تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآنللإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبريإمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)_________________________________سورة النازعاتسورة النازعات مكية وآياتها ست وأربعون بسم اللّه الرحمَن الرحيـم ١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالنّازِعَاتِ غَرْقاً }. أقسم ربنا جلّ جلاله بالنازعات، واختلف أهل التأويل فيها، وما هي؟ وما تنزع؟ فقال بعضهم: هم الملائكة التي تنزع نفوس بني آدم، والمنزوع نفوس الاَدميين. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٦٠ـ حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، قال: حدثنا النضّر بن شُمَيل، قال: أخبرنا شُعبة، عن سليمان، قال: سمعت أبا الضّحى، عن مسروق، عن عبد اللّه والنّازِعاتِ غَرْقا قال: الملائكة. ٢٧٩٦١ـ حدثني أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق: أنه كان يقول في النازعات: هي الملائكة. ٢٧٩٦٢ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا يوسف بن يعقوب، قال: حدثنا شعبة، عن السديّ، عن أبي صالح، عن ابن عباس ، في النازعات، قال: حين تنزع نفسه. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: والنّازِعاتِ غَرْقا قال: تَنْزِع الأنفس. ٢٧٩٦٣ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: والنّازِعاتِ غَرْقا قال: نزعت أرواحهم، ثم غرقت، ثم قذف بها في النار. وقال آخرون: بل هو الموت يَنْزِع النفوس. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٦٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد والنّازِعاتِ غَرْقا قال: الموت. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن عبد اللّه بن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. وقال آخرون: هي النجوم تَنْزِع من أُفق إلى أفق. ٢٧٩٦٥ـ حدثنا الفضل بن إسحاق، قال: حدثنا أبو قُتَيبة، قال: حدثنا أبو العوّام، أنه سمع الحسن في النّازِعاتِ غَرْقا قال: النجوم. ٢٧٩٦٦ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: والنّازِعاتِ غَرْقا قال: النجوم. وقال آخرون: هي القِسِيّ تَنزِع بالسهم. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٦٧ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن واصل بن السائب، عن عطاء والنّازِعاتِ غَرْقا قال القِسِيّ. وقال آخرون: هي النفس حين تنزع. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٦٨ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن السديّ والنّازِعاتِ غَرْقا قال: النفس حين تغرق في الصدر. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن اللّه تعالى ذكره أقسم بالنازعات غرقا، ولم يخصُصْ نازعة دون نازعة، فكلّ نازعة غَرْقا، فداخلة في قَسَمه، مَلَكا كان أو موتا، أو نجما، أو قوسا، أو غير ذلك. والمعنى: والنازعات إغراقا، كما يغرق النازع في القوس. ٢و قوله: والنّاشِطاتِ نَشْطا اختلف أهل التأويل أيضا فيهنّ، وما هنّ، وما الذي يَنْشِط، فقال بعضهم: هم الملائكة، تَنْشِط نفس المؤمن فتقبضها، كما يُنْشَط العِقال من البعير إذا حُلّ عنه. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٦٩ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس : والنّاشِطاتِ نَشْطا قال: الملائكة. وكان الفرّاء يقول: الذي سمعت من العرب أن يقولوا: أنْشَطْت، وكأنما أُنْشط من عِقال، ورَبْطُها: نشطها، والرابط: الناشِط قال: وإذا ربطت الحبل في يد البعير فقد نَشَطته تَنْشِطهُ، وأنت ناشِط، وإذا حللته فقد أنشطته. وقال آخرون: النّاشِطاتِ نَشْطا هو الموت يَنْشِط نفسَ الإنسان. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٧٠ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد والنّاشِطاتِ نَشْطا قال: الموت. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، قال: حدثنا سفيان، عن عبد اللّه بن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ٢٧٩٧١ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا يوسف بن يعقوب، قال: حدثنا شعبة عن السديّ، عن أبي صالح، عن ابن عباس والنّاشِطاتِ نَشْطا قال: حين تَنْشِط نفسَه. ٢٧٩٧٢ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن السديّ والنّاشِطاتِ نَشْطا قال: نَشْطُها: حين تُنْشَط من القدمين. وقال آخرون: هي النجوم تَنْشِط من أفق إلى أفق. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٧٣ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، قوله: والنّاشِطاتِ نَشْطا قال: النجوم. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة والنّاشِطاتِ نَشْطا قال: هنّ النجوم. وقال آخرون: هي الأوهاق. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٧٤ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن واصل بن السائب، عن عطاء والنّاشِطاتِ نَشْطا قال: الأوهاق. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن اللّه جل ثناؤه أقسم بالناشطات نَشْطا، وهي التي تَنْشُط من موضع إلى موضع، فتذهب إليه، ولم يخصص اللّه بذلك شيئا دون شيء، بل عَمّ القَسَم بجميع الناشطات، والملائكة تَنْشُط من موضع إلى موضع، وكذلك الموت، وكذلك النجوم والأوهاق وبقر الوحش أيضا تَنْشُط، كما قال الطّرِمّاح: وَهَلْ بِحَلِيفِ الخَيْلِ مِمّنْ عَهِدْتُهُبِهِ غَيْرُ أُحْدانَ النّوَاشِطِ رُوْعُ يعني بالنواشط: بقر الوحش، لأنها تنشَط من بلدة إلى بلدة، كما قال رُؤْبة بن العجّاج: تَنَشّطَتْه كُلّ مِغْلاةِ الّوَهَقْ والهموم تَنْشُط صاحبها، كما قال هِمْيان بن قُحافة: أمْستْ هُمُومي تَنْشِطُ المَناشِطَاالشّامَ بي طَوْرا وَطَوْرا وَاسِطَا فكلّ ناشط فداخل فيما أقسم به، إلا أن تقوم حجة يجب التسليم لها، بأن المعنيّ بالقسم من ذلك، بعض دون بعض. ٣و قوله: والسّابِحاتِ سَبْحا يقول تعالى ذكره: واللواتي تسبحُ سَبْحا. واختلف أهل التأويل في التي أقسم بها جل ثناؤه من السابحات، فقال بعضهم: هي الموت تسبح في نفس ابن آدم. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٧٥ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد والسّابِحاتِ سَبْحا قال: الموت، هكذا وجدته في كتابي وقد: حدثنا به ابن حميد، قال: حدثنا مهران، قال: حدثنا سفيان، عن عبد اللّه بن أبي نجيح، عن مجاهد والسّابِحاتِ سَبْحا قال: الملائكة، وهكذا وجدت هذا أيضا في كتابي. فإن يكن ما ذكرنا عن ابن حميد صحيحا، فإن مجاهدا كان يرى أن نزول الملائكة من السماء سباحة، كما يقال للفرس الجواد: إنه لسابح إذا مرّ يُسرع. وقال آخرون: هي النجوم تَسْبح في فلكها. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٧٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة والسّابِحاتِ سَبْحا قال: هي النجوم. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، مثله. وقال آخرون: هي السّفُن. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٧٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن واصل بن السائب، عن عطاء والسّابِحاتِ سَبْحا قال: السفن. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن اللّه جل ثناؤه أقسم بالسابحات سَبْحا من خلقه، ولم يخصص من ذلك بعضا دون بعض، فذلك كل سابح، لما وصفنا قبلُ في (النازعات) . ٤و قوله: فالسّابقِاتِ سَبْقا اختلف أهل التأويل فيها، فقال بعضهم: هي الملائكة. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٧٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن عبد اللّه بن أبي نجيح، عن مجاهد فالسّابِقاتِ سَبْقا قال: الملائكة. وقد: ٢٧٩٧٩ـ حدثنا بهذا الحديث أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فالسّابقاتِ سَبْقا قال: الموت. وقال آخرون: بل هي الخيل السابقة. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٨٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن واصل بن السائب، عن عطاء فالسّابقاتِ سَبْقا. قال: الخيل. وقال آخرون: بل هي النجوم يَسبق بعضها بعضا في السير. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٨١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فالسّابِقاتِ سَبْقا قال: هي النجوم. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، مثله. والقول عندنا في هذه، مثل القول في سائر الأحرف الماضية. ٥و قوله: فالمُدَبّراتِ أمْرا يقول: فالملائكة المدبرة ما أُمِرَت به من أمر اللّه ، وكذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٨٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فالمُدَبّراتِ أمْرا قال: هي الملائكة. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، مثله. ٦و قوله: يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ يقول تعالى ذكره: يَوْمَ تَرْجُفُ الأرْضُ وَالجِبَالُ ٧للنفخة الأولى تَتْبَعُهاالرّادِفَةُ تتبعها أخرى بعدها، وهي النفخة الثانية التي رَدِفَتِ الأولى، لبعث يوم القيامة. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٨٣ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ يقول: النفخة الأولى. و قوله: تَتْبَعُها الرّادِفَةُ يقول: النفخة الثانية. حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ تَتْبَعُها الرّادِفَةُ يقول: تتبع الاَخرةُ الأولى، والراجفة: النفخةُ الأولى، والرادفة: النفخة الأخرة. ٢٧٩٨٤ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، قوله: يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ تَتْبَعُها الرّادِفَةُ قال: هما النفختان: أما الأولى فتَميت الأحياء، وأما الثانية فتُحيي الموتى ثم تلا الحسن: ونُفِخَ فِي الصّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّه ثُمّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فإذَا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ. ٢٧٩٨٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ تَتْبَعُها الرّادِفَةُ قال: هما الصّيْحتان، أما الأولى فتُميت كلّ شيء بإذن اللّه ، وأما الأخرى فتُحيي كل شيء بإذن اللّه إن نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول: (بَيْنَهُما أرْبَعُونَ) قال أصحابه: واللّه ما زادنا على ذلك. وذُكر لنا أن نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول: (يُبْعَثُ فِي تِلْك الأرْبَعِينَ مَطَرٌ يُقالُ لَهُ الْحَياةُ، حتى تَطِيبَ الأرْضُ وتَهْتَزّ، وتَنْبُتَ أجْسادُ النّاسِ نَباتَ البَقْلِ، ثُمّ تُنْفَخُ النّفْخَةُ الثّانِيَةُ، فإذَا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) . ٢٧٩٨٦ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المُحَاربيّ، عن إسماعيل بن رافع المَدَنِيّ، عن يزيدبن أبي زياد، عن رجل، عن محمد بن كعب القُرَظِيّ، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وذكر الصّور، فقال أبو هريرة: يا رسول اللّه ، وما الصّور؟ قال: (قَرْنٌ) ، قال: فكيف هو؟ قال: (قَرْنٌ عَظِيمٌ يُنْفَخُ فِيهِ ثَلاثُ نَفَخاتٍ: الأُولى نَفْخَةُ الفَزَع، والثّانِيَةُ نَفْخَةُ الصّعْق، والثّالِثَةُ نَفْخَةُ القِيام، فَيَفْزَعُ أهْلُ السّمَوَاتِ والأرْض إلاّ مَنْ شاء اللّه ، ويأمر اللّه فيدِيمُها، ويطوّلها، ولا يَفْتُر، وهي التي تقول: ما ينظر هؤلاء إلاّ صيحة واحدة مالها من فَوَاق، فيسيّر اللّه الجبال، فتكون سَرابا، وتُرَجّ الأرض بأهلها رجّا، وهي التي يقول: يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ تَتْبَعُها الرّادِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ) . ٢٧٩٨٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد اللّه بن محمد بن عقيل، عن الطّفيل بن أبيّ، عن أبيه، قال: قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ تَتْبَعُها الرّادِفَةُ فقال: (جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه) .
