تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآنللإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبريإمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)_________________________________سورة الأعلىسورة الأعلى مكيّة وآياتها تسع عشرة بسم اللّه الرحمَن الرحيـم ١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَىَ}. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: سَبّحِ اسْم رَبّكَ الأعْلىَ فقال بعضهم: معناه: عظّم ربك الأعلى، لا ربّ أعلى منه وأعظم. وكان بعضهم إذا قرأ ذلك قال: سبحان ربي الأعلى. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٧٢ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عمر أنه كان يقرأ: سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلىَ: سبحان ربي الأعلى الّذِي خَلَقَ فَسَوّى قال: وهي في قراءة أُبيّ بن كعب كذلك. ٢٨٥٧٣ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن السّديّ، عن عبد خير، قال: سمعت عليا رضي اللّه عنه قرأ: سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَى فقال: سبحان ربي الأعلى. ٢٨٥٧٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عنبسة، عن أبي إسحاق الهمْداني، أن ابن عباس كان إذا قرأ: سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَى يقول: سبحان ربي الأعلى، وإذا قرأ: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ فأتى على آخرها ألَيْسَ ذَلك بِقادِرٍ عَلى أنْ يُحْيِي المَوْتَى؟ يقول: سبحانك اللّه مّ وبَلَى. ٢٨٥٧٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَى ذُكر لنا أن نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا قرأها قال: سبحان ربيَ الأعلَى. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن خارجة، عن داود، عن زياد بن عبد اللّه ، قال: سمعت ابن عباس يقرأ في صلاة المغرب سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَى سبحان ربي الأعلَى. وقال آخرون: بل معنى ذلك: نزّه يا محمد اسم ربك الأعلى، أن تسمي به شيئا سواه، ينهاه بذلك أن يفعل ما فعل من ذلك المشركون، من تسميتهم آلهتهم بعضَها اللات، وبعضَها العزّى. وقال غيرهم: بل معنى ذلك: نزّهِ اللّه عما يقول فيه المشركون كما قال: وَلاَ تَسُبّوا الّذِينَ يَدْعَونَ مِنْ دُونِ اللّه فيَسبّوا اللّه عَدْوا بِغَيرِ عِلْمٍ. وقالوا: معنى ذلك: سبح ربك الأعلى قالوا: وليس الاسم معنى. وقال آخرون: نزّه تسميتك يا محمد ربك الأعلى وذكرك إياه، أن تذكره إلاّ وأنت له خاشع متذلل قالوا: وإنما عُنِي بالاسم: التسمية، ولكن وُضع الاسم مكان المصدر. وقال آخرون: معنى قوله: سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَى: صلّ بذكر ربك يا محمد، يعني بذلك: صلّ وأنت له ذاكر، ومنه وَجِل خائف. وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب: قول من قال: معناه: نزّه اسم ربك أن تدعو به الاَلهة والأوثان، لما ذكرت من الأخبار، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وعن الصحابة أنهم كانوا إذا قرأوا ذلك قالوا: سبحان ربيَ الأعلى، فبَيّن بذلك أن معناه كان عندهم معلوما: عظم اسم ربك، ونزّهه. ٢و قوله: الّذِي خَلَقَ فَسَوّى يقول: الذي خلق الأشياء فسوّى خلقها، وعدّلها والتسوية التعديل. ٣و قوله: وَالّذِي قَدّرَ فَهَدَى يقول تعالى ذكره: والذي قدّر خلقه فهدى. واختلف أهل التأويل في المعنى الذي عُني ب قوله: فَهَدَى، فقال بعضهم: هدى الإنسان لسبيل الخير والشرّ، والبهائم للمراتع. