تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآنللإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبريإمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)_________________________________سورة الليلسورة الليل مكيّة وآياتها إحدى وعشرون بسم اللّه الرحمَن الرحيم ١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالْلّيْلِ إِذَا يَغْشَىَ} يقول تعالى ذكره مُقسِما بالليل إذا غَشّى النهار بظلمته، فأذهب ضوءه، وجاءت ظُلمته: واللّيْلِ إذَا يَغْشَى النهار والنّهارِ إذا تَجَلّى وهذا أيضا قسم، أقسم بالنهار إذا هو أضاء فأنار، وظهر للأبصار، ما كانت ظلمة الليل قد حالت بينها وبين رؤيته وإيتانه إياها عيانا. وكان قتادة يذهب فيما أقسم اللّه به من الأشياء أنه إنما أقسم به لعِظَم شأنه عنده، كما: ٢٢٨٩٣٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله وَاللّيْلِ إذَا يَغْشَى والنّهارِ إذَا تَجَلّى قال: آيتان عظيمتان يكوّرهما اللّه على الخلائق. ٣و قوله: وَما خَلَقَ الذّكَرَ والأُنْثَى يحتمل الوجهين اللذين وصفت في قوله: وَالسّماءِ وَما بَناها والأرْضِ وَما طَحاها وهو أن يجعل (ما) بمعنى (مَنْ) ، فيكون ذلك قسما من اللّه جل ثناؤه بخالق الذّكر والأنثى، وهو ذلك الخلق، وأن تجعل (ما) مع ما بعدها بمعنى المصدر، ويكون قسما بخلقه الذكر والأنثى. وقد ذُكر عن عبد اللّه بن مسعود وأبي الدرداء: أنهما كانا يقرآن ذلك (وَالذّكَرِ وَالأُنْثَىَ) ويأثُرُه أبو الدرداء عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . ذكر الخبر بذلك: ٢٨٩٣١ـ حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: في قراءة عبد اللّه : (وَاللّيْلِ إذَا يَغْشَى وَالنّهارِ إذَا تَجَلّى وَالذّكَرِ والأُنْثَى) . ٢٨٩٣٢ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا هشام بن عبد الملك، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني المُغيرة، قال: سمعت إبراهيم يقول: أتى علقمة الشأم، فقعد إلى أبي الدرداء، فقال: ممن أنت؟ فقلت: من أهل الكوفة، فقال: كيف كان عبد اللّه يقرأ هذه الاَية وَاللّيْلِ إذَا يَغْشَى وَالنّهارِ إذَا تَجَلّى فقلت: (وَالذّكَرِ وَالأُنْثَى) قال: فما زال هؤلاء حتى كادوا يستضلّونني وقد سمعتها من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا حاتم بن وَرْدان، قال: حدثنا أبو حمزة، عن إبراهيم، عن علقمة قال: أتينا الشأم، فدخلت على أبي الدرداء، فسألني فقال: كيف سمعت ابن مسعود يقرأ هذه الاَية: وَاللّيْلِ إذَا يَغْشَى والنّهارِ إذَا تَجَلّى قال: قلت: (وَالذّكَرِ والأنْثَى) قال: كفاك، سمعتُها من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقرؤها. حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن عُليَة وحدثني إسحاق بن شاهين الواسطيّ، قال: حدثنا خالد بن عبد اللّه عن داود، عن عامر، عن علقمة، قال: قَدِمت الشأم، فلقيت أبا الدرداء، فقال: من أين أنت؟ فقلت من أهل العراق؟ قال: من أيها؟ قلت: من أهل الكوفة، قال: هل تقرؤه قراءة ابن أمّ عبد؟ قلت: نعم، قال: اقرأ وَاللّيْلِ إذَا يَغْشَى قال: فقرأت: (وَاللّيْلِ إذَا يَغْشَى وَالنّهارِ إذَا تَجَلّى وَالذّكَرِ والأُنْثَى) قال: فضحك، ثم قال: هكذا سمعت مِنْ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . حدثنا ابن المثنى، قال: ثني عبد الأعلى، قال: ثني داود، عن عامر، عن علقمة، عن أبي الدّرداء، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، بنحوه. حدثني أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: قدمت الشأم، فأتى أبو الدرداء، فقال: فيكم أحد يقرأ على قراءة عبد اللّه ؟ قال: فأشاروا إليّ، قال: قلت أنا، قال: فكيف سمعت عبد اللّه يقرأ هذه الاَية: (وَاللّيْلِ إذَا يَغْشَى والنّهارِ إذَا تَجَلّى وَالذّكَرِ وَالأُنْثَى) قال: وأنا هكذا سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: فهؤلاء يريدوني على أن أقرأ وَما خَلَقَ الذّكَرِ والأُنْثَى فلا أنا أتابعهم. ٢٨٩٣٣ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وَما خَلَقَ الذّكَرَ وَالأُنْثَى قال: في بعض الحروف: (وَالذّكَرِ وَالأُنْثَى) . حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، مثله. ٢٨٩٣٤ـ حدثني أحمد بن يوسف، قال: حدثنا القاسم، قال: حدثنا حجاج، عن هارون، عن إسماعيل، عن الحسن أنه كان يقرؤها وَما خَلَقَ الذّكَرَ والأُنْثَى يقول: والذي خلق الذكر والأنثى قال هارون قال أبو عمرو: وأهل مكة يقولون للرعد: سبحانَ ما سبّحْتَ له. حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا جرير، عن مُغيرة، عن مِقْسمَ الضّبيّ، عن إبراهيم بن يزيد بن أبي عمران، عن علقمة بن قيس أبي شبل: أنه أتى الشام، فدخل المسجد فصلّى فيه، ثم قام إلى حَلْقة فجلس فيها قال: فجاء رجل إليّ، فعرفت فيه تحوّش القول وهيبتهم له، فجلس إلى جنبي، فقلت: الحمد للّه إني لأرجو أن يكون اللّه قد استجاب دعوتي، فإذا ذلك الرجل أبو الدرداء، قال: وما ذاك؟ فقال علقمة: دعوت اللّه أن يرزقني جليسا صالحا، فأرجو أن يكون أنت، قال: مِنْ أين أنت؟ قلت: من الكوفة، أو من أهل العراق من الكوفة. قال أبو الدرداء: ألم يكن فيكم صاحب النعلين والوساد والمِطْهَرة، يعني ابن مسعود، أو لم يكن فيكم من أجير على لسان النبي صلى اللّه عليه وسلم من الشيطان الرجيم، يعني عَمّار بن ياسر، أو لم يكن فيكم صاحب السرّ الذي لا يعلمه غيره، أو أحد غيره، يعني حُذَيفة بن اليمان، ثم قال: أيكم يحفظ كما كان عبد اللّه يقرأ؟ قال: فقلت: أنا، قال: اقرأ: وَاللّيْلِ إذَا يَغْشَى والنّهارَ إذَا تَجَلّى قال علقمة: فقرأت: الذكرِ والأنثى، فقال أبو الدرداء: والذي لا إله إلاّ هو، كذا أقرأنيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فوه إلى فيّ، فما زال هؤلاء حتى كادوا يردّونني عنها. ٤و قوله: إنّ سَعْيَكُمْ لَشَتّى يقول: إن عملكم لمختلف أيها الناس، لأن منكم الكافر بربه، والعاصي له في أمره ونهيه، والمؤمن به، والمطيع له في أمره ونهيه، كما: ٢٨٩٣٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إنّ سَعْيَكُمْ لَشَتّى يقول: لمختلف. و قوله: إنّ سَعْيَكُمْ لَشَتّى جواب القسم، والكلام: والليل إذا يغشى إن سعيكم لشتى، وكذا قال أهل العلم. ذكر من قال ذلك: ٢٨٩٣٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: وقع القسم هاهنا إنّ سَعْيَكُمْ لَشَتّى. ٥و قوله: فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى يقول تعالى ذكره: فأما من أعطى واتقى منكم أيها الناس في سبيل اللّه ، ومن أمَرهُ اللّه بإعطائه من ماله، وما وهب له من فضله، واتقى اللّه واجتنب محارمه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٩٣٧ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا بشر بن المفضل، قال: حدثنا داود، عن عامر، عن عكرِمة، عن ابن عباس ، في قوله: فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى قال: أعطى ما عنده واتقى، قال: اتقى ربه. حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مَهْديّ، قال: حدثنا خالد بن عبد اللّه ، عن داود بن أبي هند، عن عكرِمة، عن ابن عباس فأمّا مَنْ أعْطَى من الفضل واتّقَى: اتقى ربه. ٢٨٩٣٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فأمّا مَنْ أعْطَى حقّ اللّه وَاتّقَى محارم اللّه التي نهى عنها. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى يقول: من ذكر اللّه ، واتقى اللّه . واختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى: وَصَدّقَ بالْحُسْنَى فقال بعضهم: معنى ذلك: وصدّق بالخلف من اللّه ، على إعطائه ما أعطى من ماله فيما أعْطَى فيه مما أمره اللّه بإعطائه فيه. ذكر من قال ذلك: ٦٢٨٩٣٩ـ حدثني حميد بن مسعدة، قال: حدثنا بشر بن المفضل، قال: حدثنا دواد، عن عكرِمة، عن ابن عباس ، في قوله: وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال: وصدّق بالخَلَف من اللّه . حدثني محمد بن المثنى، قال: ثني عبد الأعلى، قال: حدثنا داود، عن عكرِمة، عن ابن عباس : وَصَدّقَ بالْحُسْنَى يقول: وصدّق بالخلَف من اللّه . حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدِيّ، قال: حدثنا خالد بن عبد اللّه ، عن داود بن أبي هند، عن عكرِمة، عن ابن عباس وَصَدّقَ بالْحُسْنَى بالخلَف. حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَية، عن داود، عن عكرِمة، عن ابن عباس ، مثله. حدثنا إسماعيل بن موسى السديّ، قال: أخبرنا بشر بن الحكم الأحْمَسيّ، عن سعيد بن الصلت، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، عن ابن عباس وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال: أيقن بالخلف. ٢٨٩٤٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن عكرِمة فأمّا مَنْ أعْطَى واتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال: بالخلف. ٢٨٩٤١ـ حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن قيس بن مسلم، عن عكرِمة وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال: بأن اللّه سيخلف له. ٢٨٩٤٢ـ قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي هاشم المكيّ، عن مجاهد وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال بالخلف. حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن أبي بكر الهُذليّ، عن شَهْر بن حَوْشَب، عن ابن عباس : وصَدّقَ بالْحُسْنَى قال: بالخَلَف. حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن نَضْر بن عربيّ، عن عكرِمة، قال: بالخَلَف. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وصدّق بأن اللّه واحد لا شريك له. ذكر من قال ذلك: ٢٨٩٤٣ـ حدثني محمد بن عمر بن عليّ المُقَدّميّ، قال: حدثنا أشعث السجستانيّ، قال: حدثنا مِسْعَر وحدثنا أبو كُرَيب قال: حدثنا وكيع، عن مِسْعر عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال: بلا إله إلاّ اللّه . حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن مثله. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن، مثله. ٢٨٩٤٤ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عُبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَصَدّقَ بالْحُسْنَى: بلا إله إلاّ اللّه . ٢٨٩٤٥ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وَصَدّقَ بالْحُسْنَى: يقول: صدّق بلا إله إلاّ اللّه . وقال آخرون: بل معنى ذلك: وصدّق بالجنة. ذكر من قال ذلك: ٢٨٩٤٦ـ حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال: بالجنة. حدثنا ابن بشار، قال: ثني محمد بن محبب، قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. وقال آخرون: بل معناه: وصدق بموعود اللّه . ذكر من قال ذلك: ٢٨٩٤٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال: بموعود اللّه على نفسه، فعمل بذلك الموعود الذي وعده اللّه . حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال: صدّق المؤمن بموعود اللّه الحسن. وأشبه هذه الأقوال بما دلّ عليه ظاهر التنزيل، وأولاها بالصواب عندي: قول من قال: عُنِي به التصديق بالخَلَف من اللّه على نفقته. وإنما قلت: ذلك أولى الأقوال بالصواب في ذلك، لأن اللّه ذكر قبله مُنفقا أنفق طالبا بنفقته الخَلَف منها، فكان أولى المعاني به أن يكون الذي عقيبه الخبر عن تصديقه بوعد اللّه إياه بالخَلَف إذ كانت نفقته على الوجه الذي يرضاه، مع أن الخبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنحو الذي قلنا في ذلك ورد. ذكر الخبر الوارد بذلك: ٢٨٩٤٨ـ حدثني الحسن بن سلمة بن أبي كبشة، قال: حدثنا عبد الملك بن عمرو، قال: حدثنا عَبّاد بن راشد، عن قتادة قال: ثني خُلَيد العَصْرِيّ، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (ما مِنْ يَوْمٍ غَرَبَتْ فِيهِ شَمْسُهُ، إلاّ وبِجَنْبَيْها مَلَكانِ يُنادِيانِ، يَسْمَعُهُ خَلْقُ اللّه