٢٧٩٨٨ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ: النفخة الأولى، تَتْبَعُها الرّادِفَةُ: النفخة الأخرى. وقال آخرون في ذلك ما: ٢٧٩٨٩ـ حدثني به محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول اللّه : يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ قال: ترجف الأرض والجبال، وهي الزلزلة. و قوله: الرّادِفَةُ قال: ه و قوله: إذَا السّماءُ انْشَقّتْ فدُكتا دَكةً واحدة. وقال آخرون: ترجف الأرض، والرادفة: الساعة. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٩٠ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجفَةُ الأرض، وفي قوله: تَتْبَعُها الرّادِفَةُ قال: الرادفة: الساعة. واختلف أهل العربية في موضع جواب قوله: والنّازِعات غَرْقا فقال بعضُ نحويّي البصرة: قوله والنّازِعاتِ غَرْقا: قسم واللّه أعلم على إنّ في ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَن يَخْشَى وإن شئت جعلتها على يَوْم تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ وهو كما قال اللّه وشاء أن يكون في كل هذا، وفي كلّ الأمور. وقال بعض نحويّي الكُوفة: جواب القسم في النازعات: ما تُرِك، لمعرفة السامعين بالمعنى، كأنه لو ظهر كان لَتُبْعَثُنّ ولتحاسبنّ قال: ويدل على ذلك أئِذَا كُنّا عِظاما نَخِرَةً ألا ترى أنه كالجواب ل قوله: لَتُبْعَثُنّ إذ قال: أئِذَا كُنّا عِظاما نَخِرَةً. وقال آخر منهم نحو هذا، غير أنه قال: لا يجوز حذف اللام في جواب اليمين، لأنها إذا حذفت لم يُعرف موضعها، وذلك أنها تلي كلّ كلام. والصواب من القول في ذلك عندنا: أن جواب القسم في هذا الموضع، مما استغني عنه بدلالة الكلام، فتُرك ذكره. ٨و قوله: قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ يقول تعالى ذكره: قلوب خَلْقٍ من خلقه يومئذٍ خائفة من عظيم الهول النازل. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٩١ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ يقول: خائفة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس : واجفة: خائفة. ٢٧٩٩٢ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في (واجفة) ، قال: خائفة. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ يقول: خائفة، وجَفَت مما عاينت يومئذٍ. ٢٧٩٩٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ قال: الواجفة: الخائفة. ٩و قوله: أبْصَارُها خاشِعَةٌ يقول: أبصار أصحابها ذليلة مما قد علاها من الكآبة والحزن من الخوف والرعب الذي قد نزل بهم، من عظيم هول ذلك اليوم، كما: ٢٧٩٩٤ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أبْصَارُها خاشِعَةٌ قال: خاشعة للذلّ الذي قد نزل بها. ٢٧٩٩٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: أبْصَارُها خاشِعَةٌ يقول: ذليلة. ١٠القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يَقُولُونَ أَإِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ}. يقول تعالى ذكره: يقول هؤلاء المكذّبون بالبعث من مشركي قريش إذا قيل لهم: إنكم مبعوثون من بعد الموت: أئنا لمردودون إلى حالنا الأولى قبل الممات، فراجعون أحياء كما كنا قبل هلاكنا، وقبل مماتنا؟ وهو من قولهم: رجع فلان على حافرته: إذا رجع من حيث جاء ومنه قول الشاعر: أحافِرَةٌ عَلى صَلَعٍ وشَيْبٍمَعاذَ اللّه مِنْ سَفَهٍ وطَيْشِ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٩٦ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: الْحافِرَةُ: يقول: الحياة. ٢٧٩٩٧ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله أئِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ يقول: أئنا لنحيا بعد موتنا، ونُبعث من مكاننا هذا؟ ٢٧٩٩٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة يقول: أئِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ: أئِنّا لمَبْعُوثُونَ خَلْقا جَدِيدا؟ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فِي الْحافِرةِ قال: أي مردودون خَلقا جديدا. ٢٧٩٩٩ـ حدثنا أبو كُريب، قال: حدثنا وكيع، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس أو محمد بن كعب القُرَظيّ أئِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ قال: في الحياة. ٢٨٠٠٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن السديّ أئِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ قال: في الحياة. وقال آخرون: الحافرة: الأرض المحفورة التي حُفرت فيها قبورهم، فجعلوا ذلك نظير قوله: مِنْ ماءٍ دَافِقٍ يعني مدفوق، وقالوا: الحافرة بمعنى المحفورة، ومعنى الكلام عندهم: أئنا لمردودون في قبورنا أمواتا؟ ٢٨٠٠١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: الْحافِرَةِ قال: الأرض، نُبعث خلقا جديدا، قال: البعث. حدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أئِنّا لَمَرْدُودونَ فِي الْحافِرَةِ قال: الأرض، نُبعث خلقا جديدا. وقال آخرون: الحافرة: النار. ذكر من قال ذلك: ٢٨٠٠٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن زيد يقول في قول اللّه : أئِنّا لَمَرْدُودونَ فِي الْحافِرَةِ: قال: الحافرة: النار، وقرأ قول اللّه : تِلكَ إذا كَرّةٌ خاسِرَةٌ قال: ما أكثر أسماءها، هي النار، وهي الجحيم، وهي سَقَرُ، وهي جَهَنم، وهي الهاوية، وهي الحافرة، وهي لَظًى، وهي الحُطَمة. و قوله: أئِذَا كُنّا عِظاما نَخِرَةً اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والحجاز والبصرة نَخِرَةً بمعنى: بالية. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: (ناخِرَةً) بألف، بمعنى: أنها مجوّفة، تنخَر الرياح في جوفها إذا مرّت بها. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين يقول: الناخرة والنّخِرة: سواء في المعنى، بمنزلة الطامع والطمع، والباخل والبَخِل وأفصح اللغتين عندنا وأشهرهما عندنا: نَخِرَةً، بغير ألف، بمعنى: بالية، غير أن رؤوس الاَي قبلها وبعدها جاءت بالألف، فأعْجَبُ إليّ لذلك أن تُلْحَق ناخرة بها، ليتفق هو وسائر رؤوس الاَيات، لولا ذلك كان أعجب القراءتين إليّ حذف الألف منها. ذكر من قال نَخِرَةً: بالية: ١١٢٨٠٠٣ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس أئِذَا كُنّا عِظاما نَخِرَةً فالنخرة: الفانية البالية. ٢٨٠٠٤ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد عِظاما نَخِرَةً قال: مَرْفوتة. ٢٨٠٠٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة أئِذَا كُنّا عِظاما: تكذيبا بالبعث، ناخرة: بالية. ١٢قالوا تِلكَ إذا كَرّةٌ خاسِرَةٌ يقول جل ثناؤه عن قيل هؤلاء المكذّبين بالبعث، قالوا: تلك، يعنون تلك الرجعة، أحياء بعد الممات، إذا: يعنون الاَن كرّة، يعنون رَجْعة خاسرة، يعنون