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٧٦ـ حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: قَدّرَ فَهَدَى قال: هدى الإنسان للشّقوة والسعادة، وهَدى الأنعام لمراتعها. وقال آخرون: بل معنى ذلك: هدى الذكور لمأتى الإناث. وقد ذكرنا الرواية بذلك فيما مضى. والصواب من القول في ذلك عندنا: أن اللّه عمّ بقوله فَهَدَى الخبر عن هدايته خلقه، ولم يخصص من ذلك معنى دون معنى، وقد هداهم لسبيل الخير والشرّ، وهدى الذكور لمأتى الإناث، فالخبر على عمومه، حتى يأتي خبر تقوم به الحجة، دالّ على خصوصه. واجتمعت قرّاء الأمصار على تشديد الدال من قَدّر، غير الكسائي فإنه خفّفها. والصواب في ذلك التشديد، لإجماع الحجة عليه. ٤و قوله: وَالّذِي أَخْرَجَ المَرْعَى يقول: والذي أخرج من الأرض مرعَى الأنعام، من صنوف النبات وأنواع الحشيش. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٧٧ـ حدثني يعقوب بن مكرم، قال: حدثنا الحفريّ، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن أبي رَزِين أَخْرَجَ المَرْعَى قال: النبات. ٢٨٥٧٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَالّذِي أَخْرَجَ المَرْعَى... الاَية، نبت كما رأيتم، بين أصفر وأحمر وأبيض. ٥و قوله: فَجَعَلَهُ غُثاءً أحْوَى يقول تعالى ذكره: فجعل ذلك المرعَى غُثاء، وهو ما جفّ من النبات ويبس، فطارت به الريح وإنما عُنِي به هاهنا أنه جعله هشيما يابسا متغيرا إلى الحُوّة، وهي السواد، من بعد البياض أو الخُضرة، من شدّة اليبس. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٧٩ـ حدثني علي، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، في قوله: غُثاءً أحْوَى يقول: هَشيما متغيرا. ٢٨٥٨٠ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: غُثاءً أحْوَى قال: غُثاء السيل أحوى، قال: أسود. ٢٨٥٨١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، في قوله: غُثاءً أحْوَى قال: يعود يبسا بعد خُضرة. ٢٨٥٨٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فَجَعَلَهُ غُثاءً أحْوَى قال: كان بقلاً ونباتا أخضر، ثم هاج فيبُس، فصار غُثاء أحوى، تذهب به الرياح والسيول. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يرى أن ذلك من المؤخّر الذي معناه التقديم، وأن معنى الكلام: والذي أخرج المرعى أحوى: أي أخضر إلى السواد، فجعله غثاء بعد ذلك، ويعتلّ لقوله ذلك بقول ذي الرّمة: حَوّاءُ قَرْحاءُ أشْراطِيّةُ وكَفَتْفِيها الذّهابُ وحَفّتْها البَرَاعِيمُ وهذا القول وإن كان غير مدفوع أن يكون ما اشتدّت خضرته من النبات، قد تسميه العرب أسود، غير صواب عندي بخلافه تأويل أهل التأويل في أن الحرف إنما يحتال لمعناه المخرج بالتقديم والتأخير إذا لم يكن له وجه مفهوم إلاّ بتقديمه عن موضعه، أو تأخيره، فإما وله في موضعه وجه صحيح فلا وجه لطلب الاحتيال لمعناه بالتقديم والتأخير. ٦انظر تفسير الآية:٧ ٧و قوله: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى إلاّ ما شاءَ اللّه يقول تعالى ذكره: سنقرئك يا محمد هذا القرآن فلا تنساه، إلاّ ما شاء اللّه . ثم اختلف أهل التأويل في معنى قوله فلا تَنْسَى إلاّ ما شاءَ اللّه فقال بعضهم: هذا إخبار من اللّه نبيه عليه الصلاة والسلام أنه يعلمه هذا القرآن، ويحفظه عليه، ونهي منه أن يعجل بقراءته، كما قال جلّ ثناؤه: لا تُحَرّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بهِ إنّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وقُرآنَهُ. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٨٣ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى قال: كان يتذكر القرآن في نفسه مخافة أن ينسى. فقال قائلو هذه المقالة: معنى الاستثناء في هذا الموضع على النسيان، ومعنى الكلام: فلا تنسى، إلاّ ما شاء اللّه أن تنساه، ولا تذكُرَه، قالوا: ذلك هو ما نسخه اللّه من القرآن، فرفع حكمه وتلاوته. