تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة العاديات

سورة العاديات مكية وآياتها إحدى عشرة

بسم اللّه الرحمَن الرحيم

١

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً}.

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: وَالْعادِياتِ ضَبْحا فقال بعضهم: عُنِي بالعاديات ضَبْحا: الخيل التي تعدوها، وهي تحمحم. ذكر من قال ذلك:

٢٩١٧٠ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، في قوله وَالْعادِياتِ ضَبْحا قال: الخيل، وزعم غير ابن عباس أنها الإبل.

٢٩١٧١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول اللّه : وَالْعَادِياتِ ضَبْحا قال ابن عباس : هو في القتال.

٢٩١٧٢ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرِمة في قوله: وَالْعادِياتِ ضَبْحا قال الخيل.

٢٩١٧٣ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: أخبرنا أبو رجاء، قال: سُئل عكرِمة، عن قوله: وَالْعادِياتِ ضَبْحا قال: ألم تر إلى الفرس إذا جرى كيف يَضْبَح.

٢٩١٧٤ـ حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهريّ، قال: حدثنا سفيان، عن ابن جرَيج، عن عطاء، قال: ليس شيء من الدوابّ يضبح غير الكلب والفرس.

٢٩١٧٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله اللّه : وَالْعادِياتِ ضَبْحا قال: الخيل تَضْبَح.

٢٩١٧٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَالْعادِياتِ ضَبْحا قال: هي الخيل، عَدَتْ حَتى ضَبَحَتْ.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله وَالْعادِياتِ ضَبْحا قال: هي الخيل تعدو حتى تَضْبَح.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن سعيد، عن قتادة مثل حديث بشر، عن يزيد.

٢٩١٧٧ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا سعيد، قال: سمعت سالما يقرأ: وَالْعادِياتِ ضَبْحا قال: هي الخيل عدت ضبحا.

٢٩١٧٨ـ قال: ثنا وكيع، عن واصل، عن عطاء وَالْعادِياتِ ضَبْحا قال: الخيل.

٢٩١٧٩ـ قال: ثنا وكيع، عن سفيان بن عيينة عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس ، قال: ما ضبحت دابة قطّ إلا كلب أو فرس.

٢٩١٨٠ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَالْعادِياتِ ضَبْحا قال: هي الخيل.

حدثني سعيد بن الربيع الرازيّ. قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس ، قال: هي الخيل.

وقال آخرون: هي الإبل. ذكر من قال ذلك:

٢٩١٨١ـ حدثني أبو السائب. قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد اللّه وَالْعادِياتِ ضَبْحا قال: هي الإبل.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد اللّه ، مثله.

حدثني عيسى بن عثمان الرمليّ، قال: ثني عمي يحيى بن عيسى الرمليّ، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد اللّه ، مثله.

حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا جرير، عن مُغيرة، عن إبراهيم، عن عبد اللّه وَالْعادِياتِ ضَبْحا قال: هي الإبل إذا ضبحت تنفّست.

٢٩١٨٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا أبو صخر، عن أبي معاوية البَجَليّ، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس ، حدثه قال: بينما أنا في الحِجْر جالس، أتاني رجل يسأل عن الْعادِياتِ ضَبْحا فقلت له: الخيل حين تغير في سبيل اللّه ، ثم تأوي إلى الليل، فيصنعون طعامهم، ويورون نارهم. فانفتل عني، فذهب إلى عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه وهو تحت سقاية زمزم، فسأله عن الْعادِياتِ ضَبْحا فقال: سألت عنها أحدا قبلي؟ قال: نعم، سألت عنها ابن عباس ، فقال: الخيل حين تغير في سبيل اللّه ، قال: اذهب فادعه لي فلما وقفت على رأسه قال: تُفتي الناس بما لا علم لك به، واللّه لكانت أوّل غزوة في الإسلام لِبدر، وما كان معنا إلا فرسان: فَرَس للزّبَير، وفرس للمقداد، فكيف تكون العادياتِ ضبحا إنما العاديات ضبحا من عرفة إلى مزدلفة إلى منى قال ابن عباس : فنزعت عن قولي، ورجعت إلى الذي قال عليّ رضي اللّه عنه.

٢٩١٨٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مِهْران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم وَالْعَادِياتِ ضَبْحا قال: الإبل.

