تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآنللإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبريإمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)_________________________________سورة العلقسورة العلق مكية وآياتها تسع عشرة بسم اللّه الرحمَن الرحيم ١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ}. يعني جل ثناؤه ب قوله: اقْرأْ باسِمِ رَبّكَ محمدا صلى اللّه عليه وسلم يقول: اقرأ يا محمد بذكر ربك الّذِي خَلَقَ، ٢ثم بين الذي خلق فقال: خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ عَلَقٍ يعني : من الدم، وقال: من علق والمراد به من علقة، لأنه ذهب إلى الجمع، كما يقال: شجرة وشجر، وقصَبة وقَصَب، وكذلك علقة وعَلَق. وإنما قال: من علق والإنسان في لفظ واحد، لأنه في معنى جمع، وإن كان في لفظ واحد، فلذلك قيل: من عَلَق. ٣و قوله: اقْرأْ وَرَبّكَ الأكْرَمُ يقول: اقرأ يا محمد وربك الأكرم ٤الّذِي عَلّمَ بِالقَلَمِ: خَلْقَه الكتاب والخط، كما: ٢٩٠٩٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ قرأ حتى بلغ عَلّمَ بِالقَلَمِ قال: القلم: نعمة من اللّه عظيمة، لولا ذلك لم يقم، ولم يصلح عيش. و قيل: إن هذه أوّل سورة نزلت في القرآن على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . ذكر من قال ذلك: ٢٩٠٩١ـ حدثني أحمد بن عثمان البصري، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا أبي، قال: سمعت النعمان بن راشد يقول عن الزهريّ، عن عروة، عن عائشة أنها قالت كان أوّل ما ابتدىء به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة كانت تجيء مثل فَلَقِ الصبح، ثم حُبّب إليه الخلاء، فكان بغار حِراء يتحنّث فيه اللياليَ ذواتِ العدد، قبل أن يرجع إلى أهله، ثُمّ يَرْجع إلى أهْلِهِ فيتزوّد لمثلها، حتى فجأه الحقّ، فأتاه فقال: يا محمد أنت رسول اللّه ، قال رسول اللّه : (فَجَثَوْتُ لِرُكَبَتيّ وأنا قائمٌ، ثُمّ رَجَعْتُ تَرْجُفُ بَوَادِرِي، ثُمّ دَخَلْت عَلى خَدِيجَةَ، فَقُلْتُ: زَمّلُونِي زَمّلُونِي، حتى ذَهَبَ عَنّي الرّوْعُ، ثُمّ أتانِي فَقالَ: يا مُحَمّدُ، أنا جِبْرِيلُ وأنْتَ رَسُولُ اللّه ، قالَ: فَلَقَدْ هَمَمْت أنْ أطْرَحَ نَفْسِي مِنْ حالِقٍ مِنْ جَبَلٍ، فَتَمَثّلَ إليّ حِينَ هَمَمْتُ بذلكَ، فَقالَ: يا مُحمّدُ، أنا جِبْرِيلُ وأنْتَ رَسُولٌ اللّه ، ثُمّ قالَ: اقْرأْ، قُلْتُ: ما أقْرأُ؟ قال: فأخَذَنِي فَغَطّنِي ثَلاثَ مَرّاتٍ، حتى بَلَغَ مِنّي الجَهْدُ، ثمّ قالَ: اقْرأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ فَقَرأْتُ، فأتَيْتُ خَدِيجَةً، فَقَلْتُ: لَقَدْ أشْفَقْتُ عَلى نَفْسِي، فأخْبَرْتُها خَبَرِي، فَقَالَتْ: أبْشِرْ، فَوَاللّه لا يُخْزيكَ اللّه أبَدا، وَوَاللّه إنّكَ لَتَصِلُ الرّحَمِ، وَتَصْدُقُ الْحَديثَ، وَتُؤَدّي الأمانَةَ، وَتَحْمِلُ الكَلّ، وَتَقْرِي الضّيْفَ، وتُعِينُ عَلى نَوَائِبِ الْحَقّ ثُمّ انْطَلَقَتْ بِي إلى وَرَقَةَ بنِ نَوفَلِ بنِ أسَدٍ، قالَتِ: اسمَعْ مِنِ ابْنِ أخِيكَ، فَسألَنِي، فأخْبَرْتُهُ خَبِري، فَقالَ: هَذَا النّامُوسُ الّذِي أُنْزِلَ عَلى مُوسَى صَلى اللّه عليهِ وسلم ، لَيْتَنِي فِيها جَذَعٌ لَيْتَنِي أكُونُ حَيّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، قُلْتُ: أوَ مُخْرِجيّ هُمْ؟ قال: نَعَمْ، إنّهُ لَمْ يَجِىءْ رَجُلٌ قَطّ بِمَا جِئْتَ بِهِ، إلاّ عُودِيَ، وَلَئِنْ أدْرَكَنِي يَوْمُكَ أنْصُرْكَ نَصْرا مُؤَزّرا، ثُمّ كانَ أوّلُ ما نَزَلَ عَليّ مِنَ القُرآنِ بَعْدَ (اقْرأْ) : ن والقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أنْتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ بِمَجْنُونٍ وَإنّ لَكَ لأَجْرا غَيرَ مَمْنُونٍ وَإنّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ فَسَتُبْصِرُ ويُبْصِرُونَ، ويا أيّها المُدّثِرُ قُمْ فأنْذِرْ، والضّحَى وَاللّيْلِ إذَا