تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة الشمس

سورة الشمس مكية وآياتها خمس عشرة

بسم اللّه الرحمَن الرحيم

١

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالشّمْسِ وَضُحَاهَا}.

 قوله: والشّمْسِ وَضُحاها قسم أقسم ربنا تعالى ذكره بالشمس وضحاها ومعنى الكلام: أقسم بالشمس، وبضحى الشمس.

واختلف أهل التأويل في معنى قوله: وَضُحاها فقال بعضهم: معنى ذلك: والشمس والنهار، وكان يقول: الضحى: هو النهار كله. ذكر من قال ذلك:

٢٨٨٧٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة والشّمْسِ وَضُحاها قال: هذا النهار.

وقال آخرون: معنى ذلك: وضوئها. ذكر من قال ذلك:

٢٨٨٧٩ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول اللّه : وَالشّمْسِ وَضُحاها قال: ضوئها.

والصواب من القول في ذلك أن يقال: أقسم جل ثناؤه بالشمس ونهارها، لأن ضوء الشمس الظاهرة هو النهار.

٢

و قوله: وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها يقول تعالى ذكره: والقمر إذا تَبِع الشمس، وذلك في النصف الأوّل من الشهر، إذا غُرِبت الشمسَ، تلاها القمر طالعا. ذكر من قال ذلك:

٢٨٨٨٠ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وَالقَمَرِ إذَا تَلاها قال: يتلو النهار.

٢٨٨٨١ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا عبد الملك، عن قيس بن سعد، عن مجاهد، قوله: وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها يعني : الشمس إذا تبعها القمر.

٢٨٨٨٢ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها قال: تبعها.

٢٨٨٨٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها يتلوها صبيحة الهلال فإذا سقطت الشمس رُؤي الهلال.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها قال: إذا تلاها ليلة الهلال.

٢٨٨٨٤ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول اللّه : والشّمْسِ وَضُحاها وَالْقَمَرِ إذَا تَلاها قال: هذا قسم، والقمر يتلو الشمس نصف الشهر الأوّل، وتتلوه النصف الاَخر، فأما النصف الأوّل فهو يتلوها، وتكون أمامه وهو وراءها، فإذا كان النصف الاَخر كان هو أمامها يقدمها، وتليه هي.

٣

و قوله: وَالنّهارِ إذَا جَلاّها يقول: والنهار إذا جَلاّها، قال: إذا أضاء.

٢٨٨٨٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَالنّهارِ إذَا جَلاّها قال: إذا غشيها النهار.

وكان بعض أهل العربية يتأوّل ذلك بمعنى: والنهار إذا جَلاّ الظلمة، ويجعل الهاء والألف من جلاّها كناية عن الظلمة، ويقول: إنما جاز الكناية عنها، ولم يجر لها ذكر قبل، لأن معناها معروف، كما يعرف معنى قول القائل: أصبحت باردة، وأمست باردة، وهبّت شمالاً، فكنى عن مؤنثات لم يجر لها ذكر، إذ كان معروفا معناهن.

والصواب عندنا في ذلك: ما قاله أهل العلم الذين حكينا قولهم، لأنهم أعلم بذلك، وإن كان للذي قاله من ذكرنا قوله من أهل العربية وجه.

٤

و قوله: وَاللّيْلِ إذَا يَغْشاها يقول تعالى ذكره: والليل إذا يغشى الشمس، حتى تغيب فتظلمَ الاَفاقُ. وكانت قتادة يقول في ذلك ما:

٢٨٨٨٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَاللّيْل إذَا يَغْشاها: إذا غَشّاها الليل.

و قوله: وَالسّماءِ وَما بَناها

يقول جلّ ثناؤه: والسماء ومَنْ بناها، يعني : ومَنْ خلَقها، وبناؤه إياها: تصييره إياها للأرض سقفا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٥

٢٨٨٨٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَالسّماءِ وَما بَناها وبناؤها: خَلْقُها.