٢٩١٨٤ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول اللّه : وَالْعَادِياتِ ضَبْحا قال: قال ابن مسعود: هو في الحجّ.

٢٩١٨٥ـ حدثنا سعيد بن الربيع الرازيّ، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عبيد بن عمير، قال: هي الإبل، يعني وَالْعادِياتِ ضَبْحا.

حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم وَالْعادِياتِ ضَبْحا قال: قال ابن مسعود: هي الإبل.

وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب: قول من قال: عني بالعاديات: الخيل، وذلك أن الإبل لا تضْبَح، وإنما تضبح الخيل، وقد أخبر اللّه تعالى أنها تعدو ضَبْحا، والضّبْح: هو ما قد ذكرنا قبل. وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٩١٨٦ـ حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهريّ، قال: حدثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، قال: قال عليّ رضي اللّه عنه: الضبح من الخيل: الحَمْحَمة، ومن الإبل: النفس.

٢٩١٨٧ـ قال: ثنا سفيان، عن ابن جُرَيج، عن عطاء، قال: سمعت ابن عباس يصف الضبح: أَحْ أَحْ.

٢

و قوله: فالمُورِيات قَدْحا اختلف أهل التأويل، في ذلك، فقال بعضهم: هي الخيل تُورِي النارَ بحوافرها. ذكر من قال ذلك:

٢٩١٨٨ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن عُلَية، قال: حدثنا أبو رجاء، قال: سُئل عِكرِمة، عن قوله: فالمُورِياتِ قَدْحا قال: أوْرَتْ وقَدَحتْ.

٢٩١٨٩ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فالمُورِياتِ قَدْحا قال: هي الخيل وقال الكلبيّ: تقدح بحوافرها حتى يخرج منها النار.

٢٩١٩٠ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن واصل، عن عطاء فالمُورِياتِ قَدْحا قال: أورت النار بحوافرها.

٢٩١٩١ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فالمُورِياتِ قَدْحا تُوري الحجارةَ بحوافرها.

وقال آخرون: بل معنى ذلك أن الخيل هِجْنَ الحرب بين أصحابهنّ ورُكْبانهنّ. ذكر من قال ذلك:

٢٩١٩٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فالمُورِياتِ قَدْحا قال: هِجْنَ الحرب بينهم وبين عدوّهم.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة فالمُورِياتِ قَدْحا قال: هجِن الحرب بينهم وبين عدوّهم.

وقال آخرون: بل عُنِي بذلك: الذين يُورون النار بعد انصرافهم من الحرب. ذكر من قال ذلك:

٢٩١٩٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، عن أبي معاوية البَجَلِيّ، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس ، قال: سألني عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه، عن الْعادِياتِ ضَبْحا فالمُورِياتِ قَدْحا فقلت له: الخيل تغير في سبيل اللّه ، ثم تأوِي إلى الليل، فيصنعون طعامهم ويورون نارهم.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: مكر الرجال. ذكر من قال ذلك:

٢٩١٩٤ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس : فالمُورِياتِ قَدْحا قال: المكر.

٢٩١٩٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح. عن مجاهد، في قول اللّه : فالمُورِياتِ قَدْحا قال: مكر الرجال.

وقال آخرون: هي الألسنة ذكر من قال ذلك:

٢٩١٩٦ـ حدثنا الحسن بن عرفة، قال: حدثنا يونس بن محمد، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن سمِاك بن حرب، عن عكرِمة قال: يُقال في هذه الاَية فالمُورِياتِ قَدْحا قال: هي الألسنة.

وقال آخرون: هي الإبل حين تسير تَنْسِفَ بمناسمها الحصى. ذكر من قال ذلك:

٢٩١٩٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مُغيرة، عن إبراهيم، عن عبد اللّه : فالمُورِياتِ قَدْحا قال: إذا تَسَفت الحصى بمناسمها، فضربَ الحصَى بعضُه بعضا، فيخرج منه النار.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: إن اللّه تعالى ذكره أقسم بالموريات التي توري النيران قدحا فالخيل تُوري بحوافرها، والناس يورونها بالزّند، واللسان مثلاً يوري بالمنطق، والرجال يورون بالمكر مثلاً، وكذلك الخيل تهيج الحرب بين أهلها: إذا التقت في الحرب ولم يضع اللّه دلالة على أن المراد من ذلك بعضٌ دون بعض فكلّ، ما أوْرت النارَ قدْحا، فداخلة فيما أقسم به، لعموم ذلك بالظاهر.