غابنة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٠٠٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إذا كَرّةٌ خاسِرَةٌ: أي رَجْعة خاسرة. ٢٨٠٠٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: تِلكَ إذا كَرّةٌ خاسِرَةٌ. قال: وأيّ كرّة أخسر منها، أحيوا ثم صاروا إلى النار، فكانت كرّة سوء. ١٣و قوله: فإنّمَا هيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ يقول تعالى ذكره: فإنما هي صَيْحة واحدة، ونفخة تُنفَخ في الصّور، وذلك هو الزّجْرة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٠٠٨ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ قال: صيحة. ٢٨٠٠٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ قال: الزّجرة: النفخة في الصور. ١٤و قوله: فإذَا هُمْ بالسّاهرَةِ يقول تعالى ذكره: فإذا هؤلاء المكذّبون بالبعث، المتعجبون من إحياء اللّه إياهم من بعد مماتهم، تكذيبا منهم بذلك، بالساهرة، يعني بظهر الأرض. والعرب تسمي الفلاة ووجه الأرض: ساهرة، وأراهم سموا ذلك بها، لأن فيه نوم الحيوان وسَهَرها، فوصف بصفة ما فيه ومنه قول أُميّة بن الصّلْت: وفِيها لَحْمُ ساهِرَةٍ وبَحْرٍوَما فاهُوا بِهِ لَهُمُ مُقِيمُ ومنه قول أخي نهم يوم ذي قار لفرسه: أَقْدِمْ (مِحاجُ) إنها الأساوِرَهْوَلا يَهُولَنّكَ رِجْلٌ نادِرَه فإنّمَا قَصْرُكَ تُرْبُ السّاهِرَهْثُمّ تَعُودُ بَعْدَها فِي الْحافِرَهْ مِنْ بَعْدِ ما كُنْتَ عِظاما ناخِرَهْ واختلف أهل التأويل في معناها، فقال بعضهم مثل الذي قلنا. ذكر من قال ذلك: ٢٨٠١٠ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن عكرِمة، عن ابن عباس ، في قوله: فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ قال: على الأرض، قال: فذكر شعرا قاله أُمية بن أبي الصلت، فقال: عِنْدَنا صَيْدُ بَحْرِ وَصَيْدُ ساهِرَةٍ ٢٨٠١١ـ حدثنا محمد بن عبد اللّه بن بَزِيع، قال: حدثنا أبو محصن، عن حصين، عن عكرِمة، في قوله: فإذَا هُمْ بالسّاهِرَة قال: الساهرة: الأرض، أما سمعت: لهم صيد بحر، وصيد ساهرة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ يعني : الأرض. حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَية، قال: حدثنا عُمارة بن أبي حفصة، عن عكرِمة، في قوله فإذَا همْ بالسّاهرَةِ قال: فإذا هم على وجه الأرض، قال: أو لم تسمعوا ما قال أُمية بن أبي الصلت لهم: وفِيها لَحْمُ ساهِرَةٍ وبَحْرٍ حدثنا عمارة بن موسى، قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: حدثنا عمارة، عن عكرمة، في قوله: فإذَا هُمْ بالسّاهِرةِ قال: فإذا هم على وجه الأرض، قال أمية: وفِيها لَحْمُ ساهِرَةٍ وبَحْرٍ ٢٨٠١٢ـ حدثنا يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ فإذا هم على وجه الأرض. ٢٨٠١٣ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن. قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: بالسّاهِرَةِ قال: المكان المستوي. ٢٨٠١٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، لما تباعد البعث في أعين القوم، قال اللّه فإنّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ يقول: فإذا هم بأعلى الأرض، بعد ما كانوا في جوفها. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة بالسّاهِرَةِ قال: فإذا هم يخرجون من قبورهم فوق الأرض، والأرض: الساهرة، قال: فإذا هم يخرجون. ٢٨٠١٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن خَصِيف، عن عكرِمة وأبي الهيثم، عن سعيد بن جُبير فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ قال: بالأرض. حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي الهيثم، عن سعيد بن جُبير، مثله. حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن حصين، عن عكرمة، مثله. ٢٨٠١٦ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فإذَا هُمْ بالسّاهِرَة: وجه الأرض. ٢٨٠١٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ قال: الساهرة: ظهر الأرض فوق ظهرها. وقال آخرون: الساهرة: اسم مكان من الأرض بعينه معروف. ذكر من قال ذلك: ٢٨٠١٨ـ حدثني عليّ بن سهل، قال: ثني الوليد بن مسلم، عن عثمان بن أبي العاتكة، قوله: فإنّمَا هيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ قال: بالصّقْع الذي بين جبل حَسّان، وجبل أرِيحاء، يمدّه اللّه كيف يشاء. ٢٨٠١٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ قال: أرض بالشام. وقال آخرون: هو جبل بعينه معروف. ذكر من قال ذلك: ٢٨٠٢٠ـ حدثنا عليّ بن سهل، قال: حدثنا الحسن بن بلال، قال: حدثنا حماد، قال: أخبرنا أبو سنان، عن وهب ابن منبه، قال في قول اللّه : فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ قال: الساهرة: جبل إلى جنب بيت المقدس. وقال آخرون: هي جهنم. ذكر من قال ذلك: ٢٨٠٢١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا محمد بن مروان العقيلي، قال: ثني سعيد بن أبي عَرُوبة، عن قتادة فإذَا هُمْ بالسّاهِرَةِ قال: في جهنم. ١٥القول فـي تأويـل قوله تعالى: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىَ }. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : هل أتاك يا محمد حديث موسى بن عمران، وهل سمعت خبره حين ناجاه ربه بالواد المقدّس، يعني بالمقدّس: المطهّر المبارك. وقد ذكرنا أقوال أهل العلم في ذلك فيما مضى، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع، وكذلك بيّنا معنى قوله: طُوًى وما قال فيه أهل التأويل، غير أنا نذكر بعض ذلك ها هنا. وقد اختلف أهل التأويل في قوله: طُوًى فقال بعضهم: هو اسم الوادي. ذكر من قال ذلك: ٢٨٠٢٢ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: طُوًى اسم الوادي. ٢٨٠٢٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إنّكَ بالْوَادِ المُقَدّسِ طُوًى قال: اسم المقدّس طُوًى. ١٦٢٨٠٢٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إذْ نادَاهُ رَبّهُ بالْوَادِ المُقَدّسِ طُوًى كنا نحدّث أنه قدّس مرّتين، واسم الوادي طُوًى. وقال آخرون: بل معنى ذلك: طَأِ الأرض حافيا. ذكر بعض من قال ذلك: ٢٨٠٢٥ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد إنّكَ بالْوَاد المُقَدّسِ طُوًى قال: طَأِ الأرض بقدمك. وقال آخرون: بل معنى ذلك أن الوادي قُدّس طُوًى: أي مرّتين، وقد بيّنا ذلك كله ووجوهه، فيما مضى بما أغني عن إعادته في هذا الموضع. وقرأ ذلك الحسن بكسر الطاء، وقال: بُثّتْ فيه البركة والتقديس مرّتين. ٢٨٠٢٦ـ حدثنا بذلك أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا هشيم، عن عوف، عن الحسن. واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة (طُوَى) بالضمّ ولم يُجْرُوه وقرأ ذلك بعض أهل الشأم والكوفة: طُوًى بضمّ الطاء والتنوين. ١٧و قوله: اذْهَبْ إلى فِرْعَوْنَ إنّهُ طَغَى يقول تعالى ذكره: نادى موسى ربّه: أنِ اذهب إلى فرعون، فحذفت (أن) ، إذ كان النداء قولاً، فكأنه قيل لموسى قال ربه: اذهب إلى فرعون. و قوله: إنّهُ طَغَى يقول: عتا وتجاوز حدّه في العدوان، والتكبر على ربه. ١٨و قوله: فَقُلْ هَلْ لَكَ إلى أنْ تَزَكّى يقول: فقل له: هل لك إلى أن تتطهّر من دنس الكفر، وتؤمَنَ بربك؟ كما: ٢٨٠٢٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: هَلْ لَكَ إلى أنْ تَزَكّى قال: إلى أن تسلم. قال: والتزكّي في القرآن كله: الإسلام وقرأ قول اللّه وَذَلَكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكّى قال: من أسلم، وقرأ: وَما يُدْرِيكَ لَعَلّهُ يَزّكّى قال: يسلم، وقرأ: وَما عَلَيْكَ ألاّ يَزّكّى أن لا يسلم. ٢٨٠٢٨ـ حدثني سعيد بن عبد اللّه بن عبد الحَكَم، قال: حدثنا حفص بن عُمَرَ العَدَنِيّ، عن الحكيم بن أبان، عن عكرِمة، قول موسى لفرعون: هَلْ لَكَ إلى أنْ تَزّكّى هل لك إلى أن تقول لا إله إلا اللّه . واختلفت القرّاء في قراءة قوله: تَزَكّى فقرأته عامة قرّاء المدينة: (تزّكّى) بتشديد الزاي، وقرأته عامة قرّاء الكوفة والبصرة: إلى أنْ تَزَكّى بتخفيف الزاي. وكان أبو عمرو يقول، فيما ذُكر عنه: (تَزّكّى) بتشديد الزاي، بمعنى: تتصدّق بالزكاة، فتقول: تتزكى، ثم تدغم وموسى لم يدع فرعون إلى أن يتصدّق وهو كافر، إنما دعاه إلى الإسلام، فقال: تزكى: أي تكون زاكيا مؤمنا، والتخفيف في الزاي هو أفصح القراءتين في العربية. ١٩القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَأَهْدِيَكَ إِلَىَ رَبّكَ فَتَخْشَىَ }. يقول تعالى ذكره لنبيه موسى: قل لفرعون: هل لك إلى أن أرشدك إلى ما يرضي ربك عنك، وذلك الدين القيّم فتخشى يقول: فتخشى عقابه بأداء ما ألزمك من فرائضه، واجتناب ما نهاك عنه من معاصيه. ٢٠و قوله: فأَرَاهُ الاَيَةَ الكُبْرَى يقول تعالى ذكره: فأرى موسى فرعونَ الاَية الكبرى، يعني الدلالة الكبرى على أنه للّه رسول أرسله إليه، فكانت تلك الاَية يد موسى إذ أخرجها بيضاء للناظرين، وعصاه إذا تحوّلت ثعبانا مبينا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٠٢٩ـ حدثني أبو زائدة زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، عن محمد بن سيف أبي رجاء، هكذا هو في كتابي، وأظنه عن نوح بن قيس، عن محمد بن سيف، قال: سمعت الحسن يقول في هذه الاَية: فأَرَاهُ الاَيَةَ الكُبْرَى قال: يده وعصاه. ٢٨٠٣٠ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فأَرَاهُ الاَيَةَ الكُبْرَى قال: عصاه ويده. ٢٨٠٣١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فأَرَاهُ الاَيَةَ الكُبْرَى قال: رأى يد موسى وعصاه، وهما آيتان. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة الاَيَةَ الكُبْرَى قال: عصاه ويده. ٢٨٠٣٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: فأَرَاهُ الاَيَةَ الكُبْرَى قال: العصا والحية. ٢١و قوله: فَكَذّبَ وَعَصى يقول: فكذّب فرعون موسى فيما أتاه من الاَيات المعجزة، وعصاه فيما أمره به من طاعته ربه، وخَشيته إياه. ٢٢و قوله: ثُمّ أدْبَرَ يَسْعَى يقول: ثم ولى مُعرضا عما دعاه إليه موسى من طاعته ربه، وخشيته وتوحيده يسعى يقول: يعمل في معصية اللّه ، وفيما يُسخطه عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٠٣٣ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد. قوله: ثُمّ أدْبَرَ يَسْعَى قال: يعمل بالفساد. ٢٣و قوله: فَحَشَر فَنادَى يقول: فجمع قومه وأتباعه. ٢٤فنادى فيهم فَقالَ لهم: أنا رَبّكُمُ الأعْلَى الذي كلّ ربّ دوني، وكذَبَ الأحمقُ. وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٠٣٤ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فَحَشَر فَنادَى قال: صرخ وحشر قومه، فنادى فيهم، فلما اجتمعوا قال: أنا ربكم الأعلى، فأخذه اللّه نَكالَ الاَخرةِ والأولى ٢٥القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَأَخَذَهُ اللّه نَكَالَ الاَخِرَةِ وَالاُوْلَىَ }. يعني تعالى ذكره ب قوله: فأخَذَهُ اللّه فعاقبه اللّه نَكالَ الاَخِرَةِ والأُولى يقول عُقوبة الاَخرة من كلمتيه، وهي قوله: أنا رَبّكُمُ الأعْلَى، والأولى قوله: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرِي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٠٣٥ـ حدثنا أبو كريب، قال: سمعت أبا بكر، وسُئل عن هذا، فقال: كان بينهما أربعون سنة، بين قوله: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيِري، و قوله: أنا رَبّكُمُ الأعْلَى، قال: هما كلمتاه، فأخَذَهُ اللّه نَكالَ الاَخِرَةِ والأُولى قيل له: من ذَكَرَه؟ قال: أبو حُصَين، ف قيل له: عن أبي الضّحَى، عن ابن عباس ؟ قال: نعم. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: فأخَذَهُ اللّه نَكالَ الاَخِرَةِ والأُولى قال: أما الأولى فحين قال: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِن إلَهٍ غَيرِي، وأما الاَخرة فحين قال: أنا رَبّكُمُ الأعْلَى. ٢٨٠٣٦ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا محمد بن أبي الوضّاح، عن عبد الكريم الجَزَريّ، عن مجاهد، في قوله: فأخَذَهُ اللّه نَكالَ الاَخِرَةِ والأُولى قال: ه و قوله: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرِي، و قوله: أنا رَبّكُمُ الأعْلَى، وكان بينهما أربعون سنة. ٢٨٠٣٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا أبو عَوانة، عن إسماعيل الأسديّ، عن الشعبيّ، بمثله. ٢٨٠٣٨ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن زكريا، عن عامر نَكالَ الاَخِرَةِ والأُولى قال: هما كلمتاه: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيِري وأنا رَبّكُمُ الأعْلَى. حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى: وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: نَكالَ الاَخِرَةِ والأُولى: فذلك قوله: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيري، والاَخرة في قوله: أنا رَبّكُمُ الأعْلَى. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثَوْر، عن معمر، قال: أخبرني من سمع مجاهدا يقول: كان بين قول فرعون: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيرِي، وبين قوله: أنا رَبّكُمُ الأعْلَى أربعون سنة. ٢٨٠٣٩ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: نَكالَ الاَخِرَةِ والأولى أما الأولى فحين قال فرعون: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيرِي، وأما الاَخرة فحين قال: أنا رَبّكُمُ الأعْلَى، فأخذه اللّه بكلمتيه كلتيهما، فأغرقه في اليم. ٢٨٠٤٠ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فأخَذَهُ اللّه نَكالَ الاَخِرَةِ والأُولى قال: اختلفوا فيها، فمنهم من قال: نكال الاَخرة من كلمتيه، والأولى قوله: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرِي، و قوله: أنا رَبّكُمُ الأعْلَى. وقال آخرون: عذاب الدنيا، وعذاب الاَخرة، عجّل اللّه له الغرق، مع ما أعدّ له من العذاب في الاَخرة. ٢٨٠٤١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش، عن خيثمة الجُعْفيّ، قال: كان بين كلمتي فرعون أربعون سنة، قوله: أنا رَبكُمُ الأعْلَى، و قوله: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيرِي. ٢٨٠٤٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن ثُوير، عن مجاهد، قال: مكث فرعون في قومه بعدما قال: أنا رَبّكُمُ الأعْلَى أربعين سنة. وقال آخرون: بل عُنِي بذلك: فأخذه اللّه نكال الدنيا والاَخرة. ذكر من قال ذلك: ٢٨٠٤٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا هَوْذَة، قال: حدثنا عوف، عن الحسن، في قوله: فأَخَذَهُ اللّه نَكالَ الاَخِرَةِ والأُولى قال: الدنيا والاَخرة. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، عن الحسن فأَخَذَهُ اللّه نَكالَ الاَخِرَةِ والأُولى قال: عقوبة الدنيا والاَخرة، وهو قول قتادة . وقال آخرون: الأولى عصيانه ربه وكفره به، والاَخرة قوله: أنا رَبّكُمُ الأعْلَى. ذكر من قال ذلك: ٢٨٠٤٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رَزِين فأخَذَهُ اللّه نَكالَ الاَخِرَةِ والأُولى قال: الأولى تكذيبه وعصيانه، والاَخرة قوله: أنّا رَبّكُمُ الأعْلَى، ثم قرأ: فَكَذّبَ وَعَصَى ثُمّ أدْبَرَ يَسْعَى فَحَشَرَ فَنادَى فَقالَ أنا رَبّكُمُ الأعْلَى، فهي الكلمة الاَخرة. وقال آخرون: بل عُنِي بذلك أنه أخذه بأوّل عمله وآخره. ذكر من قال ذلك: ٢٨٠٤٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد فأَخَذَهُ اللّه نَكالَ الاَخِرَةِ والأُولى قال: أوّل عمله وآخره. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد فأَخَذَهُ اللّه نَكالَ الاَخِرَةِ والأُولى قال: أول أعماله وآخرها. ٢٨٠٤٦ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور. عن معمر، عن الكلبيّ: أخَذَهُ اللّه نَكالَ الاَخِرَةِ والأُولى قال: نكال الاَخرة من المعصية والأولى. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، قوله: نَكالَ الاَخِرَةِ والأُولى قال: عمله للاَخرة والأولى. ٢٦و قوله: إنّ فِي ذلكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى يقول تعالى ذكره: إن في العقوبة التي عاقب اللّه بها فرعون في عاجل الدنيا، وفي أخذه إياه، نكالَ الاَخرة والأولى: عظة ومعتبرا لمن يخاف اللّه . ويخشى عقابه، وأخرج نكالَ الاَخرة مصدرا من قوله فأَخَذَهُ اللّه لأن قوله: فأَخَذَهُ اللّه نَكّل به، فجعل نَكالَ الاَخِرَةِ مصدرا من معناه، لا من لفظه. ٢٧و قوله: أأنْتُمْ أشَدّ خَلْقا أمِ السّماءُ بَناها يقول تعالى ذكره للمكذّبين بالبعث من قريش، القائلين أئِذَا كُنّا عِظاما نَخِرَةً قالُوا تِلكَ إذًا كَرّةٌ خاسِرَةٌ: أأنتم أيها الناس أشدّ خلقا، أم السماء بناها ربكم؟ فإن من بنى السماء فرفعها سقفا، هَيّن عليه خلقكم وخلق أمثالكم، وإحياؤكم بعد مماتكم. وليس خلقكم بعد مماتكم بأشدّ من خلق السماء. وعُني ب قوله: بَناها: رَفَعها، فجعلها للأرض سقفا. ٢٨و قوله: رَفَعَ سَمْكَها فَسَوّاها يقول تعالى ذكره: فسوّى السماء، فلا شيء أرفع من شيء، ولا شيء أخفض من شيء، ولكن جميعها مستوي الارتفاع والامتداد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٠٤٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: رَفَعَ سَمْكَها فَسَوّاها يقول: رفع بناءها فسوّاها. ٢٨٠٤٨ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: رَفَعَ سَمْكَها فَسَوّاها قال: رفع بناءها بغير عمد. ٢٨٠٤٩ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: رَفَعَ سَمْكَها يقول: بُنيانها. ٢٩القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا}. و قوله: وأغْطَشَ لَيْلَها يقول تعالى ذكره: وأظلم ليل السماء، فأضاف الليل إلى المساء، لأن الليل غروب الشمس، وغروبها وطلوعها فيها، فأضيف إليها لَمّا كان فيها، كما قيل نجوم الليل، إذ كان فيه الطلوع والغروب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٠٥٠ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: وأغْطَش لَيْلَها يقول: أظلم ليلها. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وأغْطَشَ لَيْلَها يقول: أظلم ليلها. ٢٨٠٥١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وأغْطَشَ لَيْلَها قال: أظلم. ٢٨٠٥٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وأغْطَشَ لَيْلَها قال: أظلم ليلَها. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وأغْطَشَ لَيْلَها قال: أظلم. ٢٨٠٥٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأغْطَشَ لَيْلَها قال: الظّلمة. ٢٨٠٥٤ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وأغْطَشَ لَيْلَها يقول: أظلم ليلَها. ٢٨٠٥٥ـ حدثنا محمد بن سِنانٍ القزّاز، قال: حدثنا حفص بن عمر، قال: حدثنا الحكم عن عكرِمة وأغْطَشَ لَيْلَها قال: أظلم ليلها. و قوله: وأخْرَجَ ضُحاها يقول: وأخرج ضياءها، يعني : أبرز نهارها فأظهره، ونوّر ضحاها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٠٥٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وأخْرَجَ ضُحاها نوّرها. ٢٨٠٥٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وأخْرَجَ ضُحاها يقول: نوّر ضياءها. ٢٨٠٥٨ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وأخْرَجَ ضُحاها قال: نهارَها. ٢٨٠٥٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأخْرَجَ ضُحاها قال: ضوء النهار. ٣٠و قوله: والأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها: اختلف أهل التأويل في معنى قوله بَعْدَ ذلكَ فقال بعضهم: دُحِيت الأرض من بعد خَلق السماء. ذكر من قال ذلك: ٢٨٠٦٠ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله حيث ذكر خلق الأرض قبل السماء، ثم ذكر السماء قبل الأرض، وذلك أن اللّه خَلق الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء، ثم استوى إلى السماء فسوّاهنّ سبع سموات، ثم دحا الأرض بعد ذلك، فذلك قوله: والأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها. ٢٨٠٦١ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس والأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها أخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها والجِبالَ أرْساها يعني : أن اللّه خلق السموات والأرض، فلما فرغ من السموات قبل أن يخلق أقوات الأرض فيها، بعد خلق السماء، وأرسى الجبال، يعني بذلك دَحْوها الأقوات، ولم تكن تصلح أقوات الأرض ونباتها إلاّ بالليل والنهار، فذلك قوله: والأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها ألم تسمع أنه قال: أخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرعَاها. ٢٨٠٦٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن حفص، عن عكرِمة، عن ابن عباس ، قال: وضع البيت على الماء على أربعة أركان قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام، ثم دُحيت الأرض من تحت البيت. ٢٨٠٦٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش، عن بكير بن الأخنس، عن مجاهد، عن عبد اللّه بن عمرو، قال: خلق اللّه البيت قبل الأرض بألفي سنة، ومنه دُحِيت الأرض. وقال آخرون: بل معنى ذلك: والأرض مع ذلك دحاها، وقالوا: الأرض خُلِقت ودحيت قبل السماء، وذلك أن اللّه قال: هُوَ الّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الأرْضِ جَمِيعا ثُمّ اسْتَوَى إلى السّماءِ فَسَوّاهُنّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ قالوا: فأخبر اللّه أنه سَوّى السموات بعد أن خلق ما في الأرض جميعا، قالوا فإذا كان ذلك كذلك، فلا وجه ل قوله: والأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها إلاّ ما ذكرنا، من أنه مع ذلك دحاها، قالوا: وذلك كقول اللّه عزّ وجلّ: عُتُلّ بَعْدَ ذَلكَ زنِيمٌ بمعنى: مع ذلك زنيم، وكما يقال للرجل: أنت أحمق، وأنت بعد هذا لئيم الحسب، بمعنى: مع هذا، وكما قال جلّ ثناؤه: وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذّكْرِ: أي من قبل الذكر، واستشهد بقول الهُذَليّ: حَمِدْتُ إلَهِي بَعْدَ عُرْوَةَ إذْ نَجَاخِراشٌ وبَعْضُ الشّرّ أهْوَنُ مِنْ بَعْضِ وزعموا أن خراشا نجا قبل عُرْوة. ٢٨٠٦٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن خَصِيف، عن مجاهد والأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها قال: مع ذلك دحاها. ٢٨٠٦٥ـ حدثني ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن مجاهد، أنه قال: (والأرْضَ عِنْدَ ذلكَ دَحاها) . حدثنا عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدثنا عليّ بن معبد، قال: حدثنا محمد بن سلمة، عن خصيف، عن مجاهد والأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها قال: مع ذلك دحاها. ٢٨٠٦٦ـ حدثني محمد بن خلف العَسْقلانيّ، قال: حدثنا روّاد بن الجرّاح، عن أبي حمزة، عن السديّ، في قوله: والأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها قال: مع ذلك دحاها. والقول الذي ذكرناه عن ابن عباس من أن اللّه تعالى خلق الأرض، وقدّر فيها أقواتها، ولم يَدْحُها، ثم استوى إلى السماء فسوّاهنّ سبع سموات، ثم دحا الأرض بعد ذلك، فأخرج منها ماءها ومرعاها، وأرسى جبالها، أشبه بما دلّ عليه ظاهر التنزيل، لأنه جل ثناؤه قال: والأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها، والمعروف من معنى (بَعْد) أنه خلاف معنى (قَبْل) ، وليس في دحو اللّه الأرض بعد تسويته السموات السبع، وإغطاشه ليلها، وإخراجه ضحاها، ما يوجب أن تكون الأرض خُلقت بعد خلق السموات لأن الدحو إنما هو البسط في كلام العرب، والمدّ يقال منه: دحا يدحو دَحْوا، ودَحَيْتُ أَدْحِي دَحْيا لغتان ومنه قول أُمّية بن أبي الصلت: دَارٌ دَحاها ثُمّ أعْمَرَنا بِهاوأقامَ بالأخْرَى التي هيَ أمْجَدُ وقول أوس بن حجر في نعت غيث: يَنْفِي الحصَى عن جديد الأرْضِ مُبْتَرِكٌكأنّه فاحِصٌ أو لاعبٌ داحِي وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٠٦٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة والأرْضَ بَعْدَ ذلكَ دَحاها: أي بسطها. ٢٨٠٦٨ـ حدثني محمد بن خلف، قال: حدثنا رَوّاد، عن أبي حمزة، عن السديّ دَحاها قال: بسطها. ٢٨٠٦٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان: دحاها: بسطها. وقال ابن زيد في ذلك ما: ٢٨٠٧٠ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: دَحاها قال: حرثها شقّها وقال: أخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها، وقرأ: ثُمّ شَقَقْنا الأرْضَ شَقّا... حتى بلغ وَفاكِهَةً وأبّا، وقال حين شقّها أنبتَ هذا منها، وقرأ: والأرْضِ ذاتِ الصّدْعِ. ٣١و قوله: أخْرَجَ مِنْها ماءَها يقول: فجّر فيها الأنهار. وَمَرْعاها يقول: أنبت نباتَها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٠٧١ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَمَرْعاها ما خلق اللّه فيها من النبات، وماءَها: ما فجّر فيها من الأنهار. ٣٢و قوله: والجِبالَ أرْساها يقول: والجبال أثبتها فيها، وفي الكلام متروك استغني بدلالة الكلام عليه من ذكره، وهو فيها، وذلك أن معنى الكلام: والجبال أرساها