به.

٢٧١٦٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا على الطّرِيقَةِ لأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقا قال: لو آمنوا كلهم لأوسعنا عليهم من الدنيا. قال اللّه : لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ يقول: لنبتليهم بها.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة لأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقا قال: لو اتقوا لوسع عليهم في الرزق لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ قال: لنبتليهم فيه.

٢٧١٧٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس ماءً غَدَقا قال: عيشا رَغدا.

٢٧١٧١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا على الطّرِيقَةِ لأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقا قال: الغدق الكثير: مال كثير لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ لنختبرهم فيه.

٢٧١٧٢ـ حدثنا عمرو بن عبد الحميد الاَملي، قال: حدثنا المطلب بن زياد، عن التيمي، قال: قال عمر رضي اللّه عنه في قوله: وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا على الطّرِيقَةِ لأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقا قال: أينما كان الماء كان المال وأينما كان المال كانت الفتنة.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأن لو استقاموا على الضلاة لأعطيناهم سعة من الرزق لنستدرجهم بها. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٧٣ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت عمران بن حدير، عن أبي مُجَلّز، قال: وأن لو استقاموا على طريقة الضلالة.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وأن لو استقاموا على طريقة الحقّ وآمنوا لوسعنا عليهم. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٧٤ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله وأنْ لَوِ اسْتَقامُوا على الطّرِيقَةِ قال: هذا مثل ضربه اللّه ك قوله: وَلَوْ أنّهُمْ أقامُوا التّوْرَاةَ والإنْجيلَ وَما أُنْزِلَ إلَيْهِمْ مِنْ رَبّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِم وَمِنْ تَحْتِ أرْجُلِهمْ وقوله تعالى: وَلَوْ أنّ أهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهمْ بَرَكاتٍ من السّماءِ والأرْضِ والماء الغَدَقَ يعني : الماء الكثير لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ لنبتليهم فيه.

و قوله: وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابا صَعَدا يقول عزّ وجل: ومن يُعرض عن ذكر ربه الذي ذكره به، وهو هذا القرآن ومعناه: ومن يعرض عن استماع القرآن واستعماله، يسلكه اللّه عذابا صعدا: يقول: يسلكه اللّه عذابا شديدا شاقا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٧٥ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبّهِ يَسْلُكْه عَذَابا صَعَدا يقول: مشقة من العذاب يصعد فيها.

٢٧١٧٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: ثني أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: عَذَابا صَعَدا قال: مشقة من العذاب.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد، مثله.

٢٧١٧٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرِمة، عن ابن عباس عَذَابا صَعَدا قال: جبل في جهنم.

٢٧١٧٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يَسْلُكْهُ عَذَابا صَعَدا عذابا لا راحة فيه.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة عَذَابا صَعَدا قال: صَعودا من عذاب اللّه لا راحة فيه.

٢٧١٧٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: يَسْلُكْهُ عَذَابا صَعَدا قال: الصعد: العذاب المنصب.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله: يَسْلُكْه فقرأه بعض قرّاء مكة والبصرة: (نَسْلُكْهُ) بالنون اعتبارا ب قوله: لِنَفْتِنَهُمْ أنها بالنون. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة بالياء، بمعنى: يسلكه اللّه ، ردّا على الربّ في قوله: وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبّهِ.

١٨

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَأَنّ الْمَسَاجِدَ للّه فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللّه أَحَداً }.

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجنّ وَأنّ المَساجِدَ للّه فَلا تَدْعُوا أيها الناس مَعَ اللّه أحَدا ولا تشركوا به فيها شيئا، ولكن أفردوا له التوحيد، وأخلصوا له العبادة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٨٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وأنّ المَساجِدَ للّه فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّه أحَدا كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبِيَعهم أشركوا باللّه ، فأمر اللّه نبيه أن يوحّد اللّه وحده.