٢٨٨٨٨ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وَالسّماءِ وَما بَناها قال: اللّه بنى السماءَ.

و

قيل: وَما بَناها وهو جل ثناؤه بانيها، فوضع (ما) موضع (مَنْ) ، كما قال وَوَالِدٍ وَما وَلَدَ، فوضع (ما) في موضع (مَنْ) ، ومعناه، ومَن ولد، لأنه قَسَمٌ أقسم بآدم وولده، وكذلك: وَلا تَنْكِحوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النّساءِ،

و قوله: فانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ وإنما هو: فانكحوا مَنْ طاب لكم. وجائز توجيه ذلك إلى معنى المصدر، كأنه قال: والسماء وبنائها، ووالد وولادتِه.

٦

و قوله: وَالأَرْضِ وَما طَحاها وهذه أيضا نظير التي قبلها، ومعنى الكلام: والأرض ومَنْ طحاها. ومعنى قوله: طَحاها: بسطها يمينا وشمالاً، ومن كلّ جانب.

وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله: طَحاها فقال بعضهم: معنى ذلك: والأرض وما خلق فيها. ذكر من قال ذلك:

٢٨٨٨٩ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس : وَالأَرْضِ وَما طَحاها يقول: ما خلق فيها.

وقال آخرون: يعني بذلك: وما بسطها. ذكر من قال ذلك:

٢٨٨٩٠ـ حدثني محمد بن عُمارة، قال: حدثنا عُبيد اللّه بن موسى، قال: حدثنا عيسى وحَدّثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وَالأَرْضِ وَما طَحاها قال: دحاها.

٢٨٨٩١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَما طَحاها قال: بَسَطَها.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما قسمها. ذكر من قال ذلك:

٢٨٨٩٢ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، في قوله: وَالأَرْضِ وَما طَحاها يقول: قسمها.

٧

و قوله: وَنَفْسٍ وَما سَوّاها يعني جل ثناؤه ب قوله: وَما سَوّاها نفسه، لأنه هو الذي سوّى النفسَ وخلقها، فعدّل خلقها، فوضع (ما) موضع (مَنْ) ، وقد يُحتمل أن يكون معنى ذلك أيضا المصدر، فيكون تأويله: ونفس وتسويَتها، فيكون القسم بالنفس وبتسويتها.

٨

و قوله: فألهَمها فُجُورَها وتَقْوَاها يقول تعالى ذكره: فبين لها ما ينبغي لها أن تأتي أو تذر من خير، أو شرّ أو طاعة، أو معصية. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٨٨٩٣ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: فأَلهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاها يقول: بَيّنَ الخيرَ والشرّ.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: فأَلهَمها فُجُورَها وَتَقْوَاها يقول: بيّن الخيرَ والشرّ.

٢٨٨٩٤ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس : فأَلهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاها قال: علّمها الطاعة والمعصية.

٢٨٨٩٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فأَلهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاها قال: عَرّفها.

٢٨٨٩٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فأَلهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاها: فبَيّن لها فجورها وتقواها.

٢٨٨٩٧ـ وحُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فأَلهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاها، بيّن لها الطاعةَ والمعصيةَ.

٢٨٨٩٨ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مِهْران، عن سفيان فأَلهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاها قال: أعلمها المعصيةَ والطاعةَ.

٢٨٨٩٩ـ قال: ثنا مِهْران، عن سفيان، عن الضحاك بن مزاحم فأَلهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاها قال: الطاعةَ والمعصيةَ.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن اللّه جعل فيها ذلك. ذكر من قال ذلك:

٢٨٩٠٠ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فأَلهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاها قال: جعل فيها فجورَها وتقواها.

