تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآنللإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبريإمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)_________________________________سورة عبسسورة عبس مكية وآياتها ثنتان وأربعون بسم اللّه الرحمَن الرحيـم ١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلّىَ}. يعني تعالى ذكره ب قوله: عَبَسَ: قَبَضَ وجهه تكرّها، وَتَوَلّى يقول: وأعرض أنْ جاءَهُ الأعْمَى يقول: لأن جاءه الأعمى. وقد ذُكر عن بعض القرّاء أنه كان يطوّل الألف ويمدّها من أنْ جاءَهُ فيقول: (آنْ جاءَهُ) ، وكأنّ معنى الكلام كان عنده: أَأن جاءه الأعمى عبس وتولى؟ كما قرأ من قرأ: أنْ كانَ ذَا مال وَبَنِينَ بمدّ الألف من (أنْ) وقصرها. وذُكر أن الأعمى الذي ذكره اللّه في هذه الاَية، هو ابن أمّ مكتوم، عوتب النبي صلى اللّه عليه وسلم بسببه. ذكر الأخبار الواردة بذلك: ٢٨٠٨١ـ حدثنا سعيد بن يحيى الأمويّ، قال: حدثنا أبي، عن هشام بن عُروة مما عرضه عليه عُروة، عن عائشة قالت: أنزلت عَبَسَى وَتَوَلّى في ابن أمّ مكتوم، قالت: أَتى إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فجعل يقول: أرشدني، قالت: وعند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من عظماء المشركين، قالت: فجعل النبي صلى اللّه عليه وسلم يُعْرِض عنه، ويُقْبِل على الاَخر، ويقول: (أَتَرَى بِما أقُولُهُ بأْسا؟) فيقول: لا ففي هذا أُنزلت: عَبَسَ وتَوَلّى. ٢٨٠٨٢ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: عَبَسَ وَتَوّلى أنْ جاءَهُ الأعْمَى قال: بينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يناجي عُتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب، وكان يتصدّى لهم كثيرا، ويَحرِص عليهم أن يؤمنوا، فأقبل إليه رجل أعمى، يقال له عبد اللّه بن أم مكتوم، يمشي وهو يناجيهم، فجعل عبد اللّه يستقرىء النبي صلى اللّه عليه وسلم آية من القرآن، وقال: يا رسول اللّه ، عَلّمني مما علّمك اللّه ، فأعرض عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وعَبَس في وجهه وتوّلى، وكرِه كلامه، وأقبل على الاَخرين فلما قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأخذ ينقلب إلى أهله، أمسك اللّه بعض بصره، ثم خَفَق برأسه، ثم أنزل اللّه : عَبَسَ وَتَولّى أنْ جاءَهُ الأعْمَى وَما يُدْرِيكَ لَعَلّهُ يَزّكّى أوْ يَذّكّرُ فَتَنْفَعَهُ الذّكْرَى، فلما نزل فيه أكرمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وكلّمه، وقال له: (ما حاجَتُك، هَلْ تُرِيدُ مِنْ شَيْءٍ؟) وإذا ذهب من عنده قال له: (هَلْ لَكَ حاجَةٌ فِي شَيْءٍ؟) وذلك لما أنزل اللّه : أمّا مَنِ اسْتَغْنَى فأنْتَ لَهُ تَصَدّى وَما عَلَيْكَ ألاّ يَزّكّى. ٢٢٨٠٨٣ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن هشام، عن أبيه، قال: نزلت في ابن أمّ مكتوم عَبَسَ وَتَوّلَى أنْ جاءَهُ الأعْمَى. ٢٨٠٨٤ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول اللّه أنْ جاءَهُ الأعْمَى قال: رجل من بني فهر، يقال له ابن أمّ مكتوم. ٢٨٠٨٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة عَبَسَ وَتَوَلّى أنْ جاءَهُ الأعْمَى: عبد اللّه بن زائدة، وهو ابن أمّ مكتوم، وجاءه يستقرِئه، وهو يناجي أُميّة بن خَلَف، رجلٌ من عِلْية قريش، فأعرض عنه نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأنزل اللّه فيه ما تسمعون عَبَسَ وَتَوَلّى أنْ جاءَهُ الأعْمَى إلى قوله: فأنْتَ عَنْهُ تَلَهّى (ذُكر لنا أن نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم استخلفه بعد ذلك مرّتين على المدينة، في غزوتين غزاهما يصّلي بأهلها) . ٢٨٠٨٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، عن أنس بن مالك، أنه رآه يوم القادسية معه راية سوداء، وعليه درع له. ٢٨٠٨٧ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: جاء ابن أمّ مكتوم إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو يكلم أبيّ بن خَلَف، فأعرض عنه، فأنزل اللّه عليه: عَبَس وَتَوَلّى، فكان النبي صلى اللّه عليه وسلم بعد ذلك يُكرمه. قال أنس: فرأيته يوم القادسية عليه دِرْع، ومعه راية سوداء. ٢٨٠٨٨ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: عَبَسَ وتوّلى تصدى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لرجل من مشركي قريش كثير المال، ورجا أن يُؤْمن، وجاء رجل من الأنصار أعمى، يقال له عبد اللّه بن أمّ مكتوم، فجعل يسأل نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فكرهه نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم وتوّلى عنه، وأقبل على الغنيّ، فوعظ اللّه نبيّه، فأكرمه نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، واستخلفه على المدينة مرّتين، في غزوتين غزاهما. ٢٨٠٨٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، وسألته عن قول اللّه عزّ وجلّ: عَبَسَ وَتَوَلّى أنْ جاءَهُ الأعْمَى قال: جاء ابن أمّ مكتوم إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وقائده يُبْصر، وهو لا يبصر، قال: ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يشير إلى قائده يَكُفّ، وابن أمّ مكتوم يدفعه ولا يُبصر قال: حّتى عَبَس رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فعاتبه اللّه في ذلك، فقال: عَبَسَ وَتَوَلّى أنْ جاءَهُ الأعْمَى وَما يُدْرِيكَ لَعَلّهُ يَزّكّى... إلى قوله: فأنْتَ عَنْهُ تَلَهّى قال ابن زيد: كان يقال: لو أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كَتَمَ من الوحي شيئا، كتم هذا عن نفسه قال: وكان يتصدّى لهذا الشريفِ في جاهليته، رجاء أن يسلم، وكان عن هذا يتلهّى. ٣و قوله: وَما يُدْرِيكَ لَعَلّهُ يَزّكّى يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : وما يدريك يا محمد، لعلّ هذا الأعمى الذي عَبَست في وجهه يَزّكّى: يقول: يتطهّر من ذنوبه. وكان ابن زيد يقول في ذلك ما: ٢٨٠٩٠ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لَعَلّهُ يَزّكّى: يُسْلِم. ٤و قوله: أوْ يَذّكّرُ فَتَنْفَعَهُ الذّكْرَى يقول: أو يتذكّر فتنفعَه الذكرى: يعني يعتبر فينفعه الاعتبار والاتعاظ، والقراءة على رفع: (فتَنْفَعُهُ) عطفا به على قوله: يَذّكّرُ، وقد رُوي عن عاصم النصبُ فيه والرفعُ، والنصب على أن تجعله جوابا بالفاء للعلّ، كما قال الشاعر: عَلّ صُرُوفَ الدّهْرِ أوْ دُولاتِها يُدِلْنَنَا اللّمّةَ مِنْ لَمّاتِها فَتَسْتَرِيحَ النّفْسُ مِنْ زَفْراتِها وتُنْقَعَ الغُلّةُ مِنْ غُلاّتِها (وتنقع) يُروى بالرفع والنصب. ٥القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَمّا مَنِ اسْتَغْنَىَ}. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : أما من استغنى بماله، فأنت له تتعرّض، رجاء أن يُسلِم. ٦٢٨٠٩١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان أمّا مَنِ اسْتَغْنَى فأنْتَ لَهُ تَصَدّى قال: نزلت في العباس . ٧انظر تفسير الآية:١٦ ٨٢٨٠٩٢ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: أمّا مَنِ اسْتَغْنَى قال: عتبة بن ربيعة وشبية بن ربيعة وَما عَلَيْكَ ألاّ يَزّكّى يقول: وأيّ شيء عليك أن لا يتطهّر من كفره فيُسلم؟ وأمّا مَنْ جاءَكَ يَسْعَى ٩وَهُوَ يَخْشَى يقول: وأما هذا الأعمى الذي جاءك سعيا، وهو يخشى اللّه ويتقيه، ١٠فأنْتَ عَنْهُ تَلَهّى يقول: فأنت عنه تُعْرِض، وَتَشاغَلُ عنه بغيره وتَغَافَل. ١١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {كَلاّ إِنّهَا تَذْكِرَةٌ }. يقول تعالى ذكره: كَلاّ ما الأمر كما تفعل يا محمد، من أن تعبِس في وجه من جاءك يسعى وهو يخشى، وتتصدّى لمن استغنى إنّها تَذْكِرَةٌ يقول: إن هذه العظة وهذه السورة تذكرة يقول: عظة وعبرة ١٢فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ يقول: فمن شاء من عباد اللّه ذكره، يقول: ذكر تنزيل اللّه ووحيه، والهاء في قوله (إنّها) للسورة، وفي قوله (ذَكَرَهُ) للتنزيل والوحي ١٣في صحف يقول إنها تذكرة فِي صُحُفٍ مُكَرّمَةٍ ١٤مَرْفُوعَةٍ مُطَهّرَةٍ يعني في اللوح المحفوظ، وهو المرفوع المطهّر عند اللّه . ١٥و قوله: بِأيْدِي سَفَرةٍ يقول: الصحف المكرّمة بأيدي سَفَرة، جمع سافر. واختلف أهل التأويل فيهم ما هم؟ فقال بعضهم: هم كَتَبة. ذكر من قال ذلك: ٢٨٠٩٣ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، في قوله: بِأيْدِي سَفَرَةٍ يقول: كَتَبة. ٢٨٠٩٤ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: بِأيْدِي سَفَرةٍ قال: الكَتَبة. وقال آخرون: هم القُرّاء. ذكر من قال ذلك: ٢٨٠٩٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرّمَةٍ مَرْفُوَعَةٍ مُطَهّرَةٍ بِأيْدِي سَفَرةٍ قال: هم القرّاء. وقال آخرون: هم الملائكة. ذكر من قال ذلك: ٢٨٠٩٦ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس بِأيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ يعني الملائكة. ٢٨٠٩٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: بِأيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ قال: السّفَرة: الذين يُحْصون الأعمال. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: قول من قال: هم الملائكة الذين يَسْفِرون بين اللّه ورسله بالوحي. وسفير القوم: الذي يسعى بينهم بالصلح، يقال: سَفَرت بين القوم: إذا أصلحت بينهم ومنه قول الشاعر: وَما أدَعُ السّفارَةَ بَينَ قَوْميوَما أمْشِي بِغِشَ إنْ مَشَيْتُ وإذا وُجّه التأويل إلى ما قلنا، احتمل الوجه الذي قاله القائلون هم الكَتَبة، والذي قاله القائلون هم القُرّاء، لأن الملائكة هي التي تقرأ الكتب، وتَسْفِر بين اللّه وبين رسله. ١٦و قوله: كِرَامٍ بَرَرَةٍ والبَرَرة: جمع بارّ، كما الكَفَرة جمع كافر، والسّحَرة جمع ساحر، غير أن المعروف من كلام العرب إذا نطقوا بواحدة أن يقولوا: رجل بَرّ، وامرأة برّة، وإذا جمعوا ردّوه إلى جمع فاعل، كما قالوا: رجل سَرِيّ، ثم قالوا في جمعه: قوم سَراة، وكان القياس في واحده أن يكون ساريا. وقد حُكي سماعا من بعض العرب: قوم خِيَرَة بَرَرَة، وواحد الخَيرة: خَيْر، والبَرَرَة: برّ. ١٧و قوله: قُتِلَ الإنْسانُ ما أكْفَرَهُ يقول تعالى ذكره: لعن الإنسانُ الكافر ما أكفره وبنحو الذي قلنا في ذلك قال مجاهد. ٢٨٠٩٨ـ حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: حدثنا عبد الحميد الحِمّانيّ، عن الأعمش، عن مجاهد، قال: ما كان في القرآن قُتِلَ الإنْسانُ أو فُعل بالإنسان، فإنما عني به الكافر. ٢٨٠٩٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان قُتِلَ الإنْسانُ ما أكْفَرَهُ بلغني أنه الكافر. وفي قوله: أكْفَرَهُ وجهان. أحدهما: التعجب من كفره، مع إحسان اللّه إليه، وأياديه عنده. والاَخر: ما الذي أكفره، أي أيّ شيء أكفَره؟ ١٨القول فـي تأويـل قوله تعالى: {مِنْ أَيّ شَيءٍ خَلَقَهُ}. يقول تعالى ذكره: من أيّ شيء خلق الإنسانَ الكافرَ ربّه حتي يَتَكَبّرَ. ويتعظّم عن طاعة ربه، والإقرار بتوحيده ١٩ثم بين جل ثناؤه الذي منه خلقه، فقال: مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدّرَهُ أحوالاً: نطفة تارة، ثم عَلَقة أخرى، ثم مُضْغة، إلى أن أتت عليه أحواله، وهو في رحم أمه ثُمّ السّبِيلَ يَسّرَهُ يقول: ثم يسّره للسبيل، يعني للطريق. واختلف أهل التأويل في السبيل الذي يسّره لها، فقال بعضهم: هو خروجه من بطن أمه. ذكر من قال ذلك: ٢٠٢٨١٠٠ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، ثُمّ السّبِيلَ يَسّرَهُ يعني بذلك: خروجه من بطن أمه يسّره له. ٢٨١٠١ـ حدثني ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالح ثُمّ السّبِيلَ يَسّرَهُ قال: سبيل الرّحِم. ٢٨١٠٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن السديّ ثُمّ السّبِيلَ يَسّرَهُ قال: خروجه من بطن أمه. ٢٨١٠٣ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ثُمّ السَبِيلَ يَسّرَهُ قال: خروجه من بطن أمه. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ثُمّ السّبِيلَ يَسّرَهُ قال: أخرجه من بطن أمه. وقال آخرون: بل معنى ذلك: طريق الحقّ والباطل، بيّناه له وأعملناه، وسهلنا له العمل به. ذكر من قال ذلك: ٢٨١٠٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ثُمّ السّبِيلَ يَسّرَهُ قال: هو ك قوله: إنّا هَدَيْناهُ السّبِيلَ إمّا شاكِرا وَإمّا كَفُورا. حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ثُمّ السّبِيلَ يَسّرَهُ قال: على نحو إنّا هَدَيْناهُ السّبِيلَ. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: سبيل الشقاء والسعادة، وهو ك قوله: إنّا هَدَيْناهُ السّبِيلَ. ٢٨١٠٥ـ حدثنا ابن عبدالأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، قال: قال الحسن، في قوله: ثُمّ السّبيلَ يَسّرَهُ قال: سبيل الخير. ٢٨١٠٦ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ثُمّ السّبِيلَ يَسّرَهُ قال: هداه للإسلام الذي يسّره له، وأعلمه به، والسبيل سبيل الإسلام. وأولى التأويلين في ذلك عندي بالصواب. قول من قال: ثم الطريق، وهو الخروج من بطن أمه يسّره. وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالصواب، لأنه أشبههما بظاهر الاَية، وذلك أن الخبر من اللّه قبلها وبعدها عن صفته خلقه، وتدبيره جسمه، وتصريفه إياه في الأحوال، فالأولى أن يكون أوسط ذلك نظير ما قبله وبعده. ٢١و قوله: ثُمّ أماتَهُ فأقْبَرَهُ يقول: ثم قَبَضَ رُوحه، فأماته بعد ذلك. يعني ب قوله: أقْبَرَهُ: صيره ذا قبر، والقابر: هو الدافن المَيْتَ بيده، كما قال الأعشى: لَوْ أسْنَدَتْ مَيْتا إلى نَحْرِهاعاشَ ولَمْ يُنْقَلْ إلى قابِرِ والمُقْبِر: هو اللّه ، الذي أمر عباده أن يقبروه بعد وفاته، فصيره ذا قبر. والعرب تقول فيما ذُكر لي: بَتَرْت ذنب البعير، واللّه أبتره وعَضَبْت قَرنَ الثور واللّه أعضبه وطردت عني فلانا، واللّه أطْرَدَه، صَيّره طريدا. ٢٢و قوله: ثُمّ إذَا شاءَ أنْشَرَهُ يقول: ثم إذا شاء اللّه أنشره بعد مماته وأحياه، يقال: أنْشَرَ اللّه الميت، بمعنى: أحياه، ونَشَرَ الميتُ بمعنى حيي هو بنفسه ومنه قول الأعشى: حتى يَقُولَ النّاسُ مِمّا رأَوْايا عَجَبَا لِلْمَيّتِ النّاشِرِ ٢٣و قوله: كَلاّ لَمّا يَقْضِ ما أمَرَهُ يقول تعالى ذكره: كلا ليس الأمر كما يقول هذا الإنسان الكافر، من أنه قد أدّى حقّ اللّه عليه، في نفسه