تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة المطففين

سورة المطففين مكيّة وآياتها ست وثلاثون

بسم اللّه الرحمَن الرحيـم

١

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَيْلٌ لّلْمُطَفّفِينَ }.

يقول تعالى ذكره: الوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم في أسفلها للذين يُطَفّفون، يعني : للذين ينقصون الناس، ويَبْخَسونهم حقوقهم في مكاييلهم إذا كالوهم، أو موازينهم إذا وزنوا لهم عن الواجب لهم من الوفاء وأصل ذلك من الشيء الطفيف، وهو القليل النّزْر، والمطفّف: المقلّل حقّ صاحب الحقّ عما له من الوفاء والتمام في كيل أو وزن ومنه قيل للقوم الذين يكونون سواء في حسبة أو عدد: هم سواء كطَفّ الصاع، يعني بذلك: كقرب الممتلىء منه ناقص عن الملء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٨٢٨٨ـ حدثني أبو السائب، قال: حدثنا ابن فضيل، عن ضِرار، عن عبد اللّه ، قال: قال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، إن أهل المدينة لَيوفون الكيل، قال: وما يمنعهم من أن يوفوا الكيل، وقد قال اللّه : وَيْلٌ للْمُطَفّفِينَ حتى بلغ: يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ.

٢٨٢٨٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرِمة، عن ابن عباس ، قال: لما قَدم النبي صلى اللّه عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً، فأنزل اللّه : وَيْلٌ لِلْمُطَفّفِينَ فأحسنوا الكيل.

٢٨٢٩٠ـ حدثني محمد بن خالد بن خداش، قال: حدثنا سلم بن قتيبة، عن قسام الصيرفي، عن عكرِمة قال: أشهد أن كلّ كيال ووزّان في النار، فقيل له في ذلك، فقال: إنه ليس منهم أحد يزن كما يتزن، ولا يكيل كما يكتال، وقد قال اللّه : وَيْلٌ لِلْمُطَفّفِينَ.

٢

و قوله: الّذِينَ إذَا اكْتالُوا عَلى النّاسِ يَسْتَوفُونَ يقول تعالى ذكره: الذين إذا اكتالوا من الناس ما لهم قبلهم من حقّ، يستوفون لأنفسهم فيكتالونه منهم وافيا و(على) و(من) في هذا الموضع يتعاقبان غير أنه إذا

قيل: اكتلت منك، يراد: استوفيت منك.

٣

و قوله: وَإذَا كالُوهُمْ أوْ وَزَنُوهُمْ يقول: وإذا هم كالوا للناس أو وزنوا لهم. ومن لغة أهل الحجاز أن يقولوا: وزنتك حقك، وكلتك طعامك، بمعنى: وزنت لك وكلت لك. ومن وجّه الكلام إلى هذا المعنى، جعل الوقف على هم، وجعل هم في موضع نصب. وكان عيسى بن عمر فيما ذُكر عنه يجعلهما حرفين، ويقف على كالوا، وعلى وزنوا، ثم يبتدىء: هم يُخسرون. فمن وجّه الكلام إلى هذا المعنى، جعل هم في موضع رفع، وجعل كالوا ووزنوا مكتفيين بأنفسهما.

والصواب في ذلك عندي: الوقف على هم، لأن كالوا ووزنوا لو كانا مكتفيين، وكانت هم كلاما مستأنفا، كانت كتابة كالوا ووزنوا بألف فاصلة بينها وبين هم مع كل واحد منهما، إذ كان بذلك جرى الكتاب في نظائر ذلك، إذا لم يكن متصلاً به شيء من كنايات المفعول، فكتابهم ذلك في هذا الموضع بغير ألف أوضح الدليل على أن قوله: هُمْ إنما هو كناية أسماء المفعول بهم. فتأويل الكلام إذ كان الأمر على ما وصفنا، على ما بيّنا.

و قوله: يُخْسِرُونَ يقول: ينقصونهم.

٤

انظر تفسير الآية:٥

٥

و قوله: ألا يَظُنّ أُولَئِكَ أنّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يقول تعالى ذكره: ألا يظنّ هؤلاء المطففون الناس في مكاييلهم وموازينهم، أنهم مبعوثون من قبورهم بعد مماتهم، ليوم عظيم شأنه، هائل أمره، فظيع هوله؟.

٦

و قوله: يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ فيوم يقوم تفسير عن اليوم الأوّل المخفوض، ولكنه لما لم يعد عليه اللام، ردّ إلى مبعوثون، فكأنه قال: ألا يظنّ أولئك أنهم مبعوثون يوم يقوم الناس؟ وقد يجوز نصبه وهو بمعنى الخفض، لأنها إضافة غير محضة، ولو خفض ردّا على اليوم الأوّل لم يكن لحنا، ولو رفع جاز، كما قال الشاعر:

وكُنْتُ كَذي رِجْلَينِ: رِجلٍ صَحِيحةٍوَرِجْلٍ رَمى فِيها الزّمانُ فَشُلّتِ

وذُكر أن الناس يقومون لربّ العالمين يوم القيامة، حتى يُلْجِمَهم العرق، فبعض يقول: مقدار ثلاث مئة عام، وبعض يقول: مقدار أربعين عاما. ذكر من قال ذلك:

٢٨٢٩١ـ حدثني عليّ بن سعيد الكنديّ، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، في قوله: يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال: (يقوم أحدكم في رَشْحِه إلى أنصاف أذنيه) .

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال: يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه.

حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا ابن عون، عن نافع، قال: قال ابن عمر: يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ حتى يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه.

٢٨٢٩٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (إنّ النّاسَ يُوقَفُونَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لِعَظَمَةِ اللّه ، حتى إنّ الْعَرَقَ لَيُلْجِمُهُمْ إلى أنْصَافِ آذَانِهِمْ) .

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، قال: سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: (يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لِعَظَمَةِ الرّحْمَنِ) ، ثم ذكر مثله.

حدثني محمد بن خَلَف العَسقلاني، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الاَية يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال: (يَقُومُونَ حتى يَبْلُغَ الرّشْحُ إلى أنْصَافِ آذانِهِمْ) .

حدثنا أحمد بن محمد بن حبيب، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا أبي، عن صالح، قال: حدثنا نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ) : (يَومَ الْقِيامَةِ، حتى يَغِيبَ أحَدهُمُ إلى أنْصَافِ أُذُنَيْهِ فِي رَشْحِهِ) .

٢٨٢٩٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة بن سعيد، عن محارب بن دِثار، عن ابن عمر، في قوله: يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعَالَمِينَ قال: يقومون مئة سنة.

حدثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قال: سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: (يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ يَوْمَ الْقِيامَةِ، حّتى إنّ الْعَرَقَ لَيُلْجِمُ الرّجُلَ إلى أنْصَافِ أُذُنَيْهِ) .

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، بنحوه.