كُلّهُمْ إلاّ الثّقَلَينِ: اللّه مّ أعْطِ مُنْفِقا خَلَفا، وأعْطِ مُمْسِكا تَلَفا) فأنْزَلَ اللّه فِي ذلك القرآن فأمّا مَنْ أعْطَى واتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى... إلى قوله لِلْعُسرَى. وذُكر أن هذه الاَية نزلت في أبي بكر الصدّيق رضي اللّه عنه. ذكر الخبر بذلك: ٢٨٩٤٩ـ حدثني هارون بن إدريس الأصمّ، قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن عُبيد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق، عن عامر بن عبد اللّه بن الزّبير، قال: كان أبو بكر الصدّيق يُعْتِق على الإسلام بمكة، فكان يُعْتِق عجائز ونساء إذا أسلمن، فقال له أبوه: أَيْ بُنَيّ، أراك تُعْتِق أناسا ضعفاء، فلو أنك أعتقت رجالاً جُلدا يقومون معك، ويمنعونك، ويدفعون عنك، فقال: أي أبت، إنما أريد (أظنه قال) : ما عند اللّه ، قال: فحدثني بعض أهل بيتي، أن هذه الاَية أنزلت فيه: فأمّا مَنْ أعْطَى واتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى. ٧و قوله: فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى يقول: فسنهيئه للخَلّة اليُسْرَى، وهي العمل بما يرضاه اللّه منه في الدنيا، ليوجب له به في الاَخرة الجنة. ٨و قوله: وأمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى يقول تعالى ذكره: وأما من بخل بالنفقة في سبيل اللّه ، ومنع ما وهب اللّه له من فضله، من صرفه في الوجوه التي أمر اللّه بصرفه فيها، واستغنى عن ربه، فلم يرغب إليه بالعمل له بطاعته، بالزيادة فيما خوّله من ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٩٥٠ـ حدثنا حميد بن مَسْعدة، قال: حدثنا بشر بن المفضل، قال: حدثنا داود، عن عكرِمة، عن ابن عباس ، في قوله: وَأمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى قال: بخل بما عنده، واستغنى في نفسه. حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا خالد بن عبد اللّه ، عن داود بن أبي هند، عن عكرِمة عن ابن عباس وَأمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وأما من بخل بالفضل، واستغنى عن ربه. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وَأمّا مَنْ بَخِلَ واسْتَغْنَى يقول: من أغناه اللّه ، فبخل بالزكاة. ٢٨٩٥١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله وأمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى: وأما من بخل بحقّ اللّه عليه، واستغنى في نفسه عن ربه. ٩وأما قوله: وَكَذّبَ بالْحُسْنَى فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله نحو اختلافهم في قوله: وَصَدّقَ بالْحُسْنَى وأما نحن فنقول: معناه: وكذّب بالخَلَف، كما: ٢٨٩٥٢ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا بشر بن المفضل، قال: حدثنا داود، عن عكرِمة، عن ابن عباس : وكَذّبَ بالْحُسْنَى: وكذّب بالخَلَف. حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا خالد بن عبد اللّه ، عن داود بن أبي هند، عن عكرِمة، عن ابن عباس وَكَذّبَ بالْحُسْنَى بالخَلَف من اللّه . ٢٨٩٥٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وكَذّبَ بالْحُسْنَى وكذّب بموعود اللّه الذي وعد، قال اللّه : فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وَكَذّبَ بالْحُسْنَى وكذّب الكافر بموعود اللّه الحسن. وقال آخرون: معناه: وكذّب بتوحيد اللّه . ذكر من قال ذلك: ٢٨٩٥٤ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وَكَذّبَ بالْحُسْنَى: وكذّب بلا إله إلاّ اللّه . ٢٨٩٥٥ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَكَذّبَ بالْحُسْنَى بلا إله إلاّ اللّه . وقال آخرون: بل معنى ذلك: وكذّب بالجنة. ذكر من قال ذلك: ٢٨٩٥٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وَكَذّبَ بالْحُسْنَى قال: بالجنة. ١٠و قوله: فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى يقول تعالى ذكره: فسنهيئه في الدنيا للخَلّة العُسرى، وهو من قولهم: قد يسرت