٣

و قوله: فالمُغِيرَاتِ صُبْحا اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: فالمغيرات صبحا على عدوّها علانية. ذكر من قال ذلك:

٢٩١٩٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، عن أبي معاوية البَجَليّ، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس ، قال: سألني رجل عن المغيرات صبحا، فقال: الخيل تغير في سبيل اللّه .

٢٩١٩٩ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن عُلَية، قال: أخبرنا أبو رجاء، قال: سألت عكرِمة، عن قوله فالمُغِيرَاتِ صُبْحا قال: أغارت على العدوّ صبحا.

٢٩٢٠٠ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فالمُغَيرَاتِ صُبْحا قال: هي الخيل.

٢٩٢٠١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فالمُغيرَاتِ صُبْحا قال: هي الخيل.

٢٩٢٠٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فالمُغِيرَاتِ صُبْحا قال: أغار القومُ بعدما أصبحوا على عدوّهم.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ثور، عن معمر، عن قتادة فالمُغِيرَاتِ صُبْحا قال: أغارت حين أصبحت.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة فالمُغِيرَاتِ صُبْحا قال: أغار القوم حين أصبحوا.

وقال آخرون: عُنِي بذلك الإبل حين تدفع بركبانها من (جَمْعٍ) يوم النحر إلى (مِنَى) . ذكر من قال ذلك:

٢٩٢٠٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مُغيرة، عن إبراهيم، عن عبد اللّه فالمُغِيرَاتِ صُبْحا حين يفيضون من جَمْع.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: إن اللّه جل ثناؤه أقسم بالمُغيرات صبحا، ولم يخصصْ من ذلك مغيرة دون مغيرة، فكلّ مغيرة صُبحا، فداخلة فيما أقسم به وقد كان زيد بن أسلم يذكر تفسير هذه الأحرف ويأباها، ويقول: إنما هو قسم أقسم اللّه به.

٢٩٢٠٤ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَالْعادِياتِ ضَبْحا فالمُورِياتِ قَدْحا قال: هذا قسم أقسم اللّه به. وفي قوله: فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا قال: كلّ هذا قسم، قال: ولم يكن أبي ينظر فيه إذا سُئل عنه، ولا يذكره، يريد به القسم.

٤

و قوله: فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعا يقول تعالى ذكره: فرفعن بالوادي غُبارا والنقْع: الغبار، ويقال: إنه التراب. والهاء قوله (به) كناية اسم الموضع، وكنى عنه، ولم يجر له ذكر، لأنه معلوم أن الغبار لا يثار إلا من موضع، فاستغنى بفهم السامعين بمعناه من ذكره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٩٢٠٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعا قال: الخيل.

٢٩٢٠٦ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن واصل، عن عطاء وابن زيد، قال: النقع: الغبار.

٢٩٢٠٧ـ حدثنا هناد، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرِمة فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعا قال: هي أثارت الغبار، يعني الخيل.

حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَية، قال: حدثنا أبو رجاء، قال: سُئل عكرِمة، عن قوله فأَثَرْنَ بِهِ نَقْعا قال: أثارت الترابَ بحوافرها.

٢٩٢٠٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعا قال: أثرن بحوافرها نقعَ التراب.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، مثله.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعا قال: أثرن به غبارا.

٢٩٢٠٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، عن أبي معاوية البَجَلي، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: قال لي عليّ: إنما العاديات ضَبْحا من عرفةَ إلى المزدلفة، ومن المزدلفة إلى مِنَى فَأَثَرْنَ به نَقْعا: الأرض حين تطؤها بأخفافها وحوافرها.

٢٩٢١٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مُغيرة، عن إبراهيم، عن عبد اللّه فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعا قال: إذا سِرْن يُثرِن الترابَ.

٥

و قوله: فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا يقول تعالى ذكره: فوسَطْن بركبانهنّ جمع القوم، يقال: وسطت القوم بالتخفيف، ووسّطته بالتشديد، وتوسّطته: بمعنى واحد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٩٢١١ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَية، قال: حدثنا أبو رجاء، قال: سُئل عكرِمة، عن قوله: فَوَسْطْنَ بِهِ جَمْعا قال: جمع الكفار.

حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرِمة فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا قال جمع القوم.

٢٩٢١٢ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس : فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا قال: هو جمع القوم.

٢٩٢١٣ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن واصل، عن عطاء فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا قال: جمع العدوّ.

٢٩٢١٤ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا قال: جمع هؤلاء وهؤلاء.

٢٩٢١٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا فوسطن جمع القوم.

٢٩٢١٦ـ حدثنا ابن حميد قال: حدثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا فوسطن بالقوم جمعَ العدوّ.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا قال: وسطن جمع القوم.

٢٩٢١٧ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا الجمع: الكتيبة.

وقال آخرون: بل عُنِي بذلك فَوَسَطْنَ بِهِ مزدلفة. ذكر من قال ذلك:

٢٩٢١٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مُغيرة، عن إبراهيم، عن عبد اللّه فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا يعني : مزدلفة.

٦

و قوله: إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ يقول: إن الإنسان لكفور لنِعم ربه. والأرض الكنود: التي لا تُنبت شيئا، قال الأعشى:

أحْدِثْ لَهَا تُحْدِثْ لِوَصْلِكَ إنّهاكُنُدٌ لِوَصْلِ الزّائِرِ المُعْتادِ

و

قيل: إنما سُمّيت كِندة: لقطعها أباها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٩٢١٩ـ حدثني عبيد اللّه بن يوسف الجُبَيْرِيّ، قال: حدثنا محمد بن كثير، قال: حدثنا مسلم، عن مجاهد، عن ابن عباس ، قوله: إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ قال: لكفور.

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس : إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ قال: لربه لكفور.

٢٩٢٢٠ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ قال: لكفور.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.

حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.

حدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

٢٩٢٢١ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن مهديّ بن ميمون، عن شعيب بن الحَبْحاب، عن الحسن البصريّ: إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ قال: هو الكفور الذي يَعُدّ المصائب، وينسى نِعَم ربه.

٢٩٢٢٢ـ حدثنا وكيع، عن أبي جعفر، عن الربيع، قال: الكنود: الكفور.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، قال: قال الحسن: إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ يقول: لوّام لربه يعدّ المصائب.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن لَكَنُودٌ قال: لكفور.

٢٩٢٢٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ قال: لكفور.

حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة ، مثله.

٢٩٢٢٤ـ حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي، قال: حدثنا خالد بن الحارث، قال: حدثنا شعبة، عن سماك أنه قال: إنما سُمّيت كِندة: أنها قَطَعت أباها إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ قال: لكفور.

٢٩٢٢٥ـ حدثنا أبو كرَيب، قال: حدثنا عبيد اللّه ، عن إسرائيل، عن جعفر بن الزّبير، عن القاسم، عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ قال: (لَكَفُورٌ، الّذِي يأكُلُ وَحْدَهُ، وَيَضْرِبُ عَبْدَهُ، ويَمْنَعُ رِفْدَهُ) .

٢٩٢٢٦ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ قال: الكنود: الكفور، وقرأ: إنّ الإنْسانَ لَكَفُورٌ.

حدثنا الحسن بن عليّ بن عياش، قال: حدثنا أبو المُغيرة عبد القدّوس، قال: حدثنا حريز بن عثمان، قال: ثني حمزة بن هانىء، عن أبي أمامة أنه كان يقول: الكَنُود: الذي ينزل وحده، ويضرب عبده، ويمنع رفده.

حدثني محمد بن إسماعيل الصواريّ، قال: حدثنا محمد بن سوّار، قال: أخبرنا أبو اليقظان، عن سفيان عن هشام، عن الحسن، في قوله إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ قال: لوّام لربه، يعدّ المصائب، وينسى النّعَم.

٧

و قوله: وَإنّهُ عَلى ذلكَ لَشَهِيدٌ يقول تعالى ذكره: إن اللّه على كنوده رَبّه لشهيد: يعني لشاهد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٩٢٢٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن قتادة وَإنّهُ عَلى ذَلكَ لَشَهِيدٌ قال: يقول: إن اللّه على ذلك لشهيد.

٢٩٢٢٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَإنّهُ عَلى ذَلكَ لَشَهِيدٌ في بعض القراءات (إنّ اللّه عَلى ذلكَ لَشَهِيدٌ) .