حدثنا ابن المثنى وابن وكيع، قالا: حدثنا يحيى، عن عبد اللّه ، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ حتّى يَقُومَ أحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إلى أنْصَافِ أُذُنَيْهِ) .

٢٨٢٩٤ـ حدثني محمد بن إبراهيم السّلِيْميّ المعروف بابن صدران، قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق، قال: حدثنا عبد السلام بن عجلان، قال: حدثنا يزيد المدني، عن أبي هريرة، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال لبشير الغِفَاريّ: (كَيْفَ أنْتَ صَانِعٌ فِي يَوْمٍ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ مِقْدَارَ ثَلاثِ مِئَةِ سَنَةٍ مِنْ أيّامِ الدّنيْا، لا يأتِيهِمْ خَبرٌ مِنَ السّماءِ، وَلا يُؤْمَرُ فِيهِمْ بأمْرٍ؟) قال بشير: المستعان اللّه يا رسول اللّه ، قال: (إذَا أنْتَ أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ فَتَعَوّذْ باللّه مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيامَةِ، وَسُوءِ الْحِسابِ) .

٢٨٢٩٥ـ حدثني يحيى بن طلحة اليربوعيّ، قال: حدثنا شريك، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عبد اللّه بن مسعود في قوله: يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال: يمكثون أربعين عاما رافعي رؤوسهم إلى السماء، لا يكلمهم أحد، قد ألجم العرق كلّ برّ وفاجر، قال: فينادي منادٍ: أليس عدلاً من ربكم أن خلقكم ثم صوّركم، ثم رزقكم، ثم توليتم غيره، أن يولّي كلّ عبد منكم ما تولى في الدنيا؟ قالوا: بلى. ثم ذكر الحديث بطوله.

٢٨٢٩٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن قيس بن سكْن، قال: حدث عبد اللّه ، وهو عند عمر يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال: إذا كان يوم القيامة يقوم الناس بين يدي ربّ العالمين أربعين عاما، شاخصة أبصارهم إلى السماء، حفاة عراة يلجمهم العرق، ولا يكلّمهم بشر أربعين عاما، ثم ذكر نحوه.

٢٨٢٩٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ العالَمِينَ قال: ذُكر لنا أن كعبا كان يقول: يقومون ثلاث مئة سنة.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران وسعيد، عن قتادة يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ قال: كان كعب يقول: يقومون مقدار ثلاث مئة سنة.

٢٨٢٩٨ـ قال: قتادة : وحدثنا العلاء بن زياد العدويّ، قال: بلغني أن يوم القيامة يَقْصُر على المؤمن، حتى يكون كإحدى صلاته المكتوبة.

قال: ثنا مهران، قال: حدثنا العمريّ، عن نافع، عن ابن عمر، قال: سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول: (يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ) قال: (يَقُومُ الرّجُلُ فِي رَشْحِهِ إلى أنْصافِ أُذُنَيهِ) .

حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَية، عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر، قال: يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ حتى يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه.

٢٨٢٩٩ـ قال يعقوب، قال إسماعيل: قلت لابن عون: ذكر النبي صلى اللّه عليه وسلم في هذا الحديث؟ قال: نَعَمْ إنْ شاءَ اللّه .

حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، قال: ثني عمي، قال: أخبرني مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ، حتى إنّ أحَدَهُمْ لَيَغِيبُ فِي رَشْحِهِ إلى نِصْفِ أُذُنَيْهِ) .

٧

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {كَلاّ إِنّ كِتَابَ الْفُجّارِ لَفِي سِجّينٍ}.

يقول تعالى ذكره: كلا، أي ليس الأمر كما يظنّ هؤلاء الكفار، أنهم غير مبعوثين ولا معذّبين، إن كتابهم الذي كتب فيه أعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا لَفِي سِجّينٍ وهي الأرض السابعة السفلى، وهو (فعّيلٌ) من السّجن، كما

قيل: رجل سِكّير من السكر، وفِسيق من الفسق.

وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: مثل الذي قلنا في ذلك. ذكر من قال ذلك:

٢٨٣٠٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن مغيث بن سميّ: إنّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجّينٍ قال: في الأرض السابعة.

٢٨٣٠١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن مغيث بن سميّ، قال: إنّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجّينِ قال: الأرض السفلى، قال: إبليس مُوثَق بالحديد والسلاسل في الأرض السفلى.

٢٨٣٠٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني جرير بن حازم، عن سليمان الأعمش، عن شمر بن عطية، عن هلال بن يساف، قال: كنا جلوسا إلى كعب أنا وربيع بن خيثم وخالد بن عُرْعُرة، ورهط من أصحابنا، فأقبل ابن عباس ، فجلس إلى جنب كعب، فقال: يا كعب، أخبرني عن سجّين، فقال كعب: أما سجّين: فإنها الأرض السابعة السفلى، وفيها أرواح الكفار تحت حدّ إبليس.

٢٨٣٠٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إنّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجّينٍ: ذُكر أن عبد اللّه بن عمرو كان يقول: هي الأرض السفلى، فيها أرواح الكفار، وأعمالهم أعمال السّوء.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فِي سِجّينٍ قال: في أسفل الأرض السابعة.

٢٨٣٠٤ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، في قوله: إنّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجّينٍ يقول: أعمالهم في كتاب في الأرض السفلى.

٢٨٣٠٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول اللّه : فِي سِجّينٍ قال: عملهم في الأرض السابعة لا يصعد.

حدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

حدثني عمر بن إسماعيل بن مجالد، قال: حدثنا مطرّف بن مازن: قاضي اليمن، عن معمر، عن قتادة قال: سِجّينٍ: الأرض السابعة.

٢٨٣٠٦ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لَفِي سِجّينٍ يقول: في الأرض السفلى.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا سليمان، قال: حدثنا أبو هلال، قال: حدثنا قتادة ، في قوله: إنّ كِتابَ الفُجّار لَفِي سِجّينٍ قال: الأرض السابعة السفلى.

٢٨٣٠٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: كَلاّ إنّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجّينٍ قال: يقال سجين: الأرض السافلة، وسجين: بالسماء الدنيا.

وقال آخرون: بل ذلك حدّ إبليس. ذكر من قال ذلك:

٢٨٣٠٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب القُمّي، عن حفص بن حميد، عن شمر، قال: جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار، فقال له ابن عباس : حدّثني عن قول اللّه : إنّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجّينٍ... الاَية، قال كعب: إن روح الفاجر يُصْعد بها إلى السماء، فتأبى السماء أن تقبلها، ويُهبط بها إلى الأرض، فتأبى الأرض أن تقبلها، فتهبط فتدخل تحت سبع أرضين، حتى ينتهي بها إلى سجين، وهو حدّ إبليس، فيخرج لها من سجين من تحت حدّ إبليس رَقّ، فيرقم ويختم، يوضع تحت حدّ إبليس بمعرفتها الهلاك إلى يوم القيامة.