سَجَى) . حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: ثني عروة أن عائشة أخبرته، وذكر نحوه، غير أنه لم يقل: ثم كان أوّل ما أُنزل عليّ من القرآن... الكلام إلى آخره. ٢٩٠٩٢ـ حدثنا ابن أبي الشوارب، قال: حدثنا عبد الواحد، قال: حدثنا سليمان الشيباني، قال: حدثنا عبد اللّه بن شدّاد، قال: أتى جبريل محمدا، فقال: يا محمد اقرأ، فقال: (وما أقرأ؟) قال: فضمه، ثم قال: يا محمد اقرأ، قال: (وما أقرأ؟) قال: باسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ حتى بلغ عَلّمَ الإنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ. قال: فجاء إلى خديجة، فقال: (يا خديجة ما أراه إلا قد عُرِضَ لي) ، قالت: كّلا، واللّه ما كان ربك يفعل ذلك بك، وما أتيت فاحشة قطّ قال: فأتت خديجة ورقة، فأخبرته الخبر، قال: لئن كنتِ صادقة إن زوجكِ لنبيّ، ولَيَلْقَينّ من أمته شدّة، ولئن أدركته لأومننّ به قال: ثم أبطأ عليه جبريل، فقالت له خديجة: ما أرى ربك إلا قد قلاك، فأنزل اللّه : وَالضّحَى واللّيْلِ إذَا سَجَى ما وَدّعَكَ رَبّكَ وَما قَلى. ٢٩٠٩٣ـ حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهريّ، قال: حدثنا سفيان، عن الزهريّ، عن عُرْوة، عن عائشة قال إبراهيم: قال سفيان: حفظه لنا ابن إسحاق: إن أوّل شيء أُنزل من القرآن: اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ. حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري، قال: حدثنا سفيان، عن محمد بن إسحاق، عن الزهريّ عن عروة، عن عائشة، أنّ أوّل سورة أُنزلت من القرآن اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ. ٢٩٠٩٤ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عديّ، عن شعبة، عن عمرو بن دينار، عن عُبيد بن عُمير، قال: أوّل سورة نزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اقرأْ باسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ. قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا شعبة، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت عُبيد بن عُمير يقول: فذكر نحوه. ٢٩٠٩٥ـ حدثنا خلاد بن أسلم، قال: أخبرنا النضر بن شميل، قال: حدثنا قرّة، قال: أخبرنا أبو رجاء العُطارديّ، قال: كنا في المسجد الجامع، ومقرئنا أبو موسى الأشعريّ، كأني أنظر إليه بين بُردين أبيضين قال أبو رجاء: عنه أخذت هذه السورة: اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ وكانت أوّل سورة نزلت على محمد. ٢٩٠٩٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسار، قال: أوّل سورة نزلت من القرآن اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ. ٢٩٠٩٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا يحيى وعبد الرحمن بن مهديّ، قالا: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: أوّل ما نزل من القرآن: اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ وزاد ابن مهدي: ن والْقَلَمِ. حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن شعبة، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت عُبيد بن عُمير يقول: أوّل ما أنزل من القرآن اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ. قال: ثنا وكيع، عن قُرّة بن خالد، عن أبي رجاء العطارديّ، قال: إني لأنظر إلى أبي موسى وهو يقرأ القرآن في مسجد البصرة، وعليه بُردان أبيضان، فأنا أخذت منه اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ، وهي أوّلُ سورة أُنزلت على محمد صلى اللّه عليه وسلم . قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: إن أوّل سورة أُنزلت: اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ. ثم ن والقَلَمِ. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ٥و قوله: عَلّمَ الإنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ يقول تعالى ذكره: علّم الإنسان الخطّ بالقلم، ولم يكن يعلمه، مع أشياء غير ذلك، مما علمه ولم يكن يعلمه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٩٠٩٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: عَلّمَ الإنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ قال: علّم الإنسان خَطّا بالقلم. ٦و قوله: كَلاّ يقول تعالى ذكره: ما هكذا ينبغي أن يكون الإنسان أن يُنْعِمَ عليه ربّه بتسويته خَلقه، وتعليمه ما لم يكن يعلم، وإنعامه بما لا كُفؤَ له، ثم يكفر بربه الذي فعل به ذلك، ويطغى عليه، أن رآه استغنى. ٧و قوله: إنّ الإنْسانَ لَيَطْغَى أنْ رآهُ اسْتَغْنَى يقول: إن الإنسان ليتجاوز حدّه، ويستكبر على ربه، فيكفر به، لأنْ رأى نفسه استغنت. و قيل: أن رآه استغنى لحاجة (رأى) إلى اسم وخبر، وكذلك تفعل العرب في كل فعل اقتضى الاسمَ والفعلَ، إذا أوقعه المخبر عن نفسه على نفسه، مكنيا عنها فيقول: متى تراك خارجا؟ ومتى تحسبك سائرا؟ فإذا كان الفعل لا يقتضي إلا منصوبا واحدا، جعلوا موضع المكنى نفسه، فقالوا: قتلت نفسك، ولم يقولوا: قتلتك ولا قتلته. ٨و قوله: إنّ إلى رَبّكَ الرّجْعَى: يقول: إن إلى ربك يا محمد مَرْجِعَه، فذائق من أليم عقابه ما لا قِبَل له به. ٩القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الّذِي يَنْهَىَ * عَبْداً إِذَا صَلّىَ }. ذُكر أن هذه الاَية وما بعدها نزلت في أبي جهل بن هشام، وذلك أنه قال فيما بلغنا: لئن رأيت محمدا يصلي، لأطأنّ رقبته وكان فيما ذُكر قد نَهَى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يصلي، فقال اللّه لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : أرأيت يا محمد أبا جهل الذي يَنْهاك أن تصليَ عند المَقام، وهو مُعرض عن الحقّ، مكذّب به، يُعجّب جلّ ثناؤه نبيه والمؤمنين من جهل أبي جهل، وجراءته على ربه، في نهيه محمدا عن الصلاة لربه، وهو مع أياديه عنده مكذّب به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ١٠٢٩٠٩٩ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح. عن مجاهد. في قول اللّه : أرأَيْتَ الّذِي يَنْهَى عَبْدا إذَا صَلّى قال: أبو جهل، يَنْهَى محمدا صلى اللّه عليه وسلم إذا صلى. ٢٩١٠٠ـ حدثنا بشر. قال: حدثنا يزيد. قال: حدثنا سعيد. عن قتادة أرأيْتَ الّذِي يَنْهَى عَبْدا إذَا صَلّى نزلت في عدوّ اللّه أبي جهل، وذلك لأنه قال: لئن رأيت محمدا يصلّي لأطأنْ على عنقه. فأنزل اللّه ما تسمعون. ٢٩١٠١ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قول اللّه : أرأَيْتَ الّذِي يَنْهَى عَبْدا إذَا صَلّى قال: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا صلى اللّه عليه وسلم يصلّي، لأطأنّ على عنقه قال: وكان يقال: (لكل أمة فرعون، وفرعون هذه الأمة أبو جهل) . ٢٩١٠٢ـ حدثنا إسحاق بن شاهين الواسطيّ، قال: حدثنا خالد بن عبد اللّه ، عن داود، عن عكرِمة، عن ابن عباس ، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلّي، فجاءه أبو جهل، فنهاه أن يُصَلّيَ، فأنزل اللّه : أرأَيْتَ الّذِي يَنْهَى عَبْدا إذَا صَلّى... إلى قوله: كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ. ١١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَىَ الْهُدَىَ * أَوْ أَمَرَ بِالتّقْوَىَ }. يقول تعالى ذكره: أرأَيْتَ إنْ كانَ محمد عَلى الهُدَى يعني : على استقامة وسَدَاد في صلاته لربه ١٢أوْ أمَرَ بالتّقْوَى أو أمر محمد هذا الذي يَنْهى عن الصلاة، باتقاء اللّه ، وخوف عقابه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٩١٠٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: أرأَيْتَ إنْ كانَ عَلى الهُدَى أوْ أمَرَ بالتّقْوَى قال محمد: كان على الهدى، وأمر بالتقوى. ١٣القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ إِن كَذّبَ وَتَوَلّىَ }. يقول تعالى ذكره: أرأَيْتَ إنْ كَذّبَ أبو جهل بالحقّ الذي بَعَث به محمدا وَتَوَلّى يقول: وأدبر عنه، فلم يصدق به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٩١٠٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة أرأَيْتَ إنْ كَذّبَ وَتَوَلّى