تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآنللإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبريإمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)_________________________________سورة الطارقسورة الطارق مكية وآياتها سبع عشرة بسم اللّه الرحمَن الرحيـم ١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالسّمَآءِ وَالطّارِقِ}. أقسم ربنا بالسماء وبالطارق الذي يطرق ليلاً من النجوم المضيئة، ويخفى نهارا، وكلّ ما جاء ليلاً فقد طرق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥١٢ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس والسّماءِ والطّارِقِ قال: السماء وما يطرق فيها. ٢٨٥١٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة والسّماءِ والطّارِق وَما أدْرَاك ما الطّارِقُ قال: طارق يطرق بليل، ويخفى بالنهار. ٢٨٥١٤ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: والطّارِقِ قال: ظهور النجوم، يقول: يطرقك ليلاً. ٢٨٥١٥ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: الطّارِق النجم. ٢وَما أدْرَاكَ ما الطّارِقُ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : وما أشعرك يا محمد ما الطارق الذي أقسمت به؟ ثم بين ذلك جلّ ثناؤه، فقال: هو النجم الثاقب، يعني : يتوقد ضياؤه ويتوهّج. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٣٢٨٥١٦ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، في قوله: النّجْمُ الثّاقِبُ يعني : المضيء. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس النّجْمُ الثاقِبُ قال: هي الكواكب المضيئة، وثقوبه: إذا أضاء. ٢٨٥١٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرِمة، في قوله: النّجْمُ الثّاقِبُ قال: الذي يثقب. ٢٨٥١٨ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول اللّه : الثّاقِبُ قال: الذي يتوهَج. ٢٨٥١٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة : ثقوبه: ضوءه. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة النّجْمُ الثّاقِبُ: المضيء. ٢٨٥٢٠ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: النّجْمُ الثّاقِبُ قال: كانت العرب تسمي الثّريّا النجم، ويقال: إن الثاقب النجم الذي يقال له زُحَل. والثاقب أيضا: الذي قد ارتفع على النجوم، والعرب تقول للطائر: إذا هو لحق ببطن السماء ارتفاعا: قد ثَقَب، والعرب تقول: أثقِب نارك: أي أضئها. ٤و قوله: إنْ كُلّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه من قرّاء المدينة أبو جعفر، ومن قرّاء الكوفة حمزة لَمّا عَلَيْها بتشديد الميم. وذُكِر عن الحسن أنه قرأ ذلك كذلك. ٢٨٥٢١ـ حدثني أحمد بن يوسف، قال: حدثنا أبو عبيد، قال: حدثنا حجاج، عن هارون، عن الحسن أنه كان يقرؤها: إنْ كُلّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ مشدّدة، ويقول: إلاّ عليها حافظ، وهكذا كلّ شيء في القرآن بالتثقيل. وقرأ ذلك من أهل المدينة نافع، ومن أهل البصرة أبو عمرو: (لَمَا) بالتخفيف، بمعنى: إن كلّ نفس لعليها حافظ. وعلى أن اللام جواب (إن) و(ما) التي بعدها صلة. وإذا كان ذلك كذلك لم يكن فيه تشديد. والقراءة التي لا أختار غيرها في ذلك: التخفيف، لأن ذلك هو الكلام المعروف من كلام العرب، وقد أنكر التشديد جماعة من أهل المعرفة بكلام العرب، أن يكون معروفا من كلام العرب، غير أن الفرّاء كان يقول: لا نعرف جهة التثقيل في ذلك، ونرى أنها لغة من هُذَيل، يجعلون إلا مع إن المخففة لَمَا، ولا يجاوزون ذلك، كأنه قال: ما كلّ نفس إلاّ عليها حافظ، فإن كان صحيحا ما ذكر الفرّاء، من أنها لغة هُذَيل، فالقراءة بها جائزة صحيحة، وإن كان الاختيار أيضا إذا صحّ ذلك عندنا، القراءة الأخرى، وهي التخفيف، لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب، ولا ينبغي أن يترك الأعرف إلى الأنكر. وقد: ٢٨٥٢٢ـ حدثني أحمد بن يوسف، قال: حدثنا أبو عبيد، قال: حدثنا معاذ، عن ابن عون، قال: قرأت عند ابن سيرين: (إنْ كُلّ نَفْسٍ لَمَا عَلَيْها حافِظٌ) فأنكره، وقال: سبحان اللّه ، سبحان اللّه . فتأويل الكلام: إذن: إن كلّ نفس لَعَليها حافظ من ربها، يحفظ عملها، وَيَحْصِي عليها ما تكسب من خير أو شرّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٢٣ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: (إنْ كُلّ نَفْسٍ لَمَا عَلَيْها حافِظٌ) قال: كلّ نفس عليها حفظة من الملائكة. ٢٨٥٢٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: (إنْ كُلّ نَفْسٍ لَمَا عَلَيْها حافِظٌ) : حفظة يحفظون عملك ورزقك وأجلك إذا توفيته يا بن آدم قبضت إلى ربك. ٥و قوله: فَلْيَنْظُرِ الإنْسانُ مِمّ خُلِقَ؟ يقول تعالى ذكره: فلينظر الإنسان المكذّب بالبعث بعد الممات، المُنكر قُدرة اللّه على إحيائه بعد مماته، مِمّ خُلِقَ يقول: من أيّ شيء خلقه ربه؟ ٦ثم أخبر جل ثناؤه عما خلقه منه، فقال: خُلِقَ مِنْ ماءٍ دَافِقٍ يعني : من ماء مدفوق، وهو مما أخرجته العرب بلفظ فاعل، وهو بمعنى المفعول، ويقال: إن أكثر من يستعمل ذلك من أحياء العرب، سكان الحجاز إذا كان في مذهب النعت، كقولهم: هذا سرّ كاتم، وهمّ ناصب، ونحو ذلك. ٧و قوله: يَخْرُجُ مِنْ بَينِ الصّلْبِ والتّرَائِبِ يقول: يخرج من بين ذلك، ومعنى الكلام منهما، كما يقال: سيخرج من بين هذين الشيئين خير كثير، بمعنى: يخرج منهما. واختلف أهل التأويل في معنى الترائب وموضعها، فقال بعضهم: الترائب: موضع القِلادة من صدر المرأة. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٢٥ـ حدثني عبد الرحمن بن الأسود الطّفاويّ، قال: حدثنا محمد بن ربيعة، عن سَلَمة بن سابور، عن عطية العَوْفيّ، عن ابن عباس الصّلْبِ والتّرَائِبِ قال: الترائب: موضع القِلادة. ٢٨٥٢٦ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: يَخْرُجُ مِنْ بَينِ الصّلْبِ والترائِبِ يقول: من بين ثدي المرأة. ٢٨٥٢٧ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، قال: سُئل عكرِمة عن الترائب، فقال: هذه، ووضع يده على صدره بين ثدييه. ٢٨٥٢٨ـ حدثني ابن المثنى، قال: ثني سلم بن قتيبة، قال: ثني عبد اللّه بن النّعمان الحُدَانيّ أنه سمع عكرِمة يقول: يَخْرُجُ مِنْ بَين الصّلْبِ والتّرَائِبِ قال: صُلْب الرجل، وترائب المرأة. ٢٨٥٢٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يمان، عن شريك، عن عطاء، عن سعيد بن جُبير، قال: الترائب: الصدر. ٢٨٥٣٠ـ قال: ثنا ابن يمان، عن مِسْعر، عن الحكم، عن أبي عياض، قال: التّرَائِبِ: الصدر. ٢٨٥٣١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يَخْرُجُ مِنْ بَينَ الصّلْبِ والتّرائِبِ قال: الترائب: الصدر، وهذا الصلب، وأشار إلى ظهره. وقال آخرون: الترائب: ما بين المَنْكِبين والصدر. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٣٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يمان، عن إسرائيل، عن ثَوَير، عن مجاهد، قوله: التّرَائِبِ ما بين المنكبين والصدر. حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: التّرَائِبِ قال: أسفل من التراقي. ٢٨٥٣٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، قال: الصّلْب للرجل، والترائب للمرأة، والترائب فوق الثديين. وقال آخرون: هو اليدان والرجلان والعينان. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٣٤ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: يَخْرُجُ مِنْ بَينِ الصّلْبِ والتّرَائِبِ قال: فالترائب أطراف الرجل واليدان والرجلان والعينان، فتلك الترائب. ٢٨٥٣٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن أبي رَوْق، عن الضحاك يَخْرُجُ مِنْ بَينِ الصّلْبِ والتّرَائِبِ قال: الترائب: اليدان والرجلان. ٢٨٥٣٦ـ قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: قال غيره: الترائب: ماء المرأة وصلب الرجل. ٢٨٥٣٧ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يَخْرُجُ مِنْ بَين الصّلْبِ والتّرَائِبِ: عيناه ويداه ورجلاه. وقال آخرون: معنى ذلك، أنه يخرج من بين صلب الرجل ونحره. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٣٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يَخْرُجُ مِنْ بَين الصّلْبِ وَالتّرَائِبِ يقول: يخرج من بين صُلْب الرجل ونحره. وقال آخرون: هي الأضلاع التي أسفل الصلب. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٣٩ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: يَخْرُجُ مِنْ بَين الصّلْب والتّرَائِبِ قال: الترائب: الأضلاع التي أسفل الصلب. وقال آخرون: هي عصارة القلب. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٤٠ـ حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني الليث أن معمر بن أبي حَبِيبة المَدِيني حدّثه، أنه بلغه في قول اللّه : يَخْرُجُ مِنْ بَين الصّلْب والتّرَائِبِ قال: هو عُصارة القلب، ومنه يكون الولد. والصواب من القول في ذلك عندنا: قول من قال: هو موضع القِلادة من المرأة، حيث تقع عليه من صدرها، لأن ذلك هو المعروف في كلام العرب، وبه جاءت أشعارهم، قال المثقّب العبدي: ومِنْ ذَهَبٍ يُسَنّ على تَرِيبكَلَوْنِ العاج ليسَ بذي غُضُونِ وقال آخر: والزّعْفَرَانُ عَلى تَرَائِبِهَاشَرِقا بِهِ اللّبّاتُ والنّحْرُ و قوله: إنّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ يقول تعالى ذكره: إن هذا الذي خلقكم أيها الناس من هذا الماء الدافق، فجعلكم بشرا سويّا، بعد أن كنتم ماء مدفوقا، على رجعه لقادر. واختلف أهل التأويل في الهاء التي في قوله: عَلى رَجْعِهِ على ما هي عائدة، فقال بعضهم: هي عائدة على الماء. وقالوا: معنى الكلام: إن اللّه على ردّ النطفة في الموضع التي خرجت منه لَقادِرٌ. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٤١ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، عن عكرِمة، في قوله: إنّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ قال: إنه على رَدّه في صُلْبه لقادر. ٨حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا أبو النعمان الحكم بن عبد اللّه ، قال: حدثنا شعبة، عن أبي رجاء، عن عكرِمة في قوله: إنّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ قال: للصّلب. ٢٨٥٤٢ـ حدثني عُبيد بن إسماعيل الهباريّ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ، عن ليث، عن مجاهد في قوله: إنّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ قال: على أن يرد الماء في الإحليل. حدثني نصر بن عبد الرحمن الأَوْدِيّ الوشاء، قال: حدثنا أبو قَطَن عمرو بن الهيثم، عن ورقاء، عن عبد اللّه بن أبي نجيح، عن عبد اللّه بن أبي بكر، عن مجاهد، في قوله: إنّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ قال: على ردّ النطفة في الإحليل. حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إنّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ قال: في الإحليل. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد إنّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ قال: ردّه في الإحليل. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنه على ردّ الإنسان ماء كما كان قبل أن يخلقه منه. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٤٣ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: إنّهُ عَلى رَجْعه لَقادِرٌ إن شئتُ رددتُه كما خلقته من ماء. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنه على حبس ذلك الماء لقادر. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٤٤ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إنّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ قال: على رجع ذلك الماء لقادر، حتى لا يخرج، كما قدر على أن يخلق منه ما خلق، قادر على أن يرجعه. وقال آخرون: بل معنى ذلك أنه قادر على رجع الإنسان من حال الكبر إلى حال الصغر. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٤٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين، عن مقاتل بن حَيّان، عن الضحاك قال: سمعته يقول في قوله: إنّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ يقول: إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الصّبا، ومن الصبا إلى النطفة. وعلى هذا التأويل تكون الهاء في قوله: عَلى رَجْعِهِ من ذكر الإنسان. وقال آخرون ممن زعم أن الهاء للإنسان معنى ذلك أنه على إحيائه بعد مماته لقادر. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٤٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: إنّهُ عَلى رَجْعِهِ لقادِرٌ إن اللّه تعالى ذكره على بعثه وإعادته قادر. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: قول من قال معنى ذلك: إن اللّه على ردّ الإنسان المخلوق من ماء دافق من بعد مماته حيا، كهيئته قبل مماته لقادر. وإنما قلت هذا أولى الأقوال في ذلك بالصواب، ل قوله: يَوْمَ تُبْلَى السّرائِرُ فكان في إتباعه قوله: إنّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ نبأ من أنباء القيامة، دلالة على أن السابق قبلها أيضا منه، ومنه يَوْمَ تُبْلَى السّرائِرُ يقول تعالى ذكره: إنه على إحيائه بعد مماته لقادر، يوم تُبلى السرائر فاليوم من صفة الرجع، لأن المعنى: إنه على رجعه يوم تبلى السرائر لقادر. وعُنِي ب قوله: يَوْمَ تُبْلى السّرَائِرُ يوم تُخْتَبرُ سرائر العباد، فيظهر منها يومئذٍ ما كان في الدنيا مستخفيا عن أعين العباد، من الفرائض التي كان اللّه ألزمه إياها، وكلّفه العمل بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٤٧ـ حُدثت عن عبد اللّه بن صالح، عن يحيى بن أيوب، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، في قوله: يَوْمَ تُبْلَى السّرائِرُ قال: ذلك الصوم والصلاة وغُسْل الجنابة، وهو السرائر ولو شاء أن يقول: قد صُمْتُ وليس بصائم، وقد صلّيتُ ولم يصلّ، وقد اغتسلت ولم يغتسل. ٩٢٨٥٤٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة يَوْمَ تُبْلَى السّرائِرُ إن هذه السرائر مختبرة، فأسِرّوا خيرا وأعلنوه إن استطعتم، ولا قوّة إلا باللّه . ٢٨٥٤٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان يَوْمَ تُبْلَى السّرائِرُ قال: تُخْتَبر. ١٠و قوله: فَمَا لَهُ مِنْ قُوّةٍ وَلا ناصِرٍ يقول تعالى ذكره: فما للإنسان الكافر يومئذٍ من قوّة يمتنع بها من عذاب اللّه ، وأليم نكاله، ولا ناصر ينصره، فيستنقذه ممن ناله بمكروه، وقد كان في الدنيا يرجع إلى قوّة من عشيرته، يمتنع بهم ممن أراده بسوء، وناصر من حليف ينصره على من ظلمه واضطهده. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٥٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فَمَا لَهُ مِنْ قُوّةٍ وَلا ناصِر ينصره من اللّه . حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: وَلا ناصِرٍ قال: من قوّة يمتنع بها، ولا ناصر ينصره من اللّه . ٢٨٥٥١ـ حدثني عليّ بن سهل، قال: حدثنا ضَمْرة بن ربيعة، عن سفيان الثوريّ، في قوله: مِنْ قُوّةٍ وَلا ناصِرٍ قال: القوّة: العشيرة، والناصر: الحليف. ١١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالسّمَآءِ ذَاتِ الرّجْعِ}. يقول تعالى ذكره: وَالسّماءِ ذَاتِ الرّجْعِ ترْجع بالغيوم وأرزاق العباد كلّ عام ومنه قول المتنخّل في صفة سيف: أبْيَضُ كالرّجْعِ رَسُوبٌ إذَاما ثاخَ فِي مُحْتَفَلٍ يَخْتَلِي وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٥٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مِهران، قال: حدثنا سفيان، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس . وَالسّماءِ ذَاتِ الرّجْعِ قال: السحاب فيه المطر. حدثنا عليّ بن سهل، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن خَصِيف، عن عكِرمة، عن ابن عباس في قوله: وَالسّماءِ ذَاتِ الرّجْعِ قال: ذات السحاب فيه المطر. ٢٨٥٥٣ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس : وَالسّماءِ ذَاتِ الرّجْعِ يعني بالرجع: القطر والرزق كلّ عام. ٢٨٥٥٤ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: وَالسّماءِ ذَاتِ الرّجْعِ قال: ترجع بأرزاق الناس كلّ عام قال أبو رجاء: سُئل عنها عكرِمة، فقال: رجعت بالمطر. ٢٨٥٥٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ذَاتِ الرّجْعِ قال: السحاب يمطر، ثم يَرجع بالمطر. ٢٨٥٥٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَالسّماءِ ذَاتِ الرّجْعِ قال: ترجع بأرزاق العباد كلّ عام، لولا ذلك هَلكوا وهلَكت مواشيهم. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، قوله: وَالسّماءِ ذَاتِ الرّجْعِ قال: ترجع بالغيث كلّ عام. ٢٨٥٥٧ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَالسّماءِ ذَاتِ الرّجْعِ يعني : المطر. وقال آخرون: يعني بذلك: أن شمسها وقمرها يغيب ويطلُع. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٥٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَالسّماءِ ذَاتِ الرّجْعِ قال: شمسها وقمرها ونجومها يأتين من ها هنا. ١٢و قوله: وَالأرْضِ ذَاتِ الصّدْعِ يقول تعالى ذكره: والأرض ذات الصدع بالنبات. وبنحو الذي قلنافي ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٥٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن خَصِيف، عن عكرِمة، عن ابن عباس وَالأرْضِ ذَاتِ الصّدْعِ قال: ذات النبات. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس : وَالأرْضِ ذَاتِ الصّدْعِ يقول: صدعها إخراج النبات في كلّ عام. ٢٨٥٦٠ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، عن الحسن وَالأرْضِ ذَاتِ الصّدْعِ قال: هذه تصدع عما تحتها قال أبو رجاء: وسُئل عنها عكرِمة، فقال: هذه تصدع عن الرزق. ٢٨٥٦١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، عن ابن أبي نجيح، قال مجاهد وَالأرْضِ ذَاتِ الصّدعِ مثل المأزم مَأْزِمِ مِنًى. حدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وَالأرْضِ ذَاتِ الصّدْعِ قال: الصدع: مثل المأْزِم، غير الأودية وغير الجُرُف. ٢٨٥٦٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَالأرْضِ ذَاتِ الصّدْعِ تصدع عن الثمار وعن النبات، كما رأيتم. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وَالأرْضِ ذات الصّدْعِ قال: تصدع عن النبات. ٢٨٥٦٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَالأرْضِ ذَاتِ الصّدْعِ وقرأ: ثُمّ شَقَقْنا الأرْضَ شَقّا فَأنْبَتْنا فِيه حَبّا وَعِنَبا وَقَضْبا إلى آخر الاَية، قال: صدعها للحرث. ٢٨٥٦٤ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والأرْضِ ذَاتِ الصّدْعِ: النبات. ١٣و قوله: إنّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ يقول تعالى ذكره: إن هذا القول وهذا الخبر لقول فصل: يقول: لقول يفصل بين الحقّ والباطل ببيانه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في العبارة عنه، فقال بعضهم: لقول حقّ. وقال بعضهم: لقول حُكْم. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٦٥ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: إنّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ يقول: حقّ. ٢٨٥٦٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إنّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ: أي حُكْم. ١٤و قوله: وَما هُوَ بالهَزْلِ يقول: وما هو باللعب ولا الباطل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٦٧ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: وَما هُوَ بِالْهَزْلِ يقول: بالباطل. ٢٨٥٦٨ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وَما هُوَ بِالْهَزْلِ قال: باللعب. ١٥و قوله: إنّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدا يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء المكذّبين باللّه ورسوله والوعد والوعيد يمكرون مكرا. ١٦و قوله: وَأَكِيدُ كَيْدا يقول: وأمكر مكرا ومكره جل ثناؤه بهم: إملاؤه إياهم على معصيتهم وكفرهم به. ١٧و قوله: فَمَهّلِ الْكافِرِينَ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : فمهّل يا محمد الكافرين ولا تعجلْ عليهم أمْهِلْهُمْ رُوَيْدا يقول: أمهلهم آنا قليلاً، وأنظرهم للموعد الذي هو وقت حلول النقمة بهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٦٩ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدا يقول: قريبا. ٢٨٥٧٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدا الرويد: القليل. ٢٨٥٧١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فَمَهّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدا قال: مَهّلهم، فلا تعجل عليهم تَرْكَهُمْ، حتى لما أراد الانتصار منهم، أمره بجهادهم وقتالهم، والغلظة عليهم. |
﴿ ٠ ﴾