٢٨٣٠٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: إنّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجّينٍ قال: تحت حدّ إبليس.

وقال آخرون: هو جبّ في جهنم مفتوح، ورووا في ذلك خبرا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم .

٢٨٣١٠ـ حدثنا به إسحاق بن وهب الواسطيّ، قال: حدثنا مسعود بن موسى بن مسكان الواسطيّ، قال: حدثنا نضر بن خُزيمة الواسطي، عن شعيب بن صفوان، عن محمد بن كعب القُرَظي، عن أبي هريرة، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قوله: قال: (الفَلَقُ جُبّ فِي جَهَنّمَ مُغَطّى، وأمّا سِجّينٌ فَمَفْتُوحٌ) .

وقال بعض أهل العربية: ذكروا أن سجين: الصخرة التي تحت الأرض، قال: ويُرَى أن سجين صفة من صفاتها، لأنه لو كان لها اسما لم يجرّ، قال: وإن قلت أجريته لأني ذهبت بالصخرة إلى أنها الحجر الذي فيه الكتاب كان وجها.

وإنما اخترت القول الذي اخترت في معنى قوله: سِجّينٍ لما:

٢٨٣١١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا ابن نمير، قال: حدثنا الأعمش، قال: حدثنا المنهال بن عمرو، عن زاذان أبي عمرو، عن البراء، قال: سِجّينٍ: الأرض السفلى.

٢٨٣١٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو بكر، عن الأعمش، عن المنهال، عن زاذان، عن البراء، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قال: (وذكر نفس الفاجر، وأنّهُ يُصْعَدُ بها إلى السّماءِ، قال: فَيَصْعَدُونَ بِها فَلا يَمُرّونَ بِها عَلى مَلإِ مِنَ المَلائِكَةِ إلاّ قالُوا: ما هَذَا الرّوحُ الخَبِيثُ؟ قال: فَيَقُولُونَ فُلانٌ بأقْبَحِ أسمَائِهِ التي كانَ يُسَمّى بِها فِي الدنْيا حتى يَنْتَهُوا بِها إلى السّماءِ الدّنيْا، فَيسْتَفْتِحُونَ لَهُ، فَلا يُفْتَحُ لَهُ) ثم قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (لا تُفَتّحُ لَهُمْ أبْوَابُ السّماءِ ولاَ يَدْخُلُونَ الجّنَةَ حتى تَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمّ الخِياطِ فَيَقُولُ اللّه : اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي أسْفَلِ الأرْضِ فِي سِجّينٍ فِي الأرْضِ السّفْلَى) .

٢٨٣١٣ـ حدثنا نصر بن عليّ، قال: حدثنا يحيى بن سليم، قال: حدثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: كَلاّ إنّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجّينٍ قال: سجين: صخرة في الأرض السابعة، فيجعل كتاب الفجار تحتها.

٨

و قوله: وَما أدْرَاكَ ما سِجّينٌ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : وأيّ شيء أدراك يا محمد، أيّ شيء ذلك الكتاب

ثم بين ذلك تعالى ذكره، فقال: هُوَ كِتابٌ مَرْقُومٌ، وعنى بالمرقوم: المكتوب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٩

 ٢٨٣١٤ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فِي كِتابٍ مَرْقُومٍ قال: كتاب مكتوب.

٢٨٣١٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَما أدْرَاكَ ما سِجّينٌ كِتابٌ مَرْقومٌ قال: رقم لهم بشر.

٢٨٣١٦ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ابن زيد، في قوله: كِتابٌ مَرْقومٌ قال: المرقوم: المكتوب.

١٠

و قوله: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ للْمُكَذّبِينَ يقول تعالى ذكره: ويل يومئذٍ للمكذّبين بهذه الاَيات، الذين يكذّبون بيوم الدين، يقول: الذين يكذّبون بيوم الحساب والمجازاة.

١١

٢٨٣١٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: الّذِينَ يُكَذّبُونَ بِيَوْمِ الدّينِ قال أهل الشرك يكذّبون بالدين، وقرأ: وَقالَ الّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبّئُكُمْ... إلى آخر الاَية.

١٢

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَمَا يُكَذّبُ بِهِ إِلاّ كُلّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ }.

يقول تعالى ذكره: وما يكذّب بيوم الدين إلاّ كُلّ مُعْتَدٍ اعتدى على اللّه في قوله، فخالف أمره، أثِيمٍ بربه، كما:

٢٨٣١٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ للْمُكَذّبِينَ قال اللّه : وَما يُكَذّبُ بِهِ إلاّ كُلّ مُعْتَدٍ أثِيمٍ: أي بيوم الدين، إلاّ كلّ معتد في قوله، أثيم بربه.

١٣

إذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آياتُنا يقول تعالى ذكره: إذا قُرِىء عليه حججنا وأدلتنا التي بيّنّاها في كتابنا الذي أنزلناه إلى محمد صلى اللّه عليه وسلم ، قالَ أساطِيرُ الأوّلِينَ يقول: قال: هذا ما سطّره الأوّلون فكتبوه، من الأحاديث والأخبار.

١٤

و قوله: كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ يقول تعالى ذكره مكذّبا لهم في قيلهم ذلك: كلا، ما ذلك كذلك، ولكنه ران على قلوبهم يقول: غلب على قلوبهم وغَمَرها، وأحاطت بها الذنوب فغطتها يقال منه: رانت الخمر على عقله، فهي تَرِين عليه رَيْنا، وذلك إذا سكر، فغلبت على عقله ومنه قول أبي زُبيد الطائي:

ثُمّ لَمّا رآهُ رَانَتْ بِهِ الخَمرُ وأنْ لا تَرِينَهُ باتّقاءِ

 يعني ترينه بمخافة، يقول: سكر فهو لا ينتبه ومنه قول الراجز:

لمْ نَرْوَ حتى هَجّرَتْ وَرِينَ بِيوَرِينَ بالسّاقي الّذي أمْسَى مَعِي

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاء الأثَر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . ذكر من قال ذلك:

٢٨٣١٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو خالد، عن ابن عجلان، عن القَعْقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هُرَيرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إذَا أذْنَبَ العَبْدُ نُكِتَ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فإنْ تابَ صُقِلَ مِنْها، فإنْ عادَ عادَتْ حتى تَعْظُمْ فِي قَلْبِهِ، فَذلكَ الرّانُ الّذي قالَ اللّه كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) .

حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا صفوان بن عيسى، قال: حدثنا ابن عَجلان، عن القَعقاع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إنّ المُؤْمِنَ إذَا أذْنَبَ ذَنْبا كانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فإن تابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صَقَلَتْ قَلْبَهُ، فإنْ زَادَ زادَتْ حتى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، فَذَلكَ الرّانُ الّذي قالَ اللّه : كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) .