غنم فلان: إذا ولدت وتهيأت للولادة، وكما قال الشاعر: هُمَا سَيّدَانا يَزْعُمانِ وإنّمَايَسُودَانِنا أنْ يَسّرَتْ غَنَماهُمَا وقيل: فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى ولا تيسر في العُسرى للذي تقدّم في أوّل الكلام من قوله: فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى وإذا جمع بين كلامين أحدهما ذكر الخير والاَخر ذكر الشرّ، جاز ذلك بالتيسير فيهما جميعا والعُسرى التي أخبر اللّه جل ثناؤه أنه ييسره لها: العمل بما يكرهه ولا يرضاه. وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الأثر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . ذكر الخبر بذلك: ٢٨٩٥٧ـ حدثني واصل بن عبد الأعلى وأبو كُرَيب، قالا: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن سعد بن عُبيدة، عن أبي عبد الرحمن السّلميّ، عن عليّ، قال: كُنّا جلوسا عند النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فنكَتَ الأرض، ثم رفع رأسه فقال: (ما مِنْكمْ مِنْ أحَدٍ إلاّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الجَنّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النّارِ) . قلنا: يا رسول اللّه أفلا نتّكل؟ قال: (لا، اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسّرٌ) ، ثم قرأ: فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذّبَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا زائدة بن قُدامة، عن منصور، عن سعد بن عُبيدة عن أبي عبد الرحمن السّلَميّ، عن عليّ، قال: كنا في جنازة في البقيع، فأتانا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فجلس وجلسنا معه، ومعه عود يَنْكُت في الأرض، فرفع رأسه إلى السماء فقال: (ما مِنْكمْ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إلاّ قَدْ كُتِبَ مَدْخَلُها) ، فقال القول: يا رسول اللّه ألا نتكل على كتابنا، فمن كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة، ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء، فقال: (بَلِ اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسّرٌ فأمّا مَنْ كانَ مِنْ أهْلِ السّعادَةِ فإنّهُ يُيَسّرُ لِعَمَلِ السّعادَةِ وأمّا مَنْ كانَ مِنْ أهْلِ الشّقاء فإنّهُ يُيَسّرُ للشّقاءِ، ثم قرأ: فأمّا مَنْ أعْطَى واتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى وأمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وكَذّبَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى) . حدثنا أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلميّ، عن عليّ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم بنحوه. حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن منصور والأعمش: أنهما سمعا سعد بن عُبيدة، عن أبي عبد الرحمن السّلَميّ، عن عليّ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه كان في جنازة، فأخذ عودا فجعل ينكُت في الأرض، فقال: (ما مِنْ أحَدٍ إلاّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النّارِ أوْ مِنَ الجَنّةِ) ، فقالوا: يا رسول اللّه أفلا نتّكل؟ قال: (اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسّرٌ فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ للْيُسْرَى وأمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وكَذّبَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى) . حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن منصور والأعمش، عن سعد بن عُبيدة، عن أبي عبد الرحمن السّلَميّ، عن عليّ رضي اللّه عنه قال: كنا جلوسا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فتناول شيئا من الأرض بيده، فقال: (ما مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ إلاّ وَقَدْ عُلِمَ مَقْعَدُهُ مِنَ الجَنّةِ والنّارِ) قالوا: يا نبيّ اللّه ، أفلا نتكل؟ قال: (لا اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ) ، ثم قرأ: فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى... الاَيتين. ٢٨٩٥٨ـ قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، عن عبد الملك بن سَمُرة بن أبي زائدة، عن النّزّال بن سَبْرَةَ، قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (ما مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إلاّ قَدْ كَتَبَ اللّه عَلَيْها ما هِيَ لاقِيَتُهُ) وأعرابي عند النبي صلى اللّه عليه وسلم مُرتاد، فقال الأعرابيّ: فما جاء بي أضرب من وادي كذا وكذا، إن كان قد فُرِغ من الأمر؟ فنكت النبي صلى اللّه عليه وسلم في الأرض، حتى ظنّ القوم أنه ودّ أنه لم يكن تكلم بشيء منه، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (كُلّ مُيَسّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، فَمَنْ يُرِدِ اللّه بِهِ خَيرا يَسّرَهُ لِسَبِيلِ الخَيرِ، وَمَنْ يُرِدْ بِهِ شَرّا يَسّرَهُ لِسَبِيلِ الشّرّ) ، فلقيت عمرو بن مُرّة، فعرضت عليه هذا الحديث، فقال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وزاد فيه: فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى وأمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وكَذّبَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى. ٢٨٩٥٩ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: حدثنا حصين، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السّلَمي، قال: لما نزلت هذه الاَية: إنّا كُلّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ قال رجل: يا رسول اللّه ، ففيم العمل؟ أفي شيء نستأنفه، أو في شيء قد فُرغ منه؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسّرٌ: سَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَسُنَيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى) . حدثني عمرو بن عبد الملك الطائي، قال: حدثنا محمد بن عبيدة، قال: حدثنا الجراح، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن الحجاج بن أرطأة، عن أبي إسحاق الهمداني، عن سليمان الأعمش، رفع الحديث إلى عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه، أنه قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذات يوم جالسا وبيده عود ينكُت به في الأرض، فرفع رأسه فقال: (ما مِنْكمْ مِنْ أحَدٍ وَلا مِنَ النّاس، إلاّ وَقَدْ عُلِمَ مَقْعَدُهُ مِنَ الجَنّةِ أوِ النّارِ) ، قلنا: يا رسول اللّه أفلا نتوكل؟ قال لهم: (اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ) ، ثم قال: (أما سَمِعْتُمُ اللّه فِي كِتابِهِ يَقُولُ: فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى وأمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وكَذّبَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُه لِلْعُسْرَى) . ٢٨٩٦٠ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدِيّ، قال: حدثنا خالد بن عبد اللّه ، عن داود بن أبي هند، عن عكرِمة، عن ابن عباس فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى: للشرّ من اللّه . ٢٨٩٦١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحرث، عن أبي الزّبير، عن جابر بن عبد اللّه أنه قال: يا رسول اللّه ، أنعمل لأمر قد فُرغ منه، أو لأمر نأتنفه؟ فقال صلى اللّه عليه وسلم : (كُلّ عامِلٍ مُيَسّرٌ لِعَمَلِهِ) . ٢٨٩٦٢ـ حدثني يونس، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن طلق بن حبيب، عن بشير بن كعب، قال: سأل غلامان شابان النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقالا: يا رسول اللّه ، أنعمل فيما جفّت به الأقلام، وجرَت به المقادير، أو في شيء يستأنف؟ فقال: (بَلْ فِيما جَفّتْ به الأقْلامُ، وَجَرَتْ بهِ المَقادِيرُ) قالا: ففيم العمل إذن؟ قال: (اعْمَلُوا، فَكُلّ عامِلٍ مُيَسّرٌ لعَمَلِهِ الّذِي خُلِقَ لَهُ) ، قالا: فالاَن نجدّ ونعمل. ١١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدّىَ}. يعني جل ثناؤه ب قوله: وَما يُغْني عَنْهُ مالُهُ: أيّ شيء يدفع عن هذا الذي بخل بماله، واستغنى عن ربه، مالُه يوم القيامة إذَا هو تَرَدّى؟. ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: إذَا تَرَدّى فقال بعضهم: تأويله: إذا تردّى في جهنم: أي سقط فيها فَهَوى. ذكر من قال ذلك: ٢٨٩٦٣ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا الأشجعيّ، عن ابن أبي خالد، عن أبي صالح وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إذَا تَرَدّى قال: في جهنم. قال أبو كُرَيب: قد سمع الأشجعيّ من إسماعيل ذلك. ٢٨٩٦٤ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، قوله: إذَا تَرَدّى قال: إذا تردّى في النار. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا مات. ذكر من قال ذلك: ٢٨٩٦٥ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إذَا تَرَدّى قال: إذا مات. حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إذا تَرَدّى قال: إذا مات. حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا الأشجعيّ، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: إذا مات. وأَولَى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: إذا تردّى في جهنم، لأن ذلك هو المعروف من التردّي فأما إذا أُريد معنى الموت، فإنه يقال: رَدِيَ فلان، وقلما يقال: تردّى. و قوله: إنّ عَلَيْنا للّهدَى يقول تعالى ذكره: إن علينا لَبيانَ الحقّ من الباطل، والطاعة من المعصية. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ١٢٢٨٩٦٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إنّ عَلَيْنا للّهدَى يقول: على اللّه البيان، بيانُ حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته. وكان بعض أهل العربية يتأوّله بمعنى: أنه من سلك الهدى فعلى اللّه سبيله، ويقول: وهو مثل قوله: وَعَلى اللّه قَصْدُ السّبِيلِ ويقول: معنى ذلك: من أراد اللّه فهو على السبيل القاصد، وقال: يقال معناه: إن علينا للّهدى والإضلال، كما قال: سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحَرّ وهي تقي الحرّ والبرد. ١٣و قوله: وَإنّ لَنا لَلاَخِرَةَ والأُولى يقول: وإن لنا مِلْك ما في الدنيا والاَخرة، نعطي منهما من أردنا من خلقنا، ونحرمه من شئنا. وإنما عَنَى بذلك جل ثناؤه أنه يوفق لطاعته من أحبّ من خلقه، فيكرمه بها في الدنيا، ويهيىء له الكرامة والثواب في الاَخرة، ويخذُل من يشاء خِذلانه من خلقه عن طاعته، فيهينه بمعصيته في الدنيا، ويخزيه بعقوبته عليها في الاَخرة. ١٤ثم قال جلّ ثناؤه: فَأنْذَرْتُكُمْ نارا تَلَظّى يقول تعالى ذكره: فأنذرتكم أيها الناس نارا تتوهّج، وهي نار جهنم، يقول: احذروا أن تعصوا ربكم في الدنيا، وتكفروا به، فتَصْلَونها في الاَخرة. و قيل: تلظّى، وإنما هي تتلظّى، وهي في موضع رفع، لأنه فعل مستقبل، ولو كان فعلاً ماضيا ل قيل: فأنذرتكم نارا تلظّت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٩٦٧ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول اللّه : نارا تَلَظّى قال: تَوَهّج. ١٥و قوله: لا يَصْلاها إلاّ الأشْقَى يقول جلّ ثناؤه: لا يدخلها فيصلى بسعيرها إلاّ الأشقى، الذي كذّبَ وتَوَلّى يقول: الذي كذّب بآيات ربه، وأعرض عنها، ولم يصدّق بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ١٦٢٨٩٦٨ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا هشام بن الغاز، عن مكحول، عن أبي هريرة، قال: لتدخُلنّ الجنة إلاّ من يأبى، قالوا: يا أبا هريرة: ومن يأبى أن يدخل الجنة؟ قال: فقرأ: الّذِي كَذّبَ وَتَوَلّى. ٢٨٩٦٩ـ حدثني الحسن بن ناضح، قال: حدثنا الحسن بن حبيب ومعاذ بن معاذ، قالا: حدثنا الأشعث، عن الحسن في قوله: لا يَصْلاها إلاّ الأشْقَى قال مُعاذ: الذي كذّب وتولى، ولم يقله الحسن، قال: المشرك. وكان بعض أهل العربية يقول: لم يكن كذب بردّ ظاهر، ولكن قصّر عما أمر به من الطاعة، فجُعِل تكذيبا، كما تقول: لقي فلان العدوّ، فكذب إذا نكل ورجع. وذُكر أنه سمع بعض العرب يقول: ليس لحدّهم مكذوبة، بمعنى: أنهم إذا لقوا صدقوا القتال، ولم يرجعوا قال: وكذلك قول اللّه : لَيَسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ. ١٧و قوله: وَسَيُجَنّبُها الأتْقَى يقول: وَسيُوَقّى صِلِيّ النار التي تلظّى التقيّ، ووضع أفعل موضع فعيل، كما قال طرفة: تَمَنّى رِجالٌ أنْ أمُوتَ وَإنْ أَمُتْفَتِلكَ سَبيلٌ لَسْتُ فِيها بأَوْحَدِ ١٨و قوله: الّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكّى يقول: الذي يعطي ماله في الدنيا في حقوق اللّه التي ألزمه إياها، يتزكى: يعني : يتطهر بإعطائه ذلك من ذنوبه. ٩١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَمَا لأحَدٍ عِندَهُ مِن نّعْمَةٍ تُجْزَىَ}. كان بعض أهل العربية يوجه تأويل ذلك إلى: وما لأحد من خلق اللّه عند هذا الذي يؤتى ماله في سبيل اللّه يتزكى مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى يعني : من يد يكافئه عليها، يقول: ليس ينفق ما ينفق من ذلك، ويعطى ما يعطى، مجازاة إنسان يجازيه على يد له عنده، ولا مكافأة له على نعمة سلفت منه إليه، أنعمها عليه، ولكن يؤتيه في حقوق اللّه ابتغاء وجه اللّه . قال: وإلا في هذا الموضع بمعنى لكن وقال: يجوز أن يكون الفعل في المكافأة مستقبلاً، فيكون معناه: ولم يُرِد بما أنفق مكافأة من أحد، ويكون موقع اللام التي في أحد في الهاء التي خفضتها عنده، فكأنك قلت: وما له عند أحد فيما أنفق من نعمة يلتمس ثوابها، قال: وقد تضع العرب الحرف في غير موضعه إذا كان معروفا، واستشهدوا لذلك ببيت النابغة: وَقَدْ خِفْتُ حتى ما تَزِيدُ مَخافَتِيعلى وَعِلٍ فِي ذِي المَطارَةِ عاقِلِ والمعنى: حتى ما تزيد مخافة وعل على مخافتي وهذا الذي قاله الذي حكينا قوله من أهل العربية، وزعم أنه مما يجوز هو الصحيح الذي جاءت به الاَثار عن أهل التأويل وقالوا: نزلت في أبي بكر بعَتْقه من أعتق. ذكر من قال ذلك: ٢٠٢٨٩٧٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَما لاِءَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إلاّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبّهِ الأعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى يقول: ليس به مثابة الناس ولا مجازاتهم، إنما عطيته للّه. ٢٨٩٧١ـ حدثني محمد بن إبراهيم الأنماطي، قال: حدثنا هارون بن معروف. قال: حدثنا بشر بن السريّ، قال: حدثنا مصعب بن ثابت، عن عامر بن عبد اللّه عن أبيه، قال: نزلت هذه الاَية في أبي بكر الصدّيق: وَما لاِءَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إلاّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبّهِ الأعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى. ٢٨٩٧٢ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، قال: أخبرني سعيد، عن قتادة ، في قوله: وَما لاِءَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى قال: نزلت في أبي بكر، أعتق ناسا لم يلتمس منهم جزاء ولا شكورا، ستة أو سبعة، منهم بلال، وعامر بن فُهَيرة. وعلى هذا التأويل الذي ذكرناه عن هؤلاء، ينبغي أن يكون قوله: إلاّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبّهِ الأعْلَى نصبا على الاستثناء من معنى قوله: وَما لاِءَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى لأن معنى الكلام: وما يؤتي الذي يؤتي من ماله ملتسما من أحد ثوابه، إلا ابتغاء وجه ربه. وجائز أن يكون نصبه على مخالفة ما بعد إلا ما قبلها، كما قال النابغة: ت.ت.وَما بالرّبْعِ مِنْ أحَدِ إلاّ أَوَارِيّ لأَيْا ما أُبَيّنُهات. ٢١و قوله: وَلَسَوْفَ يَرْضَى يقول: ولسوف يرضى هذا المؤتي ماله في حقوق اللّه عزّ وجلّ، يتزكى بما يثيبه اللّه في الاَخرة عوضا مما أتى في الدنيا في سبيله، إذا لقي ربه تبارك وتعالى. |
﴿ ٠ ﴾