٢٨٩٠١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا صفوان بن عيسى وأبو عاصم النبي ل، قالا: حدثنا عزرة بن ثابت، قال: ثني يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يَعْمَر، عن أبي الأسود الدّيليّ، قال: قال لي عمران بن حُصين: أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون فيه، أشيء قُضِيَ عليهم، ومضى عليهم من قَدَرٍ قد سبق، أو فيما يستقبلون، مما أتاهم به نبيهم عليه الصلاة والسلام، وأكدت عليهم الحجة؟ قلت: بل شيء قُضِيَ عليهم، قال: فهل يكون ذلك ظلما؟ قال: ففزعت منه فزعا شديدا، قال: قلت له: ليس شيء إلا وهو خَلْقُه، ومِلْكُ يده، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون. قال: سدّدك اللّه ، إنما سألتك (أظنه أنا) لأخْبُرَ عقلك. إن رجلاً من مُزَينة أو جهينة، أتى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقال: يا رسول اللّه ، أرأيتَ ما يعملُ الناس فيه ويتكادحون: أشيء قضي عليهم، ومضى عليهم من قَدَرٍ سبق، أو فيما يستقبلون، مما أتاهم به نبيهم عليه السلام، وأكّدت به عليهم الحجة؟ قال: (فِي شَيْءٍ قَدْ قُضِيَ عَلَيْهِمْ) قال: ففيم نعملُ؟ قال: (مَنْ كانَ اللّه خَلَقَهُ لإِحْدَى المَنْزِلَتَينِ يُهَيّئُهُ لَهَا، وَتَصْدِيقُ ذلكَ فِي كِتابِ اللّه : وَنَفْسٍ وَما سَوّاها فأَلَهَمها فُجُورَها وَتَقْوَاها) .

٩

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكّاهَا}.

 قوله: قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكّاها يقول: قد أفلح من زكّى اللّه نفسه، فكّثر تطهيرها من الكفر والمعاصي، وأصلحها بالصالحات من الأعمال. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٨٩٠٢ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكّاها يقول: قد أفلح من زكّى اللّه نفسَه.

٢٨٩٠٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مَهْران، عن سفيان، عن خَصِيف، عن مجاهد وسعيد بن جُبير وعكرِمة: قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكّاها قالوا: من أصلحها.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد وسعيد بن جُبير، ولم يذكر عكرِمة.

٢٨٩٠٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكّاها من عمل خيرا زكّاها بطاعة اللّه .

٢٨٩٠٥ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكّاها قال: قد أفلح من زكّى نفسَه بعمل صالح.

٢٨٩٠٦ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكّاها يقول: قد أفلح من زكى اللّه نفسَه. وهذا هو موضع القسم، كما:

٢٨٩٠٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: قد وقع القسم ها هنا قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكّاها.

وقد ذكرتُ ما تقول أهل العربية في ذلك فيما مضى من نظائره قبلُ.

و قوله: وَقَدْ خاب مَنْ دَسّاها يقول تعالى ذكره: وقد خاب في طِلبته، فلم يُدرك ما طلب والتمس لنفسه من الصلاح مَنْ دسّاهَا يعني : من دَسّس اللّه نفسه فأحْملها، ووضع منها، بخُذلانه إياها عن الهدى حتى ركب المعاصِيَ، وترك طاعة اللّه . و

قيل: دسّاها وهي دَسّسها، فقُلبت إحدى سيناتها ياء، كما قال العجّاج:

تَقَضّيَ الْبازِي إذا البازِي كَسَرْ

يريد: تَقَضّض. وتظنّيت هذا الأمر، بمعنى: تظننت، والعرب تفعل ذلك كثيرا، فتبدل في الحرف المشدّد بعضَ حروفه، ياء أحيانا، وواوا أحيانا ومنه قول الاَخر:

يَذْهَبُ بِي فِي الشّعْرِ كُلّ فَنّحتى يَرُدّ عَنّي التَظَنّي

يريد: التظنن: وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٨٩٠٨ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس وَقَدْ خابَ مَنْ دَسّاها يقول: وقد خاب من دَسّى اللّه نُفسَه فأضلّه.