يعني : أبا جهل. ١٤القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَم بِأَنّ اللّه يَرَىَ * كَلاّ لَئِن لّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُو الزّبَانِيَةَ * كَلاّ لاَ تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب }. يقول تعالى ذكره: ألم يعلم أبو جهل إذ ينهى محمدا عن عبادة ربه، والصلاة له، بأن اللّه يراه فيخاف سطوته وعقابه. و قيل: أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى، أرأيت إن كان على الهدى، فكررت أرأيت مرات ثلاثا على البدل. والمعنى: أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى، وهو مكذّب متولّ عن ربه، ألم يعلم بأن اللّه يراه. ١٥و قوله: كَلاّ لَئِن لَمْ يَنْتَهِ يقول: ليس كما قال: إنه يطأ عنق محمد، يقول: لا يقدر على ذلك، ولا يصل إليه. و قوله: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ يقول: لئن لم ينته أبو جهل عن محمد لَنَسْفَعا بالنّاصِيَةِ يقول: لنأخذن بمقدّم رأسه، فلنضمنه ولنذلنه يقال منه: سَفَعْتُ بيده: إذا أخذت بيده. و قيل: إنما قيل لَنَسْفَعا بالنّاصِيَةِ والمعنى: لنسوّدنّ وجهه، فاكتفى بذكر الناصية من الوجه كله، إذ كانت الناصية في مقدم الوجه. و قيل: معنى ذلك: لنأخذنّ بناصيته إلى النار، كما قال: فَيُؤْخَذُ بالنّوَاصِي وَالأقْدَامِ. ١٦و قوله: ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ فخفض ناصية ردّا على الناصية الأولى بالتكرير، ووصف الناصية بالكذب والخطيئة، والمعنى لصاحبها. ١٧و قوله: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ يقول تعالى ذكره: فليدع أبو جهل أهل مجلسه وأنصاره، من عشيرته وقومه، والنادي: هو المجلس. وإنما قيل ذلك فيما بلغنا، لأن أبا جهل لما نهى النبي صلى اللّه عليه وسلم عن الصلاة عند المقام، انتهره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأغلظ له، فقال أبو جهل: علام يتوعدني محمد وأنا أكثر أهل الوادي ناديا؟ فقال اللّه جلّ ثناؤه: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعا بالنّاصِيَةِ، فليدع حينئذٍ ناديه، فإنه إن دعا ناديه، دعونا الزبانية. وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الأخبار، وقال أهل التأويل. ذكر الاَثار المروية في ذلك: ٢٩١٠٥ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر وحدثنا أبو كرَيب، قال: حدثنا الحكم بن جميع، قال: حدثنا عليّ بن مُسْهِر، جميعا عن داود بن أبي هند، عن عكرِمة، عن ابن عباس قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي عند المَقام، فمرّ به أبو جهل بن هشام، فقال: يا محمد، ألم أنهك عن هذا؟ وتوعّده، فأغلظ له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وانتهره، فقال: يا محمد بأيّ شيء تهدّدني؟ أما واللّه إني لأكثر هذا الوادي ناديا، فأنزل اللّه : فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنْدْعُ الزّبانِيَةَ قال ابن عباس : لو دعا ناديه، أخذته زبانية العذاب من ساعته. حدثني إسحاق بن شاهين، قال: حدثنا خالد بن عبد اللّه ، عن داود، عن عكرِمة، عن ابن عباس ، قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي، فجاءه أبو جهل، فنهاه أن يصلي، فأنزل اللّه : أرأَيْتَ الّذِي يَنْهَى عَبْدا إذَا صَلّى... إلى قوله: كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ فقال: لقد علم أني أكثر هذا الوادي نَاديا، فغضب النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فتكلم بشيء، قال داود: ولم أحفظه، فأنزل اللّه : فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنَدْعُ الزّبانِيَةَ فقال ابن عباس : فواللّه لو فعل لأخذته الملائكة من مكانه. ٢٩١٠٦ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن أبيه، قال: حدثنا نعيم بن أبي هند، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال أبو جهل: هل يُعَفّر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل نعم، قال: فقال: واللاتِ والعُزّى لئن رأيته يصلي كذلك، لأطأنّ على رقبته، لأُعَفّرنّ وجهه في التراب، قال: فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته، قال: فما فجأهم منه إلا وهو ينكْص على عَقبيه، ويتقي بيديه قال: ف قيل له: مالك؟ قال: فقال: إن ببني وبينه خَنْدقا من نار، وهَوْلاً وأجنحة قال: فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (لَوْ دَنا مِنّي لاخْتَطَفَتْهُ المَلائِكَةُ عُضْوا عُضْوا) قال: وأنزل اللّه ، لا أدري في حديث أبي هريرة أم لا: كَلاّ إنّ الإنْسانَ لَيَطْغَى أنْ رآهُ اسْتَغْنَى إنّ إلى رَبّكَ الرّجْعَى أرأيْتَ الّذِي يَنْهَى عَبْدا إذَا صَلّى أرأَيْتَ إنْ كانَ عَلى الهُدَى أوْ أمَرَ بالتّقْوَى أرأَيْتَ إنْ كَذّبَ وَتَوَلّى يعني أبا جهل ألَمْ يَعْلَمْ بِأنّ اللّه يَرَى كَلاّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعا بالنّاصِيَةٍ ناصيةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نادِيَهُ يدعو قومه سَنَدْعُ الزّبانِيَةَ الملائكة كَلاّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ. ٢٩١٠٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: أخبرنا يونس بن أبي إسحاق، عن الوليد بن العَيْزَار، عن ابن عباس ، قال: قال أبو جهل: لئن عاد محمد يصلي عند المقام لأقتلنه، فأنزل اللّه : اقْرأْ باسْمِ رَبّكَ حتى بلغ هذه الاَية: لَنَسْفَعا بالنّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنَدْعُ الزّبانِيَةَ، فجاء النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو يصلي، ف قيل له: ما يمنعك؟ قال: (قد اسودّ ما بيني وبينه من الكتائب) .. قال ابن عباس : واللّه لو تحرّك لأخذته الملائكة والناس ينظرون إليه. ٢٩١٠٨ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا زكريا بن عديّ، قال: حدثنا عبيد اللّه بن عمرو، عن عبد الكريم، عن عكرِمة، عن ابن عباس ، قال: قال أبو جهل: لئن رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يصلي عند الكعبة، لاَتينه حتى أطأ على عنقه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (لَوْ فَعَلَ لأَخَذَتْهُ المَلائِكَةُ عِيانا) . وبالذي قلنا في معنى النادي قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٩١٠٩ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ يقول: فليدع ناصره. ١٨٢٩١١٠ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد سَنَدْعُ الزّبانِيَةَ قال: الملائكة. ٢٩١١١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن أبي سنان، عن عبد اللّه بن أبي الهُذَيل: الزبانية أرجلهم في الأرض، ورؤوسهم في السماء. ٢٩١١٢ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن قتادة ، في قوله: سَنَدْعُ الزّبانِيَةَ قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (لَوْ فَعَلَ أبُو جَهْلٍ لأَخَذَتْهُ الزّبانِيَةُ المَلائِكَةُ عِيانا) . ٢٩١١٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة سَنَدْعُ الزّبانِيَةَ قال: الملائكة. ٢٩١١٤ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: الزبانية، قال: الملائكة. ١٩و قوله: كَلاّ يقول تعالى ذكره: ليس الأمر كما يقول أبو جهل، إذ ينهى محمدا عن عبادة ربه، والصلاة له لا تُطِعْهُ يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : لا تُطع أبا جهل فيما أمرك به من ترك الصلاة لربك وَاسْجُدْ لِرَبّكَ وَاقْتَرِبْ منه، بالتحبب إليه بطاعته، فإن أبا جهل لن يقدر على ضرّك، ونحن نمنعك منه. ٢٩١١٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة كَلاّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ذُكر لنا أنها نزلت في أبي جهل، قال: لئن رأيتُ محمدا يصلي لأطأنّ عنقه، فأنزل اللّه : كَلاّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ قال نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين بلغه الذي قال أبو جهل، قال: (لو فعل لاختطفته الزبانية) . |
﴿ ٠ ﴾