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٨٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى كان صلى اللّه عليه وسلم لا ينسى شيئا إلاّ ما شاءَ اللّه . وقال آخرون: معنى النسيان في هذا الموضع: الترك وقالوا: معنى الكلام: سنقرئك يا محمد فلا تترك العمل بشيء منه، إلاّ ما شاء اللّه أن تترك العمل به، مما ننسخه. وكان بعض أهل العربية يقول في ذلك: لم يشأ اللّه أن تنسى شيئا، وهو كقوله: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السّمَوَاتُ والأرْضُ إلاّ ما شاءَ رَبّكَ ولا يشاء. قال: وأنت قائل في الكلام: لأعطينك كلّ ما سألت إلاّ ما شئت، وإلاّ أن أشاء أن أمنعك، والنية أن لا تمنعه، ولا تشاء شيئا. قال: وعلى هذا مجارِي الأَيمان، يستثنى فيها، ونية الحالف: اللمام. والقول الذي هو أولى بالصواب عندي، قول من قال: معنى ذلك: فلا تنسى إلاّ أن نشاء نحن أن نُنسيكه بنسخه ورفعه. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن ذلك أظهر معانيه. و قوله: إنّهُ يَعْلَمُ الجَهْرَ وَما يَخْفَى يقول تعالى ذكره: إن اللّه يعلم الجهر يا محمد من عملك، ما أظهرته وأعلنته وَما يَخْفَى يقول: وما يخفى منه فلم تظهره، مما كتمته، يقول: هو يعلم جميع أعمالك، سرّها وعلانيتها يقول: فاحذره أن يطلع عليك وأنت عامل في حال من أحوالك بغير الذي أذن لك به. ٨القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَنُيَسّرُكَ لِلْيُسْرَىَ}. يقول تعالى ذكره: ونسهلك يا محمد لعمل الخير، وهو اليُسرَى واليُسرَى: هو الفُعلى من اليسر. ٩و قوله: فَذَكّرْ إنْ نَفَعَتِ الذّكْرَى يقول تعالى ذكره: فذكّر عباد اللّه يا محمد عظمته، وعظْهم، وحذّرهم عقوبته إنْ نَفَعَتِ الذّكْرَى يقول: إن نفعت الذكرى الذين قد آيستُك من إيمانهم، فلا تنفعهم الذكرى. وقوله فَذَكّرْ أمر من اللّه لنبيه صلى اللّه عليه وسلم بتذكير جميع الناس، ثم قال: إن نفعت الذكرى هؤلاء الذين قد آيستك من إيمانهم. ١٠و قوله: سَيَذّكّرُ مَنْ يَخْشَى يقول جلّ ثناؤه: سيذّكّر يا محمد إذا ذَكّرت الذين أمرتك بتذكيرهم من يخشى اللّه ، ويخاف عقابه ١١ويَتَجَنّبُها يقول: ويتجنّب الذكرى الأشْقَى يعني : أشقى الفريقين ١٢الّذِي يَصْلَى النّارَ الكُبْرَى وهم الذين لم تنفعهم الذكرى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٨٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فَذَكّرْ إنْ نَفَعَت الذّكْرَى سَيَذّكّرُ مَنْ يَخْشَى فاتقوا اللّه ، ما خَشِي اللّه عبد قطّ إلاّ ذكره ويَتَجَنّبُها الأشْقَى فلا واللّه لا يتنكّب عبد هذا الذكر زهدا فيه وبُغضا لأهله، إلاّ شقيّ بَيّنُ الشقاء. و قوله: الّذِي يَصْلَى النّارَ الكُبْرَى يقول: الذي يَرِد نار جهنم، وهي النار الكبرى، و يعني بالكبرى لشدّة الحرّ والألم. ١٣و قوله: ثُمّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيا يقول: ثم لا يموت في النار الكُبرى ولا يحيا، وذلك أن نفس أحدهم تصير فيها في حلقه، فلا تخرج فتفارقه فيموت، ولا ترجع إلى موضعها من الجسم فيحيا. و قيل: لا يموت فيها فيستريح، ولا يحيا حياة تنفعه. وقال آخرون: قيل ذلك، لأن العرب كانت إذا وصفت الرجل بوقوع في شدة شديدة، قالوا: لا هو حيّ، ولا هو ميت، فخاطبهم اللّه بالذي جرى به ذلك من كلامهم ١٤القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكّىَ}. يقول تعالى ذكره: قد نجح وأدرك طلبته من تطهّر من الكفر ومعاصي اللّه ، وعمل بما أمره اللّه به، فأدّى فرائضه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٨٦ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكّى يقول: من تَزَكّى من الشرك. ٢٨٥٨٧ـ حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن عبد اللّه الأنصاري، قال: حدثنا هشام، عن الحسن، في قوله قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكّى قال: من كان عمله زاكيا. ٢٨٥٨٨ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكّى قال: يعمل وَرِعا. ٢٨٥٨٩ـ حدثني سعد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدثنا حفص بن عُمر العَدَنيّ، عن الحكم، عن عكرِمة، في قوله: قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكّى من قال: لا إله إلاّ اللّه . وقال آخرون: بل معنى ذلك: قد أفلح من أدّى زكاة ماله. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٩٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن عليّ بن الأقمر، عن أبي الأحوص قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكّى قال: من استطاع أن يرضَخَ فليفعل، ثم ليقم فليصلّ. حدثنا محمد بن عمارة الرازي، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن عليّ بن الأقمر، عن أبي الأحوص قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكّى قال: من رَضَخ. ٢٨٥٩١ـ حدثنا محمد بن عمارة، قال: حدثنا عثمان بن سعيد بن مرّة، قال: حدثنا زهير، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، قال: إذا أتى أحدكم سائل وهو يريد الصلاة، فليقدّم بين يدي صلاته زكاته، فإن اللّه يقول: قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبّهِ فَصَلّى فمن استطاع أن يقدّم بين يدي صلاته زكاةً فليفعل. ٢٨٥٩٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكّى تزكى رجل من ماله، وأرضى خالقه. وقال آخرون: بل عنى بذلك زكاة الفطر. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٩٣ـ حدثني عمرو بن عبد الحميد الاَملي، قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن أبي خلدة، قال: دخلت على أبي العالية، فقال لي: إذا غَدَوت غدا إلى العيد فمرّ بي، قال: فمررت به، فقال: هل طَعِمت شيئا؟ قلت: نعم، قال: أَفَضْت على نفسك من الماء؟ قلت: نعم، قال: فأخبرني ما فعلت بزكاتك؟ قلت: قد وجّهتها، قال: إنما أردتك لهذا، ثم قرأ: قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبّهِ فَصَلّى وقال: إن أهل المدينة لا يَرَون صدقة أفضل منها، ومن سِقاية الماء. ١٥و قوله: وَذَكَرَ اسْمَ رَبّهِ فَصَلّى اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: وَذَكَرَ اسْمَ رَبّهِ فَصَلّى فقال بعضهم: معنى ذلك: وحّد اللّه . ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٩٤ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس وَذَكَرَ اسْمَ رَبّهِ فَصَلّى يقول: وحّد اللّه سبحانه وتعالى. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وذكر اللّه ودعاه ورغب إليه. والصواب من القول في ذلك: أن يقال: وذكر اللّه فوحّده، ودعاه ورغب إليه، لأن كلّ ذلك من ذكر اللّه ، ولم يخصُصِ اللّه تعالى من ذكره نوعا دون نوع. و قوله: فَصَلّى اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: عُنِي به: فصّلى الصلوات الخمس. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٩٥ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: فَصَلّىيقول: صّلى الصلوات الخمس. وقال آخرون: عني به: صلاة العيد يوم الفطر. وقال آخرون: بل عُني به: وذكر اسم ربه فدعا وقالوا: الصلاة ها هنا: الدعاء. والصواب من القول أن يقال: عُنِي ب قوله: فَصَلّى: الصلوات، وذكر اللّه فيها بالتحميد والتمجيد والدعاء. ١٦انظر تفسير الآية:١٩ ١٧انظر تفسير الآية:١٩ ١٨انظر تفسير الآية:١٩ ١٩و قوله: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدّنيْا يقول للناس: بل تؤثرون أيها الناس زينة الحياة الدنيا على الاَخرة والاَخِرَةُ خَيْرٌ لَكُمْ وأبْقَى يقول: وزينة الاَخرة خير لكم أيها الناس وأبقى بقاء، لأن الحياة الدنيا فانية، والاَخرة باقية، لا تنفَدُ ولا