٢٨٩٠٩ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس : وَقَدْ خابَ مَنْ دَسّاها يعني : تكذيبها.

٢٨٩١٠ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن خَصِيف، عن مجاهد وسعيد بن جُبير وَقَدْ خابَ مَنْ دَسّاها قال أحدهما: أغواها، وقال الاَخر: أضلّها.

١٠

٢٨٩١١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن خَصِيف، عن مجاهد وَقَدْ خابَ مَنْ دَسّاها قال: أضلها، وقال سعيد: من أغواها.

حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: مَنْ دَسّاها قال: أغواها.

٢٨٩١٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَقَدْ خابَ مَنْ دَسّاها قال: أثّمها وأفجرها.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، مثله.

٢٨٩١٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَقَدْ خابَ يقول: وقد خاب من دَسّى اللّه نَفسَه.

١١

و قوله: كَذّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاها يقول: كذّبت ثمود بطغيانها، يعني : بعذابها الذي وعدهموه صالح عليه السلام، فكان ذلك العذاب طاغيا طغى عليهم، كما قال جلّ ثناؤه: فأمّا ثَمُودُ فأُهْلِكُوا بالطّاغيَة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وإن كان فيه اختلاف بين أهل التأويل. ذكر من قال القول الذي قلنا في ذلك:

٢٨٩١٤ـ حدثني سعيد بن عمرو السّكونيّ، قال: حدثنا الوليد بن سَلَمة الفِلَسْطِينيّ، قال: ثني يزيد بن سمرة المَذحِجيّ عن عطاء الخُراسانيّ، عن ابن عباس ، في قول اللّه : كَذّبَتْ ثَمُودُ بطَغْوَاها قال: اسم العذاب الذي جاءها، الطّغْوَى، فقال: كذّبت ثمود بعذابها.

٢٨٩١٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة كَذّبَتْ ثَمُودُ بطَغْوَاها: أي بالطغيان.

وقال آخرون: كذّبت ثمود بمعصيتهم اللّه . ذكر من قال ذلك:

٢٨٩١٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد كَذّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاها قال: معصيتها.

٢٨٩١٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: كَذّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاها قال: بطغيانهم وبمعصيتهم.

وقال آخرون: بل معنى ذلك بأجمعها. ذكر من قال ذلك:

٢٨٩٧٩حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يحيى بن أيوب وابن لَهِيعة، عن عُمارة بن غزية، عن محمدبن رفاعة القُرَظِيّ، عن محمد بن كعب، أنه قال: كَذّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاها قال: بأجمعها.

حدثني ابن عبد الرحيم الَبْرِقيّ، قال: حدثنا ابن أبي مَرْيم، قال: أخبرني يحيى بن أيوب، قال: ثني عُمارة بن غزية، عن محمد بن رفاعة القُرَظِيّ، عن محمد بن كعب، مثله.

وقيل طَغْوَاها بمعنى: طغيانهم، وهما مصدران، للتوفيق بين رؤوس الاَي، إذ كانت الّطْغَوى أشبه بسائر رؤوس الاَيات في هذه السورة، وذلك نظير قوله: وآخِرُ دَعْوَاهُمْ بمعنى: وآخر دعائهم.

و قوله: إذِ انْبَعَثَ أشْقاها يقول: إذ ثار أشقى ثمود، وهو قُدَار بن سالف، كما:

٢٨٩١٨ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا الطّفاويّ، عن هشام، عن أبيه، عن عبد اللّه بن زَمَعة، قال: خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فذكر في خطبته الناقة، والذي عَقَرها، فقال: (إذِ انْبَعَثَ أشْقاها: انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ عارِمٌ، مَنِيعٌ فِي رَهْطِهِ، مِثْلُ أبي زَمَعَة) .

٢٨٩١٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، في قوله: إذِ انْبَعَثَ أشْقاها يعني أُحَيْمِرَ ثَمود.