٢٧١٨١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن محمود، عن سعيد بن جُبير وأنّ المَساجِدَ للّه قال: قالت الجنّ لنبيّ اللّه : كيف لنا نأتي المسجد، ونحن ناؤون عنك، وكيف نشهد معك الصلاة ونحن ناؤون عنك؟ فنزلت: وأنّ المَساجِدَ للّه فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّه أحَدا.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وأنّ المَساجِدَ للّه فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّه أحَدا قال: كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبِيَعهم أشركوا باللّه ، فأمر اللّه نبيه أن يخلص له الدعوة إذا دخل المسجد.

٢٧١٨٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن خَصِيف، عن عكرِمة وأنّ المَساجِدَ للّه قال: المساجد كلها.

١٩

و قوله: وأنّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللّه يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا يقول: وأنه لما قام محمد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدعو اللّه يقول: (لا إله إلا اللّه ) كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا يقول: كادوا يكونون على محمد جماعات بعضها فوق بعض واحدها: لبدة، وفيها لغتان: كسر اللام لِبدة، ومن كسرها جمعها لِبَد وضم اللام لُبدة، ومن ضمها جمعها لُبَد بضم اللام، أو لابِد ومن جمع لابد قال: لُبّدا، مثل راكِع ورُكّعا، وقراء الأمصار على كسر اللام من لِبَد، غير ابن مُحَيْصِن فإنه كان يصمها، وهما بمعنى واحد غير أن القراءة التي عليها قرّاء الأمصار أحبّ إليّ، والعرب تدعو الجراد الكثير الذي قد ركب بعضه بعضا لُبْدَةً ومنه قول عبد مناف بن ربعيّ الهذليّ:

صَابُوا بسِتّةِ أبْياتٍ وأرْبَعَةٍحتى كأنّ عليهِمْ جابِيا لُبَدَا

والجابي: الجراد الذي يجبي كلّ شيء يأكله.

واختلف أهل التأويل في الذين عُنوا ب قوله: كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا فقال بعضهم: عني بذلك الجنّ أنهم كادوا يركبون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما سمعوا القرآن. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٨٣ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: وأنّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللّه يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا يقول: لما سمعوا النبي صلى اللّه عليه وسلم يتلو القرآن، ودنوا منه فلم يعلم بهم حتى أتاه الرسول، فجعل يُقرئه: قُلْ أُوحِيَ إليّ أنّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنّ.

٢٧١٨٤ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا كادوا يركبونه حرصا على ما سمعوا منه من القرآن.

قال أبو جعفر: ومن قال هذا القول جعل قوله: وأنّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللّه مما أوحي إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فيكون معناه: قل أوحي إليّ أنه استمع نفر من الجنّ، وأنه لما قام عبد اللّه يدعوه.

وقال آخرون: بل هذا من قول النفر من الجن لما رجعوا إلى قومهم أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم له، وائتمامهم به في الركوع والسجود. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٨٥ـ حدثني محمد بن معمر، قال: حدثنا أبو مسلم، عن أبي عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، قال: قول الجنّ لقومهم: لَمّا قامَ عَبْدُ اللّه يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا قال: لما رأوه يصلي وأصحابه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده، قال: عجبوا من طواعية أصحابه له قال: فقال لقومهم لما قام عبد اللّه يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن زياد، عن سعيد بن جبير، في قوله: وأنّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللّه يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا قال: كان أصحاب نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأتموّن به، فيركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده.

ومن قال هذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس وسعيد فتح الألف من قوله: (وأنه) عطف بها على قوله: وأنّهُ تَعالى جَدّ رَبّنا مفتوحة، وجاز له كسرها على الابتداء.

وقال آخرون: بل ذلك من خبر اللّه الذي أوحاه إلى نبيه صلى اللّه عليه وسلم لعلمه أن الإنس والجنّ تظاهروا عليه، ليُبطلوا الحقّ الذي جاءهم به، فأبى اللّه إلا إتمامه. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٨٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وأنّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللّه يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا قال: تلبدت الإنس والجنّ على هذا الأمر ليطفئوه، فأبى اللّه إلا أن ينصره ويمضيه، ويظهره على من ناوأه.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله لِبَدا قال: لما قام النبي صلى اللّه عليه وسلم تلبّدت الجنّ والإنس، فحرصوا على أن يطفئوا هذا النور الذي أنزله اللّه .