فيها. ٢٨٠٧٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة والجِبالَ أرْساها: أي أثبتها لا تَمِيد بأهلها. ٢٨٠٧٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عطاء، عن أبي عبد الرحمن السّلَمِيّ، عن عليّ قال: لما خلق اللّه الأرض قَمَصَت وقالت: تَخْلُق عليّ آدمَ وذرّيته يُلقون عليّ نَتْنهم، ويعملون عليّ بالخطايا فأرساها اللّه ، فمنها ما ترون، ومنها ما لا ترون، فكان أوّل قرار الأرض كلحم الجزور إذا نُخِر يختلج لحمها. ٣٣القول فـي تأويـل قوله تعالى: {مَتَاعاً لّكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ}. يعني تعالى ذكره ب قوله: مَتاعا لَكُمْ ولأنْعامِكُمْ أنه خلق هذه الأشياء، وأخرج من الأرض ماءها ومرعاها، منفعة لنا، ومتاعا إلى حين. ٣٤و قوله: فإذَا جاءَتِ الطّامّةُ الكُبْرَى يقول تعالى ذكره: فإذا جاءت التي تطمّ على كل هائلة من الأمور، فتغمر ما سواها بعظيم هولها، و قيل: إنها اسم من أسماء يوم القيامة. ذكر من قال ذلك: ٢٨٠٧٤ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: فإذَا جاءَتِ الطّامّةُ الكُبْرَى من أسماء يوم القيامة، عظمه اللّه وحذّره عباده. ٢٨٠٧٥ـ حدثني محمد بن عُمَارة، قال: حدثنا سهل بن عامر، قال: حدثنا مالك بن مِغْول، عن القاسم بن الوليد، في قوله: فإذَا جاءَتِ الطّامّةُ الْكُبْرَى قال: سيق أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار. ٣٥و قوله: يَوْمَ يَتَذَكّرُ الإنْسانُ ما سَعَى يقول: إذا جاءت الطامّة يوم يتذكّر الإنسان ما عَمِل في الدنيا من خير وشرّ، وذلك سعيه ٣٦وَبُرّزَتِ الجَحِيمُ يقول: وأُظْهِرت الجحيم، وهي نار اللّه لمن يراها. يقول: لأبصار الناظرين. ٣٧القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَأَمّا مَن طَغَىَ}. يقول تعالى ذكره: فأما من عتا على ربّه، وعصاه واستكبر عن عبادته. ٢٨٠٧٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: طَغَى قال: عصى. ٣٨قوله: وآثَرَ الْحَياةَ الدّنْيا يقول: وآثر متاع الحياة الدنيا على كرامة الاَخرة، ٣٩وما أعدّ اللّه فيها لأوليائه، فعمل للدنيا، وسعى لها، وترك العمل للاَخرة فإنّ الجَحِيمَ هيَ المأْوَى يقول: فإن نار اللّه التي اسمها الجحيم، هي منزلُهُ ومَأْواه، ومصيُره الذي يصير إليه يوم القيامة. ٤٠و قوله: وأمّا مَنْ حافَ مَقامَ رَبّهِ ونَهَى النّفْسَ عَنِ الهَوَى يقول: وأما من خاف مسألة اللّه إياه عند وقوفه يوم القيامة بين يديه، فاتقاه، بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه ونَهَى النّفْسَ عَنِ الهَوَى يقول: ونهى نفسه عن هواها فيما يكرهه اللّه ، ولا يرضاه منها، فزجرها عن ذلك، وخالف هواها إلى ما أمره به ربه ٤١فإنّ الجَنّةَ هِيَ المَأْوَى يقول: فإن الجنة هي مأواه ومنزله يوم القيامة. وقد ذكرنا أقوال أهل التأويل في معنى قوله: ولِمَنْ خافَ مَقامَ رَبّهِ فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. ٤٢القول فـي تأويـل قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْسَاهَا }. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : يسألك يا محمد هؤلاء المكذّبون بالبعث عن الساعة التي تبعث فيها الموتَى من قبورهم أيانَ مرساها، متى قيامها وظهورها؟ وكان الفرّاء يقول: إن قال قائل: إنما الإرساء للسفينة، والجبال الراسية وما أشبههنّ، فكيف وصَفَ الساعة بالإرساء؟ قلت: هي بمنزلة السفينة إذا كانت جارية فرست، ورسوّها: قيامها قال: وليس قيامها كقيام القائم، إنما هي كقولك: قد قام العدل، وقام الحقّ: أي ظهر وثبت. قال أبو جعفر رحمه اللّه : يقول اللّه لنبيه: فِيمَ أنْتَ مِنْ ذِكْراها يقول: في أيّ شيء أنت من ذكر الساعة والبحث عن شأنها. وذُكر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يُكثر ذكر الساعة، حتى نزلت هذه الاَية. ٢٨٠٧٧ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهريّ، عن عُروة، عن عائشة، قالت: لم يزلِ النبي صلى اللّه عليه وسلم يَسأل عن الساعة، حتى أنزل اللّه عزّ وجلّ: فِيمَ أنْتَ مِنْ ذِكْراها؟ إلى رَبّكَ مُنْتَهاها. ٢٨٠٧٨ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن إسماعيل، عن طارق بن شهاب، قال: كان النبي صلى اللّه عليه وسلم لا يزال يَذكر شأن الساعة حتى نزلت يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أيّانَ مُرْساها؟... إلى مَنْ يَخْشاها. ٤٣٢٨٠٧٩ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فيمَ أنْتَ مِنْ ذِكْراها قال: الساعة. ٤٤و قوله: إلى رَبّكَ مُنْتَهاها يقول: إلى ربك منتهى علمها، أي إليه ينتهي علم الساعة، لا يعلم وقت قيامها غيره. ٤٥و قوله: إنّمَا أنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها يقول تعالى ذكره لمحمد: إنما أنت رسول مبعوث بإنذار الساعة من يخاف عقاب اللّه فيها على إجرامه، ولم تكلّف علمَ وقت قيامها، يقول: فدع ما لم تكلف علمَه، واعمل بما أُمرت به، من إنذار من أُمرت بإنذاره. واختلف القرّاء في قراءة قوله: مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها فكان أبو جعفر القارىء وابن محيصن يقرآن: (مُنْذِرٌ) بالتنوين، بمعنى: أنه منذرٌ مَنْ يَخشاها وقرأ ذلك سائر قرّاء المدينة ومكة والكوفة والبصرة بإضافة مُنْذِرٍ إلى من. والصواب من القول في ذلك عندي: أنهم قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. ٤٦و قوله: كأنّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إلاّ عَشِيّةً أوْ ضُحاها يقول جلّ ثناؤه: كأن هؤلاء المكذّبين بالساعة، يوم يرون أن الساعة قد قامت، من عظيم هولها، لم يلبثوا في الدنيا إلا عشية يوم، أو ضحا تلك العشية والعرب تقول: آتيك العشية أو غدَاتَها، وآتيك الغداةَ أو عشيتها، فيجعلون معنى الغداة، بمعنى أوّل النهار، والعشية: آخر النهار، فكذلك قوله: إلاّ عَشِيّةً أوْ ضُحاها إنما معناها إلا آخر يوم أو أوّله، وينشد هذا البيت: نَحْنُ صَبَحْنا عامِرا فِي دَارِها عَشِيّةَ الهِلالِ أوْ سِرَارِها يعني : عشية الهلال، أو عشية سرار العشية. ٢٨٠٨٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: كأنّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثوا إلاّ عَشِيّةً أوْ ضُحاها وقت الدنيا في أعين القوم حين عاينوا الاَخرة. |
﴿ ٠ ﴾