تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآنللإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبريإمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)_________________________________سورة القيامةسورة القيامة مكية وآياتها أربعون بسم اللّه الرحمَن الرحيـم ١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}. اختلفت القرّاء في قراءة قوله: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيامَةِ فقرأت ذلك عامة قرّاء الأمصار: لاَ أُقْسِمُ (لا) مفصولة من أقسم، سوى الحسن والأعرج، فإنه ذكر عنهما أنهما كانا يقرآن ذلك: (لأُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيامَةِ) بمعنى: أقسم بيوم القيامة، ثم أدخلت عليها لام القسم. والقراءة التي لا أستجيز غيرها في هذا الموضع (لا) مفصولة، أقسم مبتدأه على ما عليه قرّاء الأمصار، لإجماع الحجة من القرّاء عليه. وقد اختلف الذين قرأوا ذلك على الوجه الذي اخترنا قراءته في تأويله، فقال بعضهم(لا) صلة، وإنما معنى الكلام: أقسم بيوم القيامة. ذكر من قال ذلك: ٢٧٤٧٣ـ حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: حدثنا ابن يمان، قال: حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم بن يناق، عن سعيد بن جُبير لا أُقْسِمُ بِيَوْم القَيامَةِ قال: أقسم بيوم القيامة. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن سعيد بن جُبير لا أُقْسِمُ قال: أقسم. وقال آخرون منهم: بل دخلت (لا) توكيدا للكلام. ذكر من قال ذلك: ٢٧٤٧٤ـ سمعت أبا هشام الرفاعي يقول: سمعت أبا بكر بن عياش يقول: قوله: لا أُقْسِمُ توكيد للقسم ك قوله: لا واللّه . وقال بعض نحويي الكوفة، لا ردّ لكلام قد مضى من كلام المشركين الذين كانوا ينكرون الجنة والنار، ثم ابتدىء القسم، ف قيل: أقسم بيوم القيامة، وكان يقول: كلّ يمين قبلها ردّ لكلام، فلا بدّ من تقديم (لا) قبلها، ليفرق بذلك بين اليمين التي تكون جحدا، واليمين التي تستأنف، ويقول: ألا ترى أنك تقول مبتدئا: واللّه إن الرسول لحقّ وإذا قلت: لا واللّه إن الرسول لحقّ فكأنك أكذبت قوما أنكروه. واختلفوا أيضا في ذلك، هل هو قسم أم لا؟ فقال بعضهم: هو قسم أقسم ربنا بيوم القيامة، وبالنفس اللوّامة. ذكر من قال ذلك: ٢٧٤٧٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي الخير بن تميم، عن سعيد بن جبير، قال: قال لي ابن عباس : ممن أنت؟ فقلت: من أهل العراق، فقال: أيهم؟ فقلت: من بني أسد، فقال: من حريبهم، أو ممن أنعم اللّه عليهم؟ فقلت: لا بل ممن أنعم اللّه عليهم، فقال لي: سل، فقلت: لا أقسم بيوم القيامة، فقال: يقسم ربك بما شاء من خلقه. ٢٧٤٧٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: لا أقْسِمُ بِيَوْم القِيامَةِ وَلا أُقْسِمُ بالنّفْس اللّوَامَةِ قال: أقسم بهما جميعا. وقال آخرون: بل أقسم بيوم القيامة، ولم يقسم بالنفس اللوّامة. وقال: معنى قوله: وَلا أُقْسِمُ بالنّفْسِ اللّوّامَةِ ولست أقسم بالنفس اللوّامة. ذكر من قال ذلك: ٢٧٤٧٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: قال الحسن: أقسم بيوم القيامة، ولم يقسم بالنفس اللوّامة. وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: إن اللّه أقسم بيوم القيامة، وبالنفس اللوّامة، وجعل (لا) ردّا لكلام قد كان تقدّمه من قوم، وجوابا لهم. وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب، لأن المعروف من كلام الناس في محاوراتهم إذا قال أحدهم: لا واللّه ، لا فعلت كذا، أنه يقصد بلا ردّ الكلام، وب قوله: واللّه ، ابتداء يمين، وكذلك قولهم: لا أقسم باللّه لا فعلت كذا فإذا كان المعروف من معنى ذلك ما وصفنا، فالواجب أن يكون سائر ما جاء من نظائره جاريا مجراه، ما لم يخرج شيء من ذلك عن المعروف بما يجب التسليم له. وبعد، فإن الجميع من الحجة مجمعون على أن قوله: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيامَةِ قسم فكذلك |
﴿ ١ ﴾