٢٧١٨٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا قال: تظاهروا عليه بعضهم على بعض، تظاهروا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .

ومن قال هذا القول فتح الألف من قوله (وأنه) . وأولى الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال: ذلك خبر من اللّه عن أن رسوله محمدا صلى اللّه عليه وسلم لما قام يدعوه كادت العرب تكون عليه جميعا في إطفاء نور اللّه .

وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات بالصواب لأن قوله: وأنّه لَمّا قامَ عَبْدُ اللّه يَدْعُوهُ عقيب قوله: وأنّ المَساجِدَ للّه وذلك من خبر اللّه فكذلك قوله: وأنّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللّه يَدْعُوهُ وأخرى أنه تعالى ذكره أتبع ذلك قوله: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّه أحَدا فمعلوم أن الذي يتبع ذلك الخبر عما لقي المأمور بأن لا يدعو مع اللّه أحدا في ذلك، لا الخبر عن كثرة إجابة المدعوين وسرعتهم إلى الإجابة.

٢٧١٨٨ـ حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا هوذة، قال: حدثنا عوف، عن الحسن، في قوله: وأنّهُ لَما قامَ عَبْدُ اللّه يَدْعُوهُ قال: لما قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول (لا إله إلا اللّه ) ويدعو الناس إلى ربهم كادت العرب تكون عليه جميعا.

٢٧١٨٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن رجل، عن سعيد بن جُبير في قوله: كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا قال: تراكبوا عليه.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن سعيد بن جبير كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا قال: بعضهم على بعض.

٢٧١٩٠ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا يقول: أعوانا.

٢٧١٩١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا قال جميعا.

٢٧١٩٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا قال: جميعا.

حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدا واللبد: الشيء الذي بعضه فوق بعض.

٢٠

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قُلْ إِنّمَآ أَدْعُو رَبّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً }.

اختلفت القرّاء في قراءة قوله: قُلْ إنّمَا أدْعُو رَبي فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين على وجه الخبر (قال) بالألف ومن قرأ ذلك كذلك، جعله خبرا من اللّه عن نبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم أنه قال، فيكون معنى الكلام: وأنه لما قام عبد اللّه يدعوه تلبدوا عليه، قال لهم: إنما أدعو ربي، ولا أشرك به أحدا. وقرأ ذلك بعض المدنيين وعامة قرّاء الكوفة على وجه الأمر من اللّه عزّ وجلّ لنبيه صلى اللّه عليه وسلم : قل يا محمد للناس الذين كادوا يكونوا عليك لبدا، إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا.

والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.

٢١

و قوله: قُلْ إنّي لا أمْلِكُ لَكُمْ ضَرّا وَلا رَشَدا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : قل يا محمد لمشركي العرب الذين ردّوا عليك ما جئتهم به من النصيحة: إني لا أملك لكم ضرّا في دينكم ولا في دنياكم، ولا رشدا أرشدكم، لأن الذي يملك ذلك، اللّه الذي له مُلك كلّ شيء.

٢٢

و قوله: قُلْ إنّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّه أحَدٌ من خلقه إن أرادني أمرا، ولا ينصرني منه ناصر.

وذُكر أن هذه الاَية أُنزلت على النبي صلى اللّه عليه وسلم ، لأن بعض الجنّ قال: أنا أجيره. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٩٣ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: زعم حضرميّ أنه ذكر له أن جنيا من الجنّ من أشرافهم ذا تَبَع، قال: إنما يريد محمد أن نجيره وأنا أجيره فأنزل اللّه : قُلْ إنّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّه أحَدٌ.