حدثني عليّ بن سهيل، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن محمد بن عَجْلان، عن القَعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قال: (إنّ الْعَبْدَ إذَا أذْنَبَ ذَنْبا كانَتْ نُكْتَةٌ سَوْداءُ فِي قَلْبِهِ، فإنْ تابَ مِنْها صُقِلَ قَلْبُهُ، فإنْ زَادَ زَادَتْ، فَذلكَ قَوْلُ اللّه : كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) .

حدثني أبو صالح الضّراري محمد بن إسماعيل، قال: أخبرني طارق بن عبد العزيز، عن ابن عجلان، عن القعقاع، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إنّ الْعَبْدَ إذَا أخْطأَ خَطيئَةً كانَتْ نُكْتَةٌ فِي قَلْبِهِ، فإنْ تابَ واسْتَغْفَرَ وَنَزَعَ صَقَلَتْ قَلْبَهُ، وَذَلكَ الرّانُ الّذِي ذَكَرَ اللّه كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ قال أبو صالح: كذا قال: صقلت، وقال غيره: سَقَلت.)

٢٨٣٢٠ـ حدثني علي بن سهل الرمليّ، قال: حدثنا الوليد، عن خُلَيد، عن الحسن، قال: وقرأ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ قال: الذنب على الذنب حتى يموت قلبه.

حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ قال: الذنب على الذنب حتى يعمَى القلب فيموت.

٢٨٣٢١ـ حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: حدثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن مجاهد كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانوا يَكْسِبُونَ قال: العبد يعمل بالذنوب، فتحيط بالقلب، ثم ترتفع، حتى تغشى القلب.

٢٨٣٢٢ـ حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرمليّ، قال: حدثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، قال: أرانا مجاهد بيده، قال، كانوا يرون القلب في مثل هذا، يعني الكفّ، فإذا أذنب العبد ذنبا ضمّ منه، وقال بأصبعه الخنصر هكذا، فإذا أذنب ضمّ أصبعا أخرى، فإذا أذنب ضمّ أصبعا أخرى، حتى ضمّ أصابعه كلها، ثم يطبع عليه بطابع، قال مجاهد: وكانوا يرون أن ذلك الرّيْن.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن مجاهد، قال: القلب مثل الكفّ، فإذا أذنب الذنب قبض أصبعا، حتى يقبض أصابعه كلها، وإن أصحابنا يرون أنه الران.

حدثنا أبو كريب مرّة أخرى بإسناده عن مجاهد، قال: القلب مثل الكفّ، وإذا أذنب انقبض، وقَبَض أصبعه، فإذا أذنب انقبض، حتى ينقبض كله، ثم يطبع عليه، فكانوا يرون أن ذلك هو الران كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ.

حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول اللّه بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ قال: الخطايا حتى غمرته.

حدثنا الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ انبثت على قلبه الخطايا حتى غمرته.

٢٨٣٢٣ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ يقول: يطبع.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ قال: طبع على قلوبهم ما كسبوا.

٢٨٣٢٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن طلحة، عن عطاء كَلاّ بَلْ رَانَ عَلَى قِلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ قال: غَشِيت على قلوبهم فهوت بها، فلا يفزعون، ولا يتحاشَون.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن الحسن كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ قال: هو الذنب حتى يموت القلب.

قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ قال: الران: الطبع يطبع القلب مثل الراحة، فيذنب الذنب، فيصير هكذا، وعقد سفيان الخنصر، ثم يذنب الذنب فيصير هكذا، وقَبض سفيان كفه، فيُطْبعَ عليه.

٢٨٣٢٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ أعمال السوء، إي واللّه ذنب على ذنب، وذنب على ذنب حتى مات قلبه واسودّ.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ قال: هذا الذنب على الذنب، حتى يَرِين على القلب فيسودّ.

٢٨٣٢٦ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ قال: غلب على قلوبهم ذُنُوبهم، فلا يَخْلُص إليها معها خير.

٢٨٣٢٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله كَلاّ بَلْ رَانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ قال: الرجل يذنب الذنب، فيحيط الذنب بقلبه، حتى تَغْشَى الذنوب عليه. قال مجاهد: وهي مثل الاَية التي في سورة البقرة بَلى مَنْ كَسَبَ سَيّئَةً وأحاطَتْ بهِ خَطيئَتُهُ فأُولَئِكَ أصحَابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.

١٥

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {كَلاّ إِنّهُمْ عَن رّبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لّمَحْجُوبُونَ }.

يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما يقول هؤلاء المكذّبون بيوم الدين، من أن لهم عند اللّه زُلْفة، إنهم يومئذٍ عن ربهم لمحجوبون، فلا يرونه، ولا يرون شيئا من كرامته يصل إليهم.

وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله: إنّهُمْ عَنْ رَبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ فقال بعضهم: معنى ذلك: إنهم محجوبون عن كرامته. ذكر من قال ذلك:

٢٨٣٢٨ـ حدثني عليّ بن سهل، قال: حدثنا الوليد مسلم، عن خليد، عن قتادة كَلاّ إنّهُمْ عَنْ رَبّهمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ هو لا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم.

٢٨٣٢٩ـ حدثني سعيد بن عمرو السكونيّ، قال: حدثنا بقية بن الوليد، قال: حدثنا جرير، قال: ثني نمران أبو الحسن الذماري، عن ابن أبي مليكة أنه كان يقول في هذه الاَية إنّهُم عَنْ رَبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ قال: المنّان، والمختال، والذي يقتطع أموال الناس بيمينه بالباطل.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنهم محجوبون عن رؤية ربهم. ذكر من قال ذلك:

٢٨٣٣٠ـ حدثني محمد بن عمار الرازيّ، قال: حدثنا أبو معمر المنقريّ، قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن في قوله: كَلاّ إنّهُمْ عَنْ رَبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ قال: يكشف الحجاب فينظر إليه المؤمنون كلّ يوم غُدْوة وعشية، أو كلاما هذا معناه.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: إن اللّه تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء القوم أنهم عن رؤيته محجوبون. ويُحتمل أن يكون مرادا به الحجاب عن كرامته، وأن يكون مرادا به الحجاب عن ذلك كله، ولا دلالة في الاَية تدلّ على أنه مراد بذلك الحجاب عن معنى منه دون معنى، ولا خبر به عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قامت حجته. فالصواب أن يقال: هم محجوبون عن رؤيته، وعن كرامته، إذ كان الخبر عاما، لا دلالة على خصوصه.

١٦

و قوله: ثم إنّهُمْ لَصَالُوا الجَحِيمِ يقول تعالى ذكره: ثم إنهم لوارِدُو الجحيم، فمشويّون فيها،

١٧

ثم يُقَالُ هَذَا الّذِي كُنْتُمْ بهِ تُكَذّبُونَ

يقول جلّ ثناؤه: ثم يقال لهؤلاء المكذّبين بيوم الدين: هذا العذاب الذي أنتم فيه اليوم، هو العذاب الذي كنتم في الدنيا تخبرون أنكم ذائقوه، فتكذّبون به، وتنكرونه، فذوقوه الاَن، فقد صَلَيتم به.