و قوله: فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّه يعني بذلك جَلّ ثناؤه: صالحا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال لثمود صَالحٌ: ناقَةَ اللّه وَسُقْياها احذَروا ناقة اللّه وسُقياها، وإنما حذّرهم سُقيَا الناقة، لأنه كان تقدّم إليهم عن أمر اللّه ، أن للناقة شِرَب يوم، ولهم شِرْب يومٍ آخر، غير يوم الناقة، على ما قد بيّنت فيما مضى قبل، وكما:

٢٨٩٢٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّه ناقَةَ اللّه وسُقْياها قَسْم اللّه الذي قسم لها من هذا الماء.

و قوله: فَكَذّبُوهُ فَعَقَرُوها يقول: فكذّبوا صالحا في خبره الذي أخبرهم به، من أن اللّه الذي جعل شِرْبَ الناقة يوما، ولهم شربُ يوم معلوم، وأن اللّه يحِلّ بهم نقمته، إن هم عقروها، كما وصفهم جل ثناؤه فقال: كَذّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقَارِعَةِ، وقد يحتمل أن يكون التكذيب بالعقْر. وإذا كان ذلك كذلك، جاز تقديم التكذيب قبل العقر، والعقر قبل التكذيب، وذلك أن كلّ فعل وقع عن سبب حسن ابتداؤه قبل السبب وبعده، كقول القائل: أعطيت فأحسنت، وأحسنت فأعطيت، لأن الإعطاء: هو الإحسان، ومن الإحسان الإعطاء، وكذلك لو كان العَقْر هو سبب التكذيب، جاز تقديم أيّ ذلك شاء المتكلم. وقد زعم بعضهم أن قوله: فَكَذّبُوهُ كلمة مكتفية بنفسها، وأن قوله: فَعَقَرُوها جواب ل قوله: إذِ انْبَعَث أشْقاها كأنه

قيل: إذ انبعث أشقاها فعقرها، فقال: وكيف؟ قيل فَكَذّبُوهُ فَعَقَرُوها وقد كان القوم قبل قتل الناقة مُسَلّمين، لها شرب يوم، ولهم شرب يوم آخر.

قيل: جاء الخبر أنهم بعد تسليمهم ذلك، أجمعوا على منعها الشربَ، ورضُوا بقتلها، وعن رضا جميعهم قَتَلها قاتِلُها، وعَقَرها مَنْ عقرها ولذلك نُسب التكذيب والعقر إلى جميعهم، فقال جلّ ثناؤه: فَكَذّبُوهُ فَعَقَرُوها.

و قوله: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها يقول تعالى ذكره: فدمّر عليهم ربهم بذنبهم ذلك، وكفّرهم به، وتكذيبهم رسوله صالحا، وعَقْرهم ناقته فَسَوّاها يقول: فَسوّى الدمدمة عليهم جميعهم، فلم يُفْلِت منهم أحد، كما:

٢٨٩٢١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها ذُكر لنا أن أحيمرَ ثمود أبى أن يعقِرَها، حتى بايعه صغيرُهم وكبيرُهم، وذَكَرُهم وأنثاهم، فلما اشترك القومُ في عَقْرها دمدم اللّه عليهم بذنبهم فسوّاها.

٢٨٩٢٢ـ حدثني بشر بن آدم، قال: حدثنا قُتيبة، قال: حدثنا أبو هلال، قال: سمعت الحسن يقول: لما عقروا الناقةَ طلبوا فَصِيلَها، فصار في قارة الجبل، فقطع اللّه قلوبَهم.

و قوله: وَلا يَخافُ عقْباها اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: لا يخاف تبعة دَمْدمته عليهم. ذكر من قال ذلك:

٢٨٩٢٣ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: وَلا يَخافُ عُقْباها قال: لا يخاف اللّه من أحد تَبِعَةً.

