تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن

للإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري

إمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)

_________________________________

سورة الناس

سورة الناس مكية وآياتها ستٌ

بسم اللّه الرحمَن الرحيم

١

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ النّاس}.

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : قل يا محمد أستجير بِرَبّ النّاسِ

٢

مَلِكِ النّاسِ وهو ملك جميع الخلق: إنسِهم وجنهم، وغير ذلك، إعلاما منه بذلك مَنْ كان يعظّم الناس تعظيم المؤمنين ربّهم، أنه مَلِكُ من يعظمه، وأن ذلك في مُلكه وسلطانه، تجري عليه قُدرته، وأنه أولى بالتعظيم، وأحقّ بالتعبد له ممن يعظمه، ويتعبّد له، من غيره من الناس.

٣

و قوله: إلَهِ النّاسِ يقول: معبود الناس، الذي له العبادة دون كلّ شيء سواه.

٤

و قوله: مِنْ شَرّ الوَسْوَاسِ يعني : من شرّ الشيطان الخَنّاسِ الذي يخنِس مرّة ويوسوس أخرى، وإنما يخنِس فيما ذُكر عند ذكر العبد ربه. ذكر من قال ذلك:

٢٩٦١٦ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا يحيى بن عيسى، عن سفيان، عن حكيم بن جُبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، قال: ما من مولود إلا على قلبه الوَسواس، فإذا عقل فذكر اللّه خَنَس، وإذا غَفَل وسوس، قال: فذلك قوله: الْوَسْوَاسِ الخَنّاسِ.

٢٩٦١٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن سفيان، عن ابن عباس ، في قوله الوَسْوَاسِ الخَنّاسِ قال: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر اللّه خنس.

٢٩٦١٨ـ قال: ثنا مهران، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد الْوَسْوَاسِ الخَنّاسِ قال: ينبسط، فإذا ذكر اللّه خَنَس وانقبض، فإذا غفل انبسط.

٢٩٦١٩ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله الْوَسْوَاسِ الخَنّاسِ قال: الشيطان يكون على قلب الإنسان، فإذا ذكر اللّه خَنَس.

٢٩٦٢٠ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة الْوَسْوَاسِ قال: قال هو الشيطان، وهو الخَنّاس أيضا، إذا ذكر العبد ربه خنس، وهو يوسوس ويَخْنِس.

حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة مِنْ شَرّ الْوَسْوَاسِ الخَنّاسِ يعني : الشيطان، يوسوس في صدر ابن آدم، ويخنس إذا ذَكر اللّه .

٢٩٦٢١ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن أبيه، ذُكر لي أن الشيطان، أو قال الوسواس، ينفث في قلب الإنسان عند الحزن وعند الفرح، وإذا ذَكر اللّه خنس.

٢٩٦٢٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: الخَنّاسِ قال: الخناس الذي يوسوس مرّة، ويخنس مرّة من الجنّ والإنس، وكان يقال: شيطان الإنس أشدّ على الناس من شيطان الجنّ، شيطان الجنّ يوسوس ولا تراه، وهذا يُعاينك معاينة.

ورُوي عن ابن عباس رضي اللّه عنه أنه كان يقول في ذلك مِنْ شَرّ الْوَسْوَاسِ الذي يوسوس بالدعاء إلى طاعته في صدور الناس، حتى يُستجاب له إلى ما دعا إليه من طاعته، فإذا استجيب له إلى ذلك خَنَس. ذكر من قال ذلك:

٢٩٦٢٣ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، في قوله الْوَسْواس قال: هو الشيطان يأمره، فإذا أطيع خنس.

والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن اللّه أمر نبيه محمدا صلى اللّه عليه وسلم أن يستعيذ به من شرّ شيطان يوسوس مرّة ويخنس أخرى، ولم يخصّ وسوسته على نوع من أنواعها، ولا خنوسه على وجه دون وجه، وقد يوسوس الدعاء إلى معصية اللّه ، فإذا أطيع فيها خَنَس، وقد يوسوس بالنّهْي عن طاعة اللّه فإذا ذكر العبدُ أمر به، فأطاعه فيه، وعصى الشيطان خنس، فهو في كل حالتيه وَسْواس خَنّاس، وهذه الصفة صفته.

و قوله: الّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ يعني بذلك: الشيطان الوسواس، الذي يوسوس في صدور الناس: جنهم وإنسهم.

٥

فإن قال قائل: فالجنّ ناس، فيقال: الذي يوسوس في صدور الناس: من الجنة والناس.

قيل: قد سماهم اللّه في هذا الموضع ناسا، كما سماهم في موضع آخر رجالاً، فقال: وَأنّهُ كَانَ رِجالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الجِنّ، فجعل الجنّ رجالاً، وكذلك جعل منهم ناسا.

وقد ذكر عن بعض العرب أنه قال وهو يحدّث، إذ جاء قوم من الجنّ فوقفوا، ف

قيل: من أنتم؟ فقالوا: ناس من الجنّ، فجعل منهم ناسا، فكذلك ما في التنزيل من ذلك.

﴿ ٠