١٨

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {كَلاّ إِنّ كِتَابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلّيّينَ}.

يقول تعالى ذكره: كَلاّ إنّ كتابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلّيّينَ والأبرار: جمع برّ، وهم الذين برّوا اللّه بأداء فرائضه، واجتناب محارمه. وقد كان الحسن يقول: هم الذين لايؤذون شيئا حتى الذّرّ.

٢٨٣٣١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا هشام، عن شيخ، عن الحسن، قال: سُئل عن الأبرار، قال: الذين لا يؤذون الذرّ.

حدثنا إسحاق بن زيد الخطابيّ، قال: حدثنا الفِريابيّ، عن السريّ بن يحيى، عن الحسن، قال: الأبرار: هم الذين لا يؤذون الذرّ.

و قوله: لَفِي عِلّيّينَ اختلف أهل التأويل في معنى عليين، فقال بعضهم: هي السماء السابعة. ذكر من قال ذلك:

٢٨٣٣٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني جرير بن حازم، عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن هلال بن يِساف، قال: سأل ابن عباس كعبا وأنا حاضر عن العِليين، فقال كعب: هي السماء السابعة، وفيها أرواح المؤمنين.

٢٨٣٣٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عبيد اللّه ، يعني العَتَكِي، عن قتادة ، في قوله إنّ كِتابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلّيّينَ قال: في السماء العليا.

٢٨٣٣٤ـ حدثني عليّ بن الحسين الأزديّ، قال: حدثنا يحيى بن يمان، عن أُسامة بن زيد، عن أبيه، في قوله: إنّ كِتابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلّيّينَ قال: في السماء السابعة.

٢٨٣٣٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: عِلّيّونَ قال: السماء السابعة.

٢٨٣٣٦ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لَفِي عِلّيّينَ: في السماء عند اللّه .

وقال آخرون: بل العِلّيون: قائمة العرش اليمنى. ذكر من قال ذلك:

٢٨٣٣٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة كَلاّ إنّ كِتابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلّيّينَ ذُكر لنا أن كعبا كان يقول: هي قائمة العرش اليمنى.

حدثني عمر بن إسماعيل بن مجالد، قال: حدثنا مُطَرّف بن مازن، قاضي اليمن، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: إنّ كِتابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلّيّينَ قال: عِلّيون: قائمة العرش اليمنى.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فِي عِلّيّينَ قال: فوق السماء السابعة، عند قائمة العرش اليمنى.

٢٨٣٣٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب القُمّي، عن حفص، عن شمر، عن عطية، قال: جاء ابن عباس إلى كعب الأحبار، فسأله، فقال: حدثني عن قول اللّه إنّ كِتابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلّيّينَ... الاَية، فقال كعب: إن الروح المؤمنة إذا قُبِضت، صُعد بها، ففُتحت لها أبواب السماء، وتلقّتها الملائكة بالبُشرَى، ثم عَرَجوا معها حتى ينتهوا إلى العرش، فيخرج لها من عند العرش رَقّ، فيُرقَم، ثم يختم بمعرفتها النجاة بحساب يوم القيامة، وتشهد الملائكة المقرّبون.

وقال آخرون: بل عُنِيَ بالعليين: الجَنّة. ذكر من قال ذلك:

٢٨٣٣٩ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثنا معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله إنّ كِتابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلّيّينَ قال: الجنة.

وقال آخرون: عند سِدْرة المنتهى. ذكر من قال ذلك:

٢٨٣٤٠ـ حدثني جعفر بن محمد البزوريّ من أهل الكوفة، قال: حدثنا يعلى بن عبيد، عن الأجلح، عن الضحاك قال: إذا قبض رُوح العبد المؤمن عُرج به إلى السماء، فتنطلق معه المقرّبون إلى السماء الثانية، قال الأجلح: قلت: وما المقرّبون؟ قال: أقربهم إلى السماء الثانية، فتنطلق معه المقرّبون إلى السماء الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة، حتى تنتهي به إلى سِدْرة المنتهى. قال الأجلح: قلت للضحاك: لِمَ تسمى سِدْرة المنتهى؟ قال: لأنه يَنْتهي إليها كلّ شيء من أمر اللّه لا يعدوها، فتقول: ربّ عبدك فلان، وهو أعلم به منهم، فيبعث اللّه إليهم بصَكّ مختوم يؤمّنه من العذاب، فذلك قول اللّه : كَلاّ إنّ كِتاب الأبْرَارِ لَفِي عِلّيّينَ وَما أدْرَاكَ ما عِلّيّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ المُقَرّبُونَ.

وقال آخرون: بل عُنِي بالعِلّيين: في السماء عند اللّه . ذكر من قال ذلك:

٢٨٣٤١ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: إنّ كِتابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلّيّينَ يقول: أعمالُهم في كتاب عند اللّه في السماء.

والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن اللّه تعالى ذكره أخبر أن كتاب الأبرار في عِليين والعليون: جمع، معناه: شيء فوق شيء، وعلوّ فوق علوّ، وارتفاع بعد ارتفاع، فلذلك جُمعت بالياء والنون، كجمع الرجال، إذا لم يكن له بناء من واحده واثنيه، كما حُكِي عن بعض العرب سماعا: أطْعَمَنا مَرَقَة مَرَقَينِ: يعن اللحم المطبوخ كما قال الشاعر:

قَدْ رَوِيَتْ إلاّ الدّهَيْدِ هِيناقُلَيّصَاتٍ وأُبَيْكِرِينَا

فقال: وأبيكرينا، فجمعها بالنون إذ لم يقصد عددا معلوما من البكارة، بل أراد عددا لا يحدّ آخره، وكما قال الاَخر:

فأصْبَحَتِ المَذَاهِبُ قَد أذَاعَتْبِها الإعْصَارُ بَعْدُ الْوَابِلِينا

 يعني : مطرا بعد مطر غير محدود العدد، وكذلك تفعل العرب في كلّ جمع لم يكن بناء له من واحده واثنيه، فجمعه في جميع الإناث، والذكران بالنون على ما قد بيّنا، ومن ذلك قولهم للرجال والنساء: عشرون وثلاثون. فإذا كان ذلك كالذي ذكرنا، فبّينٌ أن قوله: لَفِي عِلّيّينَ معناه: في علوّ وارتفاع، في سماء فوق سماء، وعلوّ فوق علوّ، وجائز أن يكون ذلك إلى السماء السابعة، وإلى سدرة المنتَهى، وإلى قائمة العرش، ولا خبر يقطع العذر بأنه معنيّ به بعضُ ذلك دون بعض.

