٣

قوله تعالى: {وَأَذَانٌ مِنْ اللّه وَرَسُولِهِ إلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} يَعْنِي إعْلَامٌ مِنْ اللّه وَرَسُولِهِ، يُقَالُ: آذَنَنِي بِكَذَا أَيْ أَعْلَمَنِي فَعَلِمْت، وَاخْتُلِفَ فِي يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ، فَرُوِيَ عَنْ {النَّبِيِّ صلّى اللّه عليه وسلّم فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ}، وَعَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ نَحْوُ ذَلِكَ، عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْ الرِّوَايَةِ فِيهِ.

وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صلّى اللّه عليه وسلّم أَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ، وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللّه بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللّه بْنِ أَبِي أَوْفَى وَإِبْرَاهِيمَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهِ مِنْ الرُّوَاةِ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: أَيَّامُ الْحَجِّ كُلُّهَا، وَهَذَا شَائِعٌ، كَمَا يُقَالُ: يَوْمُ صِفِّينَ، وَقَدْ كَانَ الْقِتَالُ فِي أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ،

وَرَوَى حَمَّادٌ عَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا قَالَ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ الْقِرَانُ، وَالْحَجُّ الْأَصْغَرُ الْإِفْرَادُ. وَقَدْ ضُعِّفَ هَذَا التَّأْوِيلُ، مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ لِلْإِفْرَادِ يَوْمٌ بِعَيْنِهِ، وَلِلْقِرَانِ يَوْمٌ بِعَيْنِهِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ يَوْمَ الْقِرَانِ هُوَ يَوْمُ الْإِفْرَادِ لِلْحَجِّ، فَتَبْطُلُ فَائِدَةُ تَفْضِيلِ الْيَوْمِ لِلْحَجِّ الْأَكْبَرِ، فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ النِّدَاءُ بِذَلِكَ فِي يَوْمِ الْقِرَانِ.

وقوله تعالى: {يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} لَمَّا كَانَ يَوْمَ عَرَفَةَ أَوْ يَوْمَ النَّحْرِ، وَكَانَ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ الْعُمْرَةَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَيَّامُ الْحَجِّ غَيْرَ أَيَّامِ الْعُمْرَةِ فَلَا تُفْعَلُ الْعُمْرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ: ( إنَّمَا قَالَ: {يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} لِأَنَّ أَعْيَادَ الْمِلَلِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ، وَهُوَ الْعَامُ الَّذِي حَجَّ فِيهِ النَّبِيُّ صلّى اللّه عليه وسلّم ) فَقِيلَ: هَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ بِذَلِكَ كَانَتْ فِي السَّنَةِ الَّتِي حَجَّ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَلِأَنَّهُ فِي السَّنَةِ الَّتِي حَجَّ فِيهَا النَّبِيُّ صلّى اللّه عليه وسلّم لَمْ يَحُجَّ فِيهَا الْمُشْرِكُونَ لِتَقَدُّمِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى، وَقَالَ عَبْدُ اللّه بْنِ شَدَّادٍ: الْحَجُّ الْأَكْبَرُ يَوْمُ النَّحْرِ وَالْحَجُّ الْأَصْغَرُ الْعُمْرَةُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْعُمْرَةُ هِيَ الْحَجَّةُ الصُّغْرَى وَعَنْ عَبْدِ اللّه بْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُهُ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَوْلُهُ: {الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} قَدْ اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ حَجٌّ أَصْغَرُ، وَهُوَ الْعُمْرَةُ، عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللّه بْنِ شَدَّادٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلّى اللّه عليه وسلّم أَنَّهُ قَالَ: {الْعُمْرَةُ الْحَجَّةُ الصُّغْرَى}، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ اسْمَ الْحَجِّ يَقَعُ عَلَى الْعُمْرَةِ، ثُمَّ {قَالَ النَّبِيُّ صلّى اللّه عليه وسلّم لِلْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ حِينَ سَأَلَهُ فَقَالَ: الْحَجُّ فِي كُلِّ عَامٍ أَوْ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لَا، بَلْ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ}، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ وُجُوبِ الْعُمْرَةِ لِنَفْيِ النَّبِيِّ الْوُجُوبَ إلَّا فِي حِجَّةِ وَاحِدَةٍ، وَقَالَ النَّبِيُّ صلّى اللّه عليه وسلّم :{الْحَجُّ عَرَفَةَ}، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ يَوْمَ النَّحْرِ لِأَنَّ فِيهِ تَمَامَ قَضَاءِ الْمَنَاسِكِ وَالتَّفَثَ، وَيَحْتَمِلُ أَيَّامَ مِنًى عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَخَصَّهُ بِالْأَكْبَرِ لِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِفِعْلِ الْحَجِّ فِيهِ دُونَ الْعُمْرَةِ،

وَقَدْ قِيلَ: إنَّ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، لِأَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْحَجُّ لِقَضَاءِ الْمَنَاسِكِ، وَعَرَفَةُ قَدْ يَأْتِيهَا بَعْضُهُمْ لَيْلًا، وَبَعْضُهُمْ نَهَارًا،

وَأَمَّا النِّدَاءُ بِسُورَةِ بَرَاءَةٌ فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَجَائِزٌ يَوْمَ النَّحْرِ.

﴿ ٣