٣٥قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إنَّ اللّه اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} قِيلَ فِي قَوْلِهِ: {اصْطَفَاكِ}: " اخْتَارَكِ بِالتَّفْضِيلِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ فِي زَمَانِهِمْ " يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ جُرَيْجٍ. وَقَالَ غَيْرُهُمَا: " مَعْنَاهُ أَنَّهُ اخْتَارَك عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ بِحَالٍ جَلِيلَةٍ مِنْ وِلَادَةِ الْمَسِيحِ ". وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: " وَطَهَّرَكِ مِنْ الْكُفْرِ بِالْإِيمَانِ ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا سَائِغٌ، كَمَا جَازَ إطْلَاقُ اسْمِ النَّجَاسَةِ عَلَى الْكَافِرِ؛ لِأَجْلِ الْكُفْرِ فِي قوله تعالى: {إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} وَالْمُرَادُ نَجَاسَةُ الْكُفْرِ، فَكَذَلِكَ يَكُونُ {وَطَهَّرَكِ} بِطَهَارَةِ الْإِيمَانِ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {إنَّ الْمُؤْمِنَ لَيْسَ بِنَجَسٍ}، يَعْنِي بِهِ نَجَاسَةَ الْكُفْرِ، وَهُوَ كَقوله تعالى: {إنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} وَالْمُرَادُ طَهَارَةُ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَاتِ. وَقِيلَ: إنَّ الْمُرَادَ " وَطَهَّرَكِ مِنْ سَائِرِ الْأَنْجَاسِ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَغَيْرِهِمَا ". وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي وَجْهِ تَطْهِيرِ الْمَلَائِكَةِ لِمَرْيَمَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نَبِيَّةً؛ لِأَنَّ اللّه تَعَالَى قَالَ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إلَّا رِجَالًا نُوحِي إلَيْهِمْ} فَقَالَ قَائِلٌ: " كَانَ ذَلِكَ مُعْجِزَةً لِزَكَرِيَّا عليه السلام ". وَقَالَ آخَرُونَ: " عَلَى وَجْهِ إرْهَاصِ نُبُوَّةِ الْمَسِيحِ، كَحَالِ الشُّهُبِ وَإِظْلَالِ الْغَمَامَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ لِنَبِيِّنَا صلّى اللّه عليه وسلّم قَبْلَ الْمَبْعَثِ ". |
﴿ ٣٥ ﴾