والصواب أن يقال في ذلك، كما قال جلّ ثناؤه: إن كتاب أعمال الأبرار لفي ارتفاع إلى حدّ قد علم اللّه جلّ وعزّ منتهاه، ولا علم عندنا بغايته، غير أن ذلك لا يَقْصُر عن السماء السابعة، لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك.

١٩

و قوله: وَما أْدَرَاكَ ما عِلّيُونَ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد اللّه ، مُعَجّبه من علّيين: وأيّ شيء أشعرك يا محمد ما عليون؟.

٢٠

و قوله: كِتابٌ مَرْقُومٌ

يقول جلّ ثناؤه: إن كتاب الأبرار لفي عِلّيين، كتاب مرقوم: أي مكتوب بأمان من اللّه إياه من النار يوم القيامة، والفوز بالجنة، كما قد ذكرناه قبل عن كعب الأحبار والضحاك بن مُزَاحم، وكما:

٢٨٣٤٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة كِتاب مَرْقُومٌ رُقِمَ.

٢١

و قوله: يَشْهَدُهُ المُقَرّبُونَ يقول: يشهد ذلك الكتاب المكتوب بأمان اللّه للبَرّ من عباده من النار، وفوزه بالجنة، المقرّبون من ملائكته من كلّ سماء من السموات السبع. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٨٣٤٣ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس يَشْهَدُهُ المُقَرّبُونَ قال: كلّ أهل السماء.

٢٨٣٤٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يَشْهَدُهُ المُقَرّبُونَ من ملائكة اللّه .

٢٨٣٤٥ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يَشْهَدُهُ المُقَرّبُونَ قال: يشهده مقربّو أهل كلّ سماء.

٢٨٣٤٦ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يَشْهَدهُ المُقَرّبُونَ قال: الملائكة.

٢٢

و قوله: إنّ الأبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ يقول تعالى ذكره: إن الأبرار الذين بَرّوا باتقاء اللّه ، وأداء فرائضه، لفي نعيم دائم، لا يزول يوم القيامة، وذلك نعيمهم في الجنان.

٢٣

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {عَلَى الأرَآئِكِ يَنظُرُونَ }.

 يعني تعالى ذكره ب قوله: عَلى الارَائِكِ يَنْظُرُونَ: على السرر في الحِجال، من اللؤلؤ والياقوت، ينظرون إلى ما أعطاهم اللّه من الكرامة والنعيم، والحَبْرة في الجنان.

٢٨٣٤٧ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: عَلى الأرَائِكِ قال: من اللؤلؤ والياقوت.

٢٨٣٤٨ـ قال: ثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن حُصَين، عن مجاهد، عن ابن عباس الأَرَائِكِ: السّرُر في الحَجال.

٢٤

و قوله: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النّعِيمِ يقول تعالى ذكره: تعرف في الأبرار الذين وصف اللّه صفتهم نَضْرة النعيم، يعني حُسنه وبريقه وتلألؤه.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله: تَعْرِفُ فقرأته عامة قرّاء الأمصار سوى أبي جعفر القارىء تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ بفتح التاء من تعرف على وجه الخطاب نَضْرَةَ النّعِيمِ بنصب نضرة. وقرأ ذلك أبو جعفر: (يُعْرَفُ) بضم التاء على وجه ما لم يسمّ فاعله، في وجوههم نضرةُ النعيم، برفع نضرة.

والصواب من القراءة في ذلك عندنا: ما عليه قرّاء الأمصار، وذلك فتح التاء من تَعْرِفُ، ونصب نَضْرَةَ.

٢٥

و قوله: يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ يقول: يُسقى هؤلاء الأبرار من خمر صِرف لا غشّ فيها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٨٣٤٩ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، في قوله: يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ قال: من الخمر.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ يعني بالرحيق: الخمر.

٢٨٣٥٠ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ قال: خمر.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: الرحيق: الخمر.

٢٨٣٥١ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثَور، عن معمر، عن قتادة رَحِيقٍ قال: هو الخمر.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ يقول: الخمر.

٢٨٣٥٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ الرحيق المختوم: الخمر قال حسان:

يَسْقُونَ مَنْ وَرَدَ البَرِيصَ عَلَيِهمُبَرَدَى يُصَفّقُ بالرّحِيقِ السّلْسَلِ

٢٨٣٥٣ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ قال: هو الخمر.

٢٨٣٥٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن مسروق، عن عبد اللّه قال: الرحيق: الخمر.

٢٦

وأما قوله: خِتامُهُ مِسْكٌ فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معنى ذلك: ممزوج مخلوط، مِزاجه وخِلطه مِسك. ذكر من قال ذلك:

٢٨٣٥٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن يزيد بن معاوية، وعلقمة عن عبد اللّه بن مسعود ختِامُهُ مِسْكٌ قال: ليس بخاتم، ولكن خلط.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن، قالا: حدثنا سفيان، عن أشعث بن سليم، عن يزيد بن معاوية، عن علقمة، عن عبد اللّه بن مسعود خِتامُهُ مِسْكٌ قال: أما إنه ليس بالخاتم الذي يختم، أما سمعتم المرأة من نسائكم تقول: طيب كذا وكذا خِلطه مسك.

٢٨٣٥٦ـ حدثني محمد بن عُبيد المحاربيّ، قال: حدثنا أيوب، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عمن ذكره، عن علقمة، في قوله: خِتامُهُ مِسْكٌ قال: خِلطه مسك.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن مسروق، عن عبد اللّه مختوم قال: ممزوج خِتامُهُ مِسْكٌ قال: طعمه وريحه.

قال: ثنا وكيع، عن أبيه، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن يزيد بن معاوية، عن علقمة خِتامُهُ مِسْكٌ قال: طعمه وريحه مسك.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن آخر شرابهم يُخْتم بمسك يجعل فيه. ذكر من قال ذلك:

٢٨٣٥٧ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتامُهُ مِسْكٌ يقول: الخمر: خُتِم بالمسك.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس خِتامُهُ مِسْكٌ قال: طيّب اللّه لهم الخمر، فكان آخر شيء جعل فيها حتى تختم، المسك.

٢٨٣٥٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة خِتامُهُ مِسْكٌ قال: عاقبته مسك، قوم تُمزَج لهم بالكافور، وتختم بالمسك.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة خِتامُهُ مِسْكٌ قال: عاقبته مِسك.

٢٨٣٥٩ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: خِتامُهُ مِسْكٌ قال طيّب اللّه لهم الخمر، فوجدوا فيها في آخر شيء منها، ريح المسك.

٢٨٣٦٠ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا حاتم بن وردان، قال: حدثنا أبو حمزة، عن إبراهيم والحسن في هذه الاَية: خِتامُهُ مِسْكٌ قال: عاقبته مسك.

٢٨٣٦١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا أبو حمزة، عن جابر عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي الدرداء خِتامُهُ مِسْكٌ فالشراب أبيض مثل الفضة، يختمون به شرابهم، ولو أن رجلاً من أهل الدنيا أدخل أصبعه فيه ثم أخرجها، لم يبق ذو روح إلا وجد طيبها.

