تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة الإنسان

سورة الإنسان مدنية وآياتها إحدى وثلاثون

بسم اللّه الرحمَن الرحيـم

١

القول في تأويل قوله تعالى: {هَلْ أَتَىَ عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مّنَ الدّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مّذْكُوراً }.

 يعني جل ثناؤه ب قوله: هَلْ أتى عَلى الإنْسانِ قد أتى على الإنسان وهل في هذا الموضع خبر لا جحد، وذلك كقول القائل لاَخر يقرّره: هل أكرمتك؟ وقد أكرمه أو هل زرتك؟ وقد زاره وقد تكون جحدا في غير هذا الموضع، وذلك كقول القائل لاَخر: هل يفعل مثل هذا أحد؟ بمعنى: أنه لا يفعل ذلك أحد. والإنسان الذي قال جل ثناؤه في هذا الموضع هَل أتَى عَلى الإنْسانِ حِينٌ مِنَ الدّهْرِ: هو آدم صلى اللّه عليه وسلم كذلك:

٢٧٦٣٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: هَلْ أتى عَلى الإنْسانِ آدم أتى عليه حِينٌ مِنَ الدّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئا مَذْكُورا إنما خلق الإنسان ها هنا حديثا ما يعلم من خليقة اللّه (خليقةٌ) كانت بعد الإنسان.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، قوله: هَلْ أتى عَلى الإنْسانِ حِينٌ مِنَ الدّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئا مَذْكُورا قال: كان آدم صلى اللّه عليه وسلم آخر ما خلق من الخلق.

٢٧٦٣٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان هَلْ أتى عَلى الإنْسانِ حِينٌ مِنَ الدّهْرِ قال: آدم.

و قوله: حِينٌ مِنَ الدّهْرِ اختلف أهل التأويل في قدر هذا الحين الذي ذكره اللّه في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو أربعون سنة وقالوا: مكثت طينة آدم مصوّرة لا تنفخ فيها الرّوح أربعين عاما، فذلك قدر الحين الذي ذكره اللّه في هذا الموضع قالوا: ولذلك

قيل: هَلْ أتى عَلى الإنْسانِ حِينٌ مِنَ الدّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئا مَذْكُورا لأنه أتى عليه وهو جسم مصوّر لم تنفخ فيه الروح أربعون عاما، فكان شيئا، غير أنه لم يكن شيئا مذكورا قالوا: ومعنى قوله: لَمْ يَكُنْ شَيْئا مَذْكُورا: لم يكن شيئا له نباهة ولا رفعة، ولا شرف، إنما كان طينا لازبا وحمأ مسنونا.

وقال آخرون: لا حدّ للحين في هذا الموضع وقد يدخل هذا القول من أن اللّه أخبَر أنه أتى على الإنسان حين من الدهر، وغير مفهوم في الكلام أن يقال: أتى على الإنسان حين قبل أن يوجد، وقبل أن يكون شيئا، وإذا أُريد ذلك

قيل: أتى حين قبل أن يُخلق، ولم يقل أتى عليه. وأما الدهر في هذا الموضع، فلا حدّ له يوقف عليه.

﴿ ١