٢٩٢٢٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان وَإنّهُ عَلى ذَلكَ لَشَهِيدٌ يقول: وإن اللّه عليه شهيد.

٨

و قوله: وَإنّهُ لِحُبّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ يقول تعالى ذكره: وإن الإنسان لحبّ المال لشديد.

واختلف أهل العربية في وجه وصفه بالشدّة لحبّ المال، فقال بعض البصريين: معنى ذلك: وإنه من أجل حبّ الخير لشديد: أي لبخيل قال: يقال للبخيل: شديد ومتشدّد. واستشهدوا لقوله ذلك ببيت طَرَفة بن العبد اليشكري:

أرَى المَوْتَ يَعْتامُ النّفُوسَ ويَصْطَفِيعَقِيلَةَ مالِ الباخِلِ المُتَشَدّدِ

وقال آخرون: معناه: وإنه لحبّ الخير لقويّ.

وقال بعض نحوييّ الكوفة: كان موضع لحُبّ أن يكون بعد شديد، وأن يضاف شديد إليه، فيكون الكلام: وإنه لشديد حُبّ الخير فلما تقدّم الحبّ في الكلام،

قيل: شديد، وحذف من آخره، لما جرى ذكره في أوّله ولرؤوس الاَيات، قال: ومثله في سورة إبراهيم: كَرَمادٍ اشْتَدّتْ بهِ الرّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ والعَصوف لا يكون لليوم، إنما يكون للريح فلما جرى ذكر الريح قبل اليوم طرحت من آخره، كأنه قال: في يوم عاصف الريح، واللّه أعلم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٩٢٣٠ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَإنّهُ لِحُبّ الخَيْرِ لَشدِيدٌ قال: الخير: الدنيا وقرأ: إنْ تَرَك خَيْرا الوَصِيّةُ قال: فقلت له: إن ترك خيرا: المال؟ قال: نعم، وأيّ شيء هو إلا المال؟ قال: وعسى أن يكون حراما، ولكن الناس يعدّونه خيرا، فسماه اللّه خيرا، لأن الناس يسمونه خيرا في الدنيا، وعسى أن يكون خبيثا، وسُمّي القتال في سبيل اللّه سُوءا، وقرأ قول اللّه : فانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّه وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ قال: لم يمسهم قتال قال: وليس هو عند اللّه بسوء، ولكن يسمونه سوءا.

وتأويل الكلام: إن الإنسان لربه لكنود، وإنه لحبّ الخير لشديد، وإن اللّه على ذلك من أمره لشاهد. ولكن قوله: وَإنّهُ عَلى ذِلكَ لَشَهِيدٌ قدّم، ومعناه التأخير، فجعل معترضا بين قوله: إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ، وبين قوله: وَإنّهُ لِحُبّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٩٢٣١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة إنّ الإنْسانَ لِرَبّهِ لَكَنُودٌ وإنّهُ عَلى ذلكَ لَشَهِيدٌ قال: هذا في مقاديم الكلام، قال: يقول: إن اللّه لشهيد أن الإنسان لحبّ الخير لشديد.

٩

و قوله: أفَلا يَعْلَمُ إذَا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ يقول: أفلا يعلم هذا الإنسان الذي هذه صفته، إذا أُثير ما في القبر، وأُخرج ما فيها من الموتى وبُحث.

وذُكر أنها في مصحف عبد اللّه : (إذا بُحث ما في القبور) ، وكذلك تأوّل ذلك أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٩٢٣٢ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، في قوله: بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ بُحث. وللعرب في بُعْثِرَ لغتان: تقول: بُعثر، وبُحثر، ومعناهما واحد.

١٠

و قوله: وَحُصّلَ ما فِي الصّدُورِ يقول: ومُيّز وبُيّن، فأبرز ما في صدور الناس من خير وشرّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٩٢٣٣ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: وَحُصّلَ ما في الصّدُورِ يقول: أُبرز.

٢٩٢٣٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان وَحُصّلَ ما فِي الصّدُورِ يقول: مُيّز.

١١

و قوله: إنّ رَبّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ يقول: إن ربهم بأعمالهم، وما أسرّوا في صدورهم، وأضمروه فيها، وما أعلنوه بجوارحهم منها، عليم لا يخفى عليه منها شيء، وهو مجازيهم على جميع ذلك يومئذٍ.

﴿ ٠