وقال آخرون: عُنِي ب قوله: مَخْتُومٍ مُطَيّن خِتامُهُ مِسْكٌ طينه مسك. ذكر من قال ذلك:

٢٨٣٦٢ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: مَخْتُومٍ خِتامُهُ مِسْكٌ قال: طينه مسك.

٢٨٣٦٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: مَخْتُومٍ الخمر خِتامُهُ مِسْكٌ: ختامه عند اللّه مسك، وختامها اليوم في الدنيا طين.

وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب: قول من قال: معنى ذلك: آخره وعاقبته مسك: أي هي طيبة الريح، إن ريحها في آخر شربهم، يختم لها بريح المسك.

وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصحة، لأنه لا وجه للختم في كلام العرب إلا الطبع، والفراغ كقولهم: ختم فلان القرآن: إذا أتى على آخره، فإذا كان لا وجه للطبع على شراب أهل الجنة، يفهم إذا كان شرابهم جاريا جري الماء في الأنهار، ولم يكن مُعتقا في الدنان، فيُطَيّن عليها وتختم، تعين أن الصحيح من ذلك الوجه الاَخر، وهو العاقبة والمشروب آخرا، وهو الذي ختم به الشراب. وأما الختم بمعنى المزج، فلا نعلمه مسموعا من كلام العرب.

وقد اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار: خِتامُهُ مِسْكٌ سوى الكسائيّ، فإنه كان يقرؤه: (خاتَمَهُ مِسْكٌ) .

والصواب من القول عندنا في ذلك: ما عليه قَرَأَة الأمصار، وهو خِتامُهُ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه، والختام والخاتم، وإن اختلفا في اللفظ، فإنهما متقاربان في المعنى، غير أن الخاتم اسم، والختام مصدر ومنه قول الفرزدق:

فَبِتْنَ بِجانِبَيّ مُصَرّع اتٍوَبِتّ أفُضّ أغْلاقَ الخَتامِ

ونظير ذلك قولهم: هو كريم الطبائع والطباع.

و قوله: وفِي ذَلكَ فَلْيَتَنافَسِ المُتَنافِسُونَ يقول تعالى ذكره: وفي هذا النعيم الذي وصف جل ثناؤه أنه أعطى هؤلاء الأبرار في القيامة، فلينتافس المتنافسون. والتنافس: أن ينَفِس الرجل على الرجل بالشيء يكون له، ويتمنى أن يكون له دونه، وهو مأخوذ من الشيء النفيس، وهو الذي تحرص عليه نفوس الناس، وتطلبه وتشتهيه، وكان معناه في ذلك: فليجدّ الناس فيه، وإليه فليستبقوا في طلبه، ولتحرص عليه نفوسهم.

٢٧

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ }.

يقول تعالى ذكره: ومِزاج هذا الرحيق من تسنيم والتسنيم: التفعيل من قول القائل: سنمتهم العين تسنيما: إذا أجريتها عليهم من فوقهم، فكان معناه في هذا الموضع: ومِزاجه من ماء ينزل عليهم من فوقهم فينحدر عليهم. وقد كان مجاهد والكلبيّ يقولان في ذلك كذلك.

٢٨٣٦٤ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: تَسْنِيمٍ قال: تسنيم: يعلو.

٢٨٣٦٥ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن الكلبيّ، في قوله: تَسْنِيمٍ قال: تسنيم ينصبّ عليهم من فوقهم، وهو شراب المقرّبين.

وأما سائر أهل التأويل، فقالوا: هو عين يمزج بها الرحيق لأصحاب اليمين، وأما المقرّبون، فيشربونها صِرْفا. ذكر من قال ذلك:

٢٨٣٦٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن مُرّة، عن مسروق، عن عبد اللّه في قوله: مِنْ تَسْنِيمٍ قال: عين في الجنة يشربها المقرّبون، وتُمزج لأصحاب اليمين.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن مُرّة، عن مسروق، عن عبد اللّه وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ قال: يشربه المقرّبون صِرفا، ويمزج لأصحاب اليمين.

٢٨٣٦٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مالك بن الحرث، عن مسروق، وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ قال: عين في الجنة يشربها المقرّبون صِرفا، وتُمزج لأصحاب اليمين.

قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن مسروق عَيْنا يَشْرَبُ بِها المُقَرّبُونَ قال: يشرب بها المقرّبون صِرفا، وتمزج لأصحاب اليمين.

٢٨٣٦٨ـ حدثني طلحة بن يحيى اليربوعيّ، قال: حدثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن مالك بن الحرث، في قوله: وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ قال: في الجنة عين يشرب منها المقرّبون صِرفا، وتمزج لسائر أهل الجنة.

٢٨٣٦٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا أبو حمزة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس ، قوله: وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْنا يَشْرَبُ بِها المُقَرّبُونَ صِرفا، ويمزج فيها لمن دونهم.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مالك بن الحارث، في قوله: وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ قال: التسنيم: عين في الجنة يشربها المقرّبون صرفا، وتمزج لسائر أهل الجنة.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا أبو حمزة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس ، قوله وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ قال: عين يشرب بها المقرّبون، ويمزج فيها لمن دونهم.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْنا يَشْرَبُ بِها المُقَرّبُونَ عينا من ماء الجنة، تُمزج به الخمر.

٢٨٣٧٠ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ قال: خفايا أخفاها اللّه لأهل الجنة.

٢٨٣٧١ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا عمران بن عيينة، عن إسماعيل، عن أبي صالح، في قوله: وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ قال: هو أشرف شراب في الجنة، هو للمقرّبين صِرف، وهو لأهل الجنة مِزاج.

٢٨٣٧٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ شراب شريف، عين في الجنة يشربها المقرّبون صرفا، وتُمزج لسائر أهل الجنة.

٢٨٣٧٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْنا يَشْرَبُ بِها المُقَرّبُونَ قال: بلغنا أنها عين تخرج من تحت العرش، وهي مِزاج هذه الخمر: يعني مِزاج الرحيق.

٢٨٣٧٤ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: مِنْ تَسْنِيمٍ شراب اسمه تسنيم، وهو من أشرف الشراب.

فتأويل الكلام: ومزاج الرحيق من عين تُسَنّم عليهم من فوقهم، فتنصبّ عليهم يَشْرَبُ بِها المُقَرّبُونَ من اللّه صرفا، وتمزج لأهل الجنة.

واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله: عَيْنا فقال بعض نحويّي البصرة: إن شئت جعلت نصبه على يُسْقون عينا، وإن شئت جعلته مدحا، فيُقطع من أوّل الكلام، فكأنك تقول: أعني عينا.