وماله، لمّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ: لم يؤدّ ما فرض عليه من الفرائض ربّه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨١٠٧ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: لَمّا يَقْضِ ما أمَرَهُ قال: لا يقضي أحد أبدا ما افُتِرض عليه. وقال الحرث: كلّ ما افترض عليه. ٢٤القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَىَ طَعَامِهِ}. يقول تعالى ذكره: فلينظر هذا الإنسان الكافر المُنكر توحيد اللّه إلى طعامه كيف دبّره؟ كما: ٢٨١٠٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد فَلْيَنْظُرِ الإنْسانُ إلى طَعامِهِ وشرابه، قال: إلى مأكله ومشربه. ٢٨١٠٩ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فَلْيَنْظُرِ الإنْسانُ إلى طَعامِهِ: آية لهم. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: أنّا صَبَبَنْا المَاءَ صَبّا فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة بكسر الألف من (أنّا) ، على وجه الاستئناف، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة (أنّا) بفتح الألف، بمعنى: فلينظر الإنسان إلى أنا، فيجعل (أنّا) في موضع خفض، على نية تكرير الخافض، وقد يجوز أن يكون رفعا إذا فُتحت، بنية طعامه أنّا صببنا الماء صبا. والصواب من القول في ذلك عندي: أنهما قراءتان معروفتان: فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. ٢٥و قوله: أنّا صَبَبْنا الماءَ صَبّا يقول: أنا أنزلنا الغيث من السماء إنزالاً، وصببناه عليها صبا ٢٦ثُمّ شَقَقْنا الأرْضَ شَقّا يقول: ثم فتقنا الأرض، فصدّعناها بالنبات ٢٧فأنْبَتْنا فِيها حَبا: يعني حبّ الزرع، وهو كلّ ما أخرجته الأرض من الحبوب، كالحنطة والشعير وغير ذلك ٢٨وَعِنَبا يقول: وكرم عنب. وَقَضْبا يعني بالقَضْب: الرّطْبة، وأهل مكة يسمون القَتّ القَضْب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨١١٠ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: وَقَضْبا يقول: الفِصفِصة. ٢٨١١١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَقَضْبا قال: والقضب: الفَصافِص. قال أبو جعفر رحمه اللّه : الفِصفصة: الرّطبة. ٢٨١١٢ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَقَضْبا يعني الرطبة. ٢٨١١٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا يونس، عن الحسن، في قوله: وَقَضْبا قال: القضب: العَلَف. ٢٩و قوله: وَزَيْتُونا وهو الزيتون الذي منه الزيت وَنَخْلاً وَحَدَائِقَ غُلْبا وقد بيّنا أن الحديقة البستان المحوّط عليه. و قوله: غُلْبا يعني : غِلاظا. و يعني ب قوله: غُلْبا أشجارا في بساتين غلاظ. والغلب: جمع أغلب، وهو الغليظ الرقبة من الرجال ومنه قول الفرزدق: عَوَى فأثارَ أغْلَبَ ضَيْغَمِيّافَوَيْلَ ابْنِ المَراغَةِ ما اسْتَثارَا؟ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، على اختلاف منهم في البيان عنه، فقال بعضهم: هو ما التفّ من الشجر واجتمع. ذكر من قال ذلك: ٣٠٢٨١١٤ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن عاصم بن كُلَيب، عن أبيه، عن ابن عباس ، في قوله: وَحَدَائِقَ غُلْبا قال: الحدائق: ما التفّ واجتمع. ٢٨١١٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وَحَدَائِقَ غُلْبا قال: طيبة. وقال آخرون: الحدائق: نبت الشجر كله. ذكر من قال ذلك: ٢٨١١٦ـ حدثنا أبو هشام، قال: حدثنا ابن فضيل، قال: حدثنا عصام، عن أبيه: الحدائق: نبت الشجر كلها. ٢٨١١٧ـ حدثني محمد بن سنان القزّاز، قال: حدثنا أبو عاصم، عن شبيب، عن عكرمة، عن ابن عباس : وَحَدَائِقَ غُلْبا قال: الشجر يُستظلّ به في الجنة. وقال آخرون: بل الغُلب: الطّوال. ذكر من قال ذلك: ٢٨١١٨ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس وَحَدَائِقَ غُلْبا يقول: طوالاً. وقال آخرون: هو النخل الكرام. ذكر من قال ذلك: ٢٨١١٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، في قوله: وَحَدَائِقَ غُلْبا والغلب: النخل الكرام. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: وَحَدَائِقَ غُلْبا قال: النخل الكرام. ٢٨١٢٠ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَحَدَائِقَ غُلْبا: عظام النخل العظيمة الجِذْع، قال: والغلب من الرجال: العظام الرقاب، يقال: هو أغلب الرقبة: عظيمها. ٢٨١٢١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرِمة حَدَائِقَ غُلْبا قال: عظام الأوساط. ٣١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً }. يقول تعالى ذكره: وفاكهة: ما يأكله الناس من ثمار الأشجار، والأبّ: ما تأكله البهائم من العُشب والنبات. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨١٢٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن مبارك، عن الحسن وَفاكِهَةً قال: ما يأكل ابن آدم. ٢٨١٢٣ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وَفاكِهَةً قال: ما أكل الناس. ٢٨١٢٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَفاكِهَةً قال: أما الفاكهة فلكم. ٢٨١٢٥ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَفاكِهَةً قال: الفاكهة لنا. ٢٨١٢٦ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا بشر بن المفضل، قال: حدثنا حميد، قال: قال أنس بن مالك: قرأ عمر: عَبَسَ وَتَوّلَى حتى أتى على هذه الاَية: وَفاكِهَةً وأبّا قال: قد علمنا ما الفاكهة، فما الأبّ؟ ثم أحسبه (شكّ الطبريّ) قال: إن هذا لهو التكلف. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عديّ، عن حميد، عن أنس، قال: قرأ عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه عَبَسَ وَتَوَلّى فلما أتى على هذه الاَية وَفاكِهَةً وأبّا قال: قد عرفنا الفاكهة، فما الأبّ؟ قال: لعمرك يا بن الخطاب إن هذا لهو التكلف. حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن موسى بن أنس، عن أنس، قال: قرأ عمر: وَفاكِهَةً وأبّا قال: قد عرفنا الفاكهة، فما الأبّ؟ ثم قال: بحسبنا ما قد علمنا، وألقى العصا من يده. حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن خليد بن جعفر، عن أبي إياس معاوية بن قُرة، عن أنس، عن عمر رضي اللّه عنه أنه قال: إن هذا هو التكلف. قال: وحدثني قتادة ، عن أنس، عن عمر بنحو هذا الحديث كله. ٢٨١٢٧ـ حدثنا أبو كريب وأبو السائب ويعقوب، قالوا: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت عاصم بن كُلَيب، عن أبيه، عن ابن عباس ، قال: عدّ سبعا، جعل رزقه في سبعة، وجعله من سبعة، وقال في آخر ذلك: الأبّ ما أنبتت الأرض، مما لا يأكل الناس. حدثنا أبو هشام، قال: حدثنا ابن فضيل، قال: حدثنا عاصم، عن أبيه، عن ابن عباس ، قال: الأبّ: نبت الأرض مما تأكله الدوابّ، ولا يأكله الناس. ٢٨١٢٨ـ حدثنا أبو كرب وأبو السائب، قالا: حدثنا ابن إدريس، قال: حدثنا عبد الملك، عن سعيد بن جُبَير، قال: عدّ ابن عباس ، وقال: الأبّ: ما أنبتت الأرض للأنعام، وهذا لفظ حديث أبي كريب. وقال أبو السائب في حديثه، قال: ما أنبتت الأرض مما يأكل الناس وتأكل الأنعام. ٢٨١٢٩ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قال: الأبّ: الكلأ والمرعى كله. ٢٨١٣٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن أبي رَزِين، قال: الأبّ النبات. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن أبي رَزين، مثله. ٢٨١٣١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش أو غيره، عن مجاهد، قال: الأبّ: المرعى. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، قال: قال مجاهد وأبّا: المرعى. ٢٨١٣٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن مبارك، عن الحسن وأبّا قال: الأبّ: ما تأكل الأنعام. ٢٨١٣٣ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وأبّا قال: الأبّ: ما أكلت الأنعام. ٢٨١٣٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة : أما الأبّ: فلأنعامكم نعم من اللّه متظاهرة. ٢٨١٣٥ـ حدثنا ابن بشر، قال: حدثنا عبد الواحد، قال: حدثنا يونس، عن الحسن، في قوله: وأبّا قال: الأبّ: العشب. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، وقتادة ، في قوله: وأبّا قال: هو ما تأكله الدوابّ. ٢٨١٣٦ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وأبّا يعني : المرعى. ٢٨١٣٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأبّا قال: الأبّ لأنعامنا، قال: والأبّ: ما ترعى. وقرأ: مَتاعا لَكُمْ ولأَنْعامِكُمْ. قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس وعمرو بن الحرث، عن ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثه أنه سمع عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه يقول: قال اللّه : وَقَضْبا وَزَيْتُونا وَنَخْلاً وَحَدائِقَ غُلْبا وَفاكِهَةً وأبّا كلّ هذا قد علمناه، فما الأبّ؟ ثم ضرب بيده، ثم قال: لعمُرك إن هذا لهو التكلف، واتبعوا ما يتبين لكم في هذا الكتاب. قال عمر: وما يتبين فعليكم به، وما لا فدعوه. وقال آخرون: الأبّ: الثمار الرّطبة. ذكر من قال ذلك: ٢٨١٣٨ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: وأبّا يقول: الثمار الرطبة. ٣٢و قوله: مَتاعا لَكُمْ يقول: أنبتنا هذه الأشياء التي يأكلها بنو آدم متاعا لكم أيها الناس، ومنفعة تتمتعون بها، وتنتفعون، والتي يأكلها الأنعام لأنعامكم، وأصل الأنعام الإبل، ثم تستعمل في كلّ راعية. وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨١٣٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، عن الحسن، في قوله: مَتاعا لَكُمْ وَلأَنْعامِكُمْ قال: متاعا لكم الفاكهة، ولأنعامكم العشب. ٣٣و قوله: فَإذَا جاءَتِ الصّاخّةُ ذُكر أنها اسم من أسماء القيامة، وأحسبها مأخوذة من قولهم: صاخ فلان لصوت فلان: إذا استمع له، إلاّ أن هذا يقال منه: هو مُصِيخ له، ولعلّ الصوت هو الصاخ، فإن يكون ذلك كذلك، فينبغي أن يكون قيل ذلك لنفخة الصور. ذكر من قال: هو اسم من أسماء القيامة: ٢٨١٤٠ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، في قوله فَإذا جاءَتِ الصّاخّةُ قال: هذا من أسماء يوم القيامة عظّمه اللّه ، وحذّره عباده. ٣٤و قوله: يَوْمَ يَفِرّ المَرْءُ مِنْ أخِيهِ يقول: فإذا جاءت الصاخة، في هذا اليوم الذي يفرّ فيه المرء من أخيه. و يعني ب قوله: يفرّ من أخيه: يفرّ عن أخيه ٣٥انظر تفسير الآية:١٦ ٣٦وأُمّهِ وأبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ يعني زوجته التي كانت زوجته في الدنيا وَبَنِيهِ حَذِرا من مطالبتهم إياه، بما بينه وبينهم من التّبعات والمظالم. وقال بعضهم: معنى قوله: يَفِرّ المَرْءُ مِنْ أخِيهِ: يفرّ عن أخيه لئلا يراه، وما ينزل به، لكُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ يعين من الرجل وأخيه وأمه وأبيه، وسائر من ذُكر في هذه الاَية يَوْمَئِذٍ يعني يوم