و قوله: وَلَنْ أجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدا يقول: ولن أجد من دون اللّه ملجأً ألجأ إليه، كما:

٢٧١٩٤ـ حدثنا مهران، عن سفيان وَلَنْ أجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدا يقول: ولن أجد من دون اللّه ملجأً ألجأ إليه.

٢٧١٩٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، في قوله: وَلَنْ أجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدا: أي ملجأً ونصيرا.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة مُلْتَحَدا قال: ملجأً.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان وَلَنْ أجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدا يقول: ناصرا.

٢٣

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إِلاّ بَلاَغاً مّنَ اللّه وَرِسَالاَتِهِ وَمَن يَعْصِ اللّه وَرَسُولَهُ فَإِنّ لَهُ نَارَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً }.

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : قل لمشركي العرب: إني لا أملك لكم ضرّا ولا رشدا إلاّ بَلاغا مِنَ اللّه وَرِسالاتِهِ يقول: إلاّ أن أبلغكم من اللّه ما أمرني بتبليغكم إياه، وإلا رسالاته التي أرسلني بها إليكم فأما الرشد والخذلان، فبيد اللّه ، هو مالكه دون سائر خلقه يهدى من يشاء ويخذل من أراد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٩٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إلاّ بَلاغا مِنَ اللّه وَرِسالاتِهِ فذلك الذي أملك بلاغا من اللّه ورسالاته.

وقد يحتمل ذلك معنى آخر، وهو أن تكون (إلا) حرفين، وتكون (لا) منقطعة من (إن) فيكون معنى الكلام: قل إني لن يجيرني من اللّه أحد إن لم أبلغ رسالاته ويكون نصب البلاغ من إضمار فعل من الجزاء كقول القائل: إن لا قياما فقعودا، وإن لا إعطاء فردّا جميلاً، بمعنى: إن لا تفعل الإعطاء فردّا جميلاً.

و قوله: وَمَنْ يَعْصِ اللّه وَرَسُولَهُ فإنّ لَهُ نارَ جَهَنّمَ يقول تعالى ذكره: ومن يعص اللّه فيما أمره ونهاه، ويكذّب به ورسوله، فجحد رسالاته، فإن له نار جهنم يصلاها خالِدِينَ فِيها أبَدا يقول: ماكثين فيها أبدا إلى غير نهاية.

٢٤

و قوله: حتى إذَا رأَوْا ما يُوعَدُونَ يقول تعالى ذكره: إذا عاينوا ما يعدهم ربهم من العذاب وقيام الساعة فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أضْعَفُ ناصِرا وأقَلّ عَدَدا أجند اللّه الذي أشركوا به، أم هؤلاء المشركون به.

٢٥

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قُلْ إِنْ أَدْرِيَ أَقَرِيبٌ مّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبّيَ أَمَداً }.

يقول تعالى ذكره لنبيه: قل يا محمد لهؤلاء المشركين باللّه من قومك: ما أدري أقريب ما يعدكم ربكم من العذاب وقيام الساعة أمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبّي أمَدا يعني : غاية معلومة تطول مدتها.

٢٦

و قوله: عالِمُ الغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أحَدا إلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ يعني بعالم الغيب: عالم ما غاب عن أبصار خلقه، فلم يروه فلا يظهر على غيبه أحدا، فيعلمه أو يريه إياه إلا من ارتضى من رسول، فإنه يظهره على ما شاء من ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٧١٩٧ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: فَلا يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أحَدا إلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فأعلم اللّه سبحانه الرسل من الغيب الوحي وأظهرهم عليه بما أوحي إليهم من غيبه، وما يحكم اللّه ، فإنه لا يعلم ذلك غيره.

٢٧١٩٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: عالِم الغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أحَدا إلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فإنه يصطفيهم، ويطلعهم على ما يشاء من الغيب.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة إلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فإنه يظهره من الغيب على ما شاء إذا ارتضاه.

٢٧١٩٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فَلا يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أحَدا إلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ قال: ينزل من غيبه ما شاء على الأنبياء أنزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الغيب القرآن، قال: وحدثنا فيه بالغيب بما يكون يوم القيامة.