تفنى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٩٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدّنيْا فاختار الناس العاجلة إلا من عصم اللّه . و قوله: وَالاَخِرَةُ خَيْرٌ في الخير وأبْقَى في البقاء. ٢٨٥٩٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا أبو حمزة، عن عطاء، عن عَرْفَجَة الثقفيّ، قال: استقرأت ابن مسعود سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَى، فلما بلغ: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدّنيْا ترك القراءة، وأقبل على أصحابه، وقال: آثرنا الدنيا على الاَخرة، فسكت القوم، فقال: آثرنا الدنيا لأنا رأينا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها، وزُوِيت عنا الاَخرة، فاخترنا هذا العاجل، وتركنا الاَجل. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدّنيْا فقرأ ذلك عامّة قرّاء الأمصار: بَلْ تُؤْثِرُونَ بالتاء، إلا أبا عمرو، فإنه قرأه بالياء، وقال: يعني الأشقياء. والذي لا أوثر عليه في قراءة ذلك التاء، لإجماع الحجة من القرّاء عليه. وذُكر أن ذلك في قراءة أُبيّ: بَلْ أنْتُمْ تُؤْثِرُونَ فذلك أيضا شاهد لصحة القراءة بالتاء. و قوله: إنّ هَذَا لَفِي الصّحُفِ الأُولى اختلف أهل التأويل في الذي أشير إليه بقوله هذا، فقال بعضهم: أُشير به إلى الاَيات التي في (سبح اسم ربك الأعلى) . ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٩٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرِمة إنّ هَذَا لفِي الصّحُفِ الأُولى صُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى يقول: الاَيات التي في سبح اسم ربك الأعلى. وقال آخرون: قصة هذه السورة. ذكر من قال ذلك: ٢٨٥٩٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية إن هَذَا لَفِي الصّحُفِ الأُولى صُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى قال: قصة هذه السورة لفي الصحف الأولى. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن هذا الذي قصّ اللّه تعالى في هذه السورة لَفِي الصّحُفِ الأُولى. ذكر من قال ذلك: ٢٨٦٠٠ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: إنّ هَذَا لَفِي الصّحُفِ الأُولى قال: إن هذا الذي قصّ اللّه في هذه السورة، لفي الصحف الأولى صُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى. وقال آخرون: بل عُنِي بذلك في قوله: وَالاَخِرَةُ خَيْرٌ وأبْقَى في الصحف الأولى. ذكر من قال ذلك: ٢٨٦٠١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إنّ هَذَا لَفِي الصّحُفِ الأُولى قال: تتابعت كتب اللّه كما تسمعون، أن الاَخرة خير وأبقى. ٢٨٦٠٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إنّ هَذَا لَفِي الصّحُفِ الأُولى صُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى قال: في الصحف التي أنزلها اللّه على إبراهيم وموسى: أن الاَخرة خير من الأولى. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: إن قوله: قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكى وَذَكَرَ اسمَ رَبّهِ فَصَلّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدّنيْا وَالاَخِرَةُ خَيْرٌ وَأبْقَى: لفي الصحف الأولى، صحف إبراهيم خليل الرحمن، وصحف موسى بن عمران. وإنما قلت: ذلك أولى بالصحة من غيره، لأن هذا إشارة إلى حاضر، فلأن يكون إشارة إلى ما قرب منها، أولى من أن يكون إشارة إلى غيره. وأما الصحف: فإنها جمع صحيفة، وإنما عُنِي بها: كتب إبراهيم وموسى. ٢٨٦٠٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، عن أبي الخلد، قال: نزلت صحف إبراهيم في أوّل ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لستّ ليال خلون من رمضان، وأنزل الزبور لاثنتي عشرة ليلة، وأنزل الإنجيل لثماني عشرة، وأنزل الفرقان لأربع وعشرين. |
﴿ ٠ ﴾