تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة عبس

سورة عبس مكية وآياتها ثنتان وأربعون

بسم اللّه الرحمَن الرحيـم

١

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلّىَ}.

 يعني تعالى ذكره ب قوله: عَبَسَ: قَبَضَ وجهه تكرّها، وَتَوَلّى يقول: وأعرض أنْ جاءَهُ الأعْمَى يقول: لأن جاءه الأعمى. وقد ذُكر عن بعض القرّاء أنه كان يطوّل الألف ويمدّها من أنْ جاءَهُ فيقول: (آنْ جاءَهُ) ، وكأنّ معنى الكلام كان عنده: أَأن جاءه الأعمى عبس وتولى؟ كما قرأ من قرأ: أنْ كانَ ذَا مال وَبَنِينَ بمدّ الألف من (أنْ) وقصرها.

وذُكر أن الأعمى الذي ذكره اللّه في هذه الاَية، هو ابن أمّ مكتوم، عوتب النبي صلى اللّه عليه وسلم بسببه. ذكر الأخبار الواردة بذلك:

٢٨٠٨١ـ حدثنا سعيد بن يحيى الأمويّ، قال: حدثنا أبي، عن هشام بن عُروة مما عرضه عليه عُروة، عن عائشة قالت: أنزلت عَبَسَى وَتَوَلّى في ابن أمّ مكتوم، قالت: أَتى إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فجعل يقول: أرشدني، قالت: وعند رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من عظماء المشركين، قالت: فجعل النبي صلى اللّه عليه وسلم يُعْرِض عنه، ويُقْبِل على الاَخر، ويقول: (أَتَرَى بِما أقُولُهُ بأْسا؟) فيقول: لا ففي هذا أُنزلت: عَبَسَ وتَوَلّى.

٢٨٠٨٢ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: عَبَسَ وَتَوّلى أنْ جاءَهُ الأعْمَى قال: بينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يناجي عُتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب، وكان يتصدّى لهم كثيرا، ويَحرِص عليهم أن يؤمنوا، فأقبل إليه رجل أعمى، يقال له عبد اللّه بن أم مكتوم، يمشي وهو يناجيهم، فجعل عبد اللّه يستقرىء النبي صلى اللّه عليه وسلم آية من القرآن، وقال: يا رسول اللّه ، عَلّمني مما علّمك اللّه ، فأعرض عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وعَبَس في وجهه وتوّلى، وكرِه كلامه، وأقبل على الاَخرين فلما قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأخذ ينقلب إلى أهله، أمسك اللّه بعض بصره، ثم خَفَق برأسه، ثم أنزل اللّه : عَبَسَ وَتَولّى أنْ جاءَهُ الأعْمَى وَما يُدْرِيكَ لَعَلّهُ يَزّكّى أوْ يَذّكّرُ فَتَنْفَعَهُ الذّكْرَى، فلما نزل فيه أكرمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وكلّمه، وقال له: (ما حاجَتُك، هَلْ تُرِيدُ مِنْ شَيْءٍ؟) وإذا ذهب من عنده قال له: (هَلْ لَكَ حاجَةٌ فِي شَيْءٍ؟) وذلك لما أنزل اللّه : أمّا مَنِ اسْتَغْنَى فأنْتَ لَهُ تَصَدّى وَما عَلَيْكَ ألاّ يَزّكّى.

﴿ ١