و قوله: فإنّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدا يقول: فإنه يرسل من أمامه ومن خلفه حرسا وحفظة يحفظونه. ذكر من قال ذلك:

٢٧٢٠٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن الضحاك إلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فإنّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدا قال: كان النبي صلى اللّه عليه وسلم إذا بعث إليه الملك بالوحي بعث معه ملائكة يحرسونه من بين يديه ومن خلفه، أن يتشبّه الشيطان على صورة الملك.

٢٧٢٠١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن منصور، عن إبراهيم مِنْ بَينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدا قال: ملائكة يحفظونهم من بين أيديهم ومن خلفهم.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم مِنْ بَينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدا قال: الملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه من الجنّ.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن طلحة، يعني ابن مصرف، عن إبراهيم، في قوله: مِنْ بَينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدا قال: الملائكة رصد من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من الجن.

٢٧

٢٧٢٠٢ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: إلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فإنّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدا قال: هي معقبات من الملائكة يحفظون النبي صلى اللّه عليه وسلم من الشيطان حتى يتبين الذي أرسل به إليهم، وذلك حين يقول: ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم.

٢٧٢٠٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فإنّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدا قال: الملائكة.

٢٨

و قوله: لِيَعْلَمَ أنْ قَدْ أبْلَغُوا رِسالاتِ رَبّهِمْ اختلف أهل التأويل في الذي عُنِي بقوله لِيَعْلَمَ فقال بعضهم: عُنِي بذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وقالوا: معنى الكلام: ليعلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن قد أبلغت الرسل قبله عن ربها. ذكر من قال ذلك:

٢٧٢٠٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة لِيَعْلَمَ أنْ قَدْ أُبْلَغُوا رِسالاتِ رَبّهِمْ ليعلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن الرسل قبله قد أبلغت عن ربها وحفظت.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة لِيَعْلَمَ أنْ قَدْ أُبْلَغُوا رِسالاتِ رَبّهِمْ قال: ليعلم نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن الرسل قد أبلغت عن اللّه ، وأن اللّه حفظها، ودفع عنها.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ليعلم المشركون أن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم. ذكر من قال ذلك:

٢٧٢٠٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: لِيَعْلَمَ أنْ قَدْ أُبْلَغُوا رِسالاتِ رَبّهِمْ قال: ليعلم من كذب الرسل أن قد أبلغوا رسالات ربهم.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ليعلم محمد أن قد بلغت الملائكة رسالات ربهم. ذكر من قال ذلك:

٢٧٢٠٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس ، في قوله: عالِمُ الغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أحَدا إلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فإنّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدا قال: أربعة حفظة من الملائكة مع جبرائيل لِيَعْلَم محمد أنْ قَدْ أبْلَغُوا رِسالاتِ رَبّهِمْ وأحاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وأحْصَى كُل شَيْءٍ عَدَدا قال: وما نزل جبريل عليه السلام بشيء من الوحي إلا ومعه أربعة حفظة.

قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندنا بالصواب، قول من قال: ليعلم الرسول أن الرسل قبله قد أبلغوا رسالات ربهم وذلك أن قوله: لِيَعْلَم من سبب قوله فإنّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَينِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدا وذلك خبر عن الرسول، فمعلوم بذلك أن قوله ليعلم من سببه إذ كان ذلك خبرا عنه.

و قوله: وأحاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ يقول: وعلم بكلّ ما عندهم وأحْصَى كُلّ شَيْءٍ عَدَدا يقول: علم عدد الأشياء كلها، فلم يخف عليه منها شيء. وقد:

٢٧٢٠٧ـ حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جُبير أنه قال في هذه الاَية إلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ... إلى قوله وأحْصَى كُلّ شَيْءٍ عَدَدَا قال: ليعلم الرسل أن ربهم أحاط بهم، فبلغوا رسالاتهم.

﴿ ٠