٢٨٩٢٤ـ حدثني إبراهيم بن المستمرّ، قال: حدثنا عثمان بن عمرو، قال: حدثنا عمر بن مرثد، عن الحسن، في قوله: وَلا يَخاف عُقْباها قال: ذاك ربنا تبارك وتعالى، لا يخاف تبعةً مما صنع بهم.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن عمرو بن منبه، هكذا هو في كتابي، سمعت الحسن قرأ: وَلا يَخافُ عُقْباها قال: ذلك الربّ صنع ذلك بهم، ولم يخف تبعةً.

حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: وَلا يَخاف عُقْباها قال: لا يخاف تبعتهم.

٢٨٩٢٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَلا يَخافُ عُقْباها يقول: لا يخاف أن يُتْبَعَ بشيء مما صَنعَ بهم.

٢٨٩٢٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وَلا يَخافُ عُقْباها قال محمد بن عمرو في حديثه، قال: اللّه لا يَخافُ عُقْباها. وقال الحرث في حديثه: اللّه لا يخاف عقباها.

٢٨٩٢٧ـ حدثني محمد بن سنان، قال: حدثنا يعقوب، قال: حدثنا رزين بن إبراهيم، عن أبي سليمان، قال: سمعت بكر بن عبد اللّه المُزَنيّ يقول في قوله: وَلا يَخافُ عُقْباها قال: لا يخاف اللّه التبعةَ.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولم يخف الذي عقرها عقباها: أي عُقبى فَعْلَتِهِ التي فعل. ذكر من قال ذلك:

٢٨٩٢٨ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا جابر بن نوح، قال: حدثنا أبو رَوْق، قال: حدثنا الضحاك وَلا يَخافُ عُقْباها قال: لم يَخَفِ الذي عقرها عقباها.

٢٨٩٢٩ـ حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا مِهْران، عن سفيان، عن السّدّيّ: وَلا يَخافُ عُقْباها قال: لم يخف الذي عقرها عقباها.

حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا مِهْران، عن سفيان، عن السديّ وَلا يَخافُ عُقْباها قال: الذي لا يخاف الذي صنع، عُقْبَى ما صنع.

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والشام: (فَلا يَخافُ عُقْباها) بالفاء، وكذلك ذلك في مصاحفهم، وقرأته عامة قرّاء العراق في المِصْرين بالواو وَلا يَخاف عُقْباها وكذلك هو في مصاحفهم.

والصواب من القول في ذلك: أنهما قراءتان معروفتان، غير مختلفي المعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.

واختلفت القرّاء في إمالة ما كان من ذوات الواو في هذه السورة وغيرها، ك قوله: وَالقَمَرِ إذَا تَلاها وَما طَحاها ونحو ذلك، فكان يفتح ذلك كلّه عامةُ قرّاء الكوفة، ويُميلون ما كان من ذوات الياء، غير عاصم والكسائي، فإن عاصما كان يفتح جميعَ ذلك، ما كان منه من ذوات الواو وذوات الياء، لا يُضْجِعُ منه شيئا. وكان الكسائي يكسر ذلك كلّه. وكان أبو عمرو ينظر إلى اتساق رؤوس الاَي، فإن كانت متسقة على شيء واحد، أمال جميعَها. وأما عامة قرّاء المدينة، فإنهم لا يميلون شيئا من ذلك الإمالة الشديدة، ولا يفتحونه الفتحَ الشديد، ولكن بين ذلك وأفصح ذلك وأحسنه: أن ينظر إلى ابتداء السورة، فإن كانت رؤوسها بالياء، أُجْريَ جميعُها بالإمالة غير الفاحشة، وإن كانت رؤوسها بالواو، فتحت وجرى جميعها بالفتح غير الفاحش، وإذا انفرد نوع من ذلك في موضع، أميل ذوات الياء الإمالة المعتدلة، وفتح ذوات الواو الفتح المتوسّط، وإن أُميلت هذه، وفُتحت هذه لم يكن لحنا، غير أن الفصيح من الكلام هو الذي وصفنا صفته.

﴿ ٠