١٢٨قوله تعالى: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} يُقَالُ: إنَّ أَصْلَ النُّسُكِ فِي اللُّغَةِ الْغَسْلُ، يُقَالُ مِنْهُ: نَسَكَ ثَوْبَهُ إذَا غَسَلَهُ، وَقَدْ أُنْشِدَ فِيهِ بَيْتُ شِعْرٍ: وَلَا يُنْبِتُ الْمَرْعَى سِبَاخُ عَرَاعِرِ وَلَوْ نُسِكَتْ بِالْمَاءِ سِتَّةَ أَشْهُرِ وَفِي الشَّرْعِ: اسْمٌ لِلْعِبَادَةِ، يُقَالُ: رَجُلٌ نَاسِكٌ، أَيْ: عَابِدٌ. وَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلّى اللّه عليه وسلّم يَوْمَ الْأَضْحَى فَقَالَ {إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ الصَّلَاةُ ثُمَّ الذَّبْحُ}. فَسَمَّى الصَّلَاةَ نُسُكًا، وَالذَّبِيحَةُ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ تُسَمَّى نُسُكًا، قَالَ اللّه تَعَالَى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} يَعْنِي ذَبْحَ شَاةٍ، وَمَنَاسِكُ الْحَجِّ: مَا يَقْتَضِيه مِنْ الذَّبْحِ وَسَائِرِ أَفْعَالِهِ، قَالَ النَّبِيُّ صلّى اللّه عليه وسلّم حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ: {خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ} وَالْأَظْهَرُ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} سَائِرُ أَعْمَالِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ اللّه تَعَالَى أَمَرَهُمَا بِبِنَاءِ الْبَيْتِ لِلْحَجِّ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللّه بْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام قَالَ: {أَتَى جِبْرِيلُ إبْرَاهِيمَ عليهما السلام فَرَاحَ بِهِ إلَى مَكَّةَ ثُمَّ مِنًى} وَذَكَرَ أَفْعَالَ الْحَجِّ عَلَى نَحْوِ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلّى اللّه عليه وسلّم فِي حَجَّتِهِ، قَالَ: ثُمَّ أَوْحَى اللّه إلَى نَبِيِّهِ صلّى اللّه عليه وسلّم {أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}. وَكَذَلِكَ أَرْسَلَ النَّبِيُّ عليه السلام إلَى قَوْمٍ بِعَرَفَاتٍ وُقُوفٍ خَلْفَهُ وَهُوَ وَاقِفٌ بِهَا فَقَالَ: {كُونُوا عَلَى مَشَاعِرِكُمْ فَإِنَّكُمْ عَلَى إرْثٍ مِنْ إرْثِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام}. |
﴿ ١٢٨ ﴾