٦و قوله: إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ اختلف أهل التأويل في معنى هذا الاستثناء، فقال بعضهم: هو استثناء صحيح من قوله ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ قالوا: وإنما جاز استثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وهم جمع، من الهاء في قوله ثُمّ رَدَدْناهُ وهي كناية الإنسان، والإنسان في لفظ واحد، لأن الإنسان وإن كان في لفظ واحد، فإنه في معنى الجمع، لأنه بمعنى الجنس، كما قيل: وَالْعَصْرِ إنّ الإنْسانَ لَفِي خُسْرٍ قالوا: وكذلك جاز أن يقال: ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ فيضاف أفعل إلى جماعة، وقالوا: ولو كان مقصودا به قصدُ واحد بعينه، لم يجز ذلك، كما لا يُقال: هذا أفضل قائمين، ولكن يقال: هذا أفضل قائم ذكر من قال ذلك: ٢٩٠٧٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن سعيد بن سابق، عن عاصم الأحول، عن عكرمة، قال: (كان يقال) : من قرأ القرآن لم يُردّ إلى أرذل العمر، ثم قرأ: لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ فِي أحْسَن تَقْوِيمٍ ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ إلا الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ قال: لا يكونُ حتى لا يعلَم من بعد علم شيئا. فعلى هذا التأويل قوله: ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ لخاصّ من الناس، غير داخل فيهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، لأنه مستثنى منهم. وقال آخرون: بل الذين آمنوا وعملوا الصالحات قد يدخلون في الذين رُدّوا إلى أَسْفَل سافلين، لأن أرذْل العُمر قد يردّ إليه المؤمن والكافر. قالوا: وإنما استثنى قوله: إلاّ الّذِين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ من معنى مضمر في قوله: ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ قالوا: ومعناه: ثم رددناه أسفل سافلين، فذهبت عقولهم وخَرِفوا، وانقطعت أعمالهم، فلم تثبت لهم بعد ذلك حسنة. إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ فإن الذي كانوا يعملونه من الخير، في حال صحة عقولهم، وسلامة أبدانهم، جارٍ لهم بعد هَرَمهم وخَرَفهم. وقد يُحتمل أن يكون قوله: إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ استثناء منقطعا، لأنه يحسن أن يقال: ثم رددناه أسفل سافلين، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، لهم أجر غير ممنون، بعد أن يردّ أسفل سافلين. ذكر من قال معنى هذا القول: ٢٩٠٧١ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عديّ، عن داود، عن عكرِمة، عن ابن عباس إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهُمْ أجْرٌ غَيرُ مَمْنُونِ قال: فأيّما رجل كان يعمل عملاً صالحا وهو قويّ شاب، فعجز عنه، جرى له أجر ذلك العمل حتى يموت. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس : إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهُمْ أجْرٌ غَيرُ مَمْنُونٍ يقول: إذا كان يعمل بطاعة اللّه في شبيبته كلها، ثم كبر حتى ذهب عقله، كُتب له مثل عمله الصالح، الذي كان يعمل في شبيبته، ولم يُؤاخذ بشيء مما عمل في كبره، وذهاب عقله، من أجل أنه مؤمن، وكان يطيع اللّه في شبيبته. ٢٩٠٧٢ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، في قوله: ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ قال: إلى أرذل العمر، فإذا بلغ المؤمن إلى أرذل العمر، كُتِب له كأحسن ما كان يعمل في شبابه وصحته، فه و قوله: فَلَهُمْ أجْرٌ غَيرُ مَمْنُونٍ. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم ثُمّ ردَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فإنه يكتب له من الأجر، مثل ما كان يعمل في الصحة. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، مثله. حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ قال: إذا بلغ من الكبر ما يعجز عن العمل، كُتب له ما كان يعمل. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فإنه يُكتب لهم حسناتهم. ويُتجاوز لهم عن سيئاتهم. ذكر من قال ذلك: ٢٩٠٧٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو، عن عاصم، عن أبي رَزِين، عن ابن عباس ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ قال: هم الذين أدركهم الكِبرَ، لا يؤاخذون بعمل عملوه في كبرهم، وهم هَرْمَى لا يعقلون. ٢٩٠٧٤ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، قال: سُئل عكِرمة، عن قوله: إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهُمْ أجْرٌ غَيرُ مَمْنُونٍ قال: يوفيه اللّه أجره أو عمله، ولا يؤاخذه إذا رُدّ إلى أرذل العمر. حدثني يعقوب، قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت الحكم يحدّث، عن عكرِمة ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ قال: الشيخ الهَرِم لم يضرّه كبره إن ختم اللّه له بأحسن ما كان يعمل. ٢٩٠٧٥ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ قال: من أدركه الهرم، وكان يعمل صالحا، كان له مثل أجره إذا كان يعمل. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثم رددناه أسفل سافلين في جهنم، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فلهم أجر غير ممنون، فعلى هذا التأويل: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات مستثَنون من الهاء في قوله: ثُمّ رَدَدْناهُ، وجاز استثناؤهم منها إذ كانت كناية للإنسان، وهو بمعنى الجمع، كما قال: إنّ الإنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إلاّ الّذِين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ. ذكر من قال ذلك: ٢٩٠٧٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ إلاّ الّذِينَ آمَنُوا: إلا من آمن. ٢٩٠٧٧ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، قال: قال الحسن، في قوله: ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ: في النار إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ قال الحسن: هي ك قوله: وَالْعَصْر إنّ الإنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إلا الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ. وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصحة، قول من قال: معناه: ثم رددناه إلى أرذل العمر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات في حال صحتهم وشبابهم، فلهم أجر غير ممنون بعد هَرَمهم، كهيئة ما كان لهم من ذلك على أعمالهم، في حال ما كانوا يعملون وهم أقوياء على العمل. وإنما قلنا ذلك أولى بالصحة لما وصفنا من الدلالة على صحة القول بأن تأويل قوله: ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَل سافِلِينَ إلى أرذل العمر. واختلفوا في تأويل قوله: غَيرُ مَمْنُونٍ فقال بعضهم: معناه: لهم أجر غير منقوص. ذكر من قال ذلك: ٢٩٠٧٨ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، في قوله: فَلَهُمْ أجْرٌ غَيرُ مَمْنُونٍ يقول: غير منقوص. وقال آخرون: بل معناه: غير محسوب. ذكر من قال ذلك: ٢٩٠٧٩ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد فَلَهُمْ أجْرٌ غَيرُ مَمْنُونٍ: غير محسوب. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فَلَهُمْ أجْرٌ غَيرُ مَمْنُونٍ قال: غير محسوب. ٢٩٠٨٠ـ قال: ثنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم فَلَهُمْ أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ قال: غير محسوب. ٢٩٠٨١ـ قال: ثنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم فَلَهُمْ أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ قال: غير محسوب. وقد قيل: إن معنى ذلك: فلهم أجر غير مقطوع. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: قول من قال: فلهم أجر غير منقوص، كما كان له أيام صحته وشبابه، وهو عندي من قولهم: جبل مَنِين: إذا كان ضعيفا ومنه قول الشاعر: أعْطَوْا هُنَيْدَةَ يَحْدُوها ثَمَانِيَةٌما فِي عَطائِهِمُ مَنّ وَلا سَرَفُ يعني : أنه ليس فيه نقص، ولا خطأ. |
﴿ ٦ ﴾