القيامة إذا جاءت الصاخّة يوم القيامة شأْنٌ يُغْنِيهِ يقول: أمر يغنيه، ويُشغله عن شأن غيره، كما: ٣٧٢٨١٤١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: لِكُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيهِ أفضي إلى كلّ إنسان ما يشغله عن الناس. ٢٨١٤٢ـ حدثنا أبو عمارة المَرْوَزِيّ الحسين بن حُريث، قال: حدثنا الفضل بن موسى، عن عائذ بن شريح، عن أنس قال: سألت عائشة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قالت: يا رسول اللّه بأبي أنت وأمي، إني سائلتك عن حديث أخبرني أنت به، قال: (إنْ كانَ عِنْدي مِنْهُ عِلْمٌ) قالت: يا نبيّ اللّه ، كيف يُحْشرُ الرجالُ؟ قال: (حُفاةً عُرَاةً) . ثم انتظرت ساعة فقالت: يا نبيّ اللّه كيف يُحْشر النساء؟ قال: (كَذلكَ حُفاةً عُرَاةً) . قالت: واسوءَتاه من يوم القيامة قال: (وَعَنْ ذلكَ تسألِينِي، إنّهُ قَدْ نَزَلَتْ عليّ آيَةٌ لا يَضُرّكِ كانَ عَلَيْكِ ثِيابٌ أمْ لا) ، قالت: أيّ آية هي يا نبيّ اللّه ؟ قال: لِكُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيهِ. ٢٨١٤٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قول اللّه : لِكُلّ امْرِىءٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شأْنٌ يُغْنِيهِ قال: شأن قد شغله عن صاحبه. ٣٨و قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ يقول تعالى ذكره: وجوه يومئذٍ مشرقة مضيئة، وهي وجوه المؤمنين الذين قد رضي اللّه عنهم. يقال: أسفر وجه فلان: إذا حَسُن، ومنه أسفر الصبح: إذا أضاء، وكلّ مضيء فهو مُسْفِر وأما سَفَر بغير ألف، فإنما يقال للمرأة إذا ألقت نقابها عن وجهها أو برقعها، يقال: قد سَفَرت المرأة عن وجهها، إذا فعلت ذلك، فهي سافر ومنه قول تَوْبةَ بن الحُمَيّر: وكُنْتُ إذا ما زُرْتُ لَيْلَى تَبرْقَعَتْفَقَدْ رَابَنِي مِنْها الغَدَاةَ سُفُورُها يعني بقوله (سفورُها) : إلقاءها برقعها عن وجهها. ٣٩ضَاحِكَةٌ يقول: ضاحكة من السرور بما أعطاها اللّه من النعيم والكرامة مُسْتَبْشِرَةٌ لما ترجو من الزيادة. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله مُسْفِرَةٌ قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨١٤٤ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: مُسْفِرَةٌ يقول: مشرقة. ٢٨١٤٥ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ قال: هؤلاء أهل الجنة. ٤٠و قوله: وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبرَةٌ يقول تعالى ذكره: ووجوه وهي وجوه الكفار يومئذٍ عليها غبرة. ذُكر أن البهائم التي يصيرها اللّه ترابا يومئذٍ بعد القضاء بينها، يحوّل ذلك التراب غَبَرة في وجوه أهل الكفر تَرْهَقُها قَترَةٌ يقول: يغشى تلك الوجوه قَتَرة، وهي الغَبَرة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨١٤٦ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: تَرْهَقُها قَترَةٌ يقول: تغشاها ذلة. ٢٨١٤٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: تَرْهَقُها قَترَةٌ قال: هذه وجوه أهل النار قال: والقَتَرة من الغَبَرة، قال: وهما واحد قال: فأما في الدنيا فإن القترة: ما ارتفع، فلحق بالسماء، ورفعته الريح، تسميه العرب القترة، وما كان أسفل في الأرض فهو الغبرة. و قوله: أُولَئِكَ هُمُ الكَفَرَةُ الفَجَرَةُ يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه صفتهم يوم القيامة هم الكفرة باللّه ، كانوا في الدنيا الفجرة في دينهم، لا يبالون ما أتوا به من معاصي اللّه ، وركبوا من محارمه، فجزاهم اللّه بسوء أعمالهم ما أخبر به عباده. |
﴿ ٠ ﴾