وقال بعض نحويّي الكوفة: نصب العين على وجهين: أحدهما: أن يُنْوَى من تسنِيم عَيْن، فإذا نوّنت نصبت، كما قال: أوْ إطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيما، وكما قال: ألَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ كِفاتا أحْياءً. والوجه الاَخر: أن ينوى من ماء سُنّم عينا، كقولك: رفع عينا يشرب بها. قال: وإن لم يكن التسنيم اسما للماء، فالعين نكرة، والتسنيم معرفة، وإن كان اسما للماء، فالعين نكرة فخرجت نصبا. وقال آخر من البصريين: مِنْ تَسْنِيمٍ معرفة، ثم قال عَيْنا فجاءت نكرة، فنصبتها صفة لها. وقال آخر نُصبت بمعنى: من ماء يَتَسَنّم عينا.

والصواب من القول في ذلك عندنا: أن التسنيم اسم معرفة، والعين نكرة، فنصبت لذلك إذ كانت صفة له. وإنما قلنا: ذلك هو الصواب لما قد قدّمنا من الرواية عن أهل التأويل، أن التسنيم هو العين، فكان معلوما بذلك أن العين إذ كانت منصوبة وهي نكرة، أن التسنيم معرفة.

٢٩

و قوله: إنّ الّذِينَ أجْرَمُوا كانُوا منَ الّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ يقول تعالى ذكره: إن الذين اكتسبوا المآثم، فكفروا باللّه في الدنيا، كانوا فيها من الذين أقرّوا بوحدانية اللّه ، وصدّقوا به، يضحكون، استهزاء منهم بهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٨٣٧٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إنّ الّذِينَ أجْرَمُوا كانُوا مِن الّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ في الدنيا، يقولون: واللّه إن هؤلاء لكذَبة، وما هم على شيء، استهزاء بهم.

٣٠

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَإِذَا مَرّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ }.

يقول تعالى ذكره: وكان هؤلاء الذين أجرموا إذا مرّ الذين آمنوا بهم يتغامزون يقول: كان بعضهم يغمز بعضا بالمؤمن، استهزاء به وسخرية.

٣١

و قوله: وَإذَا انْقَلَبُوا إلى أهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فاكِهِينَ يقول: وكان هؤلاء المجرمون إذا انصرفوا إلى أهلهم من مجالسهم انصرفوا ناعمين معجبين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٨٣٧٦ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس انْقَلَبُوا فاكِهِينَ قال: معجبين.

٢٨٣٧٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَإذَا انْقَلَبُوا إلى أهْلِهِمْ انْقَلَبُوا فاكِهِينَ قال: انقلب ناعما، قال: هذا في الدنيا، ثم أعقب النار في الاَخرة.

وقد كان بعض أهل العلم بكلام العرب يفرّق بين معنى فاكهين وفكهين، فيقول: معنى فاكهين ناعمين، وفكهين: مَرِحين. وكان غيره يقول: ذلك بمعنى واحد، وإنما هو بمنزلة طامع وطَمِع، وباخل وبخل.

٣٢

و قوله: وَإذَا رأَوْهُمْ قالُوا إنّ هَؤُلاءِ لَضَالّونَ يقول تعالى ذكره: وإذا رأى المجرمون المؤمنين قالوا لهم: إن هؤلاء لضالون، عن محجة الحقّ، وسبيل القصد

٣٣

ومَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ

يقول جلّ ثناؤه: وما بُعث هؤلاء الكفار القائلون للمؤمنين إن هؤلاء لضالون، حافظين عليهم أعمالهم يقول: إنما كُلّفوا الإيمان باللّه ، والعمل بطاعته، ولم يُجعلوا رُقباء على غيرهم يحفظون عليهم، أعمالهم ويتفقدونها.

٣٤

انظر تفسير الآية:٣٥

٣٥

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ الّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفّارِ يَضْحَكُونَ}.

يقول تعالى ذكره: فالْيَوْمَ وذلك يوم القيامة الّذِينَ آمَنُوا باللّه في الدنيا مِنَ الكُفّارِ فيها يَضْحَكُونَ على الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ يقول: على سررهم التي في الحِجال ينظرون إليهم، وهم في الجنة، والكفار في النار يُعَذّبون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٨٣٧٨ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: فالْيَوْمَ الّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفّارِ يَضْحَكُونَ عَلى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ قال: يعني السّرر المرفوعة عليها الحِجال. وكان ابن عباس يقول: إن السور الذي بين الجنة والنار يُفتح لهم فيه أبواب، فينظر المؤمنون إلى أهل النار، والمؤمنون على السرر ينظرون كيف يعذّبون، فيضحكون منهم، فيكون ذلك مما أقرّ اللّه به أعينهم، كيف ينتقم اللّه منهم.

٢٨٣٧٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فالْيَوْمَ الّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفّارِ يَضْحَكُونَ ذُكر لنا أن كعبا كان يقول: إن بين الجنة والنار كُوًى، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدوّ كان له في الدنيا، اطلع من بعض الكُوى، قال اللّه جلّ ثناؤه: فاطّلَعَ فَرآهُ فِي سَوَاءِ الجَحِيمِ: أي في وسط النار. وذُكر لنا أنه رأى جماجم القوم تغلي.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، قال كعب: إن بين أهل الجنة وبين أهل النار كُوًى، لا يشاء رجل من أهل الجنة أن ينظر إلى غيره من أهل النار إلاّ فعل.

حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فالْيَوْمَ الّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفّارِ يَضْحَكُونَ عَلى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ

كان ابن عباس يقول: السّور بين أهل الجنة والنار، فيفتح لأهل الجنة أبواب، فينظرون وهم على السّرر إلى أهل النار كيف يعذّبون، فيضحكون منهم، ويكون ذلك مما يقرّ اللّه به أعينهم أن ينظروا إلى عدوّهم كيف ينتقم اللّه منهم.

٢٨٣٨٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان فالْيَوْمَ الّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفّارِ يَضْحَكُونَ قال: يُجاء بالكفار، حتى ينظروا إلى أهل الجنة في الجنة، على سُرر، فحين ينظرون إليهم تغلق دونهم الأبواب، ويضحك أهل الجنة منهم، فه

و قوله: فالْيَوْمَ الّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفّارِ يَضْحَكُونَ عَلى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ.

٣٦

و قوله: هَلْ ثُوّبَ الكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ يقول تعالى ذكره: هل أثيب الكفار وجُزُوا ثواب ما كانوا في الدنيا يفعلون بالمؤمنين من سخريتهم منهم، وضحكهم بهم، بضحك المؤمنين منهم في الاَخرة، والمؤمنون على الأرائك ينظرون، وهم في النار يعذّبون.

و ثُوّب فعل من الثواب والجزاء، يقال منه: ثوّب فلان فلانا على صنيعه، وأثابه منه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٨٣٨١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد هَلْ ثُوّبَ الكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ قال: جُزي.

٢٨٣٨٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان: هَلْ ثُوّبَ الكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ حين كانوا يسخرون.

﴿ ٠