تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة المسد

سورة المسد مكية وآياتها خمس

بسم اللّه الرحمَن الرحيم

١

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {تَبّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبّ}.

يقول تعالى ذكره: خَسِرت يدا أبي لهب، وخَسِر هو. وإنما عُنِي ب قوله: تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ تبّ عمله. وكان بعض أهل العربية يقول: قوله: تَبّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ: دعاء عليه من اللّه .

وأما قوله: وَتَبّ فإنه خبر. ويُذكر أن ذلك في قراءة عبد اللّه : (تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبّ) . وفي دخول (قد) فيه دلالة على أنه خبر، ويمثّل ذلك بقول القائل لاَخر: أهلَكك اللّه ، وقد أهلكك، وجعلك صالحا وقد جعلك. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: تَبّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٩٥٢٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ: أي خسرت وتب.

٢٩٥٢٦ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول اللّه : تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَتَبّ قال: التبّ: الخسران، قال: قال أبو لهب للنبيّ صلى اللّه عليه وسلم : ماذا أُعطَى يا محمد إن آمنت بك؟ قال: (كمّا يُعْطَى المُسْلِمُونَ) ، فقال: مالي عليهم فضل؟ قال: (وأيّ شَيْءٍ تَبْتَغِي؟) قال: تبا لهذا من دين تبا، أن أكون أنا وهؤلاء سواء، فأنزل اللّه : تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ يقول: بما عملت أيديهم.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ قال: خَسِرت يدا أبي لهب وخَسِر.

و

قيل: إن هذه السورة نزلت في أبي لهب، لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم لما خَصّ بالدعوة عشيرتَه، إذ نزل عليه: وَأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ وجمعهم للدعاء، قال له أبو لهب: تبا لك سائرَ اليوم، ألهذا دعوتنا؟ ذكر الأخبار الواردة بذلك:

٢٩٥٢٧ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: صعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذات يوم الصفا، فقال: (يا صَباحاهْ) فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: مالك؟ قال: (أرأَيْتَكُمْ إنْ أخْبَرْتُكُمْ أنّ العَدُوّ مُصَبّحُكُمْ أوْ مُمَسّيكُمْ، أما كُنْتُمْ تُصَدَقُونِنَي؟) قالوا: بلى، قال: (فإني نَذِيرٌ لَكُمْ بَينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) ، فقال أبو لهب: تَبّا لك، ألهذا دعوتنا وجمعتنا؟ فأنزل اللّه : تَبّتْ يَدَا أبي لَهَبٍ إلى آخرها.

حدثني أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس ، مثله.

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن نُمير، عن الأعمش، عن عمرو بن مُرّة، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس ، قال: لما نزلت وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على الصّفا ثم نادَى: (يا صَباحاهْ) ، فاجتمع الناس إليه، فبَيْنَ رجلٌ يجيء، وبين آخر يبعثُ رسولَه، فقال: (يا بَنِي هاشِمٍ، يا بَنِي عَبْدَ المُطّلِبِ، يا بَنِي فِهْرٍ، يا بَنِي... يا بَنِي أرأَيْتَكُمْ لَوْ أخْبَرْتُكُمْ أنّ خَيْلاً بِسَفْحٍ هَذَا الجَبَل) يريد تغير عليكم (صَدّقْتُمُونِي؟) قالوا: نعم، قال: (فإنّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) ، فقال أبو لهب: تَبّا لك سائر اليوم، ألهذا دعوتنا؟ فنزلت: (تَبّتْ يَدَا أَبي لَهَبٍ وَتَبّ) .

حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا أبو أُسامة، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الاَية: وأنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ ورهطك منهم المخلصين، خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، حتى صعد الصفا، فهتف: (يا صَباحاهْ) ، فقالوا: مَنْ هذا الذي يهتف؟ فقالوا: محمد، فاجتمعوا إليه، فقال: (يا بَنِي فُلانٍ، يا بَنِي فُلانٍ، يا بَنِي عَبْدَ المُطّلِبِ، يا بَنِي عَبْدَ مَنافٍ) ، فاجتمعوا إليه، فقال: (أرأَيْتَكُمْ لَوْ أخْبَرْتُكُمْ أنّ خَيْلاً تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الجَبَلِ أكُنْتُمْ مُصَدّقْي؟) قالوا: ما جرّبنا عليك كذبا، قال: (فإنّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَينَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) ، فقال أبو لهب: تَبّا لك ما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام فنزلت هذه السورة: (تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبّ) كذا قرأ الأعمش إلى آخر السورة.

٢٩٥٢٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، في قوله: تَبّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ قال: حين أرسل النبي صلى اللّه عليه وسلم إليه وإلى غيره، وكان أبو لهب عمّ النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وكان اسمه عبد العُزّى، فذكرهم، فقال أبو لهب: تَبا لك، في هذا أرسلت إلينا؟ فأنزل اللّه : تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ.

﴿ ١