سورة الأنفالبسم اللّه الرحمن الرحيم قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللّه عَلَيْهِ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ وَعَطَاءٌ: الْأَنْفَالُ الْغَنَائِمُ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ الْأَنْفَالَ مَا يَصِلُ إلَى الْمُسْلِمِينَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ بِغَيْرِ قِتَالٍ مِنْ دَابَّةٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ مَتَاعٍ، فَذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلّى اللّه عليه وسلّم يَضُمُّهُ حَيْثُ يَشَاءُ. وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّ الْأَنْفَالَ الْخُمُسُ الَّذِي جَعَلَهُ اللّه لِأَهْلِ الْخُمُسِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَتْ الْأَنْفَالُ مِنْ السَّرَايَا الَّتِي تَتَقَدَّمُ أَمَامَ الْجَيْشِ الْأَعْظَمِ. وَالنَّفَلُ فِي اللُّغَةِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ، وَمِنْهُ النَّافِلَةُ وَهِيَ التَّطَوُّعُ؛ وَهُوَ عِنْدَنَا إنَّمَا يَكُونُ قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ فَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يَجُوزُ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ لِلسَّرِيَّةِ: لَكُمْ الرُّبُعُ بَعْدَ الْخُمُسِ أَوْ الرُّبُعُ حِيزَ مِنْ الْجَمِيعِ قَبْلَ الْخُمُسِ، أَوْ يَقُولَ: مَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ، عَلَى وَجْهِ التَّحْرِيضِ عَلَى الْقِتَالِ وَالتَّضْرِيَةِ عَلَى الْعَدُوِّ؛ أَوْ يَقُولَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ وَأَمَّا بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُنَفِّلَ مِنْ نَصِيبِ الْجَيْشِ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُنَفِّلَ مِنْ الْخُمُسِ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ، فَرُوِيَ عَنْ {سَعْدٍ قَالَ: أَصَبْت يَوْمَ بَدْرٍ سَيْفًا، فَأَتَيْت بِهِ النَّبِيَّ صلّى اللّه عليه وسلّم فَقُلْت: نَفِّلْنِيهِ فَقَالَ: ضَعْهُ مِنْ حَيْثُ أَخَذْت فَنَزَلَتْ: {يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَالِ}. قَالَ: فَدَعَانِي رَسُولُ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وَقَالَ: اذْهَبْ وَخُذْ سَيْفَك.} وَرَوَى مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: {يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَالِ} قَالَ: {الْأَنْفَالُ الْغَنَائِمُ الَّتِي كَانَتْ لِرَسُولِ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خَاصَّةً لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا شَيْءٌ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللّه تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للّه خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} الْآيَةَ}؛ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي بِذَلك سُلَيْمَانُ عَنْ مُجَاهِدٍ. وَرَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ {النَّبِيَّ صلّى اللّه عليه وسلّم نَفَّلَ يَوْمَ بَدْرٍ أَنْفَالًا مُخْتَلِفَةً وَقَالَ: مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ} فَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَحْوَ مَا قُلْنَا، وَقَالَ آخَرُونَ: نَحْنُ حَمَيْنَا رَسُولَ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وَكُنَّا رِدْءًا لَكُمْ، قَالَ: فَلَمَّا اخْتَلَفْنَا وَسَاءَتْ أَخْلَاقُنَا انْتَزَعَهُ اللّه مِنْ أَيْدِينَا فَجَعَلَهُ إلَى رَسُولِهِ فَقَسَمَهُ عَنْ الْخُمُسِ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ تَقْوَى وَطَاعَةُ رَسُولِ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وَصَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ ١لقوله تعالى: {يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ للّه وَالرَّسُولِ} قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: قَالَ رَسُولُ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {لِيَرُدَّ قَوِيُّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ضَعِيفِهِمْ}. وَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {لَمْ تَحِلَّ الْغَنِيمَةُ لِقَوْمٍ سُودِ الرُّءُوسِ قَبْلَكُمْ، كَانَتْ تَنْزِلُ نَارٌ مِنْ السَّمَاءِ فَتَأْكُلُهَا فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ أَسْرَعَ النَّاسُ فِي الْغَنَائِمِ، فَأَنْزَلَ اللّه تَعَالَى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنْ اللّه سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا}} قَدْ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلّى اللّه عليه وسلّم قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ قَبْلَ الْقِتَالِ: {مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ وَمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذَا،} وَيُقَالُ إنَّ هَذَا غَلَطٌ، وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صلّى اللّه عليه وسلّم يَوْمَ حُنَيْنٍ: {مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ} وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلّى اللّه عليه وسلّم أَنَّهُ قَالَ :{لَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لِقَوْمٍ سُودِ الرُّءُوسِ غَيْرِكُمْ} وَأَنَّ قوله تعالى: {يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَالِ} نَزَلَتْ بَعْدَ حِيَازَةِ غَنَائِمِ بَدْرٍ، فَعَلِمْنَا أَنَّ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ صلّى اللّه عليه وسلّم نَفَلَهُمْ مَا أَصَابُوا قَبْلَ الْقِتَالِ غَلَطٌ؛ إذْ كَانَتْ إبَاحَتُهَا إنَّمَا كَانَتْ بَعْدَ الْقِتَالِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى غَلَطِهِ أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ وَمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذَا ثُمَّ قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ بِالسَّوَاءِ} وَذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى النَّبِيِّ صلّى اللّه عليه وسلّم خَلْفُ الْوَعْدِ وَلَا اسْتِرْجَاعُ مَا جَعَلَهُ لِإِنْسَانٍ وَأَخْذُهُ مِنْهُ وَإِعْطَاؤُهُ غَيْرَهُ؛ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْ النَّبِيِّ صلّى اللّه عليه وسلّم قَوْلٌ فِي الْغَنَائِمِ قَبْلَ الْقِتَالِ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ الْقِتَالِ تَنَازَعُوا فِي الْغَنَائِمِ فَأَنْزَلَ اللّه تَعَالَى: {يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَالِ} فَجَعَلَ أَمْرَهَا إلَى النَّبِيِّ صلّى اللّه عليه وسلّم فِي أَنْ يَجْعَلَهَا لِمَنْ شَاءَ، فَيَقْسِمَهَا بَيْنَهُمْ بِالسَّوَاءِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للّه خُمُسَهُ} عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ، فَجَعَلَ الْخُمُسَ لِأَهْلِهِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْكِتَابِ، وَالْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسَ لِلْغَانِمِينَ، وَبَيَّنَ النَّبِيُّ صلّى اللّه عليه وسلّم سَهْمَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ، وَبَقِيَ حُكْمُ النَّفْلِ قَبْلَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ بِأَنْ يَقُولَ: {مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ وَمَنْ أَصَابَ شَيْئَا فَهُوَ لَهُ} وَمِنْ الْخُمُسِ وَمَا شَذَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ فَكُلُّ ذَلِكَ كَانَ نَفْلًا لِلنَّبِيِّ صلّى اللّه عليه وسلّم يَجْعَلُهُ لِمَنْ يَشَاءُ؛ وَإِنَّمَا وَقَعَ النَّسْخُ فِي النَّفْلِ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ مِنْ غَيْرِ الْخُمُسِ. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِسْمَةَ غَنَائِمِ بَدْرٍ إنَّمَا كَانَتْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي جَعَلَهُ النَّبِيُّ صلّى اللّه عليه وسلّم قِسْمَتَهَا لَا عَلَى قِسْمَتِهَا الْآنَ أَنَّ النَّبِيَّ صلّى اللّه عليه وسلّم قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ بِالسَّوَاءِ وَلَمْ يُخْرِجْ مِنْهَا الْخُمُسَ، وَلَوْ كَانَتْ مَقْسُومَةً قِسْمَةَ الْغَنَائِمِ الَّتِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهَا الْحُكْمُ لِعَزْلِ الْخُمُسِ لِأَهْلِهِ وَلِفَضْلِ الْفَارِسِ عَلَى الرَّاجِلِ؛ وَقَدْ كَانَ فِي الْجَيْشِ فَرَسَانِ أَحَدُهُمَا لِلنَّبِيِّ صلّى اللّه عليه وسلّم وَالْآخَرُ لِلْمِقْدَادِ قَسَمَا الْجَمِيعَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ عَلِمْنَا أَنَّ قوله تعالى: {قُلْ الْأَنْفَالُ للّه وَالرَّسُولِ} قَدْ اقْتَضَى تَفْوِيضَ أَمْرِهَا إلَيْهِ لَيُعْطِيَهَا مَنْ يَرَى، ثُمَّ نُسِخَ النَّفَلُ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ وَبَقِيَ حُكْمُهُ قَبْلَ إحْرَازِهَا عَلَى جِهَةِ تَحْرِيضِ الْجَيْشِ وَالتَّضْرِيَةِ عَلَى الْعَدُوِّ وَمَا لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقَسْمَ وَمِنْ الْخُمُسِ عَلَى مَا شَاءَ. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَلَطَ الرِّوَايَةِ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صلّى اللّه عليه وسلّم قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ: {مَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ} وَأَنَّهُ نَفَلَ الْقَاتِلَ وَغَيْرَهُ مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: {جِئْت إلَى النَّبِيِّ صلّى اللّه عليه وسلّم يَوْمَ بَدْرٍ بِسَيْفٍ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّه إنَّ اللّه قَدْ شَفَى صَدْرِي الْيَوْمَ مِنْ الْعَدُوِّ فَهَبْ لِي هَذَا السَّيْفَ فَقَالَ: إنَّ هَذَا السَّيْفَ لَيْسَ لِي وَلَا لَك، فَذَهَبْت وَأَنَا أَقُولُ يُعْطَاهُ الْيَوْمَ مَنْ لَمْ يُبْلِ بَلَائِي؛ فَبَيْنَا أَنَا؛ إذْ جَاءَنِي الرَّسُولُ فَقَالَ: أَجِبْ فَظَنَنْت أَنَّهُ نَزَلَ فِي شَيْءٍ بِكَلَامِي، فَجِئْت فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صلّى اللّه عليه وسلّم: إنَّك سَأَلْتَنِي هَذَا السَّيْفَ وَلَيْسَ هُوَ لِي وَلَا لَك وَإِنَّ اللّه قَدْ جَعَلَهُ لِي فَهُوَ لَك ثُمَّ قَرَأَ: {يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ للّه وَالرَّسُولِ}. فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صلّى اللّه عليه وسلّم أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا لِسَعْدٍ قَبْلَ نُزُولِ سُورَةِ الْأَنْفَالِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَمَّا جَعَلَهُ اللّه لَهُ آثَرَهُ بِهِ؛} وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ صلّى اللّه عليه وسلّم نَفَّلَهُمْ قَبْلَ الْقِتَالِ وَقَالَ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ. |
﴿ ١ ﴾